الفصل الرابع

توفيق الحكيم «آثاره وكتاباته»

١

ظهرت أولى مسرحيات توفيق الحكيم عام ١٩٣٣، ومن ذلك التاريخ ظهر له أكثر من عشرة آثار أدبية تناثرت على جبين السنين الخمس التي انقضت منذ نشر مسرحيته الأولى «أهل الكهف» ونحن إذ نتناول هنا آثار الأستاذ الحكيم بالبحث، فإنما نتناول كل أثر على حدة ونرسم خطوطًا سريعة عن فكراتنا الأولية عنها.

ظهرت الطبعة الأولى من المسرحية «أهل الكهف» عام ١٩٣٣ في طبعة أنيقة عن دار مطبعة مصر بالقاهرة. وقد طبع منها المؤلف عددًا خاصًّا وزع معظمه على خاصة الكتاب والأدباء وكبرياء الصحف والمجلات، فقوبل صدور المسرحية بضجة من كتاب مصر وقادة الأدب فيها، واعتبرها البعض قطعة من الفن الخالص، وكان الأستاذ الجامعي الدكتور طه حسين بك عميد كلية الآداب بالجامعة المصرية الآن أول من هلل للمسرحية فكتب عنها في جريدة الوادي: «إنها حدث في تاريخ الأدب العربي …» «وإنها تضاهي أعمال فطاحل أدباء الغرب». وأخذت المجلات والجرائد تتحدث عن مسرحية «أهل الكهف» وشخص صاحبها وأخذت جريدة البلاغ تكتب عنها: إنها شبيهة بآثار موريس ماترلنك ولا تقل عنها. وأن شخص كتبها ماترلنك مصر وهكذا في ضجة ثارت في الدوائر الأدبية ارتفع اسم توفيق الحكيم كأعظم كاتب مسرحي في اللغة العربية.

وأعيد طبع المسرحية بعد أشهر من الطبعة الأولى، وخرجت عن مطبعة الاعتماد للتداول بين الجمهور، وعلى هذه الطبعة نعتمد في دراستنا للمسرحية.

وقبل كل شيء يجب أن نتنبه لهذه الحقيقة، وهي أن المسرحية من آثار الشباب كتبها الأستاذ توفيق الحكيم خريف عام ١٩٢٨ بمقهى صغير بضاحية الرمل من مدينة الإسكندرية١ غير أن صورة المسرحية ارتسمت في أعماق الكاتب من الصغر حين كان يستمع لسورة الكهف تتلى كل يوم جمعة في المسجد، وطبيعة التحويل عند الكاتب بما لها من المقدرة على التمثيل assimiIation حولت مشاهد القصة القرآنية من عالمها القصصي في القرآن إلى نفس الكاتب حيث خطرت وقائعها في ذهنه. وفي ذلك يقول الأستاذ الحكيم: «إن أهل الكهف كتبت في أعماق نفسي منذ سمعت سورة الكهف تتلى يوم الجمعة في المسجد وأنا صغير، ولقد كان الفقيه يرتل وأنا ساهم أرى في الهواء الكهف وظلماته وفجواته وأشاهد أصحاب الكهف جالسين القرفصاء، وكلبهم لا ككل الكلاب على مقربة منهم يشاطرهم عين النصيب، كل تلك الصور كانت تنسج خيطوها في نفسي يد مجهولة منذ الطفولة، هذه اليد يد الطبيعة الفنية.»
وهذه المسرحية ترجع بلغتها إلى الفترة الأولى التي عالج فيها الأستاذ الحكيم فن الكتابة من أساليب الفن الحقيقية. وهذه الفترة يمكن معرفتها بمراجعة آثاره، يلاحظ الباحث علهيا أن عباراتها لا تخرج عن مجرد ملابس تلبسها المعاني التي تنثال على ذهنه، ملابس مهلهلة فضفاضة لا تستقر فيها المعاني، واضطرار الكاتب لاستنزال معانيه المجردة لإقامة هيكل المسرحية جعله يكثر من اقتباس العبارات عن غيره ليؤدي بعض الأداء المعاني التي تحول في ذهنه، ومن هنا جاء اتهام البعض للأستاذ الحكيم بأن لمسرحيته أصل الآداب الأوروبية استنزلها منه.٢.

هذا الصراع بين المعاني في عالمها المجرد والألفاظ، جعلت المسرحية تخرج فاقدة بعض قوتها الأدائية، أداء المعاني والأخيلة.

ونحن لو نظرنا للمسرحية وأردنا أن نضعها في موضعها بين مسرحيات الأستاذ الحكيم، فإننا نجد بعض الصعوبة لأن المسرحية بهيكلها إن كانت تنزل من قسم المآسي فهي من هذا تنزل بجانب مسرحياته (شهر زاد) و(سر المنتحرة) و(الخروج من الجنة) فهي بلغتها تنزل في دورة من دورات تطور الأسلوب، مستقلة بذاتها، هذه الدورة هي دورة الكتابة للمرة الأولى أساليب الفن الصحيحة.

ولما كانت المسرحية من نوع المأساة، فمن الممكن الشعور بقوتها من مجرد القراءة، ومن هنا جاء ظن البعض أن القصة لم تكتب للمسرح وإنما وضعت على نمط مسرحي للقراءة٣.
ولقد استعان الكاتب للخلوص بفكرة هيكل المسرحية من أسطورة تاريخية بدأت وجودها عند الطوائف المسيحية الشرقية، ذكرها جيبون Gibbon في الفصل الثالث والثلاثين من كتابه القيم (قيام وسقوط الإمبراطورية الرومانية) كما وردت في كثير من الاسهاب بكتاب Tundgrben des orients م٣ ص٣٤٧–٣٨١ وهذه الأسطورة انصبت في قالب قصصي أخاذ في القرآن في السورة الثانية عشر، ولقد أتى المفسرون المسلمون فتوسعوا بالقصة القرآنية مستوحين الأساطير الشعبية المسيحية عن أهل الكهف والتي تتفق وهيكل القصة القرآنية.
ولقد استنزل الأستاذ توفيق الحكيم فكرة مسرحيته من القرآن والتفاسير التي كتبت له، فمن النسفي استمد أسماء أهل الكهف٤ ومن البيضاوي استنزل خطوط فكرة المسرحية٥ وكان مسوقًا في استنزال الفكرة من كتب التفاسير بالفن المسرحي وما يقتضيه من المواقف التي تحكي قصته، ولما كان أهم عنصر في المسرحية الانفعال pathos فعقلية الكاتب الغيبية جعلته ينفعل بالمعجزة في الأسطورة وأساسها أن يسلم أهل الكهف من فعل الزمن أثناء نومهم الذي امتد نيفًا وثلاث مئة عام، ومن هنا قامت فكرة مسرحية في ذهنه٦.

٢

ظهرت بعد مسرحية «أهل الكهف» للأستاذ الحكيم قصة طويلة من نوع «الرومان Roman في أواخر عام ١٩٣٣ عن مطبعة الرغائب بالقاهرة، هذه القصة هي «عودة الروح» وقد أصدر في أبريل سنة ١٩٣٨ الأستاذ الحكيم تكملة للقصة بعنوان «عصفور من الشرق».
أما عودة الروح فقد كتبها توفيق الحكيم في الأصل إلى جانب منها بالفرنسية عام ١٩٢٧ ثم عاد فكتبها بالعربية الدارجة. وهذه القصة تعتبر القصة المصرية الأولى من نوع الـ novel أو Roman التي فيها يبدو طلائع الأدب المصري في ميدان القصة، وهذه القصة هي قصة حياة توفيق الحكيم، مادتها محاكة من تاريخ حياته، فهي من هنا تذكرنا بقصة «ارسنيف» لا يفان بونين الروائي الروسي العظيم.

وقد كتب توفيق الحكيم هذه القصة في اللغة الدارجة، أعني في اللهجة المصرية فظهر فنه واضحًا فيها.

