الفصل الثالث

في المدرسة العُبَيدية

أمَّا المدرسة العبيدية التي يرأس مجلس إدارتها مطران سيناء، فتنسب إلى مؤسسيها «عُبَيد إخوان»، وهم أربعة أشقاء سوريون من أصل بعلبكي، من طائفة الروم الأرثوذكس، هاجر أبوهم إلى مصر في عهد المغفور له محمد علي باشا، وَوُلِدُوا كلهم في القاهرة في حارة الجوانية بقسم الجمالية، وهم: إلياس وجرجس وحنانيا وروفائيل، ولهم أخت شقيقة لم نقف على اسمها.

وقد تَزَوَّج إلياس، وَوَلَد بنتًا تُدْعَى كاترينا، وتزوَّجت هذه برجل يوناني يُدْعى أنضوني، اتخذ لقب عائلتها فسُمِّي أنضوني عبيد، وولد بنين وبنات.

وتزوج جرجس بفتاة حمصية تُدْعى ليَّا باسيلي، ولم يلد أولادًا.

وتزوجت الشقيقة برجل سوري يُدْعى العرقجي، فولدت جرجس وجبران وبنتًا، وتزوجت البنت بيوناني يُدْعى جورج، فسمِّى جورج عبيد، وولدت منه بنين وبنات.

وأمَّا حنانيا وروفائيل، فإنهما لم يتزوجا، وقد تعاطى الإخوان عبيد تجارة الجمالية، وأقام أحدهم (حنانيا) في بلاد الإنكليز مدة لترويج تجارتهم، فأفلحوا واتسعت ثروتهم، وكانوا على جانب عظيم من التقوى ومحبة العلم والوطن، فصحت عزيمتهم على إنشاء مدرسة في مسقط رأسهم في الجوَّانية يتعلم فيها الأولاد الذكور «مجانًا» من كل جنس وَمِلَّة.

ومات إلياس وجرجس قبل إنفاذ هذه العزيمة، وبقي حنانيا وروفائيل، فأسسا المدرسة، ووضعاها تحت حماية روسيا، وعناية مجلس إدارة مؤلف من سبعة أعضاء سوريين وأروام، ومن مطران سيناء رئيسًا، وفرع من آل عبيد نائب رئيس. وقد أقاما للمدرسة بناءً فخمًا في الجوانية، أنفقا عليه ١٠٠٠٠ جنيه أو أكثر، وسنَّا لها قانونًا وافيًا باللغة العربية، هذا نصه بحروفه كما أخذته عن الأصل المحفوظ في خزانة المدرسة:

قانون المدرسة العبيدية

بسم الآب والابن والروح القدس الله واحد.

تمكُّن الإنسان على إمداد قريبه، إنما هو من أجل عطايا الرب المعطي الوحيد، وجودته عزَّ وجل المعصومة من التحديد تقتضي أنَّ فعل الخير يهذِّب الإنسان، ويجعله سعيدًا، ويرفعه لدرجة يتوصل بها لمعنى الشبه الإلهي السبب المبدي غير المتناهي، مانح ساير الخيرات، ومقيل العثرات، وأنه يهيئ له أجرًا ويأتيه بالنجاة، وهو المقصود من كافة أعمال البشر في هذه الحياة، وكل صنيع تسديه إلى قريبك يعدُّ من الخيرات، إن كان ذلك إحسانًا للفقير، أو تعزية للحزين، أو عولًا للمريض بحسب الإمكان، فجميعها حسنات مرضية لله تعالى مقبولة عنده كشمِّ البخور في كل الأوقات، ويفوق الإنسان في النفع لقريبه إذا كان له معينًا في تطبيب حوايجه العقلية، وساعده في تهذيب وتشديد قوة النفس النطقية.

