الفصل الثالث

في جبالها

(١) جبال بلاد الطور

أشهر جبال بلاد الطور:

(١-١) جبل طور سيناء

وإليه تنسب الجزيرة كلها كما مرَّ، وهو واقع على نحو ستين كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة الطور، وفي تقاليد رهبان سيناء أنه الجبل المعروف في التوراة بجبل حوريب، أو جبل سيناء، أو جبل الله؛ أي الجبل الذي جاءه موسى النبي لرعي غنم حميه يثرون كاهن مدين، فظهر له الرب في عليقة مشتعلة، وأمره بالعود إلى مصر، وإنقاذ بني إسرائيل من الأسر (خروج ص٣، ٤)، والجبل الذي نزل عنده موسى بعد خروجه بالإسرائيليين من مصر وتجلى له الرب، فأنزل عليه الشريعة (خروج ص١٩)، والجبل الذي جاءه إيليا النبي بعد سفر شاق من «بئر سبع» دام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، فبات في مغارة، وكلمه الرب بعد زلزلة عظيمة «بصوت منخفض خفيف» (ملوك ص١٩)، وهذا الجبل مؤلف من عدة قمم تدعى جبالًا، أعلاها وأبهاها:
  • جبل موسى: يقع في عرض شمالي ٦ ٣٢ ٢٨° وطول شرقي ٣٨ ٥٨ ٣٣°، ويعلو نحو ٧٣٦٣ قدمًا عن سطح البحر، وقد بُنيَ على رأسه كنيسة صغيرة لرهبان دير سيناء وجامع أصغر منها، بل الجامع عبارة عن كوخ من الحجارة الغشيمة، تسلقت قمة هذا الجبل في يوم صحو سنة ١٩٠٥، فرأيت منها معظم بلاد الطور، وجانبًا من خليج العقبة، وقد أرسلت الشمس أشعتها الذهبية على تلك الجبال المتراكمة بعضها فوق بعض على مدى النظر، وكان المنظر من أبدع ما رأت العين وجمَّلت الطبيعة، وقد ترك في نفسي أثرًا من فخامة سيناء لا تمحوه الأيام.
    fig5
    شكل ٣-١: شاهق في قمة جبل موسى.
  • وجبل المناجاة: شمالي جبل موسى، يدل عليه البدو أنه الجبل الذي عليه ناجى الله موسى، ومن ذلك اسمه، وهو يعلو نحو ٦٠٠٠ قدم عن سطح البحر، وينشأ من منقلبه الغربي وادٍ صغير يفيض في وادي الشيخ يدعى وادي الدير، سُمِّي كذلك؛ لأنه قام على جنبه الأيسر «دير طور سيناء الشهير» الآتي ذكره تفصيلًا.
  • وجبل الصفصافة: إلى الشمال الغربي من جبل موسى، سُمي كذلك؛ لأن في سفحه الشرقي صفصافة، وهو يعلو نحو ٦٧٦٠ قدمًا عن سطح البحر، ويطلُّ على سهل فسيح غربيه يُدعى «سهل الراحة» تبلغ مساحته نحو ميل مربع، ويعلو نحو ٥٠٠٠ قدم عن سطح البحر، وإلى طرف هذا السهل الشرقي عند مصب وادي الدير، وعلى نحو ميل غربي الدير تل صغير عليه كوخ من الحجارة الغشيمة، يُدعى «مقام النبي هارون».

    والذي عليه أكثر المحققين الآن أنَّ جبل الصفصافة هذا هو الجبل الذي وقف عليه موسى عند إلقائه الوصايا العشر على الإسرائيليين، وأنَّ سهل الراحة هو السهل الذي وقف فيه الإسرائيليون عند تلقيهم تلك الوصايا (خروج ص١٩)، وأنَّ التل الذي عليه مقام النبي هارون الآن هو التل الذي عليه عبد الإسرائيليون العجل الذهبي، العجل الذي صنعه لهم هارون في غياب موسى في رأس الجبل (خروج ص٣٢).

