واح عنخ-أنتف حوالي (٢١٤٠–٢٠٩١ق.م)

لما توفي سهر تاوى تولى بعده الحكم على طيبة والمقاطعات الأربع الأخرى المؤلفة للوجه القبلي وقتئذ فتى في ريعان الشباب بقي معتليًا عرش ملكه قرابة نصف قرن، والمرجح أنه تولى قيادة ملكه حوالي عام ٢١٤٠ق.م، وقد تسمى باسم «حور-واح عنخ» = (حور مثبت في الحياة) أنتف العظيم، ومما يؤسف له أننا نجد اسمه الحوري قد تهشم بفعل الزمن في قائمة الملوك بالكرنك، وهي تلك التي كتبها الكهنة للفرعون «تحتمس الثالث» أما في ورقة «تورين» فبالرغم من ضياع اسمه قد استخلصنا من طول مدة حكمه الذي بلغ تسعة وأربعين حولًا أنه وضع ترتيبه الثالث بدل الثاني من ملوك هذه الأسرة، ولا نزاع في أنه كان أحد أبناء «سهر تاوى» غير أنه لم يكن ولده البكر.

وقد جرت عادة ملوك مصر في عهد الدولة الوسطى في غالب الأحيان أن يتبادلوا الأسماء من جيل إلى جيل، ولا يبعد إذن أن يسمى «سهر تاوى أنتف» بكر أولاده «منتو حتب» وأنه لما تُوفي قبل والده ورثه في الحكم ابن آخر اسمه «أنتف» وهو الذي لقب نفسه «حور-واح-عنخ» ومن المدهش أنه لم يصلنا حتى الآن إلا شواهد ضئيلة عن الحروب التي يغلب أن أوارها ظل يستعر في طول البلاد وعرضها أيام «واح عنخ» هذا، على أن لوحة الموظف العظيم «ثثي»١ الذي عاصر هذا الملك وعاصر خليفته، وهي أهم أثر وصل إلينا من عهده لم نرَ فيها أية إشارة للحروب فقد جاء فيها:

يعيش حور واح عنخ طويلًا، ملك الوجه القبلي والوجه البحري ابن رع «أنتف» مبتدع الجمال والعائش مثل رع مخلدًا! خادمه الحقيقي وموضع محبته، صاحب المكانة الرفيعة في بيت سيده، والحاكم المتناهي في عقله، الذي يعرف إرادة سيده، والذي يتبعه في كل روحاته، والذي يمثل قلب جلالته وحده حقيقة، والذي يحتل المكانة الأولى بين العظماء في القصر، والمشرف على الأشياء الثمينة التي في المكان الخفي والتابع المقرب «شمو» للملك» والمبجل ثثي يقول: لقد كنت إنسانًا محبوبًا من سيده ممدوحًا منه كل يوم، وقد أمضيت حقبة طويلة من السنين في خدمة جلالة سيدي، حور العائش طويلًا، مطول البلاد وعرضهالك الوجه القبلي والوجه البحري ابن الشمس «أنتف» عندما كانت هذه الأرض تحت إشرافه جنوبًا من «إلفنتين» (أسوان) إلى «شس» (العرابة المدفونة) في مقاطعة طيبة، وكنت؛ إذ ذاك خادمه الخاص، وتابعه الحقيقي؛ ولقد جعلني عظيمًا ورفع مكانتي واتخذني موضع ثقته في قصره الخاص، وكانت الأشياء الثمينة في حوزتي وتحت خاتمي، بما في ذلك الطيبات النادرة الوجود التي كانت تُجلب لجلالة سيدي من الوجه القبلي ومن الوجه البحري، وكانت تحتوي على كل شيء يجلب السرور، من منتجات كل البلاد وذلك بسبب رهبته في هذه الأرض، وكانت هذه تُجلب دائمًا لجلالة سيدي بمعرفة الرؤساء الذين يحكمون الأرض الحمراء؛ لأنهم يخافون جلالته في كل البقاع الجبلية، ولقد عهد إليَّ بهذه الأشياء بعد أن أيقن أني جم النشاط وقد وضعت له تقريرًا في ذلك، ولم يحدث تقصير أستحق عليه عقابًا؛ لأني كنت حازمًا؛ موضع ثقة حقيقية عند سيدي، وحاكمًا غاية في العقل هادئ الأخلاق في بيت سيده، حانيًا الذراع بين العظماء، ولم أتعوَّد البحث وراء الشر الذي بسببه تُكره الرجال؛ وإني إنسان يحب الخير ويكره الشر وشخصية محبوبة في بيت سيدها، وإنسان تعود أن ينفذ كل واجب حسب إرادة سيده، وإذا وُلِّيت عملًا مثل تحقيق شكاية، أو فحص ملتمس إنسان في حاجة كنت عادلًا، ولم أعتَد أن أتخطى التعليمات التي فُرضت عليَّ، ولا أن أضع شيئًا مكان آخر، ولم أكن متغطرسًا لما أوتيته من ثراء، ولم آخذ شيئًا اختلاسًا لأجل أن أنهي عملًا، ولقد نفذت كل إرادة ملكية وَكَّلَ جلالته أمرها إليَّ، وقمت بما أمرني به من مهام يريدها قلبه مهما عظمت، وقد أتممت كل ما دوِّن خاصًّا بها ولم يوجد فيها تقصير قط؛ لأني كنت حازمًا.

