مقدمة الكتاب

عرَّف بعضهم المقدمة بأنها: «الجزء الذي لا يُقرأ من الكتاب»، ومع ذلك فلا بدَّ للمؤلف من مقدمة يبسط فيها السبب الذي حملهُ على تأليف كتابه، والغاية التي توخَّاها في تأليفه، والطريق التي اتَّخذها للوصول إلى غايته، وبيان العقبات التي لقيها في طريقه، والاصطلاحات التي جرى عليها في كتابه. وكثيرًا ما يرى القارئ نفسه مضطرًّا إلى قراءة المقدمة؛ لأجل تفهُّم مراد المؤلف في بعض المواضع. والمقدمة وإنْ صُدِّر بها الكتاب فإنها آخر ما يُكتب فيه، لذلك إذا أريد تخصيص المقدمة بنعتٍ ما فربما كان الأصحُّ أن يقال إنها «آخر ما يكتب من الكتاب.» والآن فإني أحمد الله أنه أعانني على إنجاز هذا الكتاب، وأشرع في مقدمته فأقول:
  • سيناء حصن طبيعيٌّ لمصر: لقد خصَّت الطبيعة مصر بأربعة حصون منيعة من الجهات الأربع: البحر المتوسط من الشمال، وشلالات النيل من الجنوب، وصحراء ليبيا من الغرب، وصحراء سيناء من الشرق. وعرفت مصر منذ القديم أهمية سيناء من الوجهة الحربية، فوضعتها تحت السلطة العسكرية، وجميع الدول التي ملكت مصر وسوريا معًا ألحقت سيناء بمصر عسكريًّا وإداريًّا، ولم تزل الحال على ذلك إلى اليوم، وقد امتدت صحراء سيناء نحو ١٥٠ ميلًا شرقًا وغربًا، من الزمان عزم نسل نوح ونحو ضعفي ذلك شمالًا وجنوبًا، وانقسمت بحسب طبيعة أرضها إلى ثلاثة أقسام كبيرة وهي:

    (١) بلاد الطور: وهي بلاد جبلية محضة في الجنوب. (٢) بلاد التيه: وهي سهل مرتفع فيَّاح جامد التربة في الوسط. (٣) بلاد العريش: وهي وهاد من الرمال في الشمال.

    وصحراء سيناء واقعة في المنطقة التي يقل فيها المطر؛ لذلك غلب عليها الجدب والقحولة، فهي قليلة المياه، قليلة النبت، قليلة الزرع والضرع والسكان.

  • مواضيع تاريخ سيناء: ولم يقم في هذه البلاد في زمنٍ من الأزمان دولةٌ أو أمة جعلت لها شأنًا يستحق الذكر في التاريخ؛ فإن موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها لا يؤهلانها لذلك، ولم يسكنها منذ القديم إلَّا عدد محدود من القبائل المتبدية، دأبهم شن الإغارة، بعضهم على بعض، وعلى البلاد المجاورة لهم من الشرق والغرب، وربما لم يزد عدد سكانها في عصرٍ ما عن خمسين ألف نسمة، كما هو في الوقت الحاضر.

    ومع ذلك فاسم سيناء في التاريخ أشهر من نار على علم، ولها ذكر جميل في التوراة والقرآن والهيروغليف المصري القديم، وابتدأت شهرتها بمناجم الفيروز والنحاس والمنغنيس التي عدَّنها الفراعنة المصريون في بلاد الطور من عهد الدولة الأولى إلى عهد الدولة العشرين، وأقاموا في بعض مناجمها هيكلًا من أقدم هياكلهم وأنفَسها، وما زال أهل سيناء يعدِّنون الفيروز، والإفرنج يعدِّنون المنغنيس والنحاس فيها إلى اليوم.

    ثم كان مرور بني إسرائيل في سيناء عند خروجهم من مصر على يد موسى النبي، ونزلت «الوصايا العشر» على طور سيناء، فعدَّها اليهود ثم النصارى والمسلمون من بعدهم من الأراضي المقدسة. ولم تكد النصرانية تنتشر في مصر والشام حتى انتشر الرهبان والنسَّاك حول جبل الطور، وبنوا الكنائس والأديرة، فأصبح الجبل محجًّا لأهل الشرق والغرب من اليهود والنصارى والمسلمين، وما زال هناك دير يزار إلى اليوم.

