مشكلات التعليم الخاصة

والآن وقد درنا حول التعليم العام، وألممنا بطائفةٍ من المشكلات الخارجية التي تحيط به فتفسده وتحوله عن وجهته الطبيعية، ووقفنا عند هذه المشكلات وقفات قصيرة نرجو أن نكون قد وُفِّقنا فيها إلى الخير، نستطيع أن نلم بالتعليم العام نفسه، وأن نقف عند مشكلاته الخاصة التي تتصل بطبيعته وجوهره، وليست هذه المشكلات بأقل عسرًا من المشكلات التي ستتبعها، ولكن أمرها مع ذلك يسير على الفهم، ولكن حلها مع ذلك يسير على المشرفين على شئون التعليم إذا صدقت النية، وصحت العزيمة، وواجهت المشكلات في صراحة خالصة من الرياء والمصانعات السياسية المختلفة أيضًا.

وأول ما نعرض له من هذه المشكلات الخاصة غاية التعليم العام والغرض الذي تقصد إليه الدولة من إنشائه والقيام عليه، والغرض الذي تقصد إليه الأُسَر من إرسال أبنائها إليه، وقد كثر الكلام في أن التعليم العام لم تكن تقصد الدولة من إنشائه وتعهده إلا إلى إعداد الموظفين الذين يعملون في المكاتب والدواوين، وأن الشعب لم يكن يرسل أبناءه إلى هذا التعليم إلا ليظفروا بالمناصب في المكاتب والدواوين إذا أتموه.

وكَثُر الكلام أيضًا في أن هذا الفهم الضيق الخاطئ السقيم ليس في حقيقة الأمر إلا نتيجة من نتائج السيطرة الإنجليزية على شئون مصر عامة وعلى شئون التعليم بنوعٍ خاص.

وقد يكون هذا كله حقًّا ولكن من بعض الوجوه لا من كل وجه، فليس من المحقق أننا حين أنشأنا التعليم العام قبل الاحتلال قد قصدنا بإنشائه إلى شيءٍ آخر غير تكوين الموظفين الذين يعملون في مكاتب الحكومة ودواوينها، وما أظن بل ما أشك في أن الذين أنشئوا التعليم العام في مصر قد فكروا قبل كل شيء في طرد الجهل من رءوس المصريين وإقامة العلم مكانه؛ لأن الجهل ظلمة والعلم نور، ولكنهم رأوا الدولة في حاجةٍ إلى الموظفين الأكفاء ورأوا أن هؤلاء الموظفين الأكفاء يجب أن يكونوا من أبناء الشعب وألا سبيل إلى إعدادهم إلا بتعليم أبناء الشعب على نحو ما يتعلم أبناء الشعوب الأوروبية التي كانوا يتأثرونها ويتخذونها نموذجًا ومثلًا، ولولا إنشاء المحاكم الأهلية مثلًا لما أنشئت هذه المدرسة التي كانت تسمى مدرسة الألسن أو مدرسة الإدارة أو مدرسة الحقوق، ولولا حاجة الجيش لما أنشئت مدرسة الطب، ولولا أن هاتين المدرستين وأمثالهما من المدارس العليا لم تكن تستطيع أن تقبل الطلاب إلا إذا هُيِّئوا لها تهيئة ما لما أنشئت مدارس التعليم العام.

فالحاجة العملية اليومية والضرورات العادية الماسة والمنافع القريبة العاجلة هي التي دعت إلى إنشاء التعليم الحديث المنظم في مصر قبل الاحتلال، وما أشك في أن مصر قد استفادت من هذا التعليم الحديث المنظم فوائد تتجاوز الحاجات اليومية والضرورات الخاصة والمنافع العاجلة وتبلغ الرقي العقلي الخالص، ولكن هذا لم يكن شيئًا قصدت إليه الحكومة أو تعمدته الدولة، وإنما هي رمية من غير رامٍ وفضل أُتيح لمصر عفوًا وهذا شأن العلم والمعرفة حيث وجدا؛ فإن نفعهما يتجاوز دائمًا ما يراد منهما وما يطلب إليهما، وآية ذلك أننا حتى في أشد أوقات السيطرة الإنجليزية وضغطها على التعليم وتضييقها لحدوده قد انتفعنا من هذا التعليم الضيق المحدود أكثر مما أراد الإنجليز، وأي دليل على ذلك أقوى من أن الذين أخرجتهم مدارس الاحتلال هم الذين اتسعت عقولهم لفهم الحرية والوطنية واشتدت عزائمهم لمناهضة الاحتلال نفسه، وهم الذين أثاروا مصر وقادوها في الجهاد وكسبوا لها النظام الديمقراطي والحياة المستقلة.

