الباب العاشر

في ذكر المغفلين من القراء والمصحِّفين

عن عبد الله بن عمر بن أبان أن مشكدانة قرأ عليه في التفسير: «ويعوق وبشرًا» فقيل له: «ونسرًا» فقال: هي منقوطة بثلاثة من فوق. فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.

وعن محمد بن أبي الفضل قال: قرأ علينا عبد الله بن عمر بن أبان: «ويعوق وبشرًا»، فقال له رجل: إنما هو «ونسرًا»، فقال: هو ذا فوقها نقط مثل رأسك.

وقال أبو العباس بن عمار الكاتب: انصرفت من مجلس مشكدانة فمررت بمحمد بن عباد بن موسى، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من عند مشكدانة فقال: ذاك الذي يصحف على جبرائيل، يريد قراءته: «ويعوق وبشرًا» وكانت حكيت عنه.

حدثنا إسماعيل بن محمد قال: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقرأ: «فإن لم يصبها وابل فظل».١ قال: وقرأ: «من الخوارج٢ مكلبين».
وعن محمد بن جرير الطبري قال: قرأ علينا محمد بن جميل الرازي: «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يجرحوك».٣
قال الدارقطني: وحدثني أنه سمع أبا بكر الباغندي أملى عليهم في حديث ذكره: «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هويًّا»٤ بضم الهاء وياء.

قال ابن كامل: وحدثنا أبو شيخ الأصبهاني محمد بن الحسين قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير: «وإذا بطشتم بطشتم خبازين»، يريد قوله: «جبارين».

وعن محمد بن عبد الله المنادي يقول: كنا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا وقال: ن وَالْقَلَمِ في أي سورة هو؟

وعن إبراهيم بن دومة٥ الأصبهاني أنه يقول: أملى علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير قال: «خذوا سورة المدبر» قالها بالباء.

قال الدارقطني: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة في التفسير «فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية» فِي رَحْلِ أَخِيهِ فقيل له: السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فقال: أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم.

وقال القاضي المقدمي: قرأ علينا عثمان بن شيبة: جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ فقيل له: في فِي رَحْلِ أَخِيهِ، فقال: تحت الجيم واحدة.

وعن محمد بن عبد الله الحضرمي أنه قال: قرأ علينا عثمان بن أبي شيبة: «فضرب بينهم سنور له ناب»، فقيل له إنما هو: «بسور له باب» فقال: أنا لا أقرأ قراءة حمزة، قراءة حمزة عندنا بدعة.

قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن يحيى قال مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ: «ولله ميزاب السموات والأرض» فقلت: يا شيخ ما معنى «ولله ميزاب السموات والأرض» قال: هذا المطر الذي تراه. فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير، يا هذا إنما هو وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.

قال: حدثني أبو فزارة الأسدي قال: قلت لسعيد بن هشيم: لو حفظت عن أبيك عشرة أحاديث سدت الناس، وقيل: هذا ابن هشيم. فجاءوك فسمعوا منك. قال: شغلني عن ذلك القرآن. فلما كان يوم آخر قال لي: جبير كان نبيًّا أم صديقًا؟ قال: قلت: مَن جبير؟ قال: قوله عز وجل: «واسأل به جبيرًا»،٦ قال: قلت له: يا غافل زعمت أن القرآن أشغلك!

وعن أبي عبيدة قال: كنا نجلس إلى أبي عمرو بن العلاء فنخوض في فنون من العلم ورجل يجلس إلينا لا يتكلم حتى نقوم، فقلنا: إما أن يكون مجنونًا أو أعلم الناس. فقال يونس: أو خائف، سأظهر لكم أمره. فقال له: كيف علمك بكتاب الله تعالى؟ قال: عالم به. قال: ففي أي سورة هذه الآية:

الْحَمْدُ لِلهِ لَا شَرِيكَ لَهُ
مَنْ لَمْ يَقُلْهَا فَنَفْسَهُ ظَلَمَا

فأطرق ساعة، ثم قال: في ﺣﻢٓ الدخان.

وعن أبي عبد الله بن عرفة أنه قال: اصطحب ناس فكانوا يتذاكرون الآداب والأخبار وسائر العلوم، وكان معهم شاب لا يخوض فيما يخوضون فيه سوى أنه كان يقول: رحم الله أبي ما كان يعدل بالقرآن وعلمه شيئًا. فكانوا يرون أنه أعلم الناس بالقرآن، فسأله بعضهم في أي سورة:

وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كِتَابَهُ
كَمَا لَاحَ مُبْيَضٌّ مِنَ الصُّبْحِ سَاطِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ
إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ

فقال: سبحان الله! من لم يعرف هذا؟ هذا في ﺣﻢٓ عسق. فقالوا: ما قصر أبوك في أدبك. فقال لهم: أفكان يتغافل عني كتغافل آبائكم عنكم؟

ونبأنا في هذا المعنى أن رجلًا قدَّم ابنًا له إلى القاضي فقال: أصلح الله القاضي، إن هذا ابني يشرب الخمر ولا يصلي. فقال له القاضي: ما تقول يا غلام فيما حكاه أبوك عنك؟ قال: يقول غير الصحيح، إني أصلي ولا أشرب الخمر. فقال أبوه: أصلح الله القاضي أتكون صلاة بلا قراءة؟ فقال القاضي: يا غلام تقرأ شيئًا من القرآن؟ قال: نعم وأجيد القراءة. قال: اقرأ. فقال: بسم الله الرحمن الرحيم:

عُلِّقَ الْقَلْبُ رَبَابًا
بَعْدَمَا شَابَتْ وَشَابَا
إِنَّ دِينَ اللهِ حَقٌّ
لَا أَرَى فِيهِ ارْتِيَابَا

فقال أبوه: واللهِ أيها القاضي ما تعلَّم هاتين الآيتين إلا البارحة؛ لأنه سرق مصحفًا من بعض جيراننا. فقال القاضي: قبحكم الله أحدكما يقرأ كتاب الله ولا يعمل به!