أما قصة «عصفور من الشرق» فأتت في العربية الفصحى وقد كتبها أو قل كتب فصولها الأولى في الفترة التي انقضت بين صيف عام ١٩٣٤ وشتاء عام ١٩٣٥ أما الفصول الأخيرة فقد كتبها في أواخر عام ١٩٣٦ والشهور الأولى من عام ١٩٣٧٧ ولا شك أنه راجعها مراجعة أخيرة قبل أن يقدمها للطبع في مستهل عام ١٩٣٨.

والقصتان كما قلنا تاريخ حياة توفيق الحكيم، ولغة القصة الثانية «عصفور من الشرق» رصينة لأنها تنزل في تاريخ كتابتها في الطور الثالث من أطوار تدرج اللغة الكتابية عنده غير أن تشبيهاته واستعاراته قليلة ومن هنا الثروة البيانية ضعيفة في القصة، وإن كان لأسلوب توفيق الحكيم من ميزة هنا فهو الاقتراب من الدقة والتميز بالوضوح.

ومن المهم أن نقول إن توفيق الحكيم اشتهر في العالم العربي وعرف على أنه كاتب مسرحي بارع، رغم أنه كتب «عودة الروح» و«عصفور من الشرق» وأقصوصتين في مجموعة «أهل الفن» وأقاصيص توفيق الحكيم من حيث أنها تدور من حوله فهي تحلل شخصيته وحياته، لأنه أدمجها إدماجًا كليًّا فيما كتب، ونحن لا يهمنا من ناحية تناول توفيق الحكيم لحياته من وجهة قصصية غير العناصر الروحية التي يخلعها على أشخاصه؛ لأنه في هذا وحده محك قدرته القصصية. ولا شك أن توفيق الحكيم قد نجح في حياة الانعزال التي عاشها في سبر غور نفسيته حتى إنه قدم نفسه في شيء كثير من التحليل الدقيق، وإذا كان لنا أن نقول شيئًا عن شخصية توفيق الحكيم وقد أجليت في شخص محسن في قصصه أنه شخصية مترددة مريضة النفس، وهذا التردد الذي نلمسه من وراء شخص محسن الذي هو الرمز الذي يجلي فيه شخصه توفيق الحكيم، تذكرنا بشخص أندريه جيد؛ ذلك الإنسان الذي ظل طيلة حياته مترددًا لا يهدأ له بال، وهذه ظاهرة نلمسها في الأشخاص المريضي النفس، وتوفيق الحكيم الذي يظهر لنا شخصه واضحًا في القصتين «عودة الروح» و«عصفور من الشرق» يبدو قريبًا من شخص أندريه جيد، كلاهما لا يهدأ له بال؛ يدرس الحياة بجميع نواحيها جريًا وراء الحقيقة المنشودة، ورغم العبء الديني الذي يرسف فيه الاثنان «جيد» و«الحكيم» في أيامهما الأولى نجدهما يستطيعان أن يحطما أغلاله وينطلقا أحرارًا باحثين، وكلاهما يجد طريق الحقيقة في الفن. ينتهي الأول به إلى الاشتراكية بل الشيوعية، بينما الثاني يرتفع به إلى خياليات الشرق الغيبية. كل هذا واضح من دراسة عجلى ونظرة سريعة لتوفيق الحكيم في عودة الروح وعصفور من الشرق وأندريه جيد كما أجلى حياته النقاد الفرنسيون،٨ ولقد كان توفيق الحكيم في قصته «عودة الروح» بمعرض الكلام عن الطبيعة المصرية فأجلاها في حديث أجراه على لسان مفتش للري إنجليزي وصديق له فرنسي، وإذا كان لنا أن نعلق بشيء على هذا التحليل فذلك أنه على شيء كبير من العمق ولكن عمقه ليس في تحليل الطبيعة المصرية!
لقد أخذ توفيق الحكيم ببعض الحقائق العلمية عن الطبيعة المصرية، أخذها من ناحية خياله وأدارها في ذهنه وإذا بها تنزل بعيدة كل البعد في دلالتها عن حقيقة الطبيعة المصرية، ومع هذا وجد توفيق الحكيم من يتلقف آراءه في هذا الصدد ويأخذها ليديرها لأغراضه السياسية، ذلك هو أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة٩.

وما يمكن أن يقال عن آراء توفيق في الطبيعة المصرية في عودة الروح يمكن أن يقال عن آرائه في الشرق والغرب في قصته عصفور من الشرق، فهي آراء استوحاها الأستاذ الحكيم من الكاتب الفرنسي «جورج دوهاميل» ولا أدل على هذا من أنه استعار بعض عباراته وأتى بآرائه طرفًا موزعة على فصول كتابه.

إلا أن هذا لا يعني أن الأستاذ الحكيم انتحل آراء دوهاميل لأن هذه الآراء قبل أن تنزل في القصة هضمها الأستاذ الحكيم فنزلت وكأنها من صميم نفسه١٠.

٣

ظهرت مسرحية «شهر زاد» في مارس ١٩٣٤ في طبعة فخمة عن مطبعة دار الكتب المصرية مشتملة على سبعة مناظر، وهذه المسرحية تمثل القمة التي بلغها فن الأستاذ الحكيم المسرحية، فهي في ذوقها الفني أدق وأرق من كل ما كتب، كما أنها أرهف في الحس واللطف وجوها أمتع منظرًا وأوقع سحرًا وروحها أعرق تأصلًا في التصوف وأعمق سرًّا١١.

أما تاريخ كتابة المسرحية فمن المظنون أنه في الفترة بين سنة ١٩٣١ وسنة ١٩٣٣ يدل على ذلك لغتها، إذ تمثل الطور الثاني من أطوار تدرج اللغة الكتابية عند توفيق الحكيم، وذلك الطور الذي كتب فيه مسرحياته «الزمار» و«حياة تحطمت» و«الخروج من الجنة» و«رصاصة في القلب». ففي هذه الآثار كلها محاولة ظاهرة في العمل على مطاوعة الألفاظ للمعاني وإيجاد التطابق والتوازن بين المعاني في عالمها في الذهن وبين الألفاظ التي تستنزل من اللغة.

وهذه المطاوعة تثبت تطورًا فعليًّا وتدرجًا نحو التمكن من القبض على ناصية اللغة١٢ فإذا لاحظنا هذا ولاحظنا أن الروح التصوفية في هذه المسرحية أعمق منها في أهل الكهف مما يستلزم أن تكون «أهل الكهف» سبقتها في تاريخها، كان لنا أن نفترض أنها كتبت بعد كتابة مسرحية «أهل الكهف» ببضع سنين، وإذا كان للباحث أن يستنتج من أن أهل الكهف تأخرت في كتابتها عن عودة الروح، من أن الروح التصوفية في عودة الروح ذات نظرة محلية قوامها ديانة الفراعنة وأساطير قدماء المصريين بينما هي في أهل الكهف عالمية، مما يثبت تدرجًا من المحلي إلى العالمي في الروح الصوفية، الشيء الذي يجعل عودة الروح تنزل بتاريخ كتابتها قبل أهل الكهف١٣. فنفس هذا المنهج يستلزم افتراض تأخر شهرزاد في كتابتها عن أهل الكهف. ولنا أن نستنتج من مجرى أقصوصة «الشاعر في مونمارتر» المنشورة بأهل الفن أن شهر زاد كتبت في مونمارتر بباريس في جوها الصاخب١٤. ولكن هذا الاستنتاج على قدر ما هو صحيح من وجهة استنزاله ومنطقة فإنه يشكل مشكلة أساسية في تحديد تاريخ كتابة «شهر زاد» لأن توفيق الحكيم لم يذهب لباريس بعد أن رجع لمصر عام ١٩٢٨ إلا بعد أن نشر شهر زاد١٥. فهل معنى ذلك أنه كتبها بعد ذلك؟

أم إنه كتبها قبل ذلك التاريخ؟!

