التحنيط

(١) التحنيط والدين

في مصر مهد الحضارة الأولى، وأم المدنيات أجمع عثر علماء الآثار على حضارات عديدة عريقة في القدم قبل العصر التاريخي بآلاف السنين، ومنها ما يرجع إلى العصور الحجرية، وهذه الحضارات قد استوطن أهلوها مناطق خاصة على جانبي وادي النيل، وأهمها حضارة تاسا، والبداري، ومرمرة، والفيوم، وحلوان، والمعادي، وكان لهذه الحضارات صلة لا بأس بها ببعض الحضارات الأخرى التي نشأت فيما جاورها من البلدان.

وكان لهذه الحضارات البدائية المختلفة نوعٌ لا بأس به من العقائد الروحية والحياة الأخرى والخلود يتجلى أكثر ما يكون في مخلفاتهم الجنائزية في مقابرهم البسيطة، وفي دفن أجساد موتاهم في أوضاع خاصة، ومحاولة المحافظة عليها، وما نُثِر هنا وهناك في تلك المقابر من الأواني الخزفية التي قد يحوي بعضُها بعضَ الحبوب والمأكولات، وما عليها من رسوم وما حول الجثة من الأسلحة الحجرية التي قد يستعملها الميت لحماية جسمه من الأرواح التي تحوم حول المقبرة، وما يوجد من عظام بعض الحيوانات المنتشرة في تلك الأزمان كقرش البحر، ووضع هذه العظام في أوضاع يلمس منها التقديس. ليس هذا فحسب، بل وجد في مقابر الأفراد بعض التمائم والتماثيل البدائية التي لا بد وأن يكون وجودها لعقيدة متأصلة في عقلية هؤلاء المصريين أصحاب هذه الحضارات الأولى خاصًّا بخلود الروح ورجوعها.

ومن أقوى الأدلة على تأصل العقيدة الدينية الروحية في عصور ما قبل التاريخ؛ تلك الأساطير والقصص الدينية التي شاعت شيوعًا عظيمًا في عصور الأسرات، وفي تاريخ مصر المجيد؛ تلك الأساطير الخالدة مثل قصة إيزيس وأوزوريس لا بد وأنها لم تظهر فجأة، ولم تطفر طفرة واحدة بين معالم التاريخ، وإنما لا بد وأنها صادرة من أعماق الزمن السحيق، يردِّدها صدى الماضي في عقول هذا الشعب الجبار، ويتداولها العامة والخاصة في أحاديثهم، وإذا بها بين عصر وعصر قد أصبحت من صميم معتقداتهم الدينية، واحتلت مكانة لا بأس بها بين أنواع عبادتهم وديانتهم. فقصة إيزيس وأوزريس، وقصة الإله خنوم الفخراني، وقصة رع، وقصة رتق السماء عن الأرض بواسطة الإله شو … كل هذه القصص فيها دين وروحية وعقيدة أثَّرت في حياة المصريين، وفي طريقة دفن موتاهم حتى لا تفنى أجسادهم، وكانت محاولات أولى للتحنيط في عصور ما قبل التاريخ سنذكرها بعدُ.

وتطورت تلك العقائد الدينية في عصور الأسرات حتى أصبحت قلوب هذا الشعب العظيم عامرة بالإيمان القوي بوجود قوة خارقة للطبيعة، ووجود إله واحد هو مصدر هذه القوة، وهو الذي يهب من روحه التي تملأ الكون حياة للبشر، وهو الذي علَّم كل هؤلاء جميعًا مظاهر المدنية الفرعونية المختلفة. ومن أكبر آلهة قدماء المصرين الإله بتاح الذي عُبِد منذ الأسرة الأولى، وقد جاء في بعض الأناشيد له أنه «إله الآلهة، وأب الآباء، ومصدر الحياة … الذي خلق الشمس والقمر … وهو الخالق الذي أبدع نفسه … وهو مصدر العدل الدائم.» وتعدَّدت الآلهة المصرية، وكانوا يعتقدون أن أرواحهم لا بد وأن تلتقي في عالم الأبدية بأرواح الموتى، فكانوا يخاطبون الميت: «أن اذهب إلى أبيك في السماء، واحكم معه على عرش أوزيريس إله الموتى.»

من هذه الفكرة في خلود الروح نشأت فكرة التحنيط، وهي محاولة إبقاء الشخصية، وأن يخلقوا من جسد الميت أوزوريسًا إذ كان يعتقد المصريون القدماء أن هذه الأرواح المنطلقة جميعها خالدة في عرض أوزوريس، وكانوا يطلقون عليها أيضًا بعد الموت «أوزوريس».

وكان الجسم الإنساني في معتقد الفراعنة يتكون من ذلك الهيكل المادي القابل للفناء، والذي تفنَّنَ علماؤهم في طريقة حفظه وتحنيطه لدرجةٍ وصلت حد الإعجاز حتى على علماء العصر الحديث، ومن عنصرين روحيين هما «الكا والبا»:
  • فالكا: هي الجزء الأثيري من الجسم، وهي التي تلازم الجسم في المقبرة، وهي كاملة الشبه به، أي إنها نسخة من صاحبها، ولكنها منطلقة شفافة، ومن هنا تقدَّمت صناعة التحنيط تقدُّمًا ملحوظًا حتى يحتفظ الجسم بشكله الأصلي عندما تلازمه الكا جزؤه الثاني. وفي مناظر ولادة الملكة حتشبسوت في معبد الدير البحري، نرى صورتين طبق الأصل أحدهما الطفلة الملكية، والثانية هي الكا. وكانوا يضعون تماثيل خاصة للكا يحفظونها في سراديب مقفلة إلا من فتحة صغيرة، يرفع من خلالها البخور، وترجع إليها الكا إذا ما فني الجسد.

    ولم تكن هذه الكا من مستلزمات البشر فقط، بل كان لكل مخلوق نبات أو حيوان أو جماد خاصٌّ به «الكا».

    ويقول ديودور: «إن المصريين كانوا يسمون مساكنهم في الدنيا منازل ضيافة نسبةً إلى تلك الحياة القصيرة، وكانوا يسمون المقابر بالمنازل الأبدية»؛ ولذلك فقد اهتموا بمقابرهم اهتمامًا عظيمًا، وكان من أبرز وأروع مظاهر حضارتهم تطور معمار المقابر مع تطور الفكرة الروحية بالخلود اللانهائي وبقاء الشخصية، وتقدُّم التحنيط. وقد تطورت المقبرة من مجرد حفرة في باطن الوادي تغطيها الرمال، إلى غرفة مبطنة بالأحجار، إلى بناءٍ هرميٍّ متعدد الغرف وحوله سور عظيم، وعلى جانبَيْ تلك المقبرة الهرمية مركبان تسبح فيهما الروح كما تسبح الشمس، وبجوار ذلك الهرم معبد جنائزي للملك المتوفى لعبادته. وتطورت تلك المقابر إلى أن أصبحت مؤسسات ضخمة إما من البقاء أو منحوتة في الصخر الطبيعي، وقد غطيت جميع جدرانها بمناظر الحياة الدنيا في منتهى الروعة والجمال، وكدست غرفها بجميع مستلزمات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وأثاث، كل هذا من أجل ذلك الجسد الذي أصبح مثل أوزوريس، ومن أجل الكا.

