مقدمة

إن ما لقيه كتابنا «علم الاجتماع» من إقبال القُرَّاء واستحسانهم شجعنا على أن نستمر بنشر سلسلة من المواضيع الاجتماعية التي تلم بحياتنا اليومية إلمامًا شديدًا؛ لأننا نعتقد أننا بنشر أحدث الأفكار والآراء بهذه المواضيع نخدم نهضتنا العربية خدمة علمية، ولا سيما لأن لغتنا لا تزال خُلُوًّا منها. وقد وفقنا الله إلى أسلوب في الكتابة بسيط، سهل المأخذ، مهما كان الموضوع عويصًا.

وقد أجلنا النظر فيما نعلمه من المواضع التي من هذا القبيل، والتي نخدم بها خدمة نافعة، فرأينا بعد صدور كتابي «الحب والزواج» و«ذكرًا وأنثى خلقهم»، اللذين لا يخرجان عن دائرة المعارف الاجتماعية، أن أدب النفس هو حلقة نفيسة من حلقات هذا الموضوع، وأن حاجتنا إليه في عهد التجديد الحالي شديدة، وأن خدمتنا فيه للناشئة فَعَّالة؛ لأن لغتنا خالية من هذا الموضوع على النمط العصري، وبالآراء الحديثة، ولكننا تهيبنا الخوض فيه لأنه موضوع عقلي عويص.

وَلَمَّا كنت مقيمًا في بوسطن «في أمريكا» سنحت لي فرصة سعيدة للمطالعة، فوقعت يدي على كتاب نفيس بهذا الموضوع للعلَّامة مكنزي، وهو «متن في أدب النفس»، فطالعته وشاقني بحثه جدًّا لسمو مواضعيه؛ ولذلك تقدمت للخوض في هذا الموضوع، ولكن بضاعتي فيه قليلة جدًّا.

وَلَمَّا عزمت في هذا العام على تقديم الكتاب بهذا الموضوع هدية لِقُرَّاء مجلة السيدات والرجال، رأيت أن لا بد من درسه من جميع جهاته، واختيار أفضل المؤلفات فيه وأكثرها ملاءمة لغرضي من خدمة نهضتنا لكي أترجمه؛ فانتقيت المؤلفات المذكورة فيما يلي وطالعتها؛ فإذا بي أرى الموضوع كثير الشعاب، مترامي النواحي، وقد طرقه المؤلفون من جهات مختلفة، وتباعدت فيه أفكارهم وآراؤهم، وتضاربت فيه مذاهبهم أي تضارب، حتى كاد يتراءى لي أن كل مؤلف من مؤلفاتهم علم مستقل قائم بذاته.

وقد وجدت في أكثر هذه المؤلفات فصولًا طوالًا لنقد نظريات كبار الفلاسفة والمؤلفين فيه، وكتاب مرتينو الموسوع في نحو ١١٠٠ صفحة يقتصر نصفه الأول كله وبعض نصفه الثاني على النقد.

لذلك لم أجد أن ترجمة كتاب أو كتابين من أفضل الكتب بهذا الموضوع تفي بالغرض، وَلَمْ أَرَ بدًّا من تأليف كتاب خاص يوافق عربيتنا وأحوال شرقنا أكثر من أي كتاب من هذه الكتب؛ بحيث تُجمَل فيه روح الموضوع، وخلاصة حقائقه، وزبدة آراء الكُتَّاب المختلفين من قدماء ومتأخرين.

فاستخرت الله متكلًا ومرشدًا في هذا العمل الخطير الشأن، واستعنت بإلهام نيتي الخالصة؛ فتوفقت إلى هذا التأليف كما تراه بأبوابه وفصوله.

ولي الأمل الكبير أن يجده القارئ الكريم موازيًا في قيمته لِمَا عانيته في الدرس له وفي تأليفه، ووافيًا بغرضي من خدمة الأمة العربية، وَإِلَّا فأسأل اللهَ أن يُقَيِّض لهذا العلم الجليل مَنْ هو أطول باعًا فيه، وأحدُّ قريحة؛ فيملأ الفراغ الذي رغبت في ملئه. والله يوفقنا جميعًا لحسن الخدمة الخالصة للشرق.

شبرا، مصر
٢٠ / ٧ / ١٩٢٨
نقولا حَدَّاد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