إني أفترض لحل هذا الإشكال سفرًا للأستاذ الحكيم بين سنة ١٩٣١ سنة ١٩٣٣ إلى باريس، كتب خلالها الفصول الأخيرة من شهر زاد …

استنزل الأستاذ توفيق الحكيم قصة المسرحية شهر زاد من إطار قصة «ألف ليلة وليلة» تلك التي ترجع في أصلها إلى أصل هندي استنزلت هي منه من جانب، وإطار «سفراستير» الذي في العهد القديم من جانب آخر١٦ وهذا الإطار: أن الملك شهريار حاكم الهند داهم زوجته في أحضان عبد أسود، فقتلها وقتله، وخرج إلى بلاد أخيه شاه زمان ملك سمرقند وفارس كسير البال حزينًا. ولكن حزنه سرعان ما تلاشى إذ رأى أن امرأة أخيه تخونه مع عبد أسود فقر في نفسه على أن الخيانة من دأب النساء جميعهن … حتى نساء العفاريت والجن، فيرجع لبلاده ويأمر أن تجعل له كل ليلة عذراء يستمتع بجسدها طيلة الليل، ويقتلها مع الفجر ليعود في الليلة الثانية إلى عذراء أخرى يستمتع بها في الليل ثم يقتلها.
حتى لم يبق عذراء في المدينة تستحمل «الوطء» إلا «شهر زاد» بنت الوزير وكانت «شهر زاد» قد قرأت الكتب والتواريخ وسير الملوك المتقدمين وأخبار الأمم الماضية، فسعت إلى والدها أن يقدمها لشهريار عسى أن يكون لها معه أمر تخلص به عذارى المدينة، فلما تكون شهر زاد عند الملك وينال منها أربه تأخذ تحدثه حديثًا شيقًا حتى يقارب الليل الانتهاء والحديث لم ينته، فيتركها الملك لليلة التالية حتى يستمع لحديثها وقد شوقه. وهي في كل ليلة تذهب معه في حديث وتنتقل به ليلة بعد ليلة من قطر إلى قطر في أجواء شتى وآفاق سحيقة. من أنحاء فارس إلى بلاد الصين أو الهند العجيبة، إلى وادي مصر الخصيب، بين أجناس البشر المختلفة الألوان، وبين طبقات المجتمع ونماذج الأفراد على تفاوت الطبائع والدرجات من ملوك ومماليك، وسراة وصعاليك، وتجار وحمالين، وصاغة وصيادين، ومقاحيم يجوبون القفار ويركبون أهوال البحار، وبين عناصر طبيعية وغير طبيعية، إنسية وجنية، كل هذا والملك مأخوذ بحديثها مدهوش بكلامها١٧.

هذه المرحلة التي يعرض لها قصص «ألف ليلة وليلة» لم يعرض لها الأستاذ الحكيم، وإنما خلص منها إلى رحلة باطنة للملك شهريار، رحلة نفس متحجرة القلب غليظة الحس، عبد الجسد يبني كل ليلة بعذراء يستمتع بها وفي الصباح يقتلها، وكذلك كان ليلة استقبل شهر زاد يشتهي منها المتعة بالجسد الغض. حتى إذا سمعها تحدثه حديثها الساحر الممتع وتفتح له هذه العوالم من القصص والخيال والشعر، تفتحت مغاليق قلبه الموصد وتحرك جامده. فإذا هو يحبها وإذا بهذا الشهواني عبد الجسد يحبها حب القلب والوجدان. غير أن آثار العاطفة بدورها لا تلبث طويلًا حتى تخبو وتصفو إلى نور هادئ شاحب، فإذا بشهريار لا يأمن للشعور بل ينشد المعرفة.

هذه الأطوار النفسية التي يجليها توفيق الحكيم على مسرح قصته تبين لنا فكرة خروج الروح عن المادة واستعلائها عليها. ومن هنا كانت قصة (شهر زاد) عند توفيق الحكيم ليست قصة الخيال والبذخ والخرافة إنما هي قصة الفكرة والحقيقة العليا. واستنزال فكرة القصة على هذا الوجه مظهر لعبقرية توفيق الحكيم. إن شهر زاد في قصة الحكيم هي قصة الحياة التي يدخلها الإنسان وهو طفل يلهو، ثم يتدرج منها إلى رجل يشعر ويحس ويتركها كائنًا يتأمل ويفكر، ومن هنا تجد الصلة بين شخص الأستاذ الحكيم وشخص الملك شهريار كلاهما انغمر في المادة حتى شبع منها فانطلقت منه الصيحة: لقد شبعت من المادة … شبعت منها.

حقًّا الأستاذ الحكيم في هذه القصة بلغ قمة فنه، لقد عرف كيف يعرض إحدى المأساتين، مأساة الروح والمادة في هذه الحياة عرضًا فنيًّا، ذلك لأنه كان يعرض نفسه في هذه المأساة.

٤

ظهرت «أهل الفن» سنة ١٩٣٤ عن دار الهلال محتوية على ثلاث قطع، هي مسرحية «الزمار» مع أقصوصتين واحدة «العوالم» والثانية «الشاعر» وهذه القطع معروف تواريخ كتابتها، فـ
  • القطعة الأولى: وهي قصة «العوالم» كتبت في باريس في يونيو سنة ١٩٢٧.
  • والقطعة الثانية: وهي مسرحية «الزمار» كتبت في طنطا في أغسطس سنة ١٩٣٠.
  • والقطعة الثالثة: وهي قصة «الشاعر» كتبت في دمنهور في مايو سنة ١٩٣٣.
  • القطعة الأولى: مكتوبة باللغة المصرية الدارجة، وهي تنزل في دورة واحدة مع كتابة «عودة الروح» والأقصوصة حكاية ثلاثة من الشباب تصادفوا مع تخت على قطار يغادر القاهرة إلى الإسكندرية، وفي الأقصوصة وصف دقيق لحركات تخت متنقل، وتصوير صادق لها، ولا شك أن توفيق استمد قدرته على الوصف والتصوير من ذكريات طفولته حين اندمج في جو ذلك التخت الذي كان ينزل كل صيف بيت العائلة، والاصطلاحات الخاص بطائفة «العوالم» والتي تعرف بلفظ «السيم» والتي تجد بعض تعابير منها في الأقصوصة هي نتيجة هذه الصحبة. ونحن يمكننا أن نفهم جيدًا هذه الحقائق إذا عرفنا أن لذكريات المؤلف وذاكرته يدًا في تكوين فنه وتلوينها، لأن الفن من حيث هو إبداع وإيجاد لا يخرج عن تأليف وتركيب لأشكال سبقت أن عرضت للفنان … ينسقها الفنان على صور وأوضاع جديدة، ولا شك أن هذه الأقصوصة من هذه الناحية تركيب وتأليف للأشكال التي وعاها الأستاذ الحكيم من طفولته نتيجة احتكاكه بالتخت.
  • القطعة الثانية: «الزمار» وهي مسرحية فيها عنصر فكاهي، وموضوعها يدور من حول ممرض مغرم بالفن في بيئة ريفية يعثر على فنانة مغنية فيلتحق بركابها. ولغة المسرحية هي المصرية الدارجة، كتبها الأستاذ الحكيم سنة ١٩٣٠ وهو حديث العهد بالالتحاق بوظيفة وكيل للنائب العام في ريف مصر.

    وفي هذه المسرحية تبدو طلائع فن الأستاذ الحكيم المسرحي وقدرته على إحكام السياقة وإجراء الحوار وتهيئة البيئة المسرحية، فهي من ناحية العرض مستوفية شرط كمال أسلوب العرض المسرحي كما اتفق عليه كتاب المسرحية، والمسرحية مفعمة بالحوادث والوقائع، وهي من هنا تثير في الإنسان الرغبة في مطالعتها من ناحية ما يؤخذ منها بالفكاهة.

