الصيدلة والعقائد

منذ أن عرف الإنسان خواص العقاقير، وبدأ يستعملها للعلاج، اختلطت نظرته الدوائية فيها بما تناوله من مبادئ الفلسفة والعقائد والدين والسحر، حتى أصبح لا يُذكَر دواء ولا يُستعمَل إلا ومُزِج بينه وبين هذه العقائد والمبادئ الفلسفية.

(١) الصيدلة والفلسفة

طغت الروح الفلسفية في عصور الحضارة الأولى للإنسان على كل ما حولها، وخصوصًا في بلاد اليونان والرومان مهد الفلسفة، ومن بعدها العرب الذين أخذوا عنهم هذه العلوم حتى اختلطت علومهم بالدين والطب وعلم الدواء والفلك وسائر العلوم الأخرى.

وكان الفلاسفة العشابون — أي الصيادلة القدماء — يفسرون تأثير النبات تفسيرًا فلسفيًّا بحتًا ممتزجًا بالروح الدينية والسحر، وكانت لهم طرق خاصة لصنع أدويتهم، وبذلك اختلطت العقائد الصيدلية بالمبادئ الفلسفية، واتصلت اتصالًا وثيقًا، وظلت كذلك حوالي ثمانية قرون. منذ ظهور الحضارة اليونانية في العالم، ظهر في خلالها كثير من هؤلاء العلماء الذين وصفوا النبات والأدوية بالشعر والفلسفة، وأدخلوا هذه العقاقير في قصصهم ورواياتهم، أمثال: أرسطو، وهوميروس، وسقراط، وفيثاغورث، وكانوا نباتيين حتى في طعامهم. ومن بعدهم ابن سينا الذي كتب أرجوزته الطبية بالشعر، وغيره من علماء العرب.

(٢) الصيدلة والسحر

لزم السحر والصيدلة والطب وَضْع العقاقير في جميع عصور التاريخ حتى الآن في الطب الشعبي، وكان لصيادلة قدماء المصريين الكهنة تعاويذ يَتْلُونها ساعةَ صنع الدواء أو إعطائه، وكان للرومان واليونان أحجبة منها ما يُلبس، ومنها ما يُكتب على أشياء مختلفة، ومنها ما يُشرَب منقوعة. وقد دلَّنا تاريخ الفراعنة على أن الكثير من حليهم التي وُجِدت في قبورهم، وأن كثيرًا من النباتات التي استعملها اليونان والرومان؛ كانت لها رموز سحرية شفائية، كما أن هناك كلمات وألفاظًا لها تأثير سحري شفائي عندهم. وظلت الحال كذلك حتى في قلب أوروبا وإنجلترا إلى القرن السابع عشر.

وكان لبعض السحرة أدوية خاصة مثل: الحبوب والسفوف والأشربة، زعموا أنها مرسلة لهم من زعماء الجن.

ومما يُروَى عن كاترين ديمسيس أنها اعتادت لبس قطعة من جلد طفل كتعويذة ضد الأمراض، وأن اللورد بيرون قدَّمَ للبرنس ميترنيخ تعويذة بهذا الشكل، اقتدى بها كثير من علماء أوروبا وعظمائها في ذلك الحين.

(٣) الصيدلة والعقائد الكيماوية (النظريات والمبادئ الكيماوية الأولى)