  • وأما البا: فهي ذلك الجزء الحي الذي يترك الجسد عند الوفاة محلقًا إلى الآلهة، ولكنها لا تمكث في السماء أبدًا، بل قد ينتابها الحنين إلى ذلك الجسد المحفوظ في المقبرة (المومياء) فتنزل من أعالي السماء إليها؛ ولذلك جعلوا في المقابر كوة صغيرة تنفذ منها البا إلى المقبرة كلما هفها الشوق. وكانوا يرمزون لهذه البا في مقابرهم ورسومهم بطائر له رأس إنسان وقابض في يده على علامة الحياة، وكانوا يرمزون له أحيانًا أخرى بطائر هابط من السماء إلى كوة المقبرة، أو يرمزون له بطائر وقد حطَّ مسدل الجناحين فوق المومياء.
وكانوا يعتقدون أن الإنسان بعد الوفاة قد أصبح مثل الإله أوزوريس، ويجب أن يعنى أهله بجسده كما عنيت إيزيس بجسد أوزوريس، وكانوا يبالغون في محاولة التحنيط وبقاء الشخصية الأوزيرية، وقد جاء في نصوص الأهرام في إحدى المقطوعات التي كان يتلوها الكاهن المختص بالملك بعد وفاته ما ترجمته:

يا أوناس لم تذهب إلى السماء ميتًا، وإنما ذهبت إليه حيًّا، لتجلس على عرش أوزوريس وصولجانك في يدك.

وهذه محاولة صغيرة لشرح الفكرة الدينية، وعلاقتها بالتحنيط، وشرح الأسباب التي دعت إلى التحنيط وتقدُّمه، والتي يمكن أن نلخصها في أربعة عوامل هامة:
  • (١)

    محاولة حفظ الأجسام من التلف.

  • (٢)

    محاولة حفظ الشخصية بعد الموت.

  • (٣)

    خلق هيئة تشبه أوزوريس بعد التحنيط.

  • (٤)

    خلود الروح.

(٢) مومياء Mumia وMummy

وقد أُطلِق هذا الاسم على الأجسام التي حفظها المصريون بالتحنيط، وأصل هذه الكلمة يوناني، وقد وصف ديستوريدس١ فوائد مادة اسمها … بأنها مادة قارية تنبثق من الأرض في بعض الأمكنة، وهذه المادة هي القار المعدني «الأسفلت» Bitumen. وقد أُطلِقت كلمة مومياء فيما بعدُ مجازًا على الأجسام المحنطة لما يعتريها من سواد يشبه أحيانًا سواد القار المعدني، ولِما داخَلَ الأفكار من أن هذا السواد الذي يعتري هذه الجثث المحنطة إنما لأنها قد غُمِست في القار المعدني. وأصبح فيما بعدُ كلُّ جسم محنط اسمه مومياء، وهذه المومياء قد لعبت دورًا هامًّا في الطب في العصور اليونانية والرومانية وما بعدها، وكان الفرس يستعملون المومياء كدواء عام Penacae للأوجاع النفسية، وقد كتب أحد الفرس في القرن العاشر للميلاد يصف الترتيبات المعقدة للحصول على هذه المادة النفيسة. وقد وصف عبد اللطيف٢ العالمُ العربي في القرن الثاني الميلادي المومياءَ على أنها مادة قارية، كما أنها عُرِفت بمعناها الحديث.
واستعملت هذه الكلمة فيما بعدُ بوجهٍ عامٍّ للدلالة على الأجسام المحنطة، وربما كان انتشار هذا التعبير مرجعه استعمال البطالسة للمواد القارية في التحنيط، حتى إنهم كانوا يعتقدون أن قطع الأجسام المحنطة كانت لها نفس الفوائد الطبية مثل Bitumen، واستعملت قطع الموتى المحنطة في الطب باسم مومياء زمنًا طويلًا، لا زالت بقاياه منتشرة في ريف مصر حتى الآن. وقد استعمل طبيب يهودي إسكندري عام ١٢٠٠م المومياء لأول مرة كدواء، ومنها انتشرت فيما بعدُ.
وقد جمع Pette-grew الكثير من وصفات كتاب أوروبا في القرنين السابع عشر والثامن عشر عن فوائد المومياء كعقارٍ هامٍّ يدل على انتشارها في غرب أوروبا. وقد عرف Lord Bacon فوائدها وقال إنها ذُكِرت في كثير من فارماكوبيات ذلك العصر.
وأول مَن ثار على استعمال المومياء كعقار هو Ambroisé Pasé عام ١٦٣٤م؛ إذ سماها العقار البغيض. ويقول Cayon إن اختفاء المومياء من عالم العقاقير لم يكن لما وُجِّه إليها من انتقادات طبية، وإنما كان سببه التجار اليهود الذين احترفوا بيع الأجسام المحنطة المغشوشة المزورة.٣

وعلى أي حال فقد وقف استعمال المومياء كعقار، وتوقف الكتَّاب بعد ذلك عن تدوينها في مؤلفاتهم الطبية.

ثم ظهرت كلمة مومياء ثانية في عالم التأليف عندما اهتم العلماء في العصور الحديثة بدراسة المصرولوجيا، وما يتعلق بها؛ إذ لا يوجد شيء تميَّزت به مصر تمييزًا صريحًا كالتحنيط والمومياء. وأول مَن كتب في العصر الحديث عن المومياء والتحنيط هو توماس بينجرو عام ١٨٣٤، وقد كان من كبار جراحي لندن.

فتح هذا الجراح البابَ أمام العلماء لبحث هذا الموضوع، فتوالت الأبحاث خلال المائة عام الأخيرة، واشتهر في هذا الموضوع كذلك كثير من العلماء أهمهم: رويتر وروفر وإليوت اسميث ووارن داوسون ولوكاس، والأخير له مؤلفات كثيرة وأبحاث قيمة في هذا الموضوع، وليبتر من أبطال النهضة الأخيرة في البحث عن الحضارة العلمية عند قدماء المصريين.

ومما يُؤسَف له أن اهتمام بعثات الحفائر ورجالها كان موجَّهًا توجيهًا تاريخيًّا أثريًّا معماريًّا فقط، ولم يشركوا معهم رجالًا من المختصين في مختلف العلوم والفنون، مما أضاع علينا الكثير من إنتاجٍ علميٍّ فرعونيٍّ.

وقد استعمل الإفرنج كلمة Embalm لدلالة على عملية التحنيط، وهي مأخوذة من أصل لاتيني معناه in Balsamum التي تعني حفظ الأشياء في البلسم.
ومن هذا أمكننا أن نفهم المصدر اللغوي لكلمتَيْ مومياء وEmbalm؛ استعمال المومياء في الدواء، واهتمام علماء العصر الحديث بدراستها.

(٣) طرق التحنيط والمراجع٤

عندما ندرس جميع الاحتمالات الممكنة لحفظ الأجسام ومنعها من التلف، وعندما نحاول أن نفسر عملية التحنيط تفسيرًا علميًّا، لا بد وأن نلمَّ عامةً بجميع الطرق الممكنة لحفظ الجسم، وهي:
  • (١)

    حفظ الأجسام في أجواء باردة أو ثلاجات، وهذه الطريقة غير معروفة طبعًا عند قدماء المصريين.

  • (٢)

    حقن مواد مطهرة أو معقمة في الأوعية الدموية، ومنها إلى جميع أجزاء الجسم وأنسجته، وهذه أيضًا كانت غير معروفة.

  • (٣)

    تجفيف الجسم عامًا، وحفظه في معزل عن الرطوبة، وهذه الفكرة هي الأساس العلمي للتحنيط عند قدماء المصريين.

    ولا يخفى أن الجسم يحتوي على ٧٥٪ من وزنه ماء، وليس من السهل تجفيف هذه النسبة تمامًا، وكل ما هنالك من طرق التجفيف إما حرارة الشمس الطبيعية، وإما حرارة متولدة من الوقود، وإما المواد الكيماوية المجففة التي تمتص الماء.

