الفصل الثالث

المترجمون

تقدمة عامة

سبَق أن ذكرْنا أن سنة ١٢٢٦ / ١٨١١، وهي السنة التي تمَّتْ فيها مذبحةُ المماليك، تعتبر بحق الحد الفاصل بين عهدَين: العهد التمهيدي من عصر محمد علي — وفيه بذل الجهد للقضاء على كل العقبات التي تعترض سبيلَه — وبين عهد الإصلاح، وذكرْنا أيضًا أن محمد علي كان يرى أن وسيلته للإصلاح هي النقل عن الغرب، وأن «كل ما هو مفيد من النظم الغربية قد كتبَه أصحابُها، فإذا ترجم إليه استطاع أن يسير طبقًا له».١

وهنا اعترضتْه مشكلةٌ خطيرة: أين الكتب التي تُترجم؟ وأيُّ هذه الكتب أحقُّ بالترجمة؟ وأين في مصر العارفون باللغات الأوروبية والشرقية ليقوموا بترجمة هذه الكتب؟ وأخيرًا، أين أداة طبْع هذه الكتب ونشرها؟

لقد كانت مصر حينذاك خلوًا من هذه الأدوات؛ إذ لم يكن بها كتابٌ واحد أوروبي مذ أخذتِ الحملةُ الفرنسية معها كتُبَها وهي تجلو عن مصر، ولم تكن في مصر مدرسةٌ واحدة تُعنَى بتدريس أية لغةٍ أوروبية، ولم يكن بين المصريين مَن له معرفة بلغةٍ من هذه اللغات الأجنبية، وكانت المطبعةُ أخيرًا — أداة الطبع والنشر — قد رحلتْ مع الفرنسيين عند خروجهم.

غير أن هذا العطلَ من العلم الأوروبي الحديث وأدواته، ومقوماته، لم يدفع اليأسَ إلى نفس محمد علي، بل على العكس دفعَه إلى التفكير والتقدير، والإقدام والتنفيذ، ولكن مَن يبغي الثمرة لا بد أن يُمهِّدَ الأرضَ ويفلحها ويرويها، ولا بد أن يَبذُرَ الحَبَّ، ويرعاه، ويُنمِّيَه، وهكذا فعل محمد علي؛ فقد مكث نحو العشر سنوات يُمهِّد الأرض التمهيدَ الأول، ثم لبِث نحو عشر سنوات أخرى يبذُر الحَبَّ، ويرعاه، ويُنمِّيه.

ففي الفترة التالية لسنة ١٢٢٦ / ١٨١١ أرسل بعوثَه الأولى إلى إيطاليا (١٢٢٨–١٢٣١ / ١٨١٣–١٨١٦) لدراسة فنون وعلومٍ مختلفة أهمها الطباعة، وقبيل عودة عثمان نور الدين من «أوروبا» (عاد في سنة ١٢٣٢ / ١٨١٧)، أوصاه محمد علي أن يشتريَ مجموعة كبيرة من الكتب الأوروبية كما سبق أن ذكرنا.

وفي ١٤ ذي الحجة سنة ١٢٣٥ / ٢٢ سبتمبر ١٨١٩ صدَر أمرُ محمد علي باشا إلى كتخدا بك «بتعيين أحد القسِّيسين لإعطاء دروس في اللغة الطليانية والهندسة لبعض التلامذة الذين كانوا بالقلعة، وأن يُخصَّصَ له محلٌّ للتدريس في القلعة، وكان هذا أولَ أمرٍ صدَر بتعلُّم لغة أجنبية بمدارس مصر.»٢

وفي سنة ١٢٣٧ / ١٨٢١ أُسِّست مطبعة بولاق، وفي سنة ١٢٣٨ / ١٨٢٢ كان أول كتاب طُبع في هذه المطبعة «قاموس طلياني وعربي» من وضْع الأب رفاييل زاخور راهبة.

بهذه التمهيدات خطَا محمد علي الخطواتِ البطيئة التي استغرقتْ عشر سنوات (من ١٨١١–١٨٢١) نحو تمهيد الأرض التمهيدَ الأول؛ فأرسل إلى إيطاليا مَن تخصَّص في فنِّ الطباعة وهو نيقولا مسابكي، وأحضر بعض الكتب، وأنشأ المطبعة، وساعد على وضْع القاموس الأول ليُعين الترجمة عن اللغة الإيطالية، وهي أكثر اللغات الأوروبية انتشارًا وذيوعًا واستعمالًا في مصر وقتذاك، وبقيَ التمهيدُ الثاني، وهو إيجاد المترجمين، ولم يكن في المصريين مَن يصلح للقيام بهذا العمل غير عثمان نور الدين أحدِ أعضاء بعثته الأولى، فعُيِّن في سنة ١٢٣٧ / ١٨٢١ أمينًا للمكتبة الموجودة في قصر إسماعيل باشا ببولاق، «وألحق به بعض المترجمين (كذا) ليترجموا «كتب الفنون الحربية وسائر الصنائع»، وبعض التلاميذ ليدرسوا الهندسة واللغات العربية والتركية والإيطالية».٣

غير أن عثمان نور الدين ما كان يستطيعُ أن يقوم بالعبء وحده، كذلك لم تكن المدارسُ الجديدة قد أُنشئت لتُخرج مَن يستطيع الترجمة، ومع هذا كان الجيش الجديد قد بُدئ في تكوينه منذ سنة ١٢٣٠ / ١٨١٥، وكانت الإدارات والمصانع والمنشآت الجديدة في سبيلها إلى التكوين، ومحمد علي يرى أن هناك كتبًا أوروبية تُنير له سبيل الإنشاء والتكوين، وأنه لا بد من ترجمتها، فلا مانع لديه إذن أن يستعين بمن يستطيع الترجمة من السوريين المقيمين في مصر، وستقوم هذه الطائفةُ بواجبها خيرَ قيام حتى تُنشأ المدارس وتخرج الدفعات الأولى، وحتى تُرسل البعثات، ويعود أعضاؤها، فيُكوَّن من خريجي المدارس، وأعضاء البعثات الرعيلُ الثاني من المترجمين.

وقد كان الرعيلُ الأول من السوريين قليلَ العدد، محدودَ المعرفة والكفاية، وكان الرعيلُ الثاني من خريجي المدارس وأعضاء البعثات يقوم بالترجمة كعمل إضافي إلى جانب العمل الأساسي كالتدريس، أو الحكم، أو العلاج الطبي، أو الإشراف على المنشآت؛ ولهذا كان لا بد من إيجاد طائفةٍ ثالثة متخصصة في الترجمة، فأُنشئت مدرسة الألسن، وكوَّن خريجوها الرعيلَ الثالث من المترجمين.

وقد كانت هذه الرِّعال الثلاث تقوم بالترجمة عن اللغات الأوروبية وخاصة الفرنسية والإيطالية إلى اللغة العربية أو التركية، غير أن محمد علي كان يريد أحيانًا أن يطَّلع على بعض الكتب الخاصة، وكثيرًا ما كانت الكتب تُترجَم بإشاراته وإجابةً لرغبته، ولغة محمد علي الأصلية هي التركية، ومعظمُ رجال جيشه وحكومته الأولى كانوا يجيدون التركية دون العربية؛ لهذا ظهر في تاريخ الترجمة في عصر محمد علي رعيلٌ رابع من موظفيه عُهد إليهم بترجمة كثير من الكتب عن العربية، والقليل منهم ممن كانوا على علْم بإحدى اللغات الأوروبية كانوا يترجمون عنها إلى التركية.

أمام اضطهاد مراد وإبراهيم نزح من مصر كثيرٌ من السوريين المسيحيين، كذلك خرج مع الحملة الفرنسية عددٌ كبير منهم خوفًا من اضطهاد كانوا يتوقعونه من الحكومة العثمانية بعد استعادة مصر، من الصنف الأول أنطون فرعون قسيس معلم الديوان وإخوته، ومن الصنف الثاني طائفة المترجمين في عهْد الحملة.

ولكن يبدو أن هذه الفترة التي انتهت بتغلُّب محمد علي على صعوباته، وبدئِه عهْدَ الإصلاح كانت فترةً مناسبة جدًّا لعودة وهجرة كثيرين من السوريين المسيحيين؛ ففي هذه الفترة كانت أوروبا — وخاصة فرنسا — ميدانًا لاضطرابات وقلاقل عنيفة سبَّبتْها حروبُ نابليون التي انتهتْ بعزله ونفيه في سنة ١٨١٥، وعودة الحكم في فرنسا إلى الملكية القديمة، وإن كان مؤتمر «فينا» لم يقضِ تمامًا على عوامل الاضطرابات والثورات في ممالك أوروبا، فستقوم ثوراتٌ أخرى في معظم هذه الممالك في سنتَي ١٨٣٠ و١٨٤٨، وفي هذه الفترة أيضًا انتهى النزاعُ بين محمد علي وبين جميع الهيئات التي كانت تعترض سبيلَه، وبدأ في مصر عهدُ أمنٍ وهدوء وطمأنينة.

عاد إذن من أوروبا إلى مصر بعضُ مَن غادرها من السوريين الذين ارتحلوا مع الحملة، وهاجر إليها من سوريا نفرٌ آخرون، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه محمد علي يُعِدُّ العُدة لإنشاء مطبعته ومدارسه، وفي سنة ١٨٢٧ أُنشئت مدرسة الطب المصرية، وكان كل أساتذتها من الفرنسيين والإيطاليين، وعانى كلوت بك كما ذكرنا صعابًا كثيرة في التغلب على صعوبة جهْلِ كلِّ فريق من الأساتذة والطلاب بلغة الفريق الآخر، وهنا لجأ محمد علي، ولجأ كلوت بك إلى الاستعانة بمن في مصر من السوريين الذين يعرفون العربية واللغات الأوروبية.

(١-١) الأب أنطون رفاييل زاخور

كان أول هؤلاء المترجمين السوريين شخصيةً فذَّة عرفْناها من قبل معرفةً جيدة أثناء كلامنا على الترجمة العلمية في عهْد الحملة الفرنسية،٤ فقد ذكرنا هناك جهودَ هذا العالم في الترجمتين الرسمية والعلمية، وعرفنا أنه كان العضوَ الشرقي الوحيد في مجمع «نابليون»، وأنه كان المترجم الأول بديوان «مينو»، ولم يرحل الأب رفاييل مع رجال الحملة كما رحل غيرُه من السوريين، بل بقيَ في مصر نحو سنتين أُخريَين اشتغل في أثنائهما سكرتيرًا لرئيس طائفته الدينية الأب باسيليوس عطا الله.٥
غير أن رفاييل كان ذا نفس طموحة وآمال عريضة، وقد ارتقى في عهد الحملة الفرنسية مكانًا عليًّا في مصر؛ فكان من رجال العلم والحُكم والدولة، فتعرَّف إلى شخصيات فذة؛ ﮐ «نابليون»، و«ديزيه»، و«كليبر»، و«مينو» … إلخ ممن اشتركوا في صُنْع تاريخ مصر في مفتتح القرن التاسع عشر، وقد كان في تلك الفترة دائمَ العمل دائب النشاط والإنتاج، فهل يقبع في مركزه الديني الجديد المحدود الآفاق؟ كلَّا لم ترضَ نفسُ رفاييل بهذا الركود بعد الحركة، ولم يكن في ظروف الحكومة الجديدة بعد أن عادت مصر لحكم العثمانيين مجالٌ لإظهار نشاطه السياسي أو العلمي، فولَّى رفاييل وجهَه شطرَ فرنسا من جديد، وأرسل في مدى هاتين السنتين خطابَين٦ إلى صديقه القديم «نابليون بونابرت».
وفي الخطاب الأول — وتاريخه ١٤ مارس ١٨٠٢ — تحدَّث رفاييل إلى «نابليون» بأنه قد اعتزم أن يُكرِّس حياتَه لخدمة الجمهورية الفرنسية تحت حكم القنصل الأول، وبعد إرسال هذا الخطابِ بقليل وفَد على مصر «المسيو سبستياني» رسولًا دبلوماتيًّا من حكومة فرنسا لدراسة الحالة الجديدة في هذه البلاد، وقد اتصل أثناء مقامه بالقاهرة بكثير من مشايخ المصريين، ورجالتها، وخاصة مَن كان له صلة بالحملة، وقد قدَّم «سبستيان» لبعض هؤلاء المشايخ صورةَ نابليون٧ مهداة منه إلى كلٍّ منهم، وكان رفاييل ممن حَظيَ بهذا الشرف، وقد فرح بهذا الإهداء كلَّ الفرح؛ إذ اعتبره فرصةً طيبة لتجديد صلتِه بعاهل فرنسا الجديد؛ ففي ٢٠ نوفمبر سنة ١٨٠٢ أرسل إلى نابليون خطابًا ثانيًا، شكره فيه على هديته، وجدَّد تقديمَ خضوعه للقنصل الأول الذي لقَّبه في خطابه ﺑملاك السلام Angelo di Pace (إشارةً منه لصلح «أميان» الأخير)، وضمَّن رفاييل كلَّ ذلك قصيدةً عربية أرفقها بترجمة لها إيطالية، يقول الأستاذ بشاتلي: «وربما كان الدافع لإرسال خطابه الثاني ردًّا وصلَه من «بونابرت» على خطابه الأول صحبة «سبستياني»؛ فقد تقابل رفاييل مع «سبستياني»، ومن المحتمل أنه دارتْ بين الرجلين أحاديثُ تتصل بنظم الحكم السياسية لأن رفاييل يُخبرنا أنه عند وصوله إلى فرنسا سنة ١٨٠٣ أرسل خطابًا «لتاليران» وزير الخارجية في باريس يُخبره فيه أنه يحمل خطاباتٍ هامة للحكومة الفرنسية.»٨
ووجد رفاييل أخيرًا أن سياسة الخطابات سياسةٌ غير مجدية، فقرَّر أن يرتحل إلى فرنسا، وسافر في سنة ١٨٠٣، ووصل إلى مارسيليا ومنها إلى «جرينويل»، حيث قابله بالترحاب صديقُه القديم «فورييه»، ومن تلك المدينة أرسل رفاييل إلى «تاليران» في «باريس» خطابًا باللغة الإيطالية يذكر له فيه أنه يحمل إليه خطاباتٍ هامة خاصة بالحكومة الفرنسية، ويطلب فيه الإذن بالمقابلة، وهنا قد نتساءل، ترى ماذا كانت تحمل هذه الخطابات؟ وممن كانت مرسلة؟ الواقع أن رفاييل لم يُوضِّح في مخطوطته هذه المسألة رغم أهميتها، حقيقة إن الحالة في مصر بعد خروج الفرنسيين كانت حالةً بالغة في السوء، وقد ارتكبت الحكومةُ العثمانية والجنود العثمانيون أخطاء كثيرة مما جعل الكثير من طبقات الشعب المصري تحنُّ إلى عهد الفرنسيين،٩ وتصرح بهذا الحنين، ولكن هل فكَّر أحد من المصريين في الاستفادة من المركز الدولي في أوروبا وقتذاك، وهل فكَّر أحد منهم — كما سبق أن فكَّر الجنرال يعقوب — في عرض اقتراح جديد لإنقاذ مصر من حالتها السيئة؟ وما نوع هذا الاقتراح؟ ومَن صاحبه، أو أصحابه؟ كل هذه أسئلة يُثيرها في الذهن أمرُ هذه الخطابات التي كان يحملها رفاييل من مصر إلى وزير خارجية فرنسا.
وسافر رفاييل إلى باريس، وما كاد يستقرُّ في العاصمة حتى كتب خطابًا آخر باللغة الإيطالية أيضًا إلى القنصل الأول يطلب مقابلته. يقول الأستاذ بشاتلي: «ولسنا نعلم شيئًا عما دار بين رفاييل والقنصل الأول، ولكن مما لا شك فيه أن ما كُلِّف به رفاييل كان ذا أهمية بالغة؛ فقد بادرت الحكومةُ الفرنسية، وكافأتْه على ما قام به بأن عيَّنه القنصل الأول أستاذًا مساعدًا بمدرسة اللغات الشرقية بباريس، وصدَر أمرُ هذا التعيين في ٢٤ سبتمبر سنة ١٨٠٣ (أول فانديمير سنة ١٢)، وذلك بعد ستة عشر يومًا من طلب المقابلة.»١٠
وقد نصَّ أمرُ التعيين على أن يُعهَد إلى رفاييل بإلقاء دروس في اللغة العامية، وبترجمة المخطوطات العربية الموجودة في المكتبة، والخاصة بالأدب والتاريخ المصري، وقد جاء في كتاب: Notice Historique sur l’Ecole Spéciale des langues Orientales Vivantes.
أن هذه الترجمات «كانت تتجه لإعداد مواد تُفيد منها اللجنة التي كانت تعمل لإخراج المؤلف الكبير — وصف مصر».١١
وقد نشط رفاييل في المدة التي قضاها في فرنسا (١٨٠٣–١٨١٦) إلى التأليف مرة أخرى، فوضع كتابًا «عن البدو أو عرب الصحراء»،١٢ ثم ألف كتاب مطالعة لتلاميذ مدرسة اللغات الشرقية عنوانه «مرج الأزهار وبستان الحوادث والأخبار»،١٣ ثم نظم قصة السندباد البحري، وترجم إلى العربية بعضَ قصص «لافوتين»،١٤ ثم بدأ أخيرًا في تأليف كتابه الذي أهداه إلى «بونابرت» عن تاريخ مصر وجبل الدروز، وعنوانه «مجموع أصح العبارات، وأدق الرموز، في أرض مصر وجبل الدروز».١٥
وفي سنة ١٨١٥ هُزم نابليون في موقعة «واترلو» ونُفيَ إلى جزيرة «سانت هيلانة»، ففقد رفاييل صديقَه وراعيه وحاميه، وبدأ يناله ما نال معظم مؤيدي الإمبراطور السابق وأصدقائه من نقمة واضطهاد؛ فقد قررت الحكومة الجديدة تخفيضَ مرتبه تنفيذًا لسياسة الاقتصاد العامة التي رسمها حينذاك الوزير فوبلان Vaublane، ولم يرضَ رفاييل عن هذا الوضع الجديد، فقدَّم استقالته في أبريل سنة ١٨١٦، وقرَّر العودة إلى مصر.
هذا هو — في رأي الأستاذ بشاتلي — الدافعُ الوحيد لرحيل رفابيل عن فرنسا، وعودته إلى مصر، ولكنني قد أرى أن هناك سببَين آخرَين لهما من القوة ما للسبب السابق:
  • أولهما: أن هذه الفترة من سنة ١٨١١ إلى سنة ١٨٢١ كانت فترةَ التمهيد للإصلاحات التي بدأها محمد علي، ولا شك أن أخبار هذه الإصلاحات كانت قد وصلتْ إلى فرنسا في ذلك الحين، فلعلها دفعتْ رفاييل — وهو في ضيقه الجديد — إلى التفكير في العودة إلى مرتع صباه، إلى البلد التي بدأ فيها مجدَه العلمي والسياسي في عهد الحملة الفرنسية.
  • وثانيهما: أن محمد علي كان قد أرسل عثمان نور الدين — وهو أول مبعوث إلى أوروبا في سنة ١٨٠٩ ليتلقَّى العلوم الحربية والسياسية في إيطاليا — وذلك بوساطة يوسف بكتي١٦ قنصل السويد في القاهرة — وقد مكث عثمان نور الدين أربعَ سنوات في إيطاليا، ثم سافر إلى فرنسا ليُكمل بها تعليمه، فلبث بها سنتين أخريَين، فهل يبعد أن يكون رفاييل قد اتصل — وهو في باريس — بعثمان نور الدين، وعرَف منه الشيءَ الكثير عن سياسة محمد علي الإصلاحية، وأن هذه السياسة ترمي إلى النقل عن الغرب، وأن سلاحه الأول هو الترجمة؟

عاد رفاييل إلى مصر في سنة ١٨١٦، واتصل بمحمد علي، وإن كنا نجهل مَن مِن الرجلين سعى للاتصال بصاحبه، وكان محمد علي حينذاك يُمهِّد السبيل لنقل علوم الغرب، وكان قد أرسل بعثاتِه إلى إيطاليا للتخصص في فنِّ الطباعة، وإذ كانت اللغة الإيطالية هي لغة المراسلات الدبلوماتية وأكثر اللغات الأوروبية انتشارًا في مصر، فقد كلَّف محمد علي رفاييل أن يضع قاموسًا للغتين العربية والإيطالية.