ولقد صنعت سفينة للمدينة، وقاربًا «سحت» لأرافق فيه سيدي عندما كان يجري الحساب مع العظماء وفي أية مناسبة لجلب شيء أو إرسال شيء؛ وهكذا كنت ثريًّا وكنت عظيمًا؛ لأني كنت أمدُّ نفسي من أملاكي الخاصة التي وهبني إياها جلالة سيدي، فلقد كان يحبني دائمًا (حور العائش طويلًا ملك الوجه القبلي والبحري، ابن الشمس «أنتف» ليته يعيش مثل رع مخلدًا) حتى ذهب في سلام إلى الأفق (أي تُوفي)، وعندما خلفه ابنه «حور نخت-تب نفر» ملك الوجه القبلي والوجه البحري ابن الشمس «أنتف» خالق الجمال الذي أتمنى أن يعيش مثل رع إلى الأبد تبعته في مظان مسراته الطيبة، ولم يوبخني مرة؛ لأني كنت حازمًا، وقد وَكَّل إليَّ كل الوظائف التي كنت أشغلها في عهد والده فزاولتها تحت إشراف جلالته، ولم أرتكب أي تقصير فيها، وأمضيت كل أوقاتي على الأرض أعمل تابعًا للملك ملازمًا شخصه، وكنت ثريًّا، وكنت عظيمًا في عهد جلالته وكنت إنسانًا كوَّن شهرته، ومدحه سيده ليل نهار.

ولوحة «ثثي» هذه وإن لم تحدثنا بشيء عن حروب «واح عنخ» إلا أنها تلقي بعض الضوء على ذلك العهد الذي نجهله من حيث النقوش؛ فيحدثنا «ثثي» بأنه كان المشرف على الأشياء الثمينة الخفية التي كانت في حيازة هذا الملك، وأنه هو الذي كان يعلم المكان الذي أخفيت فيه مما يشعر بثقة الملك به، وكذلك بأن الملك كان في خوف على متاعه الثمين الخاص مما يدل على اضطراب الحال في البلاد، وكذلك يحدثنا «ثثي» بأن العظماء كانوا يدفعون ضرائب، وأن الملك كان يقوم بنفسه ليحاسبهم على ذلك إذا خالف واحد منهم الأوامر، وكان «ثثي» يتبع الملك في هذه الجولات في قاربه الخاص، هذا إلى أن رؤساء المقاطعات أو البلاد الصحراوية كانوا يقدِّمون للملك الجزية مما تغله أراضيهم، وفضلًا عن ذلك فقد حدَّد لنا «ثثي» البلاد التي كانت تحت حكم «واح عنخ» وهي من أسوان إلى طينة (أي العرابة المدفونة).

أما ما يذكره «ثثي» عن أحسن الأشياء المختارة التي كانت تأتي للملك من الوجه القبلي والوجه البحري فقد ذكرت من طريق المبالغة وحدها.

وما تحدَّث به «ثثي» عن نفسه وما كان عليه من الاستقامة والعدل ومضاء العزيمة فنعرة كانت شائعة عند كبار الموظفين جميعهم في كل عهود التاريخ المصري، وبخاصة في عهد الدولة الوسطى التي قام فيها رجال الإصلاح يطالبون بالعدالة الاجتماعية، ولدينا نقش آخر من هذا العهد على صخرة في أسوان غير أنه ليس مؤرخًا، ونرجح أنه من عمل الموظفين الذين ذهبوا للبحث عن الجرانيت الأحمر؛ إذ قد وجد منقوشًا على الصخور في إلفنتين اسم «حور-واح-عنخ»، ابن الشمس (أنتف العظيم) وذلك يدل على أن عماله كانوا قد ذهبوا إلى هذه الجهة يفحصون قطع الجرانيت المنفصلة كما فعل أجدادهم في عهد الدولة القديمة من قبل.

ويقول الأستاذ «ونلك»٢ عن نقوش «ثثي» هذه: إنها لا بد أن تكون قد كتبت في الفترات العدِّة التي وقعت فيها مهادنة بين القطرين؛ لأنه ليس فيها ما يوحي بثورة المقاطعات الخمس النائية في عهد «سهر تاوى» أو أن «واح عنخ» كان ينتظر الفرصة المواتية ليمدَّ حدود أملاكه.

