الفصل الرابع

في طرق سيناء

(١) طرق سيناء الخارجية

تقدم أنَّ سيناء هي الوصلة البرِّية بين مصر سوريا، أو بين مصر والحجاز، وقد نشأ فيها منذ بدء التاريخ عدة طرق تجارية حربية أو دينية، تخترقها من الشرق إلى الغرب، وهي طرقها الخارجية، وما زال بعضها مطروقًا إلى اليوم، ولها طرق داخلية كثيرة.

وقد سلكتُ أكثر هذه الطرق، واستقصيت من الخبراء عما لم أسلكه منها، ولكني لم آتِ على وصفها بالدقة؛ لأني مهما دققت في الوصف فلا أغني المسافر عن خبير ماهر يصحبه؛ خوف التيه، لا سيَّما وأن هذه الطرق في فلوات واسعة، لا تزال الرياح تسفي الرمال عليها فتمحو آثارها، وليس هناك أعلام أو سكان يُهتدَى بهم إلَّا نادرًا، فلم آتِ من الوصف إلَّا قدر ما يكفي المسافر اللبيب للاستئناس بالطرق والاحتياط لنفسه مما قد يبدو من جهل الخبراء أو خيانتهم.

وقد أثبتُّ معظم المسافات بالساعة، وأعني بها ساعة ركوب على هجين يسير الذميل، وهي بوجه التقريب ٦ كيلومترات أو أربعة أميال إلَّا ربعًا، وأمَّا الساعة بسير القوافل أو الحملة فأغني بها ٤ كيلومترات، أو نحو ميلين ونصف. ولنتقدم الآن إلى ذكر هذه الطرق مبتدئين بالطرق الخارجية.

(١-١) طريق الفرما

تقدم أنَّ طريق الفرما هي أقدم الطرق بين مصر وسوريا، وسترى أنها كانت قديمًا تنشأ من «زالو» في أطراف المديرية الشرقية، وأمَّا الآن فتنشأ من القنطرة، وتتجه شرقًا إلى وادي أم كرش ساعة وعشر دقائق، ثم تذهب شمالًا بشرق فتسند بوادي أم كرش، وتتبع فرع النيل البليوسي الذي جفَّ إلى تل هُرُبَّة ساعة وعشر دقائق، فتل الحير ساعة وعشر دقائق، فتل الفضة ساعة ونصف ساعة، ومن هذا التل ترى آثار الفرما التي تسمت الطريق بها على نحو نصف ساعة منك شمالًا، ثم تنحرف الطريق من تل الفضة شرقًا إلى المحمدية على شاطئ البحر المتوسط ساعة وأربعين دقيقة، ومن هنا تسير الطريق في ذراع مرتفعة من البر بين بحيرة البردويل والبحر المتوسط، فتمر على الفنطاس الكبير ساعة وأربعين دقيقة، فالفنطاس الصغير ثلاث ساعات ونصف ساعة، وهذا الفنطاسان هما بقية باخرة غرقت في البحر، فقذفتها الأمواج إلى برِّ سيناء.

ومن الفنطاس الصغير إلى تل القلس ساعتان، وفي شرقي التل فم بحيرة البردويل القديم، يعبر المسافر عليه بقارب، ومنه إلى بقعة فيها نبت الغرقد تدعى الكُلَيخة ٤ ساعات، فبركة الجمل ساعة ونصف، ففم بحيرة الزرانيق ساعة، وهنا يعبر المسافر في قارب إلى البر الثابت، ويتبع شاطئ البحر المتوسط مارًّا ببئر المساعيد في ضواحي العريش أربع ساعات وثلث، فقبة النبي ياسر في ساحل العريش ساعة.

ومن هنا إمَّا أن ترتفع الطريق عن الشاطئ، فتذهب في أرض جامدة التربة، تحاذيها سلسلة من التلال الرملية على نحو ميلين من الشاطئ فتمر بالخروبة، فالمكسر، فحلة الشيخ زويد إلى رفح، أو تستمر بشاطئ البحر إلى ميناء رفح، فتمر ببئر الخروبة في ساحل الخروبة على نحو ٣ ساعات من قبة النبي ياسر، فبئر المصيدة في ساحل المكسر نصف ساعة، فبئر الزعقة ساعة ونصف، فبئر أبو حنظلة في ساحل الشيخ زويد نصف ساعة، وهي أعظم مورد للسواركة، فبئر عسلوج ثلاثة أرباع الساعة، فبئر أم لوف ثلث ساعة، فبئر أبو شنار ربع ساعة، وهي مورد البدو الملالحة القاطنين في العجرة، وعندها تل عليه خرائب قديمة، فالعمود الأول للحد الجديد في ساحل رفح ساعة نصف، وطول هذه الطريق من القنطرة إلى رفح نحو ٣٤ ساعة.

وفي الجدول الآتي أمكنة الطريق، وتجاه كل مكان المسافة التي بينه وبين المكان الذي قبله، نكرر ذكرها على هذه الصورة ليسهل تناولها:

مسافات طريق الفرما بشاطئ البحر.
دق ساعة
٣٤ المجموع
من القنطرة إلى:
١٠ ١ أم كرش
١٠ ١ تل هربة
١٠ ١ تل الحير
٣٠ ١ تل الفضة
٤٠ ١ المحمدية
٤٠ ١ الفنطاس الكبير
٣٠ ٣ الفنطاس الصغير
٢ تل القلس. فم البردويل
٤ الكليخة
٣٠ ١ بركة الجمل
١ فم الزرانيق
من فم الزرانيق إلى:
٢٠ ٤ بئر المساعيد
١ بئر النبي ياسر
٣ بئر الخروبة
٣٠ ٠ بئر المصيدة
٣٠ ١ بئر الزعقة
٣٠ ٠ بئر الحنظلة
٤٥ ٠ بئر عسلوج
٢٠ ٠ بئر أم لوف
١٥ ٠ بئر أبو شنار
٣٠ ١ ميناء رفح

وقد سرت في هذه الطريق من أولها إلى آخرها، فإذا هي مكتظة بآثار القلاع والبروج والمدن الفاخرة، وأكثرها من عهد اليونان البيزنتيين مما دلَّ على أنها كانت مأهولة في القديم، وأن أهلها كانوا على جانب عظيم من التمدن والعمران كما مرَّ.

(أ) تاريخ طريق الفرما

وقد ذكر هذه الطريق العلَّامة مسبرو مدير متحف الآثار المصرية في كتابه النفيس المسمَّى «جهاد الأمم»، فقال ما ترجمته:

لآسيا من مصر عدة طرق، لكل منها مزية تميِّزها على الأخرى، وأقربها الطريق التي كانت تمرُّ بمدينة «زالو»، وكان يحمي برزخ السويس قديمًا حصون تمتد من خليج السويس إلى الفرع البليوسي، وزاد تلك الحصون مناعة ترعة، قام على ضفتها قلعة يحرسها الجند لحماية الحدود، ولم يكن يُسْمَح لأحد بالسفر شرقًا أو غربًا إلَّا إذا أعلن اسمه ومهنته والسبب الذي دعاه إلى السفر والرسائل التي في عهدته.

وكان الفراعنة يخرجون بحملاتهم إلى سوريا من زالو، ويرجعون إليها، فيستقبلهم فيها وجوه البلاد وأعيانها للاحتفاء بهم.

وكان المسافر إذا خرج من زالو قاصدًا سوريا، يخترق أرضًا يغمرها النيل ستة أشهر، ثم ينحرف شرقًا، ويسير فيما بين البحر المتوسط وبحيرة سربونيوس «بحيرة البردويل»، وقد كان السفر في هذه القطعة من الطريق محفوفًا بالأخطار؛ لأن بحيرة سربونيوس لا تبقى على حال واحدة، فكانت إذا سدت الأفواه التي تربطها بالبحر المتوسط تبخَّر ماؤها الرقراق، وبقي في الطريق عدة بُرَك موحلة تسفي الرياح الرمال عليها، فتغطيها وتحجب وُحولها عن نظر المسافرين فيغوصون فيها، وقد نقل مؤرخو اليونان أنَّ جيوشًا عظيمة غرقت برمتها في تلك الوحول المخبوءة.

وعند منتصف البحيرة على شاطئ البحر تل كاسيوس «القلس» الشهير، فمن وراء هذا التل يتسع السهل الفاصل بين بحيرة البردويل والبحر المتوسط، حتى يصبح سهلًا فسيحًا، ينبت فيه العشب، وقد حُفرت فيه آبار، ماؤها غزير مسوس، ومن وراء ذلك السهل غابة من النخيل وسجن أسود وثلة من المنازل الحقيرة يحدها وادٍ عظيم جافٌّ في غالب الأحيان «وهي مدينة العريش ونخيلها وواديها».

وقد كان هذا الوادي في بعض العصور القديمة الحد بين أفريقيا وآسيا، وكانت المدينة منفى للمجرمين المحكوم عليهم ببتر أعضائهم، وقد أكد لنا مؤرخو اليونان أن قد سميت «رينوكلورا»؛ لكثرة من نُفي إليها من المجرمين المجدوعة أنوفهم.

ومن هذه المدينة يتجه شاطئ البحر المتوسط إلى الشمال الشرقي، ويحاذيه على الشاطئ كثبان مرتفعة من الرمال، تحجب نظر المسافر في الطريق عن البحر، فلا يرى البحر إلَّا من بعض المواضع، وكانت القوافل تتخذ طريقها من وراء هذه الرمال، وكان في الطريق آبار تحميها الأبراج حتى تصل قرية رفح الحصينة في حدود سوريا ا.ﻫ.

وذكر اليعقوبي هذه الطريق قال: «ومن خرج من فلسطين مغربًا يريد مصر خرج من الرملة، ثم إلى غزة، ثم إلى رفح، وهي آخر أعمال الشام، ثم إلى موضع يقال له «الشجرتين»، وهي أول حد مصر، ثم إلى العريش، وهي أول مسالح مصر وأعمالها، ويسكن العريش قوم من جذام وغيرهم، وهي قرية على ساحل البحر، ومن العريش إلى قرية يقال لها البقارة، ومنها إلى قرية يقال لها الورَّادة في جبال من رمل، ومنها إلى الفرما، وهي أول مدن مصر، وبها أخلاط من الناس، بينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال.» ا.ﻫ.

وقال الهمذاني: «ومن بغداد إلى مصر خمسمائة وسبعون فرسخًا.» ا.ﻫ.

(١-٢) طريق العريش

طريق العريش هي أروج الطرق الآن إلى سوريا من مصر، وكانت قبل فتح ترعة السويس تنشأ من الصالحية على ١٩ ميلًا غربي القنطرة، وأمَّا الآن فتبدأ من القنطرة، وتذهب شرقًا بانحراف تدريجي نحو البحر المتوسط، فتحادُّ بحيرة البردويل من الجنوب حتى تكون على نحو ٢٤ ميلًا من شاطئ البحر، ثم تقرب من الشاطئ تدريجًا حتى تكون على نحو ميلين منه عند مدينة العريش، وتستمر كذلك إلى رفح.

