أحداث في الظلام

دخل الدكتور «حسين» على «أحمد»، وخلفه مُمرضةٌ تحمل طعام العشاء … وانقضَّ «أحمد» على الطعام يتناوله في شراهةٍ … فهو لم يتناول شيئًا منذ أكثر من ثلاث عشرة ساعة.

قال الدكتور مبتسمًا: إنَّ صحتك على ما يُرام … فمن دلائل الصحة الجيدة الإقبال على الطعام.

أحمد: الحمد لله.

حسين: سأُعطيك منومًا، حتى لا تُصاب بالأرق، فسوف يعاودك الألم بعد زوال المخدر.

أحمد: كما ترى.

وتناول «أحمد» القرصين اللذين قدمهما «حسين» وبلعهما.

حسين: بعد نحو نصف ساعةٍ ستَذهب في سباتٍ عميقٍ، وسأذهب الآن لأن عندي عملًا آخر …

أحمد: شكرًا لك.

خرج «حسين» واستلقى «أحمد» على ظهره فوق الفراش النظيف، وأخذ يتصور ماذا يمكن أن يحدث في المقر السري بعد أن أبلغ بضرورة حضور رقم «صفر»، وهي أول مرةٍ يَستدعي فيها رقم «صفر» لعلاج موقفٍ معينٍ … إنَّ فارقَ التوقيت بين «جنيف» ومقرِّ المنظَّمة هو ساعة … ونظر إلى ساعته … كانت الثامنة والنصف، فهي الآن في المقر التاسعة والنصف … فإذا استطاع رقم «صفر» تدبير طائرةٍ فورًا، فإنه يصل إلى «جنيف» بعد أربع ساعاتٍ تقريبًا؛ أي بعد منتصف الليل بنصف ساعةٍ، ثم نصف ساعة إلى جونولييه في السيارة فيصل في الواحدة بعد منتصَف الليل، فإذا لم يستطع تدبير طائرةٍ إلَّا في الصباح، وهذا هو الأغلب فسيصل بين العاشرة صباحًا ومنتصف النهار … وفي الحالتين هو في مأمنٍ بواسطة رجال الأمن في جونولييه … إن كل ما يرُيده الآن هو أن يقول لرقم «صفر» اسم الخائن الذي تسبب في قتل ثلاثة من أعوان رقم «صفر» وربما أربعة بعد مصرع «مارك»، ومن الواضح أن الخائن يُريد تمزيق منظمة الشياطين اﻟ «١٣» لحسابه الخاص أو لحساب جهةٍ أخرى.

وأخذ النُّعاس يتسلَّل إلى «أحمد» تدريجيًّا … وسرعان ما ذهب في سباتٍ عميقٍ … سمع «أحمد» صوتًا بعيدًا يُناديه … ويد تهزُّه برفقٍ … خُيِّل إليه أنه في حلم وتحت تأثير المنوم، لم يدرِ ما هي الحقيقة … وحاول أن يفتح عينيه … ولكنه لم يستطع … وكان اسمه يتردَّد باستمرار «أحمد» … واليد التي تهزه ما زالت تهزه …

فتح عينيه بصعوبةٍ … كانت الغرفة تسبح في ظلامٍ داكن … ولكنه استطاع أن يميز ثلاثة أشباح في الغرفة … مرة أخرى سمع اسمه وردَّ في وهَن: نعم.

قال صاحب الصوت: أنا رقم «صفر».

وتنبهت حواس «أحمد» … ولكنه ظلَّ يُحسُّ أنه في وادٍ سحيقٍ أو بئرٍ عميقٍ …

عاد رقم «صفر» يقول: لقد وصلتني إشارتك، ومن المهمِّ جدًّا أن أعرف الآن من هو الخائن.

استجمع «أحمد» كل قواه وحاول النهوض، ولكن رقم «صفر» قال: ابقَ كما كنت … من هو الخائن؟

ردَّ «أحمد» في صوتٍ واهنٍ: إنه «بليك».

ساد الصمت لحظاتٍ، ثم قال رقم «صفر»: هل أنت متأكدٌ.

أحمد: نعم.

ساد الصمت مرةً أخرى، وأحسَّ «أحمد» أنَّ الأشباح الثلاثة تتحرَّك في الغرفة بسرعةٍ … وأدرك أن ثمة شيئًا يحدث … وقال رقم «صفر» بلهجةٍ حاسمةٍ: تظاهرْ بالنوم … ولا تخَفْ شيئًا.

