وإنها لكبيرة
ومن عجب أن أقرأ لأساتذة أُجلُّهم وأقدِّرهم: أن بعض الناس يخافون على الإسلام. ويحهم هؤلاء الخائفون ألا يعقلون؟! ماذا يظنون بالإسلام؟ إنه أعظم أديان العالم، إنه المعجزة الوحيدة من معجزات الأديان كلها، التي بقيت خالدةً على الزمان، إنه الدين الذي ارتضاه الله للبشرية جميعًا، وفي كلماتٍ كريمات، يعلن الله فيها أن المشركين الكافرين قد يئسوا من ديننا، فلا خشية منهم ولا خوف. اقرأ قوله تعالى في الآية الثالثة من سورة المائدة: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا؛ فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام؟ وما شأنهم؟ وكيف يجوز لهم أن ينصِّبوا أنفسهم حراسًا على الإسلام، والله من فوق سبع سموات ومنذ ألف وأربعمائة سنة، يعالن المسلمين جميعًا من أبناء عصر التنزيل، إلى يوم القيامة أن الكافرين قد يئسوا من ديننا، وأن سعيهم في محاربته قد خاب وأكدَى وفشِل، وأن على المؤمنين أن ينبذوا أمرهم نبذَ النواة، فلا تنشغل أفئدتهم إلا بخشية الله.
فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام؟ وبأي منطق أو عقل يخشون؟ والله هو الحفيظ للإسلام، وهو الذي ثبَّت دعائمه وأرسى قواعده ورفع بناءه، وأعلى صوته يجوب الآفاق والسنوات والتاريخ، منبعثًا منذ ألف وأربعمائة عام في أسماع التاريخ والزمن والأجيال والأحقاب والناس، يصدع مناوئيه ويمحق محاربيه، ويبقى بأمر «كن» من خالق الأكوان. وتعلو الكلمات القدسية الإلهية على الأيام والأحداث والمرجفين والكفار الملحدين، فإذا هي تذهب بريحهم، وتدمر تدبيرهم، وتمحق كيدهم، وتبيد ما يمكرون، وتدحض حجتهم، وتنقض غزْلهم أنكاثًا، وتفري كبودهم كمدًا وغيظًا وهوانًا. ولمَ لا والله من فوق سدرة المنتهى، ومن عرشه ورفيع سمواته يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ؟!
كانت عندما حملها النبي ﷺ كلمةً ربانيةً، ووعدًا للمسلمين، ووعيدًا للكافرين. وهي اليوم حقيقة اكتملت، ووعد تم إنجازه، ووعيد حاق بالكافرين، وأحاط بهم فما لهم عليه من سبيل.
فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام، وما قيمتهم عن الإسلام؟ وماذا شأنهم بدين أئمة الله وأمر المؤمنين؟ ألا يخشون عليه بعد يوم مرَّ عليه ألف وأربعمائة عام، وما هم؟ ألا ما أهون حرصهم، وما أجدرنا أن نسخر منه؟ أيخشون هم على دينٍ نزل الله ذكره، وتعهَّد هو بحفظه حتى تقوم الساعة؟ وقد فعل، وهو من بعد فاعل، بما كتبه على نفسه عز وعلا. إن القرآن معجزة السماء الباقية والتي ستبقى.
فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام؟
إن الإنسان لا يخاف إلا من قادم الأيام وقابل الأحداث. أما الماضي فقد وقع، وقد نشقى به، ولكننا أبدًا لا نخشاه، ولن نخافه، فإنه لا يستقيم في العقول أن يخشى الإنسان مما حدث فعلًا، إلا إذا كانت آثار الماضي لم تتم فصولًا، وكان لها في خفايا المستقبل آثار وعقابيل، فأين هم إذن من الإسلام؟
إن الإسلام واقعٌ تمَّ، وحاضر شاهق عميق عريق الأصول، ثابت الرواسي، رفيع الهامات رأسه في السماء.