تمر الطريق من القنطرة بأم كرش ساعة وربعًا كما قدمنا، فتلِّ حبوة ثلث ساعة، فبئر الدويدار ساعة وثلثًا، وهي بئر قديمة يميل ماؤها إلى الملوحة، وعندها ثلة من النخيل، وإلى جنوبها على نحو ربع ساعة من الطريق الحالية بئر القوقة، وهي أقدم من الدويدار، وعندها بستان نخيل، وكانت الطريق تمر عليها، ثم تحولت عنها إلى بئر الدويدار، ومن هذه البئر تخترق الطريق رمل الغرابيات، وهي سلسلة كثبان من الرمال، إلى سبخة قَطْيَة أربع ساعات، وفي وسطها بئر تدعى بئر النصف عندها نخيل كثير، تسير في سبخة قَطْيَة ثلث ساعة، فتأتي بئر قَطْيَة الشهيرة.

ومنها تتفرع طريق إلى الإسماعيلية طولها نحو عشر ساعات، تمرُّ ببئر أبو خُرَير فبئر عراس، فبئر أبو عروق، فالإسماعيلية، وعند كل بئر بستان من النخيل.

وتسير طريق العريش من بئر قَطْيَة إلى بئر الحسُون نصف ساعة، وعندها نخيل.

ومن هنا تتفرع طريق إلى المحمدية على شاطئ البحر المتوسط، طولها نحو أربع ساعات، تذهب شمالًا بغرب فتمر بنخل الغابة، فنخل أبو حمرا، فشرق الرُّماني وهو تل أثري بجانبه نخيل، فالمحمدية.

هذا، وبعد فتح ترعة السويس، وقيام مدينة بورسعيد؛ فتحت طريق إليها من المحمدية بشاطئ البحر ٦ ساعات، تمر بقلعة الطينة، فقلعة البلاح المتقدم ذكرهما.

وتسير طريق العريش من بئر الحسون إلى بَرَصة مَعن، وهي كثيب من الرمل الأبيض في ساعة ونصف، فبئر أبو العُفَين ساعة وثلثًا، فبئر العبد ساعة، وهي مبنية بالحجر المنحوت والأسمنت، قيل بناها إبراهيم باشا في أثناء حملته على سوريا، ثم رُممت في عهد سمو الخديوي الحالي وماؤها مسوس، فثميلة مبروكة ساعة وربعًا، فخشوم الأدراب ساعة، سُمِّيت كذلك؛ لأن منها تتفرع ثلاث دروب إلى العريش، وهي:
  • الدرب السلطانية: عن اليمين.
  • ودرب الطوايات: عن اليسار.
  • والدرب الوسطانية: في الوسط.

أمَّا «الدرب السلطانية» فهي أقدم الطرق وأصلحها، ولكنها أطولها، وهي الدرب التي يرافقها خط التلغراف إلى سوريا، وتحادُّ أقصى بحيرة البردويل من جهة الجنوب، وتمر بمضحى الجنادل، فرجم البرَيج وهو برج قديم خَرِب في سفح تلة، تُرى من الدروب الثلاث، فسبخة المستبق، فبئر المزار، وهي بئر شهيرة على خمس ساعات من الخشوم، وسبع ساعات من مدينة العريش، وعندها قبر يزار للشيخ أبو جلبانة من عرب الجرارات السواركة، وبه سُميت البئر بالمزار، فغريف الجمال، فخربة العشوش، وهي خرائب قرية البردويل المار ذكرها، فثميلة ناصر، فمدينة العريش.

وأمَّا «درب الطوايات» فقد كانت أسهل الطرق وأخصرها إلى العريش، ولكن غمرتها بحيرة البردويل منذ سنة ١٩٠٠ بعد أن جُعلت مصيدًا للأسماك. يمرُّ المسافر فيها من خشوم الأدراب في أرض منبسطة على بَرصة النزَّال، فتجاه دبة البرَيج، فقناية سبخة حوَّاش، فبرقة عايشة، فبئر الخوينات وهي بئر أثرية، فالخوينات المار ذكرها، فقبر الساعي، فتل أبو مزروع، حيث تلتقي بالدرب الوسطانية الآتي بيانها، ومسافة هذه الطريق من الخشوم إلى تل أبو مزروع نحو ست ساعات.

وأمَّا «الدرب الوسطانية» فهي الدرب التي تخترق الملاحات، وكان يقصدها قديمًا من يريد أخذ الملح في طريقه إلى العريش، وهي الآن طريق البريد وطريق أكثر المسافرين، قيل فتحها الحاج عثمان البدرين من أهل العريش الفواخرية سنة ١٩٠٤.

تسير في هذه الطريق من الخشوم في سبخة ساعة ونصف إلى رجم عمُّورية تجاه رجم البُرَيج المار ذكره، بينهما نصف ساعة، والظاهر أنَّ عمورية والبُرَيج خرائب بلدتين قديمتين، بدليل المثل المشهور عند البدو «أهل البريج بيرزعوا (أي يرقصون رقص الرزعة) والعرس في عمورية»، يضرب لمن يضع الشيء في غير محله.

ثم تسير في رمال إلى سبخة أبو تلول ساعة ونصفًا، وتسير في هذه السبخة ساعة ونصفًا إلى سبخة المخيزن تجاه بئر المزار في الدرب السلطانية، ثم تسير في رمال نحو ساعة إلى سبخة سبيكة التي يتجمد الملح فيها حتى تصبح كسبيكة الفضة، ومن ذلك اسمها.

تسير في هذه السبخة نحو ساعة ونصف، فتلتقي درب الطوايات عند تل أبو مزروع.

تسير من تل أبي مزروع ثلاثة أرباع الساعة، فتصل رجم البردويل المار ذكره، ثم تسير منه في سهل فيَّاح جامد التربة ساعتين، فتأتي بئر المساعيد، فساعة أخرى تأتي مدينة العريش حيث تتحد الدروب الثلاث.

ومن العريش إلى الخروبة ساعتان ونصف، فالمكسر نصف ساعة، فسبخة الشيخ زويد ساعة وثلث، فقرية الشيخ زويد ثلث ساعة، فرفح ساعتان.

مسافات طريق العريش، الدرب الوسطانية.
دق ساعة
من القنطرة إلى:
١٠ ١ وادي أم كرش
٢٠ ٠ تل حبوة
٢٠ ١ بئر الدويدار
٢ بئر النصف
٢ سبخة قَطْيَة
٢٠ ٠ قَطْيَة
من بئر قَطْيَة إلى:
٣٠ ٠ بئر الحسون
٣٠ ١ برصة معن
٢٠ ١ بئر العفين
١ بئر العبد
١٥ ١ ثميلة مبروكة
٥ ١ الخشوم «مفرق الطرق»
٥٠ ١٣ من القنطرة إلى الخشوم
من الخشوم إلى:
٣٠ ١ رجم عمورية
٣٠ ١ سبخة أبو تلول
٣٠ ١ سبخة المخيزن
١ سبخة سبيكة
٣٠ ١ تل أبو مزروع
٤٥ ٠ رجم البردويل
٢ بئر المساعيد
١ مدينة العريش
٣٥ ٢٤ من القنطرة إلى العريش
٣٠ ٢ الخروبة
٣٠ ٠ المكسر
٤٠ ١ الشيخ زويد
٢ رفح
١٥ ٢٩ من القنطرة إلى رفح

(أ) تاريخ طريق العريش

وهذه الطريق لم تكن تعرف قبل أواخر القرن الثاني عشر للمسيح، قال المقريزي عند ذكر «ما كان عليه موضع القاهرة»: «ولم يكن الدرب الذي يسلك في وقتنا من القاهرة إلى العريش في الرمل يعرف في القديم، وإنما عرف بعد خراب تنيس والفرما وإزاحة الفرنج عن بلاد الساحل بعد تملكهم له مدة من السنين» ا.ﻫ. (وكان خراب الفرما حوالي سنة ١١٦٥م.)

وجاء في المقريزي عند «ذكر الطريق فيما بين مدينة مصر ودمشق»:

اعلم أنَّ البريد أول من رتب دوابه الملك دارا، أحد ملوك الفرس. وأمَّا في الإسلام فأول من أقام البريد أمير المؤمنين المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور، أقامه فيما بين مكة والمدينة واليمن، وجعله بغالًا وإبلًا، وذلك في سنة ستة وستين ومائة (٧٨٣م)، أصل هذه الكلمة بريد ذنب، فإن دارا أقام في سكك البريد دواب محذوفة الأذناب سميت بريد ذنب، ثم عربت وحذف منها نصفها الأخير، فقيل بريد، وهذا الدرب — الذي يسلكه العساكر والتجار وغيرهم من القاهرة على الرمل إلى مدينة غزة — ليس هو الدرب الذي يُسْلَك في القديم من مصر إلى الشام، ولم يحدث هذا الدرب الذي يسلك فيه من الرمل الآن إلَّا بعد الخمسمائة من سني الهجرة/١١٠٧م عندما انقرضت الدولة الفاطمية، وكان الدرب أولًا قبل استيلاء الفرنج على سواحل البلاد الشامية غير هذا، قال أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة في كتاب المسالك والممالك وصفة الأرض والطريق من دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلًا، ثم إلى جاسم أربعة وعشرون ميلًا، ثم إلى فيق أربعة وعشرون ميلًا، ثم إلى طبرية مدينة الأردن ستة أميال، ومن طبرية إلى اللجون عشرون ميلًا، ثم إلى القلنسوة عشرون ميلًا، ثم إلى الرملة مدينة فلسطين أربعة وعشرون ميلًا، والطريق من الرملة إلى أزدود اثنا عشر ميلًا، ثم إلى غزة عشرون ميلًا، ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلًا في رمل، ثم إلى الورَّادة ثمانية عشر ميلًا، ثم إلى أم العرب عشرون ميلًا، ثم إلى الفرما أربعة وعشرون ميلًا، ثم إلى جرير ثلاثون ميلًا، ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلًا، ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلًا، ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلًا، ثم إلى الفسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلًا، فهذا — كما ترى — إنما كان الدرب المسلوك من مصر إلى دمشق على غير ما هو الآن، فيسلك من بلبيس إلى الفرما في البلاد التي تعرف اليوم ببلاد السباخ من الحوف، ويسلك من الفرما، وهي بالقرب من قَطْيَة إلى أم العرب، وهي بلاد خراب على البحر فيما بين قَطْيَة والورادة، ويقصدها قوم من الناس، ويحفرون في كيمانها، فيجدون دراهم من فضة خالصة ثقيلة الوزن كبيرة المقدار، ويسلك من أم العرب إلى الورادة، وكانت بلدة في غير موضعها الآن قد ذكرت في هذا الكتاب، فلما خرج الفرنج من بحر القسطنطينية في سنة تسعين وأربعمائة لأخذ البلاد من أيدي المسلمين، وأخذ بغدوين الشوبك، وعمَّره في سنة تسع وخمسمائة، وكان قد خرب من تقادم السنين، وأغار على العريش وهو يومئذٍ عامر، بطل السفر حينئذ من مصر إلى الشام، وصار يسلك على طريق البر مع العرب مخافة الفرنج إلى أن استنقذ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بيت المقدس من أيدي الفرنج في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وأكثر من الإيقاع بالفرنج، وافتتح منهم عدة بلاد بالساحل، وصار يُسلَك هذا الدرب على الرمل، فسلكه المسافرون من حينئذٍ إلى أن وُلي ملك مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، فأنشأ بأرض السباخ على طرف الرمل بلدة عرفت إلى اليوم بالصالحية، وذلك في سنة أربع وأربعين وستمائة، وصار ينزل بها ويقيم فيها، ونزل بها من بعده الملوك، فلما ملك مصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري رتب البريد في سائر الطرقات، حتى صار الخبر يصل من قلعة الجبل إلى دمشق في أربعة أيام، ويعود في مثلها، فصارت أخبار الممالك ترد إليه في كل جمعة مرتين، ويتحكم في سائر ممالكه بالعزل والولاية، وهو مقيم بالقلعة، وأنفق في ذلك مالًا عظيمًا حتى تم ترتيبه، وكان ذلك في سنة تسع وخمسين وستمائة، وما زال أمر البريد مستمرًّا فيما بين القاهرة ودمشق، يوجد بكل مركز من مراكزه عدة من الخيول المعدة للركوب، وتعرف بخيل البريد، وعندها عدة سوَّاس، وللخيل رجال يعرفون بالسوَّاقين، وأحدهم سواق يركب مع من رسم بركوبه خيل البريد ليسوق له فرسه ويخدمه مدة مسيره، ولا يركب أحد خيل البريد إلَّا بمرسوم سلطاني، فتارة يمنع الناس من ركوبه إلَّا من انتدبه السلطان لمهماته، وتارة يركبه من يريد السفر من الأعيان بمرسوم سلطاني، وكانت طرق الشام عامرة، يوجد بها عند كل بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغيره، ولكثرة ما كان فيه من الأمن أدركنا المرأة تسافر من القاهرة إلى الشام بمفردها راكبة أو ماشية لا تحمل زادًا ولا ماءً، فلما أخذ تيمورلنك دمشق وسبى أهلها وحرقها في سنة ثلاث وثمانمائة خربت مراكز البريد، واشتغل أهل الدولة بما نزل بالبلاد من المحن، وما دهوا به من كثرة الفتن عن إقامة البريد، فاختل بانقطاعه طريق الشام خللًا فاحشًا، والأمر على ذلك إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان عشرة وثمانمائة ﻫ/١٤١٥م.

وذكر أبو الفداء طريق العريش في تاريخه في عدة مواضع، قال في أخبار سنة ٦٩٢ﻫ:

وفي هذه السنة في جمادى الأولى/أبريل ١٢٩٣م أرسل السلطان الملك الأشرف أحضر الملك المظفَّر محمود صاحب حماة، وعمه الملك الأفضل على البريد، إلى الديار المصرية، فتوجها من حماة، وعندهما الخوف بسبب طلبهما على البريد، ووصلا إلى قلعة الجبل في اليوم الثامن من خروجهما من حماة. ا.ﻫ.

وجاء في أخبار سنة ٧١٨ﻫ/١٣١٨م:

وفي هذه السنة توجهت من حماة إلى الديار المصرية، وخرجت الخيل قدامي من حماة في نهار السبت منتصف جمادى الأولى، الموافق لنصف تموز، وتأخرت أنا بحماة، ثم خرجت من حماة، وركبت خيل البريد في نهار الإثنين الرابع والعشرين من جمادى الأولى، والرابع والعشرين من تموز، ولحقت خيلي وثقلي بغزة نهار الأحد غرة جمادى الآخرة، وهو اليوم الثلاثون من تموز، وسرت بهم جميعًا، ووصلت إلى قلعة الجبل، وحضرت بين يدي مولانا السلطان الملك الناصر — خلَّد الله ملكه بها — في نهار الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة، الموافق لعاشر آب الرومي، وشملتني صدقاته بالتنزيل في الكبش، وترتيب الرواتب الكثيرة بعد ما كان رتب لي في جميع المنازل من حماة إلى الديار المصرية الرواتب الزائدة عن كفايتي، وكفاية كل من هو في صحبتي من الأغنام والخبز والسكر وحوايج الطعام والشعير، وأمرني بالعود إلى بلدي، فخرجت من بين يديه من الميدان في نهار السبت ثاني عشر رجب من هذه السنة، الموافق لثامن أيلول، ووصلت حماة نهار الخميس مستهل شعبان، الموافق للثامن والعشرين من أيلول، واستقريت فيها. ا.ﻫ.

وقال في أخبار سنة ٧١٩ﻫ/١٣١٩م:

وفي هذه السنة حج السلطان من الديار المصرية، ولما قرب أوان الحج أرسل جمال الدين بن عبد الله البريدي، ورسم إلى أن أحضر إلى الأبواب الشريفة، فركبت خير البريد، وأخذت في صحبتي أربعة من مماليكي، وخرجت من حماة يوم الجمعة سادس عشر شوال، الموافق لسلخ تشرين الثاني، وسرت حتى وصلت إلى مصر، وحضرت بين يدي السلطان بقلعة الجبل نهار السبت، الرابع والعشرين من شوال، الموافق لثامن كانون الأول، ونزلت بالقاهرة بدار القاضي كريم الدين، وأقمت حتى خرجت صحبة الركب السلطاني. ا.ﻫ.

وفي رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة ١١٤٣ﻫ/١٧٣٠م بعض بيان للطريق من العريش إلى المحروسة، لا بأس بسوقه هنا، قال:

لما دخلنا العريش نزلنا في مكان عند باب القلعة، وصلَّينا في الجامع داخل السور، ثم زرنا قبر الشيخ الدمياطي في جامع آخر، وهناك في تلك البلاد مكان مبارك يقال له اليزَك، ويقال: إنه متصل بالغار الذي في بلاد الخليل — عليه السلام — وسرنا من العريش إلى أن وصلنا «بئر المساعيد»، وهناك سبيل معمر بجدران الحجر، فاستقينا منه، وملأنا الركاوي، ثم سرنا إلى «قبر الساعي» وهو قبر مشهور هناك، ثم سرنا إلى محل «البرَقات»، وهي منزلة من منازل القافلة، فنزلنا هناك وصلينا الظهر، ثم سرنا بلا شر ولا حر، ونزلنا في الغروب بمكان في البرية، فأكلنا وأطعمنا الخيل، ثم سرنا في ذلك الطريق الكثير الرمل حتى مررنا على «أم الحسن»، وهو مكان فيه خان متهدم البنيان من قديم الزمان، ثم سرنا إلى مكان يسمى «رءوس الأدراب»، وفي نصف الليل وصلنا إلى «بئر العبد»، وهي منزلة من منازل القافلة، قال السيد محمد كبريت في رحلته:

ثم أتينا بعد بئر العبد
في سفح وادٍ ما له من وفد
وماؤه مر زعاق مالح
ولم يكن فيه هواء صالح

ثم سرنا إلى طلوع الشمس، فنزلنا بالفلاة واسترحنا حصة يسيرة، وسرنا حتى وصلنا إلى منزلة «قَطْيَة»، ثم سرنا ومررنا على الرمل الكثير العسير المسمى «برمل الغرابي»، ثم جئنا إلى بئر الدويدار، وهو كبير والآن غلب عليه الرمل فردمه، لكن حوله حفر صغار فيها ماء يغلب عليه الملوحة، قال السيد محمد كبريت في رحلته:

ثم إلى بئر الدويدار الردي
جئنا وما أقبحه من مورد

ونزلنا هناك حصة من الزمن نحن ومن معنا، وأكلنا ما تيسر من الزاد، ثم ركبنا وسرنا على بركة الله ولم نزل سائرين إلى أن مررنا على المكان المسمى «باللواوين»، فقطعنا اللواوين، ثم بتنا هناك في البرية، ثم ركبنا في نصف الليل، فأشرفنا في الصباح على قرية الصالحية، ولم نزل سائرين إلى أن نزلنا في مزار الولي الصالح الشيخ حسن الليفي الصامت العجمي، فقرية الخطَّارة، فالقُرين، فكفر حماد، فبلبيس، فمصر. ا.ﻫ.

وأهمل أمر البريد في زمن المماليك، ثم عاد إلى انتظامه في أيام المغفور له محمد علي باشا عند فتحه سوريا، فوضع خفراء على أهم الآبار، وهي: بئر قَطْيَة، وبئر العبد، وبئر المزار، وبئر المساعيد، وبئر النبي ياسر، وبئر عطوان في العريش، وبئر الشيخ زويد، وما زال إلى الآن بريد أسبوعي يسير على الهجن من رفح إلى العريش، ثم من العريش إلى القنطرة بالدرب الوسطانية، والخفراء تخفر هذه الآبار إلى اليوم.

•••

وكان طريق الفرما ثم طريق العريش بعدها طريق تجارية حربية، وقد طالما سارت بهما الجيوش الحربية والقوافل التجارية بين النيل والأردن، أو بين النيل والفرات، ولكنهما فقدتا أهميتهما التجارية بعد اتساع الملاحة في البحر المتوسط وفتح ترعة السويس، ومع ذلك، فما زال تجار الإبل والخيل والبغال والغنم من سوريا يطرقونهما إلى اليوم، وهم يفضلون طريق العريش صيفًا وشتاءً لاختصارها وقلة رمالها، ولكنهم يتخذون أحيانًا طريق الفرما للطف هوائها والتخلص من ذبابة سامة تنتاب طريق العريش بين بئر العبد وقَطْيَة في أيام معينة في فصلي الربيع والصيف كما مرَّ.

(١-٣) الدرب المصري

أمَّا «الدرب المصري» فهي طريق تجارية محضة، تربط مصر بسوريا عن طريق المقضبة، وقد بطلت بفتح ترعة السويس، وهي تنشأ من غزة أو خان يونس، وتذهب جنوبًا بغرب مارَّة بنقع شبانة، فصنع المنيعي، فحجر السواركة، فالجورة تحدها من الغرب والعجرة من الشرق، فالبرث فعجار السمن تحدانها من الجنوب، فالبواطي، فمقطع وادي الأبيض، فالمقضبة في وادي العريش.