    هذا وبدو الجزيرة يزورون جبل موسى ومقام النبي هارون مرة في كل سنة في الصيف ويذبحون لهما، يضربون خيامهم في سهل الراحة عند مقام النبي هارون، ثم يصعدون إلى قمة جبل موسى، ومعهم الذبيحة من ماعز أو ضأن، فيذبحونها في مكان معين شرقي الجامع ويسلخون جلدها، ثم ينزلون بها إلى المخيم، أو يكتفون بتشريط أذنيها على قمة الجبل، وينزلون بها حية، فيذبحونها ويأكلونها في المخيَّم، وفي اليوم التالي يعيِّدون للنبي هارون، فيذبحون له جملًا، وأكثر البدو محافظة على هذه الذبائح: الجباليَّة، ثم الصوالحة، ثم العليقات ومزينة.

    وقد تقدم أنَّ قمة جبل موسى هي أعلى قمة في طور سيناء وأبهاها، وهي بهذه الصفة أحق باسم بطل الجبل من كل قمة سواها، وقد يُطلق اسم جبل موسى على طور سيناء كله.

    وقال المطران بورفيريوس — مطران سيناء الحالي — معللًا اسمَي التوراة لهذا الجبل: إنَّ القمة المعروفة الآن بجبل موسى هي «جبل سيناء»، وسائر الجبل «جبل حوريب».

fig6
شكل ٣-٢: جبل الصفصافة وسهل الراحة.

(١-٢) وجبل القديسة كاترينا

بجانب جبل موسى إلى الجنوب الغربي منهُ، ولهُ ثلاث قمم ارتفاع أعلاها ٨٥٣٦ قدمًا عن سطح البحر، وهي أعلى قمة في سيناء كلها، وقد سُمِّي الجبل بهذا الاسم؛ لأن في تقاليد الرهبان أنَّ الملائكة قديمًا حملت جثة القديسة كاترينا من محل استشهادها في الإسكندرية سنة ٣٠٧م، ونزلت بها على رأس هذا الجبل! ولكن لم يبقَ من الجثة إلَّا الجمجمة وعظم إحدى اليدين، وهما محفوظان في صندوق خاص في هيكل كنيسة الدير إلى اليوم.

قيل ومن قمة هذا الجبل في يوم صحو يُرَى خليج العقبة، كما يرى خليج السويس، وعلى قمته كنيسة بناها رهبان الدير سنة ١٩٠٥م، وبنوا بجانبها غرفة يستريح فيها الزوار، وصهريجًا يجمع فيه ماء المطر.

(١-٣) والجبل الأحمر

سُمِّي بذلك لحمرة تربته، وهو واقع إلى الغرب من جبل سيناء على نحو عشرة أميال منهُ، ويمتد شمالًا بجنوب مسيرة يوم أو أكثر، ومن فروع هذا الجبل:
  • جبل الفُريع: وهو جبل حصين تسيل منه أودية شتى، فيها عدة جنان للفاكهة.
  • ونقب هاوة: أو نقب الهاوية، وهو نقب شهير، تمرُّ فيه طريق مختصرة قريبة من السويس إلى الدير، في أعلاه صخر شُق من الوسط يدعى «مضرب سيف عُدَي»، قيل إنَّ جبارًا في الجاهلية ضربه بسيفه فشطره شطرين، وفي هذا النقب عدة صخور نبطية وينابيع غزيرة يجف أكثرها في الصيف.

(١-٤) وجبل سربال

وهو أشهر جبال سيناء بعد جبل موسى، واقع إلى الشمال من مدينة الطور، والغرب من جبل موسى، على نحو ثلاثين ميلًا من كل منهما، وهو يطل على مدينة الطور، ويحجبه عن جبل موسى الجبل الأحمر، ولهُ خمس قمم تمثل تاجًا عظيمًا في شكل نصف دائرة، ارتفاع أعلاها نحو ٦٧٣٠ قدمًا عن سطح البحر، ونحو ٤٠٠٠ قدم عن وادي فيران الشهير في سفحه الشمالي.

fig7
شكل ٣-٣: جبل سربال.

وقد ذهب بعضهم أنَّ اسم سربال مختذل من سرب بعل، أو نخيل الإله بعل، إشارة إلى نخيل فيران في سفحه، وأنَّ الناس كانت تقدسه وتحج إليه قبل النصرانية، بل قبل الخروج بأجيال، ونرى الآن في الطريق إليه من وادي فيران حجارة أثرية، قد نقش عليها أسماء الزوار الذين لم ينقطعوا عن زيارته حتى القرن الثالث للمسيح، وفي سفحه خرائب دير قديم، وكنيسة مبنية بالحجر المنحوت، ومغاور للنساك، وهو في رأي بعض المحققين جبل حوريب، وجبل سيناء المذكورين في التوراة، لا الجبل المعروف الآن بطور سيناء، غير أنَّ جبل طور سيناء أكثر انطباقًا على رواية التوراة من جبل سربال، وسنعود إلى ذلك تفصيلًا في باب التاريخ.

