الحياة في أعماق المياه١

منذ نحو عشرين سنة كان يُظن أن أعماق البحار خالية من كل شيء حي، وأن الأحوال الطبيعية هناك غير صالحة للحياة، وبقي هذا الاعتقاد شائعًا حتى سنة ١٨٦٠؛ إذ بَيَّنَ «ملن أدوار» الطبيعيُّ الفرنسويُّ وجودَ الحيوان في عمق البحر على مسافة ٢٠٠٠ و٣٠٠٠ متر، وعلى ضغط أكثر من ٢٠٠ ثقل من ثقل هواء الأرض، والحيوانات التي اكتشفها في هذه الأعماق كان بعضها مجهولًا، والبعض الآخر لم يكن يختلف بشيء عن الأحافير.

ثم تكاثرت الأبحاث، واندفع لذلك علماء الإنكليز والأميركان وغيرهم، وتعددت الاكتشافات حتى أصبح أمر وجود الحياة في أعماق البحار الشاسعة مقررًا لا خلاف فيه، وأبعد عمق صار سبره وانتشال كوائن حية منه لغاية يومنا هذا هو العمق الذي سبرته السفينة الفرنسوية المسماة لاترافاليور٢ سنة ١٨٨١، البالغ ٥١٠٠ متر، إلا أن جميع الحيوانات المستخرجة من جميع هذه الأعماق الشاسعة لم تكن سوى ديدان وبلابيس وما شاكل من أنواع الحيوانات الدنيا، ولم يكن بينها شيء من السمك، وربما لم يكن السبب في ذلك عدم وجود مثل هذا الحيوان في مثل هذه الأعماق، بل كان من نوع الآلات المستعملة. ومما يقوي هذا الظن ما شاهدته السفينة المذكورة في مينا ستوبال الكائنة إلى الجنوب من ليسبون؛ حيث رأت حملتها العلمية رأي العين طائفة من الصيادين يلقون بأشباكهم إلى عمق نحو ٢٠٠٠ متر، ويصطادون من السمك المعروف بالسكوالوس٣ أنواعًا خصوصية يقددون لحومها، ويستعملون جلودها في صقل الخشب، ويوقدون دهنها كالزيت، وكانت تصل هذه الحيوانات إلى سطح البحر بحالة يرثى لها من التهتك، فتكون مثانتها التي تعوم بها والممتلئة هواء متمددة جدًّا، ودافعة المعدة المنبثقة من الفم، والعين نافرة من الحجاج، والقرنية منشقة لتمدد غاز الدم، وجميع الأنسجة متفجرة لخفة الضغط الخارجي وفقد الموازنة بينه وبين الضغط الداخلي.
١  نشرت في المقتطف سنة ١٨٨١.
٢  Le Travailleur.
٣  Squolus.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