    وحوادث المسرحية ووقائعها، وإن كانت تافهة الموضوع، تجري في محيط ريفي بدائي فتصور قطعة من الحياة الريفية تصويرًا صادقًا إلا أنها قد أخذت من مزاج الكاتب لونًا فخرجت وكأن الوقائع والحوادث خطوط تتسلل منها إلى أعماق شخص «الزمار» بطل المسرحية، ومن هنا لنا أن نحكم بأن توفيق الحكيم وفق في مسرحيته أن يجلي شخص «الزمار» على مسرح القصة.

    والعناصر الروحية في المسرحية، وعلى وجه أخص في شخص «الزمار» تجلي لنا بعض الشيء نفسية الكاتب من حيث إن صورة «الزمار» منسقة على أوضاع وصور تتفق مع البيئة التي حبكها الأستاذ الحكيم، وهي مؤلفة ومنسقة من ذكريات ومشاهدات الكاتب لتصرفاته، فهي من هنا خارجة من نفسه.

    وسبب ذلك واضح في أن فن الأستاذ الحكيم فن ذاتي … ينبع من ذاته نتيجة لتعمقه في نفسه وانسحابه عليها، فتخرج تجاريبه كلها عن طريق نفسه بعد أن يحولها إلى طبيعته الأصلية بما له من المقدرة على التمثيل.

  • أما القطعة الثالثة: وهي أقصوصة (الشاعر) فتدور فكرتها الأولية حول مونمارتر وشهر زاد، وهي في عرضها وأسلوبها تمثل مرحلة من مراحل تطور الكتابة الفنية عند توفيق الحكيم فأسلوبها ومنحى إدارة الكلام فيها والقدرة على صوغ الأفكار تعطينا المرحلة الثالثة، حين تمكنت كتابة توفيق الحكيم على أساس. وفي الأقصوصة آراء جديرة بالاعتبار عن (شهر زاد) وهي تعتبر مفتاحًا لدراسة المسرحية الكبرى (شهر زاد).١٨.

٥

في فبراير عام ١٩٣٦ نشر الأستاذ توفيق الحكيم مسرحيته التاريخية «محمد» تلك المسرحية التي كتبها عن رسول الإسلام وهي مستمدة من المصادر الإسلامية. من كتب السيرة وما تناولها من كتب التاريخ والطبقات والحديث والشمائل١٩ ولكن الكاتب لم يقرأها بقريحة المؤرخ أو فكر الفقيه أو بطريقة المحدث، إنما أخذها أخذًا من ناحية طبيعته الفنية، فقص الحوادث مستخلصة من كتب السير كما وصلتنا، ولكن بعد أن رتبها في قالب حوار قصصي وأجلاها في إطار مسرحي، ومن هنا جاء الأثر الفني في عمل الأستاذ الحكيم٢٠.
والمسرحية جاءت في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، تناثرت عليها مناظر سيرة الرسول العربي من يوم أن ولد إلى يوم أن رفع للرفيق الأعلى٢١. ومن هنا جاءت للمسرحية طرافة ولكن هذه الطرافة أتت من أن حياة الرسول محمد لم تكتب فيها قصة تمثيلية، ومن هنا كان الإقدام على ذلك شيئًا جديدًا٢٢.
وقيمة هذا الأثر آتية من ناحية فن الحوادث فيه، فهي لا تعمل على إبراز شخص الرسول واضحًا من فكرة خاصة للمؤلف عنه، خرج بها من دراسة تاريخ حياته، كما فعل أدمون فلج Edmond Fleg في المسرحيات التي كتبها عن «إبراهيم» و«موسى» و«سليمان». ومن هنا نرى الفرق القائم بين فن كفن أدمون فلج حين أجلى شخصيات آباء اليهودية الأول وشخص الرسول «موسى» والملك «سليمان» وفن توفيق الحكيم الذي يقوم على فن الحوادث.
ولا شك أن توفيق الحكيم كان في مقدوره أن يتناول حياة الرسول من خلال فكرة خاصة ومن المحتمل أن يكون له فكرته في هذا. ولكن اعتبارات اجتماعية، وكونه كاتبًا يكتب بالعربية وجل الناطقين بها من المسلمين، لا شك صرفت نظره عن هذا. ولهذا تجد الكاتب لم يتصرف ويتفنن في عرض صورة حياة الرسول مخافة أن يثير عليه غضب الأزهر ويكون هدفًا لسخط المتنطعين وغضب المتعصبين والرجعيين. لقد آثر العافية ولكن على حساب مسلك اتخذه فكان في ذلك أبعد المسالك عن طبيعته الفنية ومنحاه الأدبي٢٣.
ولقد كتب المسرحية توفيق الحكيم في الفترة التي انقضت بين عام ١٩٣٤–١٩٣٥. وكان بدء تفكيره في كتابة السيرة النبوية في أسلوب مسرحي عام ١٩٢٧ حين كان بفرنسا غير أنه لم يقم بعمل جدي حتى كان سنة ١٩٣٤ إذ طلبت إليه مجلة «الرسالة» أن يكتب لها فصلًا أو شيئًا ليصدر في عددها الممتاز، التي تصدره في مستهل كل عام هجري عن الهجرة، فرجع الأستاذ الحكيم إلى سيرة ابن هشام وتفسيرها للسهيلي وطبقات ابن سعد وتاريخ الطبري، وكتب للمجلة فصلًا من حياة الرسول في قالب تمثيلي، فصادفت نجاحًا عند جمهور الرسالة المتنور ولم تثر شيئًا مما كان الكاتب يخشاه، فمن هنا تشجع وراجع ما أمكن من كتب السير والحديث والشمائل وأخذ يكتب سيرة الرسول في أسلوب مسرحي٢٤.
ومهما يكن من شيء فالأثر الذي تركه الأستاذ الحكيم من كتابة السير على نمط تمثيلي كان كبيرًا، حتى إن زعيم المدرسة القديمة في الأدب مصطفى صادق الرافعي هلل للمسرحية واعتبرها مغنمًا فنيًّا للسيرة النبوية. ومما لا شك فيه أن توفيق الحكيم وفق في هذه المسرحية توفيقًا كبيرًا من ناحية فن الحوادث، ولا ريب أنه في كتابة السيرة على هذا النمط صاحب لون شخصي يستمده من طبيعته الفنية، ومن هنا لا نجد معنى لقول الأستاذ مظهر: «أما الأستاذ الحكيم فقد قص الحوادث كما وقعت ونقل الأقوال كما قيلت بلسان أهل العربية الفصيح، ولم يزد من عنده على الأحاديث من شيء إلا وظهر كالرقعة الدخيل في الثوب القديم، فأنقص ذلك بعض الشيء من قوة السبك الأسلوبي في بعض مواضع القصة. وكل ما هو جديد في ما كتب الأستاذ الحكيم إنما هو الصور التي صور بها الأشخاص في بعض الحوادث، فجعل هذا يقطب جبينه وذلك يجلس القرفصاء وغيرهما يشير بيده على أن هذا أيضًا يمكن استخلاص الكثير منه من كتب السير التي أحاطت بوقائع ذلك العصر إحاطة شاملة.»٢٥

لأن الفن إن كان هو التأليف والتركيب وسوق الأشياء في حيوية فلا يعاب على الأستاذ الحكيم كل هذا، من حيث إن كان ما كتب عن الرسول مادة خام ولبنات أساسية للفنان أن يستعملها في بناء الأثر الفني الذي يرغبه، ولا شك أن توفيق بطبيعته الفنية أخذ هذه المواد من مواضعها في كتب السيرة وساقها سوقًا فنيًّا ليخلص بأثر جديد من الفن، غير أنه ساقها من ناحية فن الحوادث كما وقعت مضطرًّا إلى ذلك لا مختارًا، فمن هنا كان ابتعاده عن طبيعته الفنية ومنحاه الأدبي.

ولغة هذه القصة المجلاة على نمط مسرحي، من أروع الأساليب في عمومها، عربيتها العربية الكلاسيكية، وسبب ذلك أن الأستاذ الحكيم آثر أن يسوق الكلام من نصه التاريخي كما جاء في كتب السير، فمن هنا كانت تلك الروعة البيانية والبلاغية في المسرحية.