لما همنا بهذا الإحساس نحن «الإخوان عُبَيد»، ولما كان حصولنا على خلاص نفوسنا ونفوس كل أعضاء عائلتنا أقصى مرامنا، باذلين في استحصاله الجهد الجهيد، رأينا من الوجوب علينا ورأس كل الفروض أن نكون معينين لمسقط رأسنا، ونتحف وطننا المألوف وناسنا، وقد منحنا الحليم الكريم المعبود وسائل لإنجاز ذلك بما أنعم علينا من الموجود، فرأينا أنَّ أعظم ما يحتاج الدواء إليه عدم تقدم الشبان لغياب العلم المعول عليه، وحيث كان هؤلاء الفتيان خلفاء جيلنا الباقي في حالة واقفة من خطوب الزمان وظروف الأوقات وغياب أسباب النجاح أخذ في القهقرى لبراح التمدن في باقي الجهات، فلا عادت لنا حجة نتعلل بها الآن عن تأخيرنا في عصر حرٍّ، ساده أهل الفهم والعرفان.

لما تفاقمت فينا هذه التأملات، شرعنا بتشييد مدرسة معدة لتعليم الصبيان وترقيتهم حتى تصير أخلاقهم سلسة مؤنسة، فيتحف الوطن بأنداب صالحين يخدمون بلادهم، وينفعون عشيرتهم، ويكونون مسيحيين متقين. ويصير وصل أهل مصر بعلائق وثيقة ودادية مع العشائر الأجنبية بواسطة حسن المعاشرة ومعرفة اللغات حتى يحسن تعليمها وقطف محاسنها تنجلي الأذهان وتكمل الصفات، بعد استمداد القوة من الله والإعانة والتماس عنايته وعضده جل شأنه، نوينا على هذا المشروع، واعتمدنا برضانا واختيارنا ووقفنا لإنجازه جزءًا من مالنا وصلب حالنا، وبعد حصولنا على الإذن المكتوب من غبطة بطريرك الإسكندرية بنينا بمصاريف من طرفنا، خاصة في مدينة مصر القاهرة في الجوانية مدرسة معدة لتعليم الصبيان مجانًا من كل جنس وملة، وسميناها: «المدرسة العبيدية»، ولما كان مقصودنا ومنانا أن نوطد هذه المدرسة على أصول مرتبة وأساسات أصيلة، حررنا هذه الحجة ممضية منا؛ لنأمن على وجودها في المستقبل وعولها وتبقى دايمًا معمورة جميلة، وحيث إننا الملَّاك ومؤسسو الدار، فلنا الحق أن نبيِّن ونحدد نمط إدارتها الداخلية والخارجية، والدستور الذي لا بدَّ من الاقتداء به بكل ضبط ودقة دقية، ونروم ألَّا يصير فيه نقض ولا إبرام على ممر الأيام، ثم نشكره ونحمده تعالى الذي أهَّلنا نرى شوقنا مشفى، وطلبنا مجاب موفى بتتميم هذا العمل وإنجازه على أحسن حال وأجمل منوال، نسأله جلَّ شأنه أن ينظر بعين العناية والرحمة والرضوان، ويحفظ ويصون هذا المكان المعد إلى تعليم وتأديب الصبيان، ويجعله سبيلًا موصلًا إلى طاعة نواميسه السرمدية، ويمنح سكانه بركاته الأبوية، ويدلهم إلى أقوم طريق، ويضيء عليهم أنواره الساطعة الألمعية، حتى يصيروا مستحقين الكد والاهتمام المبذول في نجاحهم، حافظين الوصايا القديسة، وأن ينظر إلى ضعف حالنا، ويترأف علينا برحمته القوية، ويقبل منا ذلك ضحية مرضية، ويؤهلنا بنعمته لنوال ملكوته السماوي، آمين.