اختلطت الصيدلة بالكيمياء لما بينهما من وثيق الرابطة منذ أقدم الأزمان، وامتزجت دراسة الدواء والعقاقير بالمبادئ والنظريات الكيماوية التي اخترعها العلماء لدراسة المواد المختلفة، وأهمها:
  • النظرية الأولى: ومخترعها شانج شي أحد علماء الصين منذ حوالي ٦ آلاف عام، ثم اعتنقها بعدُ Empedocles، وهي النظرية القديمة التي استمرت حتى القرن الثامن عشر، وتقول بأن التراب والهواء والماء والنار هي أصل جميع الكائنات والمواد، وإليها تُنسَب طبيعته، وعلى هذا الأساس يمكن العلاج، ومن هنا نشأت النظرية السحرية العلاجية القائلة بأن هذا تجمُّع هوائي أو مائي أو ناري أو ترابي.
  • النظرية الثانية: ومخترعها باراسيلسوس Paracelsus، وهو يقول إن أصل كل مادة مكوَّن من كبريت وملح وزئبق، وليس بالمعنى الحديث الذي نفهمه لطبيعة هذه المواد، ولتفسير نظريته نقول إنه إذا أحضرت — مثلًا — نباتًا أخضر تصعد منه جسم مائي هو الزئبق، ثم مادة زيتية سهلة الاحتراق هي الكبريت، وتبقى الرماد وهو الملح؛ فالبيضة مثلًا مكوَّنة من الزلال وهو الزئبق، والصفار وهو الكبريت، والقشر وهو الملح. ومن ذلك فالجسم والمادة والمر والفن هي الملح، والروح والشكل والحلو والطبيعة هي الكبريت، والخيال والفكرة والذكاء والحامض هي الزئبق.
  • النظرية الثالثة: اخترعها جورج أرنست ستاهل الذي وُلِد في آنسباخ عام ١٦٦٠، وتوفي في برلين عام ١٧٣٤، ويقول إن كل مادة يمكن إرجاعها إلى أصل مائي أو أرضي.

(٤) الصيدلة وفلسفة؛ تشابه الشكل والألوان

ظهرت نظرية تشابه أعضاء جسم الإنسان بأعضاء كثيرة من النباتات، واستنتج العلماء من ذلك أن النباتات التي تشبه أعضاء مخصوصة تفيد في شفائها، مثلًا: الجوز لشفاء أوجاع الرأس، بذور السكران أو البنج لشفاء الفك والأسنان لتشابهما بالأسنان، والليمون للقلب، والجنزبيل للبطن، وورق التين لليد … إلخ. وكانوا يضعون بعض أعضاء الحيوان والإنسان لعلاج هذا العضو، فمثلًا: المخ لعلاج المخ، والكلى لعلاج أمراض الكلى، والكبد لعلاج أمراض الكبد، وغير ذلك.

وكانوا يعنون بتأثير الألوان في معالجة المرضى، فكانوا يعتقدون أن لكل لون تأثيرًا خاصًّا على نوعٍ من الأمراض، وقد تطورت هذه النظرية علميًّا إلى أن وصلت إلى الدراسات العلمية الحديثة في ألوان الطيف الشمسي وتأثيرها في العلاج، وأصبح لكل مادة في الوجود طيف مميز لها، ويقول بعض العلماء الآن بأن مختلف الأمراض هي نوع من نقص تشبُّع الأجسام بمختلف الإشعاعات اللونية. وقد كان اللون الأحمر في العصور القديمة من أحسن الألوان التي يلبسها المرضى بالحصبى والجدري، وقد قال المستر جون جاردسون الطبيب الخاص للملك إدوارد الثاني ما نصه:

عندما كنت أرى ابن الملك مريضًا بالحصبى كنت أبذل كل جهدي لأجعل كل شيء في فرشه أو حوله أحمر اللون.

(٥) الصيدلة والفلك

وكانوا قديمًا يعتقدون أن المعادن المختلفة تحت تأثير نجوم مختلفة، وكان لهذا الاعتقاد أو هذه النظرية تأثير فعال في استعمال هذه المعادن في الصيدلة، فمثلًا: كانوا يعتقدون أن الشمس هي الحاكم المسيطر على القلب، وبما أن الذهب هو معدن الشمس فلا بد وأن يكون الذهب مقويًّا للقلب، وكذلك القمر والفضة للرأس، والمريخ والحديد للقوة، وعلى هذا الاعتبار كان لعلم الفلك تأثير كبير في علم الصيدلة والدواء مدة طويلة، وظل سائرًا معه جنبًا إلى جنب إلى أمد قريب، ولا زال العرافون في الطب الشعبي الحديث ينسبون المرضى إلى نجم زحل أو المريخ أو غيرهما من الكواكب، ويعالجونهم على هذا الأساس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