وليس على مصر بأس من أنها أنشأت التعليم لأنها كانت محتاجة إلى الموظفين ومن أنها لم تفكر في التعليم من حيث هو ولا في العلم من حيث هو، فهذا طور لا تبلغه الأمم إلا بعد أن تفرغ من حاجتها اليومية ومنافعها العاجلة، فالإنجليز إذَنْ قد مضوا بالتعليم في مصر إلى نفس الغاية التي كانت تقصد إليها مصر قبل أن يسيطر عليها الإنجليز، ولكنهم تصوروا التعليم على طريقتهم هم من جهةٍ وعلى طريقتهم في المستعمرات والبلاد الخاضعة لنفوذهم من جهةٍ أخرى.

وكانت مصر قبل الاحتلال تتصور التعليم على الطريقة الفرنسية وتتصوره على أنه تعليم في بلدٍ حر ناهض، فالخلاف بين التعليم قبل الإنجليز وأيام الإنجليز ليس خلافًا في الغاية وإنما هو خلاف في تصوره وفي مقداره، والمعروف أن الإنجليز يقتصدون في التعليم النظري لأبنائهم ويتجاوزون الاقتصاد إلى التقتير بالقياس إلى أبناء المستعمرات، فهم إذَنْ قد فرضوا علينا الاقتصاد في العلم، بل قتروا علينا فيه تقتيرًا شديدًا وانتهى بنا هذا التقتير إلى خمودٍ عقلي لم نخلص منه إلا بعد مشقة وجهد، ولكننا على كل حال قد حاولنا أن نخلص منه ونجحنا في هذه المحاولة نجاحًا حسنًا، ومن الخير ألا نرضى عن شئوننا مهما تكن حسنة فإن هذا الرضا علامة الخمود، ولكن من الخير أيضًا ألا نسرف في التشاؤم وألا نسرف في الغض من جهودنا، فإن هذا الإسراف قد يثبِّط الهمم ويدفع إلى الفتور إن لم يدفع إلى اليأس والقنوط.

إنما الشيء الذي نلاحظه هو أن الذين يلومون الإنجليز لأنهم جعلوا غاية التعليم العام إعداد الموظفين لا يحققون في أنفسهم غاية أخرى للتعليم بعد أن كفت عنه يد الإنجليز، بل قل إنهم لا يحققون له غاية واضحة بينة يمكن التحدث عنها في غير لبسٍ ولا غموض وفي غير اختلافٍ ولا جدال.

فقوم يقولون إن غاية التعليم الثانوي هو إعداد الطلاب للتعليم العالي، فإذا سألتهم عن غاية التعليم العالي نفسه لم يعرفوها أو لم يحققوها. وإذا كان التعليم العالي مجهول الغاية وهو في الوقت نفسه غاية التعليم العام، فقد أصبح التعليم العام نفسه مجهول الغاية أيضًا. وقوم يقولون إن غاية التعليم العام إعداد الشباب للحياة، فإذا سألتهم عن إعداد الشباب للحياة ما معناه وما تفصيله الواضح الدقيق لم يحسنوا الجواب؛ لأنهم لا يحققون هذه الحياة ولا يحققون الإعداد لها، وإنما هي كلمات تقرأ في الكتب وفي نوعٍ معين من الكتب وفي بعض كتب التربية بنوعٍ أخص وفي الكتب التي تنقد فيها نظم التعليم هنا وهناك، فتؤخذ على علاتها في غير بحثٍ ولا تحقيق ولا تمحيص.