ومن هنا طريق تذهب غربًا إلى الإسماعيلية، وطريق تذهب غربًا بجنوب إلى السويس، فتمرُّ بالغرقدة، وهي مرتع للإبل لا ماء فيه، فسرُّ الحسنة، فعد الحمَّة، فمشاش روض سالم، فباحة أم ضيان وهو من أولياء التياها، فعدُّ الجدي، فقوز طويل الذيب في وادي الطوال، فوادي الحاج، فالنواطير، فالسويس.

ومسافة هذه الطريق من خان يونس إلى السويس ستة أيام بسير القوافل: فيوم إلى صنع المنيعي، ويوم إلى المقضبة، ويوم إلى عدِّ الحمَّة، ويوم إلى باحة أم ضيَّان، ويوم إلى وادي الطوال، ويوم إلى السويس.

وكانت هذه الطريق قبل فتح ترعة السويس تعج بالقوافل، وكان تجار بلاد الشام يأتون بالصابون والزبيب والتين واللوز والبندق وقمر الدين والبضائع الحريرية، ويعودون من مصر بالأنسجة القطنية من صنع الفيوم.

وكانت الحكومة المصرية تخفر هذه الطريق بمشايخ البلاد، قيل وكان خفير المقضبة في أيام المغفور له إبراهيم باشا الشيخ سليمان الباسلي أبو عودة الباسلي، شيخ الترابين الشبيتات الحالي، وكان التجار يدفعون جعلًا معلومًا للخفراء.

(١-٤) درب الحج المصري

الحج في الإسلام زيارة البيت الحرام مفروضًا مرة في العمر والزيادة تطوُّع، ويشترط لفرضه الحرية والبلوغ والعقل والصحة والقدرة على الزاد والراحلة، ونفقة ذهابه وإيابه وعياله إلى حين عوده مع أمن الطريق، وأشهره شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، ويكره الإحرام له قبلها. وقد اعتاد الحجاج بعد زيارة الكعبة في مكة أن يزوروا قبر النبي في المدينة تبركًا لا لأداء فرض.

ويذهب المسلمون إلى الحج أفرادًا وجماهير، أمَّا جماهير الركبان فلا تخرج إلَّا من أربع جهات: مصر، ودمشق، وبغداد، وتعز، وأمَّا الحج المصري فيجمع أهل المغرب والسودان ومصر في مدينة القاهرة عاصمة مصر.

وأول طريق اتخذها الحج المصري إلى مكة المشرفة هي طريق عيذاب، وكان يركب الحجاج النيل من ساحل الفسطاط إلى قوص بمصر العليا، ثم يركبون الإبل من قوص فيقطعون صحراء عيذاب إلى البحر الأحمر، حيث ينزلون إلى جدة، وهكذا يعودون إلى مصر، وكانت قوافل التجار من اليمن والحبشة والهند تأتي مصر بهذه الطريق أيضًا.

وبقيت طريق الحج على «عيذاب» حتى زار السلطان الملك الظاهر مكة المشرفة، وكساها وعمل لها مفتاحًا، وكان قد استرجع أيلة من الصليبيين سنة ٦٦٥ﻫ/١٢٦٧م، فذهب بطريق السويس وأيلة، فصارت أيلة طريق الحج من ذلك الحين إلى سنة ١٨٨٥م، فاتخذت طريق البحر على السويس وجدة، وما زالت كذلك إلى الآن.

وممن حج قديمًا من الملوك بهذه الدرب الملك الناصر بن قلاوون، قال أبو الفداء في حوادث سنة ٧١٩ﻫ/١٣١٩م عند ذكر هذا الملك: «وسار على درب الحج المصري على السويس وأيلة، وسرت في صدقاته حتى وصلنا رابغ.» ا.ﻫ.

وقد اعتاد ملوك مصر منذ القديم أن يرسلوا مع ركب الحج الكساء للكعبة، ويرسلوا أميرًا ومعه العساكر لحماية الحجاج في الطريق، قال أبو الفدا في حوادث ٧١٨ﻫ/١٣١٨م: «عند توجه الحاج من مصر أرسل السلطان الأمير بدر الدين بن التركماني مع الحجاج إلى مكة بعسكر» ا.ﻫ. قيل وكان أول من نظم المحمل مع الحج المصري، وأرسل الكسوة للكعبة، وحماها بالعساكر شجرة الدر التي حكمت مصر سنة ٦٤٨ﻫ/١٢٥٠م بعد انتهاء الدولة الأيوبية، وما زالت هذه العادة متبعة إلى اليوم.

وقد عني ملوك مصر من القديم بإصلاح طريق الحج هذه وتمهيد عقباتها، وأنشئوا فيها الخانات والقلاع وحصنوها بالعساكر؛ تأمينًا للطريق، وحفروا الآبار وبنوا البرك لسقي الحجاج وركائبهم، وأهم آثارهم على هذه الدرب في برِّ مصر: بركة الحاج غربي القاهرة، وقلعة عجرود غربي السويس، وفي بر سيناء: «النواطير، وقلعة نخل وآبارها وبركها، وبئر القُرَّيص، وبركها، وتمهيد دبة البغلة ونقب العقبة، وقلعة أيلة»، وقد مرَّ ذكرها جميعًا، وفي بر الحجاج على شاطئ البحر الأحمر الشرقي: «قلعة المويلح، فبرج ضبا، فقلعة الوجه، فقلعة ينبع»، وفي داخل بر الحجاز: قلعة رابغ.

وكان خفر المحمل يؤلف من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ عسكري من المدفعية والمشاة، وعليهم ضابط برتبة لواء معه سلطة القتل والسجن، وكانت حكومة مصر ترسل إلى القلاع التي في الطريق نجارين لترميم السواقي وملءِ البرك قبل وصول الركب، وترسل الزاد للعساكر والعلف لركائبهم.

وكان عرب العائذ المار ذكرهم يلتزمون تقديم الإبل للمحمل المصري، فلما تحضروا التزمها سائر عرب الشرقية والقليوبية على التناوب، فسنة يلتزمها عرب القليوبية وهم: الحويطات، وبلي، والصوالحة، وجهينة، والعليقات، والعيايدة، وسنة يلتزمها عرب الشرقية، وهم: النفيعات، والسماعنة، والطميلات، والسعديين، والعقايلة، والمساعيد، والبياضيين، وأولاد علي، والأخارسة، وكان كل فريق يقدم في السنة من ٤٠٠–٥٠٠ جمل، وكانوا يلتزمون حفظ المحمل إلى العقبة، ولكن جمالهم تسير مع المحمل إلى مكة، وقد خصصت الحكومة مرتبات سنوية لمشايخ القبائل القاطنة في هذه الدرب للمحافظة على الأمن.

وكان يقام في كلًّ من نخل والعقبة في زمن الحج سوق تباع فيها الأقمشة والمأكولات والحبوب كالدقيق والعدس والفول والأرز والشعير والبن وقمر الدين.

وكان للحويطات جُعْل يدعى «الفرْش»، وهو رطل من كل ما يباع في سوقي نخل والعقبة، وللتياها رطلان من كل ما يباع من المأكولات وربع كيلةٍ من كل صنف من الغلال في سوق نخل، وكان دليل الحج المصري من الحويطات.

أمَّا درب الحج المصري، فتنشأ من مصر القاهرة، وتخترق صحراء السويس الجرداء إلى أن تقطع ترعة السويس، وتدخل برِّ سيناء شمالي مدينة السويس.

تسير من كوبري السويس في سهل رملي فيَّاح مارًّا بالنواطير الثلاثة إلى أن تدخل وادي الحاج، فتصعد معه إلى مفرق وادي الحاج، حيث تلتقي درب الحج المصري الدرب الآتية من شط السويس ببئر المرة أو ببئر مبعوق كما سيجيء.

ومن هنا يعرف وادي الحاج بوادي الحيطان كما مرَّ، تستمر السير بهذا الوادي إلى رأسه المعروف بشرفة الحاج ساعة ونصفًا من المفرق، ثم تهبط وادي صدر الحيطان، فتنحدر معه إلى سهل التيه العظيم نصف ساعة، فجبيل حسن ساعة، ومن هنا يسير الوادي شمالًا بشرق إلى مصبه بالبروك، وتبقى في اتجاهك نحو الشرق، فتأتي مقطع وادي الأغيدرة بساعة إلَّا ربعًا، فوادي السحيمي بساعة إلَّا عشرة، فوادي النتيلة بساعة وربع، فوادي أبو جذل بساعتين إلَّا عشرة، فالنهدان بنصف ساعة، فمطل نخل الغربية بساعة إلَّا ثلثًا، فمقطع وادي العريش بنصف ساعة، فقلعة نخل بنصف ساعة. ومن نخل تستمر باتجاهك نحو الشرق، فتقطع فروع وادي العريش الشرقية، ودبَّة البغلة، ثم فروع وادي الجرافي إلى نقب العقبة، فالعقبة، فمكة.

وقد سرت في هذه الدرب من العقبة إلى شط السويس، وفارقتُها من مفرق وادي الحاج، وطولها في برِّ سيناء، أي من ترعة السويس إلى العقبة، نحو ١٥٠ ميلًا، كان ركب الحج المصري يقطعها بستة أيام، منها ستون ساعة سفرًا هكذا: من كوبري السويس إلى دبة وادي الحاج ٦ ساعات، فجبيل حسن ١٢ ساعة، فقلعة نخل ١٢ ساعة، فبئر القريص ١٢ ساعة، فمفرق العقبة ١٢ ساعة، فقلعة العقبة ٦ ساعات.

وقد أصبحت هذه الطريق الآن طريق تجار الإبل والأغنام من الحجاز إلى مصر، وما زال بعض الحجاج المغاربة وغيرهم يعودون بها إلى اليوم.

(١-٥) درب الشِّعوي

هذه أخصر الطرق من السويس إلى نقب العقبة، وأقدمها عهدًا، وأخصبها مرعًى، تسير من شط السويس في وادي الراحة إلى رأسه مارةً بأم رجيم، وهي خرائب محلة من حجر، فقلعة مبعوق، فالمَكْون، ثم تنحدر شمال قلعة الباشا المجاورة لعين سدر، وتستمر متجهة نحو الشرق جاعلة جبل المنيدرة، ثم جبل بضيع عن اليمين إلى مقطع وادي العريش قرب بئر أم سعيد، فمقطع وادي أبو طريفية، فالمهجع وهو مرتع للإبل، فمقطع وادي الرواق، فمقطع وادي الفيحي، فمقطع وادي القرَّيص، فبئر الثمد، فالشيخ نبعة، فجبل الشعائر، ومنه تهبط وادي شعيرة أم عرقوب، وتنحدر معه قليلًا، ثم تتركه عن اليسار، وتسير بطريق جنوبية شرقية إلى جزيرة وادي طويبة، فجزيرة فرعون، أو تستمر شرقًا إلى مفرق العقبة.