(١-٥) وجبل البنات

وهو جبل عظيم تجاه سربال، يفصل بينهما وادي فيران، وقد كثرت الروايات في سبب تسميته بهذا الاسم، وأشهرها: أنَّ بعض بنات البادية فررن من أهلهن؛ للتخلص من الزواج بمن لم يحببن، ولجأن إلى هذا الجبل، فطاردوهنَّ إليه، فعقدن ضفائرهن بعضها لبعض ورمين بأنفسهن إلى الوادي، وذهبن شهيدات الحرية.

وأكد لي راهب من رهبان دير سيناء أنه كان على هذا الجبل قديمًا دير للراهبات، فإن صح هذا النبأ فلا يبعد أن يكون بعض العربان قد هاجموا الدير، وحاولوا اغتصاب الراهبات، فرمين بأنفسهن إلى الوادي خوف الفضيحة، وكانت هذه الرواية.

(١-٦) وجبل أم شومر

يطل بعظمته من الشرق على مدينة الطور من عبر سهل القاع، فيزيد موقع المدينة رونقًا وبهاءً، وهو يعلو ٨٠٠٠ قدم ونيفًا عن سطح البحر، وهو — بقطع النظر عن ارتفاع الأرض القائمة عليها الجبال — أعلى جبل في سيناء كلها.

(١-٧) قُرين عتوت

وينفرد عن جبل أم شومر أكمة عظيمة في سهل القاع، تدعى قرين عتوت، على ١٦ ميلًا إلى الجنوب الشرقي من مدينة الطور، وتُرى من كل جهات السهل، قيل إنَّ عربان سيناء أغضبوا حكومة مصر في بعض السنين الغابرة، فبعثت لتأديبهم كوكبة من الفرسان، فجاءوا من السويس بطريق البر، حتى انتهوا إلى مصب وادي فيران عند رأس القاع الشمالي، فلما درى العربان بهم لجئوا إلى الجبال القاصية، وبقيت عجوز شمطاء على رأس عتوت، فأخذت تجمع الحطب إلى أن دخل الليل، فأوقدت نارًا رآها فرسان مصر فظنوها نار القوم، فأسرعوا نحوها مغيرين على خيلهم، وهم يظنونها قريبة منها، وما زالت العجوز تمد النار بالوقود، والفرسان مغيرة نحوها في ذلك السهل الفسيح، حتى كلَّت الخيل وسقط أكثرها ميتًا، وبلغ أشدُّ الفرسان الأكمة عند الفجر، وكانت العجوز قد هجرتها، فلم يروا عليها إلَّا أثر النار فانقلبوا راجعين.

(١-٨) وجبل حمام موسى

وهو جبل صغير على خليج السويس، على أربعة أميال من مدينة الطور، فيه سبعة ينابيع كبريتية حارة، وقد بنى المغفور له سعيد باشا فوق أحدها حمامًا لا تزال آثاره باقية إلى الآن، وبقرب هذا الجبل ميناء «أبو صُوَيرة».

(١-٩) وجبل الناقوس

وهو جبل صغير شديد الانحدار، مكسو بالرمال، على شاطئ الخليج على نحو ٨ أميال شمالي جبل حمام موسى، وفي جواره ميناء أبو قفص وقبر الشيخ البتَّان، وفي هذا الجبل مظهر عجيب من مظاهر الطبيعة؛ فإنه كلما انهال الرمل في سفحه سُمِع له دويٌّ كصوت الناقوس، ومن ذلك اسمه، وقد كثرت الأقوال في تعليل ذلك، وأشهرها أنَّ الرمال بانهيالها تمرُّ على صخور مجوفة في باطن الجبل فتحدث ذلك الصوت.

