البعثات
أهم أغراضها: تكوين جيل من الأساتذة والعلماء مثقفين ثقافة أوروبية، إعداد المترجمين لترجمة الكتب في مختلف العلوم والفنون، أول عمل كان يُعهَد به إلى المبعوثين هو الترجمة، تكليفهم بالترجمة وهم في المحجر الصحي، عثمان نور الدين يبدأ حركة الترجمة، ترجمة لوائح البحرية الإنجليزية لاستعمالها في البحرية المصرية، بعض المبعوثين يترجمون كتبًا في الفنون التي تخصصوا فيها، عضو واحد تخصَّص في الترجمة، الباقون أعدوا لإتقان اللغات الأجنبية ليشاركوا في حركة الترجمة.
***
كان الغرض الأول الذي دفَع محمد علي إلى إرسال البعثات المختلفة إلى ممالك أوروبا أن يكوِّن في مصر جيلًا من الأساتذة والعلماء تلقَّوا العلم الأوروبي في أوروبا وبلغات أوروبا ليحلُّوا بعد عودتهم محلَّ الأساتذة والأطباء والمهندسين والضباط والصنَّاع من الأجانب، وقد نجَح محمد علي في تحقيق غرضِه هذا إلى حدٍّ كبير.

وقد أُرسلت في عهد محمد علي سبعُ بعثات، كانت أولاها في سنة ١٨٠٩ إلى إيطاليا، ثم تعدَّدت البعثاتُ إلى إيطاليا وفرنسا وإنجلترا والنمسا لدراسة الطب والهندسة والفنون الحربية والبحرية والترجمة والحقوق والإدارة والكيمياء والتاريخ والعلوم الرياضية والزراعة والطباعة وصناعة السفن والنسج بأنواعه والسباكة، إلخ … إلخ، وكانت آخرُ هذه البعثاتِ إلى إنجلترا في أوائل سنة ١٨٤٨، أي قبل أن ينتقل محمد علي إلى الرفيق الأعلى بسنة واحدة.
وليس يعنينا هنا أن ندرسَ تاريخَ هذه البعثات وأعدادَها والعلومَ التي أُرسلت لدراستها، وأعمارَ المبعوثين، ومبلغ ثقافتهم، ومدى نجاح كلٍّ منهم … إلخ؛ ففي كتب: التعليم في عصر محمد علي للدكتور أحمد عزت عبد الكريم ص٤٢٢–٤٥٣، والبعثات العلمية في عهد محمد علي للأمير عمر طوسون، ص٥–٤١٤، وعصر محمد علي للأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك، ص٤٥١–٤٦٩، وغيرها كثير؛ غناءٌ لمن يريد العلم بأخبار هذه البعثات، ولكن يعنينا هنا أن نذكر أن هذه البعثاتِ كانت أداةً صالحة جدًّا لنقْل علوم الغرب وفنونه وصناعاته إلى مصر علمًا وعملًا، وسنترجم لمن اشتغل بالترجمة من أعضاء البعثات في الفصل الخاص بالمترجمين، ثم نذكر في قائمة الكتب المترجمة أسماءَ الكتب التي ترجمها هؤلاء المبعوثون في مختلف العلوم والفنون.
- (١) أن عثمان نور الدين (باشا) — وهو أولُ مبعوثٍ مصري إلى أوروبا — كان «ساعِدَ الحكومةِ الأيمن في ترجمة الكتب؛ فقد خصص له قصر إسماعيل بن محمد علي في بولاق، وألحق به بعض المترجمين ليترجموا «كتب الفنون الحربية وسائر الصنائع».»٥
- (٢) وأنَّ أعضاء البعثة البحرية التي أُرسلت إلى إنجلترا سنة ١٨٢٩، قاموا بعد عودتهم — إلى جانب عملهم في الأسطول المصري، بترجمة اللوائح البحرية الإنجليزية لاستعمالها في البحرية المصرية.٦
- (٣) وأنه كان يُعهَد إلى بعض أفراد البعثات بترجمة كتابٍ يتصل بفنِّه الذي يدرسه كما عُهد إلى علي عبد الرحيم أفندي عضو بعثة سنة ١٨٢٩ الصناعية بترجمة كتاب عن معمل القطن، وكما عُهد إلى زميله في نفس البعثة حنفي إسماعيل أفندي بترجمة كتاب في صناعة الآلات.٧
- (٤) لم يعُدْ للتخصص في الترجمة من بين جميع أعضاء البعثات إلا رفاعة رافع الطهطاوي، غير أنه كان يراعي دائمًا في منهاج الدراسة إعدادَ المبعوثين للتخصص في علومهم وفنونهم أولًا، ثم إتقان اللغات الأجنبية ثانيًا ليترجموا كتبًا فيما تخصصوا فيه، فكان أعضاءُ البعثة الصناعية التي أُرسلت إلى فرنسا في أوائل سنة ١٨٣٠ يدرسون علمَ بيان اللغة الفرنسية على أستاذ خاص،٨ وكذلك نص في الأمر الصادر بتكوين البعثة الطبية التي كان مزمعًا إرسالُها إلى فرنسا في أوائل سنة ١٨٤٨ أن «يتعلَّموا جميعًا اللغة الفرنسية والطب، حتى إذا عادوا إلى مصر اشتغلوا بالترجمة …»٩ وأن محبوب الحبشي وهو أحد التلاميذ الأحباش الذين أُرسلوا إلى فرنسا حوالي سنة ١٨٣٢ لتعلُّمَ فنِّ النقش كان يتعلم هناك «اللغة العربية والفرنسية والإيطالية واشتُريت له كتبٌ في علم الجغرافية».١٠