الصيدلة عند اليونان والرومان
وتنقسم دراسة الصيدلة خلال هذا العصر إلى أربعة أقسام:
- أولًا: عصر إسكليباس من عام ٦٠٠ق.م إلى عام ٤٦٠ق.م.
- ثانيًا: عصر هيبوقراط من عام ٤٦٠ق.م إلى العام ٣٠٧ق.م.
- ثالثًا: ما بين هيبوقراط وجالن أو العصر السكندري أو السير أبيوني من عام ٣٠٧ إلى
١٥٠ق.م.
- رابعًا: العصر الروماني أو الجاليني، وذلك حتى ميلاد سيدنا محمد ﷺ عام
٥٧١م.
وكانت الروح العلمية الغالبة في بلاد اليونان هي الفلسفة، وكانت الفلسفة تطغى على
كل شيء
أمامها، وفلاسفة الإغريق كشكول علوم أو هم علماء فلك وطب وصيدلة ودين وأخلاق في وقت واحد.
وكان للفسلفة اتصال وثيق بالصيدلة والطب كما ذكرنا سابقًا، وكان العصر الهوميري قبل الميلاد
بحوالي ١٠٠٠ عام، فامتاز بالروح القصصية الشعرية ممزوجة بالتاريخ والفلسفة والطب، وتكلَّمَ
عن شيرون سيد الصيدلة في إلياذته.
ثم جاء Thales في القرن السادس قبل الميلاد، وهو أبو
الفلك، وكان أول سبعة رجال مشهورين في ذلك الوقت، وتبعه فيثاغورس، وكان تلاميذه يزورون
مرضاهم في منازلهم. ثم Xenophanes
وEmpedocles الذي اخترع نظرية أصل المادة، ثم اسكليباس
الشهير عام ٥٠٠ق.م، ثم هيرودوتس عام ٤٧٨ق.م.
ثم مضت بعد ذلك فترة هدوء تخبَّطَ فيها علم الصيدلة والأقرباذين بين السحر والشعوذة،
وكانت فيها معابدُ اسكليباس ملاجئَ المرضى، وأصبح كهنة اسكليباس الأطباء والصيادلة ذا
مركز
عظيم، ونهجوا نهج قدماء المصريين والأشوريين والبابليين في تعليق لوحات الأدوية في
معابدهم.
وقد اهتم علماء الإغريق في هذه الفترة بعلاج الجروح، ولدغ الثعبان، والأمراض الوبائية،
وقد أكَّدت أقوال «بلاتو وبلوطارخ وينيدر» هذه الحقائق.
وقد كانت معابد اسكليباس مستشفيات لجميع الأمراض، يؤمها الكثير، ويخرجون منها بقوة
الإله
معافين. كان بين أدويتهم الشائعة في ذلك الوقت المغليات والمنقوعات واللبخ
والحمامات.
ويرتفع تاريخ الصيدلة والعقاقير فجأةً في عصر هيبوقراط الزاهر؛ إذ أُنشِئت منذ ذلك
الوقت
المدارسُ لتلقي هذه العلوم عن نوابغ علماء العصر الفلاسفة، وفد أنشأ بعضهم من ماله الخاص
المستشفيات والصيدليات العامة للمداولة.
وقد قال عنه Littré إن مؤلفات هيبوقراط هي حجر الأساس في
علوم الصيدلة والطب، وأن العلاقات الوثيقة في تلك الأيام بين مصر واليونان من جهةٍ، ومصر
وبلاد العجم والهند من جهة أخرى أوجدت تبادلًا في الآراء العلمية، وأدخلت كثيرًا من
النباتات الشرقية بين عقاقير اليونان. وقد جمع Leclere من
بين مؤلفات هيبوقراط ما يقرب من ٤٠٠ عقار، منها: العصارات والأنبذة والثمار والدهنيات
وكثير
غيرها.
وكانت هذه الأدوية ومركباتها التي اخترعها هيبوقراط هي دستور الإغريق الدوائي في ذلك
الحين.