هكذا كان، وهكذا هو الآن. وهكذا هو في المستقبل بأمر من الله تم نفاذه على مدى أربعة عشر قرنًا، ويتم نفاذه إلى يوم يبعثون. ويوم يخالجنا في ذلك خلجة من شك نصبح أبعد ما نكون عن الإيمان بالله الواحد القهار الحق الصادق، فهو دائمًا وإلى الأبد منجزٌ وعدَه. وإذا كان المسلمون في عهد النبوة قد آمنوا به سبحانه منجزًا للوعد بوحيٍ من إيمانهم وحده؛ فإننا نحن أبناء هذه الأيام التي تتسلم القرن الخامس عشر من أيام الإسلام، نؤمن بقوله سبحانه؛ لأننا مؤمنون أولًا، ثم لأننا شهدنا الوعد منجَزًا قد أصبح حقيقة ثابتة رأيناها، وعاصرها التاريخ على مدى ألف وأربعمائة عام، وما زلنا نحن نعاصر الذكر الذي نزَّله الله، والذي أعلن سبحانه ووعد أنه له حافظ فقد حفظه فعلًا، وها نحن أولاء نقرأ الذكر في صباح ومساء وظهيرة وأصيل وعند غروب، ويقرؤه معنا أبناء كوكب الأرض في كل الآفاق، بل إن صاعدًا إلى القمر يسمع الأذان هناك فوق القمر ويعلن: سيظل الإسلام ثابتًا على الأيام شامخًا عاليًا رفيعًا حصينًا يكلؤه ويرعاه ويحفظه ويحميه الخالق. وكفى به حافظًا!
فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام؟
ما أشبههم بشخصٍ متخلف العقل، غائب الفهم، يذهب إلى حصنٍ تحميه القنابل الذرية والطائرات الحربية، والمدافع الثقيلة والقادة الحربيون الشداد، ويقف هو ومعه خنجر من صفيحٍ صدئ ويصيح: أنا أحمي هذا الحصن!
وأعجب ما أعجب له أنهم يدَّعون أنهم يخافون على الإسلام من الغزو الحضاري! خسئتم ما أنتم وما تدعون!
إن الإسلام هو قمة الحضارة، وهو الذؤابة العليا من الإدراك الرشيد السليم، وما كل هذا التقدم الحضاري إلا أسرار الكون العليا، هي عند الله، يتيح كوامن خوافيها للبشر حينًا بعد حين.
إن العلماء في أنحاء العالم أجمع لا يخلقون قوة، وإنما يكشفونها فقط. ثم هم لا يعرفون سرَّها، ولا يدرون مَن الذي أودع فيها خواصها، إلا أن يقولوا: هو الله جل وعلا، وتباركت آلاؤه، ويصيح بهم القرآن والمسلمون: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.
إنَّ الغاز الذي اخترق به الإنسان طبقات الجو العليا، وبلغ به القمر، من صنع الله وليس من صنع البشر، وصل الإنسان إلى سره، وركَّب مكوناته من عناصر هي من خلق الله، وليست، وما كان لها أن تكون، من صنع البشر. فما الحضارة في أسمى مراقيها وأعلى مراتبها إلا قوة كونية، الله هو خالقها كما خلق كل شيءٍ، وهو وحده مَن أذن للإنسان أن يصل إلى أسرارها وخوافيها بأمر «كن» منه، وحين أراد هو ولحكمة لا يعلمها إلا هو.
وإن الذي أودع الروح في الإنسان وجعله سيد مخلوقاته هو وحده الذي خلق كل عناصر الحياة؛ من غاز إلى نبات إلى حيوان إلى دواب. وما الإنسان العالم إلا أداة شاء الله في كرسيه الأسنى أن يتيح له سرًّا من أسراره، وخافية من وسيع علمه، وقبسة ضئيلة من أنواره العلوية كانت مستترة عن العلم فأعلنها، وكانت في مَطويِّ علمه، وأذِن لها أن يعرفها الناس.
فمن هؤلاء الذين يخشون على الإسلام؟
إنهم قوم سمحوا للملحدين أن يفرضوا أنفسهم على صحفنا، ويتكلموا مقارنين بين العلم والدين، وكأنما العلم أصبح مستقلًّا عن الدين، أو كأنما العلم كافر والعلماء ملحدون.
إن هذه الحجج الواهية التي يصطنعها الشيوخ الأجلاء لا تصلح أن تستر ما ينبغي أن يتصدوا له من هذا العبث المجرم السفاح، الذي يلهو به فتية لم يؤمنوا بربهم، وإنما آمنوا كل الإيمان بدنياهم، وبالأموال التي تنهمر عليهم انهمارًا من أعداء مصر وأعداء الإنسانية وأعداء الدين قبل كل شيء.
إن المشايخ الذين يدَّعون أنهم يخافون على الإسلام إنما يخافون على أرواحهم، والله على ما أقول شهيد.
