الخاتمة

المال للعمل كالعلم للعقل

هذا ولا شك أن البحث أحسن الذرائع للوقوف على الحقائق، لكن لما كنا غير قادرين على تحري كثير من المسائل العلمية بامتحانات نعيدها، واكتشافات نبديها، كان علينا أن نَجِدَّ للبحث في أعمال غيرنا ممن تَوفَّرَ لهم ذلك، والاستنتاج بحسب ما ترشدنا إليه أفهامنا. وإذا كنا قاصرين عن تولي أمر كثير من هذه المباحث بأنفسنا، فلأن الطفرة في كل شيء محال، فدخول العلوم إلى بلادنا حديث العهد جدًّا، ولا يخفى ما يلزم للقيام بمثل هذه الأمور العظيمة من الاستعداد في النفس والتفرغ للعمل، وغير ذلك من المعدات والآلات مما لا ينال إلا بالمال، الذي لا يُحصل عليه إلا بانضمام القلوب وانعقاد الهمم، حتى ننتقل من صف الحلميات إلى مراتب البشر، وتصير لنا ذاتية مستقلة نُعرف بها. وهذا يحتاج إلى الغيرة الوطنية.

وإني — بكل أسف — أقول: إن تربية هذه المزية فينا لا يزال يلزم لها زمان طويل حتى تقوى، على أن ثروتنا مجتمعة هي دون ذلك بكثير، فكيف بنا وأغنياؤنا القادرون لاهون، وأفرادنا المشتغلون بالعلم قليلون، وهم بسلاسل العسر مكبلون؟ إلا أننا ببحثنا في أعمال غيرنا على ما في إمكاننا نمهد السبيل لأولادنا، فيأتون من بعدنا وبهم في النفس قوة، وفي العقل استعداد أعظم من قوتنا واستعدادنا؛ فيتولون القيام بهذه الأعمال العظيمة بأنفسهم، وتتحقق بهم أمانينا التي تصير بهم آمالًا تنال، وأعمالًا تتسابق في مضمارها همم الرجال. ا.ﻫ.١
١  قال البروفسور «موريس غليري»، في خطبته الافتتاحية في «السربون»، في فرنسا، المنشورة في جريدة العلم الفرنسوية، بتاريخ ٢٧ نوفمبر سنة ١٩٠٩، ما نصه: «وإني لآسف جدًّا أن ليس في إمكاني أن أضع تحت نظركم لزيادة البيان كل ما يلزم من الأدلة المتوفرة في «فنبورت في كولد سبرين هربور»، أو في «برزببران في فيينا» — أتم معهدين حتى اليوم في العلوم التحولية — لأننا لا نزال ننتظر «كرنجينا». يشير إلى كرنجي المحسن الأعظم.» ا.ﻫ. فإذا كانوا اليوم في فرنسا لا يزالون يقولون مثل هذا القول؛ أفلا يكون قولي السابق — وقد قيل منذ ٢٥ سنة — أحق بأن يقال فينا أمس واليوم وغدًا أيضًا؟ ولعل بعض الهازلين وذويهم في ذلك الحين يخجلون اليوم من أنفسهم لانتقادهم عليَّ مثل هذا الكلام، ولكن السخافة في رءوس السخفاء في كل مكان وزمان ليس لها حد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