    ويظن رويز٥ أن بعض الجثث المصرية قد جُفِّفت بفعل الحرارة الصناعية المتولدة من الوقود خلال جهازٍ خاصٍّ لم نكشف عنه بعدُ، ويقول إن كمية كبيرة من الحرارة تلزم لتجفيف الأجسام بعد استخراجها من محاليل الأملاح كالنطرون؛ ولذلك يظن أنها ذات مصدر صناعي.
    ويقول فيفان إنه٦ يمكن الحكم على الموميات من مجرد مظهرها أنها جففت تحت نار هادئة، وقد بنى استنتاجه هذا على ما علق بجدران المقابر من الدخان، ولكن هذا لا يقوم دليلًا قاطعًا لصحة هذا التعليل؛ إذ إن النار كانت توقد داخل المقابر والمعابد لكثير من الظروف. وهذه الطريقة للتجفيف التي يقترحها رويز وفيفان لم يذكرها هيرودوتس، ولم يذكرها ديودور ولا أي مرجع آخَر.
  • (٤)

    تجفيف الأجسام بالمواد الكيماوية الرخصية مثل الجير الحي وملح الطعام والنطرون، وسنتكلم عنها عند الكلام على مواد التحنيط.

هذه هي جميع الطرق المحتملة للتحنيط، وسنرى فيما بعدُ كيف يمكن أن نصل إلى نتائج قيمة بدارسة المراجع الخاصة بهذا الموضوع التي أهمها:
  • (١)

    أقوال المؤرخين القدماء، وعلى رأسهم هيرودوتس وديودور.

  • (٢)

    البرديات المصرية القديمة والنصوص الخاصة بذلك.

  • (٣)

    المخلفات المصرية القديمة من موميات وآثار أخرى في المقابر والمعابد.

  • (٤)

    الدارسات العلمية الحديثة لهذه المخلفات.

(٤) عصور ما قبل التاريخ

في تلك العصور السحيقة في القدم لم يحاول الإنسان الأول أن يحفظ الجسم صناعيًّا؛ إذ إن الطبيعة كانت تقوم بنفسها بحفظ الأجسام المطمورة في الرمال، فكانوا يدفنون جثث موتاهم ملفوفة في الكتان أو الجلد أو الحصير في مقابر بسيطة جدًّا عبارة عن حفر بيضاوية أو مستديرة قريبة من سطح الأرض، وتلعب الطبيعة دورها بعد ذلك في المحافظة على هذه الأجسام وتجفيفها بعوامل الحرارة الجوية وجفاف الطقس، وتمنع تحلل الأنسجة البشرية. وهذه الظاهرة قد عرفها المصريون في عصور ما قبل التاريخ، وحاول الفراعنة في عصور الأسرات تقليدها كيماويًّا معمليًّا بعد أن تطورت المقبرة، وبعد أن دعت ظروف المدنية إلى ذلك. وقد عثر المنقبون على آلاف من جثث المصريين في عصور ما قبل التاريخ، ولكن العلماء لم يجدوا في واحدة منها أي آثار لمحاولة التحنيط والمحافظة الصناعية، أو لأي مادة حافظة في جميع الأجسام التي وُجِدت في شكل مضغوط.

وقد قام الدكتور شمدت٧ بكثير من الأبحاث الكيماوية، وخصَّص كثيرًا من وقته وبحثه لدراسة موميات هذا العصر فلم يجد أي أثر لأي مادة من مواد التحنيط. وقد جفت عضلات الجسم جفافًا تامًّا حتى خلط كثير من العلماء بينها وبين الراتنج لأول وهلة، وقد وجد داخل الجماجم قطعًا من مادة متفحمة دلَّ مظهرها الخارجي على أنها راتنجات أو قار معدني، ولكن البحث الكيماوي والتشريحي لهذه البقايا أثبتا أنها من بقايا المخ٨ البشري.

وظلت هذه الطريقة شائعة بين المصريين حتى مطلع عصر الأسرات فيما قبل الأسرة الرابعة، فقد كانت بعض الجثث تشبه في كثير أو قليل موميات عصور ما قبل التاريخ، مع محاولات علمية صناعية طفيفة سنذكرها بالتفصيل.

(٥) النصوص المصرية القديمة الخاصة بالتحنيط

رغم أعمال الحفائر الكثيرة، ورغم ما عثر عليه رجالها من آثار ومخلفات ونصوص مصرية قديمة، فإن النصوص الخاصة بالتحنيط لا زالت قليلة لا تشبع رغبة الباحث في هذا الموضوع، وأهمها ما جاء في نصوص الأهرام والتوابيت وكتاب الموتى، وهذه كلها تحوي الكثير عن الطقوس الجنائزية والغسل وحرق البخور … وسأذكر فيما يلي بالتفصيل لبعض النصوص الأخرى الهامة:

(٥-١) بردية بولاق رقم ٣ المحفوظة بالمتحف المصري٩ وبردية اللوفر رقم ٥١٥٨١٠

وكلاهما من عصر متأخر روماني ومتشابهان، ويظن أنهما نسخة طبق الأصل، أو أن كاتبهما واحد ومكتوبتان بالهيراطيقية، ولكن لسوء الحظ أنهما غير كاملتين. وهي عبارة عن كتابين لطقوس التحنيط تحتوي كل منهما على بعض التعليمات العملية، وبعض الصلوات والتمائم، ويعتبران بين كتب الدين أكثر منه بين كتب التحنيط.

على أي حال، ما بقي منهما يعطينا فكرة عن دهن وتحنيط الرأس والظهر واليدين والذراعين والقدمين، وسنلخص هنا ما يهمنا عن عملية التحنيط فقط دون العقائد:
  • تعليمات للحفظ لدهن رأس الجثة ببخور اللبان Frankincense.
  • تعليمات لدهن الجسم من الرأس إلى القدم بدهانٍ خاصٍّ يشبه المستعمل عند عملية فتح الفم.

  • تعليمات لحفظ محتويات الجسم الداخلية في أوانٍ جنائزية أربعة تُمثِّل أولاد حورس الأربعة.

  • تعليمات لدهن الظهر بدهانٍ خاصٍّ اسمه «مرهت».

  • تعليمات لدهن الظهر أيضًا وملء الجمجمة بالعقاقير.

  • تغطية الأظافر بالذهب ولف الإصبع بالكتان.

  • وصف لاحتفالات أنوبيس إله الجبانة وحارس بيت الدواء.

  • تعليمات لدهن الرأس ولفها مع مواصفات تفصيلية لشكل اللفائف والفم والذقن والشدقين والرقبة.

  • تثبيت هذه اللفائف بلفائف أخرى عرض قيراطين مشبعة «بزيت ثخين»، وهذا هو بلا شك تلك العجائن الراتنجية التي نراها على الموميات.

  • تعلميات أخرى لدهن الرأس باللبان والدهن وبعض التوابل.

  • تعليمات لدهن ولف الأيدي بدهانٍ خاصٍّ مكون من:

    زهر العامو ١ Amu Flower
    راتنج قفط ١ Resin of Ceptos
    نترون ١ Natron

(٥-٢) بردية رند Rhind Papyri١١

برديتان وجدهما A. H. Rhind في مقبرة طبية من عصر الأسرة ١٨، وكانت المقبرة ملآنة بموميات البطالسة، وكل من البرديتين مكتوبة بالهيراطيقي والديموطيقي، وفيهما جزءٌ خاصٌّ بالتحنيط، وقد جاء فيها:

تخرج سيدًا من غرفة العمليات (التحنيط)، ويعمل لك ١٩ احتفالًا خلال ٣٦ يومًا.

  • وكان الميت يقضي ٧٠ يومًا مقسمة على ١٧ عضوًا هي:
    • ٧ فتحات في الرأس.

    • ٤ أولاد حورس (الأحشاء).

    • ٢ القدمين.

    • ٢ الذراعين.

    • ١ الصدر.

    • ١ الظهر.

  • وتدل البردية بعد ذلك على أن الميت يخرج بعد ذلك من قاعة التحنيط بعد فتح البطن وإخلاء الأحشاء والمخ، ويعقد له ٩ احتفالات في ٣٦ يومًا، وبعدها يُوضَع الجسم في الجبانة حيث يعقد له ٩ احتفالات أخرى تنتهي في اليوم السبعين، وهنا تأمر إيزيس بالدفن.