والظاهر أنَّ هذه الدرب هي التي اتخذها صلاح الدين الأيوبي إلى جزيرة فرعون وأيلة لمحاربة الصليبيين؛ لأن درب الحج لم تكن قد نشأت بعد، ونرى له على درب الشعوي قلعة الباشا قرب عين سدر كما مرَّ، ويرجح أنَّ قلعة جزيرة فرعون وقلعة مبعوق ومحلة أم رجيم هي من آثاره أيضًا، ودرب الشعوي هي الدرب التي اتخذها عرب التيه الجنوبي إلى السويس منذ القديم، وما زالوا يفضلونها على غيرها؛ لأنها تغنيهم عن حمل الماء لأنفسهم والعلف لبهائمهم، وهم يقطعونها في ستة أيام: فيوم إلى المكون برأس وادي الراحة، ويوم إلى صدر بضيع، ويوم إلى المهجع، ويوم إلى وادي الثمد، ويوم إلى شعيرة أم عرقوب، ويوم إلى رأس النقب أو جزيرة فرعون.

(١-٦) درب البتراء

نشأ في سيناء منذ القديم طريقان تجاريتان شهيرتان: «طريق الفرما أو العريش» في شمالها، «وطريق البتراء» في جنوبها، أمَّا طريق الفرما فهي طريق التجار والمسافرين من مصر إلى سوريا فالعراق وغربي الأردن، وقد مرَّ ذكرها تفصيلًا.

وأمَّا طريق البتراء، فهي طريق التجار والمسافرين من مصر إلى العقبة والحجاز، والبتراء وشرقي الأردن، وهي تنشأ من السويس وتتجه جنوبًا بشرق مرتفعة قليلًا عن شاطئ البحر، فتمر بعيون موسى، وتقطع وادي الإحثا، فوادي سدر، فوادي وردان، فوادي عمارة، فوادي غرندل، فوادي وسيط، فوادي آثال، حتى تأتي رأس وادي الشبيكة فتنحدر فيه إلى وادي الحمر، ومن هنا إما أن تصعد بوادي الحمر، وتذهب بطريق الرملة إلى وادي الشيخ، أو تنحدر مع وادي الحمر وتذهب بطريق فيران، فوادي الشيخ إلى قرب الوطية، فتترك وادي الشيخ صاعدًا شرقًا إلى طور سيناء على ١٠ أميال من الوطية، وتبقى في اتجاهها شمالًا بشرق إلى وادي حُدرة، فوادي الغزالة، فوادي العين، فالنويبع، فالعقبة، فالبتراء.

وقد سمينا هذه الطريق «طريق البتراء» لأنها الطريق التي اتخذها النبطيون أسياد البتراء، والأدوميون من قبلهم، في تجارتهم إلى مصر كما تدلُّ الصخرات النبطية الباقية عليها إلى اليوم في أودية حدرة وفيران والمكتَّب والمغارة والنَّصب والحمر وغيرها، وطول هذه الطريق بسير القوافل من السويس إلى البتراء ١٨ يومًا كما سترى، وقد انقطعت التجارة بها بعد خراب البتراء، وتقدم الملاحة في البحار.

(أ) طريق موسى

وهذه الطريق هي التي اتخذها موسى في المشهور عند خروجه ببني إسرائيل من مصر إلى أرض الموعد مارًّا بوادي فيران، وقد عرَّج عنها من وطية وادي الشيخ إلى طور سيناء، فأقام فيه نحو سنة، ثم عاد إليها كما سيجيء في باب التاريخ، وانقسمت طريق موسى هذه إلى طريقين مطروقتين، وهما: طريق السويس إلى دير طور سيناء، وطريق الدير إلى العقبة فالبتراء، وسنأتي على ذكرهما تفصيلًا فيما يلي.

(١-٧) درب النَّبك

هذه الدرب هي درب تجار الإبل والغنم من الحجاز إلى مصر في هذا العهد. حدثني حسن الألجن التاجر الحويطي الذي يتجر بالإبل والغنم مع الحجاز، قال:

نأتي بالإبل والأغنام من الحجاز إلى ميناء الشيخ حُمَيد، ونعبر بها خليج العقبة الصبح في مراكب، فنصل ميناء النبك إذا ساعدت الريح بساعة ونصف، ثم نسير من النبك الضحى شمالًا بغرب نحو ٣ ساعات، فنصل وادي الأرطة، فنسند معه حتى نلتقي وادي البدع فنبيت فيه أوَّل ليلة، ثم نسند مع وادي البدع إلى أن نلتقي وادي رُتامة — فرع من البدع — الظهر، فنقيِّل فيه، نستطرد السير في هذا الوادي قليلًا، فنعرج عن اليمين إلى وادي نقيرات، فنقطعه ونأتي عين الكيد في وادي الكيد، فنبيت ثاني ليلة ثم نصعد في الوادي نحو ساعة، ونعرِّج إلى اليمين، فنسير بين جبلين، ونقطع وادي الأملح (فرع من مدسوس)، ثم نتسلق نقبًا صغيرًا، ونهبط في وادي النصب، فنبيت فيه ثالث ليلة، ثم نبرح وادي النصب، ونسير عن شمالنا فيقابلنا وادي زغرة، فنسند معه نحو ساعتين، ثم نتركه عن شمالنا، ونسير إلى يميننا، فنأتي علو العجرمية، فنبيت فيه رابع ليلة، نسير في العلو حتى نأتي عين الأخضر في رأس وادي الأخضر، فنستقي منها، ونستطرد السير إلى رأس نقب الأشيقر، فنبيت فيه خامس ليلة، ومن نقب الأشيقر نهبط وادي الأشيقر، وننحدر معه إلى أن نأتي وادي السيق، فننحدر معه ساعة، ثم نتركه وندخل الرملة، ونسير فيها إلى الشيخ حُبُوس، فنبيت عنده سادس ليلة، ثم نستطرد السير في الرملة، فنأتي فم وادي النصب «الغربية» الضحى، فنرد الماء ونصدر عنه العصر، فنقطع رملة القُرَى، ونبيت في وادي الحمر سابع ليلة، نستطرد السير في «طريق البتراء» فنبيت في غرندل ثامن ليلة، ثم في بئر عواد تاسع ليلة، ثم في عيون موسى عاشر ليلة، ثم نأتي إلى مجر السويس الضحى عند كوبري السويس، فنقضي فيه يومًا إلى ثلاثة أيام، فيتقاضانا وكيل الحويطات رسم الجمرك والمحجر وهو:

غرش عن كل رأس ماعز، و غرش عن كل رأس ضأن، و٤٣ غرشًا عن كل جمل، ثم نتخذ طريق نابليون إلى بلبيس، فسوق الخانكة قرب المرج، فسوق شبين، فسوق قليوب، فسوق طنان، نبيع الإبل والأغنام، ثم نعود إلى الحجاز بهذه الطريق عينها، فنشتري «سواقة» ثانية وهكذا. ا.ﻫ.

هذا ويذهب من تجار الحويطات من مائة إلى ثلاثمائة تاجر في السنة، يذهبون جماعات تختلف من خمسة إلى عشرين تاجرًا، وكل تاجر يذهب مرة أو مرتين أو ثلاثًا في السنة، وفي كل مرة يحضر معه من مائة إلى خمسمائة رأس غنم، ومن عشرة جمال إلى مائة جمل، وأكثر تجارة الإبل في هذه الطريق من أبريل إلى أغسطس.

(١-٨) درب الطور إلى العقبة

تنشأ هذه الطريق من مدينة الطور، وتذهب شمالًا بشرق مخترقة سهل القاع، حتى تأتي فم وادي حبران، فتصعد فيه إلى رأسه عند نقب حبران، وتهبط وادي صلاف، وتصعد معه إلى عين غربًا، فتنحرف عن اليسار وتقطع «حمادة الشبيحة» إلى وادي الشيخ، فتسند معه إلى قرب الوطية، ومن هناك تتخذ طريق البتراء إلى العقبة، فالبتراء.

كانت هذه الطريق فيما يظهر طريقًا تجارية في عهد مملكة البتراء، إذ نرى إلى الآن صخرات نبطية في فم وادي حبران، وقرية حجرية في نقب حبران — كما مرَّ — ولكنها انقطعت الآن بخراب البتراء وتقدم الملاحة في البحار.

(١-٩) درب غزَّة أو الشامية

هذه طريق تجارية دينية في شرق سيناء، تنشأ من العقبة، وتتخذ درب الحج المصري إلى مفرق نقب العقبة، فتفارق درب الحج وتتجه شمالًا، فتسير في سهل فيَّاح إلى جبال الحمرة، فتخترقها في طريق متعرجة إلى وادي الخميلة، فتنحدر معه جاعلة جبال الصفراء عن اليمين إلى مصب وادي المحابيس الآتي من الشرق، فتتركه وتسير في مرتفع إلى رأس وادي الأغيدرة، فتنحدر معه مارَّة بجبل سويقة عن اليمين إلى مقطع وادي الجرافي عند مشاش الكُنْتِلَّة، فمقطع وادي الغُبَي، فمقطع وادي الخضاخض إلى رأس وادي الأحيقبة، ومن هنا تنحدر أرض التيه الشرقية شمالًا بغرب وتصب مياهها في وادي العريش بعد أن كانت تنحدر شمالًا بشرق وتصب في وادي الجرافي، فتنحدر درب غزة بوادي الأحيقبة إلى مقطع وادي قرَيَّة، ثم تأتي مقطع وادي خريزة، فجبل عريف الناقة تجعله عن اليمين، فمقطع وادي مايين، فمقطع وادي لصان، إذ يكون جبل العُنَيقة عن اليمين وجبل البُرقة عن الشمال، فمقطع وادي الجرور، فمقطع وادي السيسب، فمقطع وادي الجايفي إذ تكون عين قديس عن اليمين، فعين القُصَيِّمة في رأس وادي القُصَيِّمة، فمقطع وادي القديرات، فمقطع وادي الصبحة، فرأس وادي صرام، فتنحدر معه إلى مصبه بوادي بيرين، وهنا ينتهي حد سيناء ويبدأ حد سوريا، وقد سرت بهذه الطريق إلى هذا الحدِّ، ثم سرت على حدود سيناء مارًّا بمقطع وادي العوجة، فالمربعة في العجرة، فمقطع وادي الأبيض إلى رفح، وهذه هي مسافة الطريق من العقبة إلى رفح بالأميال:

ميل  من العقبة إلى
المجموع
المرشش
المفرق
١٧ جبل سويقة
١٧ مشاش الكُنْتِلَّة
١٤ رأس وادي الأحيقبة
١٠ جبل عريق الناقة
١٤ عين القُصَيِّمة
١٤ مقطع وادي العوجة
١٦ المربعة في العجرة
١٦ رفح

ولنعد إلى طريق غزة: فمن مصب وادي صرام بوادي بيرين تتجه الطريق شمالًا بشرق، فتجعل آبار بيرين عن اليمين وخرائب العوجة عن اليسار، وتسير إلى مقطع وادي الحفير، فمقطع وادي الحسنة، فمقطع وادي الأبيض، ثم تجعل جبل القرن عن اليسار وخرائب الرُّحيبة عن اليمين، وتسير حتى تأتي بئر الصني المشهورة ومنها إلى وادي الشريعة، فغزَّة، ومسافة هذه الطريق من العقبة إلى غزَّة ٩ أيام بسير القوافل: فيوم إلى جبال الحمرة، ويوم إلى جبل سويقة، ويوم إلى مشاش الكُنْتِلَّة، ويوم إلى وادي قرَية، ويوم إلى وادي الجرور، ويوم إلى عين القُصَيِّمة، ويوم إلى وادي الأبيض، ويوم إلى بئر الصني، ويوم إلى غزَّة. وقد جعلوا في هذه الطريق رجومًا لهداية المارة، من ذلك رجمان متقابلان عن جانبي الأغيدرة يسميان «رجم الجندي».

