الفصل السابع

في نباتاتها

(١) أشجارها البستانية

أهم أشجار سيناء:
  • النخيل: يكثر في بلاد الطور وبلاد العريش، وينعدم في بلاد التيه، وقد قُدِّر ما في سيناء من النخيل بنحو مائة ألف نخلة، هذا تفصيلها:
    نخلة
    ١٠٠٠٠٠ الجملة
    (١) عن تعداد ناظر الطور سنة ١٨٩٠:
    ١٩٠٠٠ في مدينة الطور وضواحيها
    ٧٠٠ في النويبع
    (٢) عن تقدير بعض العارفين:
    ١٧٠٠٠ في وادي فيران
    ٣٨١٥ في عيون موسى وميناء ذهب إلخ
    (٣) عن تعداد محافظ سيناء ١٩٠٧:
    ٣٩٤٨٥ في بر قَطْيَة وقَطْيَة
    ٧٠٠٠ في بئر المساعيد
    ١٢٠٠٠ في مدينة العريش وضواحيها
    ١٠٠٠ في بلدة الشيخ زويد وضواحيها
  • والدوم: وهو نادر فيها، وقد كان منه ثلاث أشجار على عين طابا، فحُرقت واحدة وكُسرت أخرى، ولم يبقَ إلَّا دومة واحدة، ولعلها الدومة الوحيدة في الجزيرة كلها.
fig21
شكل ٧-١: دومة وادي طابا.

ورأيت في بساتين مدن الطور والعريش ورفح «وجبل طور سيناء»: العنب، والرمان، والأجاص، والبرتقال، واليوسف أفندي، والكمثرى، واللوز، والخوخ، والتفاح، والخروب، والمشمش، والسفرجل، والزيتون، والتين (وينبت أيضًا لنفسه في الأودية)، والسرو، والصفصاف، والصبر. والطَّورة يأتون بما يفيض عنهم من اللوز، والكمثرى، والسفرجل، والرمان، والتفاح إلى السويس أو مصر، فيبيعونه أو يهادونه.

وهم يزرعون في بساتينهم: الطماطم، والملوخية، والبامية، والبصل، والثوم، والفجل، والجرجير، والخس، وغيرها من الخضروات، ويزرعون الدخان على قدر كفايتهم.

ويجود في بلاد سيناء في كل الجهات البطيخ والعجُّور والشمام، وفي بلاد العريش المرملة يكثرون من زرع البطيخ، وبه يتجرون، ويعلفون بهائمهم أيام الربيع، فيقوم مقام البرسيم في مصر، وقد وجدت عندهم نوعًا من البطيخ بيضيَّ الشكل، أحمر القلب جدًّا، يعرف بالجاموس، ويعرف في مصر بالنمس، وهو من ألذِّ أنواع البطيخ.

ويزرع أهل سيناء على المطر: القمح والشعير والذرة الرفيعة في كل الجهات، ولا سيما في جبال بلاد التيه وبلاد العريش، وتجود الغلال هناك، حتى إنَّ غلة الحبوب في بلاد نخل وحدها قد تبلغ ٦٠٠٠ إردب في السنة، وتبلغ أضعاف ذلك في بلاد العريش، وأمَّا زراعة أهل الطور فقليلة جدًّا؛ لقلة الأراضي الزراعية في بلادهم.

(٢) أشجارها البرية

وأهم أشجارها البرية التي ترعاها الإبل والأغنام:
  • الطرفاء: وتعرف أيضًا بشجرة المن، إذ يتسلط عليها دودة كدودة القز، تثقب جذوعها وأغصانها، فيخرج من الثقوب صمغ حلو المذاق، يلتقطه بدو سيناء، ويجعلونه في علب صغيرة من الصفيح، ويبيعونه لزوار الدير والسياح، أو يأتون به إلى مصر فيبيعونه فيها باسم المن.
  • والسيَّال: وهو أشهر أشجار الجزيرة، وهم يصنعون من خشبه أجود الفحم ويدخلونه في المتجر.
  • والسِّدر: وهو قليل، وأكثره في بلاد العريش، وله ثمر يشبه الزعرور شكلًا وطعمًا، يعرف بالنبك تحريف النبق، يأكله البدو ويستمرئونه.
  • والأثل: وينبت في بلاد التيه والعريش، وهم يستخدمون خشبه للبنادق والمحاريث وأسرجة الإبل، «والبطم» وهو قليل جدًّا.

