استفهام١

(١) حضرة منشئي المقتطف الفاضلين

قرأت في الجزء الأول من السنة الثالثة من المقتطف المفيد كلامًا وجيزًا فيما خص الحياة، وهل هي من الظواهر الذاتية الطبيعية الخاضعة لنواميس الطبيعة في مبدئها ومبدأ الأنواع الحيَّة، أم هي خَلْق خالقٍ رسم صورة كل نوع وأودعها في جرثومة خصوصية، وقد أشرتم فيه إلى الاختلاف الكائن بين جمهور العلماء من هذا القبيل وتعسُّف بعضهم، ثم قلتم: إن هذه المسألة قاربت النهاية، وأن الحزب القائل بخلق البذور أو الجراثيم على أنواعها دفعة واحدة في بادئ الخلق قد استظهر على سواه، بناءً على تجارب أحد فطاحله؛ العلامة تندل الشهير.

وقد راسل بها العلَّامة هكسلي يصفها له — كما في الجرائد — ويعلمه أن الحيوانات — التي زعم الخصم بتولدها من نفسها — أتت من الهواء المنتشرة فيه بذورها، ولو انقطع الهواء عن التراكيب التي يزعم هذا الخصم أن الحياة تتولد فيها لبقيت كل أيامها خالية من أثر الحياة، ومن عبارتكم يظهر أن كل دليله قائم على انقطاع الهواء عن تلك التراكيب، وهو كلام منقوض لا يُبنَى عليه حكم، كما لا يخفَى على حضرتكم؛ لأنه هل يمكن ظهور حياة أو حفظ حياة ظاهرة إذا امتنع الهواء؟ وإذا كان لا يمكن؛ فلماذا نتوهم السبب في عدم وصول البذور المزعوم بها إلى هذه التراكيب، وليس في انقطاع الهواء نفسه عنها، طالما نعرف جيدًا أنْ لا حياة حيث لا هواء؟

على أنَّ العلَّامة المذكور لم يكن ليعتمد على مثل هذا الدليل، ولعل له أو لغيره أدلة أخرى علمية قاطعة لا تنقض حتى زعم بفوزه وفوز أصحابه، فنرجو من حضرتكم — على ما عودتم قرَّاءكم من الإرشاد والإفادة — أن تفيدونا، إذا أمكن في مقتطفكم، عن حقيقة هذا الأمر الذي يهم العلم جدًّا؛ لما يتوقف عليه من الأمور الكلية في سيره. جزاكم الله خيرًا، ولكم الفضل.

١  نشر في مقتطف السنة الثالثة، سنة ١٨٧٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