ولأهل البلاد حكاية خرافية فيه؛ قالوا: كان في ذلك الجبل دير يسكنه جماعة من الرهبان، فخرج عليهم البدو يومًا قصد قتلهم ونهب الدير، فاستجار الرهبان بربهم، فهبت عاصفة وغطت الدير بالرمال، وحجبتهُ عن الأبصار، وحدث في أحد الأيام أنَّ مركبًا غرق عند أبو صويرة، فنجا منهُ رجل وأتى هذا الجبل عاريًا جائعًا تعبًا، فحنَّ لهُ الرهبان وفتحوا كوة وأدخلوه إلى الدير وأطعموه، ثم زودوه بشيء من الثمر وصرفوه، فدُهش النوتي من وجود ذلك الدير محجوبًا بأعجوبة إلهية عن عيون الناس، وأراد أن يختط طريقًا يعود بها إليه، فأخذ يأكل من التمر ويرمي النوى في الطريق، فأدرك الرهبان قصده، فاقتفى واحد منهم أثره وأخذ يلتقط النوى من ورائه، ثم رجع إلى الدير وسدَّ الكوَّة، فعدم النوتي السبيل إلى قصده. قالوا: ولا يزال الدير قائمًا، والعناية ترقب الرهبان فيه إلى اليوم، ولا بدَّ لزوار دير طور سيناء الروسيين من زيارة هذا الجبل بعد زيارة الدير وحمام موسى تبركًا به.

(١-١٠) وجبل حمَّام فرعون

على شاطئ خليج السويس، على نحو يومين من مدينة السويس، يخرج من سفحه نبع كبريتي يدعى «حمام فرعون»، درجة حرارته ١٥٧°، وفم النبع على شاطئ البحر، فيصب ماؤه رأسًا في البحر، وعلى بضعة أمتار من فم النبع في منحدر الجبل مغارة كبيرة تتصل بمجرى النبع في بطن الجبل، وأهل سيناء يستحمون به استشفاءً من الروماتزم والأمراض الجلدية، فهم ينزلون في البحر بعيدًا عن فم النبع؛ تجنبًا لحرارته، ثم يقتربون من النبع تدريجًا حتى يصلوه، فيصعدون إلى المغارة المشار إليها، وينامون فيها إلى أن تبرد أجسامهم، وقد زرت هذا النبع مع أحد مشايخهم، فلما دخلنا المغارة أوقد النار فيها، فسألته في ذلك، فقال: «هنا تسكن الملائكة، فنوقد النار إكرامًا لها»، وسألته عن سبب تسمية النبع بحمام فرعون، فأشار بيده إلى البحر، وقال: «هذه طريق موسى التي عبر بها البحر الأحمر، وقد انشق له البحر فمشى على اليابسة هو وقومه، ثم تبعه فرعون، فعادت المياه إلى أصلها وكادت تخنقه، فنادى موسى قائلًا: أنقذني يا موسى، فقال له موسى: ادعُ ربك، فدعا فرعون ربه، فقال له الرب: أما وقد طلبت شفاعة موسى أولًا، فدع موسى ينقذك، فنادى موسى ثانية فلم يجبه، فنفخ نفخة من كبدٍ حرَّى، فخرج من الجبل النبع الحار الذي تراه، فسُمي باسمه!»

(١-١١) وجبل المغارة

في جنب وادي إقنة الأيمن، على نحو ١٥ ميلًا من ميناء أبو رديس.

(١-١٢) وجبل سرابيت الخادم

جنوبي الرملة، وعلى بعد يومين للحملة من ميناء أبو زنيمة.

(١-١٣) وجبل الصهو

بين جبل المغارة وجبل سرابيت الخادم.

وهذه الجبال الثلاثة الأخيرة هي جبال الفيروز الشهيرة، وفي الأولين منها آثار جليلة من عهد الفراعنة، وسيأتي ذكرها تفصيلًا.

(١-١٤) وجبل أبو مسعود

مسيرة يوم إلى الجنوب الشرقي من الدير، على نحو ٧٢٥٠ قدمًا عن سطح البحر، ويُظن أنَّ فيه المنغنيس والذهب.

(١-١٥) وجبل الحديد

في جواره، قيل سُمِّي بذلك لوجود الحديد فيه، وهناك خرائب بلدة قديمة للسكان الأصليين تُعرف عندهم بالنواويس.

(٢) جبال بلاد التيه

أشهر جبال بلاد التيه من الجنوب «جبال التيه» المار ذكرها، الفاصلة بين هذه البلاد وبلاد الطور، وهي تقسم إلى ثلاثة مجاميع كبيرة، وهي:

(٢-١) جبال الراحة

في طرفها الغربي، وهي تطل على رأس خليج السويس، وبينهما سهل رملي فيَّاح، متوسط عرضه نحو عشرة أميال.