  • البند الأول: نحن الأخين الشقيقين روفائيل وحنانيا عبيد، الواضعين أسماءنا أدناه، حائزين كافة الأوصاف المعتبرة شرعًا في صحتنا وسلامتنا وطوعيتنا واختيارنا، وقفنا وحبسنا المدرسة المذكورة المنفوق على تكوينها وتشييدها من مالنا، وصلب حالنا وقفًا مخلدًا أبديًّا لا يُباع ولا يُرهن ولا يُورث ولا يستبدل ولا يغير في نظاماته وترتيباته المدوَّنة في هذه الحجة، ثم وقفنا على المدرسة المذكورة جميع الملك الذي يصير تبيينه في حجة مخصوصة في ثلاث نسخ منها مطابقة لبعضها البعض: أحدها يصير تسليمها إلى قنصلاتو جنرال دولة روسيا بالأقطار المصرية، والثانية تحفظ في سجلات المدرسة، والثالثة تبقى تحت يدنا على أن يبدأ من غلَّات الوقف المذكور، وريعه في عمارة المدرسة المذكورة، والصرف عليها من أجر معلمين، ومن كل ما يلزم لتجميلها ونجاحها، وبراح التلامذة الدارسين فيها، بتأديبهم وتهذيبهم على قدم راسخ، ولا بدَّ من بذل الكدِّ والاهتمام بغيرة مزيدة في ذلك، واليتامى وأولاد الإخوة المحتاجين يصير لهم الالتفات الخصوصي، ولا يمكن أحد من المتولين إدارة المدرسة أن يمس الوقف المذكور الموقوف عليها، ولا يسوغ نسخ ولا تحريف في أصول ومنطوق هذا البند أو في البنود الآتية.
  • البند الثاني: لقد أُعِدَّت هذه المدرسة ليتعلم فيها أولاد الملة الأرثوذكسية الذكور، ويقبل فيها أولاد ذكور من كل جنس وملة، والكل يصير تعليمهم مجانًا من دون تمييز بين الأجناس والمذاهب، ولا يسوغ للتلامذة ولا إلى والديهم، ولا إلى أولياء أمرهم، أو لأي من كان أن يتداخل في إدارة المدرسة، خارجية كانت أو داخلية، بل يجب عليهم الإذعان التام إلى مقتضيات الترتيب السنوي الذي يصير عليه المعول من الوكلاء المحصور في أيديهم سياسة المدرسة.
  • البند الثالث: أقصى مرامنا بتشييد هذه المدرسة هو تعليم اللغات اليونانية والعربية والفرنساوية، فوالحالة هذه لا علة من التعلل يمكن الاحتجاج بها لإبطال تعليم ما ذكر بوجه متقون، وذلك فضلًا عمَّا يرى موافقًا لدى الوكلاء من أنواع التعاليم المُصلِحة، ولكن يراعى في ذلك مدخول وقف المدرسة ويسلك الوكلاء في ذلك حسبما تتحمله إيرادات المدرسة، وبالوكلاء المذكورين منوط تأليف قسم القانونامه المختص بترتيب الدروس ومنهاج التعليم.
  • البند الرابع: لكي نأمن في المستقبل على هذه المدرسة، رتبنا لإدارتها وسياستها دوامًا مجلسًا مشتملًا على تسعة وكلا، وأحدهم رئيسًا على باقي الأعضاء.
  • البند الخامس: من حيث نحن مشيدي المكان، فلنا الحق في انتخاب الوجوه الذي يشتمل عليه الآن مجلس نظارة المدرسة، ونذكرهم هنا، وهم: صاحب النيافة حضرة رئيس كهنة طور سيناء السيد كيرلُّس وهو رئيس المجلس، وأمَّا الأعضاء: فحضرة الشماس جرمانوس أفيثونيدي رئيس شماسة قدسه، ثم أحدنا نحن الأخين الشقيقين، ثم الخواجة جرجس عرقجي، ثم باسيلي بن يوسف فخر، ثم الخواجة جورجي كوكيلاني، ثم الخواجة أنسطاسي أنضوني، ثم الخواجة إسطفان كوكا، ثم الخواجة ديمتري سركيس، وقد قبل جميعهم بذلك.
  • البند السادس: حضر صاحب النيافة رئيس رهبانية طور سيناء المومى إليه باقية عليه رئاسته على مجلس الوكلاء ما دام حيًّا، ومنه تئول إلى خلفائه إلى رئيس رهبانية سيناء يكون دايمًا رئيسًا على المجلس المذكور.
  • البند السابع: أحد رهبان السينائية القاطنين في دير القديسة كاترينا في الجوانية يكون دايمًا عضوًا من مجلس النظار المذكورين، وحق انتخابه لرئيس المجلس بعد رضى وقرار باقي أعضاء المجلس.
  • البند الثامن: أحدنا نحن الشقيقين عبيد يكون عضوًا من المجلس كما ذكر. وأمَّا بعدنا إنْ كان في وصيتنا لم نبيِّن، ولم نعين الشخص الذي يكون عوضًا عنا، فأكبر أهلنا سنًّا وأقربهم لنا يخلفنا في ذلك، وعلى هذا المنوال يكون الإجراء في حقه أيضًا إلى ما شاء الله.
  • البند التاسع: خليفتنا المذكور وخليفته بعده إلى ما شاء الله يكون دايمًا نائب رئيس مجلس النظارة، وإذا لا سمح الله وحصل انقراض، فحينئذ أعضاء المجلس ينتخبون من بينهم من يكون نائبًا لرئيس المجلس، ولكن لا يكون له حق في توريث ذلك.
  • البند العاشر: بعد وفاتنا إنْ كان يغيب أحد الوكلاء غيابًا تامًّا، أو يتوفى، فيجب على الوكلاء الباقين على قيد الحياة أن يجتمعوا حينئذ، وينتخبوا عوضًا عن الغايب أو المتوفى، ويكون المنتخب جديد من شيعة القديم الذي أخلفه، ولا بدَّ من أن يتم الانتخاب في مدة شهر واحد من حصور نقصان عدد أعضاء المجلس، وعند قبول المنتخب جديد بذلك يجتمع الوكلاء جميعًا في الإيوان المعد لجلساتهم في المدرسة، ويطلب رئيسهم من المذكور أن يعلن أمامهم والكل وقوفًا ويقول: «إنني أتعهد بكل احتفال بين يدي الله الحي، بأن أجاهد بكل قوتي في نجاح هذه المدرسة العبيدية وحفظها من كل غائلة، وذلك ابتغاء لوجه الله تعالى، ولا أهمل جهدًا في إصلاح حالها، وبراح عموم مصالحها، وأواظب على حفظ قوانينها المرتبة.»
  • البند الحادي عشر: لا يمكن أحدًا من أعضاء المجلس أن يغيب فوق مدة ثلاثة شهور، فإذا امتد غيابه فللوكلاء أن ينتخبوا خلافه.