  • ويغلى ١٠٦ أوزان من الدهن للتحنيط.

  • ويدهن أحد الكهنة الجسم بالبلسم.

  • ويلف كاهن آخر الأربطة حول الجسم.

  • ويملأ المحنط الجمجمة بالعقاقير ويلفها بالكتان.

(٥-٣) لوحة دهوت The Stela of Dhout

كتب عنها جاردنر١٢ جاء فيها: أن الدفن الطيب يحدث في سلام، والسبعين يومًا تنقضي في تحنيطك. وقد وُجِدت هذه اللوحة في إحدى مقابر طيبة رقم ١١٠، ويرجع تاريخها إلى عصر الملكة حتشبسوت، كما وُجِدت نفس النصوص في مقبرة أنتف بطيبة رقم ١٦٤ من عصر تحوتمس الثالث.

(٥-٤) لوحة المتحف البريطاني رقم ٣٧٨١٣

وقد كتب عنها شارب وبرج، وهي لأحد كهنة عصر البطالسة، يقول فيها إن التحنيط الجيد لا يتم إلا بعد سبعين يومًا.

(٥-٥) Story of Statue Ramuas١٤

كتب عنها جريفث في قصص كبار كهنة منف، وهي قصة ديموطيقية ذكر فيها أن مدة التحنيط ٧٠ يومًا، وأن فرعون يسمح له بدخول المنزل الجميل الطيب في ٦٠ يومًا، واللف في ٣٥ يومًا، وإتمام المومياء في ٧٠ يومًا، بعدها ينام في الراحة الأبدية.

(٥-٦) مخطوط أنمحر Inscription of Anemher

طبعة بروجش وترجمة جريفث، وجاء فيه: أن التحنيط يتم في ٥٢ يومًا، وأن اللف يتم حتى اليوم ٦٧، وأن الوضع في التابوت والطقوس الخاصة بين ٦٨–٧٠، وأن الدفن في اليوم ٧١. ومنه يتضح أن كل هذه الإجراءات كانت تتم حسب ما هو مكتوب، أي تبعًا لقانونٍ خاصٍّ، أو كما ترجمها جريفث That that comes in writing، ولكن هذا المكتوب لم نعثر عليه حتى الآن، ولعل الزمن يُوفِّق رجال الحفائر للعثور عليه.

(٥-٧) Bologna Stela No. 1042١٥

وفيها ينص على أن أحد الأفراد قد دُفِن بعد تحنيط ٨٠ يومًا، وقد دفنه ابنه الأكبر كاهن هراب (والثمانون يومًا تُعَدُّ شاذة لم يأتِ ذكرها في غير هذه البردية).

(٥-٨) شقافة فلورنسا Florence Ostracan 20616١٦

وفيها يقول إن الملك قد وهبه الأواني الأربعة الجنائزية والتابوت، وفيها بعض الإشارة إلى المواد المستعملة في التحنيط.

(٥-٩) بردية ليدن Papyrus Leiden 344١٧

أهم ما جاء فيها الإشارة إلى زيت السيدار (السرو)، وأهميته في عملية التحنيط، وأنه كان يستعمل في تحنيط الأشراف.

(٥-١٠) مقابر سانفر وآمون أم هب في طيبة

أهم ما جاء فيها استعمال الدهن في التحنيط.

(٥-١١) بردية المتحف البريطاني رقم ١٠٠٧٧

ويرجع تاريخها إلى العام ١٦ من حكم بطليموس فيلادلفوس ومكتوبة بالديموطيقي، وهي عبارة عن تعهدٍ رسميٍّ بين أحد كهنة التحنيط وبين أحد الأشخاص لتحنيط ابنه. وقد جاء فيها تعهد من الزبون أن يحضر للمحنط النطرون والأربطة وكل ما يحتاجه، وتعهَّدَ المحنط أن يتم العملية حسب المواصفات وأصول الصنعة في ٧٢ يومًا. وقد جاء في آخِرها شرطٌ جزائيٌّ.

(٥-١٢) بردية يونية

يرجع تاريخها إلى القرن الثاني أو الثالث الميلادي، جاء فيها أن من بين مستلزمات التحنيط:

آنية فخار، دهان أحمر، شمع، مر، دهن، ملابس كتان، قناع، زيت السيدار، عقار الكتار، زيت طيب، شريط لمبة، نبيذ، شبير، خميرة، كلب أدبين خبز، مخروط صنوبر.

وأُجريت عملية حسابية لجميع هذه التكاليف بما يوازي ٤٤٠ درهمًا.

(٥-١٣) بردية أمهرست:١٨

ويرجع تاريخها إلى نهاية القرن الأول الميلادي طبعها جريفيل وهنت، وجاء فيها استعمال زيت السيدار، وزيت الزيتون والكتان.

(٦) البقايا الأثرية والمخلفات

من أهم مصادر هذه الدراسة تلك الآثار والبقايا المبعثرة هنا وهناك والموميات التي عثر عليها رجال الحفائر، والتي يرجع تاريخها إلى جميع عصور التاريخ المصري المختلفة، ومما يُؤسَف له أن رجال الآثار لم يلتفتوا إلى كثير من هذه المخلفات ولم يعيروها عناية علمية؛ مما أضاع علينا كثيرًا من التراث العلمي. وسأذكر هنا حادثة على سبيل المثال لا الحصر: إذ قد عثر رجال الحفائر على دكان محنط في معبد الدير البحري، فقد وجده الحفارون أثناء إتمام عملية الكشف عن المعبد، وقد وجد هذا الدكان مطمورًا بين رمال المعبد، ومن المحزن أن رجال الآثار لم يهتموا به إلا من الناحية الأثرية، وكل ما جاء في تقريرهم عنه١٩ عند تنظيف السرداب الشمالي للمعبد: وجدنا أن حوائط من الطوب قد أُقِيمت بين الأعمدة مكونة شكل غرف صغيرة أمكننا أن نجد بين بقاياها برديات، وبعض أوانٍ تحتوي على النطرون، وأمكننا أن نؤكد أن هذه الغرف كانت مقر رجال التحنيط الذين كانوا يسكنون أيضًا في المنحدر الخارجي للمعبد.

وفي العام الثاني للبعثة أمكننا أن نجد أقوى الأدلة على صناعة التحنيط؛ إذ وجدنا فوق حوائط الممر كثيرًا من الأواني الكبيرة مملوءًا بالقش، وبعضها بأكياس من النطرون والملح، وبين هذه الأواني وجدنا تابوتًا جميل الدهان وعليه نقوش دلَّتْ على أنه قد صُنِع للكاهن نامنخت آمون كاهن مفتو في الأسرة ٢٢؛ إذ إنه من دمٍ ملكيٍّ، وجدُّه الأول الملك أوسركون الأول من الأسرة ٢٢، ولما فُتِح التابوت لم يوجد به المومياء، ولكن بعض مئاتٍ من أكياس النطرون الصغيرة.

وقد ظهر في أحد الرسوم المصرية القديمة أن الميت قد وُضِع فوق آنية كبيرة تشبه الحوض، ويظن بلاكمان٢٠ أنها إناء تتعفن فيه سوائل الجسم بعد استخراجه من محاليل الملح أو النطرون.
وقد وجدنا في جبانة طيبة أكوامًا من الآنية ملآنة بقطع من القماش والملح، قال عنها وتلوك إنها فضلات رجل التحنيط بعد عملياته. وقد وُجِدت غرفة من غرف التحنيط في مقبرة إيبي٢١ بها أقمشة وملح وزيوت عطرية ونشارة خشب، وعدد كبير من الأواني ومنصة (طاولة) من الخشب طولها ٧ أقدام وبوصة، وعرضها أربعة أقدام وبوصتان ونصف، وتشبه تمامًا موائد التشريح الحديثة.