    ثم لما كانت سيناء في طريق مصر إلى الشام وجزيرة العرب، قام فيها منذ أقدم أزمنة التاريخ طريقان تجاريتان حربيتان وهما: «طريق الفرما» على ساحل البحر المتوسط إلى الشام فالعراق، «وطريق البتراء» مخترقًا بلاد الطور إلى الحجاز.

    ثم بعد الإسلام قام فيها «طريق الحج» مخترقًا بلاد التيه إلى الحجاز، «وطريق العريش» مخترقًا قَطْيَة والعريش إلى الشام فالعراق.

    وفي سنة ١٩٠٦ وقع خلاف بين الدولة العلية والخديوية المصرية على حدود سيناء الشرقية، وتدخَّلت الدولة البريطانية في الأمر، فتعاظم الخلاف حتى كاد يؤدي إلى حرب، وانتهى الأمر بتعيين الحدود بعُمُد على طول الخط بين العقبة ورفح.

    وعليه فينحصر الكلام على تاريخ سيناء في خمسة أمور وهي:

    (١) غزوات قبائل سيناء بعضهم لبعض، وللقبائل المجاورة لهم في مصر وسوريا والحجاز. (٢) أعمال الفراعنة المصريين في مناجم الفيروز والنحاس والمنغنيس ووقائعهم مع أهل سيناء. (٣) تغرُّب بني إسرائيل في سيناء مدة أربعين سنة. (٤) معاهد البلاد الدينية في بلاد الطور والحج إليها. (٥) العلائق التجارية والحربية والدينية بين مصر من جهة، والشام والعراق والحجاز من الجهة الأخرى عن طريق سيناء.

    فذكر هذه الشئون مع وصف الجزيرة وسكانها وشرائعهم وأخلاقهم وعاداتهم، يتناول جميع مواضيع سيناء تاريخيًّا وجغرافيًّا.

  • أسباب تأليفي تاريخ سيناء: هذا وكان لي اتصال بسيناء منذ دخلت إدارة المخابرات بوزارة الحربية سنة ١٨٨٩، وكانت سيناء من قبل ذلك العهد تحت إدارة الحربية، وعليها قومندان يعينهُ السردار، يقيم في نخل، ويرجع بأحكامه رأسًا إلى مدير المخابرات المقيم بالقاهرة، وهو يرجع بأحكامه إلى السردار.

    وقد ندبتني الحربية مرارًا للذهاب إلى سيناء؛ لأغراض مختلفة تتعلق بإدارة البلاد، واستتباب الأمن والراحة بين قبائلها، فزرت ديرها ومدنها وقراها، وتعرَّفت بقبائلها وأشهر طرقها، واطلعت على حال أهلها، ولما كانت حادثة الحدود سنة ١٩٠٦ عُيِّنت سكرتيرًا للجنة المصرية التي نُدبِت لتعيين حدود سيناء الشرقية مع اللجنة العثمانية، وكانت سيناء على اتساعها وشهرتها التاريخية وقربها من مصر، مجهولة عند عامة المصريين، وكان تاريخ السودان الذي فرغت من تأليفه سنة ١٩٠٤ قد لقي عند القرَّاء الكرام إقبالًا لم أكن أتوقعه، فحملني ذلك كله على وضع تاريخ لسيناء على مثال تاريخ السودان، فشرعت منذ ندبت مع لجنة الحدود في جمع كل ما أمكن جمعهُ من الحقائق التاريخيَّة والجغرافيَّة، لا سيما وقد كان من واجبي في اللجنة أن أتحرَّى تاريخ عرب الحدود، وملكيتهم للأراضي والمياه، وعلاقاتهم الحاضرة والماضية مع مصر وسوريا.