وقد سُمِّيت هذه الطريق درب غزة؛ لأنها تنتهي عند غزة، وسميت الشامية؛ لأنها تؤدي إلى بر الشام من الحجاز، وقد كان لها قبل انقطاع درب الحاج المصري سنة ١٨٨٥ أهيمة كبيرة؛ إذ كان قسم كبير من الحاج الشامي يأتي بها فيلاقي الحاج المصري في العقبة، وكان تجار غزَّة يأتون إلى العقبة بأنواع الملابس والمآكل والحبوب والفاكهة؛ لبيعها على الحجاج في الذهاب والإياب، وأمَّا الآن فبانقطاع درب الحاج المصري عن البر فقدت تلك الأهمية، إذ لم يعد يمر بها من الحجاج الشوام إلَّا من ندر، ولا يطرقها سوى بعض بدو الحجاز وشرق سيناء، يأتون بها إلى غزة لبيع الإبل والغنم والسمن وشراء الأقمشة والحبوب.

(٢) طرق سيناء الداخلية

(٢-١) طريق نخل من شط السويس ببئر المرَّة

هذه أخصر الطرق المستعملة الآن من شط السويس إلى نخل، تسير من الشط متجهًا شرقًا في سيل وادي الراحة ساعتين إلَّا ربعًا، فتأتي بئر المرَّة المار ذكرها، ومن هنا تترك وادي الراحة عن يمينك، وتصعد في تلال من الرمال نحو ساعة، فتأتي علو النخابير، تسير في هذا العلو ساعة وربع ساعة، فتأتي رملة الشعيفة، تصعد فيها نصف ساعة، فتأتي رملة النغيرة في أعلاها، ومن قمة هذه الرملة تظهر لك السويس، تنحدر منها إلى مفرق مبعوق في رأس وادي المنصرف ربع ساعة من رملة النغيرة، وخمس ساعات إلَّا ربعًا من شط السويس، ثم تصعد في سلسلة من التلال الرملية ثلاثة أرباع ساعة بطريق متعرجة، فتأتي وادي أم إثلة، تصعد في هذا الوادي ثلث ساعة إلى رأسه، ومن هناك إذا التفت وراءك يظهر لك جبل أم عتاقة الذي يطل على السويس من غربيها، ثم تهبط إلى «فرش» بين التلال، تتجمع مياهها في زمن الأمطار، وتسيل في وادٍ يدعى فريشات الشيح، يصب عن يمينك في وادي العشاري (أحد فروع الراحة)، تسير في هذا الفرش ساعة، ثم تنحدر منه في وادي ينتون نحو ثلث ساعة، ثم تتركه يسير إلى مصبه في وادي الحاج عند فشحة الحاج، وتنحرف عن يمينك، فتقطع عدة فروع له إلى أن تأتي مفرق وادي الحاج على نحو ساعة إلَّا عشر دقائق من مفرق أبو ينتون وثماني ساعات من الشط، وهنا تلتقي درب الحاج المصري المار ذكرها فتسير بها إلى نخل، ومسافة هذه الطريق من شط السويس إلى نخل نحو ١٨ ساعة، تقطعها القوافل بثلاثة أيام: فيوم إلى الفريشات، ويوم إلى جبيل حسن، ويوم إلى نخل.

مسافات طريق نخل من شط السويس ببئر المرة.
دق ساعة
٥٠ ١٧ المجموع من شط السويس إلى نخل
من شط السويس إلى:
٤٥ ١ بئر المرة بوادي الراحة
١ علو النخابير
١٥ ١ رملة الشعيفة
٣٠ ٠ رملة النغيرة
١٥ ٠ مفرق مبعوق، رأس وادي المنصرف
٤٥ ٤
٤٥ ٠ مقطع وادي أم أثلة
٢٠ ٠ رأس وادي أم أثلة
١ رأس وادي أبو ينتون في الفريشات
٢٠ ٠ مفرق وادي أبو ينتون
٥٠ ٠ مفرق وادي الحاج
٠٠ ٨
من مفرق وادي الحاج إلى:
٣٠ ١ شرفة الحاج
٣٠ ١ جبيل حسن، مفرق وادي صدر الحيطان
٤٥ ٠ مقطع وادي الأغيدرة
٥٠ ٠ مقطع وادي السحيمي
١٥ ١ مقطع وادي النتيلة
٥٠ ١ وادي أبو جذل
٣٠ ٠ النهدين
٤٠ ٠ مطلة نخل الغربية
٣٠ ٠ مقطع وادي العريش
٣٠ ٠ مدينة نخل

(٢-٢) طريق نخل من شط السويس ببئر مبعوق

تسير من شط السويس في سيل وادي الراحة إلى أم رُجَيم ساعة، فإلى بئر مبعوق ساعتين، ومن هنا إمَّا أن تتخذ طريقًا مختصرة في رملة شاقة صعبة المسلك إلى وادي أبو علاقة، وإياك أن تفعل ذلك بلا خبير أمين، أو أن تستطرد السير في بطن الوادي ساعة وثلثًا إلى مصب وادي أبو علاقة، ثم تصعد بهذا الوادي إلى رأسه في خمسين دقيقة، ثم في وادي المنصرف خمس دقائق أو أقل إلى مفرق مبعوق، وهو على خمس ساعات وربع من الشط، فتلتقي طريق المرة المار ذكرها، فتتبعها إلى نخل.

وليس في هذه الطريق ماء إلَّا بئر مبعوق، وكذلك طريق المرة ليس فيها ماء إلَّا بئر المرة؛ لذلك اهتمت محافظة سيناء حديثًا بحفر بئر على الطريق قرب جُبَيل حسن، فاحتفرت بئرًا في وادي صدر الحيطان شمالي الجبل، عمَّقتها ١٠ قامات أو أكثر، ولما لم يظهر الماء ولا دليل على الماء تركتها، وهي تحفر الآن بئرًا في الوادي المذكور على نصف ساعة غربي جبيل حسن، بلغ عمقها ١٥ قامة، ولم يظهر الماء بعد، والأمل بظهوره لا يزال بعيدًا.

(٢-٣) طريق نخل من شط السويس بوادي سدر

تسير من شط السويس، وتتجه جنوبًا إلى عيون موسى، فوادي الإحثا فتقطعه، فوادي سدر، فتسند معه إلى عين سدر، ثم تتجه شمالًا بشرق، فتجد قلعة الباشا عن يسارك، وتعترضك فروع وادي العريش فتقطعها واحدًا بعد الآخر: وادي المليحة، فوادي الأغيدرة، فوادي السحيمي، فوادي النتيلة، فوادي أبو خييمي، فوادي أبو كنادو، فوادي أبو طرفا، فوادي أبو جذل، حيث تلتقي درب الحج المصري، فتسير معها إلى النهدين، فمطلة نخل الغربية، فنخل، وطول هذه الطريق نحو ٩٠ ميلًا، أي ثمانية أميال إلى عيون موسى، فأربعون ميلًا إلى عين سدر، فاثنان وأربعون ميلًا إلى نخل.

(٢-٤) طريق الدير من السويس بوادي فيران

قال الخبراء: «تسير من شط السويس في طريق البتراء ساعتين إلى عيون موسى، فمطخِّ النسر ساعة ونصفًا، ومن هنا تتفرع طريق تتبع شاطئ البحر إلى حمَّام فرعون، وتستمر طريق البتراء مرتفعة عن الشاطئ، فتسير إلى وادي الإحثا ساعتين ونصفًا، فوادي سدر ساعتين وثلثًا، فوادي وردان ثلاث ساعات، فوادي عمارة ساعتين ونصفًا، فحجر الركاب، فعين الهوَّارة، فوادي غرندل ثلاث ساعات ونصفًا، فرجم حصان أبو زنَّة ساعة، فخط المزراق ربع ساعة، فوادي وسيط ثلاثة أرباع الساعة، فوادي آثال ساعتين، فرجم عريِّس ثمَّان عند رأس وادي الشبيكة ربع ساعة، تهبط وادي الشبيكة، وتنحدر معه ربع ساعة، فتأتي وادي الحمر.

وهنا تفترق طريق الدير — كطريق البتراء — إلى طريقين: طريق بوادي فيران، وهي «الطريق السفلى»، وطريق تصعد بوادي الحمر فتخترق «الرملة» وهي «الطريق العليا»، أمَّا الطريق السفلى فتنحدر مع وادي الحمر نصف ساعة فتأتي عين الطيبة، توالي الانحدار في وادي الطيبة إلى ميناء أبو زنيمة ساعة ونصفًا، ثم تسير بشاطئ البحر، حتى لقد تخوض بمائه إلى سهل المرخا، فتخترقه إلى خشم اللقم في وادي بعبعة، وهو على أربع ساعات من أبو زنيمة، ثم تصعد بوادي بعبعة إلى مصب وادي الشلال فيه عن يمينك نصف ساعة، فتسند بوادي الشلال إلى رأسه المعروف بنقب بُدرة ساعتين، تنزل من النقب إلى وادي السدرة بنصف ساعة، وتصعد بوادي السدرة نصف ساعة، فيلاقيك عن الشمال وادي أقنه أو وادي الفيروز، تسير من هناك ساعة، فتأتي مصب المكتب حيث الصخرات النبطية، ثم تترك وادي السدرة عن شمالك، وتصعد في وادي المكتب إلى رأسه، ومن هناك تنحدر إلى وادي فيران عند مصب وادي نسرين فيه على نحو ساعتين من مصب المكتَّب، تصعد في وادي فيران إلى مصب الرمَّانة ساعة، فعرق رجامات البيض ثلاثة أرباع ساعة، فعرق المجرَّحين نصف ساعة، فحصى الخطاطين ساعة، فالحُسْوة ثلاثة أرباع الساعة، فمصب وادي عليات ثلث ساعة، فقبة الشيخ أبو شبيب ربع ساعة، فنبع فيران ربع ساعة، فعلو فيران ثلث ساعة، فحجر منقذة النعجة نصف ساعة، فمصب وادي الأخضر بفيران، فبويب فيران ثلث ساعة، ومن البويب فصاعدًا يسمَّى الوادي وادي الشيخ كما مرَّ، تصعد فيه إلى مصب صلاف ربع ساعة أو أقل، فإلى مصب سهب ساعتين وثلثًا.

