الفصل الرابع

آراء في الرجال

«لا تُكوَّن الرجال باللعب والرقص.»

«لا يظفر المقامر بثقة مني، وإني لأنزع ثقتي بامرئ عند أول علمي بأنه مولع بالقمار.»

«ليس في قدرتي خلق الرجال، فلا بد لي إذن أن أستفيد ممن أجد.»

«إني لتدهشني سلطة الألفاظ على الرجال.»

«كنت أيام سعادتي أحسبني أعرف الرجال، ولكن لم أكن أدري أن عرفاني بهم على حقيقتهم إنما كان في أيام محنتي.»

«أتدري ما حمْلُه أثقلُ على النفس من تقلبات الحظوظ؟ ألا إنه هو دناءة الرجال وفظاعة جحودهم … ألا إنما الموت راحة.»

وقال بعد واقعة واترلو:

«إن آخر اختباري للبشر قد نفى عني تلك الأوهام التي من دأبها أن تقضي على همامة الملوك. لم يبقَ لي في الوطنية ثقة، فقد علمتُ أنها لفظ فارغ، يعبِّر عن فكرة فاضلة؛ إن حب الإنسان لوطنه إنما هو حب لذاته ومركزه ومصلحته.»

(١) ضعف الطبيعة البشرية

قال نابليون لبطانته في سنت هيلانة:

«إنكم لا تعرفون الرجال، بل يصعب على الناس فهم الرجال. هل يستطيعون فهم طبائع أنفسهم أو الإبانة عنها؟ إن أغلب الذين هجروني لم يكونوا ليعرفوا مكان النقص في نفوسهم لو أنني ظللت كما كنت في إقبال … إن من الفضائل والرذائل ما يتوقف على الظروف.»

«إن محنتي الأخيرة كانت فوق مقدور الرجال، ولكني أوقن أن رفقتي هجروني لا خيانة منهم لعهدي، بل صدًّا. أجل، فإن ما رأيت لم يكن إلا من ضعف في نفوسهم لا خيانة. وهل تجد في صحائف التاريخ رجلًا كان له من الأصدقاء والمتشيعين ما لي؟ أو كان محبوبًا في قلوب الناس مثلي؟ أو كان محزونًا عليه حزنهم عليَّ؟ ألا إنه لا يشك امرؤ أني وإن أكن فوق هذه الصخرة النائية، أطل بعين الوهم على فرنسا، كأنما لا أزال أحكم في تلك الربوع، كما أن الملوك والأمراء الذين عاهدوني قد حفظوا عهدهم إلى النهاية، ولكنهم ذهبوا في تدافع الشعوب، وأولئك الذين كانوا حولي قد غشيتهم ريح صرصر صرعتهم فهم لا يتحركون.»

«إن الماليين وأصحاب المصارف نافعون أحيانًا بما لهم من الخبرة بالأمور.»

وقال وهو في سنت هيلانة:

«ليس لي في الطب ثقة. إن دوائي إذا أنا مرضتُ الصومُ والاستحمامُ بالماء الساخن، على أني أُكبِر صناعة الطب، وأخص الجراحة بالإجلال دون غيرها، أما المحاماة فمحنة ثقيلة على الإنسان، وهو ضعيف، والرجل الذي يعوِّد نفسه مناهضة الحق ويبهج لغلبة البغي على العدل لا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل. وكذلك دأب السياسة؛ يحتم على رجلها أن يكون قلبه قلب الجميع. أما رجال الدين، فأولئك مدفوعون إلى الرياء لكثرة ما يتطلب الناس منهم. أما الجنود فهم سفاكو دماء ولصوص، ولكن الجراحين يخدمون الجنس البشري؛ فلا هم يفنونه ولا هم يحرضون بعضه على بعض.»

«إن عظماء الخطباء الذين يملكون قلوب المجتمعات التي يخطبون فيها هم في الحقيقة من أواسط السياسيين موهبة. لا ينبغي أن يعارضوا بمثل أقوالهم؛ لأنهم أقدر منك على تسفيه ألفاظ كثيرة اللغط والضجيج في وجه المعارضين، بل الواجب إذا أُريدَ محاجَّتهم أن يكون الكلام جديًّا مؤسسًا على القضايا المنطقية. إنما يعتمد أولئك الخطباء على السفسطة، فمن أراد مناقشتهم فليردهم إلى الحقائق الثابتة، وذلك لا يتسنى إلا بالبرهان المنطقي السديد. لقد كان معي في المجلس رجال أفصح مني لسانًا وأوضح بيانًا، ولكني كنت ألزمهم الحجة كما لو كنت أقول إن اثنين واثنين أربعة.»

(٢) محمد

«جاء محمد في يوم كانت النفوس متطلعة فيه إلى عبادة واحد أحد، وكانت بلاد العرب قد غشيتها الحروب الداخلية أمدًا طويلًا حتى تعوَّد الناس الشجاعة والإقدام … على أنه لم تظهر بطولة محمد إلا بعد غزوة بدر …

إن الإنسان لا يمكنه أن يبلغ فوق إنسانيته شيئًا، ولكنه مع ذلك قد يأتي بالجليل من الأمور ويقوم بالعظيم من الأعمال، ثم قد يكون كالشرارة طارت في هشيم.

لا أظن أن محمدًا كان يستطيع أن يبلغ في العرب ما بلغ لو أنه كان بينهم في هذه الأيام (١٨١٧)، ولكن دينه قد استطاع في عشر سنوات أن يمتلك نصف العالم المعروف، في حين أن دين المسيح لم يثبت له أساس إلا في ثلاثة قرون.

أجل، فإن دين المسيح لا يوافق الشرقيين؛ لأنهم يريدون أن يكون دينهم أَبْينَ حدًّا وأدقَّ قصدًا، ثم لا يريدون أن يكون هذا الدين مفعمًا بالروحانيات.»

(٣) واشنجتون

«لما ملكت ناصية الحكومة في فرنسا كان الناس يرجون أن أكون شبيهًا بواشنجتون. اللفظ لا قيمة له، لذلك فهم يتكلمون، ولكنهم لم يقدروا الزمان ولا المكان ولا الرجال ولا الأمور.

لو أنني كنت في أمريكا لكنتُ واشنجتون ذاته دون أن يكون لي في ذلك فضل؛ لأني لا أرى كيف كنت أفعل غير هذا، ولكن لو كان واشنجتون في فرنسا، حيث الاختلال من الداخل والتحفز للغزو من الخارج، لاستخففت به إذا هو همَّ بمثل ما تم له في أمريكا. أجل، لو أنه حاول ذلك لعددته معتوهًا؛ لاعتقادي أنه ما كان يزيد من الشرور المقيمة في فرنسا إلا فظائع، أما أنا فقد كنت أستطيع أن أكون واشنجتون ثم أكون فوق ذلك صاحب تاج.

إنني لم أصبح ملكًا إلا بعد أن أقرَّني مؤتمر من الملوك والأمراء؛ بعضهم خاضع لي من تلقاء نفسه وبعضهم مقهور، هنالك استطعت وحدي أن أبدو للناس في اعتدال واشنجتون وبُعده عن المصلحة الذاتية وفي حكمته. على أني لم أكن أستطيع أن أبلغ هذه المنزلة إلا لمَّا كانت لي الرياسة العامة. ذلك ما أمَّلته، فهل كنت في ذلك جانيًا؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