(٣) أنجمها البرية

ومن الأنجم التي تكثر في سيناء وترعاها الإبل والأغنام:
  • الرَّتم: وهو أشهر أنجمها وأنفعها، ويكثر جدًّا في الأودية، فيستظل المسافرون بظله، ويصنع من خشبه فحم جيد كفحم السيال.
  • والعَدام: وهو نجم يشبه الرَّتم إلَّا أنه أصغر حجمًا.
  • والقَطف: نجم يشبه العدام، وهو كثير جدًّا، وأكثر اعتماد البدو في رعي إبلهم وأغنامهم عليه، بل هم أيضًا يأكلونه مسلوقًا ومقليًّا بالسمن.
  • والمتنان: وتعمل منه الحبال، ولا يوجد إلَّا في الجهات الشمالية الشرقية من الجزيرة، ترعاه الغنم قليلًا، ولكن الإبل لا ترعاه.

على أنَّ أشجار البلاد ولا سيما الظليلة منها، قليلة جدًّا مع أنَّ البلاد في أشد الحاجة إليها؛ نظرًا لاتساعها وكثرة مفاوزها وصحاريها، وتعرضها للشمس المحرقة؛ ولأن جبالها ولا سيما الشمالية منها متحدرة كعرم الغلة لا ظل لها، لذلك ترى البدو يبالغون جدًّا في الاحتفاظ على أشجارهم الظليلة القائمة في الطرق والأماكن العامة التي ينتابونها كثيرًا، فإنهم ينصبون عند كل شجرة ظليلة رجمًا من الحجارة للنهي عن قطعها، أو قطع شيء من أغصانها للفحم أو للوقود، وهم يعتقدون أنَّ من قطع شجرة هذا شأنها أو قطع غصنًا منها، لقي مغبَّة عمله في نفسه أو في أولاده أو ماله، ولقد رأيت في أسفاري في سيناء عدة أشجار محمية بهذه الطريقة، بل رأيت أشجارًا ظليلة تُنْذر لها النذور كما ينذر للأولياء كما سنبينه في محله.

(٤) أعشابها البرية

وينبت في أودية سيناء أعشاب شتى ترعاها الإبل والأغنام، ويستخدمها البدو في الطب والمتجر والأطعمة، وأهم ما رأيت من تلك الأعشاب:
  • الشيح: ولهُ رائحة عطرية، يبخرون به منازلهم لطرد الثعابين منها، وتستحم به النفاس، وهم يدقونه ويمزجونه بالملح والكمون والفلفل، ويستعملونه بهارًا في أطعمتهم.
  • والقيصوم: وله رائحة ذكية، يغلى وتغسل بمائه العين الرمداء، وله زهر أصفر جميل، قيل يظهر بظهور الثريَّا حتى صار أهل البادية إذا رأوا القيصوم قد أزهر علموا أنَّ الثريَّا قد عادت إلى فلكها في الشرق.
  • واللصف: وهو لا ينبت إلَّا في شقوق الصخور، ولكنه ينبت نشيطًا رائع اللون، كأنه نامٍ على غدير ماء، وهم يداوون به الروماتزم، وذلك بإغلاء ورقه وتبخير المصاب به حتى يتصبب العرق منه.
  • والحَمْض: ويكثر في بلاد التيه، يجمعه التياها أكداسًا ويحرقونه، فتنجلي الحريقة عن حجر أبيض اللون هو «القِلْو»، فيدخلونه في المتجر ويبيعونه في غزَّة قِلْوًا للمَصَابن، سعر الإردب الواحد من ثلاثة ريالات إلى أربعة.
  • والعَجْرم: أكبر نبتًا من الحمض، يستخرج منه القلو أيضًا، ولكن ثمن قلوه نصف ثمن قلو الحمض.
  • والعاذِر: نبت كالزعتر، يستعمله البدو دواءً للمغص، ترعاه الإبل، قيل وإذا رعته الأغنام غيَّر طعم لحمها، ورأيت في رفح نوعًا من الرتيلاء نسجت على هذا النبت خيوطًا متينة من الحرير الأصفر الجميل.
  • الحَرجَل: وبه أيضًا يداوون الروماتزم، ولكن الماشية لا تأكله.
  • والعُضْو: وهو نبت سام، إذا أكلته الإبل ماتت، ويستعمله البدو علاجًا للجرَب، يدقونه ويغلونه على النار، ويغسلون بمائه الإبل الجرباء فتبرأ، وقد رأيت هذا النبت في أودية بلاد التيه الشرقية ينبت عروقًا مجردة من الورق «كالتِّين» في سوريا.
  • والحنظل: لا ترعاه الماشية، ولكن البدو يتجرون به، وقد رأيت بعضهم يجمعونه للتجار في غزَّة، وهؤلاء يدخلونه في المتجر لعمل الأدوية.
  • والغَرقَد: وهو نوع من العوسج، ورقه شحمي مثلث الشكل، وله حب أحمر كحب الرمان وطعمه حلو والبدو يأكلونه، ويستخرجون منه عسلًا بعصره في مناديل وإغلائه على النار.
  • والحُوِّي: وهو نبت ربيعي يأكله البدو زهرًا وورقًا، قيل وأوَّل من أكله في الجزيرة اللحيوات، فسمُّوا به.
  • واليَهَق: ورقه كورق الفجل، وطعمه كطعم الجرجير، والبدو تأكله وتستمرئه.
  • والتُّمَّير: له في أصوله حبٌّ كالزَّلم المعروف عند العامة بحب العزيز، يأكله البدو، وطعمه لذيذ كطعم اللوز الأخضر، دلني عليه بعضهم في رأس التلة التي قامت عليها قلعة الباشا المار ذكرها.
  • والذانون: وهو نوع من الجزر، يأكله البدو مشويًّا، وطعمه كطعم الجزر.
  • والخبيزة: وهم يأكلونها مطبوخة بالسمن والزيت واللحم.
  • والإسْليح: ورقه كورق الفجل شكلًا وطعمًا، وهم يأكلونه ويستمرئونه.
  • والحَمَصِيص: ورقه كورق الإسليح، وهم يطبخونه كالخبيزة ويأكلونه، ويكثر في الأرض المرملة.
  • والسمح: يكبر كالبلَّان، ويحمل حبًّا كالسمسم، يطحنونه ويأكلونه، وطعمه كطعم الفول.
  • والسيسب: يأكلونه كالهليون، وطعمه حلو مريء.
ومن الأعشاب البرية التي ترعاها الإبل والأغنام، ولكنها لا تدخل في الطب ولا في المتجر، ولا تأكلها البدو:
  • البُعَيثران، والحدَّاد: وهما كثيران والإبل والأغنام تستمرئهما جدًّا.
  • والعَيْلجان.
  • واليَنْبوت.
  • والرِّمْث.
  • والكَبات.
  • والسبط.
  • والسكران: قيل إذا أكلته الأغنام سكرت، ومن ذلك اسمه، وأمَّا الإبل فلا يسكرها.
  • والنعمان: وله زهر أحمر اللون، قيل إذا أكلته المعزى أحدث لها مغصًا، وأماتها بليلتها، ولكنه لا يضر الضأن!
  • والبُصَّيل: وهو نبت كالبصل، له ساق طويلة، وفي رأسه زهر أبيض اللون، طيب الرائحة، ينبت في الرمال؛ ولذلك يستخدمه البدو لتحديد أراضيهم الزراعية في الأرض المرملة، وهو ضارٌّ جدًّا بالإبل والأغنام.