وقد كان في حاجة بوجه خاص ليمدَّ نفوذه إلى مقاطعة «العرابة المدفونة» (طينة) عندما ينحني النيل انحناء عظيمًا نحو الشمال الغربي، حيث كانت تقع «العرابة» ومعبدها، على أن «قفط» التي كانت عاصمة هذه المقاطعات الخمس في عهد الدولة القديمة لم تعد بعدُ الحاضرة؛ لأنها نزلت عن مكانتها لطيبة الواقعة في أحد السهول الواسعة الجنوبية على امتداد شاطئ النهر. وقد بدأ الآن سكان أهل الجنوب — وتقرب مساحة بلدهم نحوًا من مائتي ميل — ينظرون بعين جشعة إلى «طينة» والعرابة، والظاهر أن «سهر تاوى» لم يلقَ عنتًا كبيرًا من بلاد الوجه البحري مدَّة حياته، ولا بد أنه كان يعتبر في نظر الفرعون في «هيراكليو بوليس» (إهناسية المدينة) بمثابة شريف مشاغب يحكم على المقاطعات الخمس التي في أقصى الصعيد، ويعدُّ من الذين كانوا قد أغرتهم العظمة. هذا؛ ولم نجد أية إشارة في نقوش أمير مقاطعة أسيوط عن «واح-عنخ» وعلى أية حال فإن أسيوط تقع تقريبًا في منتصف الطريق بين طيبة وإهناسية المدينة؛ فكانت لذلك بعيدة عن أية مشاغبة مع أمراء الجنوب.

علاقات الملك مع أمراء المقاطعات في هذه الفترة

وتدل النقوش التي تُنسب إلى هذا العصر كلها على أن «سيوط» كانت موالية لملك «هيراكليو بوليس» بل كانت أكبر عضد له في محاربة من ثاروا عليه. ففي نقوش مقبرة «خيتي» الذي كان يلقب بالأمير والحاكم وخازن مالية الفرعون والسمير الوحيد والكاهن الأول للإله «وابوت» سيد أسيوط نقرأ: «أنه جَنَّد جنودًا … وحاملي أقواس» وجعلهم درعًا أمامية للوجه القبلي، وكان له أسطول جميل وكان محبوبًا لدى الملك أينما صعد في النهر (Brunner, Graber der Herakleopolitarzeit Tomb V, line 1.).
وكذلك تحدَّث إلينا «خيتي» عن حفر ترع عندما كانت البلاد كلها قاحلة، ثم تكلم عن رعايته لسكان مقاطعته في وقت القحط، غير أن هذه العبارات نجدها مكررة في كثير من نقوش هذا العصر كما سنرى، بل نجد أن خلفه قد كررها في نقوشه أيضًا (Ibid, Tomb III,1, 13).

ولكن «خيتي» يقفنا على ارتباطه الوثيق بالفرعون عندما يقول: «لقد جعلني حاكمًا عندما كنت لا أزال طفلًا طوله ذراع (أي عندما ولدت) ووضعني على رأس أولاده وجعلني أتعلم السباحة مع الأمراء الملكيين … وكانت أسيوط سعيدة بقيادتي وشكرتني «هيراكليو بوليس»، وقال عني الوجه القبلي والوجه البحري إنني مثل أولئك الذين تربوا مع الملك.

أما مقاطعات الشمال فقد انتشرت فيها الفوضى والعصيان، حتى إن أمراء مقاطعة «الأرنب» (المقاطعة الخامسة عشرة في الوجه القبلي) قد أعلنوا الحرب على الفرعون نفسه، ولقد شجع هذا العمل أمير طيبة الذي كان سلطانه يزداد يومًا بعد يوم على العصيان والتمرد. ولما كانت هذه المقاطعة تعد من أهم المقاطعات في ذلك العصر بخاصة؛ لأن أمراءها أعلنوا الحرب على أحد فراعنة هيراكليو بوليس مما أدى إلى الخضد من شوكة العرش رأينا أنه لا بد من التحدث عن هؤلاء الأمراء، وعن الدور الذي لعبوه مع الفرعون في تلك الفترة (أي العهد الإقطاعي الأول).