أين، أيها المشايخ المصابيح، الإسلام من فتيةٍ مخابيل يطلقون الرصاص الأحمق على مَن يريدون ومَن لا يريدون؟
أين، أيها المشايخ، الإسلام من فتيةٍ يريدون أن يروِّعوا الأمن والطمأنينة في الحياة، وأن يقضُّوا مضاجع السكينة والاستقرار في مصر.
أين، أيها المشايخ الأجلاء، الإسلام من عابثين كفرة يرفعون شعائر الإسلام لافتةً كاذبة، ويقتلون كلَّ ما هو كريم شريف في حياتنا من أمان؟
أين الإسلام من القتل؟ والله يحكم أنَّ مَن قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض؛ فكأنما قتل الناس جميعًا.
أين الإسلام من الذين يثيرون الفتن، والله يحكم أن الفتنة أشدُّ من القتل؟
وأين الإسلام من قومٍ مالوا عن طريق الله إلى طريق الرشوة والضلالة، وعملوا على حرق الوطن بأموال أعدائه ورصاص الحاقدين عليه؟
لا، ما على الإسلام خفتم، ولكن على حياتكم، وإلا فأين أنتم؟
أين فتاواكم وأنتم تنثرون الفتاوى كل يوم في ضامر الأمور وهزيلها؟ وفي أحقر ما يمر بحياتنا اليومية. وأُشهد الله أن كثيرًا منكم يعتسف الفتوى اعتسافًا، ويختلقها اختلاقًا.
فما لكم لا تُفتون في الذين يقتلون الناس ظلمًا وعدوانًا وبهتانًا وزورًا وإفكًا وضلالة؟
أين فتاوى مصباح الألف عام، أزهرنا الشريف؟ أين رجاله الأكرمون؟ أين عِلمهم الوضاح؟ أين فتواهم فيما تحاول هذه الفئة الضالة أن تصنع بمصر؟
وبعد هؤلاء:
أين الحزب الوطني؟
أتُراه يحسب أن دعايته للرئيس محمد حسني مبارك هي التي ستجعله يفوز في الانتخابات؟ لا، وحق الإله الأعظم!
إنما الصلة بين مبارك والشعب صلةٌ مباشرة لا يد للحزب فيها ولا فضل، بل إنني أعتقد اعتقاد يقينٍ أنه سينجح رغم دعاية الحزب له، وليس بسبب دعاية الحزب له.
إن الشعب المصري لم يحب زعيمًا، واستمرَّ على حبه له في الزمن الأخير قدْر حبه لذلك الرجل. والشعب لا يعرف عنه إلا كل ما يزين الرجال ويرفع قدرهم. الشرف عند الوعد، والتعفف كل التعفف عند أي مغنمٍ. يمر باللغو فلا يمر إلا كريمًا، وإن خاطبه الجاهلون قال سلامًا.
وقد أعطى الشعب حبًّا، والشعب من طبائعه الوفاء؛ فكيف لا يكافئه حبًّا بحب وإعزازًا بإعزاز وإكرامًا بإكرام؟
بأمرٍ من الله الذي يطيعه حسني مبارك، ولا يخرج في أي فعلٍ له عن طاهر ساحته، سينجح حسني مبارك.
على الرغم من دعاية الحزب.
فما للحزبِ لا ينصرف إلى صنع مبادئ يلتفُّ حولها الشباب، حتى لا يجتذب الأبرياءَ منهم كلُّ ضليلٍ محتال أفَّاك لص، من شيوعيٍّ ملحدٍ أو من إرهابيٍّ يدَّعي الإسلام.
أيها المشايخ، في هذا فاكتبوا، أو فاقبلوا منا أن تثور حولكم بنفوسنا ما يثور من صفات نُجِلُّكم أن نذكرها، ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نقمعها في نفوسنا!
ويا أيها الحزب الوطني، بهذا فانشغل، أو إنك لا شغل لك، فإنه لا أحد يجهل أن الحزب يعتمد في كيانه ووجوده وانتخاب الناس له على حسني مبارك.
فإذا كان الناس ينتخبون الحزب من أجل مبارك، فكيف يسوغ في العقول أن ينتخب الناس مبارك من أجل الحزب. إنما الحزب إما أن يكون صاحب مبدأ واضح، أو هو بلا وجود إلا كيانًا مؤقتًا لا يدوم. والله يوفقكم ويرعى خطاكم إذا أنتم على الطريق وضعتم خطاكم.