وقد أتى سيناء كثير من العلماء في القرن الغابر، وبحثوا في نباتاتها وكتبوا فيها المجلدات، أوَّلهم الدكتور روبل الألماني المار ذكره، جاءها سنة ١٨٢٢ – ١٨٢٦.

ثم المستر شِمبر، فجمع نباتات جبل طور سيناء وضواحيه، ثم المسيو بواسيه سنة ١٨٤٦ وسنة ١٨٦٧، ثم جاءت البعثة العلمية التي أرسلتها الجمعية الجغرافية الإنكليزية لمسح أراضي سيناء سنة ١٨٦٩، وكان فيها عالم نباتي يُدعى المستر هوكر، فجمع رواميز كثيرة من نباتات سيناء، ثم جاء المستر هرنكر سنة ١٩٠٣، فجمع رواميز النباتات التي بين مدينة الطور والسويس، ثم البعثة العلمية التي أرسلها قلم المساحة المصرية برئاسة المستر هيوم سنة ١٩٠٦، فأصدر هذا العالم كتابًا نفيسًا في طوبوغرافية سيناء الجنوبية الشرقية وبيولوجيتها، ضمَّنه أسماء نباتات سيناء العلمية مع أسماء جامعيها وأمكنة وجودها.

وقد أخبرني بدو سيناء أنَّ فرنساويًّا يدعى ألفريد قيصر أربون أتى سيناء في أواخر القرن الغابر، فقضى فيها عشرة سنوات يجمع حشراتها ورواميزها النباتية، قالوا: وقد تحدَّى أهل البادية في المأكل والمشرب والملبس، وبعد أن قضى أربع سنوات وحده عاد إلى بلاده، وأعلن في جرائدها أنه يرغب التزوج بمن ترضى أن تعيش عيشته البدوية، فلبَّته إحدى بنات بلده، فتزوجها وأتى بها إلى سيناء، فقضيا فيها معًا ست سنوات، وكان في بعض السنين يتركها وحدها ويذهب إلى أوروبا في أشغاله ثم يعود إليها، وبقيا على ذلك إلى أن عادا إلى بلادهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