وُلِد هيبوقراط عام ٤٦٠ق.م في مدينة كوس من أبوين إغريقيين عريقين، فأبوه هيرقليدس
من
سلاسة اسكليباس، وأمه فيناريتا من سلالة هرقل، وجميع أجداده من الكهنة الذين مارسوا مهنة
العلاج. وقد عمر ١٠٩ أعوام ترك للعالم بعدها آثارًا علمية قيِّمة، ووضع الحجر الأساسي
للأنظمة الحديثة في دراسة الصيدلة. كان فليسوفًا عظيمًا وطبيبًا ماهرًا وصيدليًّا بارعًا،
وقد قال نفسه: «إننا نعرف طبيعة الأدوية البسيطة والمركبة، ونعمل منها وصفات ومستحضرات
مختلفة بطرق عديدة وأشكال متباينة، ونجمع النباتات الطبية في مواعيد مختلفة، فمنها ما
يُجمع
مبكرًا، ومنها ما يُجمع متأخرًا، وما يُجفَّف وما يُحمَّص وما يُطبَخ، ونصنع منها الأبخرة
واللبخ والغراغر واللبوسات والشموعات والقطرات والأقراص، وجميع المستحضرات.»
وقد كان هيبوقراط من أنصار الحقن الشرجية والملينات النباتية، ثم ظهر عام ٤٢٠ق.م
العالمُ
Democritus مخترع نظرية المادة والذرة، وبعده تلميذه
ليكيبس أو الفليسوف الضاحك، ثم جاء الفليسوف سقراط عام٤٠٠ق.م، ومات مسمومًا بجرعة من
الثوكران Hemlock، ثم ظهر بعده تلميذه «بلاتو» عام ٣٩٠ق.م،
ثم العالم الفليسوف أرسطو تلميذ بلاتو الذي وُلِد في عام ٣٨٤ق.م وتعلَّم علم الدواء،
وخلف
أرسطو مؤلفات كثيرة في الفلك والكيمياء والنباتات الطبية وعلم الحيوان، ويذكر بعض المؤرخين
أنه أصبح يومًا ما أخصائيًّا لبيع
الأدوية Mere Seller of druge، وهو يُعتبَر أول صيدليٍّ متخصِّص، وقد تعلَّمَ هذا الفن عن أبيه
«نيكوماكوس»، وأصبح يومًا أستاذ الإسكندر الأكبر، وتتلمذ عليه ثيوفداستس بين عامَيْ
٣٩٠–٣٨٠ق.م، وأهم ما أخذه عنه علم النبات حتى توسَّعَ فيه، ولُقِّبَ بأبي علم النبات
Father of Botany.
وجاء الإسكندر الأكبر فأسَّسَ في مصر مدينة الإسكندرية العظيمة التي أصبحت أيام بطليموس
الأول المركز الفكري وكعبة العلم، يحجُّ إليها العلماء من مختلف طبقاتهم من جميع أنحاء
المعمورة، فقد أسَّس فيها عام ٣٠٧ق.م مدرسة الإسكندرية ومكتبتها الشهيرتين. وجلب لها
خيرة
العلماء من بلاد الإغريق، وأنشأ فيها معاهد التعليم ومعامل الأبحاث، وظلت كذلك دائرة
معارف
العالم حتى عصر بطليموس الثالث عام ٢٢١ق.م، وساعد رواج التجارة العظيم بين الأقطار الشرقية
— وخصوصًا بين دولة البطالسة في ذلك الحين وجميع أقطار أفريقيا وآسيا — على معرفة كثيرٍ
من
الأعشاب والعقاقير النباتية.
وقد ظهر في عصر عظمة الإسكندرية العلمية سيرابيون عام ١٥٠ق.م، فأدخل في علم الصيدلة
كثيرًا من الأدوية الحيوانية غير المقبولة مثل مخ الجمل، وبراز التمساح، وقلب الغزال،
ودم
السلحفاة، وخصى الخنازير البرية، وظلت جميعها مستعمَلة حتى القرن الثامن عشر
للميلاد.
وأنشئ بعد ذلك العصر الكثير من المدارس الطبية التي قسَّمت برامجها إلى تشريع وعقاقير،
وظلت كذلك حتى جاء هيراقليدس الذي نبذ التشريح بتاتًا، وركَّزَ العلوم الطبية على أساس
علمي
واحد وهو معرفة العقاقير المختلفة وخواصها وتأثيرها، وهو أساس علم الصيدلة الحديث، وهو
أول
مَن استعمل الأفيون لتسكين الآلام، ومن أشهر وصفاته التي استعملها في حالات الكوليرا
هي:
بذور الحشيش |
٢ درهم |
يانسون |
١ درهم تُعيَّن وتُقسَّم إلى ٣٠ حبة |
أفيون |
٠٫٥ درهم |
وحوالي عام ١٠٠ قبل الميلاد اكتشف منيقراطس اللزقةَ المعروفة باسم
Dicylon، وصنعها من كثير من العصارات والزيوت
والرصاص.
