الفصل السادس

في حكومة سيناء وإدارتها

(١) الإدارة العسكرية

يدلُّ تاريخ سيناء على أنها كانت في كل عصر قويت فيه مصر تابعة لمصر وللسلطة العسكرية لمصر منذ بدء التاريخ إلى هذا اليوم، وقد أقام ملوك مصر القلاع والأبراج على حدودها الغربية بين رأس خليج السويس وفم الفرع البليوسي، واستولوا على معادن بلاد الطور منذ أيام الدولة الأولى، ثم بنوا القلاع والأبراج في داخليتها وعززوها بالعساكر تأمينًا للطرق وتأييدًا للسلام بين أهلها، وقد مرَّ بنا ذكر القلاع والأبراج في سيناء في مواضعها، ثم ذكرت سردًا حسب مداتها في الفصل السابق.

وأقدم تلك القلاع: الفرما والمحمدية على شاطئ البحر المتوسط عند الفرع البليوسي من عهد الفراعنة، ثم قلعة لحفن وقلعة جبل المغارة في حدود بلاد العريش الجنوبية، وقلعة خربة الرطيل في حدودها الشرقية، وهي في المشهور من آثار الرومان، ثم دير طور سيناء في قلب بلاد الطور شاده الملك يوستنيانوس معقلًا لرهبان سيناء حوالي ٥٤٥م كما مرَّ، وفي منشور أصدره الملك العاضد لدين الله آخر ملوك الدولة الفاطمية في مارس سنة ١١٦٩م لرهبان طور سيناء، سيأتي ذكره إشارةً إلى «القلاع الطورية»، ثم قلعة الباشا قرب عين سدر من بناء صلاح الدين الأيوبي سنة ١١٨٨م، وقلعة مبعوق في وادي الراحة، وهي في الأرجح من بنائه كقلعة الباشا، بناهما لحماية درب الشعوي كما قدمنا، ثم قلعة نخل وهي واحدة من سلسلة قلاع أقامها السلطان قانصوه الغوري (سنة ١٥٠١–١٥١٦م) في درب الحاج لحماية الحجاج، «فقلعة الطور» المنسوبة إلى السلطان سليم سنة ١٥٢٠م، شيدت لتأييد الأمن في بلاد الطور، وحماية الحجاج والتجار الذين كانوا يأتون مصر بطريق المويلح والطور والسويس، «فقلعة العريش» التي بناها السلطان سليمان سنة ١٥٦٠م لحماية طريق العريش بين مصر والشام، فتل حبوة وقلعة قَطْيَة وبرج الخروبة على طريق العريش، فتل هُرُبة فتل الحير فتل الفضة وتل الذهب فقلعة الطينة وقلعة البلَّاح على طريق الفرما، وأكثر هذه القلاع الآن مهجورة أو خراب.

ولما تسلَّم المغفور له محمد علي باشا زمام الأحكام في مصر سنة ١٨٠٥م، لم يكن في سيناء إلَّا ثلاث قلاع وهي: «قلعة الطور، وقلعة نخل، وقلعة العريش»، وكان في كل منهما حامية صغيرة من عساكر الباشبوزق، ولما تغلب على الوهابين سنة ١٨١٨م، استولى على الحجاز وقلاعه، واتخذ على نفسه حماية الحرمين، ثم كانت الحرب بينه وبين تركيا في سوريا، وفي نهايتها في عهد السلطان عبد المجيد سنة ١٨٤٠ استرجع السلطان الحجاز، وجعلها ولاية عثمانية، لكن بقيت العساكر المصرية تحمي درب الحاج المصري في قلاع نخل والعقبة والمويلح وضبا والوجه إلى أن أهملت الدرب المذكورة سنة ١٨٨٥، فقامت الدولة العلية تطالب مصر بهذه القلاع، وكانت مصر إذ ذاك مشتعلة بالثورة السودانية، وقد نهكتها الثورة العربية، ولم يكن لها حاجة ماسة بالقلاع الحجازية، بل كانت تنفق عليها على غير جدوى، فسلَّمت الوجه سنة ١٨٨٧م، ثم ضبا والمويلح سنة ١٨٩١، ثم العقبة سنة ١٨٩٢م.

وكانت القلاع الحجازية إلى هذا العهد تابعة في الإدارة لقلم الرزنامة بالمالية، فلما سُلمت العقبة للدولة العلية سنة ١٨٩٢م، سلخت بلاد التيه عن قلم الرزنامة، وأُلْحِقَت بنظارة الحربية إداريًّا وماليًّا وعسكريًّا، وجُعِلَت تحت إدارة مدير المخابرات بمصر القاهرة، وإشراف سردار الجيش المصري وناظر الحربية، وكانت بلاد الطور تابعة في الإدارة لمحافظة السويس، وقد تهدمت قلعتها منذ سنة ١٨٢٦م، فألحقت إداريًّا ببلاد التيه بأمر صادر من نظارة الداخلية إلى نظارة الحربية في ٢٣ مارس سنة ١٨٩٣م، وجعل على بلاد التيه وبلاد الطور ضابط من ضباط الجيش المصري العظام برتبة قائمقام، ولقب «قومندان جزيرة سيناء» ومركزه نخل، وجُعل في كل من مدينتي نخل والطور مركز إداري فيه نفر من عساكر البوليس غير النظامي، وعليهم ضابط من ضباط الجيش المصري برتبة ملازم ولقب «ناظر».

وكانت السردارية بعد خروج عساكرها من العقبة قد جعلتها بضعة أشهر في وادي طابا، ثم وجدت طرق المواصلات إليها شاقة، فبنت قلعة في النويبع سنة ١٨٩٣ وجعلت فيها بضعة رجال من البوليس، وألحقتها إداريًّا بنخل، ولا تزال كذلك إلى الآن.

أمَّا بلاد العريش، فإنه بعد انسحاب إبراهيم باشا من سوريا سنة ١٨٤٣ جُرِّدت قلعتها من العساكر، وألحقت بالداخلية وجُعل عليها «محافظ» ملكي، ومعه نفر من البوليس.

وبقي الحكم في سيناء على هذا النمط إلى أن كانت حادثة الحدود سنة ١٩٠٦، فعين حدُّ سيناء الشرقي بالتدقيق، وضُمَّت بلاد العريش إلى قومندانية نخل والطور، وجعل عليها «ناظر»، فأصبحت بلاد سيناء كلها قومندانية واحدة بثلاث نظارات تحت إدارة الحربية، ثم في سنة ١٩٠٧ سُمِّيت القومندانية مديرية، ولُقِّب حاكمها مديرًا، وعين لها مدير برتبة قائمقام مركزه نخل، ومفتش عام برتبة بكباشي يقيم غالبًا في العريش وكلاهما من الضباط الإنكليز بالجيش المصري، وفي سنة ١٩١١ أُبدل لقب مدير سيناء بلقب محافظ، وسُمِّيت البلاد محافظة إلى اليوم.

•••

هذا، وقد قُسِم خط الحدود الشرقي بقصد خفارته إلى ثلاث أقسام، وهي:

«رفح»، ويمتد من ميناء رفح إلى وادي الأبيض، «والقُصَيِّمة» ويمتد من وادي الأبيض إلى رأس وادي الأحيقبة، «ومشاش الكُنْتِلَّة» ويمتد من رأس الأحيقبة إلى نقب العقبة، وجُعل في كل منها مركز بوليس وعليه «وكيل ناظر» من أهل البلاد، وجعل مركز للبوليس في بئر الثمد وآخر في شط السويس على كل منها «وكيل ناظر» من الأهالي، فأصبحت مراكز البوليس تسعة، وهي: العريش، ورفح، ونخل، والقُصَيِّمة، ومشاش الكُنْتِلَّة، والثمد، والنويبع، والشط، والطور، وجُعِل في كل منها نفر من البوليس الوطني غير النظامي، وجُلُّهم من أهالي نخل والعريش، وعددهم الآن نحو ١٢٦ رجلًا، معهم نفر من البدو خبراء للطرق، وهم فريقان:

fig58
شكل ٦-١: بعض بوليس سيناء بلباسهم الرسمي.

بوليس هجانة وبوليس بيادة، ولهم لباس واحد، وهو: على الرأس «عمامة» بيضاء، يشدها عقال يدعونه مَرِيرة، وعلى الجسم سترة مسدودة من الكاكي تزرَّر من على الكتف، وبنطلون قطني، «وجورب» من الكاكي، وفي الرجلين نعلان كنعال البدو، ولا يفرق الهجانة من البيادة إلَّا الحزام والسلاح، فحزام الهجانة أخضر، وحزام البيادة أصفر، وسلاح الهجانة قرابينة مرتين أنفيلد، وسلاح البيادة بندقية مرتين أنفيلد. وأمَّا الخبير فيحمل بندقية رمنتون، ومع كل منهم «فشكلك» يعلِّقه بكتفه الأيمن معترضًا على صدره، ويعقده بأبزيم تحت إبطه الأيسر.