وليس أدل على ذلك من أننا مضينا في التعليم العام أحرارًا بعد أن كفت عنه يد الإنجليز فلم نهيئ الطلاب للتعليم العالي تهيئة خيرًا من تلك التي كانوا يهيئونها أيام الإنجليز، ولم نعد الشباب للحياة إعدادًا خيرًا من إعدادهم أيام الإنجليز.

فما زال الشبان يأتون إلى الجامعة ضعافًا قاصرين، وما زال الشبان يستقبلون حياتهم جاهلين عاجزين عن التصرف فيها ضعافًا عن أن ينهضوا بأعبائها، يذهبون إلى الدواوين موظفين فتشكو الدواوين من سوء إعدادهم للعمل فيها، ويعرضون أنفسهم على أصحاب الأعمال الحرة، فلا يكادون يجربونهم حتى يزهدوا فيهم ويُعرِضوا أشد الإعراض عن استخدام زملائهم؛ لأنهم لم يُعدُّوا للأعمال الحرة إعدادًا صالحًا، ومصدر هذا كله أننا نكتفي بالألفاظ العامة الغامضة المبهمة التي لا نحقق معانيها في نفوسنا ثم نتخذ هذه الألفاظ غايات لنا، ثم نبتغي لهذه الغايات المبهمة وسائل مبهمة فننتهي إلى أن تختلط الأمور علينا أشد الاختلاط وإلى أن يكون الشباب ضحية بريئة لهذا الإبهام والغموض.

فلنجتهد قبل كل شيء إذَنْ في أن نحقق غاية التعليم العام تحقيقًا واضحًا جليًّا لا لبس فيه ولا إبهام. أما أن التعليم العام يهيئ الشاب لدخول الجامعة أو المدرسة العالية فهذا شيء لا شك فيه، ولكن التعليم العام يجب أن يهيئ الشاب لا لتسجيل اسمه في الجامعة والمدرسة العالية ولا للاختلاف إلى ما يُلقَى فيهما من الدروس، فقد يمكن أن يتاح هذا لكل إنسان إذا أراد الشارعون إباحة الاختلاف إلى الجامعة والمدارس العليا لكل من بلغ سنًّا بعينها ودفع أجرًا بعينه، بل ليختلف إلى هذه الدروس فيسيغها وينتفع بها، ويجد في ذلك لذة تدفعه إلى أن يضاعف جهده، وإلى أن يتزيد من التحصيل، وإلى أن يعمل مع الأستاذ عمل الشريك المعين لا عمل التلميذ الذي يتلقى منه العلم فيفهمه حينًا ولا يفهمه أحيانًا.

فالتعليم العام إذَنْ يهيئ الشاب لفهم نوع من التعليم أرقى منه، يهيِّئه لفهم العلم الخالص والمشاركة فيه والقدرة بعد شيء من الجهد على تنميته والإضافة إليه، وإذَنْ فلا بد للذين ينظمون أمور التعليم العام من أن يكونوا على بينةٍ من دقائق العلم الخالص وما يحتاج إليه الشاب من الوسائل ليستطيع فهمه وإساغته والمشاركة فيه والإضافة إليه، وإذَنْ فلا ينبغي أن تكون أمور التعليم العام إلى جماعة من الموظفين قد حدت مقدرتهم العلمية، وضاقت ملكاتهم عن فهم حاجات العلم ووسائله، وإنما يجب أن تكون أمور التعليم العام إلى رجال التعليم العالي أنفسهم؛ فهم الذين يحسنونه، وهم الذين يعرفون حاجاته ويعرفون الوسائل إليه.

ولنضرب لذلك مثلًا يوضحه ويجليه؛ فالتعليم العام في مصر يعد الطلاب لدخول الجامعة على اختلاف كلياتها ومعاهدها، وذلك منذ أنشئت الجامعة، وكان قبل هذا يعد الطلاب لدخول المدارس العليا، وتستطيع أن تدرس تاريخ التعليم العام في مصر منذ أول هذا القرن، فترى أن شئونه لم تكن قط إلى أحد من الجامعيين بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة.