  • عقبات تأليف تاريخ سيناء: فما عتَّمت أن وجدت أنَّ دون جمع الحقائق التاريخيَّة من بدو سيناء عقبات كئودة، وأنَّ العون الذي استمدَّه موسى لاستخراج الماء من صخرة سيناء أعوزني مثلهُ لوضع تاريخ لهذه الصخرة، وأهمُّ العقبات التي وقفت في سبيلي: (١) أنَّ بدو سيناء في غاية الخشونة والجهل، لا تاريخ لهم، ولا علم، ولا شبه علم، بل ليس في بادية سيناء كلها من يحسن القراءة والكتابة. (٢) أنَّ أهل القبيلة الواحدة يجهلون كل الجهل بلاد القبائل المجاورة لهم، وليس من يعرف أحوال القبائل كلها من أهل سيناء إلَّا أفراد قليلون يعدُّون على الأصابع، ومعرفة هؤلاء لغير بلادهم إجمالية سطحية قلما يصحُّ الاعتماد عليها. (٣) أنَّ أكثر مشايخ القبائل في سيناء لا يعرفون من تاريخ قبائلهم وجغرافية بلادهم إلَّا اليسير، وهذا اليسير لا يمكن الحصول عليه إلَّا بعد بذل الجهد والحيلة المستلطفة؛ لأن البدو متكتمون إلى الغاية عن الحكام، فلا يمكنونهم من معرفة أحوالهم؛ خوفًا من التعرُّض لأمورهم، وإدخال قانون القرعة إلى بلادهم، ووضع الضرائب على أملاكهم، فكنت في أول الأمر إذا سألت أحدهم عن أي شأن من شئون قبيلته، أراه ينقبض ويظهر الريبة، ويُنكر كل علم في الشأن المسئول عنه، أو يجيبني جوابًا غير سديد، وكنت إذا نفيت عنهُ الريبة وآنسته في المقال حاول التخلص من الجواب عن كسل أو ضعف همة، وإذا نشطته واستنهضت همته إلى الجواب أجابني بما عنَّ له صدقًا أو كذبًا.
  • تذليل العقبات: على أنَّ هذه العقبات التي لم أكن أتوقَّعها لم تكن لتثنيني عن عزمي، بل بذلت الجهد في تذليلها، فكنت حيثما نزلت أجمع المشايخ والخبراء، وأتلطف في تسقُّط أخبارهم واستقصاء أحوالهم، مبيِّنًا لهم أنَّ ذلك في مصلحتهم، ولم أكن أكتفي بسؤال واحد منهم عن أية حقيقة كانت، ولو أنهُ اسم مكان، بل كنت أطرح السؤال الواحد على اثنين أو أكثر، وأسأل كلًّا منهم على انفراد، ثم أجمعهم إذا اقتضى الأمر، وأسألهم السؤال عينهُ حتى أستوثق من صحة الجواب، فأثبته في يوميتي، كما فعلت في تمحيص حقائق تاريخ السودان. ثم إنهُ لم تسنح لي فرصة لاختبار البلاد وأهلها بنفسي إلَّا اغتنمتها، فزرت البدو مرارًا في مخيماتهم، وحضرت أفراحهم ومراقصهم وغناهم، وسباقهم على الخيل، واجتماعاتهم العمومية والخصوصية، وجوَّلت في أنحاء الجزيرة في الجهات التي قضت عليَّ المصلحة بالتجوال فيها وفي كثير غيرها، وكنت في أثناء ذلك أبحث عن آثار البلاد القديمة والحديثة، ولا سيما العربية منها، فعثرت على كثير من النقود القديمة، والحصون الأثرية، والحجارة التاريخيَّة الهيروغليفيَّة واليونانيَّة والنبطيَّة والعربيَّة، مما زادني علمًا بأحوال البلاد وتاريخها القديم والحديث.

    هذا، وقد كشف لي البحث في آثارها عن عادة جميلة لأهلها، كانت عونًا لي على استطلاع الكثير من أخبارها وحوادثها التاريخيَّة والتقليديَّة، وذلك أنهم اعتادوا تخليد كل عمل جليل، أو حادث هام حدث في الجزيرة، بأن يقيموا له «رجمًا»، وهو حجر أبيض أو كومة من الحجارة — «على ماءٍ شهير أو درب جهير» — أو يرسموا بضع دوائر، أو تلمًا عن جانبيه حفر، وهم يُعنون كل العناية بإحياء هذه الرجم والرسوم.