(٢) الإدارة القضائية

أمَّا القضاء في سيناء، فقد كان إلى ما بعد دخولها تحت نظارة الحربية في أيدي قضاة البدو يحكمون بينها بالعرف والعادة، إلَّا بلاد العريش ومدينة الطور، فإنهما كانتا تابعتين في القضاء لمصر، أمَّا مدينة الطور فقد مرَّ بنا أنه كان فيها قديمًا قاضٍ يرجع بأحكامه إلى قاضي السويس، ثم بعد صدور لائحة ترتيب المحاكم الأهلية في القطر المصري في ١٤ يونيو سنة ١٨٨٣ أدخلت ضمن دائرة اختصاص محكمة الزقازيق بمقتضى الأمر العالي الصادر في ١٤ فبراير سنة ١٩٠٤.

أمَّا محافظة العريش، فإنها بعد لائحة ترتيب المحاكم المشار إليها آنفًا صدر أمر عالٍ في ٢ يونيو سنة ١٨٨٤ بإدخال محافظة العريش والجهات التابعة لها ضمن دائرة اختصاص محكمة المنصورة الأهلية، وفي ٢٣ ديسمبر سنة ١٨٩٧ صدر أمر عالٍ بنقل محكمة المنصورة للزقازيق، وكان قد صدر أمر عالٍ في ١٩ مارس سنة ١٨٨٩ وفيه:
  • المادة الأولى: يختصُّ محافظ العريش بالنظر والحكم نهائيًّا في دائرته في القضايا الحقوقية التي لا تتجاوز قيمة المدعى به فيها ألف وخمسمائة غرش، وفي الأفعال الجنائية التي تستوجب العقوبة بالحبس لغاية سبعة أيام. ا.ﻫ.
ثم صدر أمر عالٍ في ٢٨ أبريل سنة ١٨٩٨ وفيه:
  • المادة الثانية: تشكل بالعريش محكمة مؤلفة من محافظها وقاضيها الشرعي، وواحد من أعيانها ينتخبه ناظر الحقانية بالاتحاد مع ناظر الداخلية، وتختصُّ بالنظر والحكم نهائيًّا فيما يقام بين أهالي هذه المحافظة من القضايا المدنية والتجارية التي تتجاوز قيمة المدعى به فيها ألف وخمسمائة غرش، ولا تزيد عن خمسة آلاف غرش.
  • المادة السابعة: القضايا المدنية والتجارية والجنائية التي ليست من اختصاص محافظ العريش أو المحكمة المخصوصة المشكلة بهذه الجهة ترفع لمحكمة بورسعيد الجزئية أو لمحكمة الزقازيق الابتدائية. ا.ﻫ.
وربما كان هذا أصلح قضاء تُحكم به بلاد العريش لما هي عليه من البداوة، ولكن بعد ضمِّها إلى محافظة سيناء شكا أهلها من هذا التغيير، وطلبوا إنشاء محكمة جزئية في مدينتهم، فصدر أولًا أمر عالٍ في ٥ يونيو سنة ١٩٠٩ وفيه:
  • المادة الأولى: إنَّ جميع الاختصاصات القضائية المخولة لمحافظة العريش بمقتضى الأمر العالي الصادر في ٢٨ أبريل سنة ١٨٩٨ السابق الذكر، تؤدى بمعرفة قاضٍ من قضاة محكمة الزقازيق الأهلية ينتدبه ناظر الحقانية. ا.ﻫ.
ثم صدر أمر عالٍ في ١٧ أبريل سنة ١٩١٠، وفيه:
  • المادة الأولى: يُلْغَى الأمر العالي الصادر في ٢٨ أبريل سنة ١٨٩٨ الخاص بالنظام القضائي في محافظة العريش، وكذلك القانون نمرة ١١ سنة ١٩٠٩. ا.ﻫ.

وبناءً عليه صدر قرار وزاري في ٢٦ أبريل سنة ١٩١٠ بإنشاء محكمة جزئية بمدينة العريش، ترجع بأحكامها إلى محكمة الزقازيق الكلية، وبدأت عملها في أول يونيو سنة ١٩١٠، فأصبحت بلاد العريش تابعة في القضاء رأسًا لنظارة الحقانية وفي الإدارة لنظارة الحربية.

وأمَّا سائر بلاد سيناء، فقد سُنَّ لها قانون جديد للأحكام مؤسس على العرف والعادة، ومنطبق على العدالة وحال البداوة عُرِفَ «بقانون نمرة ١٥ لسنة ١٩١١»، وهذه صورته كما نُشِرَ في عدد ٨٧ من الجريدة الرسمية في ٢ أغسطس سنة ١٩١١.

(٢-١) قانون بشأن النظام الإداري والقضائي لمحافظة سيناء

نحن خديوي مصر

بعد الاطلاع على قانون العقوبات، وبناءً على ما عرضه علينا ناظر الحربية وموافقة رأي مجلس النظار، وبعد أخذ رأي مجلس شورى القوانين؛ أمرنا بما هو آتٍ:

الباب الأول: في سريان القانون

  • المادة الأولى: تسري أحكام هذا القانون على جميع شبه جزيرة سيناء، عدا ما يدخل منها في دائرة اختصاص محافظة العريش، وما عدا جهتي عيون موسى والطور.

الباب الثاني: في النظام الإداري

  • المادة الثانية: تبقى إدارة محافظة سيناء تابعة لناظر الحربية دون غيره؛ ولذلك يكون له عليها من السلطة ما لكل واحد من النظار، وعليه أن ينيط إدارتها بضابط يعينه لهذا الغرض ويلقب بالمحافظ.
  • المادة الثالثة: يكون للمحافظ داخل حدود هذه المحافظة جميع الاختصاصات التي للمدير في مديريته.
  • المادة الرابعة: لناظر الحربية — عدا الاختصاصات الممنوحة له بمقتضى المادة الثانية — أن يصدر بعد موافقة مجلس النظار قرارات لحفظ النظام والأمن العام في المحافظة المذكورة، وتنشر هذه القرارات في الجريدة الرسمية، ويجوز أن يجعل سريانها قاصرًا على جزء من المحافظة فقط، كما يجوز أن يقرر عقوبتي الحبس والغرامة لما يقع مخالفًا لأحكامها، إلَّا أنها لا يجوز بحال من الأحوال أن تزيد مدة الحبس عن شهر، ولا أن يزيد مقدار الغرامة عن خمسة جنيهات مصرية.

