الفصل الأول

في قضاة البدو

أمَّا القضاء في جزيرة سيناء فموكول إلى قضاة من خواصِّ رجالهم، يحكمون بينهم بالعرف والعادة، وهم أنواع:
  • كبار عرب: وهم بمثابة «رجال الصلح» ترفع إليهم جميع المسائل الهامة التي لا يمكن صرفها إلَّا بالصلح؛ لعدم توفر الشهود فيها أو لجسامة ما ينجم عنها من الأضرار والأخطار إذا لم يُتلافَ أمرها كقضايا القتل والسلم والحرب والتعدي على العرض والمال، وهم ينتخبون من بين المشايخ والكبراء الذين بيدهم زمام الأمور، وعليهم يتوقف السلم أو الحرب.
  • المنشد: ويعرف بالمسعودي؛ لأن أهم قضاته من قبيلة المساعيد التابعة لمحافظة العريش، وهو يحكم في المسائل الشخصية الخطيرة كقطع الوجه والتسويد ومسِّ الشرف والإهانة الشخصية.
  • والقصَّاص: وهو قاضي العقوبات أو قاضي الجروح، يعيِّن الجزاء الذي يستحقه كل جرح حسب طول الجرح وعرضه وموضعه، وأكثر القصاصين في بلاد نخل من السلالمة الحويطات، وفي بلاد العريش من عرب بِلي، وفي بلاد الطور من القرارشة ومزينة.
  • والعقبي: وهو قاضي النساء، يحكم في المسائل المتعلقة بهنَّ من طلاق ومهر وتعدٍّ على العرض، وقد سُمي بالعقبي؛ لأن أكثر قضاة هذا النوع من بني عقبة.
  • والزيادي: وهو قاضي الإبل يقضي في أمور سرقتها ووثاقها وكل ما يتعلق بها.
  • والضُّرَيبي: وهو قاضي الإحالة، فإذا اختلف اثنان في القاضي الذي يحكم بينهما رفعا الأمر إلى الضرَيبي، وهو يعيِّن القاضي الذي من شأنه فصل دعواهما، ويختار الضريبي في الغالب من الحويطات.
  • المُبشِّع: وهو قاضي الجرائم المنكورة التي لا شهود لها، وذلك باختبار المتهم بالنار أو بالماء أو بالرؤيا، أمَّا اختباره بالنار فذلك أن المُبشِّع يحمي إناء نحاس كطاسة البن على النار ويمسحها بكفه ثلاث مرات، ثم يأمر المتهم فيغسل لسانه بالماء ويريه شاهدين، ثم يتناول الطاس المحماة من البشع فيلحسها ثلاث مرات بلسانه ثم يغسله بالماء ويريه المبشِّع والشاهدين، فإذا رأوا أثر النار على لسانه حكم المبشع بالدعوى لخصمه وإلَّا حكم له، وقالوا في تعليل ذلك: إن المتهم إن كان مجرمًا جفَّ ريقه وأثَّرت النار في لسانه وإلَّا فلا.

    وأمَّا اختبار المتهم بالماء فهي أن المبشع يأخذ إبريقًا من نحاس، ويجعل الحضور ومعهم المهتم في حلقة، ثم يشرع في التعزيم على الإناء، قالوا: فيتحرك الإناء من نفسه! فإن كان المتهم مجرمًا وقف الإناء عنده، وإن كان بريئًا وقف عند المبشع!

    وأمَّا اختباره بالرؤيا فهو أن المبشع يفكر في المتهم ثم ينام، فيظهر له الجاني في الحلم، وعندما يصحو يحكم عليه. وليس في الجزيرة كلها إلَّا مبشع واحد وهو «الشيخ عامر عياد» من قبيلة العيايدة، أخذها عن أبيه عياد وعمه عوَيمر، وقد رأيته في رفح سنة ١٩٠٦ فأخذت عنه ما أثبتُّه هنا في البشعة.

ويدخل في حكم القضاة عندهم آل الخبرة، وهم:
  • المَسْوَق: وهو الخبير بالإبل وأسنانها، فتسلَّم على يده غرامات الإبل.
  • وأهل القطاعات: وهم آل الخبرة بالزرع والأراضي الزراعية، ويحكمون في القضايا التي تتعلق بهذه الأراضي.
  • وأهل العرائش: وهم آل الخبرة بالنخيل، ويحكمون في القضايا التي تختص بالنخيل.
  • قصاصو الأثر: وهم آل خبرة في قص الأثر، وهم في بلاد الطور مزينة والقرارشة، وفي بلاد نخل الحويطات السلالمة، وفي بلاد العريش عرب بلي.
  • لحَّاسة الختوم: وهم المشايخ المعينون من قبل الحكومة ويتناولون رواتبها، ولهم القضاء في المسائل التي تتعلق بالحكومة ورجالها، خصوصًا في ما يتعلق بأجر الجمال وحقوق القبائل فيها ونحو ذلك، قالوا: وقد سُمُّوا لحاسة الختوم؛ لأن من عادتهم لحس أختامهم عند ختم وصولات رواتبهم.
  • الحسباء أو نقالة العلوم: وهم آل الخبرة في المسائل التي تتعلق بتقاليد العرب والعهود المقررة بينهم، فإذا نقض أحدهم عهدًا لقبيلة عُدَّ أنه قطع وجه الحسيب لتلك القبيلة، ووجب على الحسيب المطالبة بالحق الضائع وردِّه إلى احبه، ومن أمثالهم: «ما يرد المرازيم (الإبل) غير حق الملازيم.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