والمسرحية من ناحية السياقة وإحكام الحوار والبيئة بالغة حدها وقد يكون أبرز ما للأستاذ الحكيم في كتابته سيرة الرسول على نمط من السيرة هذا العمل من إحكام الحوار والبيئة والبراعة في السياقة.

٦

في صيف عام ١٩٣٥ كان الأستاذ الحكيم والدكتور طه حسين بك معتكفين في ضاحية سالنش الباريزية من ريف فرنسا يشتركان في وضع قصة طويلة تدول حول شهر زاد، التي هي رمز كل ما كان وكل ما يكون وكل ما سيكون، ولقد تحدث الدكتور طه بأسلوبه البليغ الرائع عن القرية التي نزلاها وعن جبالها، ومن ثم أجلى قصته على مسرحها الطبيعي الجميل. وكان بدء حديث الدكتور طه عن «توفيق الحكيم»، وفي هذا الفصل الذي يكون رسالة «سمير شهر زاد» نقع على شيء من النقد لا يخلو من لذة أو فكاهة تناول بها الدكتور طه حسين الأستاذ الحكيم، وهو على ما هو عليه من أسلوب رائع في التهكم واللذع … قال عن لسان شهر زاد وهو يسألها لم لم تقض الشتاء في مصر فتجيب: «هو الذي ردني عن مصر بكتابة هذا — مشيرًا لمسرحية شهر زاد للأستاذ الحكيم — الذي لم أحبه ولا أستطيع أن أحبه … لأنه كشهريار لم يفهمني وما أظنه سيفهمني.» ومن هنا تقوم قصة شهر زاد حيث يتناولها الدكتور طه حسين بطرف من بيانه وأدبه والأستاذ الحكيم بطرف من فنه وسحره، والقصة ومن أولها لآخرها شرح وتفسير لمسرحية شهر زاد الخالدة، ومن هنا كانت أحاديثها عن طبيعة الأديب وضميره.

القصة كما قلنا مفتاح لدراسة «شهر زاد» في أفكارها، أما من ناحية الأسلوب والعرض فهي تمتاز بأنها جمعت أرشق أسلوبين في العربية. أسلوب طه حسين السهل الممتع الذي يحوي في طياته على أدق تهكم وأبرعه عرف في تاريخ الأدب العربي، وبيان الأستاذ الحكيم الساحر، ومن هنا كانت للقصة حياة في أسلوبها وقالبها فضلًا عما لها من حياة من ناحية معانيها وأخيلتها.

أما موضوع القصة فكما قلنا تدور بين المرأة التي تمثلت فيها حواء وبناتها جميعًا. وبين خيال الأديب الذي يختزن أجيال الماضي وأنحاء الدنيا في الساعة يحياها والمدى الذي تبصره عيناه، أما منحى العرض فهو من أسلوب القصة وتقرأ هذه القصة فإذا بك تنتقل من مشهد طريف فيه لهو وعبث إلى فكرة عميقة تمس الزمن والخلود. أو من كلمة هازلة فيها نقد وسخر، إلى بحث شائك يمس الدين والخالق.

وخلاصة القول أن في هذه القصة يبدو فن توفيق الحكيم في تمامه وأدبه في دقة أدائه، لأن هذه القصة تمثل الطور الحالي من أدبه حيث تطور أسلوبه اللغوي إلى التحكم في الألفاظ تبعًا للمعاني.

٧

كان ذلك عام ١٩٣١ وتوفيق الحكيم لا يزال وكيلًا للنائب العام في الأرياف يشتغل، لست أدري على وجه من التحقيق، في نيابة طنطا أو الزقازيق: «يحيا مع الجريمة ويعيش في أصفاد واحدة، يطالع وجهها كل يوم ولا يستطيع محادثتها على انفراد.» ومن هنا كان لا يشعر بالحياة الهنيئة في العيشة التي يحياها، لهذا أمسك القلم وأخذ يدون يومياته، وفي ذلك يقول:

لماذا أدون حياتي في يوميات؟ ألأنها حياة هنيئة؟ كلا! إن صاحب الحياة، الحياة الهنيئة لا يدونها، إنما يحياها. إني أعيش مع الجريمة في أصفاد وحدة، إنها رفيقي وزوجي أطالع وجهها في كل يوم، ولا أستطيع أن أحادثها على انفراد هنا، في هذه اليوميات أملك الكلام عنها، وعن نفسي، وعن الكائنات جميعًا. أيتها الصفحات التي لن تنشر، ما أنت إلا نافذة مفتوحة أطلق منها حريتي في ساعات الضيق!

وحقًّا أطلق لنفسه حريته في ساعات ضيقة، هذا الرجل الذي له طبيعة الفنان وسموقه وسموه والذي نزل ميدان العلم كمحقق يقضي يومه بين الجرائم … أطلق حريته لدرجة أن تحدث عن وقائع خطيرة كانت تقلب حكومة وتقيم وزارة وتسقط وزارة إذا كانت وقعت في بلد غير مصر يحترم فيها القانون والدكتور والكرامة الإنسانية. ولكن الأوتوقراطية المصرية التي يحتضنها البرجوازيون من أصحاب رءوس الأموال من الأجانب وطبقة الحكام من الأتراك والمتتركين الذي يحتمون في القصر، جعلت هذه اليوميات تمر وكأنها لم تحتو على شيء. وإن انتبه لها بعض الصحافيين، فأشاروا إلى خطورة ما تحتويه٢٦.

وهذه اليوميات صرخة من رجل القانون والعدالة في مصر ضد هذا القانون المزعوم والعدالة المزيفة … صرخة من الصميم.

ولهذا لا نعتقد أن توفيق الحكيم من طبقة الكتاب المتعالين عن الشعب وآلامه كما تبادر إلى بعض الأذهان أيام محن الانتخابات الأخيرة في مصر، حين كان على زاوية من صحيفة الأهرام يتساجل هو والدكتور منصور بك فهمي٢٧.

نشأ توفيق الحكيم، من أسرة أرستقراطية من الأم، وغنية ولكن من طبقة الفلاحين من جهة الأب، وعاش يرى كيف تمتهن أرستقراطية مزعومة لوالده، فنقم على روح التعالي ولكنه لم يخلص من فردية باعدت بينه وبين المجتمع، وجعلته ينظر إليه نظرات شخص يشارك الشعب آلامه ولكن من بين غدق السحاب، ثم كانت النزعة الغيبية عنده فاندفع يطلب للشعب حياة روحية تعلو عن معترك الحياة المادية، ومن هنا جاءت تهمة بيروقراطيته وأنه من طبقة الكتاب البرجوازيين، الذين يظهرون ألمهم لآلام الشعب زورًا ويعملون على تخديرهم. كل هذا قيل في توفيق الحكيم، ومنطق القائلين صحيح في النظر لو وقفنا عند الظواهر ولكن لو نظرنا إلى الأعماق، أعماق الرجل وشخصيته، لما تطرق إلينا شك في نبالة إحساسات الكاتب. ومن هنا نعتقد أن «يوميات نائب في الأرياف» قطعة من الأدب الإنساني بل قطعة فريدة في تاريخ الأدب العربي من الإنسانيات.

ولغة هذه اليوميات تعود للطور الثاني من أطوار تدرج أسلوب توفيق الحكيم الكتابي، ودراسة هذا الأسلوب واستخلاص العناصر الأساسية فيه تساعد الباحث على تقسيم آثار الحكيم إلى دوراتها التاريخية من حيث كتابتها.

وقد نشرت هذه اليوميات في مجلة «الرواية» التي تصدر عن دار مجلة «الرسالة» في مجلد السنة الأولى عام ١٩٣٧ ثم جمعت في كتاب خرج في قرابة المئتين والخمسين من الصفحات مطبوعة على ورق فخم في مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.