الباب الثالث: في النظام القضائي

  • (١)
    في المحاكم واختصاصها:
    • المادة الخامسة: يعيِّن ناظر الحربية من بين الموظفين المكلفين بإدارة المحافظة مأمورين قضائيين يناط بهم القيام بالأعمال الآتية بعد.
    • المادة السادسة: تشكل بمحافظة سيناء ثلاثة أنواع من المحاكم، وهي:
      • (أ) محاكم جزئية، يؤلف كل منها من مأمور قضائي بصفة رئيس ومن اثنين عدول.
      • (ب) محاكم خصوصية، يؤلف كل منها من المحافظ أو مأمور قضائي يندب بمعرفته بصفة رئيس ومن ثلاثة عدول.
      • (جـ) محكمة عليا، تؤلف من المحافظ أو مأمور قضائي يندب بمعرفته بصفة رئيس، ومن اثنين من المأمورين القضائيين بصفة عضوين ومن خمسة عدول.
    • المادة السابعة: يحرر المحافظ في كل سنة كشفًا بأسماء عدول، يختارون من بين أعيان كل جهة، ويختار العدول لكل قضية من ذلك الكشف بمعرفة المحافظ أو رئيس المحكمة، ويكون ذلك الاختيار بطريق الاقتراع، ويشترط ألَّا يختار من قبيلة كل خصم أكثر من واحد في المحاكم الجزئية أو المحاكم الخصوصية ولا أكثر من اثنين في المحكمة العليا.
    • المادة الثامنة: يكون للعدول رأي استشاري فقط، ويجب تدوين آرائهم في محضر الجلسة، ولهم في جميع الأحوال أن يوجهوا بواسطة الرئيس أسئلة إلى الشهود أو إلى المتهم.
    • المادة التاسعة: للخصوم في جميع الأحوال طلب رد واحد أو أكثر من العدول، وإذا رأى الرئيس قبول أسباب الرد بعد أخذ رأي أعضاء المحكمة والعدول الذين لم يطلب ردهم، وجب عليه اختيار غير من رُدُّوا بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابعة.
    • المادة العاشرة: المحاكم الجزئية غير مختصة بالنظر في الجرائم التي يعاقب عليها القانون بعقوبة جناية، والمحاكم الخصوصية غير مختصة بالنظر في الجرائم التي يعاقب عليها القانون بعقوبة الإعدام أو بعقوبة الأشغال الشاقة، وما عدا ذلك فجميع المحاكم مختصة بدون قيد بالنظر في كل جريمة ترتكب داخل حدود محافظة سيناء، وتكون واردة في قانون العقوبات، أو في هذا القانون أو في القرارات التي يصدرها ناظر الحربية طبقًا للمادة الرابعة.
    • المادة الحادية عشرة: للمحكمة أن تجازي بالعقوبة المنصوص عنها قانونًا أو بأي عقوبة أقل منها عن كل جريمة من الجرائم المختصة بالفصل فيها، إنما لا يجوز للمحكمة الجزئية أن تحكم بالحبس لأزيد من ثلاثة أشهر أو بغرامة تزيد عن عشرة جنيهات مصرية، كما لا يجوز للمحكمة الخصوصية أن تحكم بالحبس لأزيد من سنة واحدة أو بغرامة تزيد عن ٥٠ جنيهًا مصريًّا.
    • المادة الثانية عشرة: تحكم المحاكم بناءً على طلب الخصوم أو بموافقة أغلبية العدول بالعقوبات التي تقضي بها العوائد المحلية الثابتة بدلًا من العقوبات التي يجوز لها الحكم بها بمقتضى المادة السابقة إذا كان ما تقضي به العوائد المذكورة غير مخالف للعدالة والآداب.
  • (٢)
    في التحقيق وفي الإجراءات التي تتبع في المواد الجنائية:
    • المادة الثالثة عشرة: إذا رأى مأمور قضائي من بلاغ قُدِّم له أو من أي طريق آخر وقوع جريمة؛ فعليه أن يشرع في إجراءات التحقيق التي يرى لزومها، وله بنوع خاص أن يأمر بتفتيش المنازل، وأن يسمع شهادة كل شخص يرى فائدة في سماع شهادته، وله أن يحضر أمامه كل شخص توجد دلائل قوية على اتهامه ليسمع أقواله.
    • المادة الرابعة عشرة: إذا ظهر للمأمور القضائي أن ما أبداه المتهم من الدفاع غير مثبت لبراءته؛ جاز له أن يبقيه محبوسًا لمدة لا تزيد عن شهر واحد إلَّا بإذن من المحافظ، ولا عن ثلاثة أشهر إلَّا بإذن من ناظر الحربية.
    • المادة الخامسة عشرة: إذا رأى المأمور القضائي بعد التحقيق ألَّا وجه لإقامة الدعوى وجب الإفراج عن المتهم فورًا، وإذا وجد وجهًا لإقامتها وكانت الجريمة قليلة الأهمية؛ وجب عليه أن يشرع في تقديمها للمحكمة الجزئية للحكم فيها في أقرب زمن ممكن، أمَّا إذا كانت الجريمة ذات أهمية ورأى أنَّ العقوبات التي يجوز للمحكمة الجزئية الحكم فيها غير كافية؛ وجب عليه إحالة القضية على المحافظ؛ لتنظر بمعرفة إحدى المحكمتين العليين مع ملاحظة ما نص عنه في المادة العاشرة.
    • المادة السادسة عشرة: يصدر ناظر الحربية بموافقة ناظر الحقانية قرارًا شاملًا للإجراءات التي تتبع أمام المحاكم في المواد الجنائية.
  • (٣)
    في اختصاص المحاكم في المواد المدنية:
    • المادة السابعة عشرة: يكون للمحاكم المشكلة بمقتضى هذا القانون اختصاص في المواد المدنية والتجارية بالكيفية الآتية:
      • (أ) يجوز للمحكمة الجزئية أن تحكم في كل دعوى مدنية أو تجارية لا تتجاوز قيمة المدعى به فيها عشرين جنيهًا.
      • (ب) يجوز للمحكمة الخصوصية أن تحكم في كل دعوى مدنية أو تجارية، لا تتجاوز قيمة المدعى به فيها مائة جنيه مصري.
      • (جـ) يجوز للمحكمة العليا أن تحكم في كل دعوى مدنية أو تجارية مهما كانت قيمة المدعى به فيها.

        ويجوز في جميع الأحوال رفع المنازعات المدنية والتجارية باتفاق الخصوم إلى محكمة يكون نصاب اختصاصها أقل من قيمة المدعى به، وإذا رُفِعَت أمام إحدى المحاكم الخصوصية أو أمام المحكمة العليا دعوى هي من اختصاص محكمة أدنى، جاز للمحافظ أو من ينوب عنه من تلقاء نفسه إحالة الخصوم على المحكمة الأدنى.

    • المادة الثامنة عشرة: تحكم المحاكم في المواد المدنية والتجارية بمقتضى قواعد العدل والقانون الطبيعي مع مراعاة ما لا يخالفها من العوائد المحلية الثابتة.
  • (٤)
    في الشهود:
    • المادة التاسعة عشرة: لكل مأمور قضائي أن يكلف بالحضور الشهود الذين يرى فائدة في سماع شهادتهم، سواء كان ذلك في الدعوى الجنائية أو الدعاوى المدنية أو التجارية.
    • المادة العشرون: يكون تكليف الشهود بالحضور على يد شخص يندب لذلك الغرض بمعرفة المأمور القضائي وعلى الأخص لمشايخ القبائل.

      وعلى كل شيخ كلفه المأمور المذكور بتكليف شاهد بالحضور أن يحضره أمامه في الميعاد الذي حدده لذلك، فإذا أهمل جوزي بغرامة لا تزيد عن أربعة جنيهات مصرية.

    • المادة الحادية والعشرون: يجب على الشهود أن يحلفوا اليمين، وذلك مع عدم الإخلال بما للمأمور القضائي وللمحاكم من الحق في سماع أقوال أي شخص على سبيل الاستدلال متى رأى أو رأت فائدة في ذلك.
    • المادة الثانية والعشرون: إذا تخلف شاهد عن الحضور بعد تكليفه بذلك قانونًا، أو حضر وامتنع عن أداء الشهادة جاز الحكم عليه حكمًا انتهائيًّا لا يستأنف بغرامة لا تتجاوز أربعة جنيهات مصرية، فإذا حضر بعد ذلك وأبدى عذرًا مقبولًا عوفي من الغرامة.
  • (٥)
    في طرق الطعن في الأحكام:
    • المادة الثالثة والعشرون: يجوز للمحافظ في جميع الأحوال من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم أن يلغي أو يعدِّل أي حكم صادر بعقوبة من محكمة جزئية، ويجوز له في المواد المدنية أو التجارية بناءً على طلب أحد الخصوم أن يلغي أو يعدل أي حكم صادر من محكمة جزئية، وهذا وذاك في خلال الثلاثين يومًا التالية لصدور الحكم.
    • المادة الرابعة والعشرون: يجوز لناظر الحربية من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب المحكوم عليه من الخصوم أن يلغي أو يخفض الأحكام الصادرة بالعقوبة في المواد الجنائية من إحدى محاكم الدرجتين العلييين المشكلتين بمقتضى هذا القانون، وذلك في خلال الثلاثة أشهر التالية لصدورها، ويقدم الطلب المذكور إلى المحافظ وهو يبلغه إلى الناظر، ولا تصير — بأي حال من الأحوال — الأحكام الصادرة بعقوبات مقيدة للحرية لمدة تزيد عن سنتين نهائية إلَّا بعد موافقة الناظر المشار إليه.
  • (٦)
    في طلب الدعاوى:
    • المادة الخامسة والعشرون: إذا رأى ناظر الحقانية أنَّ إحدى الدعاوى الجنائية يجب بسبب صفة المتهم أو المجني عليه فيها ومراعاةً لصالح العدالة أن يكون الحكم فيها بمعرفة إحدى المحاكم الجزئية العادية، أو إحدى محاكم الجنايات، وجب عليه إحالتها على النيابة ليصير تحقيقها والحكم فيها بنفس الطريقة التي تتبع بالنسبة للجرائم التي تقع في دائرة اختصاص أقرب محكمة جزئية، وفي هذه الحالة تعتبر جميع إجراءات التحقيق التي سبقت ذلك كأنها أجريت بمعرفة أحد مأموري الضبطية القضائية مندوبًا من قبل النيابة.

      ويجوز للمحافظ أو من ينوب عنه أن يحيل على ناظر الحقانية بواسطة ناظر الحربية كل قضية يرى وجوب تطبيق هذه المادة عليها، وفي هذه الحالة يجب عليه إيقاف الحكم فيها إلى أن يصدر قرار الناظر بشأنها، والإحالة واجبة إذا كان المتهم من غير سكان محافظة سيناء، وقدَّم له طلبًا بذلك قبل انعقاد المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى.