(٢-٢) وجبال خشم الطرف

في طرفها الشرقي، تطلُّ على خليج العقبة، ويقال لها «طرف الركن»، ومنها فرع يدعى «جبل الطباقة».

(٢-٣) وجبال العُجمة

في وسطها عند تحديب قوسها، ومنها فرع يمتد إلى داخل التيه يدعى «شويشة العجمة»، فيه خرائب كثيرة تدلُّ على أنه كان في القديم أعمر منه اليوم.

وهذه الجبال وعرة جدًّا، لا تُسلك إلَّا من خمسة أنقاب صعبة، وهي مبتدئًا من الشرق: نقب الميراد، ونقب المريخي، ونقب ورصاء، ونقب الراكنة، ونقب وطاه، وأشهرها وأكثرها استعمالًا «نقب الراكنة» في الطريق من مدينة الطور والرملة إلى نخل، «ونقب المريخي» في الطريق من النويبع والدير إلى نِخل.

«جُبيل حُسْن» هذا وينفرد عن جبل الراحة جبل صغير يقع على درب الحاج على نحو ٣٠ ميلًا غربي نخل يدعى جبيل حسن، قيل في سبب تسميته: إنَّ أحد مماليك مصر حجَّ قديمًا إلى بيت الله الحرام، فرأى في برية الحجاز وهو عائد إلى مصر بدويَّة بارعة الجمال تدعى حسنًا، فاختطفها من أهلها وسار بها في قافلة الحجاج، فتبعها شقيق لها قصد إنقاذها، ولما وصلت قافلة الحجاج إلى هذا الجبل دخل المملوك هودج شقيقته ونام، فقطع البدوي مقود الجمل الذي يحمل الهودج، وفصله عن القافلة، فاستيقظ المملوك وهمَّ بالنزول من الهودج ليرى سبب انقطاعه، فبادره البدوي بضربة سيف قطع بها رجله، ثم أجهز عليه، وركب الجمل مع شقيقته وانقلب راجعًا إلى قومه، فسُمِّي هذا الجبل باسم شقيقته، وكان الأولى أن يسمَّى باسمه.

(٢-٤) ومن جبال التيه الشهيرة في الجنوب

«جبل بضيع»، «وجبل المنيدرة»، «وجبل قلعة الباشا»، وسيأتي ذكرها.

(٢-٥) وأشهر جبال بلاد التيه من الشرق

  • نقب العقبة: وهو جبل عظيم، يطلُّ على رأس خليج العقبة، وسفحه الشرقي على الميل من قلعة العقبة، وله عدة قمم تدعى جبالًا، أشهرها: «جبل الشنانة»، «وجبل أبو جدَّة»، «وجبل الردَّادي»، وسيأتي ذكرها، ولقد كان هذا الجبل عقبة عظيمة في طريق الحج المصري، فنقبت حكومة مصر فيه طريقًا منذ عهد بعيد، فسُمِّي نقب العقبة، وقد دخل معظمه في حد تركيَّا، وسيأتي ذكره في الكلام عن الطرق.
  • جبال الحمراء: وهي دائرة عظيمة من الجبال في زاوية التيه الجنوبية الشرقية، في شمالي نقب العقبة، سميت بذلك؛ لأن لونها ضاربٌ إلى الحمرة، وتخترقها درب غزَّة.
  • وجبال الصفراء: إلى الشمال الشرقي من جبال الحمراء، سميت بذلك؛ لصفرة تربتها.
  • وجبل سويقة: شمال جبال الصفراء على درب غزة، على نحو ٢٠ ميلًا من المفرق.

    أمَّا «المفرق» فنقطة في رأس النقب، تفترق عندها الطريق الآتية من العقبة، فطريق تذهب شمالًا وهي درب غزة، وطريق تذهب غربًا وهي درب الحج المصري.