    ومن جميل عادات البدو التي اطلعت عليها في أثناء البحث، فمكَّنني من معرفة الكثير من غزواتهم وحروبهم الحديثة، أنهم ينظمون القصائد في كل غزوة أو حرب شهيرة، ويستظهرونها ويتوارثونها خلفًا عن سلف.

    وقد دامت مهمة الحدود خمسة أشهر، قضيتها كلها في أرض سيناء وبين أهلها، فما انتهيت من الهمة حتى كان قد اجتمع عندي من الحقائق التاريخيَّة والجغرافيَّة، وأحوال البلاد وأهلها قديمًا وحديثًا، بما يملأ مجلَّدًا كبيرًا.

  • مستندات التاريخ: فلما رجعت إلى مصر في أكتوبر سنة ١٩٠٦، باشرت وضع التاريخ الذي عزمت عليه، فوجدت المعلومات التي جمعتها في التاريخ القديم، والأجيال المتوسطة لا تزال قاصرة جدًّا، فنقَّبت في كتب الأقدمين والآثار المصريَّة القديمة في التوراة، وكتابي «فجر العمران» و«جهاد الأمم» للموسيو ماسبرو — العالم الأثري الفرنساوي — وكتاب «مباحث في سيناء» للمستر فلندرس بتري — العالم الأثري الإنكليزي — وفي كتب مؤرخي العرب، كالمقريزي، والمسعودي، واليعقوبي، والهمذاني، وأبي الفداء، وغيرهم، فجمعت منهم حقائق جمة عن تاريخ سيناء القديم.
    وبلغني أنَّ في بلدة الطور كتابًا يدعى «الأم»، أنشئ في قلعة الطور القديمة، وفيه كثير من أخبار سيناء في القرون التي بعد الألف للهجرة، وكنت أتوق جدًّا إلى مطالعة الكتب، والمستندات العربيَّة التي في دير طور سيناء الشهير، فاتفق أني نُدِبت لمهمة إلى بلاد الطور في أبريل سنة ١٩٠٧، فزرت مدينة الطور والدير، واطلعت على كتاب «الأم» في الطور، وكتب شتى عربيَّة في الدير، وقفت منها على كثير من الحقائق التاريخيَّة في الأجيال المتوسطة، وعدت إلى مصر وانكببت على العمل، فلم تنتهِ سنة ١٩٠٧ حتى أتممت الكتاب، فجاء في ثلاثة أجزاء كبيرة وهي:
    • الجزء الأول: في جغرافية سيناء الطبيعيَّة والإداريَّة، وفيه ذكر حدودها، وأراضيها، وجبالها، وأوديتها، ومياهها، ومعادنها، وهوائها، ونباتاتها، وحيواناتها، وسكانها، ومدنها، وقراها، وديرها، وطرقها، وآثارها، وحكومتها، وغير ذلك.
    • الجزء الثاني: في بداوة سيناء، وفيه ذكر لغة أهلها، وديانتهم، ومعارفهم، وزراعتهم، وصناعتهم، وتجارتهم، وعاداتهم، وخرافاتهم، وقضاتهم، ومحاكمهم، وشرائعهم، وأحكامهم، مع نقد شريعة البدو وحكومتهم وطرق إصلاحهم.
    • الجزء الثالث: في تاريخ سيناء القديم والحديث، ويشمل تاريخ السكان الأصليين مع الفراعنة، وتغرب بني إسرائيل في سيناء، ومملكة النبط في البتراء، وتاريخ دير طور سيناء، وتاريخ سيناء في عهد اليونان والرمان، والفتح الإسلامي إلى هذا العهد، وحروب البدو في سيناء في عهد الأسرة العلوية، وتفصيل حادثة الحدود وغيرها.

    هذا، وقد جعلت تحت كل جزءٍ أبوابًا، وتحت كل باب فصولًا، تناولت جميع مباحث التاريخ القديم والحديث والجغرافية، فجاء أوفى كتاب ألِّف في سيناء في الإفرنجية أو العربية إلى هذا العهد، وقد تفرَّد عن الكتب الإفرنجية والعربية في المباحث الآتية:

    (١) الحجارة التاريخيَّة العربيَّة، ومنها الحجارة التاريخيَّة في قلعة صلاح الدين الأيوبي على عين سدر. (٢) جلُّ ما جاء في كتب مؤرخي العرب عن سيناء وأهلها. (٣) لغة بدو سيناء، وديانتهم، وعاداتهم، وأخلاقهم، وشرائعهم. (٤) غزوات أهل سيناء، وحروبهم الحديثة المأخوذة عن رجومهم وتقاليدهم وأشعارهم. (٥) كتاب الأم، وكتب الدير العربية.