    • المادة السادسة والعشرون: لناظر الحقانية أيضًا أن يطلب كل دعوى مدنية أو تجارية، ويحيلها على إحدى المحاكم الجزئية العادية أو إحدى المحاكم الكلية، ويكون ذلك بناءً على طلب يقدم من أحد الخصوم إلى المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى، ويبلغ بمعرفة المحافظ إلى الناظر، ويجب أن يكون تقديم الطلب قبل المرافعة، وفي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تأمر باتخاذ كل الإجراءات الوقتية التي ترى لزوم اتخاذها مراعاةً لصالح العدالة إلى أن يصدر قرار الناظر بشأن الدعوى.
  • (٧)
    في الصلح في المواد الجنائية:
    • المادة السابعة والعشرون: يجوز للمحكمة في أي حالة كانت عليها الدعوى أن تقبل الصلح في المواد الجنائية إذا رضي به من أضرت به الجريمة، وكان من رأي أغلبية العدول أنه موافق للعوائد المحلية.

      ويجب أن يصدق على قيمة الصلح من أغلبية العدول ومن المحكمة، ويجوز للخصوم أن يطلبوا تقديره بمعرفة العدول إنما يجب موافقة المحكمة على هذا التقدير.

    • المادة الثامنة والعشرون: يجوز للمحكمة في حالة قبول الصلح أن تحكم على الأثيم بعقوبة إلَّا أنها تتخذ الصلح ظرفًا مخففًا للعقوبة، ويجوز إبقاء المتهم محبوسًا إلى حين القيام بجميع شروط الصلح.
    • المادة التاسعة والعشرون: يترتب على القيام بشروط الصلح انقضاء الدعوى العمومية.
  • (٨)
    في التنفيذ:
    • المادة الثلاثون: يكون تنفيذ الأحكام في كل من المواد الجنائية والمواد المدنية أو التجارية بمعرفة المحافظ أو مأمور قضائي مندوب من قبله.
    • المادة الحادية والثلاثون: يجوز الإكراه البدني لتنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامات في المواد الجنائية، ويترتب على الإكراه المذكور إبراء ذمة المحكوم عليه بواقع عشرة غروش عن كل يوم قضاه في الإكراه، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تزيد مدة الإكراه عن تسعين يومًا.
    • المادة الثانية والثلاثون: كل حكم بالإعدام يجب عرضه علينا طبقًا لأحكام المادة ٢٥٨ من قانون تحقيق الجنايات.
    • المادة الثالثة والثلاثون: الأحكام القاضية بعقوبات مقيدة للحرية يجوز تنفيذها خارج حدود المحافظة، وإذا تراءى للمحافظة تنفيذ حكم خارج حدود المحافظة؛ وجب عليه إخبار ناظر الحربية؛ ليتخذ الإجراءات اللازمة لذلك.
    • المادة الرابعة والثلاثون: يصير تنفيذ الأحكام الصادرة في المواد المدنية أو التجارية بطريق الحجز على ما للخصم المحكوم عليه من الأموال المنقولة وبيعها.
    • المادة الخامسة والثلاثون: إذا رأت المحكمة أنَّ الخصم المحكوم عليه بالتعويضات، أو بما يجب رده امتنع عن تنفيذ الحكم مع قدرته على القيام بما حكم به؛ جاز لها مع عدم الإخلال بأحكام المادة السابقة أن تحكم عليه بالإكراه البدني إلى أن يقوم بالدفع أو الرد على حسب الأحوال، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تزيد مدة الإكراه المذكور عن ثلاثين يومًا.
    • المادة السادسة والثلاثون: على ناظري الحقانية والحربية تنفيذ هذا القانون كل منهما فيما يخصه، ويجب العمل به بعد ثلاثين يومًا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية.
صدر بالإسكندرية في ٥ رجب سنة ١٣٢٩
أول يوليو سنة ١٩١١
بالنيابة عن الحضرة الخديوية
محمد سعيد
ناظر الحربية
إسماعيل سري
ناظر الحقانية بالنيابة
محمد سعيد
بأمر الحضرة الخديوية رئيس مجلس النظار
محمد سعيد

(٣) الإدارة المالية

(٣-١) ميزانية محافظة سيناء

هذا، ومنذ تولَّت نظارة الحربية إدارة سيناء التفتت إلى إصلاح حالها وحال سكانها وحكومتها، ولا سيما بعد حادثة الحدود، وقد رقَّت ميزانيتها تدريجًا من ٣٨٥٦ جنيهًا في سنة ١٩٠٦ إلى ١٤٫٧١١ جنيهًا في سنة ١٩١٤.

(٣-٢) رواتب مشايخ سيناء السنوية

وكانت حكومة مصر بعد فتحها درب الحاج المصري في سيناء قسمت الدرب إلى «دركات»، وألزمت كل قبيلة من القبائل النازلة عليها المحافظة على دركها، وجعلت لمشايخها رواتب سنوية من نقود وحبوب وكساء، ترسل إليهم من قلم الرزنامة بالمالية، ويوزعها عليهم أمير الحاج المصري في طريقه إلى مكة، فلما أهملت درب الحاج وسلَّمت مصر آخر القلاع الحجازية سنة ١٨٩٢ إلى الحكومة العثمانية، قطعت رواتب المشايخ القاطنين على درب الحاج في الحجاز من الوجه إلى العقبة، ولكنها أبقت على رواتب مشايخ اللحيوات والتياها القاطنين سيناء، كما أبقت على رواتب المشايخ القاطنين درب الحاج من الوجه إلى مكة، وهذه أسماء المشايخ الذين قطعت رواتبهم من الوجه إلى العقبة منذ سنة ١٨٩٣ مع راتب كل منهم تجاه اسمه:

مليم جنيه
 ٨٥٦ ٣٨٧ المجموع
١٤٤ ٢٩٢ وكان يعطى لهؤلاء المشايخ من الفول والدقيق والأرز والعدس والشعير والقمح والبقسماط عينًا ما قيمته نحو ٢٩٢ جنيهًا
٦٨٠ المجموع الأكبر
٩٩٠ ٩٨ الشيخ محمد حسين جاد شيخ عربان العلويين
١٠٠ ١٢٨ الشيخ سالم حسن محمد رشيد من مشايخ العلويين
١١٠ ٥٧ الشيخ عواد نصار جازي من مشايخ العلويين
٩٧٦ ١٣ الشيخ حسن سليم شيخ عربان بني عقبة
٧٩٥ ٢٥ الشيخ عليان رفيع شيخ عربان السواعدين
٢٢٥ ٥٠ الشيخ خضر مقبول شيخ عربان العمران
٦٦٠ ١٣ الشيخ سلامة هليل شيخ عربان العصابين

وأمَّا المشايخ الذين أبقت الحكومة على رواتبهم في سيناء، فهذه أسماؤهم ورواتبهم:

مليم جنيه
٢٧١ ٢٦ الشيخ سليمان سالم نجم شيخ اللحيوات من النجمات
١٦٥ ٢٦ الشيخ قاسم الخليفي من الخلايفة اللحيوات
٨٧٥ ١١ الشيخ حمد مصلح شيخ التياها من الصقيرات
وفي سنة ١٩٠٧ قطعت راتب الشيخ قاسم الخليفي؛ لأنه خرج في التحديد الأخير من حكم سيناء، ودخل في حكم الحجاز، وأبقت على راتب الشيخين الباقيين ينقدهما إياه كل سنة محافظ سيناء مع زيادة قليلة جدَّت، ويأخذ منهما الإقرار الآتي:

أنا الواضع اسمي وختمي فيه أدناه شيخ قبيلة «كذا»، أقرُّ وأعترف أنه حيث كان معينًا لنا راتب سنوي من الحكومة المصرية وقت طلوع المحمل الشريف نظير حفظ «دركنا»، ودوام الأمن، وملازمتنا لخدمة المحمل «طلعة رجعة»، وكون الحكومة قررت طلوع المحمل من طريق البحر ابتداءً من طلعة سنة ١٣٠١ / ١٨٨٤م، وأحسنت علينا بصرف الراتب المذكور لنا ولجماعتنا رحمةً منها بنا قصد استدامة قيامنا بحفظ دركنا ودوام الأمن به لجميع الواردين والمترددين عليه، وما يكون معهم من التجارة وغيرها والمحافظة على بناء القلعة من التخريب ودوام عمارتها، قد تعهدت أنا وجماعتي بقيامنا بهذه الواجبات جميعها مع الشكر لأفضال الحكومة، وإذا — لا سمح الله — حصل بدركنا ما يغاير ذلك، سواء كان من جهة فقدان شيء من أربابه أو إعدام نفوس، فنكون مسئولين ومدانين بكل ما يحدث، وقابلين كل ما يترتب علينا من الجزاءات، وملزمين باسترجاع كل ما يُفقد بدون قبول أدنى عذر منا، فضلًا عن قطع رواتب القبيلة من نقود وغيره.

