كلمة عن المراجع

لا زال الكثيرُ من وثائق عصر محمد علي مودعًا في سراي عابدين، وقد كنتُ أتمنَّى أن تُتاحَ لي الفرصة كي أرجعَ بنفسي إلى هذه الوثائق، لولا وجودي في الإسكندرية أثناء قيامي بهذا البحث، ومع هذا فأنا لم أُهمل الرجوعَ إليها، بل أفدتُ منها ولكن بطريق غير مباشر؛ ذلك أن الكثيرين من الباحثين نشروا العددَ الأكبر من هذه الوثائق، كما فعل المرحوم أمين سامي باشا في تقويم النيل، والدكتور أسد رستم في مجلداته الأربع الموسومة باسم «بيان بوثائق الشام»، كذلك أفاد الدكتور أحمد عزت عبد الكريم من هذه الوثائق في كتابه عن «تاريخ التعليم في عصر محمد علي»، ونقَل فيه فقراتٍ كثيرة منها.

وأنا باستعانتي بهذه الكتب، أعتبر أنه لم يفتني الكثيرُ مما يخدم الموضوع أو يُعين على كتابة البحث.

وقد رجعتُ أيضًا إلى الكتب العامة — عربية أو معربة أو أجنبية — التي أرَّختْ لعهد الحملة الفرنسية أو لعهد محمد علي في نواحيهما العامة أو الخاصة.

وكان أكثر اعتمادي فيها على كتاب «عجائب الآثار» للجبرتي، وخاصة عند كتابة تاريخ الترجمة في عهد الحملة، وكتُب الدكتور أحمد عزت عبد الكريم عن تاريخ التعليم في عصور محمد علي وعباس وسعيد وإسماعيل؛ فقد أفدتُ منها الكثير جدًّا للصلة الواضحة بين موضوعَي التعليم والترجمة.

وعند التأريخ للمترجمين والمحررين كان عمدتي الأول كتاب الخطط التوفيقية الجديدة لعلي مبارك باشا. ولا غروَ فهو مؤرخ معاصر للحركة ورجالها، ولمخطوطة «حلية الزمن بمناقب خادم الوطن» — رغم صغرها — قيمةٌ كبيرة جدًّا لكل من يريد الترجمة لرفاعة وتلاميذه؛ وذلك لأن مؤلفها — السيد صالح مجدي بك — كان من أقرب تلاميذ رفاعة إليه، وهو أيضًا من أنبغ خريجي الألسن ومن أكثرهم إنتاجًا في الترجمة.

وقد كان للمقالات والأبحاث التي نُشرت في المجلات العلمية المختلفة أثرٌ كبير في إيضاح كثير من نواحي البحث الغامضة، وأهم هذه الأبحاث البحث الذي نشره «المستر دن» في مجلة الجمعية الآسيوية بلندن (عدد يوليو ١٩٤٠) عن الطباعة والترجمات في عصر محمد علي، وهو — فيما أعلم — الكاتب الوحيد الذي سبقني إلى الكتابة عن هذا الموضوع، غير أن ما كتبه — رغم قيمته — قليل — كمًّا وكيفًا — كما أنه قنع بالرجوع إلى المصادر الثانوية؛ كجرجي زيدان، وسركيس، ومقالات إسكاروس في الهلال؛ ولهذا خرَج بحثُه وبه بعض الأخطاء التي ما كان يقع فيها لو أنه رجع إلى الكتب المترجمة نفسها.

وللأستاذ شارل بشاتلي مقالٌ قيِّم تَرجم فيه للأب روفائيل زاخور ترجمةً وافية، وقد اعتمدتُ عليه اعتمادًا كبيرًا عند كتابتي عن جهود هذا الرجل في الترجمة.

وللوقائع المصرية أهميةٌ كبيرة لكل من يؤرخ لأي ناحية من نواحي عصر محمد علي؛ فهي سجلٌّ لكثير من أوامر الباشا وإصلاحاته، وقد رجعتُ للأعداد الموجودة منها ما بين سنتَي ١٢٤٤ و١٢٦٤، وأخذتُ عنها الشيء الكثير.

وأنا أعتقد أنني لو قنعتُ بكل هذه المراجع، وأقمتُ عليها بحثي، لخرج هذا البحثُ ناقصًا مشوهًا؛ لأن المصادر الأولى لمثل هذا البحث — في نظري — هي الكتب التي تُرجمت في تلك العصر؛ ولهذا كانت الخطوات الأولى من عملي هي البحث عن هذه الكتب، والاطلاع عليها، وقد عانيتُ في هذا السبيل كثيرًا لضياع الكثير منها، غير أنني لم أترك كتابًا عثرتُ عليه منها إلا تصفحتُه وأخذتُ عنه، وقد كان للمقدمات والخاتمات التي كتبها الشيوخ المحررون لهذه الكتب قيمةٌ كبيرة جدًّا في بيان الكثير من أغراض الترجمة وأسماء المؤلفين والمترجمين، والمصححين، وسنوات الطبع، ومكانه، وطريقة الترجمة … إلخ.

وهناك كتبٌ كثيرة مما ترجم في عصر محمد علي لا زالت مخطوطة. أهمُّ هذه الكتب ترجمةُ الأب رفائيل لكتاب الأمير، وهي محفوظة في دار الكتب المصرية، وقد رجعتُ إليها عند الكتابة عن هذا الكتاب والأسباب الدافعة لترجمته، ورأْي محمد علي فيه، وقد سبقتْني بالاطلاع على هذه المخطوطة الآنسةُ «ماريا نللينو»، ولها مقالٌ طيب نشرتْه في المجلة الإيطالية «الشرق الحديث» (سنة ١٩٣١)، وقارنتْ فيه بين ترجمتَي رفائيل والأستاذ لطفي جمعة بهذا الكتاب، وقد جاءتْ في مقالها هذا بمعلومات جديدة قيِّمة أفدتُ منها كثيرًا عند كتابة البحث.

وأخيرًا رأيتُ أن بحثًا كهذا يعتبر أبترَ ناقصًا إذا لم يلحق به ثبتٌ كامل للكتب التي تُرجمت في ذلك العصر، وقد بذلتُ الجهد لكي يكون إحصائي شاملًا بقدر الإمكان، فرجعتُ للمحاولات القليلة التي سبقتني في هذا السبيل؛ كقوائم: «هامر»، و«رينو»، و«بورنج»، و«بيانكي»، واضطررتُ لإكمال ما بها من نقص أن أراجعَ معجم سركيس، وفهارس المكتبة البلدية بالإسكندرية، وفهارس دار الكتب المصرية — القديمة والجديدة — ورقة ورقة، وسطرًا سطرًا، وقد كان في هذا من الجهد المضني ما فيه.

ومع هذا فقد عثرتُ على نصوص تُشير إلى كتُب تُرجمت في عصر محمد علي، غير أنني لم أُوفَّق للعثور على هذه الكتب، فاكتفيتُ بإثبات النصوص ومراجعها في ملحق خاص بها.

ولإيضاح تيارات الحركة، وموجهاتها المختلفة فرَّغتُ هذه القوائم في جدول واحد يُبيِّن عددَ الكتب التي تُرجمت في كل علم وفنٍّ، وعن كل لغة إلى كلِّ لغة، ثم أتبعتُه برسْم بياني يُشير إلى تطور الحركة، وعدد الكتب التي تُرجمت في كل سنة من سِني عهدِ محمد علي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