٨

في ختام سنة ١٩٣٧ جمع الأستاذ توفيق الحكيم ما نشره من المسرحيات في مجلدين أخرجهما عن مكتبة النهضة المصرية في قرابة الستمئة من الصفحات، وهذه المجموعة تحتوي في كل مجلد على أربع مسرحيات، صدرت الأولى بمسرحية «سر المنتحرة» بينما الثانية صدرت بمسرحية «الخروج من الجنة» وكل هذه المسرحيات نشر ما عدا مسرحية «سر المنتحرة» ونشرها كان في مجلة (مجلتي) وذلك على التقريب في مجلد السنة الأولى.

أما مسرحية «سر المنتحرة» فجاءت في قرابة ١١٥ صفحة من الجزء الأول من مجلدي المسرحيات، وكانت في الأصل عنوانها «بعد الموت» كما يشير إلى ذلك الأستاذ توفيق الحكيم في صدر المسرحية ويظهر أن المسرحية كانت معدة للطبع من عام ١٩٣٣ بدليل ورودها في قائمة الكتب التي تحت الطبع التي جاءت بالصفحة الأخيرة من الجزء الثاني من قصة «عودة الروح»، ومما يزيد هذا الظن وثوقًا أن لغة المسرحية ترجع للطور الثاني من أطوار تدرج الكتابة الأدبية عند الأستاذ الحكيم، فهي من هذه الناحية كتبت في الفترة التي انقضت بين سنة ١٩٣١ وسنة ١٩٣٣، أعني في الفترة التي كان فيها توفيق الحكيم يشغل منصب وكيلًا للنائب العام في الريف المصري.

ولقد غيرت «الفرقة القومية» اسم المسرحية حين قامت بإخراجها وجعلتها «سر المنتحرة» وأخرجتها على مسرح الأوبرا الملكية وافتتحت بها الموسم التمثيلي لسنة ١٩٣٧، وقد اختلفت الآراء في المسرحية ومقدار هذا النجاح، غير أن هنالك شبه اتفاق أنها كانت ناجحة إلى حد أعلى من المستوى العادي. ومع هذا يمكن لمن يقرأ المسرحية أن يشعر بقوتها الدرامية ومقدار هذه القوة، لأن المسرحية قطعة من التراجيدا — المأساة — والتراجيدا يمكن الشعور بقوتها الدرامية من مجرد التلاوة.

وهذه المسرحية تدخل في عداد المسرحيات الأولى لتوفيق الحكيم، تلك المسرحيات التي خلدته ككاتب مسرحي، وتدور فكرة هذه المسرحية من حول فكرة الزمان والعمر وأثرهما على النفس البشرية، غير أن إبراز الفكرة جعلت شخوص المسرحية تتناقض في حركاتها، مما قد يحمل هذا على انقسام شخصياتها واختلاف المنازع التي تحركها.

وتلي هذه المسرحية في المجموعة مسرحية «نهر الجنون» التي نشرت في الأصل بعدد ١٥ يناير سنة ١٩٣٥ بمجلتي ثم جمعت في مجموعة المسرحيات وهي ترجع بتاريخ كتابتها إلى نفس الفترة التي كتبت فيها مسرحية «سر المنتحرة»، وفكرة هذه المسرحية قديمة كتب فيها في العربية جبران خليل جبران والدكتور شبلي شميل غير أن للحكيم في المسرحية شخصية تظهر في السياقة وإدارة الكلام وإحكام الجو المسرحي.

وتقوم بعد هذه المسرحية في الجزء الأول من المسرحيات مسرحية كوميدية في ثلاثة فصول هي «رصاصة في القلب» وهي نشرت في الأصل على ثلاثة أعداد من «مجلتي» في مجلدها الأول في الأعداد الثلاثة الأولى منها. والمسرحية قائمة في كل سطر منها على عنصر الفكاهة التي تستثير الباعث على الضحك ومن هنا كان جانب الملهاة فيها.

أما مسرحية «جنسنا اللطيف» والتي يختتم بها الكاتب الجزء الأول من مسرحياته فقد نشرت في الأصل بعنوان «بنات بلادي» في المجلد الأول ص١١٧٧–١١٩٢ من مجلتي بالعدد الحادي عشر. وقد كتبت في الشهور الأولى من عام ١٩٣٥ بالقاهرة وهي مسرحية عصرية تمثل نزول المرأة ميدان الحياة العملية ووقوفها فيها موقفًا ممتازًا وتتقدم فيه عن موقف الرجل في بعض الساحات.

أما الجزء الثاني من المسرحيات فكما قلنا مصدر بمسرحية من الرتبة الأولى هي «الخروج من الجنة» وقد نشرت في الأصل باسم «الملهمة» بالعدد الثامن والتاسع والعاشر من المجلد الأول من مجلة مجتلي، وهذه المسرحية مستنزلة خطوطها من قصة لأبي نواس مع عنان جارية الناطفي، ومن المهم أن نقول إن هنالك صلة بين شخصيات هذه المسرحية وشخصيات شهر زاد، فشخص عنان تقابل شخص شهر زاد، فبينما أنت ترى شهر زاد تقول لشهريار: إنك تبقي علي لكونك تجهلني. في المنظر الثاني، ترى عنان تبعد مختار عنها خوف أن يعرفها فيملها، وذلك في المنظر الثالث من المسرحية، وهذه المشابهة ليست عرضية، إنما تتصل بالعناصر الروحية التي تكون المرأة. أما شخص «مختار» في المسرحية فعناصره الروحية وما هو عليه من تباين وتخالف في النوازع النفسية، إنما يستحضر في الذهن شخص توفيق الحكيم، لهذا نعتقد أن شخص مختار يمثل توفيق الحكيم تمثيلًا دقيقًا وخصوصًا لناحية التردد نتيجة تباين التوازع النفسية فيه.

أما مسرحية «أمام شباك التذاكر» فقد سبق أن أشير إليها في موضوع آخر مع مسرحية الزمار وقد نشرت المسرحية «أمام شباك التذاكر» في المجلد الأول من مجلة «مجلتي» كما أن الزمار نشرت في مجموعة أهل الفن.

ومسرحية «حياة تحطمت» التي يختتم بها توفيق الحكيم جزئي المسرحيات فهي في أربعة فصول وخمسة مناظر، وهي من نوع المأساة وقوتها الدرامية يشعر بها الإنسان من مجرد تلاوتها، غير أنها لا تقف على أساس من المساواة مع مسرحيات «شهر زاد» و«أهل الكهف» أو «سر المنتحرة» وهذه المسرحيات لم يسبق لها النشر قبل خروجها في مجموعة المسرحيات.

وإلى هنا لنا أن نقف في استعراض آثار الأستاذ توفيق الحكيم.

٩

أما وقد انتهينا من استعراضنا الإجمالي لآثار توفيق الحكيم إلى هذا الحد فلنا أن نختتم هذه الدراسة باستعراض لما كتبه توفيق الحكيم في الجرائد والمجلات ولم يجمع بين دفتي كتاب بعد.

وقبل كل شيء يجب أن نلاحظ أن لتوفيق الحكيم مسرحية من نوع الملهاة في ثلاثة مناظر عنوانها «مجلتي في الجنة» نشرتها له مجلة في ملحق فصل الربيع من «كليوباترة» التي تصدرها، وهذه المسرحية تدور حول شخص الصحافي المصري المعروف أحمد الصاوي محمد صديق توفيق الحكيم الحميم، إذ تجليه على مسرح القصة بروحه الصحافية وهو يغادر الجنة ليظفر بحديث لأهلها من سكان الجحيم، وهذه المسرحية تمتاز بإظهار ما للأستاذ الحكيم من مقدرة على الدعابة البريئة.

هذا ولتوفيق الحكيم مسرحية صغيرة عنوانها «الساقون الثلاثة» نشرتها له مجلة «الحديث» الحلبية التي يصدرها الأستاذ سامير الكيالي في العدد الممتاز من مجلدها الثامن ص٣٧–٤٤ وتمتاز هذه المسرحية بروحها الخفيفة الفكهة وبمحاوراتها الدقيقة.