  • وجبل عُرَيف الناقة: وهو جبل عظيم على نحو ٤٠ ميلًا إلى الشمال من جبل سويقة على درب غزة، يُرى من مسافة بعيدة في شكل عرف الناقة، ومن ذلك اسمه.
  • وجبل القُنَّه، وجبل الرِّغام: بين سويقة وعريف الناقة بانحراف إلى الغرب.
  • وجبل المقراة: وهو عبارة عن سلسلة سهول متدرجة، طولها نحو سبعين ميلًا، وعرضها نحو خمسين ميلًا، تبدأ من جبل عريف الناقة، وتمتد وهي تعلو تدريجًا شمالًا بشرق إلى قرب بئر السبع، ومعظم هذا الجبل واقع في حدِّ سوريا، ويدخل منه في حد سيناء قسم كهيئة السفين يعرف «بجبل خُراشة».

(٢-٦) وأشهر جبال بلاد التيه في الشمال

  • جبل الحلال: وهو جبل عظيم على نحو أربعين ميلًا إلى الشمال الشرقي من نخل، قيل سُمِّي بجبل الحلال؛ لأن حوله مراعي متسعة للإبل والغنم، المعروفة عند البدو «بالحلال»، وينفصل عن هذا الجبل شعبة إلى الشرق تدعى «جبل ضَلفَعْ»، تمر بينهُ وبينها وادي العريش.
  • وجبل ألْبني: إلى الشمال الغربي من جبل الحلال، وعن يمين المسافر من نخل وآبار الحسنة إلى العريش.
  • وجبل الأبرقين: إلى الجنوب الغربي من جبل الحلال، وعن يمين المسافر إلى العريش من نخل وآبار الحسنة، وعلى رأس هذا الجبل مقام للشيخ الأبرقين، يزوره بدو التيه ويذبحون له، ويزوره النساء العقيمات استشفاءً من العقم.

    وفي سفح الجبل سلسلة من الحديد، قد دُفن طرفاها في التراب، فلا يظهر منها سوى أربعة أمتار، قيل وُضعت هناك للدلالة على أنَّ الذبائح تكون عندها لا عند مقام الشيخ في أعلى الجبل، قالوا: ويُسمع لهذا الجبل أحيانًا صوت كضرب الطارة.

  • وجبل يَلَك: إلى الشمال الغربي من نخل، على نحو ثلاثين ميلًا منها، علوه نحو أربعة آلاف قدم، ويتفرع منه شعبة إلى الشرق تدعى «جبل المنشرح»، يجري بينهما وادي الحسنة، وفي جبل يَلَك ثلاثة عدود أو ينابيع شهيرة، وهي:

    «عدُّ أبو قرون» بالقرب من قمة الجبل، في رأس وادي قرون، وهو عدُّ غزير قديم العهد، يصعد إليه من شمالي الجبل وجنوبيه، وعنده قبر الشيخ خليفة جدُّ التياها، «وعدُّ يَلَك» في سفح الجبل الجنوبي، «وعدُّ أم سعيد» في سفحه الشرقي.

  • وجبل فِلِّي، وجبل أم خُشَيب: إلى الغرب من جبل يلك.
  • وجبل إخرم: إلى الشرق من جبل يَلَك على نحو ١٦ ميلًا منه، يجري بينهما وادي العريش.
  • وجبل البُرْقة: إلى الشمال الشرقي من جبل إخرم، على نحو عشرين ميلًا منه، يجري بينهما وادي قُرَية.

(٣) جبال بلاد العريش

وأمَّا بلاد العريش، فجميع جبالها في الجنوب فاصلة بينها وبين بلاد التيه، وأهمها:

(٣-١) جبل المغارة

على نحو ٣٢ ميلًا من مدينة العريش، و٦٤ ميلًا من مدينة نخل، يُنسب إلى مغارة فيه يخرج منها نبع ماء عذب، وهناك آثار أبنية رومانية في الأرجح، تدل على أنَّ تلك الجهة كانت مأهولة في القديم، ولكن أبنيتها بلا مؤنة كأكثر الأبنية القديمة في الجبال.

(٣-٢) وجبل ريسان عُنَيزة

ويعرف رأسه الشمالي «بجبل لِحفن» على نحو ثمانية أميال من العريش، وقد رأيت على قمته خرائب قلعة من عهد الرومانيين، وفي سفحه في جنب وادي العريش الغربي بئر منسوبة إليه من ذلك العهد أيضًا، وسيأتي ذكرها.

وفي بعض جبال سيناء، ولا سيما في جبال الطور وجبال التيه، مغاور كبيرة، يسكنها البدو مع إبلهم وأغنامهم في فصل الأمطار، فيستغنون بها عن الخيام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