وقد كانت مومياء الفراعنة مصدرًا هامًّا من مصادر البحث العلمي، وسنوجز الكلام عنها هنا حسب ترتيبها التاريخي:

(٦-١) الأسرة الأولى

لقد كانت بعض موميات الأسرة الأولى كثيرة الشبه بعصور ما قبل التاريخ والأسرات، ولكن لدينا ما يثبت أن المصريين قد حاولوا التحنيط المعملي في عصر هذه الأسرة، فقد اكتشف دي مورجان٢٢ في نقادة، وأبتري٢٣ في أبيدوس، وريزنر٢٤ في نجع الدير؛ مقابرَ كثيرة من عصر هذه الأسرة بين محتوياتها عظام ذراع رجل مفصولة عن جسده، ومزينة بكثير من الأساور، وملفوفة في الكتان، مما يدل على محاولة التحنيط المعملي في مطلع الأسرات.

(٦-٢) الأسرة الثانية

وقد كشف كوبيل أثناء حفائره في سقارة بعض بقايا الإنسان ترينا قطعًا محاولة التحنيط المعملي في هذه الأسرة، وبين بقايا هذه المقابر جسم امرأة يتراوح عمرها حوالي ٣٥ عامًا موضوعة في تابوت من الخشب، وملفوفة تمامًا في طبقات معقدة من أشرطة الكتان التي تزيد عن ١٦ طبقة غير ما تلف منها، وهذه عبارة عن ١٠ طبقات من نسيج رقيق، ثم ٦ طبقات من نسيج خشن نوعًا، ويلاصق الجسم تمامًا قطع متآكلة من نسيج خشن. وكانت كل ساق ملفوفة بمفردها والجسم في وضع مضغوط، وبين اللفائف والجسم كثير من نسيج الكتان المتآكل، والطبقات الوسطى منها محتفظة بنسيجها، وتغطي الجسم تمامًا إلا من فتحة قد شُقَّت في هذه اللفائف تمثِّل فتحة الشفرين الكبيرين Rima pudendi، وهذه واقعة هامة سندرس مثيل لها عند الرجال في عصر الأسرتين الرابعة والخامسة، وهي ترينا مدى اهتمام المصريين وتقديرهم لأعضاء التناسل.

والأنسجة المتآكلة الملاصقة للجسم قد تكون دليل تخميني قوي على أن المصريين قد وضعوا بين الجسم واللفائف بعض المواد الحافظة مثل النطرون الخام كمادة من مواد التحنيط.

(٦-٣) الأسرة الثالثة

وبينما كان بيتري يجري حفائره عام ١٨٩١ في ميدوم، عثر على مومياء رائعة فائقة أهداها إلى متحف كلية الجرَّاحين بلندن٢٥ حيث اختبرها حديثًا إليوت سميث وداوسون، وكان الجسم ملفوفًا في كميات كبيرة من أشرطة الكتان، وكانت الطبقات الأولى من هذه الأشرطة مشبعة بالراتنج Resin، وقد ضغط المحنط هذه المجموعة من اللفائف إلى شكل شبيه بالجسم الإنساني تقريبًا، وقد أظهر تقاطيع الوجه بالدهان فوق اللفائف المضغوطة، فأوضح الأعين والرموش والحواجب والشارب، وهذه اللفائف المضغوطة المشبعة بالراتنج تكون طبقة صعبة جافة حول الجسم، وهي أول محاولة لصناعة الكارتوناج وشبيه الإنسان. وقد صاغ المحنط أعضاء التناسل في إحكامٍ دقيقٍ رائعٍ يطابق الطبيعة تمامًا حتى يصعب على الإنسان أن يميز أنها غير طبيعية، كما تدل المومياء على أنهم كانوا يمارسون عملية الختان. وكان جسم المومياء ممدودًا تمامًا، وفراغ الجسم مملوءًا بالكتان المشبع بالراتنج.

ويظن بعض علماء الآثار اعتمادًا على بعض القرائن الأثرية أنها من الأسرة الخامسة. على أي حال فهي مَثَلٌ قيِّمٌ من أمثلة التحنيط في الدولة القديمة، واستعمال المواد الكيماوية، ومحاولة تشبيه الجسم.

وقد عثر الأستاذ ريزنر في حفائر منطقة الهرم على مومياء تشبه في كثيرٍ المومياءَ السابقة، وقد ظهر فيها تمامًا فتحة التحنيط حيث قد مُلِئ فراغها بقطعة من الراتنج كبيرة.٢٦
وقد عثر الأستاذ يونكر أيضًا في نفس المنطقة على جثث ملفوفة في أربطة كتانية راتنجية.٢٧

(٦-٤) الأسرات الرابعة والخامسة والسادسة

وقد وجد فيز في الهرم الثالث مومياء يرجع تاريخها إلى عصر الأسرة الرابعة، ملفوفة بالأكفان ومشبعة بالراتنج، وذلك عام ١٨٣٧، وقد كتب بيتري عام ١٨٩٧-١٨٩٨ مومياء من عصر الأسرة الخامسة، وكتب عنها ما يأتي:

الجسم ممدود على ظهره، والرأس للشمال ومتجهة إلى الركن الشمالي الغربي، وقد صيغت أعضاء التناسل من الكتان والراتنج، ووُضِعت في مكانها الطبيعي، وقد لف الجسم جميعه في الكتان، وجلد المومياء وعضلاتها قوية، ليس هناك ما يدل على محاولة التحنيط ولو أنه من المؤكد أنهم حاولوا تجفيف الجسم.

ويوجد في متحف القاهرة مومياء يقولون إنها للملك مرنرع من الأسرة السادسة وُجِدت في هرمه في سقارة، وقد اختلف العلماء في تاريخها، فيقول ماسبرو٢٨ إنها للملك مرنرع، ويقول بريستد٢٩ إنه بناءً على طريقة التحنيط لا يمكن أن تدل على أنها قبل الأسرة ١٨ (؟).
على أي حال، يمكننا أن نعتبر أن فترة الدولة القديمة عصر محاولات علمية معملية وتجارب خاصة بالتحنيط، أو بتعبير أصح: هو العصر الأول لعلوم التحنيط، وقد تميَّزَ بالخواص الآتية:
  • (١)

    محاولة التحنيط العلمي المعملي.

  • (٢)

    لف أعضاء الجسم بأنسجة الكتان.

  • (٣)

    كثرة استعمال المواد الراتنجية، واستعمالها كمادة لاصقة.

  • (٤)

    استعمال النطرون.

  • (٥)

    ظهور قطع التحنيط في الجسم.

  • (٦)

    الاهتمام بإبراز أعضاء التناسل في شكل طبيعي.

  • (٧)

    ظهور المحاولات الأولى لصناعة شبيه الجسم من الكتان والراتنج المضغوط، وتوضيح أجزاء الوجه بالألوان.

(٦-٥) الدولة الوسطى ٢١٦٠ق.م–١٧٨٨ق.م

انتهت الدولة القديمة بآخِر ملوك الأسرة السادسة، ودخلت مصر في عصر من الفوضى والنزاع الداخلي، وانقسمت البلاد إلى إقطاعيات يتنازع أمراؤها سلطةَ البلاد، ولم يترك لنا هذا العصر من المخلفات والبقايا الأثرية ما يستحق الذكر من هذه الناحية.

وتحررت البلاد واستقر الأمر فيها لملوك الدولة الوسطى. وعثر الأستاذ نافيل عام ١٩٠٦-١٩٠٧ في حفائره بالدير البحري بجوار المعبد على مجموعة من مقابر أميرات الأسرة ١١، ولو أن هذه المقابر جميعها قد امتدت إليها يد اللصوص، إلا أنها تهمنا من حيث دراسة التحنيط. وجميع الموميات التي وُجِدت في هذه المقابر قد اختطفتها متاحفُ العالم دون أن يُكتَب عنها أيُّ تقرير.