ولعلك إن درست تاريخ وزارة المعارف كلها أن تنتهي إلى هذه النتيجة نفسها وأن تلاحظ أنه قد مر بها وزراء جامعيون أحيانًا، ولكن الفنيين الذين يباشرون شئونها من قريبٍ لم يكونوا قط من الجامعيين، ولعل الناس لم ينسوا بعد أن بين وزارة المعارف ذات التاريخ والتقاليد وبين الجامعيين الذين تخرجوا من الجامعات الأوروبية أو من الجامعة المصرية الناشئة خصومة صماء ولكنها خطيرة عنيفة، تعلن عن نفسها بين حينٍ وحينٍ، وتحدث آثارًا سيئة في شئون التعليم وفي حياة الشباب، ومهما يكن من شيء فإن إشراف غير الجامعيين على شئون التعليم العام قد باعد بينه وبين الإعداد للجامعة أشد المباعدة؛ لأن هؤلاء المشرفين لا يحسنون العلم بحاجة الجامعة من ناحية ولا تطيب نفوسهم بقبول آراء الجامعة ومشورتها من ناحية أخرى. خذ أي مادة من مواد التعليم العام، خذ التاريخ أو الجغرافيا أو الرياضة واطلب إلى الجامعي كيف يجب أن تعلم هذه المادة في المدرسة الابتدائية والثانوية ليمضي فيها الطالب إذا اتصل بالجامعة، فسيعرض عليك آراء لن تتفق مع آراء وزارة المعارف إلا قليلًا.

ومن طريف الأمر أن وزارة المعارف لما ضاقت بنقد الجامعة لها وإلحاحها في هذا النقد واستماع الجمهور لهذا النقد، أرادت أن تبرأ من التبعة وأن تشرك الجامعة معها في احتمالها، فجعلت تؤلف اللجان من لجانها ومن الجامعيين، وتكلفها وضع المناهج والبرامج، ولكن هذه اللجان مع أن الجامعيين قلة فيها دائمًا لا تكاد تتم عملها وتقدمه إلى الوزارة حتى يناله التغيير والتبديل وشيء من المسخ قوي أو ضعيف، وهو مع ذلك شيء قد اشتركت فيه الجامعة، فإذا لم يرضَ عنه الناس وإذا لم ينتج ما كان ينتظر منه فالوزارة ليست مسئولة وحدها، وإنما الجامعة مسئولة معها.

والوزارة تنسى ما أحدثت في المناهج والبرامج من تغييرٍ وتبديل، وتنسى أن الجامعيين قلة دائمًا في لجانها، فآراؤهم لا تسمع في كل وقت، وتنسى ما هو أهم من ذلك وأجلُّ خطرًا، وهو أن الجامعة إن اشتركت في وضع المناهج والبرامج فهي لا تشترك في تنفيذها والإشراف عليها، وواضح أن المنهج والبرنامج في أنفسهما ليسا شيئًا، وأن تنفيذهما هو كل شيء.

