النقوش الغائرة والبارزة

ومنذ إعادة توحيد البلاد نشاهد أن فن النقش سواء أكان غائرًا أم بارزًا قد وصل إلى القمة ثانية من حيث الإتقان، ويلاحظ هنا كذلك أن التقاليد القديمة قد لعبت دورها في إحيائها، فكان لا ينقصها إلا وجود فرصة مواتية لتستردَّ بهاءها وجمالها، وقد سنحت الفرصة فعلًا في نقوش الفرعون «منتو حتب الثاني» التي عثر عليها في «الجبلين»، فنرى أن الصانع المفتن الذي نقش رسوم الفرعون قد أحكم نقشها بما لا مزيد عليه في أسلوب قوي كان جديرًا بتخليد انتصارات هذا الفرعون على أعدائه من جهة، وانتصاره في عالم فن النقش في عصره من جهة أخرى، والواقع أنه انحدر إلينا من عهد «سنوسرت الأول» عمود حفظت عليه نقوش بارزة رُسمت أولًا حروفه بدقة، ثم نُقشت بمهارة وحُسن تنسيق يثيران الدهشة والإعجاب. هذا فضلًا عن المعبد الذي أقامه نفس الفرعون للإله «آمون» في صورة «مين»، وقد كشفت كل أحجاره حديثًا في معبد الكرنك أيضًا، ويكاد يكون منقطع القرين من حيث الإتقان والإبداع بالنسبة لعصره، وقد عثر على أحجار هذا المعبد ضمن الأحجار التي شيد بها «أمنحوتب الثالث» (بوابته الثالثة) كما ذكرنا آنفًا.

وكذلك عثر على نقش لهذا الفرعون أيضًا يمثل جزءًا من عيد «سد» وهو منظر يمثل احتفال «جري» الفرعون، ويلاحظ أنه نقش نقشًا بارزًا تمثلت فيه القوة والليونة في وقت واحد، وهذه النقوش تنبعث منها حيوية أكثر من التي نشاهدها على العمود السالف الذكر، وبخاصة من حيث تأثيرها في النفس؛ إذ تجذب النظر لها اجتذابًا، وعلى وجه عام فإن كل النقوش التي وصلتنا من هذا النوع في الدولة الوسطى سواء أكانت غائرة أم بارزة كانت قوية لحد يفوق المعتاد، فهي إذا كانت على النقيض التام لنقوش الدولة القديمة التي كان يظهر فيها الرخاوة والضعف. ومن جهة أخرى يلاحظ أن الأشكال الجامدة الجافة التي كانت شائعة الاستعمال في العهد الإقطاعي، أخذت تسترد صورها المتناسبة الطبعية فجرى فيها الدم وانبعثت منها الحياة.

ونجد في مقابر أمراء الإقطاع مادة غزيرة منقوشة على الجدران، والواقع أن هذه النقوش لها علاقة وثيقة تربطها بنقوش مصاطب الدولة القديمة، وما جد فيها هو على ما يظهر استمرار في نمو هذه النقوش وارتقائها. وقد كان ملحوظًا منذ الأسرة الخامسة حتى بداية الأسرة السادسة، على أن هذا النمو لا ينطبق فقط على المختار من المناظر؛ بل كان يشاهد كذلك في الطراز الذي كان متبعًا وقتئذ؛ ولذلك نشعر أحيانًا بتقدم ملموس معبر عن حرية لم تكن مقيدة بقواعد الماضي، مثال ذلك ما ابتدعه المثال في مقبرة من مقابر «مير»١ فنرى أنه بدلًا من فصل أجزاء المنظر الواحد في صيد الصحراء بخطوط أفقية مما كان يشوِّه وحدتها، استعاض بدلًا من هذه الخطوط التي كانت تقطع حبل الاتصال في المنظر بخط ملتوٍ من أعلى يدل على استمرار المنظر، وكذلك نجد نفس المتفنن قد ابتدع بدلًا من الصور الهزلية الجميلة التي كانت تبالغ في تصوير الحقيقة؛ صورة بدوي هزله الجوع حتى أصبح هيكلًا عظميًّا يسوق قطيع٢ الماشية إلى قبر سيده. ثم رسم نقيض لهذه الصورة النحيلة صورة رجل مسنٍّ بدين بارز الكرش له رأس أصلع ولحية كثة مشعثة.
١  Blackman “Meir”, Vol., Pls. II, III.
٢  Ibid, II, Pl. III.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