تدل ظواهر الأمور كلها على أن أسرة حكام مقاطعة الأرنب كانوا مشاغبين ثائرين، ولا أدل على ذلك من أن «عجاتخت» أحد حكامها الأول الأقوياء البطاشين قد بين سياسة الشدة التي اتبعها في عصره؛ حيث يقول في نقوش قبره؛ يصف لنا نفسه:
كنت إنسانًا أدى الحق، ذرب اللسان بين الخصوم وتكلم بلسانه ونفذ بساعده، ومتيقظًا لخطواته بين الحكام … وكنت محارب العصبية … وكنت صاحب المشورة في مجلس استشارة الموظفين في يوم الكلمات المؤلمة.٣
وفي هذا دليل قاطع على أن الأحوال لم تكن هادئة وقتئذ في الحكومة، ولقد بلغ الخلاف أشده في عهد «نحري» الأول وهو أحد حكام المقاطعة المتأخرين عندما احتك بالتاج، وقد كان «نحري» هذا إلى العام الرابع من حكمه لا يزال مطيعًا مولاه الفرعون، يدل على ذلك ما قرأناه من أن المشرف على سفنه المسمى «نتروحتب» قد ساح في كل مصر من إلفنتين إلى الدلتا لأجل أن يؤدي مهام سيده المتعلقة بالقصر، ثم تكلم بعد ذلك عن احترام مجلس الدولة لسيده،٤ ولكنا في السنة التالية نسمع بقيام ثورة مسلحة في مقاطعة الأرنب، ففي نقش مؤرَّخ بالسنة الخامسة من حكم «نحري» يحدثنا «كاي بن نحري» الذي يظهر أنه كان مشتركًا مع والده في حكم المقاطعة عن الدور الذي قام به في الحرب التي نشبت فيقول: «وقد جندت جنودي من الشبان وسرت للحرب مع مدينتي، وقد كنت أقوم بنصيبي في المؤخرة في «شديت شا» (اسم مكان مجهول) مع أنه لم يكن معي غير أتباعي من «ألمزوي»، و«واوات» … والأسيويين (؟) وكان الوجه القبلي والوجه البحري متحالفين ضدي، وقد عدت بعد نجاح باهر … ومعي كل أهل مدينتي دون خسارة، ولقد خلصت الضعيف من القوي، وجعلت من بيتي حصنا لمن أصابهم الخوف في يوم النزال.»
ويخبرنا كذلك «ماتخوت نخت» أخو «كاي» الذي كان يقوم على أمور المقاطعة الدينية أنه كان ظهير مدينته في «شديت شا» عندما فر كل فرد،٥ ولا نزاع في أن الفقرتين الأوليين يدلان بوضوح على تاريخ هذه الحرب وعلى شخصية الخصم «فكاي» يخبرنا أن جيش الأعداء قد جند من الوجهين القبلي والبحري، وبذلك لا يكون قد قام بهذه الحروب ضد أناتفة طيبة الذين لم يكونوا قابضين على ناصية الحكم في الدلتا، وكذلك من باب أولى لا يمكن أن يكون محالفًا لهم، يضاف إلى ذلك أنه لا يمكن أن يكون قد شق عصا الطاعة على أحد الملوك الذين كانوا يسمون «منتو حتب» وهم الذين حكموا البلاد جميعها؛ لأنه ليس من المعقول أن يكونوا قد تركوا خلفهم رجلًا قويًّا من الأشراف يستطيع أن يثور ضدهم، هذا فضلًا عن أن نقوش «حتنوب» كما يقول الدكتور «أنتس»٦ كانت أقرب في تاريخ نقشها إلى نقوش أسيوط التي تصف لنا حروب أمراء «طيبة» ضد بيت «هيراكليو بوليس» وعلى ذلك فالحل الوحيد الذي بقي لهذا الموقف هو أن هذا العصيان الذي قام في مقاطعة الأرنب قد حدث قبل قيام الثورة في الجنوب بقليل، وأن المناهض للثوار هو ملك «هيراكليو بوليس»، ولا نزاع في أن ملك «هيراكليو بوليس» كان وقتئذ مسيطرًا على البلاد كلها، وقد كان في مقدوره أن يجند جنودًا من النوبيين مما جعله صاحب السيادة، ولا أدل على ذلك من العثور في «سيوط» التي كانت موالية له كما ذكرنا على تمثال خشبي لأحد رماة السهام خشن الصنع من الجنس النوبي،٧ على أن تجنيد النوبيين هذا لم يعد ممكنًا بعد ثورة أمراء طيبة ضد العرش في «إهناسية المدينة».
وقد كانت نتيجة هذا الصراع بين الفرعون والأمير «نحري» أن انهزم الأخير هزيمة منكرة، فبعد أن استرد العاصمة التي طرده منها جيش الملك اضطر كما سنرى إلى أن يسرح جيشه، وتدل فقرة من نقوشه مؤرخة بالسنة السادسة من حكمه على أنه خضع٨ للفرعون، وقد وصف «نحري» نفسه بأنه «إنسان يرد كلمات من يريد أن يعارضه، وأنه هو الذي قال للملك ما أمره به عندما حل يوم الاستشارة» وعلى أية حال فإن «نحري» وابنه قد استمرا يفخران بعصيانهما الفرعون؛ إذ في نفس نقوش السنة السادسة لم يكن «نحري» قد تحول عن الإشارة إلى أنه إنسان فتح بيته لمن انتابه الخوف في يوم النزال، وأنه قلعة في داخل مقاطعته يأوي إليها كل الناس.
وليس هذا نهاية ما تبجح به حكام هذه المقاطعة، فإنا نرى في نقوش يحتمل أن تاريخها يرجع إلى السنة السابعة٩ من سني حكم «كاي» بن «نحري» يتكلم فيها بصراحة تامة عندما كان يتحدث عن الجنود الذين حلوا محل جنود آخرين شتتوا فيقول:
لقد جندت جنودها من الشباب ليكون عددهم عظيمًا، بدل جنودها الذين عدلوا في أماكنهم واستوطنوها واستقروا في دورهم (أي أصبحوا ضمن السكان وقعدوا في منازلهم) ولم ينفروا إلى القتال في وقت الفزع من القصر، وخلصت مدينتي في يوم النهب من الهلع الذي اعتراهم من القصر، وكنت حصنها في يوم المعركة وحاميها في «شديت شا». وكذلك يصف لنا «تحوت تحت» الدور الذي لعبه في إنقاذ المدينة بألفاظ مماثلة١٠ على أن «نحري» نفسه في نقش مقطوع بنسبته إلى السنة السابعة١١ من حكمه يقول: لقد كنت عضوًا شجاعًا في المعسكر، وإنسانًا يقظًا لخطواته في كل مكان، وعندما قال الملك: تجهز للحرب، أخذت أهبتي أيضًا للأمر، «وكنت حصنًا في «شديت شا» يأوي إليه كل الناس، وكنت إنسانًا ترتعد الناس منه، وخوفه في قلوب القوم مثل «سخمت» في يوم الواقعة.»