يجب إذَنْ أن يشترك التعليم العالي اشتراكًا عمليًّا قويًّا في تنظيم التعليم الثانوي وفي الإشراف على تنفيذ ما يوضع له من نظامٍ إذا كان من الحق أن التعليم العام يهيئ الطلاب للجامعة، الجامعة تفهم درس اللغات مثلًا على نحوٍ غير الذي تفهمه عليه وزارة المعارف، ولعلها لا تعتمد في ترقية درس اللغات على عدد الحصص في كل أسبوع ولا على رفع درجات آخر العام، ولا على رفع درجات الامتحان آخر العام، ولا على اختيار المعلمين الإنجليز والفرنسيين لأنهم إنجليز وفرنسيون لتعليم اللغة الإنجليزية والفرنسية، ولعل لها في ترقية تعليم اللغات مذهبًا آخر، ولعل لها إلى هذه الترقية وسائل أخرى، ولعلها لا تحفل بقدرة الطالب على أن يدير لسانه بالإنجليزية والفرنسية كما يديره الإنجليز والفرنسيون، كما تحفل بقدرة الطالب على أن يذوق هاتين اللغتين وينقل عنهما ويؤدي بهما كما يصنع أصحابهما، ولا سبيل إلى أن تحدث الجامعة آثار تصورها لتعليم اللغات في المدارس العامة إلا إذا اشتركت بالفعل في تنظيمه والإشراف عليه. ونتيجة هذا كله أن وزارة المعارف إن أرادت بتهيئة الطلاب في التعليم العام للجامعة والمعاهد العالية هذه التهيئة الصورية الزمانية التي تنحل إلى إقامة الطالب في مدارسها عددًا من السنين وأدائه فيها ألوانًا من الامتحان، فهذه التهيئة محققة بالفعل وليست في حاجةٍ إلى جهدٍ ولا عناء؛ فأبناؤنا يقيمون في المدارس الابتدائية أربعة أعوام وفي المدارس الثانوية خمسة أعوام، ويخضعون لضروب من بلاء الامتحان ثم يأتون إلى الجامعة ضعافًا قاصرين فتقبلهم كارهة راغمة، وإن أرادت تهيئة الشباب لفهم العلم الخالص وإساغته والمشاركة والإنتاج فيه فهذا عبء آخر نؤكد لها أنها لن تستطيع النهوض به وحدها في هذا الطور من حياتها على أقل تقدير.

وبعد، فهل من الحق أن الغاية الوحيدة للتعليم العام هي إعداد الطلاب للتعليم العالي، أم هل هناك غاية أم غايات أخرى لهذا التعليم؟ أما أنا فأرى أن إعداد الطلاب للجامعة بعض أغراض التعليم العام لا كلها، ولعل للتعليم العام غرضًا آخر أوسع وأشمل وأبقى وأرقى من إعداد الطلاب للجامعة؛ وهو إعداد الشباب للنهوض بأعباء حياتهم مهما تختلف عن بصيرة بها، وفهم لها وقدرة على التصرف فيها مع ما ينبغي لكل ذلك من الثقافة الحسنة والإدراك الواسع، والخلق المهذب، والذوق السليم، فليس من الضروري ولا من الممكن ولا من المستحسن أن يذهب كل من ظفر بالشهادة الثانوية إلى كليات الجامعة، بل من الواقع ومن الخير أيضًا أن يكتفي بعض الشباب بهذه الشهادة الثانوية وأن ينصرف بعد الظفر بها إلى الجد والكد ليعيش حرًّا معتمدًا على نفسه معينًا لأسرته معوضًا عليها بعض ما بذلت في تربيته وتنشيئه من الجهد والمال. وإذا كان هذا الشاب قد تعلم في المدارس العامة تعليمًا حسنًا فليس عليه بأس ألا يتصل بالجامعة ولا خطر على ثقافته من وقوفه عند الشهادة الثانوية؛ لأنه لن يستطيع أن يجمد ولا أن يخمد ولا أن يزهد في الحياة العقلية ولا أن ينصرف عن ترقية نفسه وتثقيفها ما وسعه ذلك وما أتاحته له الظروف، إنما يجمد الشاب ويخمد ويزهد في الثقافة وينصرف عن الاستزادة منها لأنه لم يُهيَّأ لها تهيئة حسنة في المدارس العامة، ولأن هذه المدارس لم تشعل في نفسه هذه الجذوة المقدسة جذوة المعرفة، ولو قد أشعلتها لما استطاع الدهر ولا أحداثه أن يخمدها أو يطفئها؛ لأنها أثبت وأبقى وأذكى من أن تخمد أو تُطفئ.

فلننظر إذَنْ كيف يمكن أن نعد الشاب لهذه الحياة التي صورناها آنفًا، ولننظر بعد ذلك كيف نهيئه تهيئة خاصة للتعليم العالي إن أراد أن يكون من طلاب التعليم العالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