وقد حررت هذا التعهد برضائي بدون إجبار، كما أني أقرُّ وأعترف بأن جماعتي أفراد القبيلة موجودون على قيد الحياة، وأن رواتبهم طلعة سنة «كذا» رجعة سنة «كذا» التي قد استلمتها بتاريخه مع راتبي، فإني بحال وصولي إلى جهتي أعطي كل ذي حقٍّ حقه بيده، وإذا حصل تشكٍّ من أحدهم بعدم استلامه حقَّه فأكون ملزمًا بإعطائه إياه من عندي في الحال، وأكون قابلًا ما يترتب عليَّ من الجزاء بحسب ما يتراءى للحكومة. ا.ﻫ.

هذا، ولما رأت نظارة الحربية بعد دخول بلاد الطور وبلاد التيه في إدارتها أنها تستخدم مشايخ قبائلهما في مصالحها منحت كلًّا منهم راتبًا سنويًّا يختلف من ١٢ جنيهًا إلى ٤٨ جنيهًا، ثم بعد حادثة الحدود سنة ١٩٠٦ منحت مشايخ بلاد العريش رواتب سنوية حتى بلغت رواتب مشايخ سيناء سنة ١٩١٤: «٤٠٠ جنيه م».

(٣-٣) مصلحة البريد في سيناء

  • بريد العريش: للعريش إلى مصر بريد قديم العهد كما مرَّ، ولها الآن إلى القنطرة بريد أسبوعي على الهجن يمرُّ بالدرب الوسطانية، يخرج من العريش الثلاثاء الظهر، فيصل القنطرة الخميس العصر، يستريح يومًا في القنطرة، ثم يعود الجمعة الظهر فيصل العريش الأحد العصر وهكذا، وللعريش بريد إلى رفح مرتين في الأسبوع.
  • بريد الطور: كان بريد الطور يحمل إلى السويس على الهجن مرة في الشهر، فلما انتظم محجر الطور سنة ١٩٠٧ كانت شركة البواخر الخديوية قد أنشأت طريقًا تجاريًّا من السويس إلى سواكن فجدة، فصارت تمرُّ بالطور مرَّة في الأسبوع وتحمل بريدها، فأسبوع تحمله إليها من السويس، وآخر تحمله منها إلى السويس، وفي موسم الحج تمخر بين السويس والطور باخرة خاصة للبريد مرتين في الأسبوع.
  • بريد نخل: كان لنخل عند أول إنشاء قومندانية سيناء سنة ١٨٩٢ بريد إلى السويس، وآخر إلى الطور يحمل على الهجن مرة في الشهر.

    ثم في سنة ١٩٠٣ صار يحمل إلى السويس مرتين في الشهر.

    ثم سنة ١٩٠٦ صار يحمل إلى السويس مرة في الأسبوع ولا يزال يخرج من نِخِل الإثنين صباحًا، فيصل السويس الأربعاء صباحًا، فينتظر يومًا، ثم يعود الخميس مساءً، فيصل نخل السبت وهكذا، وكان بريد نخل إلى الطور يحمل بالبر بطريق نقب الراكنة، فلما انتظم بريد السويس إلى الطور بحرًا صار يحمل إليها بطريق السويس.

    ثم إنَّ لنخل إلى العريش بريدًا أسبوعيًّا يحمل على الهجن، يقوم من نخل السبت الظهر، فيصل العريش الإثنين صباحًا، ثم يخرج من العريش الإثنين مساءً فيصل نخل العريش صباحًا وهكذا، ولنخل بريد مرتين في الشهر إلى مراكز القُصَيِّمة ومشاش الكُنْتِلَّة وبئر الثمد، ومرة في الشهر إلى النويبع.

ويحمل البريد الآن في سيناء كلها عساكر البوليس الهجانة، إلَّا بريد العريش، فيحمله هجانة مقيدون بضمانات مالية كما كان الحال في نخل قبل سنة ١٩٠٩.

(٣-٤) مصلحة التلغراف في سيناء

  • خط العريش: إنَّ أول خط تلغرافي أنشأته الحكومة المصرية في سيناء هو خط العريش، فوصلت فيه مصر بالشام على الدرب السلطاني، وطوله من القنطرة إلى رفح ١١٣ ميلًا، أخبرني حسن مدخل أحد عمال التلغراف المصري الذي اشتغل بهذا الخط قال: وصل عمال تلغراف الشام إلى رفح قبلنا بعشرة أيام، وكان وصولنا نحن في آخر ذي الحجة سنة ١٢٨١ﻫ/٢٦ مايو سنة ١٨٦٥م.
  • خط الطور: وفي سنة ١٨٩٦ أنشأت السردارية المصرية خطًّا تلغرافيًّا من السويس إلى الطور على طريق البريد القديم طوله ١٢٥ ميلًا، وفتح للعموم في ٢٠ ديسمبر سنة ١٨٩٧، ثم دخل بعد ذلك محجر الطور، فكان رحمة للحجاج المصريين وسكان الطور معًا.

(٣-٥) مصلحة التليفون في سيناء

  • خط نخل إلى السويس: ما أتمَّت محافظة سيناء تحديد التخوم الشرقية حتى شرعت في إنشاء خط للتليفون من نخل إلى السويس بطريق بئر المرة، فتمَّ لها ذلك في ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٠٦، وكان طوله من نخل إلى شط السويس ١٢٠ كيلومترًا، وإلى مركز نائب الحربية في بورت توفيق ١٢٨ كيلومترًا.
  • خط نخل إلى الثمد فالكُنْتِلَّة: ثم مدَّت خطًّا آخر من نخل إلى الثمد فالكُنْتِلَّة.
  • خط نخل إلى القُصَيِّمة فالعريش فرفح: وآخر من نخل إلى القصية ٦٨ كيلومترًا، فمن القُصَيِّمة إلى العريش ٨٧ كيلومترًا، فمن العريش إلى رفح ٤٥ كيلومترًا.

    وبذلك يمكن محافظ سيناء الآن وهو في نخل أن يخاطب جميع مراكز البوليس في سيناء كلها إمَّا بالتلغراف أو بالتليفون إلَّا النويبع، وربما أنشأ إليها خطًّا تليفونيًّا من الطور بطريق فيران والدير ليتم ربط جميع مراكز سيناء المهمة كلها بعضها ببعض، وفي ذلك من تسهيل الأشغال وترويجها في البلاد ما فيه.

(٣-٦) دخل محافظة سيناء

إنَّ أهل سيناء من بادية وحضر معفون من القرعة العسكرية ومن جميع الضرائب والرسوم، فلا ضريبة ولا رسم على أنفسهم أو عقارهم أو نخيلهم أو زرعهم أو معادنهم أو ملاحاتهم أو صيدهم البرِّي والبحري إلَّا بحيرة بردويل في شمال بلاد العريش، فإن الحكومة تؤجرها بالمزاد العلني، وتربح منها الآن ألف جنيه في السنة، ونخيل قَطْيَة وقُطَيَّة فإنها كانت داخلة في ضرائب المديرية الشرقية قبل فتح ترعة السويس، فلما فتحت الترعة وضُمَّت قَطْيَة وقُطَيَّة إلى محافظة العريش بقيت الضرائب على نخيلها إلى اليوم، وقد بلغت قيمة عشور النخيل سنة ١٩١٣ نحو ١١٦٠ جنيهًا.

وكانت الحكومة تؤجر بحيرة الزرانيق بالمزاد العلني أيضًا، فتربح من ذلك نحو ١٥٠ جنيهًا في السنة، فلما كانت سنة ١٩٠٧ تركتها للأهلين ليصيدوا فيها مجانًا، وكذلك كانت الحكومة تؤجر ملاحات العريش وهي ملاحات الشيخ زويد، وسبيكة ومخيزن، وحواش، والمرقب، قيل وهي تغلُّ في السنة نحو ٥٠٠٠٠ طن من الملح، فتركتها للأهلين لينتفعوا بها بلا مقابل رفقًا بهم.

وليس في سيناء كلها مصلحة ذات ريع يذكر إلَّا إذا حسبنا دخل تلغراف العريش والطور ومحجر الطور ومحكمة العريش وضريبة الإبل والأغنام التي تمرُّ بسيناء من الحجاز وسوريا إلى القنطرة والإسماعيلية والسويس، وهذا تفصيل ما دخل مصر من الإبل والخيل والأغنام من بلاد الشام والحجاز في سنة ١٩٠٦ مثلًا:

الإبل البغال الخيل الغنم
٢٧٫٦٠٩ ١٫٣٥١ ٧٧٧ ٥٤٫٨٥٠ الجملة
٩١٨٧ ١٣٠٣ ٤٥٧ ٢٢٫٤٩١ عن طريق القنطرة من الشام
١٦٧٨٧ ٤٥ ٣١٦ ١٨٫٧٢٩ عن طريق الإسماعيلية من الشام والعقبة
١٦٣٥ ٣ ٤ ١٣٫٦٤٠ عن طريق السويس من النبك والعقبة

وحكومة مصر تتقاضى التجار ٨ في المائة من أصل الثمن، وأمَّا إذا دخل أهل سيناء مصر بأنعامهم قصد بيعها تقاضتهم جمارك القنطرة والإسماعيلية والسويس رسمًا قدره ٤ في المائة من أصل الثمن، ويقدر ثمن الكبير من إبلهم بأربعة جنيهات ونصف والصغير بجنيه ونصف جنيه، ورأس الضأن بأربعين غرشًا والماعز بعشرين غرشًا.