هذا وقد نشر توفيق الحكيم في مجلة «المهرجان» التي تصدر عن القاهرة قصة عنوانها «عدو المرأة» وفي هذه القصة نقف على بعض التحليل لعداوة توفيق المزعومة للمرأة، ويمكن الاستفادة في هذا الموضوع بإجابة توفيق الحكيم عن سر عداوته للمرأة، تلك الإجابة المنشورة في كليوباطرة ملحق عدد الشتاء من مجلتي ص١٥–١٧ و٢٤.

ولتوفيق الحكيم فصل عن مونمارتر منشور في كتاب باريس لأحمد الصاوي محمد، وقد نشرته مجلة «الحديث» في عدد أغسطس من السنة السابعة ١٩٣٣ وهذا الفصل يكون القسم الثالث من أهل الفن، وفي العدد الممتاز من سنة ١٩٣٥ نقع على قطعة في (الحديث) لتوفيق الحكيم عنوانها (فنان الظلام) وفي هذه القصص والمسرحيات ينحصر ما كتبه توفيق الحكيم على صفحات المجلات مما يتعلق بالفن.

على أن لتوفيق الحكيم بعض الآراء نشرتها له مجلة (الحديث) تلك المجلة التي تصدر عن حلب بسوريا وتعمل بجهود صاحبها الأستاذ سامي الكيالي على إيجاد حياة جديدة للشرق.

وأهم ما نشره توفيق الحكيم في هذه المجلة بحث له عن الأسلوب الأدبي للمسرحيات وهل تكون العامية أم العربية الفصحى، ومن رأيه في هذا البحث أن التجربة وحدها هي التي تلهم الكاتب الجواب على هذا السؤال، انظر مجلة الحديث م٩ ج٧ فبراير ١٩٣٥ ص١٦٩ كما أن له رأيًا في الاستفتاء الذي عرضته عليه مجلة الحديث عن موضوع (أين تلتقي وأين تفترق ثقافة رجل القانون وثقافة رجل الأدب) ومضمون هذا الرأي أن الحقوق ليست سوى مجموعة عادات وعقائد وأخلاق وصفات اعتنقتها البشرية بحكم السليقة وظروف المعاش ثم اصطلحت عليها ونظمتها فأصبحت قانونًا يخضع الجميع لسلطانه.

وما الأدب إلا وصف وإبراز وتحليل لعين تلك العادات والعقائد والأخلاق والصفات الإنسانية قد أفرغ في قالب جميل ليستهوي النفس ويصقل العقل، ومن هنا كانت الثقافتان تلتقيان في المنبع الأساسي: الإنسانية.

أما الافتراق فيكون في شكل البناء، فبينما رجل الحقوق يبني من مادة الإنسانية هيكلًا عاريًا لا أثر للخيال فيه، متينًا رصينًا بقوانينه المستخرجة من العرف والتقاليد تجد رجل الأدب يبني قصرًا بديعًا محاطًا بجنات، مرمري الأعمدة مزخرف القباب قد أبرز على جدرانه الحياة أجمل من الحياة، فهما متحدان في المادة مختلفان في الصناعة، ملتقيان في الوحي مفترقان في الأسلوب — انظر مجلة الحديث م١٠ ج١ يناير ١٩٣٦ ص٢٣–٢٤.

وللأستاذ الحكيم رأي في تأثير الأدب الأوروبي في الأدب العربي وذلك مدرج في مجلة الحديث م١١ ج١ يناير ١٩٣٧ ص٣٣–٣٥، وفي هذا البحث يقول توفيق الحكيم إن الحضارة الأوروبية أشد الحضارات نفوذًا في الشعوب، ولعل ذلك يرجع إلى تسخيرها العالم والطبيعة في تيسير سبيل المواصلات مما لم يعهده العالم من قبل، ولهذا الأثر نتيجة في إذاعة الأفكار الأوربية ونشرها، ومن هنا كان القول بتأثر الشرق الأدبي بالحضارة الأوروبية هو عين البديهة، ومن هنا ينبغي أن يتأثر الأدب العربي بالحضارة القائمة الآن، إذا أراد أن يحيا وأن ينتشر ويعترف به، ولا شك أن هذا التأثر حدث، وكان شديدًا بعد الحرب على نحو فجائي أشبه بالطفرة، ولقد أدرك العربي من احتكاكه بأوروبا أن وسائل التعبير قد تغيرت وتطورت، وأنه في جميع العالم تواضع الكتاب أن يلبسوا أفكارهم ثيابًا متشابهة، فكان من الطبيعي أن يتأثر بهذا اللباس الأدبي الشائع الأدب العربي الحديث. على أن اللباس شيء والروح شيء آخر، ولهذا لا يخشى مطلقًا من إلباس الأفكار في العالم العربي الثوب الأوروبي على شرط أن يكون طابع هذه الأفكار وروحها شرقية محضة.

وفي العدد الممتاز من مجلد هذه السنة من مجلة الحديث نقف على رأي توفيق الحكيم في كيفية العمل على إحياء الثقافة العربية القديمة وماهية المؤلف الغربية التي يحتاجها.

الشرق العربي في نهضته الفكرية وهل يغني تلخيصها عن ترجمتها.

كما وأنك ترى لتوفيق الحكيم رأيًا في المعنى الإنساني في لبس القبعة بالمجلة الجديدة م٦ ج٥ مايو ١٩٣٧ ص٧٠٦، وخلاصة هذا الرأي أن مصر في ثورتها ضد لبس القبعة إنما تثبت على نفسها البعد عن الروح الإنسانية وتبين الانعزال في عقليتها وضعف أفقها الفكري، إن مصر في الواقع لم تتصل حتى الآن بالعالم المتحضر اتصالًا يشعره بوجودها ويشعر أبناءها بأنهم جزء منه. فما المصريون في حقيقة الأمر إلا شعب صغير لا وجود له على خريطة الفكر الإنساني المتحضر وعقليته في ذاتها لم تزل تميل إلى العزلة الذهنية، وأمام مصر وقت طويل قبل أن تهضم الأفكار الإنسانية في ذاتها وتصبح أهلًا للانضمام إلى هيئة الأمم المتحضرة.

وإلى هنا نقف بالبحث عن توفيق الحكيم خاتمين الدراسة بهذه الأبيات التي لها دلالتها مع شخص توفيق الحكيم وهي للشاعر وليم بليك:

Do what you will, this worldiss a Fiction
And is made up of contradiction

بعض المراجع

  • (١)

    آثار توفيق الحكيم الفنية والأدبية:

    أهل الكهف: مطبعة مصر مايو ١٩٣٣، ١١٧ صفحة من القطع الكبير.
    عودة الروح في مجلدين: مطبعة الرغائب ديسمبر ١٩٣٣، ٢٤٥–٢٣٣ صفحة من القطع المتوسط.
    شهر زاد: مطبعة دار الكتب مارس ١٩٣٤، ١٦٢ صفحة من القطع الكبير.
    أهل الفن: مطبعة الهلال سنة ١٩٣٤، ١٣٣ صفحة من القطع الصغير.
    محمد: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٩٣٦، ٤٨٥ من القطع الكبير.
    القصر المسحور: بالاشتراك مع الدكتور طه حسين بك، مطبعة دار النشر الحديث.
    يوميات نائب في الأرياف: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة ١٩٣٧ في ٢٣٤ صفحة من القطع الكبير.
    مسرحيات توفيق الحكيم في مجلدين: مكتبة النهضة المصرية سنة ١٩٣٧ في ٢٩٨–٣١٢ صفحة من القطع المتوسط.
    عصفور من الشرق: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر أبريل سنة ١٩٣٨ في ٢٣٣ صفحة من القطع المتوسط.
  • (٢)
    كتابات توفيق الحكيم أهمها:
    • (أ)

      مساجلات بينه وبين الدكتور منصور فهمي بجريدة الأهرام نوفمبر ١٩٣٦/مارس ١٩٣٧

    • (ب)

      من برجنا العاجي تأملات في الأدب والحياة — بمجلة الرسالة — السنة السادسة العدد ٢٣٧–٢٥٨

    • (جـ)

      «الرسالة» و«الحديث» و«مجلتي».