    ولما تمَّ الكتاب على هذا المنوال، وهممت بتقديمه للطبع، عرضت لي موانع لا محل لذكرها هنا، أخَّرت طبعهُ إلى شتاء سنة ١٩١٤، فأضفت إليه ما جدَّ عندي من الحوادث والمعلومات عن سيناء وأهلها، منذ أواخر سنة ١٩٠٧، وباشرت الطبع.

  • الخاتمة: ولكن لم يتم طبع الجزأين الأولين منه حتى قامت الحرب الغشومة الحاضرة، ودخل الاتحاديون الحرب في جانب الألمان، وجردوا جيشًا من سوريا والعراق والحجاز على الإنكليز في مصر عن طريق سيناء، فأوقفت الطبع ريثما تنتهي الحملة، فأجعلها خاتمة الكتاب، ثم خطر لي أن أضمِّن الخاتمة جميع الحملات التي حملها الغزاة على مصر بطريق سيناء، ثم توسعت في ذلك، فراجعت التاريخ القديم والحديث، وأخذت خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وكل ما كان بين مصر وجاراتها من الوقائع الحربية والصلات التجارية وغيرها عن طريق سيناء، وأضفت إليه وصف جزيرة العرب، وتاريخ العرب قبل الإسلام وبعده في بلادهم وخارج بلادهم، وحركة السنوسي في الغرب، وتاريخ السوري في مصر، وغير ذلك من المباحث التي أوجبتها الحرب الحاضرة، وجعلتُ هذه الخلاصة مع وصف الحملة الأخيرة على مصر «خاتمة الكتاب».

    وقد كان أكثر اعتمادي في هذه الخلاصة على الكتب الآتية:

    «فجر العمران» و«جهاد الأمم» للعلامة مسبرو، «تاريخ مصر» للمؤرخ المحقق شارب الإنكليزي، «تاريخ سوريا» النفيس للعلامة المطران يوسف الدبس، «التاريخ القديم» للأستاذ هارفي بورتر الأميركي، «تاريخ العقد الثمين» للعالم الأثري أحمد بك كمال، «تاريخ مصر الحديث، وتاريخ العرب قبل الإسلام» للمرحوم جورج بك زيدان، «تاريخ مصر» للأديبين عمر أفندي الإسكندري، والمستر سفدج الإنكليزي، «تاريخ مصر» للمرحومة هند عمون، «الدروس التاريخية» للمؤرخ المحقق الأستاذ محمد الخضري، «كتاب أشهر مشاهير الإسلام» لرفيق بك العظم، «الرحلة اليمانية» للشريف شرف عبد المحسن البركاني، «الرحلة الحجازية» لمحمد بك لبيب البتنوني، وهو من أنفس ما كتب عن جزيرة العرب قديمًا وحديثًا، وتقارير كثيرة من أهل الخبرة من الشام والعراق والحجاز، عن صفة جزيرة العرب والعلائق التجارية وغيرها بين مصر وجاراتها في هذا العصر.

    واشتد طلب الجمهور لتاريخ سيناء؛ لوقوع الحرب فيها، وكانت هذه الحرب قد زادت شغلي في إدارة المخابرات، حتى جعلته أضعاف ما كان عليه قبل الحرب، ولم تترك لي ساعة واحدة من ساعات الفراغ التي كنت أغتنمها لطبع التاريخ، فكنت أكتب الخاتمة وأجهزها للطبع في ساعات الراحة، بل في ساعات النوم، فلما كان شتاء سنة ١٩١٥ كنت قد فرغت منها، فقدمتها للطبع هي والجزء الثالث من التاريخ، وكثيرًا ما كنت أقدِّم فصلًا للطبع، فتدعوني المصلحة إلى مزايلة القاهرة، فأبعث بإصلاح ما عنَّ لي إصلاحهُ بلسان البرق، وبقيت على هذا الجهاد حتى قدرني الله وفرغت من التحبير في ٣١ ديسمبر سنة ١٩١٥، ومن الطبع في ٢٧ مارس سنة ١٩١٦.