ولكن واحدة من هذه الموميات قد تفتتت في المتحف البريطاني، وكُتِب عنها التقرير التالي: «المومياء لامرأة متكسرة الجمجمة ضاع منها الفك الأسفل، بقي منها ساقان وذراع واحد … توجد في الجمجمة تغيرات مرضية، وهي انتفاخ في عظام الرأس في الجانبين مما يدل على حالة التهاب قبل الوفاة … الأقدام والأيدي في منتهى الرقة … أظافر اليدين مخضبة بالحناء بعناية …»

وقد عثرت البعثة الأمريكية أيضًا على بعض الموميات لأميرات من هذا العصر، ويقول إليوت سميث:٣٠ إنه لم يجد قطع البطن للتحنيط في كثيرٍ من الحالات. ويقول: «إن التحنيط قد تم بطريقة مماثلة بطريقة هيرودوتس التي سأذكرها بعدُ … وبعض المواد الراتنجية كانت تحقن إلى الأمعاء عن طريق الشرج … وعلى بعض الموميات وشم.»
وقد عثر كوبيل في حفائر سقارة عام ١٩٠٦-١٩٠٧ على مومياوين من الدولة الوسطى، ويهمنا من التقرير الذي كُتِب عنها أن الوجه كان فوقه غطاء من الكارتوناج، وقد صُبِغ شعر المومياء المستعار باللون الأخضر، والوجه بالأصفر، والشارب والذقن بالأخضر، وكان الجسم مغمورًا في كميات من نسيج الكتان، وملفوفًا في طبقات من الأشرطة، وكل من الذراعين ملفوف بمفرده وموضوعان على الصدر في شكل متقاطع، وكل فراغ الجسم مملوء بحزم من الكتان عليها قشرة من الراتنج، وقطع التحنيط موجود في الجانب الأيسر، وقد أجريت للميت عملية الختان، والطبقات الخارجية من اللفائف مغطاة بطبقة حمراء من الراتنج، والطبقات الداخلية سوداء متفحمة ومغطاة ببعض بللورات ملحية، والوجه مغطى بطبقة سميكة من الراتنج، وفي الأنف بعض كميات من هذه الراتنجات، وفراغات العين محشوة بالكتان، وللوجه شارب يميل إلى الحمرة، وذقن عمرها أسبوعان، وشعر قصير على الرأس بنفس اللون.٣١
وقد وجدت في اللشت في عام ١٩٠٦ مومياء من الأسرة ١٢ تدل على أن الأمعاء قد أخليت منها عن طريق قطع التحنيط، وفراغ الجسم محشو بنشارة الخشب المخلوط بالراتنج وكرات من الكتان، ولم تكن هناك محاولة لإخلاء المخ أو حشو الفم أو الأنف، وعلى الأعين قليل من الراتنج، وقد لُفَّت الأمعاء ووُضِعت في أوانٍ جنائزيةٍ مملوءة بالراتنج المنصهر.٣٢
وقد كشف بيتري في ريفا عن مومياوين من الأسرة ١٢ محفوظتين في متحف منشستر تعطينا فكرة طبية عن التحنيط في الدولة الوسطى:
  • أولًا: أظافر اليدين والقدمين ملفوفة تمامًا لتقي تلفهما وانفصالهما أثناء عملية النقع، وهذه الطريقة أصبحت متبعة فيما بعدُ في عصر الدولة الحديثة.
  • ثانيًا: الجسم خالٍ من الأمعاء الداخلية.
  • ثالثًا: مُلِئ فراغ الجسم والصدر بالكتان.
  • رابعًا: لم تحدث محاولات لإخلاء المخ.
فوق ما ذُكِر يمكنننا أن نلاحظ أن هذا العصر قد امتاز بالخواص الآتية:
  • خامسًا: استعمال الحناء.
  • سادسًا: حقن المواد الراتنجية من الشرج.
  • سابعًا: صباغة الشعر المستعار.
  • ثامنًا: وجود بعض البللورات الملحية مما يدل على استعمال النطرون أو الملح.
  • تاسعًا: استعمال الراتنج كمادة لاصقة، واستعماله كمسحوق مخلوط بنشارة الخشب لحشو فراغ الجسم.

(٦-٦) عصر الهكسوس ١٧٨٨–١٥٨٠ق.م

عصر الهكسوس هو عصر الفوضى الثاني في تاريخ مصر القديم، اختلطت فيه بعض العادات المصرية بعادات كثيرة من الشعوب الشرقية المجاورة.

وقد عثر بيتري في القرنة على بعض موميات من هذا العصر، وقرَّرَ أنها ترجع إلى عصر الأسرة ١٧. إحدى هذه الموميات كُتِب عنها التقرير التالي:

الجسم داخل جميع اللفائف، الأيدي والأرجل ملفوفة على انفراد … تَلِف جميع نسيج الكتان المستعمل من تأثير الحشرات … تفكَّكَ الجسم من تأثير التلف … العظام أصبحت في غير موضعها الطبيعي، وُضِع في فراغ الجسم كميات من أنسجة الكتان جفت وأخذت شكل هذه الأجزاء … حولَ العظامِ ترابٌ رمادي.

والمومياء الثانية هي للملك سقن رع آخِر ملوك الأسرة السابعة عشرة، وهو بطل من أبطال التاريخ المصري، وقد خر صريعًا في ميدان القتال، والجثة في حالة غير جيدة، كل ما تبقى منها هيكل متفانٍ داخل جلد رقيق ناعم ذي رائحة عطرية قوية، ويشبه الجلد مومياء العصر القبطي، وقد أجرى الدكتور شمدت بعض التجارب الكيماوية على هذه المومياء وقال:
  • (١)

    لم يجد فيها كلورور الصوديوم بنسبة أعلى مما في الجسم العادي.

  • (٢)

    رائحة عطرية نتيجة نثر بعض التوابل على الجسم.

  • (٣)

    ليس هناك محاولة لوضع الجسم في الوضع الجنائزي المعتاد.

ويظن ماسبيرو أن الجثة قد أُخِذت بسرعة من الميدان، ولم تتم عليها عملية التحنيط حسب أصول الصنعة في المعامل الخاصة بذلك، بل حاولوا تحنيطها في مكان قريب من ميدان القتال.

ويقول الدكتور فويه أن الملك قد خر صريعًا في ميدان القتال، وأُرسِلت جثته إلى طيبة للتحنيط، وقد أخذ وصول الجثة إلى هناك وقتًا طويلًا لحقها أثناءه بعض التلف، وأصبحت في حالة لا تسمح بإجراء عملية التحنيط حسب الصناعة.

وقد وُجِدت فتحة كبيرة لإخلاء الأحشاء، وليس هناك ما يدل على محاولة لإخلاء المخ، كما وُجِدت في عظام الجمجمة جروح تدل على أن الملك قد لاقى حتفه من هجوم شخصين عليه من الخلف أو وهو في حالة نوم؛ أحد القطعين ناتج عن بلطة، والثاني عن حربة، ولم يوجد في باقي الجسم أي آثار أخرى لجروحٍ مما يدل على أن القتل كان غدرًا، وقد كُتِب عن هذه المومياء تقرير جراحي شرعي في كتاب المومياء الملكية.٣٣

والتحنيط في هذا العصر لا يعطينا فكرة ثابتة ولا قاعدة متبعة، اللهم إلا استعمال التوابل لتعطير الجسم.

(٦-٧) الدولة الحديثة ١٥٨٠–١٥٩٠ق.م

منذ بدء الدولة الحديثة وأصبحت عملية إخلاء المخ قاعدة كما ذكر هيرودوتس.

  • واستعملت عجائن الراتنج بكثرة لتحفظ للجسم كيانه عند جفافه.

  • واستعملت الحمامات الملحية كمحلول النطرون.

  • وخلال عملية النقع تنقشر بشرة الجلد حاملة معها جميع زغب الجسم.

  • ولم تسقط الأظافر لاتخاذ احتياطات خاصة بتغطية الأظافر بشرائح معدنية أو لفها بأربطة وخيوط.