والمدهش في هذا الاقتباس الأخير أنه هو المبارزة الرسمية التي قالها الفرعون لخصمه الثائر، وهذا الحادث يذكرنا بالشكوى التي نطق بها الملك «مري كارع» في تعاليمه الخاصة بالبدو المغيرين: «إنه لا يعلن يومًا للقتال فهو في ذلك مثل من يقوم بالقضاء على متآمرين.» ولا جدال في أن كل المقتبسات السالفة الذكر تشير إلى الحملة التي قام بها «نحري» في السنة الخامسة من حكمه، ولا أدل على ذلك من الإشارات المتعددة إلى المكان «شديت شا» وإلى الحماية التي قدِّمت للشعب خلال الحرب، وتدل الأحوال على أن هذا العصيان الذي حمل لواءه «نحري» كان قبيل نشوب الحروب التي شنتها «طيبة» على الفرعون، تلك الحروب التي كان في مقدور الفرعون أن يقضي عليها في الحال بفضل تهادنه على ما يظهر مع أمير مقاطعة الأرنب الثائرة، وإلا فإن تركه مقاطعة معادية له خلف أمراء أسيوط في الوقت الذي قام فيه أمراء طيبة بهجومهم؛ كان من شأنه أن يقطع مواصلاتهم مع العاصمة، ويشل من مقاومتهم لزحف أمراء طيبة، ولسنا ندري شيئًا عن مثار الخلاف بين الملك وحاكم المقاطعة؛ إذ لم تذكر لنا النقوش شيئًا عن ذلك، غير أنه مما يجدر ذكره أن «نحري» لم يأبَ في نهاية الأمر السيادة الاسمية للفرعون الحاكم في ذلك الوقت برغم عناده ونفوره من الخضوع له خضوعًا فعليًّا، وهو في هذا يختلف عن أناتفة «طيبة» الذين تزيوا بزي الملك من وقت أن شقوا عصا الطاعة، وادَّعوا لأنفسهم عرش مصر كلها في آخر المطاف.

هذا ما كان من أمر مقاطعة الأرنب المعادية، أما المقاطعات التي كانت تليها شمالًا مثل بني حسن؛ فكان إسهام القوم في المعركة التي كانت على أبوابهم بين الفرعون وأمراء طيبة يتوقف مقداره على قربهم من ساحة القتال، بل إن استقلال الأشراف في مقاطعات أعلى النهر كان يزداد كلما اضطر ملك هيراكليو بوليس إلى تفريق جيشه للقضاء على أعداء البلاد المنتشرين في داخلها، وأعني بهم حكام الإقطاع الوراثيين المعادين للفرعون، أما في «أسيوط» التي كانت دائمًا مهادنة لفرعون «هيراكليو بوليس» فكانت حالتها على ما يظهر تدل على الرخاء والطمأنينة في ذلك العهد، فلقد تولى بعد موت «خيتي» الذي تكلمنا عنه فيما سبق ابنه المسمى «تف إب»، وكان يحمل ألقابًا طنانة مثل ألقاب والده، فاستمع لما يقول في نقوشه التي تركها لنا على جدران مقبرته الواقعة في جبل أسيوط واصفًا حالة الأمن والرخاء في طول البلاد وعرضها:
وعندما يجن الليل يمدحني أولئك الذين ينامون على الطريق؛ لأنهم كانوا في أماكن كأنهم في بيوتهم، وكانت قوة جنودي المخيفة هي حمايتهم عندما كانت وحوش الحقل تنام بجوارهم (Brunner, Ibid Tomb III, 1. 10).

وبقدر ما كانت عليه أسيوط من أمن ودعة كان الفزع يغزو الجهات التي في أعلى النيل، ثم يستمر «تف إب» واصفًا أول معركة بين جنوده والمقاطعات الجنوبية التي تجمعت من إلفنتين جنوبًا ثم انحدرت في النهر إلى مكان مجهول بالقرب من العرابة، والظاهر أنه هزمهم هزيمة منكرة؛ إذ قال: «وأتيت إلى المدينة وهزمت أعداء الفرعون واقتفيت أثرهم إلى حصن سد رأس الوجه القبلي وأعطاني الفرعون أرضًا مكافأة.» وقد تبع «تف إب» قتال أمراء طيبة وحلفائهم حتى ولُّوا الأدبار إلى شرق البلاد، فاصطادهم آخرون في الجنوب مثل كلب الصيد الذي يقفز بخطوات واسعة خلف غزال مذعور، ولا شك في أن الإنسان عندما يقرأ مثل هذه العبارات الصريحة لا يتسرب إليه أي شك في نجاح الجيش الإهناسي، ولكن الأمور لم تجرِ مع جيش الشمال (جيش الفرعون وحلفائه) كما كان يظن، فقد كان لزامًا على «تف إب» أن ينازل الطيبين العصاة كرة أخرى بجيش آخر، وذلك عندما هاجمهم للمرة الثانية: «ولقد سرت نحوه بفصيلة صغيرة فقط وضربته ضربة مؤلمة حتى إنه ترك ميدان القتال في ذهول، وعادت مقاطعة أسيوط كالثور الذي يهاجم قطيعًا من الكلاب، ولم يهدأ لي بال حتى قضيت عليهم.» والظاهر أن قائد جيش الجنوب قد سار إلى الموقعة في ملابس جميلة ولكنه سقط في الماء وغرقت سفنه وهرب جيشه مثل الإوز أمام الصائد، «ولقد أشعلت النار في سفنهم وارتفع لهيبها أعلى من السارية، ولقد تغلبت على من قام بالعصيان.

