الباب السادس

في التحذير من صحبة الأحمق

قال عليه السلام: لا تؤاخِ الأحمق، فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ وربما يريد أن ينفعك فيضرك، وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وموته خير من حياته.

وقال ابن أبي زياد: قال لي أبي: يا بني، الزم أهل العقل وجالسْهم واجتنب الحمقى، فإني ما جالست أحمق فقمت إلا وجدت النقص في عقلي.

عن عبد الله بن حبيق قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: «لا تغضب على الحمقى فيكثر غمك.»

وعن الحسن قال: هجران الأحمق قربة إلى الله عز وجل.

عن سلمان بن موسى قال: ثلاثة لا ينتصف بعضهم من بعض: حليم من أحمق، وشريف من دنيء، وبر من فاجر.

وكذلك رُوِينا عن الأحنف بن قيس أنه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكِّروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالب فعلِّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه. وقال أيضًا: الناس أربعة فكلِّم ثلاثة ولا تكلم واحدًا، رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فكلمه، ورجل يعلم ويرى أنه لا يعلم فكلمه، ورجل لا يعلم ويرى أنه يعلم فلا تكلمه.

قال جعفر بن محمد: الرجال أربعة: رجل يعلم ويعلم أنه يعلم فذاك عالم فتعلموا منه، ورجل يعلم ولا يعلم أنه يعلم فذاك نائم فأنبهوه، ورجل لا يعلم ويعلم أنه لا يعلم فذاك جاهل فعلموه، ورجل لا يعلم ولا يعلم أنه لا يعلم فذاك أحمق فاجتنبوه.

وقد روينا عن أبي يوسف القاضي أنه قال: الناس ثلاثة: مجنون ونصف مجنون وعاقل، فأما المجنون ونصف فأنت معهما في راحة، وأما العاقل فقد كفيت مؤنته.

عن الأعمش أنه قال: معاتبة الأحمق نفخ في تليسة.

عن عبد الله بن داود الحربي أنه قال: كل صديق ليس له عقل فهو أشد عليك من عدوك.

عن بشر بن الحارث أنه قال: النظر إلى الأحمق سخنة عين. وسمعته يقول: يأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى. وعنه أنه قال: الأحمق سخنة عين غاب أو حضر.

عن شعبة أنه قال: عقولنا قليلة، فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلًا منا ذهب ذلك القليل، فإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلًا منه فأمقته.

قال بعض الحكماء: مؤنة العاقل على نفسه ومؤنة الأحمق على الناس، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة.

قال حكيم آخر: ليس كل أحد يحسن يعامل الأحمق وأنا أحسن أعامله. قيل له: كيف؟ قال: أبخسه حتى يطلب الحق بعينه؛ إذ متى أعطيته حقه طلب ما هو أكثر منه. وأنشدوا:

اتَّقِ الْأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهُ
إِنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَ مِنْهُ جَانِبًا
خَرَّقَتْهُ الرِّيحُ وَهْنًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ زُجَاجٍ يُرْتَتَقْ
كَحِمَارِ السُّوقِ إِنْ أَقْضَمْتَهُ
رَمَحَ النَّاسَ وَإِنْ جَاعَ نَهَقْ
أَوْ غُلَامِ السُّوءِ إِنْ أَسْغَبْتَهُ١
سَرَقَ النَّاسَ وَإِنْ يَشْبَعْ فَسَقْ
وَإِذَا عَاتَبْتَهُ كَيْ يَرْعَوِي
أَفْسَدَ الْمَجْلِسَ مِنْهُ بِالْخُرُقْ
١  السغب: الجوع وفي القرآن ذِي مَسْغَبَةٍ شديد الجوع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