وفي سنة ١٨٢٠ مرَّ بمصر بروكي Brocchi الرحالة الإيطالي، وفي ٥ ديسمبر سنة ١٨٢٢ زار مدرسة بولاق السابق ذكرُها، ورويَ أنه رأى بين هيئة المدرسين ثلاثة من رجال المسيحيين١٧ هم دون كارلوبيلوتي Von Carlo Bilotti من كالابريا، والأب سكاليوتي L’abbé Scagliotti من بيدمنت، ودون رفاييل ويقوم بتدريس اللغة العربية.
وبعد ستة أيام — أي في ١١ ديسمبر — زار «بروكي» مطبعةَ بولاق، وأشار إلى الكتب التي كانت تحت الطبع، وأولها «قاموس طلياني وعربي Dizionnaire Italiano»، وقد تمَّ طبعُه في نفس السنة ١٢٣٨ / ١٨٢٢، وقد ذكر بيانكي في قائمته، ووافقه «برون» أن هذا القاموس هو أول كتاب طُبع في مطبعة بولاق، غير أن «بروكي» قال: إن أول كتاب طُبع بها كان كتابًا تركيًّا وُضع لتعليم تلاميذ المدارس الحربية القائمة في الصعيد حينذاك، ثم طُبع بعد هذا الكتاب — وقبل طبع القاموس — كتابان آخران، أحدهما في الآجرومية العربية، والثاني كتاب في الفنون العسكرية تُرجم عن الفرنسية إلى العربية.١٧
وقد درس المستر «هيوارث دن» قائمة بيانكي دراسةً طيبة في مقالة عن الترجمة والطباعة في عصر محمد علي،١٨ غير أنه نسَب هذه القائمة خطأً إلى دكتور برون، وقد اعتذر في مقاله عن «برون»، أي عن «بيانكي»، فقال: إنه من المحتمل أن المطبعة لم تكن في أول أمرها قد نظمت النظام الكافي، وإن الكتب الأولى التي طُبعت بها قد طبعت بسرعة، فلما بدأ «برون» و«بيانكي» يُعدَّان قائمتَيهما لم تكن هناك نسخٌ باقية من هذه الكتب الأولى؛ ولهذا لم يُشيرَا إليها.
وفي السنة التالية ١٢٣٨ / ١٨٢٣ طُبع الكتاب الثاني لرفاييل، وهو ترجمة عربية لرسالة فرنسية من تأليف «ماكير» عن صباغة الحرير، واسم هذه الرسالة باللغة الفرنسية l’art de la tainture en soie, par M. Macquer, Paris 1808. وعنوانها باللغة العربية «كتاب في صناعة صباغة الحرير»، ويقع هذا الكتابُ في ١١٨ صفحة من القطع المتوسط، وفي الصفحة الأولى منه مقدمة للمترجم لم يذكر فيها السببَ الذي دفعه لترجمة هذا الكتاب، وإن كان من المرجَّح أنه ترجمه تنفيذًا لأمر محمد علي ليُفيدَ منه القائمون على إنشاء الصناعة الجديدة التي أوجدها محمد علي في مصر — وخاصة صناعة النسيج — وتلَا مقدمةَ المترجم مقدمةٌ علمية للمؤلف من صفحة ٢ إلى منتصف صفحة ١٠، ثم فهرسٌ للكتاب من منتصف صفحة ١٠ إلى نهاية صفحة ١٢، ثم شرح للألوان والألفاظ الاصطلاحية الواردة في الكتاب في ثماني صفحات، والمتن يشغل الصفحات الباقية.١٩

ويعتبر هذا الكتاب — إذا استثنينا الكتابَ الحربي المترجم عن الفرنسية الذي ذكره «بروكي» — أول كتاب تُرجم في عصر محمد علي، فهو أول الغيث، وبهذا يكون رفاييل صاحب السبق في هذا الميدان، فهو صاحب أول كتاب ترجم عن الفرنسية إلى العربية وطبع في مطبعة الحملة وفي عهدها، وهو رسالة «دي جينيت» عن مرض الجدري، وهو أيضًا صاحب أول كتاب تُرجم عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في مطبعة بولاق في عهد محمد علي.

القاموس الإيطالي العربي من وضع الأب رفاييل

وواحد من الكتب الثلاثة الأولى التي طبعت في مطبعة بولاق في عصر محمد علي.
وضع رفاييل هذا القاموس، وتُرجم هذا الكتاب تنفيذًا لأمر محمد علي، مما يرجح أن الصلة كانت قويةً بين الرجلين، ولم يكن محمد علي سليلَ بيت مالك، بل إنه سعى حتى فاز بهذا العرش فوزًا، ولقد كان له من فطرته السليمة، وعبقريته الفذة، ما دفعه إلى البحث والدرس، وخاصة كل ما يتعلق بنظم الحكم والإدارة، وفنِّ السياسة؛ ولهذا كان دائمَ الصلة بكل مَن في مصر من دبلوماسيين أوروبيين، وبكل من يَفِد عليها مرتحلًا أو زائرًا، وكان في اجتماعه معهم دائمَ السؤال عن أحوال بلادهم السياسية والعلمية، وعن نُظُم حكوماتهم، وعن أهم الكتب وأحسنها، وقد نصحه ناصحٌ من هؤلاء في تلك الفترة (حوالي سنة ١٨٢٠) — وإن كانت المراجع لا تذكر مَن هو — بقراءة كتاب «الأمير» ﻟ «مكيافلِّي»، فبادر محمد علي، وكلَّف رفاييل بترجمة هذا الكتاب، فترجمه إلى اللغة العربية (حوالي ١٢٣٩-١٢٤٠ / ١٨٢٤-١٨٢٥)، أشار «بروكي» — في غموض — إلى ترجمة هذا الكتاب، ثم أشار إلى هذه الترجمة في وضوح وإيضاح لا بأس به جويسبي أشربي Giuseppe Acerbi (١٧٧٣–١٨٤٥): قنصل النمسا في مصر في عهد محمد علي في رسالة منه إلى «السنيور جيروفي» أمين المكتبة الإمبراطورية في «ميلانو»، وقد ذكر «أشربي» في هذه الرسالة أنه تحدَّث مع الباشا في إحدى مقابلاته عن الكتب والأدب، وقد دُهش عندما أخبره محمد علي أنه أمر بترجمة كتاب الأمير لمكيافلِّي إلى التركية، وأنه جدُّ مشوق لمعرفة ما يتضمنه هذا الكتاب الذي سمع عنه ثناءً جمًّا من أحد الأوروبيِّين.

وذكر «أشربي» بعد ذلك أن محمد علي تحدَّث إليه عن هذا الكتاب في مقابلة أخرى — وكان ذلك في سنة ١٨٢٨، أي بعد ترجمة الكتاب بنحو أربع سنوات — فقال له ما ملخصه: «إنكم تُثيرون في إيطاليا ضجة كبيرة حول كاتبكم المعروف «ماكيافيللي»، وقد أمرتُ بترجمة كتابه إلى التركية لكي أعرف ما فيه، ولكنني أعترفُ بأنني قد وجدتُه أقل بكثير مما كنت أتوقع، ومن الشهرة التي له.

وإني أُعلن إليك أيضًا أن هناك مؤلَّفًا آخر عربيًّا أثار دهشتي، ونال إعجابي، بعد أن أمرت فتُرجم للغة التركية — هو مقدمة ابن خلدون — إن هذا الكاتب أكثرُ حرية في تفكيره من ماكيافيللي، بل إنني أعتقد أن كتابه أكثرُ وأشد نفعًا، وإذا كان كتاب ماكيافيللي ممنوعًا تداوله في بعض البلاد الأوروبية، أفما كان من الأجدر أن يكون المنعُ أتمَّ وأعمَّ بالنسبة لمقدمة ابن خلدون.»٢٠

ولا يمكنُنا أن نمرَّ بهذا الحديث دون أن نُشير إلى دلالاته المختلفة، وأولها وأهمُّها هذه القدرة العجيبة من شخص كمحمد علي ظلَّ أميًّا حتى سنٍّ متأخرة جدًّا، على تفهُّم كتابَين من أعظم ما خلفته الثقافةُ الإنسانية في الغرب والشرق، ثم المقارنة بينهما، وتفضيل أحدهما على الآخر.

بقيَ أن نُشير إلى ما ورد في حديث محمد علي ﻟ«أشربي» من أنه أمرَ أن يُترجَم الكتاب إلى التركية، مع أن الترجمة التي وصلتْنا ترجمة عربية، ويمكن تفسير هذا التعارض بأن رفاييل الذي كُلِّف بترجمة الكتاب لم يكن يعرف اللغة التركية فترجمه إلى العربية، وإذ كان محمد علي لا يُتقن العربية، ولغتُه الأصلية هي التركية، فمن الممكن أن نفرض أن هذه الترجمة العربية تُرجمت ثانيةً إلى التركية٢١ — إما كتابةً وإما شفاهًا — ليتمكَّن محمد علي من فهْم ما جاء بها، ويؤكد هذا الظن أمْر محمد علي فيما بعدُ بترجمة رحلة رفاعة إلى «باريس» عن العربية إلى التركية، ليطَّلع عليها هو ورجالُ دولته ممن يجيدون التركية دون العربية.
ومخطوطةُ الترجمة العربية كانت موقوفةً على مكتبة مسجد سيدنا الحسين، ثم نُقلت منها إلى دار الكتب المصرية، حيث ما تزال محفوظةً تحت رقم ٤٣٥ تاريخ، وعنوانها «المجلد الرابع من مصنفات نيقلاوس في التواريخ وفي علم حسن التدبير في الأحكام»،٢٢ وطولُ المخطوطة ٢١٫٥سم، وعرضها ١٦سم، وهي مكتوبة بالخط النسخ الجميل، وتتكوَّن من ٨٢ ورقة، وفي كل صفحة ٢٠ سطرًا.

والأوراق من ١أ إلى ٢ب تحتوي على مقدمة موجزة من قلم المترجم تبدأ بقوله «نبتدئ بعون الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله الذي على مشيئته وتدبيره تنعقد سلاسلُ الحوادث والأخبار، ومن فيض أحكامه ونجد (كذا) تقديره يجري مجرى ما وقع في الدهور والأعصار، ثم يلي ذلك مدحٌ لمحمد علي وأنه أمره بترجمة هذا الكتاب الذي ألَّفه المعلم ماكيافييلي ليُفيد منه القائمون بالوظائف الإدارية، وأنه ترجمَه ترجمة دقيقة ليكون واضحًا سهلًا لمن يقرؤه، وأنه بذل في ذلك عناءً وعناية؛ لأن تراكيبَ الكتاب قديمةٌ وأفكارَه صعبة؛ فقد أُلِّف في سنة ١٦٠٠.»

figure
الصفحة الأخيرة من كتاب «في صناعة صباغة الحرير» ترجمة الأب رفاييل.
والكتاب غير تامِّ الترجمة،٢٣ ويتكوَّن من ٢٣ فصلًا، وإن كان رافييل قد أطلق على كل فصل من الفصول السبعة الأولى اسم «رأس»، ثم سمى الفصول من ٨ إلى ١٢ فصولًا، ولكنه عاد فكتب على الفصول الباقية لفظ «رأس» بدلًا من فصل.
وترجمة رفاييل لهذا الكتاب — كترجماته الأخرى — ضعيفةٌ ركيكة الأسلوب، صعبة الفهم، وسنعود للتحدث عنها بإسهاب عند تقديرنا العام للترجمة في هذا العصر، وتقول الآنسة «ماريا ناللينو»٢٤ إن مشروع طبْع هذا الكتاب لم يُنفَّذ، ولعل ذلك راجعٌ إلى رأْي محمد علي الذي لم يُقدِّر محتويات كتاب «ماكيافيللي»، أو لعل ترجمة رفاييل بدتْ أمام مصححي مطبعة بولاق من شيوخ الأزهر ركيكةَ الأسلوب ضعيفةَ العربية، بل وغامضة غير واضحة المعنى في مواضع كثيرة منها.

هذه هي جهود رفاييل الأولى في الترجمة منذ عاد إلى مصر، وكلُّها تنفيذٌ لأمر محمد علي وتوجيهاته، فلمَّا أُنشئت مدرسة الطب في سنة ١٢٤٣ / ١٨٢٧ اختار كلوت بك نفرًا من المترجمين السوريين ليقوموا بنقل الدروس، وترجمة المحاضرات إلى الطلبة، وكان رفاييل أولَ من اختير لهذه المهمة.

وقد جاء في التقرير الذي كتبه كلوت بك عن حالة المدرسة في سنتِها الأولى، أن رفاييل الدكتور في الطب، العالم باللغة العربية والفرنسية والإيطالية، والمعيَّن بالمدرسة، كُلِّف بترجمة علم الفسيولوجيا، وأنه قام به بدقة ووضوح.٢٥
ثم ذكر «كلوت بك» في تقرير السنة التالية (١٢٤٤ / ١٨٢٨) اسمَ رفاييل بين أعضاء لجنة الامتحان، وقال: «إن الأستاذ الدكتور رفاييل قام في كثير من المهارة بترجمة رسالة في التشريح الباتولوجي Anatomie Pathologique وكان من الضروري أن يقوم بهذا الواجب طبيبٌ له قيمتُه؛ كرفاييل متمكن من اللغة العربية ليقوم بمثل هذا العمل الصعب.»٢٦

ويُشير التقرير الثالث (١٢٤٥ / ١٨٢٩) إلى أنه كان لا يزال مكلَّفًا بترجمة علم الفسيولوجيا، وأنه كان يقوم بهذا العمل بمنتهى الدقة والوضوح.

وفي ١٣ أكتوبر سنة ١٨٣١ / ٦ جمادى الأولى ١٢٤٧ تُوفيَ رفاييل بعد هذه الحياة العلمية الحافلة، وبعد أن بلغ من العمر اثنتين وسبعين سنة، وذلك في داره التي كان يسكن بها في القاهرة مع أحد أقاربه المدعو «يوسف الراهبة» الذي ورث عنه أموالَه وكتبَه وأثاث داره. يقول الخوري قسطنطين الباشا في ختام ترجمته للأب رفاييل: «ولم تنقضِ سنةٌ على وفاة الأب رفاييل حتى لحِقه نسيبُه يوسف راهبه، ومات غرقًا في البحر، وذهبت أموالُه وكلُّ تركة الأب رفاييل طعمة الأسماك …»

انتهى الطوافُ برفاييل إلى أن يكون مترجمًا للكتب الطبية في مدرسة أبي زعبل، ولكنه لم يكن السوري الوحيد الذي عُهد إليه بهذا العمل، بل شاركتْه فيه طائفة من مواطنيه تذكر المراجع أسماءَهم في شيء من الغموض، وهم: «يوحنا عنحوري، وجورج فيدال، ويعقوب، وأوغسطين سكاكيني.»

(١-٢) يوحنا عنحوري

أسرة عنحوري٢٧ من أقدم الأُسر السورية، وقد اشتهر منها أفرادٌ كثيرون في سوريا ومصر كرجال دين وعلم وأدب، وممن له ذكْر منهم في عهد محمد علي يوحنا (أو حنا أو حنين) عنحوري، ولسنا نعرفُ عن حياته شيئًا، وإن كنا نرجح أنه ممن سافروا إلى إيطاليا، وتعلَّموا بها؛ فقد كان يُجيد اللغتين العربية والإيطالية، ويبدو أنه كان يحتل المركز السامي بعد رفاييل في مدرسة الطب المصرية، بل إني لأرجِّحُ أن يكون رفاييل هو الذي مهَّد له ولزملائه من المترجمين السوريين سبيلَ الالتحاق بهذه المدرسة، فلما تُوفي رفاييل احتلَّ عنحوري مركز المترجم الأول٢٨ — إن صح هذا التعبير — وقد كانت صلتُه بأنشط أساتذة المدرسة الفرنسيين: «كلوت بك» و«برون» و«ديفينو» وثيقةً قوية، فترجَم لهم كتبَهم.

وقد قام عنحوري بترجمة سبعة كتب طبية، منها واحد من تأليف «كلوت بك»، وثانٍ من تأليف «دكتور برون»، وهي:

  • (١)
    القول الصريح في علم التشريح Anatomie du Corps Humain من تأليف «بايل Bayle»، وبه إضافات من وضْع «كلوت بك»، وطبع في بولاق سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٣، في جزأين.
  • (٢)
    بتولوجية، أي رسالة في الطب البشري Traité de Pathologie: تأليف بايل، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤ في جزء واحد.
  • (٣)
    رسالة في علم الجراحة البشرية Traité de Chirurgie تُرجمت عن الفرنسية، وطبعت في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤.
  • (٤)

    منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض، تأليف العالمَين الفرنسيين: «بروسيه» و«سانسون» طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤ في جزأين.

  • (٥)

    مبلغ البراح في علم الجراح، تأليف «كلوت بك»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥١ / ١٨٣٥.

  • (٦)

    الأزهار البديعة في علم الطبيعة، تأليف الدكتور «برون»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٤ / ١٨٣٨ في جزأين.

  • (٧)

    علم النباتات، ترجمَه عن الفرنسية وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧ / ١٨٤١.

الترجمة العربية لكتاب الأمير «صفحة الغلاف»

انظر ما فات هنا [الفصل الثالث: المترجمون – المترجمون السوريون – الأب أنطون رفاييل زاخور].
figure
الصفحة الأولى وبها مقدمة المترجم. وتصريحه أنه قام بالترجمة تنفيذًا لأمر محمد علي.
وقد قدر «كلوت بك» لعنحوري٢٩ جهدَه في الترجمة، فأثنى عليه ثناءً جمًّا، وقال إنه مترجم قدير، ووصفه بالإخلاص في عمله، والإقبال على البحث عن المصطلحات العلمية العربية الصحيحة.

كتاب الأمير لمكيافلِّي (ترجمة الأب رفاييل زاخور راهبة)

الصفحة الأولى من مخطوطة الترجمة.
وكان عنحوري ضعيفًا في الفرنسية، وإن كان يُجيد اللغة الإيطالية؛ لهذا كانت تُترجم له الكتب من الفرنسية إلى الإيطالية، ثم يقوم هو بترجمتها إلى اللغة العربية، فهذا كتاب «منتهى الأغراض في علم الأمراض»، «ترجمَه من اللغة الطليانية بالإملا يوحنا عنحوري، بعد أن نقل إليه من الفرنساوية، لكونه فيها قليلَ المعرفة، ولكون الكتاب المذكور نُقل للطليانية، وكان يُفسَّر بها حين قراءة المعلم للدرس، وخِفتُ من أن يكون وقَع في شيء منه اللبس، تصفحتُه ثانيًا مع علي أفندي هيبة على أصله المطبوع بالفرنساوية، حتى وقفتُ على حقيقة ما كنتُ فيه أتردَّد، وتيقنتُ صحتَه بالكلية …»٣٠

وهكذا كان الشأنُ في كل الكتب التي ترجمها عنحوري، فهي جميعًا كتبٌ فرنسية الأصل.

