الفصل الرابع

في اختلاف الطبع باختلاف الوضع

وأمَّا كون المتماثلات لا يحصل من تركُّبها سوى متماثلات، فهذا لا يَصِحُّ إلا إذا تماثل الكم والكيف والذات والصفات وإلا فتعطي مختلفات، ولعل المعترض لا يُعِدُّ الاختلاف اختلافًا حتى يكون في الطبع، فيقول: إن اختلاف الكم والكيف لا يحصل عنه اختلاف الطبع. وهذا وهم؛ فإن أسماء العقود كالعشرة — بقطع النظر عن الشيء المدلول عليه بها — هي غير الواحد المؤلفة منه، والتي تنحل إليه، والمثلث بهذا الاعتبار نفسه هو غير النقطة المؤلف منها، والتي ينحل إليها.

ثم إن مزيج عنصرين كالنيتروجين والأكسجين مثلًا هو غير مُركَّبهما، ولا فرق بينهما إلا في نسب جواهرهما، وفي ترتيبها بعضها بالنسبة إلى بعض، لا بإدخال شيء جديد أو تغيير في طبائعها الخاصة، قال ورتز: «إن التركيب ليس ناشئًا عن تداخل جواهر المادة بعضها ببعض، بل من ترتيبها بعضها حول بعض.» ولا يخفى كذلك أن العناصر الجوهرية التي تركب المواد الحية هي الأكسجين والنيتروجين والهيدروجين والكربون، ونسبها في المواد المذكورة لا تختلف إلا في الكم والوضع، ومع ذلك فما أكثرها، وما أعظم اختلافها!

ولا يرد علينا بأن الكيمياء الآلية هي غير الكيمياء غير الآلية؛ فالأحياء ليس لها كيمياء خاصة، ولا بقول المعترض: «إن هذه المركبات ليست من هذا الباب؛ لأنها مركبة من عناصر مختلفة.» لأن هذا القول غاية في الغرابة، وماذا عساه أن يقول في الخشب والصمغ والنشا مثلًا، فإن تركيبها لا يختلف إلا في وضع هذه العناصر، أو ما هو قوله في الكحول وحامض الخليك كذلك، فإن تركيبهما لا يختلف إلا في الكم، فلو لم يكن اختلاف الوضع والكم يُحدِث اختلاف الطبع لما اقتضى أن تتغير طباع هذه المواد تغيرًا جوهريًّا، فهما إذن كافيان وحدهما لإحداث الاختلاف، وهذا كل ما يلزم لتعليل سائر الاختلافات، ولا سيما إذا اعتبرنا في ذلك تغير شكل الجواهر الفردة.

أو ماذا يقول المعترض في المواد البوليمرفية، أي التي تختلف هيئاتها ولا تختلف ماهيتها ولا تركيبها، وفي المواد الألوتروبية؛ أي التي تختلف صفاتها ولا تختلف ذواتها، فلو لم يكن اختلاف الوضع كافيًا لإحداث الاختلاف لما اقتضى أن تختلف خصائص البسائط كالكبريت والفُسْفُور والأكسجين والكربون وتتفاعل تفاعلات مختلفة. ولا شك أن الفرق بين الماس والفحم هو أشد جدًّا من الفرق بين الحديد والنحاس، ومن ينكر هذا الفرق يلزمه أن يُنْكِرَ الفرق أيضًا بين الحرارة والنور، والكهربائية والمغناطيس، وبينها وبين الحركة، أليس لهذه صفات خاصة فارقة؟ ومع ذلك، أليست كلها مظاهر مختلفة لقوة واحدة؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