  • ويدل بقاء شعر فروة الرأس على أنها لم تُغمَس في المحاليل الملحية. وسنذكر هنا أهم الأمثلة على مومياء الدولة الحديثة:

مومياء أحمس الأول

محرر مصر، وملك النهضة في الدولة الحديثة. المومياء تغطيها طبقة قوية تشبه الدرع من عجينة الراتنج، وقد استعملت الراتنج بإسراف حتى إن شعر الرأس قد تلبَّدَ واختفى قطع التحنيط، وقد أُخرِج المخ بطريقة غير عادية تخالف ما ذكره هيرودوتس، وما لُوحِظ في كثير من الموميات بأن تُوضَع آلة في فتحة الأنف وتضغط بسرعة وقوة حتى تنفذ من عظام المصفاوي Etmoid Bone، وخلال هذه الفتحة التي تنفذ يخرجون المخ، ويحشون الفراغ بشرائح من الكتان مشبعة بالراتنج، وكانت هذه إحدى طريقتين في الدولة الحديثة.
أما في حالة الملك أحمس الأول فقد لُوحِظ أن:
  • (١)
    الفقرة العنقية العليا Atlas Vertebra المتصلة مباشرة بالعظم المؤخري والحاملة للرأس غير موجودة.
  • (٢)

    الجزء السطحي من الفقرة الثانية والعظم المؤخري للجمجمة مغطى بطبقة سميكة من الراتنج.

وهذا يعطينا فكرة عن طريقة إخلاء المخ بعملية جراحية في مؤخرة الرقبة تُستأصَل فيها الفقرة العليا، ويتم إخراج المخ خلال الفتحة الكبرى Foramen Magnum، وتُحشَى الجمجمة بالكتان المشبع بالراتنج، وهذه محاولة جراحية فريدة في نوعها تدلنا على تقدُّم الجراحة أولًا، وعلى التجارب الخاصة بالتحنيط.

مومياء مربية نفرتاري

وُجِدت في حفائر الدير البحري، وهي مومياء مربية الملكة نفرتاري زوجة أحمس الأول، وتدل على أنها كانت في شبابها سيدة جميلة رقيقة لها شعر غزير ذو طابع خاص في التسريح، وكل الجسم منثور عليه مخلوط من أنواع الراتنج والرمل أمكن مشاهدة قطع التحنيط.

وقد لُوحِظ في مومياء تحوتمس الثاني أن فتحات الأذن قد وُضِع فيها كور صغيرة من الراتنج. ولُوحِظ أن مومياء تحوتمس الثالث قد أتلفها اللصوص، ولكن كهنة الأسرة ٢١ حاولوا معالجتها لإصلاحها، ووضعوا حولها لتقويتها أربع جبائر Splints.

ولُوحِظ في جثة أمنيوفيس الثالث أنها قد حُشِيت بين جلد الأرجل والذراعين والرقبة وبين اللحم بكمية من الراتنج، حتى إنه عند جفافها يلتصق بها الجسم، ويحفظ رونقه ولا ينكمش، وأصبحت هذه العملية شائعة في الأسرة ٢١.

ولُوحِظ في مومياء رمسيس الثاني أنه قد عُمِل له عملية إخصاء قبل التحنيط مباشَرةً، بدليل ما وُجِد على الجرح من الراتنج، وأن الجسم قد نُثِر عليه كثير من الملح، وأن هناك فتحة في مؤخرة الجمجمة، وهذه قد وُجِدت أيضًا في موميات سيتي الثاني ورمسيس الرابع والخامس والسادس، ويقول ماسبيرو عن هذه الفتحة: إن المحنط قد عملها لتنصرف منها الأرواح الشريرة.

ومن أغرب ما لُوحِظ في مومياء سيبتاح أن فراغ الجسم قد مُلِئ بالشيبة Parmelia Furfuracaes بدل نسيج الكتان، وكذلك في مومياء رمسيس الرابع، مما يدل على أنه في نهاية الأسرة التاسعة عشرة وبداية الأسرة ٢٠ قد أجرى المختصون في التحنيط عدة تجارب على المواد المستعملة على الجسم، وقوة امتصاصها، ومدى صلاحيتها لمنع الجسم من الفناء. ويمكن تلخيص هذه المواد كالترتيب الآتي:
  • كتان.

  • كتان مشبع بالراتنج.

  • نشارة مخلوطة بالراتنج، ورمل مخلوط بالراتنج.

  • شيبة.

وقد حُفِظت مومياء رمسيس الرابع في طبقة سميكة من عجينة الراتنج التي غطتها جميعًا ما عدا الرأس، ووضع بصل صغير مكان الأعين. وتدل جثة رمسيس الخامس على أنه كان يقاسي عدة أمراض أهمها: آثار الجدري في وجهه، وفتق أربي أو رفقي، وقرحة في خن الورك.

وتُعتبَر صناعة التحنيط في عصر الأسرة ٢١ أعجب ما وصل إليه الفن وأعمقه؛ إذ قد حاول المحنطُ فوق حفظِ الجسم حفظَ الشكل للمومياء ما أمكن بإحدى طريقتين:
  • (١)

    وضع مواد خارج لفائف المومياء.

  • (٢)

    حشو تحت الجلد.

وتدلنا الدراسة الدقيقة لموميات الأسرة ٢١ على أن المحاولة لم تكن لتحنيط الجسم وحفظه فحسب، وإنما لتجعل من المومياء صورة تمثالية مثالية. وكان الجسم يُدهَن بمخلوط الصمغ والأهرة الصفراء، وتُوضَع له عيون صناعية. وأصبحت أجزاء الجسم التي كانت تُوضَع في أوانٍ جنائزية تُوضَع الآن ملفوفة في فراغ الجسم حتى لا ينقصه شيء، ثم مُلِئت فجوات الجسم بالنشارة.

وقد مُلِئت رقبة الملكة ما كارع من الأسرة ٢١ بمخلوط من الدهن والنطرون عن طريق قطع التحنيط، وقد وجدت بجوارها جثة طفلة حديثة الولادة، وثدي الملكة متضخم، مما يدل على أنها كانت في حالة رضاع، وأنها توفيت بعد الوضع مباشَرةً، ربما بحمى النفاس. ولُوحِظ في هذه الأسرة أنها كانت تعمل بعض القطوع الجراحية في أنحاء الجسم المختلفة لتُحشَى تحت الجلد بالمواد الحافظة.

ويُعتبَر عصر الدولة الحديثة عصر النهضة المصرية في جميع نواحيها، وقد ظهر ذلك أيضًا في عملية التحنيط التي تميَّزت بالخصائص الآتية:
  • (١)

    المحاولات الجراحية الهامة كالفتحة في مؤخرة الرقبة، وعملية الفقرة العليا، وقطوع الحشو في أنحاء الجسم.

  • (٢)

    شيوع عملية إخلاء المخ.

  • (٣)

    التجارب العلمية على مواد الحشو، وقوة امتصاصها ونفعها.

  • (٤)

    فتحة مؤخرة الجمجمة لطرد الأرواح.

  • (٥)

    الإسراف في استعمال الراتنج.

  • (٦)

    استعمال الأملاح.

  • (٧)

    استعمال الصمغ والأهرة.

  • (٨)

    الاهتمام بالمظهر الخارجي اهتمامًا كبيرًا.

(٦-٨) عصر البطالسة ٣٣٢–٣٠ب.م

يمتاز عصر البطالسة بالدقة الفائقة في صناعة غطاء الكارتوناج الخارجي ونقوشه، وكثرة استعمال الراتنجات ومادة القار المعدني؛ ولذلك كثيرًا ما تبدو الموميات سوداء لامعة.

وتبدو البشرة دائمًا غير موجودة من الإفراط في استعمال محاليل المواد الملحية والكاوية، وكانوا يجمعون البشرة التي تنقشر ويضعونها في لفافة واحدة.