وإذا دخل أحدهم مصر بجمل له أخذت منه مصلحة الجمارك نصف جنيه تأمينًا، حتى إذا عاد بجمله أعيد له التأمين وإلَّا فلا.

(٤) رجال حكومة سيناء

فمركز «محافظ سيناء» مركز عسكري قضائي إداري، ويختلف عن مركز سائر المحافظين؛ لأنه على الحدود؛ ولأن أهل محافظته كلهم أو جلهم بادية.

وهو يرجع بأحكامه عمومًا إلى «مدير المخابرات» بمصر القاهرة، ومدير المخابرات ينظر بنفسه في المسائل العسكرية والإدارية مستمدًا رأي ناظر الحربية وسردار الجيش المصري في المهم منها، ويبعث بالمسائل المالية إلى «سكرتير مالي الحربية»، والهندسية إلى مدير أشغال الجيش المصري، والقضائية إلى ناظر الحربية وناظر الحقانية، ومسائل المحاجر والعربان والبوليس إلى نظارة الداخلية، والمسائل الدينية والجوامع إلى نظارة الأوقاف، ومسائل البريد إلى مصلحة البوسطة العمومية، والتلغراف إلى مصلحة التلغرافات، ومسائل الأراضي والرخص للبحث عن المعادن إلى مصلحة المعادن بإدارة المساحة بنظارة المالية.

وبالجملة فإن حكومة سيناء منوطة بناظر الحربية وسردار الجيش المصري ومدير المخابرات بمصر ومحافظ سيناء:

(٤-١) ناظر الحربية الحالي

أمَّا ناظر الحربية الحالي فهو السر إسماعيل سري باشا، المتولي في الوقت نفسه نظارة الأشغال العمومية، وقد سُنَّ قانون سيناء الجديد في عهده، وهو من نوابغ هذا القطر المشهود لهم بالتفوق في العلوم الهندسية واستنباط المشروعات النافعة الفنية؛ حتى إنَّ بعض حكومات أوروبا وأميركا سألته زيارة بلادها وإبداء رأيه في طرق ريها، وله مؤلفات نفيسة في الري والهندسة، وقد زان الله هذا الوزير الخطير بأحسن ما زان به وزراء الملوك من خلق كريم وعلم غزير ورأي سديد ولطف ودعة وإيناس.

(٤-٢) السردارون

أمَّا السردارون الذين تولوا أمر سيناء بعد إحالتها على نظارة الحربية فهم:
  • الجنرال السر فرنسيس غرنفيل باشا: بطل طوشكي الذي تولى السردارية من سنة ١٨٨٥ إلى ١١ أبريل سنة ١٨٩٢، وفي عهده في ٢١ مايو سنة ١٨٨٥ نمرة ١٣١ قرر مجلس النظار إحالة القلاع الحجازية من قلم الرزنامة بالمالية إلى نظارة الحربية، ثم سُلِّمت القلاع التي في الحجاز إلى تركيا كما مرَّ.
  • اللواء كتشنر باشا: بطل الخرطوم، وهو اللورد كتشنر أوف خرطوم واسبال معتمد إنكلترا السياسي في مصر حالًا الذي تولى السردارية من ١٢ أبريل سنة ١٨٩٢ إلى ٢١ ديسمبر سنة ١٨٩٩، وقد عني عناية خاصة بسيناء، وأجرى فيها من الإصلاح كل ما سمحت به ميزانيتها، فضمَّ بلاد الطور إلى بلاد التيه، وجعلها قومندانية واحدة سنة ١٨٩٢، وبنى قلعة النويبع سنة ١٨٩٣، وأنشأ خط التلغراف من السويس إلى الطور سنة ١٨٩٦.

    وكان قبل دخوله الجيش المصري قد ندبته الجمعية الجغرافية الإنكليزية مع جماعة من كبار المهندسين لمسح بلاد فلسطين، ثم ندبته من مصر في نوفمبر سنة ١٨٨٣ لمسح وادي العربة مسحًا فنيًّا، فسافر من السويس مخترقًا سيناء إلى العقبة فالبتراء فالبحر الميت فبئر السبع، ومن هناك بالدرب المصري مارًّا بصنع المنيعي والمقضبة إلى الإسماعيلية ومصر، وقد كتب في ذلك تقريرًا نفيسًا نُشِر ملحقًا في كتاب سُمِّي «جبل سعير» للأستاذ إدورد هل، وطبع في لندن سنة ١٨٨٤.

  • السردار الحالي الفريق الجنرال السر رجينولد ونجت باشا: بطل ٢٢ ديسمبر سنة ١٨٩٩، وقد قُلِّد مع السردارية منصب حاكم السودان العام، ومع ذلك يجد من وقته الثمين متسعًا للنظر في إصلاح سيناء وحكومتها، وأهمُّ ما كان في سيناء في أيامه تعيين حدِّ سيناء الشرقي، وجعلها كلها محافظة واحدة، وقد عُرِف السردار الحالي بحب العرب وبلاد العرب ولغة العرب، وقد نال العرب في سيناء والسودان من الخير على يده ما يخلِّد له في تاريخ القطرين أجمل الذكرى.

(٤-٣) مديرو المخابرات بمصر

fig59
شكل ٦-٢: الكونت كليخن مدير المخابرات سابقًا.
fig60
شكل ٦-٣: اللورد إدورد سسل مستشار المالية المصرية الحالي، ومدير المخابرات سابقًا.
fig61
شكل ٦-٤: اللواء ستاك باشا السكرتير الملكي لحكومة السودان الحالي، ومدير المخابرات سابقًا.
fig62
شكل ٦-٥: الكولونل كليتن. مدير المخابرات ووكيل حكومة السودان الحالي، وفي الحرب الحاضرة تولى أيضًا رئاسة أركان حرب القائد العام للجيوش البريطانية بمصر «لقسم المخابرات»، ورُقِّي إلى رتبة «بريجادير جنرال» في ١٢ أبريل سنة ١٩١٦.
  • أوَّلهم الميرالاي ونجت بك السردار الحالي: وقد بدأ خدمته بالجيش المصري في ٣١ مايو سنة ١٨٨٦، وفي ١ يناير سنة ١٨٩٤ سُمِّي مديرًا للمخابرات الحربية، ثم رقي إلى وظيفة إدجوتانت جنرال في ٣١ يناير سنة ١٨٩٩، فبقي إلى ٢٢ ديسمبر سنة ١٨٩٩ إذ سُمِّي سردارًا للجيش المصري وحاكمًا للسودان العام ولا يزال.
  • اللواء الشريف تلبوت باشا: تولى إدارة المخابرات الحربية بعده مدة قصيرة.
  • الكونت كليخن: من أمراء العائلة المالكة الإنكليزية، تولى إدارة المخابرات ووكالة حكومة السودان بمصر من ١٧ فبراير سنة ١٩٠١ إلى ١٤ أكتوبر سنة ١٩٠٣.
  • اللورد إدورد سل باشا: ابن اللورد سلسبري الشهير، تولَّى إدارة المخابرات ووكالة حكومة السودان العامة بمصر من ١٥ أكتوبر سنة ١٩٠٣ إلى ١٤ نوفمبر سنة ١٩٠٥، وهو الآن المستشار المالي للحكومة المصرية.
  • الميرالاي أوين بك: تولَّى إدارة المخابرات ووكالة حكومة السودان بالنيابة، ثم بالأصالة من ١٥ نوفمبر سنة ١٩٠٥ إلى ٢٧ فبراير سنة ١٩٠٨، وفي أيامه حصلت حادثة الحدود، فعُيِّن رئيسًا للجنة الحدود المصرية، ثم نُقِل مديرًا إلى منقلة ولا يزال.
  • الميرالاي ستاك بك: تولَّى إدارة المخابرات، ووكالة حكومة السودان بمصر من ٢٨ فبراير سنة ١٩٠٨ إلى أكتوبر سنة ١٩١٣، وهو الآن اللواء ستاك باشا سكرتير حكومة السودان الملكي بالخرطوم.
  • الميرالاي كليتن بك: مدير المخابرات، ووكيل حكومة السودان بمصر الحالي، وكان قبلًا السكرتير الخصوصي للسردار وحاكم السودان العام.