  • البند الثاني عشر: لأجل تسهيل عملية المجلس، فرئيسه مع عضوين ينوطوا بمباشرة داخل المدرسة فيما يخص حالتها الروحية والدروس، وتحسين مسرى التلامذة وتأديبهم وترتيبهم، وإجراء عمل القانون للتدريس، وأمَّا باقي الستة أعضاء، فعليهم الاهتمام بنجاح المدرسة وإدارتها الخارجية، وقبض إيرادات الوقف الموقوف عليها، أعني إدارة عمومية على الخصوصيات المادية، ولكن لا يقع قرار قط ولا يبتُّ حكم في شيء إنْ كان يختص بالتنظيم الداخلي أو بمصلحة المدرسة المادية الخارجية من دون أن يصير الاعتماد على ذلك الحكم من كافة أعضاء مجلس النظار بموجب صك يتحرر في ذلك، ويكون عليه إمضاء الأكثر من الأعضاء.
  • البند الثالث عشر: يصير في كل سنة منشور بدروس المدرسة، ويألفون ذلك معلمو المدرسة مع الثلاثة أعضاء المندوبين للإدارة الداخلية، وغب عرض ذلك على باقي الأعضاء، وبتُّ الرأي بالاعتماد عليه يصير طبعه يوناني وعربي وفرنساوي، وتوزيعه على محلات الاقتضاء.
  • البند الرابع عشر: في بداية كل سنة من يوم تكريس المدرسة، يجب على الستة أعضاء المنوط بهم الإدارة المادية أن يصوروا حسية تخمينية عن مقادير المصاريف اللازمة والإيرادات عن السنة التي تكون داخلة، ويعرضوا ذلك على كافة أعضاء المجلس لينظروا في ذلك.
  • البند الخامس عشر: أمَّا بطول مدة حياتنا، فأحدنا يكون مدير المدرسة العام، ومحصل إيراداتها وأمين صندوقها، وينبغي عليه أن يراعي في ذلك بميزانيته التخمينية السنوية. وأمَّا غب وفاتنا فهذه الإدارة المادية تئول على الستة أعضاء معًا، ولا يمكن خليفتي أن يختص بهذه الإدارة العمومية مثلنا، وأمَّا أمين الصندوق فينتخبه الوكلاء من بينهم بعد وفاتنا.
  • البند السادس عشر: الميزانية في أول السنة، والجرد في آخر السنة، الموضوع عليهم إمضاء ريس المجلس، وإمضاء أمين الصندوق، يصير نشرها في الطبع يوناني وعربي، والأصل يوضع في قونصلاتو روسيا بهذا الطرف.
  • البند السابع عشر: إنْ كانت الإيرادات غب استوفا أقلام الميزانية السنوية تفوق عن المصاريف اللازمة، فعلى الوكلاء باتحادنا أن يجعلوا ذلك رأس مال، ويودعوه إضافة على الرأس مال الأصلي الموقوف على المدرسة، وكذلك بعدنا يكون.
  • البند الثامن عشر: من كوننا نرغب نجاح وتقدم وتتميم رونق هذا المكان المشيَّد؛ قد جعلنا للوكلاء الحق في كونهم ينتخبون بالاتحاد معنا من حين إلى حين من التلامذة أبناء المدرسة، أنبههم وأفرسهم الذين يُلاحظ فيهم شواهد تدلُّ على استرجائهم، ويصير بعثهم إلى بلاد أوروبا أو غيرها لأجل تتميم علومهم، وإتقان فنونهم في أي علم أو فن تميل إليه قريحتهم، ولأجل إنجاز هذا المأرب نوقف بنوع منفرد عن هذا الترتيب حصة من مالنا؛ ليُستعمل ريعها في هذا المقصد خاصةً، والمبلغ الذي نعدُّه لذلك سنشهره رسميًّا إلى قونصلاتو جنرال دولة روسيا في الأقطار المصرية وإلى مجلس وكلاء المدرسة، ونحرر فيه حجة مخصوصة، وأمَّا الوكلاء فلا يمكنهم أن يستعملوا دخل المدرسة إلَّا بحسب المدوَّن بهذا الترتيب، وإرسال التلامذة إلى البلاد الأجنبية، وعدد الذين يسير بعثهم، فهذا يتبع مقدار مدخول رأس المال المعد لذلك، ومن الوجوب عندما يعتمد الوكلاء على إرسال أحد من التلامذة أو أكثر لتتميم علمه في الخارج كما ذكر أن يحرروا على المبعوثين حججًا، وعلى أبويهم وأولياء أمرهم ويأخذوا على ذلك الضمانات القوية الشرعية بصكوك مسجلة في الأحكام تلزم التلميذ أن يخدم بعد استوفا مدة غيابه المحددة الخدمات اللازمة في المدرسة بمدة مؤجلة بأجرة مناسبة.
  • البند التاسع عشر: يجب في كل يوم أن يزور المدرسة أحدُ الوكلاء ويباشرها، ويعاين التلامذة والتدريس، ويقف على حقيقة حال سيرهم، وما يلزم لها.
  • البند العشرون: من حيث إنَّ دار البطركية الأرثوذكسية بهذا الطرف هي الأم الكنائسية، فعلى الوكلاء لياقة أن يفيدوها من حين إلى حين عما يتعلق بالتعليم الديني والأدبي في المدرسة.
  • البند الحادي والعشرون: يجب على مجلس الوكلاء باتحادهم مع المعلمين أن يؤلِّفوا القانون المختص بالدروس والإدارة الداخلية، ويكون ذلك بحسب ما يقتضيه الإيمان الأرثوذكسي والمقصود من المدرسة.
  • البند الثاني والعشرون: في غاية كانون الثاني من كل عام يصير عمل قدَّاس، ويقدَّس رئيس مجلس نظارة المدرسة، ويطلب من الله تعالى غبطة المدرسة ونجاحها، ويصير ذكران مؤسسيها علنًا مع كافة مسعفيها ومساعديها.
  • البند الثالث والعشرون: كل من شاء فله أن يوقف لجهة هذه المدرسة نقودًا أو ملكًا أيَّما شاء، وله أن يسنَّ قانونًا موافقًا بكيفية استعمال إيهابه إنْ كان ذلك معدًّا لعول تلامذة محتاجين من أبناء المدرسة أو إعانة لإرسال بعضهم إلى بلاد أوروبا، أو للقيام بشفاء حاجات أخرى للمدرسة، فالعطايا أو التقدمات يصير قيدها في سجل المدرسة، وأسماء الموهوبين يصير ذكرانها في القداس السنوي المشار إليه، ولكن لا يجوز لأي من كان من الواهبين — أيَّما كانت عطاياه — أن يستدعي نسخ أو إبرام في تحريف في الأصول المدوَّنة في هذا القانون، فإنه لا يمكن أحدًا من ذلك مطلقًا، وعلى الله الاعتماد وحسن الختام. قد جرى ذلك وَحُرِّرَ بالمدرسة العبيدية في مدينة مصر المحمية، في عشرة برحوا من شهر آذار سنة ١٨٦١ ألف وثمانمائة واحد وستون مسيحية. ا.ﻫ.
«صورة جواب القونصلاتو الجنرالية الروسية بمصر بقبول وضع المدرسة تحت حمايتها»:
قنصلاتو جنرال روسيا بمصر، تحريرًا من القاهرة ك٢ سنة ١٨٦٣ نمرة ٥.