  • أسلوبه: وقد عُنيت عناية خاصَّة في ضبط عبارة الكتاب، وإحكام وضعه على أسلوب تفهمه العامة، وترضى به الخاصة، وضمنته الكثير من النكات المستملحة، والقصص التقليدية المستظرفة التي تشوِّق القارئ إلى مطالعته بلا تعب ولا ملل.
  • رسومه: وحلَّيته ﺑ ١٣٧ رسمًا من مناظر البلاد وقلاعها، وحيواناتها، وآثارها الشهيرة، ورسوم كثير من مشايخ قبائلها وحكامها، وكبار الموظفين والأعيان، والأمراء والملوك الذين كان لهم الشأن في تاريخها قديمًا وحديثًا، وقد أخذت بعض هذه الرسوم بنفسي، ولكن أكثرها تكرم به محبو التاريخ ممن ساحوا في سيناء وأخذوا رسومها، أخص منهم بالذكر مع الشكر: الكولونل باركر مدير سيناء الأسبق، والمستر ستن من كبار تجار الإنكليز، وصاحب كتاب «سياحتي على جمل من السويس إلى جبل سيناء»، والدكتور هسكنز المرسل الأميركي صاحب الكتاب النفيس «من النيل إلى نبو»، وكل هذه الصور حفر الخواجة بنيامين صابونجي السوري، وبعضها رسم أخيه مناويل.
  • خرائطه: وقد جعلت للكتاب ثلاث خرائط: (١) خريطة سيناء منقولة عن أتم خريطة أصدرتها إدارة المخابرات بلندن، بعد أن نقحتها على قدر المستطاع؛ إذ لم يتم مسح الجزيرة كلها بعد. (٢) خريطة مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وهي خريطة تقريبية يقصد بها إعانة القارئ على معرفة أشهر المواقع المذكورة في الخاتمة. (٣) خريطة طريق الجيش العثماني إلى القنال.
  • فهرسه: وجعلت للكتاب فهرسًا للأبواب والفصول، ولم أجعل له فهرسًا للمواضيع؛ لأن هذا لا يفيد إلَّا إذا كان وافيًا متقنًا كل الإتقان، وهذا العمل يتطلب وقتًا وورقًا للطبع، وأنا لا أجد هذا ولا ذاك الآن، وربما وُفقت إلى عمله بعد الحرب.
  • اسمه: وقد سميته باسم موضوعه الأصلي، وهو «تاريخ سيناء»، واسمه مفصلًا: «تاريخ سيناء القديم والحديث، وجغرافيتها، وبداوتها، مع خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب، وما كان بينها من العلائق الحربية والتجارية وغيرها «عن طريق سيناء»، منذ أول عهد التاريخ إلى اليوم، وبعبارة موجزة: «تاريخ سينا والعرب.»
  • تقدمة الكتاب: هذا ولما كان صاحب المعالي السردار الحالي وحاكم السودان العام، الجنرال الفريق السر رجينولد ونجت باشا هو المشرف على سيناء بصفته سردار الجيش المصري، وقد اشتهر بحب العرب، ولغة العرب، وبلاد العرب، وكان المروِّج الأكبر للإصلاح في سيناء والسودان؛ لذلك كله رأيت أن أجعل كتابي هذا تقدمة له، فاستأذنته في ذلك، فتكرَّم بقبول التقدمة بعبارة دلَّت «على ثقته بفائدة الكتاب، وحسن إنشائه، وأمَّل له نجاحًا عظيمًا». وقد بذلت جهدي في أن يكون كتابي هذا جديرًا بثقة معاليه، وثقة أدباء هذا العصر الكرام الذين غزرت مادة علمهم، حتى أصبحوا لا يرضيهم إلَّا الجيد النفيس من التأليف، فإن كنت قد أجدت فذلك فضل من الله، وإلَّا فعذري قصر الوقت أو قصر الوقت والباع معًا، والحمد لله أولًا وآخرًا.
نعوم شقير
مصر، القاهرة في ٢٧ مارس سنة ١٩١٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