أصل الحياة١

قال «بلانشار» من مقالة في أصل الحياة في جريدة العلم الفرنسوية، بتاريخ ٧ شباط سنة ١٨٨٥، ما يأتي:

على أن بعض الفلاسفة يذهبون إلى أن الأرض التي كانت في البدء قاحلة وغير مسكونة إنما عرضت فيها الحياة، مما أتاها من الجراثيم من بعض الكواكب المصطدمة بها، وهو قول محتمل إلا أنه غير مقنع، ويظهر لنا أنه لا يحل المسألة، وإنما يزيدها ارتباكًا، فإن لم تكن الحياة قد ظهرت على الأرض ذاتيًّا بفعل أحوال طبيعية وكيماوية، فيلزم أن تكون قد ظهرت ابتداءً على أحد كواكب نظامنا الشمسي، وخصوم التولد الذاتي الذين يتعلقون بحبال هذا التعليل كالملجأ الأخير لهم إنما يبعدون حل هذه المسألة ولا يأتون فيها بتعليل شافٍ.

ولا يخفى أن الحل الطيفي الذي استطعنا بواسطته أن نعلم تركيب الكواكب الكيماوي أرانا أن هذه الكواكب متكونة من نفس المواد المتكون منها سيارنا؛ فالصوديوم والمغنيسيوم والهيدروجين والأكسجين والكربون والكلسيوم والحديد والتلوريوم والبزموث والأنتيمون والزئبق إلخ، موجودة هناك كما هي موجودة هنا. وقد علم كذلك من فحص الحجار الجوية أن هذه الأجسام تتحد هناك كما تتحد في أرضنا، فلا بد إذن من أن تكون الأحياء الأوَل قد تكونت فيها من مواد جامدة شبيهة بموادنا، فوالحالة هذه ما الفائدة من الزعم بأن أرضنا إنما أتتها الحياة من كوكب اصطدم بها في مروره في الفضاء؛ إذ لا بد من الإقرار في كل الأحوال بأن التعضي قد وقع في المادة في أحد نجوم نظامنا الشمسي، فمن العبث إذن الإصرار على إنكار نشوء الحياة في الأرض. ا.ﻫ.

والذي ارتأى أولًا أن جراثيم الأجسام الحية وقعت مع الرجم هو السير وليم طمسن الإنكليزي، ومنذ مدة خطب بعضهم خطبة طويلة في تكوُّن البرد، وقال: إنه يتكون من بخار موجود في الخلاء الذي بين الأجرام السماوية، فما أتم الخطبة حتى وقف السير وليم طمسن وقال: أظن الخطيب يمزح فيما يقول؛ لأنه لو فرضنا تكوُّن البرد في تلك الأعالي لذاب قبل أن بلغ الأرض بملايين من الأميال. ولما جلس قام اللورد ريلي وقال: أنا أعرف رجلًا ارتأى رأيًا أغرب من هذا، وهو أن بذور الأحياء هبطت على الأرض من السماء، فقال السير وليم طمسن: أنا لم أحتم بصحة ذلك، بل قلت بإمكانه، وبأنه لا يمكن أن يقام دليل على فساده، ونقل ذلك العلَّامة «بركتر»، منشئ جريدة المعرفة، وعقَّب عليه قائلًا: إذا صح قول السير وليم طمسن؛ فالقمر مصنوع من جبن طري؛ لأنه لا يقام دليل على فساد ذلك.

والخلاصة أن أقوال العلماء وآراءهم كثيرة، وهم أحرص الناس على انتقادها وتمحيصها، فلا يرتئي أحد منهم رأيًا جديدًا حتى يتصدوا لمقاومته من كل صوب، ولا يُقرُّون رأيه بين الآراء العلمية إلا إذا لم يروا فيه للريبة مكانًا.

١  نشرت في المقتطف سنة ١٨٨٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