إلى السيد روفائيل عُبَيد:

أيها السيد، لقد طلبتم في عريضتكم المؤرخة ك٢ سنة ١٨٦١ بأن المدرسة الخصوصية التي شيَّدتموها من عهد قريب باتحادكم مع أخيكم حنانيا في حارة الجوَّانية في القاهرة، يصير وضعها تحت حماية دولة روسيا فيما يتعلق بمصالحها المادية، فتقدم منا الإعراض عن عريضتكم المذكورة إلى السفارة العاهلية في القسطنطينية، وورد لنا منها الجواب آمرًا إيانا بإجابة طلبكم هذا، ومنطوي منطوقه على الثناء عليكم، والتشجيع لكم عن فعل بهذا المقدار مستوجب له الحمد والمديح، إنما بشرط أنَّ هذه القونصلاتو جنرال لا يصادف مخالفات وصعوبات محلية، فقد بادرنا بإفهامكم مضمون الجواب المرضي المحكي عنه الصادر من السفارة العاهلية ولي الحظ الجزيل بأن أؤكد لكم بأن هذه القونصلاتو جنرال دوامًا يبتغي من قلبه نجاح عمل المقدار مرضي لله، وبأنه مستعد بحسب ما يتعلق به أن يخدم مقدرته لنحو منفعة المصالح المادية المتعلقة بالمدرسة التي شيَّدتموها ووضعتموها تحت الحماية المسكوبية، اقبلوا منا — يا أيها السيد — التأكيد منا على الاعتبار السامي الذي حضرتكم حائزين عليه عندنا. ا.ﻫ.