وكان في مقدوري أن أقول وقتئذ لرئيس الوجه القبلي: أصغ، وكنت متأكدًا من أنه سيصغي إليَّ»، وفي نهاية هذا النقش تقريبًا نقرأ:

وكانت الأرض في رعب أمام جنودي، ولم تعد هناك بلاد أجنبية لا تخاف هيراكليو بوليس بعدما رأت الدخان يتصاعد في المقاطعات الجنوبية.

على أننا قد سمعنا بعض الشيء عن هذه الغزوات نفسها من الجانب الآخر؛ أي من طيبة، فقد ترك لنا «زاري»١٢ الذي دُفن في «طيبة» لوحة منقوشة نقشًا رديئًا جدًّا ومفعمة بالأخطاء حتى في أسماء الأعلام الذائعة الشهرة مثل «إلفنتين» و«العرابة المدفونة» مما يدل على جهل الحفار الذي نقشها، وقد جاء فيها:

زاري ابن الأمير والسمير الوحيد «حسي» وكان أميرًا وسميرًا وحيدًا وحاكمًا للحاضرة ومشرفًا على مخازن الغلال يقول: «إن حور-واح-عنخ ملك الوجه القبلي والبحري ابن الشمس «أنتف» مبتدع الجمال أرسل إليَّ رسالة بعد أن حاربت بيت «خيتي» في مقاطعة «طينة» (العرابة المدفونة) … وإن الأمير قد أعطاني سفينة لأحمي أرض الجنوبيين … من جهة الجنوب حتى إلفنتين ومن جهة الشمال حتى اشقاو … ولقد رقيت بين الكبار؛ لأني كنت مفترسًا يوم الواقعة، وقد غمرتني العظمة؛ لأني قمت بأعمال ممتازة وكنت رئيس مقاطعتي وصرت رجلًا قويًّا وأميرًا.

والظاهر مما سبق أن «زاري» هذا وزوجه الحظية الملكية وكاهنة «حتحور» المسماة «سنت منتو» كانا يعيشان عندما بدأ أمراء «طيبة» ينقضون على المقاطعة السادسة؛ أي مقاطعة «طينة» والعرابة التي كانت تعتبر بلدة مقدسة، والواقع أن «واح عنخ» قد ورث المقاطعات الجنوبية الخمس من أسوان وما تحتها، ثم أضاف إلى أملاكه المقاطعة السادسة وهي مقاطعة «طينة»، ووطد حدود ملكه الشمالية بالقرب من أفروديتو بوليس «كوم شقاو» في غربي النيل و«بانو بوليس» «إخميم» في شرقي النيل.١٣

غير أن الغنيمة الكبرى كانت العرابة ومعبد «أوزير» القائم فيها، ويرجع عهده إلى الدولة القديمة، وكذلك مقابر الملوك الأول الواقعة في الصحراء خلف العرابة، ولا يمكننا أن نقرر شيئًا هنا عن الدور الذي لعبه من كانوا يحجون إلى هذه البقعة المقدسة، أو الأموات الذين دُفنوا في هذه البلدة في أوائل عهد الأسرة الحادية عشرة، ولكنه من غير شك كان دورًا أقل أهمية بكثير من الدور الذي لعبه القوم في عهد الأسرة الثانية عشرة، ومع ذلك فإن من المقطوع به أن تملك معبد أوزير القديم كان له أهمية عظيمة في بداية الدولة الوسطى، وإن كان قد أصبح بعد مرور جيل أو أكثر أعظم أهمية وأعلى شأنًا عند ملوك الأسرة الثانية عشرة وأفراد الشعب على السواء؛ وذلك لقداسته العظمى.

لوحة واح عنخ أنتف

ومما يدعو إلى الأسف أن هذا الأمير العظيم «واح عنخ أنتف» لم يبقَ لنا من مخلفاته إلا لوحة واحدة عليها نقش هام، ولم يصل إلينا منها إلا الجزء الأسفل من نقوشها، وقد عثر عليها «مريت» عام ١٨٦٠، ولكنه تركها في مكانها. ومما زاد الطين بلة أن الأهالي قد هشموها في مكانها، وفي عام ١٨٨٢ راجعها ثانية «مسبرو» وأخيرًا جمع «دارسي» ما تبقى منها، وقد حفظ بالمتحف المصري القطع التي سلمت من يد التهشيم والضياع. والنقوش التي على هذه اللوحة تُقسم قسمين: جزء سياسي محض، والآخر ديني. ففي الجزء السياسي يقول «حور واح عنخ» ملك الوجه القبلي والوجه البحري ابن الشمس أنتف العظيم الموسوم بالجمال كيف سقطت طينة في يده، وكيف خرب تخومها الشمالية حتى مقاطعة «أفروديتو بوليس» (كوم شقاو)، «ولقد نزلت بالوادي المقدس واستوليت على مقاطعة «طينة» كلها وفتحت المعاقل جميعها وجعلتها «باب الشمال العظيم»، كما أن «إلفنتين» كانت باب الجنوب»، وكما يسمي أهل «إهناسية المدينة» هذا الصقع «رأس الوجه القبلي» (Lange & Schafer, Ibid, No. 20512 & Breasted, A. R. I, 421).
وتدل الأحوال على أن الفرعون كان يشعر بدنو أجله عندما أقام هذه اللوحة في العام الخمسين من حكمه، ولذلك لم ينسَ أن يُظهر على لوحته هذه أنه كان من حماة الدين، ورغم ما أصاب لوحته من التدمير نلحظ أن السطرين الأولين منها يعددان ما قام به الفرعون من جليل الأعمال للآلهة، ولا بد أنه كان يقصد الإله «منتو» عندما قال:

وملأت معبده بأواني القربان الفاخرة.

وكذلك يقول عن الآلهة الأخرى:

وبنيت معابدهم وصنعت سلاليمهم وأصلحت أبوابهم وأبقيت قرابينهم المقدسة لكل الأزمان.

وفي نهاية هذه اللوحة جاء ما يأتي:

السنة الخمسون التي أقيمت فيها هذه اللوحة على يد «حور واح عنخ» ملك الوجه القبلي والبحري ابن الشمس أنتف العظيم، وعلى ذلك تكون وفاته في عام ٢٠٩١ ومما يلفت النظر في هذه اللوحة أن هذا الأمير قد رسم على لوحته هذه خمسة من كلاب الصيد؛ يظهر أنه كان يعتز بها، وكان كل منها يحمل اسمًا لوبيًّا، وقد بقي لنا ترجمة ثلاثة أسماء منها بالمصرية بجوار أصحابها وهي: «الغزال، والأسود، وإناء الطهي»، ولا نزاع في أن هذا الأمير لم يرسم كلاب صيده عبثًا، بل ربما كان يقصد ما نشعر به نحن الآن من وفاء الكلاب لأصحابها؛ وهذا يذكرنا بما كتبه أحد الإنجليز المفكرين على لوحة بيته: كلما امتحنت بني الإنسان زاد حبي لكلبي.

ويجوز أن هذا الأمير لم يفكر في هذا قط، بل أراد أن يصحبه كلابه إلى عالم الآخرة ليتمتع بها عند الصيد والقنص؛ لأن كل مصري، كما نعلم، كان يعتقد أن عالم الآخرة صورة مكررة لمصر وطنه العزيز؛ ولذلك يقال: إن المصري هو أكثر الناس حبًّا لوطنه.

على أن هذه اللوحة التي لم تصل إلينا كاملة كان لها تاريخ عجيب في زمن الفراعنة أنفسهم، ففي عهد الفرعون «رعمسيس التاسع» أحد ملوك الأسرة العشرين اتهم عمدة طيبة الغربية بأنه لم يعطِ المقابر التي يشرف عليها العناية الكافية لحراستها؛ مما أدى إلى نهبها؛ ولذلك ألِّفت لجنة خاصة لفحص المقابر الملكية وغيرها، فذهب المفتشون من مدينة طيبة الشرقية إلى مقابر الملوك، وقد كان القرار عن هذا القبر كما يأتي:
هرم الملك ابن رع «أنتف» العظيم له الحياة والسعادة والصحة، وهو الواقع شمال بيت «أمنحوتب» أحد رجال البلاط له الحياة والسعادة والصحة، والذي قد أزيل هرمه منه، ولكن لوحته لا تزال مثبتة أمامه، وصورة الفرعون مصورة وهو واقف في هذه اللوحة، وكلبه المسمى «بحك» جاثم بين قدميه، وقد فُحص هذا اليوم ووجد سليمًا (Papyrus Abbott, Col. II, 1. 8; Peet, The Great Tomb Robberies P. 38).

قبر الملك

أما قبر هذا الملك فلا نعرف إلا النزر اليسير عن ترتيبه بالنسبة لمقابر حكام الجنوب، فنعرف أنه كان ثاني مقبرة ملكية أو صف كما يقول الأهالي الآن، إذا اعتبرنا أن قبر «سهر تاوى» الذي يقع شماله هو المقبرة الملكية الأولى، وكذلك نعلم أنه قد أقيم ببساطة تتفق مع وضع صاحبه في مرتبة أقل قليلًا من مرتبة مؤسس الأسرة الأولى بالنسبة لمقبرته.

وقد تركت الشظايا التي تخلفت من نحت مقبرته متراكمة حولها لتجعلها تظهر بعيدة العمق أكثر من الحقيقة.