وقد مُلِئت فراغات الجسم بالكتان والطمي والراتنج والشمع، وقد وجدت مواد راتنجية داخل الجمجمة بعد إخلائها من المخ، ولم توجد آثار لهذه المواد في فتحات الأنف؛ مما يدل على احتمال استعمال قمع خاص لذلك. وقد لُوحِظ أن جثث السيدات تالفة؛ مما يدل على أنها لم تُرسَل للتحنيط مباشرةً بعد الموت، بل بعد بضعة أيام من ذلك التاريخ، وقد أشار هيرودوتس٣٤ إلى هذا فقال: إن السيدات الجميلات لا يُرسَلن بعد الوفاة مباشرة للتحنيط، بل يتركن ٣ أو ٤ أيام؛ وذلك حتى لا يتمكن المحنط من أن يسيء استعمال جثة السيدة الجميلة؛ لأنهم يقولون إنه قد حدث أن أساء أحد المحنطين استعمال جثة سيدة جميلة، وأبلغ عنه أحد رجاله.

وأحيانًا لا تحوي المومياء جثة كاملة بل بعض العظام المبعثرة، وفي عام ١٩٠٤ زار السير ألكسندر سمبسون أستاذ الولادة في جامعة أدنبرة كلية للطب المصرية، وطلب فك إحدى الموميات، ولحسن الحظ وجد أن المومياء التي فكها لفتاة في السادسة عشرة من عمرها، وفي الشهر السادس من الحمل، وقد قُتِلت عمدًا، وكُسِر ذراعها بعد القتل مباشَرةً، وربما كان هذا لأنها حملت سفاحًا كما دلَّ على آثار القتل العمد الجروحُ التي ظهرت في جسمها، وقد لُفَّ جسمها دون تحنيط ولا عناية.

(٦-٩) العصر المسيحي

ولما دخلت المسيحية مصر، واعتنق أهلوها جميعًا هذا الدين، وأصبحت مصر مركزًا هامًّا من مراكز الدين المسيحي ونشر الحضارة المسيحية؛ تأثرت عاداتها طبعًا بما جاء في الإنجيل من أصول وقواعد. وطبيعي أن تتأثر طريقة التحنيط وحفظ الأجسام في العصر المسيحي بما جاء في الإنجيل عن دفن المسيح؛ إذ جاء في إنجيل متى إصحاح ٣٧ والعدد ٥٩: «فأخذ يوسف الجسد ولفَّه بكتان نقي.» وجاء في إنجيل لوقا إصحاح ٢٣ والعدد ٥٣: «وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت.» وجاء في إنجيل يوحنا إصحاح ١٩ والعدد ٤٠: «وأخذا جسد يسوع ولفَّاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا.» طبيعي جدًّا أن تتأثر عادة التحنيط بتقاليد هذا الدين الجديد، وما جاء فيه عن صاحب هذه الرسالة المسيحية، وأن تتطور عملية التحنيط من عملية تشريحية جراحية كيماوية إلى عملية مبسطة جدًّا، وهي مجرد لف الجسم في الكتان مع نثر بعض الأطياب. وكانوا يلبسون الرجال أحسن ما عندهم من ملابس، ويلبسون السيدات فستانًا طويلًا أبيض، وينثرون حول الجسم مسحوق الملح وبعض المساحيق العطرية بكميات كبيرة. وبهذا حُفِظت جثث العصر القبطي في حالة جيدة أمكن تشريحها ومعرفة الكثير عن غذائهم مما تبقَّى من فضلات في أمعائهم. وظلت عادة التحنيط تتلاشى رويدًا رويدًا حتى لم يبقَ لها أثر بعد بضعة قرون من ظهور المسيحية، وأصبحت فيما بعدُ رمزًا خاصًّا من رموز الفرعونية.

١  Dioscoridee: De Materia Medica Book I, Cop. 100.
٢  Abd-Al-Latif: de Sacy p. 200.
٣  Wiedmann, Mumie Als Heilmuttel, in the zeitschrift furhinische und Westfalia the Volkakund, 1906, p. 1–38.
٤  (a) Pettigrew: History of Egyptian Mummies, London 1834.
(b) Lonis Reuttes: L’Embaumement, Paris 1612.
(c) Elliot Smith: “Royal Mummies”.
(d) Elliot Smith & W. Daweon: Eummies.
٥  P. C. Rouyer: Notice Surc Les embaumemens des Anciens Egyptiens. Description de L’Egpte Antiquites Mémoires I, 1808, pp. 209, 212.
٦  Yeivin: Deverpool Annals XII, 1926, p. 15.
٧  Schmidt: “Chimische und Biologische Unter Suchungen Von Agyptischen Mumien Material” iu the Zeit fur Allgemeine Physiologie, Band VII, 1907, p. 362–392.
٨  Journ. Anatomy & Physiology Vol. 36, 1902, 375.
٩  Mariette: Les papyrus Egyptiens du Wusée du Boulaq, Paris, 1871, T. 1.
١٠  Deveria: Cataloge des Manscrite Egyptiens du Louvre, Paris, 1881. Maspero: Memoire sur quelque Papyrus du Louvre, Paris, 1878, pp. 14–104 and 2 Plates.
١١  (a) Rhind: Thebes, its tombs & thier tenants, p. 77.
(b) Neitherchift: Facsimiles of two papyri found in a tomb of thebes, 1863.
(c) Brugsch: A. H. Rhind’s lwei Billingue Papyrus, Leipzig 1658.
(d) Dr. Mollar: Die Beiden Tatau papyri Rhind, Leipzig 1913.
١٢  Gardiner: The Tomb of Amenemhét p. 56.
١٣  (a) Sharpe: Egyptian Inscription Vol. I, P. 1 XLVIII.
(b) Budge: Guide to Egyptian Galleries (Sculpture) Brit. Mus. p. 266 (1909).
١٤  Griffith: Stories of the High Priests of Memphis p. 29.
١٥  Piehl: Inscriptions Hiéroglyphiques II, p. XXXVI Text, Part 1, p. 43.
١٦  Golenischeff: Rec. de Trav. Vol. III, 3 ff.
١٧  Gardiner: The admonitions of an Egyptian Sage 32.
١٨  Grenfell & Humd: Amherst Papyri, P. 150, No. 125.
١٩  Naville: Deir El Bahari, Pt. II, p. 6.
٢٠  Recuieil de Traveux: t. 39, p. 55. P.1 III.
٢١  The Egyptian Expidition MCM XXI–MCM XXII, Part II, of the Bulletin of the Metropolitan Muaeum of Art, New York, December, 1922, p. 34.
٢٢  De Morgan: Recherches Sur Les Orgines d’Egypte.
٢٣  Petrie: Royal Tombs of the Earliest Dynasties, 2 Vol. Eg. Exp. Fund.
٢٤  Risner: early Dynastic Cemetries of Naga-ed-Der, 2 Vols., 1908-9.
٢٥  Dundee: report, British association 1912, p. 161.
٢٦  Museum of Fine Arts bulletin, Boston V. S. A, Vol. xi, No. 66, November 1613, p. 58.
٢٧  Journal of Egyptian Archeology, Vol. I, p. 252.
٢٨  Maspero: Guide Du Visiteur ed IV, p. 309.
٢٩  Breasted: History of Egypt, 2nd ed. 1919, Fig. 77.
٣٠  Elliot Smith: Ancient Egyptian Mummies, p. 79.
٣١  Elliot Smith in Quibell: Excavations at sqqara 1906,6-7, Cairo, 1908, pp. 13-14.
٣٢  M. A. Murray and others: The tomb of two brothers, Manchester 1910, pp. 31.
٣٣  The Royal Mummies pp. 4–6.
٣٤  (a) Herodotus Book II, C, IXXXIX.
(b) Corey’s Translation et Delm 1872, p. 127.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