وعن المزني أنه قال: سمعت الشافعي يقول قرأ رجل: «فما لكم في المنافقين قيس»،٧ قيل: فما قيس؟ قال: يقتاسون به.

قال: حدثني أبو بكر محمد بن جعفر السواق قال: كان عليَّ وعد أُنفِذُه لابن عبدان الصيرفي، فأخَّرته لضرورة، فجاءني يقتضيني وقال لي في عرض الخطاب: أقول لك يا أبا بكر كما قال الله تعالى: «وشديد عادة متنزعة» فقلت: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، والله ما قال الله من هذا شيئًا. فاستحيا وقام، فما عاد لي أيامًا فلما حضرت الدراهم أنفذتها إليه.

وعن يحيى ابن أكثم قال: قدَّم رجل ابنه إلى بعض القضاة ليحجر عليه، فقال: فيم؟ قال للقاضي: أصلحك الله إن كان يحسن آيتين من كتاب الله فلا تحجر عليه. فقال له القاضي: اقرأ يا فتي فقال:

أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا
لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ وَسَدَادِ ثَغْرِ

فقال أبوه: أصلحك الله! إن قرأ آية أخرى فلا تحجر عليه. فحجر القاضي عليهما.

وعن أبي عبد الله الشطيري قال: كان إبراهيم يقرأ على الأعمش فقال: «قال لمن حولِه ألا تستمعون»، فقال الأعمش: لِمَنْ حَوْلَهُ فقال: ألست أخبرتني أن «من» تجر ما بعدها؟

قال: حدثنا الدارقطني قال: ذكر أبو بكر عن حماد أنه قرأ «والغاديات صبحًا»٨ بالغين المعجمة والصاد المهملة، فأخبروا بذلك عقبة فامتحنه بالقراءة في المصحف فصحَّف في آيات عدة فقرأ: «ومما يغرسون»،٩ «وعدها أباه»،١٠ «أصبت به من أساء»،١١ «فبادوا١٢ ولات حين»، «لا يسع١٣ الجاهلين»، «فأنا أول العائدين»،١٤ «كل خباز».١٥

قال: حدثني الدارقطني قال: ثنا علي بن موسى قال: قرأ أبو أحمد العراقي على عبد الله بن أحمد بن حنبل: «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعِه» بكسر العين فقال له: إنما هو «يَرْفَعُهُ»، قال: هكذا الوقف عليه.

قال الدارقطني: حدثنا النقاش قال: كنت بطبرية الشام أكتب على شيخ فيها عنده جزء فيه عن أبي عمرو الدوري، وكان فيه أن يحيى بن معمر قرأ: «إن لك في النهار شيخًا١٦ طويلًا» فقرأ على الشيخ وعلى من كان يسمع معه شيخًا بالشين المعجمة وبالخاء والياء.

كان رجل كثير المخاصمة لامرأته وله جار يعاتبه على ذلك، فلما كان في بعض الليالي خاصمها خصومة شديدة وضربها فاطَّلع عليه جاره فقال: يا هذا، اعمل معها كما قال الله تعالى: «إما إمساك إيش اسمه أو تسريح ما أدري إيش».

وجه فزارة صاحب مظالم البصرة رجلًا يومًا في حاجة فقضاها ورجع إليه، فقال فزارة: أنت كما قال الله تعالى:

إِذَا كُنْتَ فِي حَاجَةٍ مُرْسِلًا
فَأَرْسِلْ حَكِيمًا وَلَا تُوصِهِ
قال رجل لابنه: وهو في المكتب في أي سورة أنت؟ قال: في «لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد»١٧ فقال أبوه: لعمرى من كنتَ ابنَه فهو بلا ولد.

قال المأمون لبعض كُتَّابه: ويلك ما تحسن تقرأ؟ قال: بلى والله إني لأقرأ من سورة واحدة ألف آية.

سمعت ابن الرومي يقول: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها فأقام عنده أيامًا فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم، وقد أشكل عليَّ في القرآن بعض مواضع. قال: سلني عنها. قال منها في الْحَمْدُ لِلهِ: إياك نعبد وإياك، أي شيء تسعين أو سبعين؟ أشكلت عليَّ هذه فأنا أقولها تسعين، آخذ بالاحتياط.

١  صحتها: فَطَلٌّ.
٢  صحتها: الْجَوَارِحِ.
٣  صحتها: أَوْ يُخْرِجُوكَ.
٤  صحتها: هَوْنًا.
٥  والصحيح ابن أورمة.
٦  يريد: خَبِيرًا.
٧  صحتها: فِئَتَيْنِ.
٨  صحتها: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا.
٩  صحتها: يَعْرِشُونَ.
١٠  صحتها: ِإِيَّاهُ.
١١  صحتها: أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ.
١٢  صحتها: فَنَادَوْا.
١٣  صحتها نَبْتَغِي.
١٤  صحتها: الْعَابِدِينَ.
١٥  صحتها: جَبَّارٍ.
١٦  صحتها: سَبْحًا.
١٧  صحتها: وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