واختفت الأشباح الثلاثة … وأحسَّ «أحمد» بأن باب الغرفة يُفتح … وسمع صوت خطواتٍ خافتةٍ تتجه إليه … واستطاع من خلال نظرةٍ خفيةٍ أن يرى شبحًا ضخمًا عرف على الفور أنه «هومو»، وكان معه رجلٌ آخر.

سمع «هومو» يقول: إنه هو.

قال الرجل الآخر: لا داعي لاستخدام المسدس … استخدم الخنجر.

وشاهد «أحمد» ذراع «هومو» تَرتفع بخنجرٍ وتتجه إليه عندما سمع في نفس الوقت صوت رقم «صفر» يقول في لهجةٍ آمرةٍ: قفْ مكانك يا «هومو».

وانقضَّ شَبحان على «هومو» فجرَّداه من سلاحه، بينما سمع «أحمد» رقم «صفر» يقول: أنت يا «بليك» … أنت الخائن … أنت رئيس شبكة رجالي في أوروبا تخونُني؟!

لم يردَّ «بليك»، وفجأةً شاهد «أحمد» أحد الأشباح يتجه إلى النافذة، ويحاول فتحها، ولم يشك لحظةً أنه «بليك» يُحاول الهرب … ولكن أحد الأشباح لحق به … وهوى عليه بضربةٍ قويةٍ وسقط «بليك»، وتلقَّفه الرجل بين ذراعيه حتى لا يسقط ويُحدث ضجةً في المُستشفى الهادئ.

قال رقم «صفر»: وأنت يا «هومو» … ألم أُساعدْك وأجعلك من أهم رجال المنظَّمة في «أوروبا»؟!

ردَّ «هومو» بصوتٍ كفحيح الثعبان: إنه «بليك» يا سيدي، لقد كنتُ أظن أن ما أفعله هو تعليمات صادرةٌ منك … وقد أقنعني أن نقوم بصفقة سلاح تُريدها المنظَّمة … ثم وضع خطةً لسرقة رسومات العقل الإلكتروني العملاق من الرجل الغريب، والتخلُّص من رقم واحد كطلبك.

رقم «صفر»: هل يُمكِن أن تتصوَّر أن أُضحي برقم واحد لأي سببٍ.

تحدث «أحمد» بصوتٍ ضعيفٍ وقد استردَّ كثيرًا من وعيه: لقد اكتشفتُ الحقيقة بعد وصولي إلى نابولي بقليلٍ … فمن خلال الأشرطة التي سجَّلها «جياكومو» عرفتُ أن «بليك» يُصدر تعليماتٍ وهميةً بعملياتٍ لا تقوم بها منظَّمة الشياطين أبدًا … وعندما يذهب الرجال لتنفيذ هذه المهام، يتمُّ القضاء عليهم.

وسكت «أحمد» لحظات، ثم قال: وكنتُ أعرف أن الاستيلاء على رسوم العقل الإليكتروني العملاق مهمةٌ وهميةٌ … إنك لا تقرأ الصحف يا «هومو» إن صفقة الرسوم تمَّت على حدودٍ بين كندا والولايات المتحدة … ولم تتمَّ أبدًا داخل أوروبا … ولكني فضلت أن أتأكد من الحقيقة.

هومو: لماذا لم تقلْ لي.

أحمد: لا تتظاهر بالبراءة … لقد تأكَّدت أنك قتلت «مارك» قبل أن تُغادر الفندق تلك الليلة عندما ذهبت مع تاجر السلاح «والتر»، وكنتَ تَعرف أنني أتبعك، لهذا تركت مفاتيح سيارتك فيها حتى أبتعد عن مسرح الجريمة لحين عودتك.

رقم «صفر»: لا تُجهد نفسك أكثر يا «أحمد» … لقد انتهى كل شيءٍ الآن.

وأحسَّ «أحمد» بيد رقم «صفر» تُربِّت عليه في الظلام … ولأول مرةٍ منذ فترةٍ طويلةٍ يحسُّ بالراحة والأمن والهدوء.

•••

في صباح اليوم التالي كان «أحمد» يستعدُّ للخروج من مصحَّة جونولييه … عندما وصلت إلى غرفته باقةٌ رائعةٌ من الورود … عليها كلماتٌ رقيقةٌ من رقم «صفر»، ثم هذه الجملة: تسافر فورًا إلى «نابولي» … إنَّ «مادونا» في انتظارك.

وابتسم «أحمد» وخرج إلى الهواء الطلق والشمس التي سطعت بعد العاصفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