وفي عام ٨٠ق.م درس Mithridates ملك بنطس علم السموم،
واكتشف الترياكا المعروفة باسمه، والتي سنأتي على ذكرها فيما بعدُ، وحوالي ذلك التاريخ
أيضًا اكتشف ديمقراطس مسحوقًا للأسنان ذاع استعماله بين الأهلين، وانتشر كثير من استعمال
المروخات وغيرها. وعند ابتداء العصر الروماني كثرت الأسماء والمترادفات، وأوجدت ارتباكًا
عظيمًا لا يُستهان به، ولم تكن الأدوية والعقاقير تُعطَى لشفاء الأمراض فقط، بل لحرقة
الحب
ولوعة المحبين أيضًا.
وذكر
Celsus عام ٢٥ بعد الميلاد أن ابتداء تمييز أفرع
طبية منفصلة انفصالًا كليًّا ظهر في مدينة الإسكندرية قبل الميلاد بحوالي ٣٠٠ عام، وقد
ميز
من هذه العلوم الطبية ثلاثة أنواع:
- أولها: علم الأغذية Dietetics.
- ثانيها: الجراحة.
- ثالثها: الصيدلة، وسمَّاها بالاسم اللاتيني وهو
Medicamentarius.
وظل العالم بعد ميلاد المسيح — عليه السلام — مشغولًا بالتعاليم المسيحية الدينية
الجديدة
زمنًا تغيَّرَ فيه مجرى التيار العلمي قليلًا من الفلسفة والعلم إلى الدين، وظلَّ كذلك
فترة
وجيزة من الزمن عدَّها العلماء فترةَ انتقالٍ استجمع العالم فيها قواه، وطبع بطابع جديد،
حتى ظهر في القرن الثاني للميلاد العالِمُ جالن الذي وُلِد في اليونان عام ١٣٠ ميلادية،
وكان صيدليًّا بارعًا، ومرجعًا من مراجعها العظام، وإليه تُنسَب المستحضرات النباتية
حتى
الآن؛ إذ يقولون Galenicals، وقد استعمل أبخرة الزرنيخ في
علاج كثير من الأمراض، وهو مكتشف Cold cream، وتركيبه لم
يتغيَّر حتى الآن، وقلَّمَا يضاهيه عالِم في كثرة مؤلفاته التي ظلت حوالي ١٥٠٠ عام مرجعًا
لعلماء الصيدلة والطب، ومن دواعي الفخر لمصر أن يكون جالينوس قد تلقَّى علومه الأخيرة
في
الإسكندرية، وقد اكتسب خبرته من تجواله في كثير من البلدان، وكان أستاذًا في مدرسة
جلادياتورز في السنة التاسعة والعشرين من عمره.
وظهر قبل جالن في القرن الأول للميلاد العالم ديسقوريدس، واضِع أول مادة طبية منظمة
في
العالَم في كتابه العظيم الذي ظهر في سلسيا عام ٧٧ب.م، وكان صيدليَّ الجيش الروماني أثناء
سفره إلى اليونان وإيطاليا وآسيا الوسطى، وعاصَرَه من العلماء الصيادلة النابغين
Pliny & Celsus الذي مات مختنقًا بغازات بركان
فيزوف.
وقد ذكر جالن تلك القصيدة العصماء لاندروماكس في وصف الترياق، فقد كان هذا صيدليًّا
شاعرًا. وإذا ما عرجنا بشعراء الصيدلة فلا ننسى سيرفليدس
وThemesia الذي نظم القصائد الكثيرة في وصفات
الشعر.
وفي القرن السادس للميلاد استعمل Alexander de Trollas
اللحلاح للنقرس، والحديد لفقر الدم، والراوند لضعف الكبد والدوسنطاريا، وكان نابغة عصره
في
علم الدواء، وله في كثير من العقاقير آراء خاصة.
أيتيوس Aetius عاش في القرن الخامس للميلاد، وكانت له
غواية خاصة في صنع اللزقات، فوصف الكثير منها، وذكر طريقة عملها.