ومقبرة هذا الأمير وإن كانت أضيق بقليل من مقبرة والده يمتد طولها في داخل الصحراء إلى الوراء ما بين ١٨٠ و٢٠٠ متر تقريبًا، وليس هناك أي أثر ظاهر لهرم كان يقوم فوق نهايتها كما هي الحال في مقبرة «سهر تاوى»، وذلك يجيز لنا أن نأخذ رواية «مريت» كما هي؛ أي إنه وجد اللوحة المنسوبة لهذا الملك في مكان ما في رقعة المقبرة أو الصف، ومن ملاحظاته المختصرة التي تركها لنا نعرف أنها استخرجت من هرم مبني باللبن تبلغ مساحته خمسة عشر مترًا مربعًا، تتوسطه حجرة فيها لوحة ترتكز على جدارها الخلفي، وكان يمكن رؤيتها من الباب غير أن «مريت» لم يحدثنا بشيء عن مكان حجرة الدفن؛ لأنه لا يعرف موضعها بطبيعة الحال، وإذا كانت الأشياء تقاس بأشباهها جزمنا بأنها كانت تحت الهرم نفسه قياسًا على تصميم قبر معاصر لمقبرتنا في العرابة عثر عليه (Peet, Cemeteries of Abydos II, 35)، ويروي لنا «نورمان دي جاريس ديفير» Norman de Garis Davies نقلًا عن أحد الأهالي في عام ١٩١٧ أنه عندما حُفرت ترعة الفضلية كان الهرم لا يزال قائمًا وأنه هدم في ذلك الوقت، ومن ذلك يمكن للإنسان أن يستنتج أنه كان قائمًا أمام المقبرة أو الصف، وأن تصميم هذا الأثر كان يختلف عن مقبرة «سهر تاوى» التي كانت قاعدة هرمها مقامة على سطحها، ومن المحتمل إذن أن ما كان يسمى «الهرم» كما رأى «مريت» وهو الذي كان يحتوي على اللوحة لم يكن إلا معبدًا أقيم أمام المقبرة، وهو في هذا يشبه معبد الوادي، وأن الهرم الحقيقي قد بني في مؤخرة المقبرة على غرار ما فعل «سهر تاوى» (Winlock, American Journal of semitic Languages (1915) P. 22; Steindortt-wolff; Ibid P. 20).

آثار أخرى لهذا الملك

ولم تكن اللوحة العظيمة التي تركها «واح عنخ» تذكاره الوحيد الذي أعدَّه لمقبرته في أغلب ظننا؛ إذ يظهر لنا أنه كان قد أقام عدَّة لوحات مستطيلة الشكل في ردهة قبره، وقد عثرنا على واحدة منها عليها صورة هذا الملك يقدم آنية الجعة وإبريق اللبن للإله «رع» ملتمسًا منه الحماية بالليل، وإلى «حتحور» منشدًا لها المدائح (M. A. M. 13, 182, 3. Winlock, A. J. S. L. 1915, P. 17) وكذلك كان يصلي من أجل قربان جنازي، وكان يسمى في هذه اللوحة «حور واح عنخ» المبجل عند «أوزير» ابن الشمس «أنتف» الكبير مبتدع الجمال.

مقابر الأسرة المالكة والأشراف

أما أسرة هذا الأمير من أزواجه وحظياته وخدمه من الرجال فلا بد أنهم قد دفنوا في المقابر العدة التي نشاهد أبوابها محفورة في الصخرة على كلا الجانبين من مقبرته، وهذه المقابر هي التي يسكنها فقراء القوم في وقتنا الحالي،١٤ أما أثرياء القوم وعظماؤهم الذين كانوا في حاشية الفرعون فنعرف أنهم قد أقاموا لأنفسهم مقابر خاصة بهم، يدلنا على ذلك لوحاتهم التي عثر عليها في هذه الجهة، وقد كشف كل من «جوتيه» و«فلندرز بتري» عن بعض مقابر هذا العهد، غير أن جوتيه كان قد وجد اللصوص قد سبقوه إلى هذا المكان وخربوه تخريبًا تامًّا، فلم يعثر بعدهم إلا على قطع عديدة مخروطية الشكل عارية من النقوش (Gauthier B. 1. F. A. O. 1908, P. 121 & Petrie, Qurneh, P. 2).
١  Journal of Egyptian Archaeology, Vol. XVII (1931) P. 56.
٢  Journal of Near Eastern Studies Vol. II. 1943, No. 4 P. 255.
٣  Newberry, El Bersheh, II, Pl. 13.
٤  Anthes, Die Felseninschriften Von Hatnub, Graffito, 17.
٥  Anthes, Ibid, Graffito 17.
٦  A. Z. LIX, 100 & Anthes, Ibid, P. 92.
٧  Scharff, Die Historische Abschnitt der Lehre für Konig Merikaré P. 21.
٨  Anthes, Ibid, Graffito.
٩  Anthes, Ibid, Graffito 25.
١٠  Anthes, Ibid, Graffito 23.
١١  Ibid, Graffito 25.
١٢  Walker, in Petrie, Qurneh P. 16. Pls. II, III.
١٣  Meyer, Gesch. Ibid, Par. 276. Scharff, Der Historische Abschnitt des Lehre fur Konig Merikare, PP. 18 ff. أفروديتو بوليس «= كوم شقاو الحالية وهي المقاطعة العاشرة وبانو بوليس «إخميم» وهي المقاطعة التاسعة.»
١٤  هذه المقابر المنحوتة في الصخر يسكنها الأهالي الآن، وقد أخذت الحكومة في نزع ملكيتها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