ومن هنا فالقوافل التي تحمل أثقالًا تبقى مصعدة بوادي الشيخ إلى الدير مارَّة بالوطية، فالنبي صالح فالنبي هارون إلى الدير مسافة تسع ساعات ونصف من مصب سهب و١٢ ساعة من البويب، وأمَّا الراكب على الهجن، فيأخذ طريقًا مختصرة: تصعد في وادي سهب إلى رأسه، وتنزل منه بوادي العُرف إلى وادي صلاف ثلاث ساعات وثلثًا، ثم تصعد في وادي صلاف إلى مصب الحطم ساعة، فإلى الشيخ عوَّاد على وادي غربا نصف ساعة، ومن هنا تترك الوادي، وتذهب شرقًا في نقب الهاوية مارةً بمضرب سيف عُدَي ساعتين، فحجر القرارشة نصف ساعة، فسهل الراحة ربع ساعة، فمقام النبي هارون نصف ساعة، فالدير ربع ساعة.

ومسافة هذه الطريق نحو ٥١ ساعة، يقطعها السيَّاح عادةً بتسعة أيام: فيوم قصير إلى عيون موسى، ويوم إلى وادي سدر، ويوم إلى وادي غرندل، ويوم إلى ميناء أبو زنيمة، ويوم إلى وادي المكتَّب، ويوم إلى حصى الخطاطين بوادي فيران، ويوم راحة بواحي فيران، ويوم إلى الشيخ عوَّاد، ويوم قصير إلى الدير.»

(٢-٥) طريق الدير من السويس بالرملة

أمَّا طريق الرملة — أو الطريق العليا — فتذهب من مصب وادي الشبيكة صعدًا بوادي الحمر ساعة إلى مفرق المعاداة «ومن هنا طريق مختصرة إلى عريس ثمَّان»، فساعتان إلى رأس الحمر، ومن هنا تتجه جنوبًا بشرق إلى رملة القرَى، فتخترقها إلى مصب النصب بوادي بعبعة ثلاث ساعات، وقد جرت عادة المسافرين أن يحطوا الرحال هنا للراحة، ويذهبوا إلى عد النصب مسيرة نصف ساعة في بطن الوادي، فيسقون الإبل، ويملئون القرب ثم يعودون إلى فم الوادي، ويستطردون السير في وادي بعبعة صعدًا، ثم في وادي سوق إلى رأسه ساعتين ونصفًا، ومن رأس سوق فإن شئت زيارة سرابيت الخادم تعرج عن يمينك فتصلها في ساعة، وإلَّا تَسِر في رملة حميِّر ثلث ساعة إلى مَورد وادي الأحمر فتقطعه، ثم ربع ساعة إلى وادي الخميلة، فتنحدر معه قليلًا، ثم تفارقه، وتتجه شرقًا إلى الشيخ حُميد، وهو من أولياء الجبالية على وادي المريخي ساعة ونصفًا، فتقطع وادي المريخي، ثم وادي السيق، وتأتي وادي برَق بنصف ساعة، فتصعد معه نحو ساعتين إلى شرَفة برَق، فترى الشيخ غانم — المار ذكره — عن يسارك على نصف ساعة، تعرج عليه لأخذ الماء من بئره إذا شئت، ثم تعود إلى الطريق، وتسير شرقًا في علو الشقيق مارًّا بقبور أم سليمة نحو ساعة ونصف إلى وادي اللبوة، فتصعد فيه ساعة ونصفًا، فتأتي رأس وادي رتامة، تهبط هذا الوادي، وتنحدر معه نحو ساعة، فتأتي قبة الشيخ أبو نجيمة من أجداد أولاد سعيد، ومن هنا تذهب الإبل المحملة أثقالًا شمالًا بشرق بطريق مرتفعة، تقطع وادي الأخضر، وتأتي بوادي السليف الفوقاني إلى وادي الشيخ فتصعد فيه إلى الدير، وتذهب الهجن شرقًا، فتقطع وادي الأخضر، وتأتي بواد السليف التحتاني إلى وادي الشيخ تجاه مصب سهب على نحو ساعة من قبة الشيخ أبو نجيمة، فتصعد في وادي سهب، وتتبع الطريق المتقدم ذكرها إلى الدير.

ومسافة هذه الطريق نحو ٤٨ ساعة، تقطع عادة بثمانية أيام: فيوم قصير إلى عيون موسى، ويوم إلى وادي سدر، ويوم إلى وادي غرندل، ويوم إلى سربو الجمل بوادي الحمر، ويوم إلى رملة حمير، ويوم رأس وادي رتامة، ويوم إلى الطرفا بوادي الشيخ، ويوم قصير إلى الدير.

وأعيد ذكر مسافات هذه الطريق في الجدول الآتي لتسهيل مناولتها، ولو أنها تقريبية.

مسافات طريق ١٣ الدير من السويس بوادي فيران ونقب الهاوية.
دق ساعة  من شط السويس إلى
١٥ ٥١ من شط السويس إلى الدير بفيران
٢ عيون موسى
٣٠ ١ مطخ النسر
٣٠ ٢ وادي الإحثا
٢٠ ٢ وادي سدر
٣ وادي وردان
٣٠ ٢ وادي عمارة
٣٠ ٣ وادي غرندل
١ رجم حصان أبو زنة
١٥ ٠ خط المزراق
٤٥ ٠ وادي وسيط
٢ وادي آثال
١٥ ٠ رجم عريس ثمان. رأس الشبيكة ٢٠
١٥ ٠ مصب الشبيكة بوادي الحمر
٣٠ ٠ عين الطيبة، رأس وادي الطيبة
٣٠ ١ ميناء أبو زنيمة
٤ خشم اللقم بوادي بعبعة
٣٠ ٠ مصب وادي الشلال بوادي بعبعة
٢ رأس نقب بدرة في رأس وادي الشلال
٣٠ ٠ مهبط نقب بدرة بوادي السدرة
٣٠ ٠ مصب وادي إقنة بوادي السدرة
١ مصب وادي المكتب بوادي السدرة
٢ مصب وادي النسرين بوادي فيران
١ مصب الرمانة بوادي فيران
٤٥ عرق رجامات البيض بوادي فيران
٣٠ ٠ عرق المجرحين بوادي فيران
١ حصى الخطاطين بوادي فيران
٤٥ ٠ الحسوة بوادي فيران
٢٠ ٠ مصب وادي عليات بوادي فيران
١٥ ٠ الشيخ أبو شبيب بوادي فيران
١٥ ٠ نبع فيران بوادي فيران
٢٠ ٠ علو فيران
٣٠ ٠ حجر منقذة النعجة بوادي فيران
٢٠ ٠ مصب وادي الأخضر بويب فيران
١٥ ٠ مصب وادي صلاف بوادي الشيخ
٢٠ ٢ مصب وادي سهب بوادي الشيخ
٢٠ ٣ مصب وادي العرف بوادي صلاف
١ مصب وادي الحطم بوادي صلاف
٣٠ ٠ مقام الشيخ عواد بوادي صلاف
٢ مضرب سيف عدي بنقب الهاوية
٣٠ ٠ حجر القرارشة بنقب الهاوية
١٥ ٠ سهل الراحة
٣٠ ٠ مقام الشيخ هارون
١٥ ٠ الدير
مسافات ١٤ طريق الدير من السويس بالرملة ونقب الهاوية.
دق ساعة
١٥ ٤٨
٥٠ ٢١ من شط السويس إلى مصب وادي الشبيكة بوادي أحمر
١ مفرق المعاداة بوادي الحمر
٢ رأس وادي الحمر
٣ مصب وادي النصب بوادي بعبعة
٣٠ ٢ رأس وادي سوق
٢٠ ٠ مورد وادي الأحمر
١٥ ٠ وادي الخميلة
٣٠ ١ الشيخ حميد في وادي المريخي
٣٠ ٠ وادي برق
٢ شرفة برق
٣٠ ١ وادي اللبوة مخترقًا علو الشقيق
٣٠ ١ رأس وادي رتامة
١ مقام الشيخ أبو نجيمة
٣٠ ٠ وادي الأخضر
٣٠ ٠ مصب وادي سهب بوادي الشيخ
٢٠ ٨ من مصب سهب إلى الدير كما مرَّ

(٢-٦) طريق الدير إلى العقبة فالبتراء

«تسير من الدير بوادي الشيخ إلى قبة النبي صالح، فتعرج من هناك شمالًا بشرق إلى وادي سعال، فريضان الشكاعة، فوادي حدرة، فوادي الغزالة، فوادي العين، فالنويبع، فالعقبة، ومنها بالطريق المتقدم ذكرها بوادي العربة، فوادي أبو خشيبة إلى البتراء، وطول هذه الطريق سبعة أيام إلى العقبة، فثلاثة أيام إلى البتراء.»

(٢-٧) طريق نخل من الطور بنقب الراكنة

«تسير من الطور متجهًا شمالًا، فتخترق سهل القاع إلى الهداهد، وهو مرتع قرب رأس القاع، ثم تسير إلى أن تلتقي وادي فيران، فتسند معه شمالًا بشرق إلى مصب وادي نسرين، فتتركه وتعود إلى اتجاهك شمالًا إلى وادي المكتَّب، فتنحدر فيه إلى وادي السدرة، فتسند مع هذا الوادي إلى مصب وادي أم جراف، فتسند معه إلى وادي الخميلة، فتقطعه وتسير حتى تأتي رملة حمير، فتخترقها، وتصعد في نقب الراكنة في جبال التيه، وتنزل منه إلى عين أبو متيقنة في وادي أبو متيقنة، ونسير مع الوادي إلى عرقوب الراهب، وبعد نزولك منه تجد وادي العريش آتيًا عن يمينك، فتسير معه إلى مزارع البدارة، ثم تفارقه إلى وادي أبو لقين فتقطعه، فنقب الهيالة، فوادي أبو عليجانة، فتنحدر معه مدة أربع ساعات، ثم تتركه عن يسارك، وتأتي وادي أبو طريفية، فتنحدر معه إلى نخل، ومسافة هذه الطريق ستة أيام بسير القوافل، فيوم إلى الهداهد، ويوم إلى عين لبن، ويوم إلى رملة حمير، ويوم إلى عرقوب الراهب، ويوم إلى نقب الهيَّالة، ويوم إلى نخل.»