ولقد خدمت إدارة المخابرات الحربية في عهد هؤلاء السردارين ومديري المخابرات جميعًا، وما زلت في هذه الإدارة، ولي علاقة ماسَّة بأكثرهم إلى اليوم؛ لذلك ألجم القلم عن امتداحهم وتقريظ أعمالهم، ولكني أغتنم هذه الفرصة وأنا في آخر عهدي في الخدمة؛ لأصرح بمزيد شكري مما لقيته لديهم مدة الثلاثين سنة التي قضيتها معهم من المودة واللطف، وأتمنى لكل بلاد تحبها نفسي أن تحظى برجال راقين يشتغلون فيها بالغيرة والهمة والمقدرة التي اشتغل بها هؤلاء النبلاء في مصر وسيناء، والله أسأل أن يوفقنا جميعًا إلى ما فيه مصلحة هذا القطر السعيد، والسلام.

(٤-٤) قومندانات سيناء ومحافظوها

fig63
شكل ٦-٦: الميرالاي سعد بك رفعت.

(أ) القائمقام سعد بك رفعت من سنة ١٨٩٢ إلى ٢٢ أغسطس سنة ١٩٠٠

أوَّل من تولَّى قومندانية سيناء بعد دخولها في حوزة الحربية البكباشي سعد أفندي رفعت، وكان اختياره لهذا المنصب عين الحكمة؛ لأنه عربي صميم وضابط باسل شهم، وقد خُلِق ليحكم العرب، فكان يجالسهم ويؤاكلهم كأنه شيخ لهم، حتى إنه تزوج منهم، وكان يفصل في جميع خصوماتهم بالصلح وسلو العرب، وكان كلما أنهى لهم خصومة نصبوا له «رجمًا» اعترافًا بفضله حسب عادتهم، حتى نُصِب له في الجزيرة عدة رجوم، ونظموا في مدحه القصائد، وبقي إلى أن نقل إلى حكومة السودان في ٢٣ أغسطس سنة ١٩٠٠، ثم أحيل على المعاش برتبة ميرالاي، وخلفه على قومندانية سيناء:

fig64
شكل ٦-٧: الميرالاي حامد بك مختار.

(ب) القائمقام حامد بك مختار من ٢٣ أغسطس سنة ١٩٠٠ إلى فبراير سنة ١٩٠٤

وقد أحسن حامد بك سياسة العرب وأصلح في البوليس، ولكنه لم يحب الخدمة في سيناء، فما صدَّق أن تخلَّص منها، وأحيل على المعاش برتبة ميرالاي، وأهمُّ ما كان في أيامه قتال جرى بين اللحيوات على بئر الثمد، وجاء بعده:

(ﺟ) القائمقام محمد بك كامل من فبراير سنة ١٩٠٤ إلى ٣٠ يونيو سنة ١٩٠٥

وكان أستاذًا للعلوم في المدرسة الحربية بالعباسية، فقضى في هذه الوظيفة عدة سنين، وكان من خيرة الأساتذة علمًا وأخلاقًا، وما عتمت الحربية أن رأت أنَّ نفعه في المدرسة الحربية أكثر منه في سيناء، فأعادته إلى المدرسة ورقته إلى ميرالاي ثم إلى لواء وأحالته على المعاش، وأهمُّ ما حصل في سيناء على عهده: خلاف بين الطورة.

ودير سيناء بشأن تأجير الإبل، وقتل رجلين من التياها لرجلين من أهل نخل، وكثر غزو البدو بعضهم لبعض حتى خيف على اختلال الأمن كما سيجيء.

(د) الميرالاي سعد بك رفعت قومندانًا مؤقتًا، والمستر براملي مفتشًا ثم قومندانًا من ٩ يونيو سنة ١٩٠٥ إلى ١٧ نوفمبر سنة ١٩٠٦

فصدر أمر السردار إلى سعد بك رفعت في ٣٠ يونيو سنة ١٩٠٥ بالسفر إلى سيناء، وتسلم زمام القومندانية مؤقتًا ففعل، وكان قد سَمَّى المستر براملي مفتشًا على سيناء في ٩ يونيو سنة ١٩٠٥، وسبق إلى نخل فاتحدا على العمل وسكَّنا الحال، ولكن لم تنتهِ حركة القبائل حتى بدأت حادثة الحدود في أوائل سنة ١٩٠٦، فنُدِب سعد بك لبعض مأمورياتها ثم أعيد إلى المعاش، وبقي المستر براملي وحده مباشرًا الإصلاح في الجزيرة إلى ١٧ نوفمبر سنة ١٩٠٧، إذ ندب إلى وظيفة في حكومة السودان ولا يزال، وسُمِّي على سيناء:

(ﻫ) القائمقام باركر بك من ١٧ نوفمبر سنة ١٩٠٦ إلى ٢ فبراير سنة ١٩١٢ مديرًا ثم محافظًا، والبكباشي بيمش مفتشًا

fig65
شكل ٦-٨: اللواء محمد باشا كامل.

وكان باركر بك قبل انتدابه إلى سيناء مساعدًا لمدير المخابرات بمصر، وكان من كبار العاملين في تسوية حادثة الحدود، وفي عهده ضمت محافظة العريش إلى قومندانية سيناء، وسُمِّيت مديرية ثم محافظة وسُمِّي حاكمها محافظًا، وسُنَّ قانون سيناء القضائي الجديد نمرة ١٥ المار ذكره، وقد أحب باركر بك سيناء حبًّا جمًّا، واشتغل لمصلحتها ومصلحة أهلها بكل جهده، وهو من نوابغ الضباط البواسل المتحلين بالذكاء الفطري والاستعداد العلمي الراقي، ومن أصحاب الرأي والحزم، فسارت البلاد في عهده شوطًا بعيدًا نحو الإصلاح، واستتب الأمن والراحة في جميع أنحائها، وبقي إلى أن سُمِّي مديرًا لمدرسة البوليس في القاهرة بعد أن رُقِّي إلى رتبة ميرالاي، فترك محافظة سيناء في ٢ فبراير سنة ١٩١٢، وخلفه فيها:

(و) القائمقام بيمش بك من ٣ فبراير ١٩١٢ إلى ١ فبراير سنة ١٩١٣ محافظًا، والبكباشي بارلو مفتشًا

وانحرفت صحة بيمش بك، فاضطر إلى ترك البلاد بعد خدمة سنة، وخلفه عليها:

(ز) القائمقام براملي بك المحافظ الحالي

fig66
شكل ٦-٩: اليوزباشي عيسوي أفندي أحمد.

وبقي البكباشي بارلو مفتشًا والمحافظ الحالي هو شقيق المستر براملي، وهو محب لسيناء وأهلها، وباذل منتهى الجهد في اطراد الإصلاح الذي تمَّ في عهد أسلافه، وله من البكباشي بارلو سند قوي خبير، وفقهما الله.

هذا، ومن نظار المراكز الذين امتازوا في سيناء:
  • اليوزباشي عيسوي أفندي أحمد: بدأ خدمته ناظرًا على مدينة الطور سنة ١٩٠٣ في عهد حامد بك مختار، ثم نُقِلَ إلى العريش ثم إلى نخل ولا يزال، وهو من الضباط النجباء المتحلين برقة الطبع، وصحة العزم، وحب الحق والواجب، وقد تقلب عليه ستة من الرؤساء وكلهم أثنوا عليه الثناء الأوفر، وله منزلة رفيعة في نفوس الأهلين من بادية وحضر، ولما نقل من مركز الطور كتب له أعيانها من مسلمين ونصارى كتابًا وداعيًّا بتاريخ ٢٨ نوفمبر سنة ١٩٠٧ هذا نصه:

    تذكار من أهالي الطور إلى حاكمهم عيسوي أفندي أحمد ناظر قلعة الطور السابق

    نحن وكلاء دير طور سيناء الشريف بمركز الطور، والأهالي نظهر مزيد الأسف لمبارحتكم بلدتنا التي لا تنسى أيامكم العادلة مدى الدهر، وإننا مهما بالغنا لا يمكننا حصر أعمالكم الجليلة وحسن رعايتكم باللطف والإنسانية التي أظهرتموها مدة توليكم مركز الطور، ولنا العشم من حضرة الخلف أن يتبع خطوات حضرتكم بحسن الرعايا، ويتمُّ ما بدأتموه من الأعمال التي كنا نرجو أن تتم على يدكم، ونرجو أن تذكرونا كما سنذكركم بآثاركم الباقية. رافقتكم السلامة، وأكثر الله من أمثالكم ونسأل الله أن يرقِّيكم ويسمعنا عنكم ما يسرُّنا بمركزكم الجديد. (ويلي ذلك عشرون ختمًا.)

    fig67
    شكل ٦-١٠: اليوزباشي ميخائيل أفندي حبيب.