وقد مات حنانيا قبل ورود كتاب القنصلية الروسية هذا، ومات روفائيل سنة ١٨٦٦ فجأة، ولم يكن قد أتم الإجراءات الرسمية لوقف ما نوى وقفه للمدرسة، قيل وُجِدَت صورة الوقفية بخط يده بلا توقيع ولا تاريخ تحت وسادته، وكانت الشقيقة قد ماتت، ولم يبقَ لآل عبيد وريث إلَّا كاترينا بنت إلياس زوجة أنضوني عبيد المتقدم ذكرها، فقامت تطالب بالتركة كلها، فانبرى لها مجلس إدارة المدرسة يثبت حق المدرسة، وكان بعض أعضاء المجلس متغيبًا عن مصر، فطلب الرئيس من «وطنينا الكبير حبيب لطف الله باشا» أن يكون عضوًا في المجلس، وكان روفائيل عبيد عند تأسيس المجلس قد سأله أن يكون عضوًا فيه، فاعتذر لكثرة أشغاله، أمَّا الآن فحبًّا بالمحافظة على المدرسة قَبِل العضوية، وبقيَ في مجلس الإدارة ٢٤ سنة متوالية، وكان له الفضل الأكبر في حفظ المدرسة وتأسيس وقفها الحالي، وعنه أخذت أكثر معلوماتي هذه عن آل عبيد والمدرسة، وهو يثني أطيب الثناء على جرجس عرقجي ابن أخت الإخوان عُبَيد، وأحد أعضاء المجلس الأصليين، ويعزي إليه فضلًا كبيرًا في تأسيس وقف المدرسة، قال: إنَّ جرجس عرقجي هذا كان كاتبًا عند خاله روفائيل عُبَيد، ويعرف دخائل حسابه، فوجد في الدفاتر الخصوصية أنَّ جرجس أحد الإخوة الأربعة وضع قبل وفاته أربعة آلاف جنيه من حصته في بنك أثينا ببلاد اليونان، وأوصى أن تبقى مع فائظها وقفًا للمدرسة، وأنَّ حنانيا قد أوصى ببعض الأسهم من حصته لحساب المدرسة، فصح للمدرسة من هاتين الوصيتين نحو ١٨٠٠٠ جنيه م، سددها مصفو التركة لمجلس إدارة المدرسة ديونًا كانت للتركة، وسدد المديونون أكثرها أطيانًا، زادها المجلس ممَّا توفر من الريع حتى بلغت نحو ٢٠٠٠ فدان، منها ١٦٠٠ فدان من أجود الأطيان، فجعلت كلها وقفًا؛ للإنفاق من ريعها على المدرسة وتلامذتها طبق القانون، وقد علمت من مطران سيناء الحالي أنَّ متوسط دخل المدرسة من أوقافها تسعة آلاف جنيه م في السنة، تُنْفَق كلها أو معظمها على المدرسة.