(٢-٨) طريق الدير من الطور بوادي إسلا

«للدير من مدينة الطور طريقان شهيرتان: طريق بوادي إسلا، وطريق بوادي حبران، أمَّا طريق وادي إسلا: فتتجه جنوبًا بشرق، فتخترق سهل القاع العظيم إلى فم وادي إسلا، فتصعد معه إلى مصب وادي الطرفا، فتصعد بوادي الطرفا إلى رأسه، وتنزل معه إلى وادي الرَّحبة، فتقطعه وتتسلَّق نقب عمران، ثم تنزل منه إلى وادي الرُّتج (فرع من وادي النصب الشرقية)، فتقطعه وتتسلق نقب السباعية، ثم تنزل منه إلى وادي السباعية، فتنحدر مع السباعية قليلًا، ثم تذهب غربًا إلى جبل المناجاة وتنزل منه إلى الدير.

ومسافة هذه الطريق ثلاثة أيام للحملة: فيوم إلى عين القصَبة في وادي إسلا قرب مصبه بالقاع، ويوم إلى وادي الطرفا، ويوم إلى الدير.»

(٢-٩) طريق الدير من الدير بوادي حبران

«أمَّا طريق حبران، فتتجه شمالًا بشرق، فتخترق سهل القاع إلى فم وادي حبران، فتصعد فيه إلى أعلاه إلى نقب حبران، ومنه تنزل إلى وادي أم صلاف، فتسند معه إلى عين غربًا، ثم تقطع حمادة الشبيحة إلى وادي الشيخ، فتسند معه ساعة إلى الطرفا، وساعة إلى الوطيا، وثلاث ساعات ونصف إلى الدير، هذه هي أسهل الطرق من الدير إلى الطور، وهي طريق إبَّالة البدو الذين ينقلون الغلال والبضائع إلى الدير.

وطول هذه الطريق للقوافل أربعة أيام: فيوم إلى فم وادي حبران، ويوم إلى مهبط الدرب بوادي صلاف، ويوم إلى الطرفا بوادي الشيخ، ويوم قصير إلى الدير.

ولهذه الطريق طريق مختصرة من نقب حبران، تنحرف عن يمين المسافر في نقب العجاوة نحو نصف ساعة إلى وادي صلاف، ثم طريق مختصرة ثانية من قبر الشيخ عوَّاد، تصعد منه في نقب الهاوة فسهل الراحة فالدير، وهذه هي طريق البريد والمسافرين على الهجن، وطولها يومان طويلان: يوم إلى وطية حبران، ويوم إلى الدير.»

(٢-١٠) طريق السويس من الطور

«كان بعض الحجاج قبل إقفال درب الحج المصري واتساع الملاحة في البحر الأحمر، يأتون بالمراكب من النويبع إلى الشرم أو إلى مدينة الطور، ومنها يذهبون برًّا إلى السويس بستة أيام: فيوم إلى الهداهد عند رأس القاع الشمالي، ويوم إلى ميناء أبو رُدَيس، ويوم إلى فم الطيبة، ويوم إلى وادي عمارة، ويوم إلى وادي وردان، ويوم إلى السويس.

وكانت محافظة سيناء ترسل بريد الطور بهذه الطريق إلى سنة ١٩٠٧، إذ صارت بواخر الشركة الخديوية تمر بالطور، فانقطعت طريق البر، واستُغني عنها بطريق البحر.»

(٢-١١) طريق نخل من الدير بنقب الراكنة

«تسير في طريق الدير العليا المؤدية إلى السويس، حتى تلتقي طريق نخل من مدينة الطور في رملة حميِّر، فتتبعها إلى نخل، ومسافة هذه الطريق ستة أيام: فيوم إلى وادي السليف، ويوم إلى وادي برق، ويوم إلى مهبط نقب الراكنة الجنوبي، ويوم إلى مزارع البدارة بوادي العريش، ويوم إلى وادي أبو عليجانة، ويوم إلى نخل.»

(٢-١٢) طريق نخل من الدير بنقب المريخي

«تسير في طريق الدير العليا المؤدية إلى السويس حتى تأتي وادي السيق، فتصعد فيه إلى نقب المريخي، وتتجه شمالًا بشرق فتأتي وادي السقي، وهو فرع من وادي أبو لُقَين، وفيه قبر وليٍّ يزار من التياها يدعى «الشيخ محمود»، تنحدر مع هذا الوادي إلى وادي أبو لقين إلى أن تلتقي درب نخل الآتية من الطور، فتتبعها إلى نقب الهيَّالة فنخل.

ومسافة هذه الطريق سبعة أيام: فيوم إلى علو العجرمية، ويوم إلى وادي السيق، ويوم إلى رأس نقب المريخي، ويوم إلى قبر الشيخ محمود، ويوم إلى نقب الهيَّالة، ويوم إلى نخل.»

(٢-١٣) طريق نخل إلى غزة بوادي المويلح

«تسير من نخل بوادي العريش على ضفته اليمنى متجهًا شمالًا بشرق نحو جبل إخرم، فتقطع وادي الرواق وتمر بالخفجة، ثم تقطع وادي العقابة حتى تصل إخرم، فيظهر لك جبل الشريف، فتتجه نحوه وتقطع وادي الفهدي، ثم وادي قرَّية ثم وادي الشريف، وعند وصولك إلى جبل الشريف يظهر لك جبل المويلح، فتتجه نحوه وتقطع وادي الجرور، ثم وادي السيسب، ثم وادي الجايفي حتى تأتي وادي المويلح، فستند معه إلى وادي الصبحة، فتسند معه إلى أن تلتقي درب غزة قرب رأس وادي صرام، فتتبع الدرب المذكورة إلى غزة، ومسافة هذه الطريق سبعة أيام: فيوم إلى وادي العقابة، ويوم إلى وادي قرَّية، ويوم إلى وادي الجرور، ويوم إلى وادي صرام، ويوم إلى وادي الرُّحيبة، ويوم إلى وادي الشريعة، ويوم قصير إلى غزة.

وقد كانت هذه الطريق مطروقة جدًّا قبل انقطاع درب الحج المصري، فكان كثير من تجار غزة يأتون إلى نخل بتجارتهم يبيعونها للحجاج، والآن يطرق هذه الطريق أهل نخل وضواحيها يذهبون إلى غزة لجلب الحبوب، ويطرقها بعض السياح الآتين من الدير، وبعضهم يذهب إلى غزة بطريق نخل والعريش كما سيجيء.»

(٢-١٤) طريق نخل إلى العريش

«تسير من نخل متجهًا نحو مطلة نخل الشمالية فتقطع وادي أبو طريفية، ثم وادي العريش حتى تصلها، فيظهر لك جبل المنشرح في الشمال، فتتجه نحوه وتقطع وادي البُروك حتى تحاذي الجبل المذكور، فتتركه وتترك جبل يلَك عن يسارك، وتستمر في اتجاهك شمالًا إلى أن تأتي آبار الحسنة في وادي الحسنة، وتتبع وادي الحسنة إلى مصبه في سر الحسنة، تسير في السر جاعلًا الأبرقين، ثم جبل ألبني عن اليمين، وجبل المغارة عن الشمال، حتى يظهر لك جبل ريسان عنيزة، فتتجه نحوه حتى تقترب منه، وتسير فتجعله عن يسارك، وتمر برجم الحمضة، ثم ببئر لحفن ومنه إلى العريش، ومسافات هذه الطريق: ساعة إلى مطلة نخل، فأربع ساعات إلى وادي البروك، فثلاث ساعات إلى محاذاة المنشرح، فثلاث ساعات إلى آبار الحسنة، فساعة إلى سر الحسنة، فساعتان إلى محاذاة الأبرقين، فثلاث ساعات إلى محاذاة ألبني، فأربع ساعات إلى رجم الحمضة، فساعة إلى بئر لحفن، فساعتان إلى العريش، ويقطعها المسافرون عادة بثلاثة أيام: فيوم إلى محاذاة المنشرح، ويوم إلى محاذاة ألبني، ويوم إلى العريش.»

(٢-١٥) طريق نخل إلى الإسماعيلية

«تتجه هذه الطريق شمالًا بغرب إلى أن تأتي «ثمادة البرُوك» في وادي البروك، وليس في هذه الطريق ماء في غير هذه الآبار، فتستمر في الاتجاه نفسه جاعلًا جبل يلَك عن اليمين، حتى تقطع الدرب المصري بين بئر الجفجافة وبئر الجدي، وتسير في سر الحقيب إلى وادي أم خشيب، جاعلًا جبل أم خشيب عن اليسار، ثم تخترق السهل الرملي الفيَّاح إلى الإسماعيلية، ومسافة هذه الطريق أربعة أيام: فيوم إلى وادي أبو جذل، ويوم إلى سر الحقيب، ويوم إلى وادي أم خشيب، ويوم طويل إلى الإسماعيلية.»

(٢-١٦) طريق نخل إلى النويبع

«تسير من نخل متجهًا جنوبًا بشرق إلى وادي الغُبَية فتقطعه، ثم وادي الرواق فتقطعه، ثم وادي الفيحي فتقطعه، ثم وادي المشيش، فتسند معه نحو ساعة إلى بئر المشيش، ثم تترك هذا الوادي، وتستطرد السير جنوبًا بشرق إلى وادي قديرة، فتنحدر معه إلى وادي الشيخ عطية فتتبعه إلى النويبع، ومسافة هذه الطريق ثلاثة أيام: فيوم إلى وادي الفيحي، ويوم إلى الشيخ عطية، ويوم إلى النويبع.»

(٢-١٧) طريق النويبع إلى غزة بوادي المويلح

«تسير من النويبع مصعدًا بوادي العين إلى وادي شعيرة الدبس، فتصعد فيه إلى جبل الشعائر، وتنقلب منه إلى بئر الثمد، ومنها شمالًا إلى وادي المويلح، فتذهب بالطريق المعتادة إلى غزة، قيل وكانت هذه الطريق مطروقة كثيرًا في القديم؛ لما كان للدير مركز قرب غزة، وكان الدير يجلب حبوبه من تلك المدينة، بل كان زوار الدير يأتونه من هذه الطريق كما كانوا يأتون بطريق نخل ونقب الراكنة أيضًا، أمَّا الآن فقلَّ من يستعملها إلَّا عرب النويبع يتخذونها لجلب الحبوب من غزة، كما يتخذون «طريق البتراء» لجلب الحبوب من السويس، قالوا: وطول الطريق من النويبع إلى غزة كطولها من النويبع إلى السويس، ولكن العربان تبحث في أي البلدتين تباع الحبوب أرخص مما في الأخرى فتذهب إليها.» انتهى كلام الخبراء في الطرق.

•••

هذه هي أشهر طرق سيناء الداخلية والخارجية، وأهمُّ ما يجب الالتفات إليه لتحسين حال الطرق: إقامة أنصاب من حديد تبين فيها مسافات الطرق المطروقة وجهة السير، وبناء مظلات من حجر لراحة المسافرين؛ لأنك قد تسير ساعات وأيامًا في طرقها، فلا ترى شجرة أو صخرة تستظل بها، وأهمُّ من ذلك كله حفر آبار بكل جهة يظن فيها وجود الماء على تلك الطرق كما تفعل محافظة سيناء الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