  • (٣)

    كتب جديدة صدرت قبيل الأسبوع الأخير من أكتوبر سنة ١٩٣٨:

    تحت شمس الفكر: ١٥ أكتوبر ١٩٣٨، ١٧٦ صفحة من القطع المتوسط
    عهد الشيطان: ١ ٥ أكتوبر ١٩٣٨، ١٥٣ صفحة من القطع المتوسط
    تاريخ حياة معدة: ٢٥ أكتوبر ١٩٣٨، ٢١٠ صفحة من القطع المتوسط
١  انظر مجلة الحديث م٩ ج٣ مارس ١٩٣٥ ص١٣١.
٢  انظر مجلة الحديث م٨ ج٢ فبراير ١٩٣٤ ص١٧٦–١٨٥ وعلى وجه خاص ص١٧٧–١٩٨.
٣  انظر مجلة الحديث م٨ ج١ فبراير ١٩٣٤ ص١٧٦–١٨٥ وعلى وجه خاص ص١٧٧–١٧٨.
٤  الحديث م٨ ج٢ فبراير ١٩٣٤ ص١٧٧–١٧٨.
٥  الحديث م٩ ج٣ مارس ١٩٣٥ ص١٣٠–١٣١ ومجلة الشعلة عدد ١ من م١ ١١ يوليه ١٩٣٨ ص٢٠.
٦  انظر الباب الثالث من هذه الدراسة فقرة ففيها تحليل تام لمسرحية أهل الكهف ومنحى عرضها.
٧  هذه التواريخ مستقاة من مذكرات شخصية استخلصناه من أحاديثنا مع أدباء مصر.
٨  Benjaminc remieux-Andre Gide (eIude) Nov 1934 et Rene Schuaob dan Le vrai drame d, Anre Gide 1932
٩  خطاب أحمد حسين أغسطس ١٩٣٨ بالإسكندرية نشر بمجلة مصر القناة أغسطس سنة ١٩٣٨ في عدد خاص.
١٠  انظر الباب الثاني الفقرة ٩.
١١  عبد الرحمن صدقي بمجلة الرسالة السنة ٢ العدد ٢٩–٢ أبريل ١٩٣٤ ص٥٥٦.
١٢  انظر المرجع الوارد ذكره في الهامش ٣ من هذا الباب.
١٣  مجلة الحديث مم ٨ ج٢ فبراير ١٩٣٤ ص١٨١.
١٤  أهل الفن ١٩٣٤ ص١٢٨ سطر ١١.
١٥  انظر الباب الثاني الفقرة ٩.
١٦  انظر Degogc في دائرة المعارف البريطانية الطبعة ١١ م٢٦ ص٨٨٤ وكذا انظر Cosquin Le Prologide Cadre des Mille une Nuil, Paris وقد وضع لبناني أخيرًا رسالة عن أصول ألف ليلة وليلة تقدم بها إلى جامعة بيروت ١٩٢٨ لأخذ إجازة البكالوريوس في الآداب وقد نشرت له القسم الأول من الأطروحة مجلة المكشوف السنة ٤–٢٥ تموز ١٩٣٨ ص٢–٣–١٥، ويظهر من نظرة سريعة لها متانة البحث ونحن نوافق صاحب الرسالة الأديب الباحث منير البعلبكي آراءه في هذا الفصل، انظر لنا بحث عن «ألف ليلة وليلة» باللغة الروسية بمجلة الشرق عدد ١٧ يناير ١٩٣٥ العدد ٣١١٧ السنة الثالثة ص٣–١٥ و٦١–٧٠ كييف اكرانيا.
١٧  عبد الرحمن صدقي في الرسالة السنة ٢ العدد ٣٩، ٢ أبريل ١٩٣٤ ص٥٦٦.
١٨  من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن جو مونمارتر وما فيها من الإغراق في الحياة المادية، تجعل ذوي النفوس الفنية تمج المادة وكل ما يتصل بها فتعلو عن آفاق المادة وترتقي، ومن هنا جاءت عند توفيق الحكيم الصلة بين شهر زاد ومونمارتر.
كذلك يجب أن تلاحظ مع الأستاذ عبد الرحمن صدقي أن في شهر زاد جوًّا أكثر سحرًا وأعمق سرًّا من كل الأجواء التي خلقها في مسرحياته وسر هذا في نظري يرجع لكون المسرحية تدور من حول فكرة تحرر الروح من الجسد وارتفاعها عن المادة، ومن هنا كانت تنزل من صميم شخص توفيق الحكيم، ولهذا كان أبرز لفنه من كل ما كتب. هذا إلى أن الجو السحري في المسرحية يعطينا عنصرًا غيبيًّا في المسرحية، ودراسة هذا للعنصر الغيبي مهم جدًّا بالإضافة للناحية الغيبية عند توفيق الحكيم. انظر لنا ولكزميرسكي Shahrzad-ethode في ZR. G. J. م٣٥–١٩٣٥ ج١ ص١٧–٢٣ النص الروسي بقلمنا من ١٧–٢١ وتلخيص لها بالفرنسية لكرميرسكي ص٢١–٢٣ وانظر على وجه خاص ص٢٢ من الملخص الهامش لكزميرسكي.
وعن شهر زاد انظر الدكتور طه حسين بك وتوفيق الحكيم: «القصر المسحور» القاهرة ١٩٣٦ ففيها فوائد كثيرة لدراسة شهر زاد دراسة علمية منظمة.
١٩  المسرحية هامش الصحيفة ١٣ ومصطفى صادق الرافعي في الرسالة العدد ١٣٦، ١٠ فبراير ١٩٣٦ ص٢٣٩ عمود ٢.
٢٠  الرافعي في المراجع السابق ذكره عمود ١ و٢.
٢١  بلغت المناظر في المسرحية أكثر من مائة منظر لم نعدها ولكن فصلًا واحدًا جاء في ثلاث وثلاثين منظر!
٢٢  إسماعيل مظهر في المقتطف م٨٨ ج٣ مارس ١٩٣٦ ص٤٢٤، ومن المهم أن الأستاذ إسماعيل مظهر خانة عمله في هذا البحث حين قال: «إن حياة نبي العرب أحيط بها من جميع نواحيها ودونت كل دقائقها وأكثر وقائعها وقيدت جميع الأحاديث التي تتعلق بها على وجه من التقريب، فلم يترك المتقدمون من كتاب السير مادة واحدة يمكن أن يشعر المؤرخ حيالها بأنه في حاجة إلى تفكير أو مقارنة لاستخلاص حقيقة جديدة تخفى على الناس فيها، لأننا نحن المشتغلين بالإسلاميات نعلم علم اليقين أن حياة الرسول من أبعد الأشياء عما تصوره لنا كتب السير خصوصًا بعد تلك الأبحاث القيمة التي قام بها جولدزيهر وسيرنجر وويلهاوزن ونولدكه وقييل وكايتاني، ومن المهم أن نقول إننا انتهينا ببحوثنا عن حياة الرسول في الدراسات التي ألقيناها بمعهد التاريخ التركي إلى إضافة شيء جديد على هذه الأبحاث وأجلينا للرسول سيرة وحياة ليست من كتب السير انظر لنا Islam Tarihi ج١ المقدمة».
٢٣  محمد صبيح في المقطم ٢٧ مارس ١٩٣٦ ص١١ عمود ٥.
٢٤  أحمد الصاوي محمد في مجلتي م٢ ج٣٧٣ فبراير ١٩٣٦ ص١٧٨–٢٩٢.
٢٥  إسماعيل مظهر في المقتطف م٨٨ ج٣ مارس ١٩٢٦ ص٤٢٢.
٢٦  الأهرام على الهامش لصحفي عجوز.
٢٧  الوفد المصري ١٠ مارس ١٩٣٧ فوق سطح الحياة حدأتان تتناجيان لعباس حافظ ص١ و٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