ويقول بعض العارفين: إنَّ المطران كيرلُّس — مطران سيناء الأسبق — الذي شيدت المدرسة في عهده، كان أول من حبَّذ فكرة المدرسة للإخوان عبيد، وكان له معهم علاقة ودِّ متينة وجوار في الجوَّانية، فضلًا عن كونهم جميعًا من مذهب واحد ومشرب واحد؛ لذلك ولما كان لدير طور سيناء منزلة رفيعة في نفوس أبناء سوريا ومصر بالنظر لقدمه واشتهار رهبانه بالزهد وحب الخير؛ وضع المؤسسان مجلس إدارة المدرسة على الدوام تحت رئاسة مطران سيناء، ثم إنَّ المشهور في مصر وسوريا أنَّ روسيا هي حامية الأرثوذكس في الشرق، وهذا هو السبب في وضع المدرسة تحت حمايتها.

وبقيت المدرسة ومركز دير سيناء في الجوَّانية إلى سنة ١٨٩٠ إذ كانت القاهرة قد امتدت شمالًا وغربًا، وحسنت هناك أبنيتها واتسعت شوارعها، وكانت الجوَّانية لا تزال على حالها من ازدحام المنازل، وضيق الشوارع، وعدم توفر الشرائط الصحية فيها، فنقل المطران السابق مركز الدير إلى مكانه الحالي بالظاهر، وفي سنة ١٩٠٤ نقل المدرسة إلى مكانها الحالي في شارع بولاق قرب الكنيسة الإنكليزية، وجعل البناء الأصلي ملجأ للعجزة والفقراء، وفيه الآن منهم نحو ٣٠ نفسًا من وطنيين وأروام.

وقد زرت البناء الأصلي سنة ١٩١٤، فإذا به بناءٌ فخم متسع ذو طبقتين عاليتين، وأمام كل طبقة رواق بقناطر، ولكن ازدحمت المنازل حوله، وضاقت الشوارع الموصلة إليه، حتى تظن أنك داخل إلى مخبأ لا إلى مدرسة، وله بوَّابة عظيمة فوق عتبتها من الخارج رخامى يونانية ملخصها: «إنَّ الإخوان عبيد لما رأوا شمس العلم قد تحولت من الشرق إلى الغرب؛ شادوا هذا البناء لآلهة العلم سنة ١٦٨٠م؛ لتعيد إلى الشرق نوره ورونقه»، وفي داخل البوابة ثلاث لوحات عربية بخط فارسي: لوحة صغيرة فوق عتبة البوابة هذه قراءتها: «هذي مدرسة تاج المعارف»، ولوحتان كبيرتان عن جانبي المدخل: لوحة عن اليمين ولوحة عن الشمال، أمَّا اللوحة التي عن اليمين، فهذه قراءتها:

شرف المرء بالعلم والأدب

بنو عبيد أقاموا اليوم مدرسةً
تهدي إلى العلم والآداب والرَّشَدِ
منارة في ضواحي مصر مشرقةً
تعيد ما قد مضى من سالف الأمدِ
قامت تشير إلى الطلاب قائلةً
بُشرى لكم باحتضان الأم للولدِ
وفوق باب لدى تاريخه وضعت
أرَّخت يُنقش تذكارًا إلى الأبدِ

لقد فتحت هذه المدرسة المنيفة لإيجاد العلوم النافعة اللطيفة، وهي تاج على مفارق المعارف، ويرتاح إلى ساحتها كل عارف، وكانت منسيًّا على إرادة العبيد للأثر، وقد تممت المحاسن فيها كما أمر، رقمه عبد الغفار بيضاء خاوري سنة ١٨٦١. ا.ﻫ.