    ومن الخدمات التي أتى بها عيسوي أفندي في سيناء، وتذكر له بالشكر: الإشراف على بناء منشية عباس وجامعها في ضواحي مدينة الطور سنة ١٩٠٥، ومساعدة مفتش سيناء البكباشي بارلو في تسوية «مسألة الزقبة» من أعمال العريش، وتقسيمها على العربان سنة ١٩١٤، بعد أن اشتد الخلاف بين العربان بسببها، وامتد عدة سنين حتى إنَّ كلًّا من ناظر الحربية والسردار أرسل إليه، كما أرسل إلى البكباشي بارلو، كتابًا رسميًّا بقلم مدير المخابرات بمصر، يشكره فيه على الهمة والمقدرة اللتين أظهرهما في تسوية هذه المسألة بالحكمة والسداد، وعيسوي أفندي لا يزال في أوائل العقد الرابع من عمره، وسيكون له شأن يذكر في الحكومة إذا ساعدته الأقدار.

  • واليوزباشي ميخائيل أفندي حبيب: فإنه خدم ناظرًا في الطور ونخل والعريش، وذلك من عهد قومندانية محمد بك كامل سنة ١٩٠٤ إلى عهد القائمقام باركر بك، وهو من أصل لبناني، ولكنه مولود في مصر، وقد امتاز في سيناء — كما امتاز أبوه وجدُّه في لبنان — بالبسالة واقتحام الأخطار، وكان ممن أحسنوا سياسة العرب، فأحبُّوه وأسفوا على فراقه، وهو الآن مأمور في أحد جبال كردوفان بحكومة السودان.
  • وأحمد أفندي توفيق: شقيق الفريق إبراهيم باشا فتحي، مدير الغربية الحالي، كان رئيس القلم العربي بإدارة المخابرات الحربية، فلما كانت حادثة الحدود، وصارت محافظة العريش تحت إدارة الحربية؛ سُمِّي أحمد أفندي ناظرًا للعريش في ١٧ مايو سنة ١٩٠٦، فبقي فيها إلى ١٣ ديسمبر سنة ١٩١٣، إذ نقل ناظرًا لمدينة الطور ولا يزال، وهو من خيرة موظفي الحكومة خلقًا وآدابًا، وكان في كل مدة خدمته في العريش كما كان في إدارة المخابرات، وكما هو الآن في الطور مظهرًا من مظاهر المروءة والنزاهة وحب الخير والسلام لجميع الناس حتى لقَّبه بعض أهل العريش «بالولي توفيق».

هذا، والقلم العربي الذي خلت رئاسته بنقل توفيق أفندي إلى العريش قد ضُمَّ إليه فرع إنكليزي، وجعل برئاسة الشاعر الناثر أسعد أفندي داغر من كبار أساتذة اللغة العربية في مصر والشام، فكان هو والشاعر المطبوع ولي الدين يكن الموظف بنظارة الحقانية، والشاعر الظريف الأصولي حفني بك ناصف المفتش الأول للغة العربية في نظارة المعارف، والكاتب الصحافي المشهور محمد أفندي مسعود الموظف في قلم المطبوعات بنظارة الداخلية — من الأفراد المعدودين الذين رقَّوا «لغة الدواوين» في حكومتي مصر والسودان، واستحقوا من أبناء هذه اللغة ومحبيها كل ثناء وشكران.

•••

ومن وكلاء النظار الذين امتازوا في خدمة سيناء:
  • الحاج شهاب وكيل ناظر نخل: وهو من أنجب أهل نخل وأكثرهم خبرة بأحوال البادية وسياستها، «ومحمد آغا أبو جمعة، وكيل ناظر القُصَيِّمة»، من نجباء نخل أيضًا، وله خبرة واسعة في سلو العرب، «وقطامش آغا عيد، وكيل ناظر رفح» من أهل العريش، وله خدمات تُشْكر في مأمورية الحدود سنة ١٩٠٦.

•••

ومن الضباط المصريين الذين امتازوا في خدمة سيناء حديثًا:
  • اليوزباشي إسماعيل أفندي المفتي: من ضباط قسم الهندسة الممتازين بالجيش المصري، نُدِب سنة ١٩٠٦ مع ضابطين آخرين من النجباء، وهما الملازم الأول والآن يوزباشي غالي أفندي زكي، والملازم أول والآن يوزباشي علي أفندي حلمي لبناء العُمد التي أقرَّت لجنة الحدود إقامتها على حدِّ سيناء الشرقي، فقاموا بذلك أحسن قيام كما سيجيء، وكانت محافظة سيناء قد أضافت إلى ميزانيتها سنة ١٩٠٦ مركز ضابط للأعمال الهندسية من بناء وترميم وحفر آبار في الجزيرة، فلما أتمَّ إسماعيل أفندي بناء العُمد سمته لهذا المركز، فأجرى بإدارة المحافظ الأسبق والذي قبله من الإصلاح ما يذكر له بأجمل الثناء، وقد اكتشف حجارة جيرية وطبقات جبسية على وجه الأرض في جهات نخل والثمد والقُصَيِّمة والحسنة، واكتشف حجارة جيرية في جبل لحفن وقمينة قديمة لباني قلعته، فصنع الجير في القمينة، واستخدمه لبناء مركز رفح وترميم قلعة العريش، وفي سنة ١٩١٣ نُقِل إلى مركز حسن للبوليس في القاهرة، وسُمِّي في مكانه الآن الملازم أول محمد أفندي أمين سرور.

وللحربية مندوب سامٍ في السويس، وهو «المستر فلكونر» ينوب تارة عن مدير المخابرات، وتارة عن محافظ سيناء في قضاء مصالح سيناء في السويس، وفي فض المشاكل التي قد تقع بين بدو سيناء والمسافرين إليها، أو بين بعض عربان سيناء وبعض.

ولمحافظة سيناء مندوب في القنطرة، وهو الأديب أسعد أفندي عرفات المتقدم ذكره، سُمِّي في سنة ١٩٠٦ لمساعدة موظفي سيناء على تسهيل أسباب السفر إلى العريش، وقضاء مصالح المحافظة والحربية في القنطرة.

fig68
شكل ٦-١١: المستر جِننس براملي مفتش ثم مدير سيناء سابقًا.

وفي إدارة المخابرات بمصر الآن قلمان يختصان بإدارة سيناء: قلم إنكليزي يرأسه المستر أفِنس، وقلم عربي يرأسه يوسف أفندي غنوم، وكلاهما من خيرة رؤساء الأقلام.

(٥) الإصلاح في سيناء

وأمَّا الإصلاح الذي تم في سيناء منذ خُصَّت إدارتها بنظارة الحربية إلى الآن فهو:

  • (١)

    جعل سيناء كلها محافظة واحدة.

  • (٢)

    تعيين حدِّها الشرقي بحدود ثابتة بين رفح ورأس طابا.

  • (٣)

    وضع نظام إداري قضائي لضبط أحكامها ومنع الفوضى بين عربانها.

  • (٤)

    إنشاء بوليس منظم فيها، وبناء مراكز للبوليس في الطور، والشط، والنويبع، ونخل، والعريش، ورفح، والقُصَيِّمة، ومشاش الكُنْتِلَّة، والثمد.

    fig69
    شكل ٦-١٢: القائمقام باركر بك محافظ سيناء سابقًا.
    fig70
    شكل ٦-١٣: القائمقام بيمش بك محافظ سيناء سابقًا.
    fig71
    شكل ٦-١٤: القائمقام براملي بك محافظ سيناء الحالي.
  • (٥)

    بناء منزل لمأمور الحربية في القنطرة، ومحل استراحة للمسافرين إلى العريش.

  • (٦)

    بناء منشية عباس في ضواحي مدينة الطور.

  • (٧)

    تعيين مرتبات سنوية لمشايخ العربان في الجزيرة.

  • (٨)

    ترميم قلعتي نخل والعريش.

  • (٩)

    مدُّ خط تلغراف من السويس إلى الطور.

  • (١٠)

    مدُّ خطوط تليفونية بين نخل والسويس، وبين نخل والثمد فالكُنْتِلَّة، وبين نخل والقُصَيِّمة فالعريش فرفح.

  • (١١)

    حفر آبار جديدة في رفح ونخل والكُنْتِلَّة والطور، وترميم آبار رفيح وخربة الرطيل، وبعض آبار العريش، وبئر القريَّص، وبئر مبعوق.

  • (١٢)

    بناء سدِّ زراعي في وادي العريش قرب نخل، وإنشاء حديقة متسعة في نخل وغير ذلك، ولا تزال الهمة مبذولة في إطراد الإصلاح في جميع مرافق البلاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