وأمَّا اللوحة التي عن الشمال، فهذه قراءتها:

رأس الحكمة مخافة الله

بنو عبيد بنوا للعلم مدرسةً
يجلو ضياها ظلام العصر كالشُّهُبِ
قامت تنادي بأعلى الصوت قائلةً
أن الغنى باكتساب العلم لا الذهبِ
هذي خزانة أسرار بها اجتمعت
نفائس من علوم العجم والعربِ
فقيل مِمن بتاريخ أقام بها
قد فاض في مصر نيل العلم والأدبِ

قد تم هذه المدرسة الباهية على وضع الجميل الزاهية، ببذل جود سعادة عبيد الرفلية الذي في مآثره الخير جنيد الملة، رقمه عبد الغفار بيضاي خاوري سنة ١٨٦١. ا.ﻫ.

وأمَّا بناء المدرسة الجديد، فقد وضع في جبهة وجهته رخامى، كُتِب عليها باليونانية والعربية هكذا: «المدرسة العبيدية»، وهو على سعته وملائمة مركزه غير وافٍ بالغرض؛ لأنه بنى منزلًا للسكن لا للتدريس، وقد أخبرني مطران سيناء الحالي أنَّ مجلس إدارة المدرسة عازم قريبًا على إقامة بناء خاص للمدرسة في موقع صحي في ضواحي القاهرة، والمطران الحالي من أبناء المدرسة العبيدية، ومتربٍّ تربية علمية عالية كما قدمنا فهو يُعنى بالمدرسة عناية خاصة، وقد رقَّى دروسها، وحسَّن في بروجرامها، حتى شمل أهم العلوم الرياضية والطبيعية والجغرافية والتاريخية وغيرها، وزاد على لغاتها المفروضة في قانونها اللغة الإنكليزية واللغة اللاتينية.

وفي المدرسة الآن نحو ٦٥٠ طالبًا، جُلُّهم أو كلهم من اليونان، وفيها ٢٥ أستاذًا، منهم اثنان للغة الإنكليزية، وثلاثة للفرنساوية، وأربعة للعربية، والباقون لليونانية، وناظرها الموسيو قسطندي أمَنْدُس من أدباء جزيرة صاقس، وكاتبها الموسيو جورج تريكوس من نجباء جزيرة القديس أفستراتيوس.

وأمَّا دروس المدرسة، فقسمان: ابتدائي ومدته ست سنوات، وتجهيزي ومدته خمس سنوات، وفيها قسم تجاري، فيمكن الطالب بعد درس سنتين في القسم التجهيزي أن يدخل القسم التجاري، فيقضي فيه ٣ سنين.

وشهادة المدرسة مقبولة في جامعة أثينا، ولكنها غير مقبولة في الحكومة المصرية؛ لأنها غير سائرة على بروجرام نظارة المعارف، ولأن العلوم تلقن فيها باللغة اليونانية، وقد وجهت نظر مطران سيناء الحالي إلى ذلك، فأكد لي أنه بعد إتمام البناء المزمع إقامته للمدرسة في ضواحي القاهرة، سينشئ قسمًا خاصًّا ينطبق في كل الفروع على بروجرام نظارة المعارف المصرية؛ ليكون لأبناء العرب من المدرسة نصيب.

أمَّا أعضاء مجلس إدارة المدرسة الحاليين، ففيهم اثنان من السوريين، وهما الخواجة ميخائيل ميداني وإسكندر بك بشارة، والباقون يونان، ونائب الرئيس المحامي الشهير نقولا أفندي عبيد ابن المرحوم جورج عبيد المار ذكره، ويتصل نسبه إلى مؤسسي المدرسة من جهة الأم، رحم الله المؤسسين الكرام، وأكثر في البلاد من أمثالهم، فإنهم أتوا بهذا الأثر النافع المشكور مثلًا صالحًا تحبذه الأجيال على ممر الأيام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