ويبدو أن النظام كان يقضي بأن يختصَّ كلُّ شيخ من المحررين بواحد من هيئة المترجمين يُعنَى بتصحيح الكتب التي يترجمها، وقد قام بتصحيح الكتب التي ترجمها عنحوري، الشيخان محمد عمران الهراوي وأحمد حسن الرشيدي.٣١
وكان يُعهَد لعنحوري أحيانًا — ولعل ذلك لمقدرته الممتازة عن إخوانه — بمراجعة الكتب التي يترجمها غيرُه، وهنا كانت تتكرَّر الرواية، فيُترجم له الكتاب أيضًا إلى اللغة الإيطالية ليتمكَّن من مراجعته، ومثال ذلك ما جاء في مقدمة كتاب «إسعاف المرضى من علم منافع الأعضا»، وهو من تأليف المسيو «سوسون» المدرس بمدرسة الطب بأبي زعبل وترجمة الدكتور علي هيبة، أحد خريجي البعثات، فإنه «بعد فراغ ترجمته قابَل معظمَه الخواجا عنحوري المترجمُ بهذه المدرسة، مع الشيخ إبراهيم الدسوقي أحد المصححين بها، على أصل طلياني، نُقل له من الأصل الفرنساوي، فكان الشيخ إبراهيم يقرأ العربي والخواجا عنحوري يُقابل عليه في الأصل الطلياني».٣٢

(١-٣) جورج فيدال

سوري ماروني من حلب، لم تذكر عنه المراجع شيئًا كثيرًا أو قليلًا، وإن كان الأب قرألي قد أثبت في كتابه «السوريون في مصر» نقلًا عن وثائق العماد والزواج والوفاة المحفوظة بسجلَّات الآباء الفرنسيسكان أن طفلًا اسمه «جرجس بن إلياس فيدال (طيطي) وهو ماروني من حلب»٣٣ قد عمد في سنة ١٧٩٥، وليس لديَّ ما يُثبت أو ينفي أنه هو جورج فيدال المترجم بعدئذٍ بمدرسة الطب المصرية، فإذا صح أنه هو، وأنه التحق بمدرسة الطب عند إنشائها، فإنه يكون قد التحق بها وعنده من العمر ثنتان وثلاثون.
وقد كان فيدال يترجم عن الفرنسية إلى العربية، وقد اختص بترجمة كتب الأستاذ برنار Bernard فترجم منها:
  • (١)
    قانون الصحة Des Règles de l’hygiene et de la médecine appliquée du corps humain وطبع في بولاق سنة ١٢٤٨.
  • (٢)

    المنحة في سياسة حفظ الصحة، وطُبع في بولاق، رمضان سنة ١٢٤٩.

وكان يقوم بتصحيح الكتب التي يترجمها فيدال، الشيخ محمد عمران الهراوي، ذكر هذا الشيخ في مقدمته لكتاب المنحة أن «الخواجا برنار، جمع هذا الكتاب من مجلدات كبار، وترجمه من الفرنساوي للعربي بالكتابة والمقال، المترجم الحلبي جورجي فيدال».٣٤
وذكر في خاتمته أن هذا «ثالث كتاب طُبع من الكتب الجديدة بعد ترجمته وقراءة معظمه في المدرسة المفيدة التي أنشأها بأبي زعبل صاحبُ السعادة، لتنتشر علومَ الطب في مملكته الوقادة، على يد مصحح كلمِه عند الترجمة، محرر جُملِه لدى القراءة والمقابلة، مفرِّغه في قلب التصانيف الأولية، صائغه على تمثال التآليف العربية، مؤاخيه حال القراءة والجمع، موافيه عند التمثيل والطبع، مغفور المساوي، محمد الهراوي …»٣٥ ويقع هذا الكتاب في جزء واحد من ٤٠٤ صفحة، وقد طبع منه ١٠٠٠ نسخة.

(١-٤) أوغسطين سكاكيني

سوري الأصل، أسرته من دمشق وهو من أسرة سكاكيني التي اشتهرت في مصر بعد ذلك، ويقول سركيس٣٦ إنه ابن جبريال بن ميخائيل بن إبراهيم السكاكيني، المتوفى بدمشق سنة ١٧٦٦، ويُذكر أن أباه جبريال سافر مع «نابليون بونابرت» (ولعله يقصد مع الحملة الفرنسية) إلى باريس وأقام بها.
وقد أقام أوغسطين مدة في «مارسيليا»، ثم ارتحل إلى تونس حيث تزوج من سيدة فرنسية اسمها «ترزيا وردوتا» Th. Verduta، ثم سافر إلى مصر، وعُيِّن مترجمًا بمدرسة الطب، وترجم عن الفرنسية إلى العربية:

كتاب العجالة الطبية فيما لا بد منه لحكماء الجهادية، وهو من تأليف «كلوت بك»، وطبع في مطبعة مدرسة الطب بأبي زعبل سنة ١٢٤٨.

وقد أثنى كلوت بك عليه وعلى زميله فيدال في تقريره الذي كتبه عن جهود مدرسة الطب في سنِيها الأولى، قال: «والأعمال الأولى التي أتمَّها كلٌّ منهما تستحقُّ التشجيع ويؤمل من اشتراكهما في ترجمة المؤلفات أفضل النتائج.»٣٧ غير أنه يبدو أنهما لم يستمرَّا في عملهما طويلًا؛ فقد كان هذا هو الكتاب الوحيد الذي ترجمه سكاكيني، وطُبع سنة ١٢٤٨، كما أن فيدال لم يُترجِم إلا كتابين اثنين، طُبع أولهما سنة ١٢٤٨، وثانيهما سنة ١٢٤٩، بينما الكتاب الأخير من الكتب التي ترجمها زميلُهما يوحنا عنحوري طُبع سنة ١٢٥٤؛ ولهذا أُرجِّح — وإن كان يعوزني الدليلُ المادي — أنهما تركَا هذا العمل حوالي سنة ١٢٤٩.

(١-٥) يعقوب

واحد من المترجمين السوريين، وهو الوحيد من بين زملائه الذي أغفلت المراجع المعاصرة ذكْرَ شيء عنه البتة، وكلُّ ما نعرفه عن جهوده أنه ترجم الكتابين الآتيين عن الفرنسية إلى العربية:
  • (١)

    دستور الأعمال الأقرباذينية لحكماء الديار المصرية، وهو كتاب ألَّفه «أرباب المشورة الصحية جناب ميراللوي «كلوت بك»، وقائما المقام «ديباجي» و«دوتوش»، وطبع في بولاق سنة ١٢٥٢»، وقد جاء في مقدمته ما يلي: «وبعد فهذا كتابٌ عظيم القدر، لطيف الحجم، يحوي من كتب الأدوية الجمَّ، عمله أربابُ المشورة الصحية، بمصر المحمية، جامعًا لكل ما يلزم للأجزاجية، مغنيًا لهم عن مطالعة كتب الأقراباذين والمفردات، ومراجعة قوانين الحسابات، عند طلب الأدوية وأداء حسابها للأجزاخانات، وسمَّوه دستور الأعمال الأقراباذينية لحكماء الديار المصرية، وقد ترجم هذا الكتاب بمدرسة الطب بأبي زعبل الخواجا يعقوب، وقوبل بمجمع من المترجمين، وبعض أهل العلم المصححين، ثم حُرِّر بعد جمعه، وهُذِّب عند طبعه، على يد مغفور المساوي محمد الهراوي.»

  • (٢)

    كتاب الأقراباذين، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٣.

ولم تكن له جهودٌ في الترجمة في السنوات الأولى من تاريخ مدرسة الطب، فلعله أُلحق بها مترجمًا بعد خروج فيدال وسكاكيني، إن صحَّ الفرضُ الذي ذهبنا إليه.

(١-٦) يوسف فرعون

بعد إنشاء مدرسة الطب البشري بسنة واحدة أُنشئت مدرسة الطب البيطري (أي في سنة ١٨٢٨)، وقد قام التدريسُ فيها على النظام الذي كان متَّبعًا في مدرسة الطب البشري، فكان يقوم بترجمة الدروس التي يُلقيها الأساتذة مترجم، وكان هذا المترجم إيطالي الجنسية، على معرفة بالعربية والفرنسية، اسمه «ميخالي ياجو».

حدث هذا في السنين الأولى من تاريخ المدرسة، وكان مقرُّها الأول في رشيد، وناظرها المسيو «هامون»، وكان إلى جانب المترجم شيخٌ أزهري هو الشيخ مصطفى حسن كساب لتصحيح الدروس التي ينقلها المترجم إلى العربية، ولكن يبدو أن هذا المترجم لم يقُمْ بواجبه خيرَ قيام؛ فقد كتب ناظر المدرسة في أحد تقاريره: «إن المترجم كسول، لا يقوم بعمله خير قيام وهو لا يفهم المصطلحات الفنية، ولا يُحسن نقْل آراء الأستاذ إلى التلاميذ … إلخ.»٣٨

نُقلت المدرسة بعد ذلك إلى أبي زعبل، ثم إلى شبرا، ونُظمت نظامًا جديدًا، وعُزل المترجم الإيطالي، وأُلحق بها مترجم سوري نشيط هو يوسف فرعون.

وأسرة فرعون من أقدم وأشهر الأُسر السورية في مصر والشام،٣٩ وقد تولَّى منهم التزامَ الجمارك في مصر وزعامةَ الجالية السورية، أنطون قسيس فرعون، وذلك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وقد ذكرنا في كتابنا عن تاريخ الترجمة في عهد الحملة الفرنسية شيئًا عن هذا الرجل، ومركزه، وجهوده، ورحيله عن مصر في أواخر القرن الثامن عشر، ومقامه في «تريستا» وحصوله هناك على لقب «كونت».

ولسنا نعرفُ بالتحديد نوعَ علاقةِ مترجمنا هذا بالكونت أنطون قسيس، ولكنه ينتمي بلا شك إلى نفس الأسرة، ومعرفته الوثيقة بالفرنسية تُرجِّح ذهابَه لفرنسا، وتلقِّيَه العلم بها، ومقامه بين ربوعها.

ومن سِجل كتبه التي ترجمها يتضح أنه التحق بهذا العمل في نفس الوقت الذي التحق فيه زميلاه فيدال وسكاكيني بمدرسة الطب البشري؛ فإن أول كتاب ترجمه طُبع في بولاق سنة ١٢٤٩، وقد قام فرعون بترجمة الكتب الآتية:
  • (١)

    رسالة في علم البيطارية، ترجمها عن الفرنسية إلى العربية، وطبعت في بولاق سنة ١٢٤٩.

  • (٢)

    التوضيح لألفاظ التشريح — بيطري — تأليف المسيو «جيرار» المدرِّس بمدرسة الطب البيطري، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٤٩.

  • (٣)

    رسالة في علم الطب البيطري ترجمها عن الفرنسية إلى العربية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٠ (وقد طُبعت هذه الرسالة طبعة ثانية في سنة ١٢٦٠).

  • (٤)

    قانون نامهْ بيطاري، ترجمَه عن الفرنسية إلى التركية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٠.

  • (٥)
    التحفة الفاخرة في هيئة الأعضاء الظاهرة٤٠ ترجمَه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١.
  • (٦)

    المادة الطبية البيطرية، عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.

  • (٧)

    نزهة الأنام في التشريح العام، تأليف المسيو «لافارج» المدرِّس بمدرسة الطب البيطري، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.

  • (٨)

    تحفة الرياض في كليات الأمراض، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.

  • (٩)

    غاية المرام في الأدوية والأسقام، تأليف «جرجوار ولابتو» المدرِّسَين بالمدرسة، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.

  • (١٠)

    روضة الأذكيا في علم الفسيولوجيا، تأليف المسيو «لافارج»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.

  • (١١)

    الأمراض الظاهرة في الطب البيطري، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.

  • (١٢)

    منتهى البراح في علم الجراح، تأليف المسيو «برنس» المدرس بالمدرسة، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.

  • (١٣)

    نزهة الرياض في علم الأمراض، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٨.

  • (١٤)
    أجل الأسباب في أجل الاكتساب، تأليف المسيو «طايو الإفرنجستاني»، وقام على تصحيحه الشيخُ نصر أبو الوفا الهوريني، ولم يُطبع هذا الكتاب بل توجد منه نسخةٌ مخطوطة٤١ بخط الشيخ الهوريني في دار الكتب المصرية رقم ٥٨ زراعة، فرغ من كتابتها في يوم الجمعة العاشر من رمضان سنة ١٢٥٩.
وعدد هذه الكتب٤٢ ١٤ كتابًا، منها ١٣ تُرجمت عن الفرنسية إلى العربية، وكتابٌ واحد تُرجم عن الفرنسية إلى التركية، مما يُرجح أن فرعون كان على علْم أيضًا باللغة التركية.
وقد قام بتصحيح كتُبِه وتحريرِها الشيخُ مصطفى حسن كساب، ما عدا كتاب «أجل الأسباب في أجل الاكتساب»؛ فقد قام بتصحيحه الشيخ نصر أبو الوفا الهوريني، مصحح الكتب بمدرسة الزراعة، ولا عجبَ فهذا الكتاب هو الوحيد في فنِّ الزراعة من بين جميع الكتب التي ترجمها فرعون، وكلُّها في علم الطب البيطري وفروعه، وقد دأب الشيخ كساب على وصْف صديقه دائمًا بأنه «الخواجة يوسف فرعون المترجم الماهر» و«المترجم البارع» و«المترجم الحاذق».٤٣
ومع هذا فقد كان نظامُ الترجمة في ذلك العصر يقضي أحيانًا بأن يُعهد إلى لجنة أخرى بمراجعة ما ترجمه المترجمون السوريون، كما حدث في بعض الكتب التي ترجمها عنحوري، وكما حدث لكتاب «التوضيح لألفاظ التشريح»، الذي ترجمه فرعون؛ ففي ٢٠ جمادى الأولى ١٢٤٨ «قرر مجلس الجهادية بناءً على ما ورد على مجلس الشورى في مدرسة الطب البيطري الموافقةَ على طبْع كتاب التشريح الذي ترجم بعد مراجعة الترجمة بمعرفة الشيخ رفاعة أفندي وهرقل البيكباشي، واتضاح صحتها …»٤٤

(٢) المترجمون من خريجي المدارس والبعثات

تقدمة

كان هؤلاء السوريون الذين قاموا بالترجمة في عهد محمد علي طائفةً محدودةَ العدد والجهد، اقتصرتْ جهودُهم كما رأينا على ترجمة الكتب الطبية، وقد كان استخدامهم في هذا العمل ضرورةً أوجدتْها الظروفُ ريثما يتمُّ إنشاءُ المدارس الجديدة، ويُتمُّ طلابُها دراساتِهم، وريثما تُبعث البعثات إلى دول أوروبا فتقبس قبسًا من نور العلم الأوروبي، وتعود إلى مصر.

ولم يكن محمد علي يقصد — بإنشاء هذه المدارس وإيفاد هذه البعوث — إلى تخريج طائفة من العارفين بالعلوم الأوروبية فحسب، بل كان يقصد أيضًا إلى أن يقوم هؤلاء الخريجون بترجمة أمهات الكتب في فروع العلوم المختلفة إلى اللغتين والتركية، وتُستعمل هذه الكتب المترجمة في مدارسه الجديدة، فيستغني بذلك عن الأساتذة الأوروبيين، ويمكنه تمصيرُ هذه العلوم الجديدة، ونشرُها بين المصريين.

ولقد كان محمد علي حريصًا الحرصَ كلَّه على أن يقوم هؤلاء التلاميذ — وهم بعدُ في طريق التحصيل، ثم بُعَيد تخرُّجِهم، أو عودتهم من أوروبا — بترجمة الكتب فيما اختصوا فيه، كتَب مرة في ٢١ ربيع الآخر سنة ١٢٤٣ / ١٢ نوفمبر ١٨٢٧ إلى ضباط الجيش المصري، يذكر أنه كان يأمل أن تلاميذ «السنة الثالثة بالمدرسة الحربية» قد أتقنوا ما يُدرَّس لهم من الفنون الحربية والهندسية، وأنهم «قد ترجموا من اللغة الفرنسية بعضَ أشياء مما يُفيد مصلحتنا، ويوافق أصولنا.»٤٥
وفي ٢٢ ربيع الأول سنة ١٢٤٩ / ١٠ سبتمبر ١٨٤٣ صدَر أمرٌ منه إلى باغوص بك «بأنه كان تنبه على «كلوت بك» بإلزام الطلبة الذين أُرسلوا إلى أوروبا لتلقِّي فنون الطب بها بترجمة الكتب التي يدرسونها أولًا بأول إلى العربية وإرسالها، فإذا لم تكن وصلت التراجم، يكتب للطلبة أنفسِهم على أوامر من المختومة بختمه «الوالي» الموجودة بطرف زكي أفندي مأمور ديوان خديوي بالإسكندرية بمعنى ذلك، بحيث تكون الأوامر بالعربي لأولاد ولاد العرب، وبالتركي لأولاد الترك، وعرض ما يكتب قبل إرساله.»٤٦
هكذا كانت تصدر الأوامر من محمد علي إلى الطلاب، وهم بعدُ في دور التحصيل في أوروبا بأن يقوموا بترجمة الكتب إلى العربية والتركية، فإذا عادوا إلى مصر لم ينتظر حتى يصلوا إلى العاصمة، ويحظوا بمقابلته، بل كان يُصدر إليهم الأوامر وهم بعدُ في دور الحجر الصحي أن يبدءوا الترجمة؛ صدَر أمرٌ منه إلى ناظر المهمات في ٢٨ ذي الحجة سنة ١٢٥٠ / ٢٧ أبريل ١٨٣٥ «بأنه قد اطَّلع على الإفادة الواردة إليه بعدم دخول محمد بيومي أفندي الحاضر من أوروبا الكورينتينا، ووجوده معه للمساعدة في ترجمة كتاب الهندسة الوصفية، وعدم اشتغال رفيقه حسن الورداني أفندي بشيء بالنسبة لدخوله بالكورنتينا، ويُشير بأنه يظنُّ لياقةَ المذكور للترجمة، فيلزم إعطاؤه كتابًا آخر لترجمته مدة مُكثِه بالكورنتينا …»٤٧
ولما عاد أعضاءُ بعثة سنة ١٨٢٦ من أوروبا استقبلهم في ديوانه بالقلعة، وأعطى كلًّا منهم كتابًا فرنسيًّا في المادة التي درسها في أوروبا، وطلب إليهم أن يترجموا تلك الكتب إلى اللغة العربية، وأمر بحجزهم في القلعة، وألَّا يُؤذنَ لأحد منهم بمغادرتها حتى يُتمُّوا ترجمة ما عُهد إليهم بترجمته.٤٨
هذا هو القانون العرفي الذي وضعه محمد علي، وأوجب أن يتبعَه كلُّ عائد من بعثة؛ ذلك أن يُترجم هذا العضو كتابًا في فنِّه الذي تخصَّص فيه، بل لقد كان يُعهَد أحيانًا إلى بعض أعضاء البعثات بترجمة كتُبٍ في علمٍ أو فنٍّ آخرَ غير ما تخصَّصوا فيه، أرسل الشيخ أحمد حسن الرشيدي لدراسة الطب في فرنسا، فلما عاد إلى مصر عُهد إليه بترجمة كتابٍ في الجغرافيا. يقول في مقدمته: «لمَّا منَّ الله عليَّ بالعود إلى وطني من بلاد الأوروبا، وقُيِّدتُ بمدرسة الطب بمصر حكيمًا ومعلِّمًا من المعلمين الأطباء، تشاور أربابُ ديوان المدارس والعلوم في اختيار كتاب أقوم بترجمته، حسبما تقتضيه القوانينُ والرسوم، … فاتفق رأيُهم على كتاب لازم لجميع المدارس الملكية، ومحتاج إليه في المكاتب السلطانية، وهو المرسوم بالدراسة الأولية في الجغرافية الطبيعية … إلخ.»٤٩

وجَّه محمد علي بعوثَه إلى مختلف دول أوروبا، ولم يختصَّ واحدة منها بهذه البعوث دون الأخرى، وإن كان العددُ الأكبر من هذه البعوث قد أُرسل إلى فرنسا، وقد وُجِّهت هذه البعثات لدراسة العلوم والفنون الأوروبية المختلفة؛ ولهذا نجد أن أعضاءَها الذين شاركوا في حركة الترجمة قد ترجموا كتُبًا مختلفة الفنون والعلوم، وإن كنَّا سنلاحظ أن معظم الكتب التي ترجموها كتبٌ طبية ورياضية.

كان طليعةُ البعثات في عهد محمد علي، ورائدهم الأول عثمان سقه باشي زاده أو عثمان نور الدين باشا فيما بعد، ذكر الأمير عمر طوسون،٥٠ ونقَل عنه الدكتور عزت عبد الكريم أنه كان واحدًا من أعضاء البعثة الثانية في عصر محمد علي، وأنه أُرسل إلى فرنسا سنة ١٨١٩، وعاد إلى مصر سنة ١٨٢٠، وذكر أيضًا أن أولَى بعثات محمد علي إلى أوروبا هي التي أُوفدت إلى إيطاليا بين سنتَي ١٨١٣ و١٨١٦، وكان أهم أعضائها نقولا مسابكي مدير مطبعة بولاق فيما بعد.
هذان هما أحدث المراجع العربية التي كُتبت عن البعثات، وعنهما نَقلتْ معظمُ المراجع الأخرى،٥١ هذه الحقيقة، غير أن البحث قد دلَّنا على أن هذا الرأي بعيدٌ عن الصواب، وعمدتُنا في تحقيقه وثيقة معاصرة هي خطاب٥٢ تاريخه ٢٢ أكتوبر سنة ١٨٢٠ موجَّه من «بيزوني» Pezzoni إلى «ريبوبيير» Ribeaupiere وهما من رجال القنصلية الروسية بالقاهرة في عهد محمد علي.
في هذا الخطاب ترجم «بيزوني» لعثمان نور الدين، فذكَر أنه واحدٌ من التلاميذ الذين أرسلهم في سنة ١٨٠٩ المغفورُ له «يوسف بكتي Joseph Bokty»٥٣ قنصل السويد العام في القاهرة، ليتلقَّوا العلمَ في إيطاليا على نفقة محمد علي باشا، ثم ذكر أنه مكَث يطلب العلم في «بيزا» و«ليفورنو» نحو الخمس سنوات، ثم رحل إلى فرنسا ليُتمَّ بها تعليمَه فلبث بها سنتين، وعاد إلى مصر أخيرًا في سنة ١٩١٧.
من هذا يتضح:
  • (١)

    أن أول بعثات محمد علي أُرسلت إلى إيطاليا سنة ١٨٠٩ لا سنة ١٩١٣.

  • (٢)

    لم يُعرف من أفراد هذه البعثة غير عثمان نور الدين، وقد تلقَّى العلم في إيطاليا ثم في فرنسا لا في فرنسا فقط.

  • (٣)

    أنه مكث في البعثة نحو سبع سنوات من ١٨٠٩–١٨١٧، لا سنة واحدة (من ١٨١٩-١٨٢٠)، كما ذكر المغفور له الأمير عمر طوسون.

ويهمنا أن نقرر بعد ذكرِ هذه الحقائق أن محمد علي وُفِّق حقًّا في اختيار عثمان نور الدين؛ فقد كان هذا التلميذ من خيرة أعضاء البعثات،٥٤ فلما عاد إلى مصر كان ساعِدَ محمد علي الأيمن في نهضته الحربية والتعليمية.

وقد اقترنت هاتان النهضتان، كما اقترن إنشاءُ المطبعة وتاريخ الترجمة باسم عثمان نور الدين وجهوده، غير أنَّ حادثةً سياسية خاصة — سنعرض لها فيما بعد — كانت السببَ في حدوث شقاق بينه وبين مولاه محمد علي، وانتهى هذا الشقاقُ بسفره إلى الدولة العثمانية؛ ولهذا نلاحظ أن وثائقَ السنوات الأخيرة من عصر محمد علي ومراجع ذلك العصر الحديثة تُهمل ذكْرَ عثمان نور الدين — عن قصد أو عن غير قصد — غير أننا نحبُّ أن نعرضَ لتاريخ هذا الرجل بشيء من التفصيل تقديرًا له ولجهوده.

أسرتُه تركية من جزيرة «مدللي»، رحلتْ إلى مصر، واستقرب بها، وكان أبوه «فرَّاشًا» أو «سقَّاء» بقصر محمد علي، ومن هنا اكتسب اسمه الأول «عثمان سقه باشي زاده»، التقطه محمد علي — وقد كانت له ميزةُ اختيار الرجال وتكوينهم — وأرسله في بعثته الأولى لتلقِّي العلوم الحربية والبحرية وفنون السياسة وإدارة الحكم في إيطاليا وفرنسا.

ولما عاد إلى مصر في سنة ١٨١٧، عُيِّن «كاشفًا» في حرس محمد علي الحربي، ثم عُهد إليه بتنظيم الكتب الكثيرة التي أحضرها معه من فرنسا — إجابةً لرغبة محمد علي — وبهذا كوَّن في قصر إبراهيم بن محمد علي في بولاق أول مكتبة وُجدتْ في عصر محمد علي، ثم ألحق به في سنة ١٨٢٠-١٨٢١ بعض التلاميذ ليدرسوا عليه وعلى مدرِّسين آخرين الهندسة واللغات العربية والتركية والإيطالية.

هذه هي مدرسة بولاق، وهي أول مدرسة نظامية أُنشئت في عصر محمد علي، وذلك تنفيذًا لاقتراح عثمان نور الدين نفسه، وقد تولَّى نظارتَها والإشرافَ عليها، وكان يُدرِّس لتلاميذها الهندسة واللغة الفرنسية.

وقد زار هذه المدرسة الرحالة الإيطالي «بروكي» في ٥ ديسمبر سنة ١٨٢٢، وذكر أنه كان بهذه المدرسة ثلاثةُ مدرِّسين مسيحيِّين هم:
  • (١)

    «دون كارلو بيلوتي»، وهو إيطالي من «كالابريا»، ويُدرِّس الرياضة.

  • (٢)

    «القَس سكاليوتي» من «بيدمنت»، ويُدرِّس اللغة الإيطالية.

  • (٣)

    دون رفاييل ويُدرِّس اللغة العربية.

ثم زار أيضًا المكتبةَ السابق ذكرها، وتحدَّث عن أنواع الكتب التي كانت فيها، فقال إنه رأى بها كتبًا تبحث في فنون الحرب والزراعة والرياضة، وكتبًا في القانون والتشريع والأدب من بينها الكوميديا الإلهية: Il poema di dante لدانتي، وقال «بروكي» أيضًا أنه دُهش الدهشة كلها؛ إذ وجد في تلك المكتبة نُسخًا من كتب «فولتير» و«روسو» والكتاب المقدس، ومجموعة من القصص الفرنسية لكُتَّاب مختلفين، وزادت به الدهشة وهو يتنقَّل بين هذه المجلدات؛ إذ وجد مجموعةً كبيرة من الكتب التي تبحث في النظم الدستورية للحكومات الأوروبية، وهذه كتبٌ على حدِّ قوله: «لا ينتظر أحدٌ أن يجدها في مكتبة عامة في بلد تحكم حكمًا أوتوقراطيًّا.» وراعه أخيرًا ألَّا يجدَ بهذه المكتبة كتبًا خاصة بمصر وتاريخها؛ إذ لم يجد بها من هذا النوع إلا رحلة فولني، والكتاب الكبير الذي وضعه المعهد الفرنسي — يقصد كتاب وصْف مصر — وبعض أعداد من جريدة «الديكاد».٥٥
وفي هذه المدرسة أيضًا كان يقوم بعضُ التلاميذ بترجمة «كتب الفنون الحربية وسائر الصنائع»٥٦ تحت إشراف عثمان نور الدين وأساتذة المدرسة، ولتلاميذ هذه المدرسة فيما أُرجح وضَع رفاييل قاموسَه «الإيطالياني العربي» الذي طُبع في سنة ١٨٢٢، بل لقد صرَّح رفاييل نفسُه بهذا في مقدمته للقاموس؛ إذ يقول: «… وكان إنني قد أقمت على تعليم اللغة الإيطاليانية (كذا) بأمر صاحب العزة، الحاج محمد علي نائب السلطان بمملكة مصر، وقد اضطررتُ من قبل وظيفة التعليم، وسهولة درْك معنى الألفاظ بهذه اللغة والتفهيم على التلامذة الدارسين، وعلى مَن يُنتدب لترجمة الكتب من المتفقهين لأني (كذا) أؤلف قاموسًا ترجمانًا وجيزًا في اللغتين الإيطاليانية والعربية …»٥٧

وكان النشاط على أتمه حينذاك لتكوين الجيش المصري الجديد، وتدريبه على النظم الأوروبية الحديثة، فقام عثمان نور الدين بترجمة الكتب الحربية المختلفة في نظم الجيش وقوانينه وتعاليمه عن الفرنسية إلى التركية.

وفي سنة ١٨٢٢ تكوَّنت لجنةٌ لوضع برامج التعليم العسكري الجديد؛ فكان عثمان نور الدين ثالثَ ثلاثة بهذه اللجنة، وكان العضوان الآخران: الكولونل سيف (سليمان باشا الفرنساوي) وأحمد أفندي المهندس، وفي نفس السنة سافر مع سليمان باشا حتى وصلَا إلى أسوان ليشترك معه في تنظيم الفرقة الأولى للمشاة على «النظام الجديد».

وفي سنة ١٨٢٣ عُيِّن «سر عسكر» الجيش المصري، وحصل بذلك على لقب «بك»، وفي سنة ١٨٢٥ تُرجمت قوانين ونظم البحرية الإنجليزية إلى التركية تحت إشرافه، ثم عَهِد إليه محمد علي باشا أن يتولَّى بنفسه الإشرافَ على تنظيم البحرية المصرية الجديدة، وتعليم ضباطها بالاشتراك مع الجنرال «ليتلييه Letellier»، وبهذا أصبح لعثمان بك الإشرافُ التامُّ على شئون الجيش والأسطول المصري، فبذل للنهضة بها جهودًا فذَّة، ولمَّا حُطِّم الأسطولُ المصري في «نفارين» كان عثمان نور الدين المساعدَ الأول والمشجع الأول — بعد محمد علي — للمسيو «سيريزي Cerisy» على إنشاء دار الصناعة، والأسطول الجديد في الإسكندرية.
وكان محمد علي لثقته الشديدة به يعتمد عليه في أمور كثيرة، وكان يحبه حبًّا جمًّا حتى كان لا يناديه إلا بلفظ «ولدي عثمان»٥٨ ولهذا زوَّجه من إحدى جواري القصر، وبنَى له منزلًا غربيَّ قصر رأس التين ليكون على مقربة منه ومن سفن الأسطول، ثم ولَّاه في سنة ١٨٢٧ قيادةَ الأسطول المصري بعد زوج ابنته محرم بك، وقد تولَّى قيادةَ هذا الأسطول في حرب الشام الأولى، وكان لقيادته فضلٌ كبير في إسقاط عكا وإحراز النصر النهائي في تلك الحرب.
هذا موجزٌ لجهود عثمان نور الدين الحربية، وجهودُه في تدعيم النهضة التعليمية الأولى لا تقلُّ عنها؛ فإنه لبِث بعد إنشاء مدرسة بولاق يرسم الخطط لمحمد علي، وقد نفذت هذه الخطط واحدةً بعد الأخرى؛ ففي سنة ١٨٣٥ قام بتأسيس مدرسة قصر العيني،٥٩ وكان أولَ مدير لها، وفي نفس السنة أُنشئت مدرسة أركان الحرب في قرية جهاد آباد بناءً على مشورته، ولما استقدم محمد علي الدكتور كلوت، وعهِد إليه بإنشاء مدرسة الطب المصرية، ترك لعثمان نور الدين سلطةَ الإشراف على إنشاء تلك المدرسة، وإليه رفع «كلوت بك» تقريرَه الأول الذي عالج فيه ما قد يعترض إنشاءَ المدرسة من صعاب.
وإلى عثمان نور الدين يرجع الفضلُ في إيفاد بعثة سنة ١٨٢٦ الكبرى إلى باريس؛ وذلك أنه اتصل أثناء تلقيه العلم في فرنسا بالمسيو «جومار»، أحد علماء الحملة الفرنسية، والمشرف حينذاك على نشْر جهود المعهد المصري العلمية، فأُعجب به «جومار» ثم تحدَّث إليه عن الوسائل التي يمكن أن تُعيد الصلة العلمية بين مصر وفرنسا قويةً وثيقةً، واقترح عليه أن تفكر مصر في إيفاد بعض تلاميذها لتلقِّي العلم في فرنسا، وقد حمل عثمان هذه الرغبةَ إلى محمد علي، وظلَّ يُحبِّذُها لديه، حتى وافق محمد علي وأُرسلت البعثة الكبرى سنة ١٨٢٦، وعهِد إلى المسيو «جومار»٦٠ بالإشراف عليها وعلى البعثات التي تلتْها.
وهذا أيضًا موجزٌ لجهود نور الدين العلمية، تُبين في وضوح أنه كان رجلًا مثقَّفًا واسع المعرفة، فهِم عن سيده أغراضه، وراح يسعى جهده لتنفيذها، غير أنه لم يكن يُقدم على مشروع من مشروعاته إلا بعد أن يقتله بحثًا ودراسة، يقول «بزوني» Pezzoni في خطابه السابق أن لعثمان نور الدين عنايةً خاصة باستشارة الكتب والمراجع لدراسة المواضيع التي يُوكل إليه تنفيذها.٦١
ولهذا تقدَّمت به هذه الجهود، وهذا الإخلاص في تنفيذها إلى أعلى الرُّتَب، وأهم المراكز في الدولة، حتى غدا ثانيَ رجل محبب إلى محمد علي بعد ولده إبراهيم، وحتى أصبح بنفوذه وسلطته يشترك مع بوغوص بك٦٢ يوسف في كونهما الرجلين الأولين في الدولة اللذَين يعتمد محمد علي على جهودهما في الداخل والخارج.
وفي سنة ١٨٣٣ سافر محمد علي باشا إلى جزيرة كريت؛ ليتفقَّد أحوالها، ويُجري على أهاليها ما كان جاريًا عليه العمل بالديار المصرية من قوانين الاحتكارات التجارية، ومادة تكتيب العسكرية، فترتب على هذه الفكرة السيئة عصيان أهل هذه الجزيرة على الحكومة الخديوية، فأرسل إليها عثمان باشا سر عسكر الدونينما المصرية بفرقة من الآلايات العسكرية، ولم يلبث أن توصَّل من غير مشقة بإخماد نيران الفتنة بجزيرة كريد وتكفَّل لهم ببقاء حياة رؤساء الفتنة، وترآى لمحمد علي أن من اللزوم جعْلَ قتلِ بعضهم عبرة لمن اعتبر، فلم يُقرَّ ما شرطه لهم سر عسكر دونينماته، ولما رأى عثمان باشا أن في ذلك إعلالًا لسلامة حريته، وإخلالًا بعلو مرتبته، استعفى من وظيفته، ولزِم العزلة والاستراحة بمدينة القسطنطينية حتى وافتْه هناك المنية.٦٣

وهكذا انسحب عثمان باشا من الميدان المصري والحاجة إليه ماسَّة؛ فقد كانت السنواتُ التالية لسنة ١٨٣٣ سنواتِ إعداد واستعداد للنضال العنيف بين محمد علي والسلطان، وبينه وبين الدول الأوروبية، وهنا قد نتساءل: ترى هل كان حادثُ كريت هو العاملَ الأول والأخير في انفصال عثمان نور الدين عن محمد علي؟ ويبدو لي أن هذا لم يكن العاملَ الأول والأخير، بل يصحُّ أن نقولَ إنه كان التكأةَ التي اتكأ عليها عثمان للانفصال عن سيده في مصر، والتجائه إلى سيده في الآستانة.

أما ما هي الأسباب الحقيقية الأخرى، فهذا ما لا نستطيع الجزمَ به لسكوت المراجع المعاصرة عن تبيانه، ولكننا نستطيع أن نستنتجَ من بين السطور أن الدور الهامَّ الذي لعبه عثمان نور الدين في حرب الشام الأولى، دفَع السلطانَ إلى اجتذابه إليه، وأنه سعى لهذا الاجتذاب سعيَه، وثار النزاعُ في نفس عثمان، وانتهى به إلى ترْك مصر والذهاب إلى الآستانة، بهذا الرأي، يقول الأستاذُ شفيق غربال بك في مقدمته لكتاب صديقنا الدكتور إبراهيم عبده عن «تاريخ الوقائع المصرية»؛ فقد قال: «ويرتبط إنشاءُ المطبعة والوقائع برجل من رجال محمد علي أهملَه المؤرخون وهو جديرٌ بعنايتهم، أعني عثمان نور الدين، وهو من رجال العهد الأول من النهضة المصرية، وكان ساعد محمد علي في الطور الأول من أطوار الإصلاح، ثم شاءت الظروف أن ينسحب عثمان نور الدين من مجال الإصلاح المحمدي العلوي، وأن ينضمَّ للسلطنة العثمانية، وكأني بمحمد علي وقد جرحه هذا العقوق أو هذه الخيانة، فأسدل الستار على عثمان، وسقط اسمُه من الأفواه، وأغفله المؤرخون.»

وحياة عثمان نور الدين ونهايته تُثيران ألوانًا من التفكير والأحكام؛ فقد توزَّع الرجل بين محمد علي والسلطان، واضطرب قلبُه بين هذين العاهلين، وتحكَّم في ولائه السيدان، ثم اختلف كلاهما، فكيف يكون حال عثمان؟ مسألة لها في الأدب، وفي الأخلاق وفي التاريخ نظائر، ولا يمكن أن يقال إن الحكم فيها نهائي.٦٤
وبعد: فهذا موجز عن جهود الرجل عملًا وعلمًا، أما العمل فكان ميدانه الجيش والأسطول، وأما العلم فكان ميدانُه التعليم، وتأسيس المدارس، وإيفاد البعثات، ويتوج هذا جميعًا الترجمة، وقد بذلت الجهد لإحصاء ما ترجم عثمان نور الدين من كتب، فاعترضتني صعوباتٌ كثيرة، أهمها:
  • أولًا: إن الكتب الحربية التي تُرجمت في عصر محمد علي قد ضاع معظمها، وليس في دور كتبنا منها إلا القليل النادر.
  • ثانيًا: إن القوائم التي رصدَت الكتب الحربية التي تُرجمت في ذلك العصر لم تذكر إلى جانبها أسماءَ مؤلفيها أو مترجميها إلا في النادر جدًّا، فلعله من بين هذه الكتب ما هو من ترجمة عثمان نور الدين.
    والذي نستطيعُ أن نُقرِّره أن الكتب التي ترجمها عثمان نور الدين، كانت كلها كتُبًا حربية بحرية، وأنها جميعًا تُرجمت عن الفرنسية إلى لغته الأصلية التركية، وقد عثرتُ منها على كتاب: «قانون نامهْ سفاين بحريهْ جهادية»، وقد طُبع في بولاق سنة ١٢٤٣، وقد ذكر سرهنك باشا أنه تَرجم «كتاب القواعد البحرية» وآخر في السياسة البحرية أي قانون العقوبات٦٥ «ولعل الكتابَ الذي ذكرْناه واحدٌ منهما».
توالتِ البعثاتُ منذ سنة ١٨٢٦، حتى سنة ١٨٤٨، وأُرسلت إلى دول أوروبا المختلفة، وتنوَّعت الدراساتُ التي خصص الطلاب لتحصيلها، وكان هؤلاء الطلاب يُوجهون في بعثاتهم للتخصص في العلوم والفنون المختلفة أولًا، ثم لإجادة اللغات الأجنبية ثانيًا، حتى إذا عادوا إلى مصر اشتغلوا بالترجمة.٦٦

وأخفق في هذه البعثات البعضُ، ووُفِّق البعض الآخر — وهم الغالبية — وعاد الموفَّقون إلى مصر، وتولَّوا شئونها الإدارية والعلمية، ولكنهم لم ينسَوا الغرض الثاني — الترجمة — بل بذل معظمُهم جهودًا موفَّقة في هذا السبيل، فقدَّموا لمطبعة «صاحب السعادة» كتُبًا كثيرة نقلوها عن المراجع الأوروبية الهامة.

ولكننا نلاحظ أن أكثرَ أعضاءِ البعثات نشاطًا، وأوفرَهم إنتاجًا، هم الأطباء والمهندسون، وتعليلُ ذلك يسيرٌ إذا عرفنا أن معظم هؤلاء الأطباء والمهندسين عُيِّنوا بعد عودتهم مدرِّسين، ومساعدي مدرِّسين في مدرستَيِ الطب والهندسة، وأنهم كانوا يتخيَّرون كتُبًا معينة مما درسوا في أوروبا، لتدريس أصولِها في هاتين المدرستَين، حتى إذا تمَّ لهم ترجمةُ هذه الكتب وتنقيحُها قدَّموها إلى المطبعة، وفيما يلي عرضٌ لجهود هؤلاء الأطباء والمهندسين.

أُعدَّ اثنان من أعضاء بعثة سنة ١٨٢٦ لدراسة الطب في فرنسا، وهما: علي هيبة والشيخ محمد الدشطوطي،٦٧ عاد الثاني من فرنسا في آخر سنة ١٨٣١، ولم يُعرَف له جهدٌ في الترجمة بعد عودته، ولعله أُلحق طبيبًا بإحدى فِرَق الجيش.

(أ) الدكتور علي هيبة٦٨

عاد من فرنسا في ديسمبر سنة ١٨٣٣/شعبان ١٢٤٩، فعُيِّن مدرِّسًا بمدرستَي الطب والولادة، فلما نُقلت مدرسةُ الولادة إلى الأزبكية، وبعدتْ عن مدرسة الطب، عُهد للدكتور هيبة بالإشراف عليها مع قيامه بالتدريس للفرقة الثانية، وقد قام منذ عاد من فرنسا بترجمة كتُبٍ طبية ثلاث، اثنان في علم الفسيولوجيا، والثالث في علم الولادة، وهما المادتان اللتان تخصَّص لدراستهما في باريس، وفيما يلي أسماء هذه الكتب:
  • (أ)
    فسيولوجيا٦٩ ترجمه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١ (أي بعد عودته بسنتين).
  • (ب)
    إسعافُ المرضى في علْم منافع الأعضاء، تأليف «الخواجة سوسون معلِّم الفسيولوجيا بأبي زعبل»، وترجمَه من الفرنساوية للعربية علي أفندي هيبة الحكيم بمدرسة أبي زعبل، الذي بلغ رتبةَ الحكيم من مدرسة الطب بباريس، وكان يُمليه على الشيخ محمد محرم أحدِ المصححين بمدرسة أبي زعبل،٧٠ وقد قام بتحريره الشيخ محمد الهراوي، وتمَّ طبعُه في بولاق في الرابع عشر من المحرم سنة ١٢٥٢، وذكَر في خاتمته أنه «سادسُ كتابٍ طُبع من كتب الطب المترجمة».٧١
  • (جـ)

    طالع السعادة والإقبال في علم الولادة وأمراض النساء والأطفال، ترجمَه عن الفرنسية، وقام على تصحيحه زميلُه الدكتور أحمد حسن الرشيدي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٨.

    وبينما كانت بعثة سنة ١٨٢٦ تتلقَّى العلم في فرنسا، كانت مدرسة الطب قد أُنشئت في سنة ١٨٢٧، وكان «كلوت بك» يبذل الجهدَ كلَّ الجهد ليوفر لها أسبابَ النجاح وليعمل على تمصير التدريس بها، فلما مضى على إنشائها خمسُ سنوات تخرَّجت الدفعة الأولى «في سنة ١٨٣٢»، فتخيَّر كلوت بك اثنَي عشر طالبًا من أمهرِ خرِّيجيها، وبعثَهم إلى فرنسا لإتمام دراستِهم، فلمَّا عادوا إلى مصر، أُلحقوا مدرِّسين بمدرسة الطب، وقد كان لأكثرهم جهدٌ مشكور في الترجمة عن الفرنسية.

(ب) الدكتور إبراهيم النبراوي

أصلُه من قرية نبروه بمديرية الغربية، تعلَّم الخط والكتابة والقراءة في مكتب القرية، ثم تعلَّق بالبيع والشراء كما يقول علي باشا مبارك، فأرسله أهلُه مرة «إلى المحروسة ليبيع بطيخًا، فلم تربح تجارتُه، بل لم يُحصِّلْ رأس المال فخاف من أهله ولم يرجع إليهم، ودخل الأزهر.»٧٢ ثم اختير مع غيره من طلَّاب هذا الجامع ليكونوا الفرقة الأولى بمدرسة الطب عند إنشائها، وامتاز فيها على أقرانه فانتُخب عضوًا في بعثة ١٨٣٢، ولما عاد إلى مصر عُيِّن مدرِّسًا بمدرسة الطب، «ولنجابتِه وحسنِ درايته في فنِّه، اختاره العزيز محمد علي باشا حكيمباشي لنفسه، وقرَّبه، وتخصَّص به، وبلغ رتبةَ أميرالاي، وكثرتْ عليه إغداقاتُ العزيز وانتشر ذكْرُه، وطلبته «الفاميليات» والأمراء، ولم يزل مع العزيز، وسافر معه إلى البلاد الأوروباوية سنة ثلاث وستين»،٧٢ وكان قد تزوَّج وهو في البعثة من فرنسية عادتْ معه إلى مصر وظلَّت بها حتى تُوفيت فتزوَّج من بدوية أنعمتْ عليه بها والدة عباس باشا الأول.
وفي سنة ١٨٤٦ / ١٢٦١ أو بعدها بقليل عندما استقال الدكتور «برون» مدير مدرسة الطب، وعاد إلى فرنسا، تولَّى وكالتها٧٣ الدكتور النبراوي، وعُهد إليه بالإشراف عليها، وهو أول مصري يلي هذا المنصب، ثم خلفه بعد قليل زميلٌ له وعضوٌ آخر من أعضاء بعثة ١٨٢٦، وهو الدكتور محمد الشافعي، وقد احتفظ النبراوي بمكانته العلمية الممتازة بعد عصر محمد علي، فاختاره عباس باشا بعد توليته حكيمباشي له، ثم اختارتْه والدتُه للسفر معها إلى الحج.

وقد قام النبراوي بترجمة الكتب الآتية:

(أ) «نبذة في الفلسفة الطبيعية»، «نبذة في التشريح العام»، «نبذة في التشريح المرضي»؛ وكلها من تأليف كلوت بك، وقد طُبعت في مجلد واحد في بولاق سنة ١٢٥٣.

وقد ذكر المغفور له الأمير عمر طوسون أن النبراوي قام بترجمة هذه النُّبَذ وهو في فرنسا، وحجتُه في ذلك (وهو هنا يأخذ عن علي مبارك، الخطط، ج١١، ص٨٥) أن أعضاء هذه البعثة كان عليهم بعد أن أتمُّوا دراستَهم أن يضعوا رسائل فيما درسوا، ولكنهم نُدبوا للعودة إلى مصر خطأً، فعادوا إليها في مارس سنة ١٨٣٦٧٤ (ذو الحجة ١٢٥١ والمحرم ١٢٥٢)، فأمر محمد علي باشا بإرجاعهم إلى فرنسا لتقديم هذه الرسائل، والحصول على إجازاتهم، فسافروا إليها ثانية في سبتمبر ١٨٣٦/جمادى الأولى والثانية ١٢٥٢، وأنهم عادوا إلى مصر بعد ذلك في سنة ١٨٣٨ / ١٢٥٤، ولكن كيف يتسنَّى للطالب الذي يعود إلى فرنسا ليتفرَّغ لإعداد رسالته أن يُترجمَ كتابَين يُطبعان في بولاق في نفس المدة التي قضاها في فرنسا؟
عندي أن ما ذكره الأميرُ غيرُ صحيح، بدليل أن الدكتور عزت عبد الكريم٧٥ نقَض في كتابه هذه الحجةَ السابقة معتمدًا على بعض وثائق عابدين، وذكَر أن ما ذهب إليه علي مبارك باشا، والأمير عمر طوسون من ندْب هؤلاء الأعضاء خطأ، ثم إعادتهم لإتمام رسائلهم، أمرٌ غير حقيقي، وأثبت أن خمسة من أعضاء هذه البعثة عادوا إلى مصر في سنة ١٨٣٦ / ١٢٥٢، ثم عاد الباقون بعدهم بسنتين (في ١٢٥٤ / ١٨٣٨)، وبهذا الرأي يستقيم الوضعُ فيكون النبراوي واحدًا من الخمسة الذين عادوا إلى مصر في سنة ١٨٣٦، ويكون قد ترجم نُبَذ كلوت بك بُعَيد عودته مباشرة، فلما انتهتْ طُبعتْ في بولاق في ٧ رجب سنة ١٢٥٣ / ٧ أكتوبر ١٨٣٧. ويؤكد ما نذهب إليه من أنه عاد إلى مصر سنة ١٨٣٦، وأنه ترجم هذا الكتاب في مصر لا في فرنسا؛ ما جاء في خاتمة الكتاب نفسه، ص٧٦: «هذا آخر ما جمَعه أمير اللوا كلوت بك، وقد ترجمه من الفرنساوية إلى العربية إبراهيم أفندي النبراوي حكيم أول ابن عرب بإملائه للشيخ محمد محرم أحد المصححين … إلخ.»

وفي السنة التالية أي في سنة ١٢٥٤ ترجَم النبراوي الكتاب الآتي عن الفرنسية:

(ب) الأربطة الجراحية، وطبع في بولاق.

(ﺟ) الدكتور أحمد حسن الرشيدي

كان واحدًا من مشايخ الأزهر الذين عُيِّنوا مصححين ومحررين للكتب التي تُترجم بمدرسة الطب البشري، وقد اشترك مع المصحح الأول الشيخ محمد الهراوي في مراجعة وتصحيح أول كتاب تُرجم في المدرسة، وهو «القول الصريح في علم التشريح» من تأليف «كلوت بك» وترجمة عنحوري، وطُبع في سنة ١٢٤٨، وقد ذكرنا عند كلامنا عن مدرسة الطب أن «كلوت بك» رأَى — فيما رأى — للتغلُّب على صعوبة اللغة أن يُلزم بعض المترجمين والمصححين أن يحضروا دروس الطب بالمدرسة ليُلمُّوا بمبادئه ومصطلحاته، ويبدو أن السيد أحمد الرشيدي، وزميلًا له من المصححين يحمل اسمَه دون أن تكون بينهما قرابة هو الشيخ حسين غانم الرشيدي كانَا ممن حضروا الدروس، وأفادوا منها، فلمَّا فكَّر كلوت بك في إيفاد بعثة سنة ١٨٣٢ الطبية إلى باريس اختار هذين الشيخَين٧٦ ليكونَا عضوَين بها.
وعاد هذان الشيخان من بعثتهما سنة ١٨٣٨، فأُلحقَا مدرِّسَين بمدرسة الطب، وكانت لهما جهودٌ محمودة في التدريس والترجمة، وقد كان لعلْم السيد أحمد الواسع باللغة العربية، وإتقانِه لها مذْ كان طالبًا بالأزهر؛ فضلٌ كبير في أن خرجتْ ترجماتُه أقرب ما تكون إلى الصحة، بل إنا لنلاحظ أن كتُبَه — دون كتُب زملائه — كانت تُقدَّم للمطبعة من غير أن تمرَّ على أحدٍ من المصححين، كما نلاحظ أنه كان يقوم أحيانًا بمراجعة بعضِ الكتب التي يترجمها زملاؤه، وحوالي سنة ١٨٤٠ عُهد إليه بإدارة مدرسة الولادة٧٧ بعد أن تولَّاها من زملائه الدكتوران علي هيبة، وعيسوي النحراوي.
وقد قام السيد أحمد حسن الرشيدي في مدى عشر سنوات تقريبًا (١٢٥٢–١٢٦٢) بترجمة سبعة كتب في مختلف الفنون الطبية، عدا كتاب واحد في علم الجغرافيا:
  • (أ)

    رسالة في تطعيم الجدري تأليف «كلوت بك»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠، ثم طُبع ثانية في سنة ١٢٥٢، وذكر سركيس في معجمه أن الدكتور أحمد الرشيدي ترجَم كتابًا لكلوت بك عنوانه «نبذة لطيفة في تطعيم الجدري»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩، وإني لأُرجِّحُ أن تكون هذه طبعةً ثالثة لنفس الكتاب، ويجدر بي أن أُشيرَ هنا إلى أن هذا الكتاب طُبع لأول مرة سنة ١٢٥٠ ومترجمُه مقيمٌ في باريس، ولا تفسيرَ لهذا إلا أن نرجعَ إلى ما ذكرتُه في مقدمة هذا الفصل من أن محمد علي كان يُلاحق تلاميذ البعثات وهم في الخارج بالأوامر أن يُترجموا — أثناء دراستهم — كتُبًا فيما يتخصصون فيه؛ لهذا أُرجح أن يكون الرشيدي قد ترجم هذا الكتاب وهو في باريس ثم أرسله فطُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ ثم في ١٢٥٢ قبل عودته.

  • (ب)

    الدراسة الأولية في الجغرافية الطبيعية، تأليف «فليكس لامروس»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٤، وهو أول كتاب ترجمَه بعد عودته من البعثة.

  • (جـ)

    ضياء النيرين في مداواة العينين، تأليف الطبيب الإنجليزي «لورنس»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦، وهو ثاني كتاب ترجمَه بعد عودته، وتدل مقدمةُ هذا الكتاب على أن السيد أحمد الرشيدي كان وافرَ النشاط، محبًّا لعمله مقبلًا عليه، يأبَى البطالةَ، ويَعافُ الكسل؛ فقد قال في ص٢: «وبهمَّة سعادته (يقصد محمد علي) سافرتُ وارتحلتُ وحصَّلتُ من بلوغ الأماني ما حصَّلت، ثم رجعتُ إلى وطني سالمًا مجبور الخاطر، آمنًا غانمًا وما زلتُ إلى الآن مقيمًا بتلك المدرسة (مدرسة الطب) التي هي ينبوع مكارمنا، ومحطُّ آمالنا، وكنزُ ادخار مغانمنا، معدًّا للتدريس وترجمة المؤلفات، مقيدًا لعيادة المرضى والمعالجات، فكان آخر ما ترجمتُه قبل هذا الكتاب كتاب الدراسة الأولية في علم الجغرافيا الطبيعية، ولما كمل إتمامُه، مكثتُ برهةً مضطربَ الظنون، حتى أظهر الله ما في غيبه المكنون فبرز في الأمر وظهر، بترجمة كتاب يقرُّ به النظر، كتاب لَهِجتْ بمدحه الألسن للطبيب الجراح الإنجليزي لورنس في أمراض العين، وقد أضاف إليه نبذة من كتاب الحكيم «ولير» النمساوي في كيفية تحضير أدوية العين، واستعمالها في التداوي، ثم زاد عليه جملة مستحضرات ما يستعمل في مصر، ومركبات من نحو أكحال ومراهم وبرودات وقطورات … إلخ.»

  • (د)

    بهجة الرؤساء في أمراض النساء، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.

  • (هـ)

    نزهة الإقبال في مداواة الأطفال، طُبع في بولاق سنة ١٢٦١.

  • (و)

    الروضة البهية في مداواة الأمراض الجلدية (في جزأين)، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢-١٢٦٣.

  • (ز)

    نخبة الأماثل في علاج تشوهات المفاصل، طُبع مع الكتاب السابق كملحق له.

وفي عهد عباس الأول وسعيد هدأت الحركة العلمية، وهدأ معها قلمُ السيد أحمد الرشيدي. يقول جورجي زيدان: «وكان قد وشَى به بعضُ مبغضيه، واتهموه بأمور أوجبتِ ابتعادَه عن الخدمة، فلما صارت الخديوية إلى إسماعيل في سنة ١٨٦٣ / ١٢٨٠ اتجهت الأنظارُ إلى استخدامه، فتوسَّط محبُّوه لدى الخديوي وأبانوا له اقتدارَه على خدمة الطب، فقدمه، وأوعز له أن يشتغلَ فألَّف كتاب عمدة المحتاج لعلمَي الأدوية والعلاج.»٧٨

وهذا الكتاب موسوعة علمية كبيرة تقعُ في أربعة أجزاء كبار، وقد طُبع في سنة ١٢٨٣ بعد وفاته بسنة واحدة، وقد ألحق به فهرسًا توضيحيًّا الدكتور حسين عودة.

(د) الدكتور حسين غانم الرشيدي

أما صديقُه وزميله الدكتور حسين غانم الرشيدي فقد عُيِّن بعد عودته معلِّمًا للأقرباذين والمادة الطبية، غير أنه كان محدودَ النشاط في الترجمة، فلم يُترجم إلا كتابَين وهما:
  • (أ)

    الدر الثمين في الأقرباذين، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٥.

  • (ب)

    الدر اللامع في النبات وما فيه من الخواص والمنافع، تأليف الدكتور «فيجري بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧، وقد راجعه وحرَّره الشيخ محمد عمر التونسي.

غير أن السيد حسين غانم كان كزميله حجةً في اللغة العربية؛ ولهذا كان يشترك في تصحيح بعض الكتب المترجمة، حتى بعد عودته، كما فعل في مراجعة أجزاء من كتاب «الجواهر السنية في الأعمال الكيماوية»٧٩ بالاشتراك مع الشيخ التونسي.

(ﻫ) الدكتور عيسوي النحراوي

كان من طلبة الأزهر، ثم دخل مدرسة الطب في أول سنة أُنشئت فيها، واختير عضوًا في بعثة سنة ١٨٣٢، وعاد إلى مصر في سنة ١٨٣٨، وترجَم بعد عودته كتابًا في التشريح عنوانه:

«التشريح العام»، تأليف المسيو «لكلار» الطبيب الفرنسي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١، وذكر الأمير عمر طوسون في كتابه عن البعثات أنه ترجَم هذا الكتاب وهو طالب في فرنسا.

وقد قام النحراوي أيضًا بترجمة الجزء الخاص بالتشريح العام من القاموس الطبي الفرنسي الذي اشترك الأطباءُ المصريون في ترجمته، واختار له الشيخ محمد عمر التونسي عنوانَ «الشذور الذهبية في الألفاظ الطبية».

(و) الدكتور محمد الشباسي

كان من تلاميذ الأزهر، ثم التحق بمدرسة الطب في سنة ١٨٢٧، وسافر إلى باريس في بعثة سنة ١٨٣٢، وعاد منها في سنة ١٨٣٨ فعُيِّن مدرِّسًا٨٠ لعلم التشريح الخاص بمدرسة الطب، وكان كزميله النحراوي مقلًّا في الترجمة، فلم يُترجم إلا الكتابَين الآتيين:
  • (أ)

    التنوير في قواعد التحضير، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٤.

  • (ب)
    التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد، تأليف مسيو «كروليه»، ويقع في ٣ أجزاء كبيرة تتكوَّن من ١٣٢٠ صفحة، بُدئ في طبْعه في أواخر عهد محمد علي، وكُلِّف بمراجعته الشيخ سالم عوض القنياتي، فقام بتصحيح الجزء الأول ثم «عاقه الرمد»٨١ عن مراجعة بقية الكتاب، فقام بتصحيحه الشيخ محمد عمر التونسي، وتمَّ طبعُه في جمادى الآخرة٨٢ سنة ١٢٦٦، أي في أوائل عهد عباس الأول، وقد ذكر المترجم في مقدمة الكتاب أنه ترجمَه ليكون مرجعًا وافيًا في فنِّ التشريح يستعين به تلاميذ مدرسة الطب، قال: «لمَّا وُكل إليَّ تعليمُ فنِّ التشريح في مدرسة الطب الإنساني، ولم يكن بها كتابٌ جامع لما له المشرح يعاني، وكانت معارفُ التلامذة قاصرةً عن كتاب الماهر «بيل»٨٣ وهو في غاية الاختصار، ومطبوع من زمن طويل، فأردتُ أن أترجم لهم كتابًا جامعًا لمسائله المهمة، كاشفًا عمن يقرؤه الجهالةَ والغمَّةَ، فاخترتُ كتاب الماهر «كرولييه» المشهور؛ لما أنه بين كتب التشريح بالحسن مذكور، فعرضت على سعادة «كلوت بك» ما خطر ببالي، فاستحسنه ولم يبالي (كذا)، فامتثلتُ وشرعتُ في نقْلِه وترجمتِه.»٨١
    figure
    الدكتور محمد الشباسي.

وقد اشترك الشباسي — كبقية زملائه الأطباء المصريين — في ترجمة القاموس الطبي السالف الذكر.

(ز) الدكتور محمد الشافعي

figure
الدكتور محمد الشافعي.
كان كزميلَيه السابقَين تلميذًا في الأزهر، ثم التحق بمدرسة الطب وسافر إلى باريس في سنة ١٨٣٢، ثم عاد سنة ١٨٣٨، فعُيِّن مدرِّسًا للأمراض الباطنية، وحوالي سنة ١٨٤٠ تولَّى إدارة مدرسة الولادة، وفي سنة ١٨٤٥ عُيِّن وكيلًا لمدرسة الطب،٨٤ وذلك بعد أن استقال مديرُها الدكتور «برون»، وعاد إلى فرنسا، فكان أولَ رئيس مصري تولَّى إدارة هذه المدرسة، وقد لَبِث يشغل هذا المنصبَ إلى أوائل عهْد عباس الأول، فلما أُغلقت المدرسة اشتغل بالتطبيب والتأليف إلى أن أُعيد فتحُها في عهد سعيد باشا، فعاد إليها ثم عُيِّن مديرًا لها٨٥ في عهد الخديو إسماعيل، إلى أن أدركتْه الوفاة حوالي سنة ١٨٧٧، وقد قام الشافعي في عصر محمد علي بترجمة ثلاثة كتب، وهي:
  • (أ)

    أحسن الأغراض في التشخيص ومعالجة الأمراض، في أربعة أجزاء كبيرة، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.

  • (ب)

    كنوز الصحة ويواقيت المنحة، تأليف «كلوت بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.

  • (جـ)

    الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال، تأليف «كلوت بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.

وقد أسهبنا الحديثَ عن هذين الكتابَين عند كلامنا عن «كلوت بك» في الفصل الخاص بالكتب والمؤلفين، وذكرنا أنهما تُرجمَا أيضًا عن العربية إلى التركية.

(ﺣ) الدكتور محمد عبد الفتاح

أُرسل إلى فرنسا لدراسة الطب البيطري بمدينة «ألفور Alfort»، غادر مصر في الأيام الأخيرة من سنة ١٨٢٩، ووصل إلى فرنسا في يناير سنة ١٩٣٠، وعاد منها في أوائل سنة ١٨٣٦، فعُيِّن مدرِّسًا ومترجمًا بمدرسة الطب البيطري، وقد قام في مدى عشر سنوات (١٢٥٢–١٢٦٢) بترجمة سبعة كتب، كلُّها في الطب البيطري، وهي:
  • (أ)

    تحفة القلم في أمراض القدم، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٢.

  • (ب)

    نزهة المحافل في معرفة المفاصل، تأليف «ريجو». قال الشيخ مصطفى حسن كساب في مقدمته: «لما كان تشريح الطبيب الماهر المعلم «جيرار» ناقصًا بعض مسائل، أراد الحاذق النجيب المعلِّم «ريجو» الذي هو تلميذُ ابنِه أن يكملَه، فألَّف هذا الكتاب، ثم ترجمَه من اللغة الفرنساوية إلى اللغة العربية، المؤمل من مولاه النجاح، محمد أفندي عبد الفتاح، أحدث أبناء العرب الذين أرسلوا إلى بلاد أوروبا لتعلمهم (كذا) ما يبلغون به أرفع الرُّتَب … إلخ.» وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٧.

  • (جـ)

    الطب العملي، تأليف «واتيل»، وقد قرأ هذا الكتاب لتلاميذ مدرسة الطب البيطري «الخواجة لابتوت» أحدُ مدرِّسي هذه المدرسة، «ثم قام بترجمته محمد الفتاح». قال الشيخ كساب في مقدمة الكتاب: «ومن أهم ما أُلِّف في هذا الشأن (علم الجراحة البيطرية) كتابُ الطبيب الشهير، عديم المثيل، المعلم «واتيل»، وهو الذي قرأه للتلامذة في المدرسة البيطرية المستجدة بأرض شبرا الخيمة، البيطري الماهر، «الخواجة لابتوت»، وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٩.»

  • (د)

    البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية، تأليف «جيرار» تمَّتْ ترجمتُه في الثالث عشر من ربيع الأول سنة ١٢٦٠، وتمَّ طبْعُه في بولاق في أوائل رجب من نفس السنة.

  • (هـ)

    مشكاة اللائذين في علم الأقرباذين، تأليف «لابتوت»، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.

  • (و)

    قانون الصحة البيطرية، تأليف «لويس جروتييه»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.

  • (ز)

    المنحة لطالب قانون الصحة، تأليف «لويس جروتييه» طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.

وإني لأرجِّحُ أن يكون هذان الكتابان كتابًا واحدًا لتشابه العنوانَين، ولنسبتهما إلى مؤلِّف واحد، ولأنهما طُبعَا في سنة واحدة.

قام بترجمة كثير من كتب الرياضيات مدرسةٌ من خريجي المدارس والبعثات، كان أستاذُها الأكبر نابغة مصر محمد بيومي أفندي، وكان تلاميذه ومساعدوه: إبراهيم رمضان، وأحمد دقلة، وأحمد طايل، وأحمد فايد.

(أ) محمد بيومي أفندي

ويعنينا هنا أن نتحدث عن نابغة هذه المدرسة وأستاذها محمد بيومي: أصله من بلدة دهشور، وإن كان قد وُلد في القاهرة، أُرسل إلى فرنسا في بعثة سنة ١٨٢٦، وله من العمر سبعةَ عشرَ عامًا، ولبِث في فرنسا تسع سنوات تخصَّص في خلالها في فنِّ قوى المياه٨٦ «الهيدروليكا Hydraulique» ثم عاد إلى مصر في ١٤ ذي الحجة سنة ١٢٥٠٨٧ (١٣ أبريل ١٨٣٥)، فعُهد إليه في الحال بالبدء في ترجمة كتابٍ في الهندسة الوصفية،٨٨ وفي نفس التاريخ صدر أمرُ محمد علي باشا بتعيينه «مدرِّسًا بمدرسة المهندسخانة بالقناطر الخيرية» مع تفهيمِه القيام بمعاونة باشمهندس القناطر بالنسبة لتعلُّمه أشغال القناطر كما يجب بباريس.٨٧
figure
محمد بيومي أفندي أستاذ الرياضيات بمدرسة المهندسخانة.
وفي شوال سنة ١٢٥١/يناير سنة ١٨٣٦٨٩ ضُمَّت مدرسة المهندسين بالقناطر إلى مدرسة المهندسخانة ببولاق، ونُقل بذلك بيومي أفندي أستاذًا بهذه المدرسة الأخيرة.
وفي نفس السنة أُلِّفت لجنةٌ لإعادة تنظيم المدارس؛ فكان بيومي أفندي واحدًا من أعضائها،٩٠ وقد عُنيت هذه اللجنةُ عنايةً خاصة بمدرسة المهندسخانة ببولاق، فوضَعت للدراسة بها نظامًا يتفق ونظامَ مدرسةِ الهندسة بباريس، وفي أوائل تلك السنة (١٨٣٦) كان قد عاد من فرنسا إبراهيم أفندي رمضان، وأحمد أفندي دقلة، وأحمد أفندي طائل، وأحمد أفندي فائد قبل أن يُتمُّوا دراستهم، وكانوا قد أوفدوا إليها جميعًا في سنة ١٨٣٠، فأُلحق اثنان منهم وهم دقلة وطائل معيدَين لدروس بيومي أفندي في المهندسخانة على أن يُتمَّا دراستَهما عليه، وأُلحق أحمد أفندي فائد معيدًا لدروس بهجت باشا بالقصر العيني، وإبراهيم أفندي رمضان معيدًا لدروس مظهر باشا بمدرسة الطوبجية، ولم يَلبثْ هذان الأخيران أن نُقلَا إلى مدرسة بولاق، وأصبح الجميعُ تلامذةً ومعيدين لبيومي أفندي. يقول علي مبارك باشا: «وكان (أيْ بيومي أفندي) هو الباش خوجة عليهم، فكان المرجع إليه والمعول عليه.»٩١
وفي سنة ١٨٣٦ أيضًا عندما أُعيد تنظيم مدرسة المدفعية بطرة قام بتنظيم٩٢ دروس الرياضيات بها بيومي أفندي.
وحوالي سنة ١٨٣٩ / ١٢٥٥ أوجد بديوان المدارس نظام المعاونين٩٣ وهم بمثابة المفتشين الآن، وكان عملُهم الأساسي التفتيشَ على المدارس وشئونها المختلفة علمية وتربوية وصحية … إلخ، وكان يُعهد إلى بعض هؤلاء المعاونين، ومنهم بيومي أفندي بترجمة الكتب وتصحيحها.
وقد قام بيومي أفندي بهذه الأعمال جميعًا خيرَ قيام، ولكنه بذل الجهد الأكبر مع تلاميذه ومساعديه الأربعة في النهضة بمدرسة بولاق وتلاميذها، وترجمة الكتب في مختلف فروع العلوم الرياضية، لاحظتْ هذا الجهدَ لجنةُ سنة ١٨٤١ لإعادة تنظيم التعليم، فمدحتْه، وضمَّنتْ هذا المدحَ تقريرَها، قالت: «لا ريبَ في أن المهندسخانة مدينةٌ بكل تقدمها هذا إلى دقة ناظرها، وهمَّة أساتذتها، غير أن معظم الفضل إنما يرجع إلى ترجمة المدرسين للدروس، وإلى الإسراع في طبْع التراجم بمطبعة الحجر (الملحقة بالمدرسة)، ثم جمعها في كراسات وكتُب، ولقد كانت العلوم الرياضية التي كانت في متناول اليد من القلة والندرة، وكانت ترجمتُها من الإشكال والصعوبة بحيث لم يتيسَّر قبل اليوم تنشئةُ المهندسين الفحول على الوجه الصحيح الموافق لأسلوب فرنسا، ولكن ها هو البكباشي محمد بيومي أفندي، واليوزباشية أحمد طائل أفندي، وإبراهيم رمضان أفندي، وأحمد دقلي أفندي، وأحمد فائد أفندي يتولون بفضل بركات الخديوي ترجمة الدروس التي وكل إليهم تعليمها، ثم لا يقفون عند حدِّ الترجمة، بل يطبعونها على الحجر ويطبعون منها كتُبًا٩٤ وأسفارًا، والواقع أن الامتحان الأخير كان مشهدًا لما جمعتْه هذه الكتب بين دفاتها من شتى العلوم.»٩٥
ولما أُنشئ قلم الترجمة (الملحق بمدرسة الألسن) في سنة ١٨٤١ قُسِّم إلى أقلام أربعة، كان أولها القلم الخاص بترجمة الكتب الرياضية، فكان بيومي أفندي خيرَ من يتولَّى رئاستها، فنُقل إليه وعُيِّن لمساعدته ملازم من خريجي الألسن، وخمسة٩٦ من تلاميذ فرقتها الأولى.
وقد كان بيومي أفندي إلى هذا «حسن الأخلاق مهيبًا جليلًا ذا رأْي حسن»،٩٧ وكان أستاذًا لجيل من المهندسين بأكمله، تتلمذ عليه مَن كان يصغره سنًّا، ولم يأنف أن يتتلمذ له مَن كان يكبره سنًّا، أمثال «سلامة باشا، ومحمود باشا الفلكي، وإسماعيل باشا محمد، وعامر بك»، وكلهم من نوابغ المصريين في القرن التاسع عشر.
غير هذا أن هذا النبوغَ الفذَّ والخُلق الطيب لم يلقيَا من عباس الأول ما لقياه من محمد علي من تكريم وتقدير؛ ففي ١٢ رجب سنة ١٢٦٦، صدر الأمرُ بإنشاء مدرسة الخرطوم الابتدائية وعُيِّن رفاعة بك لنظارتها، واختير لتدريس الأرقام، وطريقة كتابتها، وعمليات الجمع والطرح والضرب، نابغةُ الرياضيات بيومي أفندي، وتلميذه وزميله أحمد طائل أفندي، وكانت الصدمةُ عنيفة فأثَّرت في صحة بيومي أفندي، وتعاون عليه الحظُّ العاثر والمرض، فأدركتْه المنية ودُفن هناك.٩٨
وفي رمضان سنة ١٢٥٣/ديسمبر ١٨٣٧٩٩ زار مصر الدكتور «بورنج»، ومكث بها شهورًا زار في خلالها منشآت محمد علي، ومن بينها مدرسة المهندسخانة ببولاق، وقد ذكَر في تقريره أنه حتى سنة ١٨٣٨ لم يكن قد طُبع من الكتب التي ترجمها أساتذةُ المدرسة إلا كتاب الهندسة الوصفية، تأليف «دوشين Duchesne» وترجمة محمد بيومي، ولكنه أثبت بعد ذلك قائمةً بالكتب التي تمَّت ترجمتُها ولم تُطبع، أو لم تتمَّ ترجمتُها بعد، وهي:
(١) كتاب الجبر تأليف «ماير Mayer» أكمل ترجمتَه بيومي، ولم يُطبع
(٢) مبادئ اللغوريتمات أكمل ترجمتَه بيومي ولم يُطبع
(٣) كتاب الميكانيكا تأليف «تركم Terquem»، جزءٌ واحد يترجمه بيومي
(٤) كتاب الطبيعة تأليف «بكليه Peclet»، في جزأين يترجمه فايد
(٥) مبادئ الطبوغرافية تأليف «تيرليه Thrillet»، جزء واحد يترجمه رمضان
(٦) كتاب الهيدروليكا تأليف «دوبيسون d’Aubuisson» جزء واحد يترجمه دقلة
(٧) رسالة في المنشآت تأليف «نافييه Navier» جزء واحد يترجمها دقلة
(٨) كتاب الكيمياء تأليف «دوماس Dumas» وهذا الكتاب كبيرٌ يقع في ستة أجزاء ويترجم منتخبات منه فايد
(٩) الجغرافيا الطبيعية تأليف «لاكروا La Croix» جزءٌ واحد يترجمه دقلة
(١٠) الجغرافيا العامة تأليف «بوبيه Boubée» جزءٌ واحد يترجمه فايد
(١١) قطع الصخور تأليف «دويو Duillot» جزءٌ واحد يترجمه بيومي
(١٢) رسالة في الحرارة تأليف «بيتيه Pietet» جزء واحد ؟
(١٣) رسالة في الضوء تأليف «بيتيه Pietet» في جزء واحد ؟
(١٤) رسالة في التعدين تأليف «برار Brard» جزء واحد ؟
(١٥) الفحم الحجري تأليف «دويو Duillot» جزء واحد يترجمه بيومي
(١٦) رسالة في التركيب العددي تأليف «جريمييه Gremilliet» جزء واحد يترجمه دقلة
(١٧) كتاب الكيمياء تأليف تينار Thénard ؟
(١٨) كتاب الكيمياء تأليف «شابتال Chaptal» ؟
(١٩) كتاب الكيمياء تأليف «جراي Gray» ؟
(٢٠) جريدة المعارف العادية ؟
(٢١) مبادئ المنتجات الكيميائية ؟
(٢٢) مبادئ التفحيم Manuel de Charpentier ؟
(٢٣) التعدين «للحديد» تأليف «كارستون Carston» ؟
(٢٤) العلوم تأليف «تورنير Tourneur»* ؟
Bowring Op. Cit. p. 144.

كتاب الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية «اشترك في ترجمته إبراهيم رمضان، ومنصور عزمي، وصححه الشيخ إبراهيم الدسوقي»

figure
وفي أسفلها توقيع: صالح مجدي، وإبراهيم رمضان [نموذج جميل للكتب التي طُبعت طبع حجر بمطبعة المهندسخانة ببولاق].
هذه أربعة وعشرون كتابًا أثبتَها «بورنج» في تقريره، وذكر أن بعضها تُرجم وأن البعض الآخر تحت الترجمة، غير أنه يبدو أن الكثير من هذه الكتب لم يُطبع، ولسنا نعرف ماذا كان مصيرها، ولم أعثر في فهارس الكتب المطبوعة إلا على ثمانية عشر كتابًا ترجمها أعلامُ هذه المدرسة، وطُبع أولها وهو كتاب الهندسة الوصفية في سنة ١٢٥٢ / ١٨٣٨، وطُبع آخرها سنة ١٢٦٩، أي في عهد عباس الأول، وفيما يلي بيانها:
  • (١)

    الهندسة الوصفية تأليف «دوشين»، جزءان، طُبع الجزء الأول في بولاق سنة ١٢٥٢، وطُبع الثاني سنة ١٢٦٣.

  • (٢)

    كتاب الجبر والمقابلة، تأليف «ماير» جزء واحد في ٥٧١ صفحة، طُبع في بولاق في غرة جمادى الآخرة سنة ١٢٥٦.

  • (٣)

    ميكانيقة (أي جر الأثقال)، تأليف «تركم»، ترجمه بيومي بالاشتراك مع أحمد طائل، جزء واحد، بولاق سنة ١٢٥٧.

  • (٤)

    ثمرة الاكتساب في علم الحساب، ويبدو أن بيومي أفندي كان قد ترجَم هذا الكتاب ترجمةً سريعة ليستعين به في تدريس هذه المادة، ثم طُبع طبْع حجر بمطبعة مدرسة المهندسخانة، ولكنه عاد فراجعه وزاد عليه تنفيذًا لأمر أدهم بك مدير المدارس، وطُبع الكتاب بعد تنقيحه في بولاق سنة ١٢٦٣، وهو جزء واحد في ٤٠٠ صفحة، جاء في مقدمة الشيخ الدسوقي ما يلي: «ومن أفخر كتب هذا العلم «الحساب» المؤسسة، كتاب عُرِّب في مدرسة الهندسة، جليل القدر حسن الترتيب، إلا أنه غيرُ متقَن التعريب، طُبع على الحجر في هذه المدرسة على يدِ مَن أحسن قراءته حين درسه، ولقد عمَّ نفعُ هذا الكتاب في المداس، لما احتوى عليه من النفائس، ولما كان الكتاب المعرب المشار إليه مما يُعتمد في هذا الفن عليه، أمر مَن يُجيبه السعد بلبيك، حضرة أمير اللواء أدهم بك، مدير المدارس المصرية، ومفتش المهمات الحربية، جناب المتوكل على ربِّه المعيد المبدئ، محمد الشهير ببيومي أفندي، أن يبذل في إتمامه الهمَّة وأن يضمَّ إليه فوائد مهمة، على يد مصححه راجي عفو الأوزار، إبراهيم الدسوقي عبد الغفار.»

  • (٥)

    جامع الثمرات في حساب المثلثات، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٤.

(ب) الكتب التي ترجمها إبراهيم رمضان أفندي

  • (١)
    ثيوديزيه Géodésie أي: فن أعمال الخرط العظيمة، تأليف «فرانكير Francoeur» طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
  • (٢)
    القانون الرياضي في تخطيط الأراضي، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٠، وقد راجع الترجمة على الأصل أبو السعود أفندي، ثم راجعها ثانية بيومي أفندي، وثالثة عند الطبع حسن الجبيلي أفندي، وقام بتحريره وتصحيحه الشيخُ إبراهيم الدسوقي.١٠٠
  • (٣)

    اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية، طُبع منه الجزء الأول فقط في ١٧٦ صفحة في بولاق سنة ١٢٦١، وقد قام بمراجعة الترجمة بالاشتراك مع المترجم، حسن أفندي الجبيلي، ويقول الشيخ الدسوقي في مقدمة الكتاب: «وقد تداولتْه أيدي التصحيح ونقَّحتْه غايةَ التنقيح، فقابله على أصله الفرنساوي حسن أفندي المصحح الجبيلي، فأطلق عنانَ قلمه فيه وصحَّحه، وأمعن نظرَه في ترجمته وأصلحه، ثم وصل إلى يد إبراهيم الدسوقي عبد الغفار مهذب عباراته ومبانيه، وحرَّر بعد السؤال معانيه، وبذل فيه غاية المجهود، ونظمه نظمَ اللآلئ في العقود، مع مقابله الثاني، ومترجمه الأول؛ ليكون بذلك أتقن وأكمل.»

    وإن هذه الدقة في الترجمة ومراجعتها تُذكِّرُنا بنفس الدقة التي كانت تُراعَى عند ترجمة كثير من الكتب الطبية.

  • (٤)
    الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية: وهو أجزاء ثلاثة، ترجَم الأول إبراهيم رمضان، وترجَم الثاني والثالث منصور عزمي١٠١ وطُبعت كلها في مجلد واحد، طبْع حجر، في مطبعة مدرسة المهندسخانة١٠٢ سنة ١٢٦٨.
  • (٥)
    المنحة اللدنية في الهندسة الوصفية، طبع حجر في مطبعة المهندسخانة، سنة ١٢٦٩.١٠٣

(ﺟ) الكتب التي ترجمها أحمد دقلة أفندي١٠٤

figure
شكل من الأشكال الإيضاحية الملحقة بكتاب الهندسة الوصفية [لاحظ في أسفل الصفحة اسم الراسم – أمين صباغ – وتوقيع المدرس – إبراهيم رمضان].
  • (١)

    مثلثات مستوية وكروية، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.

  • (٢)

    أيدروليك (أيْ علم حركة وموازنة المياه)، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.

  • (٣)

    رضاب الغانيات في حساب المثلثات، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.

(د) الكتب التي ترجمها أحمد طايل أفندي١٠٥

  • (١)

    تركيب آلات، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.

  • (٢)

    ميكانيقة (أيْ علم جر الأثقال)، ترجمه بالاشتراك مع بيومي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.

كتاب الدر المنثور في الظل والمنظور

ترجمة صالح مجدي، وطُبع بمطبعة مدرسة المهندسخانة.

(ﻫ) الكتب التي ترجمها أحمد فايد أفندي١٠٦ (باشا فيما بعد)

  • (١)
    الأقوال المرضية في علم بنية الكرة الأرضية،١٠٧ تأليف «بوبيه» أمر بجلب هذا الكتاب أدهم بك، وأشار بترجمته المسيو «لامبير» ناظر المهندسخانة، وراجع الترجمة مصطفى أفندي بهجت١٠٨ ورفاعة أفندي، وقام بتصحيحه الشيخ الدسوقي، وهو جزء واحد في ١٣٤ صفحة، وقد أضاف إليه المترجم «نبذة تشتمل على بيان ألفاظ هذا الفن الاصطلاحية» في نحو ٣٨ صفحة مرتبة ترتيبًا أبجديًّا، وطُبع الكتاب في بولاق في أوائل ربيع الآخر سنة ١٢٥٧.
  • (٢)

    مختصر علم الميكانيكا: قام بتصحيحه السيد صالح مجدي، وطُبع الجزء الأول منه طبْعَ حجر في ٩٤ صفحة من القطع المتوسط في مطبعة المهندسخانة في سنة ١٢٦٠.

  • (٣)

    تحرك السوائل، تأليف «بيلانجيه»، أحضره «لامبير بك»، واستعان به أحمد فايد في تدريس علم الهيدروليكا، ثم ترجمه، وراجع الترجمة السيد صالح مجدي، وصححه الشيخ الدسوقي، وهو جزء واحد في ٢٣٠ صفحة، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٤، ويبدو من مقدمة الكتاب أن هذه هي الطبعة الثانية، وأنه طُبع طبعة أولى على حجر في مطبعة المهندسخانة؛ فقد قال فايد في ص٣: «وكنت لدي الترجمة بالأثر مثلته طبعًا على الحجر، مقابلًا عربيته الشاب الناجح، السيد أفندي صالح، ولما انتفع به كثيرٌ من التلامذة، بل ومن الأساتذة الجهابذة، أردتُ أن يكون بالمطبعة الكبرى طبْعه؛ ليعظم وقعُه ونفعُه.»

  • (٤)

    الدرة السنية في الحسابات الهندسية، طبع حجر في مطبعة المهندسخانة، سنة ١٢٦٩.

figure
السطور الأخيرة من بعض صفحات كتاب الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية «وإلى اليمين دائمًا توقيع إبراهيم رمضان وإلى اليسار توقيع إبراهيم الدسوقي في أشكال متباينة.»
figure
رفاعة الطهطاوي زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي.

بدأنا الحديثَ عن المترجمين من خرِّيجي المدارس والبعثات بطليعتهم ورائدهم الأول عثمان نور الدين، وجديرٌ بنا أن نختمَ هذا الحديث بالكلام عن المبعوث الأوحد للتخصص في الترجمة رفاعة رافع الطهطاوي.

وُلد في طهطا سنة ١٢١٦ / ١٨٠١-١٨٠٢، وإليها يُنسَب، وفيها تلقَّى علومَه الأولى، وفي سنة ١٢٣٢ / ١٨١٧ وفَد على القاهرة، والتحق بالأزهر، ومكَث به نحو خمس سنوات أتمَّ فيها دروسَه، فلما أتمَّ الحادية والعشرين من عمره أصبح أهلًا للتدريس، فدرس في الأزهر، وكان يتردَّد أحيانًا على مدينته طهطا فيُلقي على أهليها بعضَ دروسه، وقد كان رفاعة منذ عهده الأول مدرِّسًا ممتازًا، فأقبل عليه الطلابُ وأفادوا منه، وكانت حلقاتُ دروسه في السنتين التاليتَين لتخرُّجِه حافلةً دائمًا بالمستمعين من التلامذة والمشايخ. يقول تلميذُه ومؤرخ حياته صالح مجدي: «وكان رحمه الله حسنَ الإلقاء بحيث ينتفع بتدريسه كلُّ مَن أخذ عنه، وقد اشتغل في الجامع الأزهر بتدريس كتُبٍ شتى في الحديث، والمنطق، والبيان والبديع، والعروض، وغير ذلك، وكان درسه غاصًّا بالجمِّ الغفير من الطلبة، وما منهم إلا من استفاد منه وبرع في جميع ما أخذه عنه، لما علمت أنه كان حسنَ الأسلوب، سهلَ التعبير مدقِّقًا محقِّقًا، قادرًا على الإفصاح عن المعنى الواحد بطرق مختلفة، بحيث يفهم درسَه الصغيرُ والكبير بلا مشقة ولا تعب ولا كدٍّ ولا نصَب.»١٠٩

ولقد كان من حسن حظِّ رفاعة أنه تتلمذ في الأزهر على الشيخ حسن العطار؛ فقد كان هذا الشيخُ سابقًا لعصره، طوَّف في الأرض، وسافر برًّا وبحرًا، وزار الشام، ووصل في تطوافه إلى الآستانة وأقام بها سنوات، وأفاد من هذه الرحلات، واتَّسع أُفقُ تفكيره، ولما نزلت الحملةُ الفرنسية بأرض مصر اتصل ببعض علمائها ولقَّنهم اللغة العربية كما أخَذ عنهم بعضَ علومهم، وأُعجب بما وصل إليه الشعب الفرنسي من رُقيٍّ وحضارة، وقارن في نفسه بين علوم الفرنسيين التي رأى بعضَ مظاهرها في دار المجمع، واستمع لبعض أفكارها في حديثه إلى علماء المجمع، وبين علوم المصريين التي درسها ويُدرسها في الأزهر، فرأى الفرقَ كبيرًا، والبَون شاسعًا، وتنبَّأ لهذا البلد بنهضة علمية سريعة تنهَج فيها نهْجَ فرنسا، قال: «لا بد أن تتغيرَ حال بلادنا، ويتجدَّد لها من المعارف ما ليس فيها.»

وبدأ هو بنفسه فأقبل على كتُبٍ لم تكن تُدرَّس وقتذاك في الأزهر، أقبل على كتُبٍ في التاريخ والجغرافيا، والطب والرياضة، والفلك والأدب، وقرأ الكثيرَ من هذه الكتب وتفهَّمها، غير أنه يبدو أن نظام التدريس في الأزهر لم يكن ليسمحَ له أن يدرسَ بعض هذه الكتب، أو ما أفاد منها، وإن سمحت النظمُ فإن المجموعة التي كانت تُحيط به من شيوخ وطلاب ما كانت لتستسيغَ هذه العلوم أو تقبلَها، بل لعلها كانت تتهم المشتغلين بها بشيء من الزيغ عن الجادة، والبعد عن علوم السلف، وعما يجب أن يلزمَه رجلُ الدين.

ولكن العطار كان ذا شخصية فذَّة، وطريقة جديدة؛ لهذا لم يلبث أن اختصَّ به نفرٌ من تلاميذه الممتازين، فقرَّبهم إليه، وأقرأهم ما كان يقرأ،١١٠ ورغَّبهم في هذه العلوم الجديدة فأقبلوا عليها، فلما بدأ محمد علي نهضتَه، واحتاج إلى بعض مشايخ الأزهر للتدريس في مدارسه الجديدة أو لتصحيح الكتب المترجمة، كان تلاميذُ العطار، أمثال التونسي، والدسوقي، والطنطاوي … إلخ، خيرَ مَن نُدب، وخيرَ من قام بالواجب الجديد في العهد الجديد.

وكان رفاعة أقربَ تلاميذ العطار وأحبَّهم إليه، وقد فرح الأستاذ بنبوغ تلميذه في التدريس بعد تخرُّجِه، فلبث يشمله برعايته وحسْنِ توجيهه، فلما طلب إليه محمد علي أن يختار له إمامًا لإحدى فِرَق الجيش الجديد، أسرع فرشَّح رفاعة لهذا المنصب، وعُيِّن الشيخ رفاعة في سنة ١٢٤٠ / ١٨٢٤ واعظًا وإمامًا في آلاي حسن بك المانسترلي، ثم انتقل إلى آلاي أحمد بك المنكلي.

وفي سنة ١٢٤٢ / ١٨٢٦ أُوفدت أول بعثة كبيرة إلى فرنسا، وهنا أيضًا طلب محمد علي إلى العطار «أن ينتخبَ من علماء الأزهر إمامًا للبعثة، يرى فيه الأهلية واللياقة، فاختار الشيخ رفاعة لتلك الوظيفة.»١١١
سافر رفاعة ليكون إمامًا للبعثة لا طالبًا من طلَّابها، ولكنه هو التلميذ الأثير لأستاذ مجدِّد صاحب مدرسة تفكيرية جديدة قد استمع إلى كثير من أحاديث شيخِه وقرأ معه كتُبًا في علوم لم يدرسها في الأزهر، ولا بد أن هذه الأحاديث في معظمها كانت تدور حول ما شاهد الأستاذ الشيخ في رحلاته خارجَ مصر، وما شاهد في مجمع الفرنسيين في مصر، وهذه هي الفرصة قد واتتْه أن يذهب لبلاد هؤلاء الذين سمِع عن علمهم ونهضتهم الشيءَ الكثير، ترى هل يترك هذه الفرصةَ تضيعُ دون أن يستغلَّها فيتزوَّد من فرنسا بعلوم فرنسا؟ إنه لو ذهب وقنَع أن يقوم بواجبه الديني فيؤمَّ المبعوثين في الصلاة ويعِظَهم في أمور دينهم، ثم يرجع معهم وقتَ يرجعون، لما لامَه إنسان، ولكن رفاعة كان ذا نفس طموحة، وآمال عريضة، وحُبٍّ للعلم، وشغفٍ بالبحث، فأعدَّ العدة بينه وبين نفسه أن يُقبلَ على التحصيل منذ يغادر أرض مصر، حتى يعود إلى وطنه خيرًا مما غادره، وقد برَّ بوعده لنفسه، فحصَّل في فرنسا الكثير، وكان أنبغَ أعضاء بعثته، ثم كان زعيمَ النهضة العلمية في عصر محمد علي، وقائدَها بعد عودته، وهكذا «أراد الله أن يكون الإمام في الصلاة إمامًا للحركة العلمية في مصر.»١١٢
وذهب التلميذُ الفتى للأستاذ الشيخ يُودِّعُه ويشكره، ويسألُه النصيحةَ، فدعا له الشيخُ وباركَه وزوَّدَه بما يُزوِّدُ به الأستاذُ المستنير تلميذَه النابغ، وطلَب إليه قبل أن يغادرَه أن يُعنَى منذ اللحظة الأولى بتقييد مشاهداتِه في رحلتِه هذه؛ فالشيخُ كما يقول تلميذُه «مولَع بسماع عجائبِ الأخبار، والاطِّلاعِ على غرائب الآثار».١١٣
وفي يوم الخميس من شهر رمضان١١٤ سنة ١٩٤٢ / ١٤ أبريل ١٨٢٦ أبحرت السفينةُ من الإسكندرية تحمل رفاعةَ وزملاءه، وفي التاسع من شهر شوال وصلتْ بهم إلى «مارسيليا»، ومنذ وطئت قدمَا رفاعة أرضَ هذه المدينة، بدأ يتعلَّم اللغة الفرنسية، يقول في رحلته: «وتعلمنا في نحو ثلاثين يومًا التهجي.»١١٥
وفي باريس قضى تلاميذُ البعثة جميعًا نحو سنة وهم يُقيمون معًا في بيت واحد، ويشتركون معًا في دراسة مواد واحدة، يقول رفاعة: «كنا نقرأ في الصباح كتابَ تاريخ ساعتين، ثم بعد الظهر درْسَ رسمٍ، ثم درس نحو فرنساوي، وفي كل جمعة ثلاثة دروس من علمَي الحساب والهندسة.»١١٦

وكانت هذه الخطة ترمي إلى عزْل تلاميذ البعثة، حتى لا يُفسدَهم الاختلاطُ، أو الحياةُ في باريس، وحتى يستطيعوا التوفر على دراساتهم ليُحصِّلوا العلومَ التي يريدون على أحسن وجه، وفي أسرع وقت، ولكن هذه العلوم التي أُوفدوا لدراستها مودعة في بطون المؤلفات الفرنسية، ولا سبيلَ إليها إلا إتقان هذه اللغة حديثًا وقراءةً وفهمًا، ولا سبيل إلى هذا الإتقان إلا أن يختلطَ هؤلاء الشبَّانُ بأندادهم من الفرنسيين حتى تستقيمَ ألسنتُهم.

أحسَّ بهذا النقص المشرفون على البعثة، كما أحسَّ به أعضاءُ البعثة أنفسهم، يقول رفاعة: «مكثنا جميعًا في بيت واحد دون سنة نقرأ معًا في اللغة الفرنسية، وفي هذه الفنون المتقدمة، ولكن لم يحصل لنا عظيمُ مزية إلا مجرد تعلُّم النحو الفرنساوي.»١١٧ لهذا صدرت الأوامرُ بتوزيع هؤلاء المبعوثين، فتفرَّقوا في مكاتب متعددة، كل اثنين، أو ثلاثة، أو واحد في مكتب مع أولاد الفرنساوية، أو في بيت مخصوص، عند معلِّم مخصوص، بقدْر معلوم من الدراهم في نظير الأكل والشرب والسكنى والتعليم،١١٧ وفي هذه المكاتب أو «البانسيونات» كان التلاميذ المصريون يقضون ليلَهم ونهارهم في التحصيل، ولم يكن يُسمح لهم بالخروج إلا في يوم الأحد، أو بعد ظهر الخميس، أو في الأعياد الفرنسية، وكان يحدث أحيانًا أن يخرج بعضُهم بعد العشاء إن لم يكن يشغلُه درسٌ أو واجب.
وكان رفاعة أكثرَهم انهماكًا في عمله، وأشدَّهم إقبالًا عليه، ولم تكن تُسعِفُه أوقاتُ فراغِه في النهار، فكان يقضي معظمَ ساعات الليل ساهرًا بين كتُبِه ودروسه، يقرأ ويتفهَّم ويُترجم، حتى أُصيبت عينُه اليسرى بضعف، ونصحَه الطبيبُ بالراحة، ونهاه عن المطالعة في الليل، ولكنه «لم يمتثلْ لخوف تعويق تقدُّمِه».١١٨

ولم يقنع رفاعة بالكتب التي تُشترَى له على حساب البعثة؛ فقد أحسَّ لذة المعرفة، فأقبل يشتري كتُبًا أخرى من ماله الخاص، ثم أحسَّ أن دروس أستاذِه لا تكفي لإشباع نهمِه؛ فاستأجر معلِّمًا خاصًّا ظل يُدرِّس له أكثر من سنة، وكان يدفع له أجرَه من مرتبه الخاص.

أرسل رفاعة إلى فرنسا ليكون إمامًا للبعثة، ولكن يبدو أن الأوامر صدرتْ في آخر لحظة أن يُسمح له بالدراسة، فإن أقبل ووفِّق، فليُوجَّه إلى إتقان الترجمة؛ وذلك لأن ثقافته الأزهرية في اللغة العربية تُرشِّحه لهذا العمل إذا ألمَّ باللغة الفرنسية وأتقنها، وهذا عملٌ واسع عريض؛ لأنه غيرُ محدود، فحكومةُ محمد علي كانت مقبلةً على الترجمة في كل علم وفنٍّ: في الهندسة والطب، والفنون العسكرية، والتاريخ والجغرافيا إلخ، فواجب رفاعة إذن أن يقرأ كتُبًا في كل هذه العلوم، وأن يُمرَّن على الترجمة فيها جميعًا، ويا له من واجب شاقٍّ! ولكن همَّة رفاعة كانت همَّةً عالية، فاستسهل الصعب، وأقبل ووفِّق.

وقد ذكر رفاعة في رحلته العلومَ والفنون التي درسها، وعيَّن الكتب التي قرأها، والتي ترجمها، أو بدأ يترجمها وهو في باريس، ومنها نلحظ أن ثقافتَه كانت موسوعية؛ فقد قرأ كتُبًا كثيرة في مختلف العلوم مع أساتذته، ثم قرأ كتُبًا كثيرة أخرى وحده، وبرهن بهذا أنه كان يتمتَّعُ بروح جامعية حقَّة، ولا عجبَ؛ فقد ساعد على تزويده بهذه الروح أمورٌ أربعة: المرانُ الذي اكتسبه وهو يطلب العلم في الأزهر، والنفحةُ التي أضفاها عليه أستاذُه العطار، وحبُّه العجيب للعلم وشغفُه بالتحصيل، ثم نفسه العالية الطموح، ورغبتُه في إشباع هذه النفس، وإرضاء باعثه وباعث النهضة الجديدة في مصر ولي النعم محمد علي.

وكان هناك عاملٌ آخر، أو حافزٌ آخر بعَث رفاعة على الجد والاجتهاد لا يقلُّ عن العوامل السابقة إن لم يكن أقوى منها؛ ذلك أن رفاعة درس دراسة دينية في أكبر جامعة دينية، ثم تخرَّج عالمًا دينيًّا، وكان تلميذًا لشيخ الأزهر، كما كان قويَّ الإيمان متينَ العقيدة، وقد راعه منذ اللحظة الأولى الفارقُ الكبير بين ما كانت تتمتع به ديارُ المسيحية من تقدُّم في مختلف نواحي الحياة، وبين ما كانت تتمتع به مصر وديار الإسلام من تأخُّر وخمود وجمود في مختلف نواحي الحياة، وخاصةً في الناحية العلمية، ورحلتُه مليئة بهذه المقارنات؛ لهذا نحسُّ في جهوده التي ذكرَها أنه ما كان يفرغ من قراءة كتاب في أيِّ علم أو فنٍّ حتى يُقبلَ على ترجمته، يريد بذلك أن ينقل لديار الإسلام وبنيه هذا العلمَ الجديد علَّه يبعثهم إلى نهضة جديدة تنتهي بهم إلى أن يكونوا كأبناء المسيحية حضارةً ورقيًّا، ولكن أنَّى له الوقت لترجمة هذه الكتب جميعًا؟ ومع هذا فقد بدأ وترجَم كتُبًا أو رسالاتٍ صغيرة، ثم ترجم فصولًا من الكتب الكبيرة، وكأني به قد ترك الباقي حتى يعود لمصر فيُتمَّ ما بدأ، وقد فعل، ولكنَّ جهدَه جهدٌ إنساني محدود، ووقتَه وقتٌ محدود، وهنا ترقَّب الفرص حتى سنحتْ له فعرَض على محمد علي مشروعَه لإنشاء مدرسة الألسن، وقد أُنشئت واتسعت بعد إنشائها حركة الترجمة، واستطاع رفاعة أن يُحقِّقَ بعضَ آماله. ويؤيدنا في رأينا أن معظم الكتب الأولى التي ترجمها خريجو الألسن هي الكتب التي قرأها رفاعة في باريس، والتي كان يتمنَّى أن يترجمها بنفسه.١١٩

والآن ليس أحسن من أن ننقل هنا تقريرَ رفاعة نفسه عن الكتب التي قرأها، وعن جهوده في الدراسة والترجمة وهو في باريس، قال في رحلته:

في التاريخ: «ابتدأنا في بيت الأفندية حين كنا معًا بكتاب سير فلاسفة اليونان،١٢٠ فقرأناه وتمَّمناه، ثم ابتدأنا بعده في كتاب تاريخ عام مختصر يشتمل على سِيَر قدماء المصريين١٢٠ والعراقيين وأهل الشام واليونان وقدماء العجم والرومانيين والهنود، وفي آخره نبذةٌ مختصرة في علم «الميثولوجيا»، يعنى جاهلية اليونان وخرافاتهم، ثم قرأتُ عند مسيو «شواليه» كتابًا يُسمَّى لطائف التاريخ، يتضمن قصصًا وحكايات ونوادر، ثم بعده قرأت كتابًا يُسمَّى سِيَر أخلاق الأمم١٢٠ وعوائدهم وآدابهم، ثم تاريخ سبب عظم دولة قياصرة الروم وانقراضها، ثم كتاب رحلة «أنخرسيس»١٢٠ الأصغر إلى بلاد اليونان، ثم قرأتُ كتاب «سيغور» في التاريخ العام، ثم سيرة نابليون، ثم كتابًا في علم التواريخ والأنساب، ثم كتابًا يسمى «بانوراما» العالم، يعني مِرآة الدنيا، ثم رحلة صنَّفها بعض المسافرين في بلاد الدولة العثمانية، ثم رحلة في بلاد الجزائر.»١٢١
في الرياضيات: وقرأتُ في الحساب كتاب «بزوت Bezoüt»، وفي الهندسة الأربع مقالات الأول من كتاب «لوجندر Legendre».١٢٢
في الجغرافيا: وقرأت مع المسيو «شواليه» كتابَ جغرافية يشتمل على الجغرافية التاريخية والطبيعية والرياضية والسياسية، ثم قرأتُ رسالة أخرى في الجغرافية الطبيعية مقدمة لقاموس في الجغرافية يعني معجم البلدان، ثم قرأت الكتاب الأول بعينه مع معلم آخر غير مسيو «شواليه»، وقرأت أيضًا مع مسيو «شواليه» جُملًا عظيمة من جغرافية «ملطبرون»١٢٣ ورسالة ألَّفها لتعليم بنته في هيئة الدنيا، وقرأتُ وحدي مؤلفاتٍ عديدة في هذا الفن.
في علوم وفنون مختلفة؛ كالمنطق والفلسفة والقوانين والاجتماع والأدب والمعادن والفنون الحربية، وقرأت كتابًا في علم المنطق١٢٤ الفرنساوي مع مسيو «شواليه»، ومسيو «المونري»، وعدة مواضع من كتاب «ليبرتروايال» من جملتها المقولات، وكتابًا آخر في المنطق يقال له كتاب «قندلياق Condillac» غيَّر فيه منطق أرسطو، وقرأت مع مسيو «شواليه» كتابًا صغيرًا في المعادن،١٢٥ وترجمته، وقرأتُ كثيرًا من كتب الأدب، فمنها مجموع «نويل»، ومنها عدة مواضع من ديوان «ولتير Voltaire» و«رسين Racine» وديوان «روسو Rousseau»، خصوصًا مراسلاته الفارسية Lettres Persanes التي يعرف بها الفرقَ بين آداب الإفرنج والعجم، وهي أشبه بميزان بين الآداب المغربية والمشرقية، وقرأتُ أيضًا وحدي مراسلاتٍ إنكليزية وصنفها «القونت شسترفيلد» لتربية ولده وتعليمه، وكثيرًا من مقامات الفرنساوية، وبالجملة فقد اطلعتُ في الآداب الفرنساوية على كثير من مؤلفاتها الشهيرة، وقرأتُ في الحقوق الطبيعية Droit naturel مع معلمها كتاب «برلماكي Burlamaqui» وترجمتُه، وفهمتُه فهمًا جيدًا، وهذا الفن عبارة عن التحسين والتقبيح العقليين، يجعله الإفرنج أساسًا لأحكامهم السياسية المسماة عندهم شرعية، وقرأتُ أيضًا مع مسيو «شواليه» جزأين من كتاب يسمَّى «الشرائع روح» l’Esprit des Lois مؤلفه شهير بين الفرنساوية، يقال له «منتسكوا Montesquieu»، وهو أشبه بميزان بين المذاهب الشرعية والسياسية، ومبني على التحسين والتقبيح العقليَّين، ويلقب عندهم بابن خلدون الإفرنجي، كما أن ابن خلدون يقال له عندهم أيضًا «منتسكو» الشرق؛ أي «منتسكو الإسلام»، وقرأتُ أيضًا في هذا المعنى كتابًا يسمى عقد التأنس والاجتماع الإنساني Le Contrat Social مؤلفه يقال له «روسو»، وهو عظيم في معناه، وقرأتُ في الفلسفة تاريخ الفلاسفة المتقدم المشتمل على مذاهبهم وعقائدهم وحِكمهم ومواعظهم، وقرأتُ عدة محال نفيسة في معجم الفلسفة للخواجة «ولتير»، وعدة محال في كتب فلسفة «قندلياق»، وقرأتُ في فنِّ الطبيعة رسالةً صغيرة مع مسيو «شواليه» من غير تعرُّض للعمليات، وقرأتُ في فنِّ العسكرية من كتاب يسمَّى «عمليات كبار الضباط» مع مسيو «شواليه» مائةَ صفحة، وترجمتُها، وقرأتُ كثيرًا في كازيطات العلوم اليومية والشهرية التي تذكرُ كلَّ يوم ما يصل خبرُه من الأخبار الداخلية والخارجية المسمَّاة «البوليتيقة»، وكنتُ متولعًا بها غايةَ التولع، وبها استعنتُ على فهْمِ اللغة الفرنساوية، وربما كنتُ أترجم١٢٦ منها مسائل علمية وسياسية خصوصًا وقتَ حرابة الدولة العثمانية مع الدولة الموسقوبية.١٢٧

هذه هي العلوم التي درسها رفاعة والكتب التي قرأها، وهي تدل — كما سبق أن ذكرنا — على أنه ثُقِّف ثقافة موسوعية، وقد كان لا بد له أن يُتثقَّفَ هذه الثقافة ما دام قد بُعث للتخصص في الترجمة، حتى إذا طُلب إليه بعد عودته أن يُترجم في أيِّ علم من العلوم لبَّى الطلب ونفَّذ الأمر، وهذا ما حدث فعلًا؛ فإنه عُيِّن بعد عودته مترجمًا بمدرسة الطب ثم نُقل مترجمًا بمكتب طرة الحربي، ولما أُنشئت الألسن كان يُشرف على أعمال خرِّيجيها الذين ترجموا كتُبًا في كلِّ هذه العلوم والفنون.

قضى رفاعة سنةً في باريس، ثم عُقد له ولزملائه امتحانٌ في نهاية هذه السنة، فنجح رفاعة بتفوق، وأرسل إليه مسيو «جومار» مدير البعثة جائزةَ التفوق، وهي كتاب «رحلة أنخرسيس في بلاد اليونان»، وهو «سبعة مجلدات جيدة التجليد مموهة بالذهب»،١٢٨ وأرسل إليه مع الجائزة خطابًا تاريخه أول أغسطس سنة ١٨٢٧ كله تشجيع وتقدير لما بذَل رفاعة من جهد ولما نال من نجاح جاء فيه: «قد استحققتَ هديةَ اللغة الفرنساوية بالتقدُّم الذي حصَّلتَه فيها، وبالثمرة التي نلتَها في الامتحان العام الأخير، ولقد حُقَّ لي أن أُهنِّئ نفسي بإرسالي لك هذه الهدية من الأفندية النظار دليلًا على التفاتِك في التعليم، ولا شك أن ولي النعمة يُسَرُّ متى أُخبر أن اجتهادك وثمرة تعليمك يكافئان للمصاريف العظيمة التي يصرفها عليك، في تربيتك وتعليمك، وعليك مني السلام مصحوبًا بالمودة …»١٢٩
وبعد عام آخر عُقد امتحانٌ ثانٍ فوُفِّق فيه كما وُفِّق في سابقه، وكانت جائزتُه في هذه المرة كتابَين من تأليف المستشرق الفرنسي «دي ساسي»، وهما: «الأنيس المفيد للطالب المستفيد»، و«جامع الشذور من منظوم ومنثور».١٣٠
وفي باريس اتصل الشيخ رفاعة بكبار المستشرقين الفرنسيين، وخاصة المسيو «سلفستر دي ساسي»، و«المسيو كوسان دي برسيفال»، ونشأتْ بينه وبين هذين العالِمَين صداقةٌ متينة وكان كلٌّ منهما يُقدِّر جهْدَ الشيخ التلميذ وعلْمَه، وقد تبودلت بينه وبينهم كثيرٌ من الرسائل أَثبت بعضَها رفاعةُ في رحلته، وقد أطلعهما قُبَيل سفره على مخطوطة رحلتِه فأُعجبَا بها، وكتبَا عنها تقريظًا، وأرسل كلٌّ منهما — للمسيو «جومار» بصفته مدير البعثة — خطابًا كلُّه ثناءٌ وتقريظ لرفاعة وكتابه. قال «دي ساسي»: «إن مسيو رفاعة أحسنَ صرْفَ زمنِه مدة إقامته في فرنسا، وأنه اكتسب فيها معارفَ عظيمة، وتمكَّن منها كلَّ التمكن، حتى تأهَّل لأن يكون نافعًا في بلاده، وقد شهدتُ له بذلك عن طيب نفس وله عندي منزلةٌ عظيمة ومحبة جسيمة.»١٣١
وقال «دي برسيفال»: «إن هذا التأليف (الرحلة) يستحق كثيرًا من المدح، وإنه مصنوع على وجهٍ يكون به نفعٌ عظيم لأهالي بلد المؤلف؛ فإنه أهدى لهم نبذاتٍ صحيحة من فنون فرنسا، وعوائدها، وأخلاق أهلها، وسياسة دولتها، ولمَّا رأى أن وطنه أدنى من بلاد أوروبا في العلوم البشرية، والفنون النافعة، أظهر التأسُّفَ على ذلك، وأراد أن يوقظ بكتابه أهلَ الإسلام، ويُدخلَ عندهم الرغبةَ في المعارف المفيدة، ويُولِّدَ عندهم محبَّةَ تعلُّمِ التمدُّن الإفرنجي والترقِّي في صنايع المعاش، وما تكلَّم عليه من المباني السلطانية والتعليمات وغيرها، أراد أن يذكرَ به لأهالي بلده أنه ينبغي لهم تقليدُ ذلك، وما نظر فيه في بعض العبارات على سلامة عقله، وخلوِّه من التعسف والتحامل، وعبارةُ هذا الكتاب بسيطة، أي غير متكلَّف فيها التنميق ومع ذلك فهي لطيفة … إلخ.»١٣٢
وبعد خمس سنوات عُقد لرفاعة الامتحان النهائي، فجمع المسيو «جومار» مجلسًا فيه عدة أناس مشاهير، ومن جملتهم وزيرُ التعليمات الموسقوبي رئيس الامتحان،١٣٣ يقول رفاعة: «وكان القصدُ بهذا المجلس معرفةَ قوة الفقير في صناعة الترجمة التي اشتغلتُ بها مدة مكثي في فرنسا.»١٣٣
وتقدم رفاعةُ إلى لجنة الامتحان بخلاصة مجهوداته في الترجمة طولَ هذه السنوات الخمس، وهي اثنتا عشرة رسالة ترجمَها عن الفرنسية إلى العربية، وهذا بيانُها:
  • (١)
    نبذة في تاريخ إسكندر الأكبر١٣٤ مأخوذة من تاريخ القدماء.
  • (٢)

    كتاب أصول المعادن.

  • (٣)

    روزنامه (يقصد تقويم) سنة ١٢٤٤، ألَّفه مسيو «جومار» لاستعمال مصر والشام، متضمنًا لشذرات علمية وتدبيرية.

  • (٤)

    كتاب دائرة العلوم في أخلاق الأمم وعوائدهم.

  • (٥)

    مقدم جغرافية طبيعية مصححة على مسيو «دهنبلض».

  • (٦)

    قطعة من كتاب «ملطبرون» في الجغرافية.

  • (٧)

    ثلاث مقالات من كتاب «لجندر» في علم الهندسة.

  • (٨)

    نبذة في علم هيئة الدنيا.

  • (٩)

    قطعة من عمليات رؤساء ضباط العسكرية.

  • (١٠)

    أصول الحقوق الطبيعية التي تعتبرها الإفرنج.

  • (١١)
    نبذة في الميثولوجيا،١٣٥ يعني جاهلية اليونان وخرافاتهم.
  • (١٢)
    نبذة في علم سياسات الصحة.١٣٦
كذلك قدَّم رفاعة للجنة الامتحان كراسةً أخرى فيها مخطوطةُ رحلته إلى باريس؛ وذلك لأن هذه الرحلة ليست تأليفًا كلها، بل فيها نُبَذ كثيرة مترجمة في مختلف العلوم قصَد بها رفاعة إلى تقريب هذه العلوم إلى القارئ المصري، وشرح نهضة الفرنسيين العلمية، ومدى إقبالِهم على الدرس والتحصيل، وفي هذه الرحلة أيضًا تَرجم رفاعةُ الدستورَ الفرنسي الذي وضعه «لويس الثامن عشر»، وسمَّاه «الشرطة».١٣٧
وفيها أيضًا ترجَم بعضَ الأشعار الفرنسية إلى شعر عربي، وبعضُ هذا الشعر لشعراء مجهولين، وبعضُه أبيات «من القصيدة المسماة نظم العقود في كسر العود، للخواجة يعقوب، المصري منشأً، الفرنساوي استيطانًا».١٣٨
وقد ذكر رفاعة أنه ترجمَها في سنة ١٢٤٢ / ١٨٢٦-١٨٢٧، أي بُعيد وصوله إلى باريس بقليل، وقد أحسَّ رفاعة أن الشعر يفقد كثيرًا من روعته إذا تُرجم من لغة إلى أخرى؛ فقال في نهاية القصائد التي ترجمها: «وهذه القصيدة كغيرها من الأشعار المترجمة من اللغة الفرنساوية عالية النفس في أصلها، ولكن بالترجمة تذهب بلاغتُها، فلا تُظهر علوَّ نفس صاحبها، ومثلُ ذلك لطائف القصائد العربية؛ فإنه لا يمكن ترجمتُها إلى غالب اللغات الإفرنجية من غير أن يذهبَ حسنُها، بل ربما صارت باردة …»١٣٩
ولم تقتنعْ لجنةُ الامتحان بهذه الجهود المكتوبة ورأتْ أن تختبرَه اختبارًا شفهيًّا لتتأكَّد من مقدرته على الترجمة الصحيحة، فأحضرتْ له بعضَ الكتب المطبوعة في بولاق، فترجَم بعضَ فقراتها بسرعة، «ثم قرأ بالفرنساوي مواضعَ، منها ما هو صغير، ومنها ما هو كبير في كازيطة مصر المطبوعة في بولاق»١٤٠ (يقصد الوقائع المصرية).
وبهذا تمَّ اختبارُه في الترجمة عن العربية إلى الفرنسية، ثم أعطتْه اللجنةُ النصَّ العربيَّ للرسالة التي ترجمَها عن «عمليات رؤساء الضباط العسكرية»، وأمسك أحدُ أعضاء اللجنة بالنص الفرنسي، وأعاد رفاعةُ ترجمةَ النصِّ الذي بيده إلى الفرنسية، والممتحنون يُقابلون بين ما يقول وبين النصِّ الأصلي الذي بأيديهم، ووفِّق في ترجمته، وقررت اللجنةُ «أنه تخلَّص من هذا الامتحان على وجْه حسن، فأدَّى العباراتِ حقَّها من غير تغيير في معنى الأصلِ المترجَم»،١٤٠ ولكنها أخذتْ عليه أنه «ربما أحوجَه اصطلاحُ اللغة العربية أن يضعَ مجازًا بدل مجاز آخر، من غير خلل في المعنى المراد، مثلًا في تشبيه أصل علم العسكرية بمعدن مشبع يستخرج منه كذا، غيَّر العبارة بقوله علم العسكرية بحرٌ عظيم يُستخرج منه الدرر، وقد اعتُرض عليه في الامتحان بأنه بعض الأحيان قد لا يكون في ترجمته مطابقة تامة بين المُترجَم والمُترجَم عنه، وأنه ربما كرَّر، وربما ترجم الجملة بجمل، والكلمة بجملة، ولكن من غير أن يقع في الخلط، بل هو دائمًا محافظ على روح المعنى الأصلي، وقد عرَف الشيخ الآن أنه إذا أراد أن يُترجم كتبَ علوم، فلا بد له أن يترك التقطيع، وعليه أن يخترع عند الحاجة تغييرًا مناسبًا للمقصود.»١٤١
وبنفس الطريقة اختُبر في كتاب آخر مما ترجمه، وهو «مقدمة القاموس العام المتعلقة بالجغرافية الطبيعية»، ولاحظتِ اللجنةُ أن ترجمةَ هذا الكتاب ضعيفة، ولكنها التمستْ لرفاعة العذرَ؛ لأنه ترجمه بُعَيد وصوله إلى فرنسا، ولم يكن قد وصل حينذاك إلى «درجته الآن في اللغة الفرنساوية»؛ ولهذا كانت ترجمتُه لهذا الكتاب أضعفَ من ترجمته للكتاب السابق، «وكان عيبُه أنه لم يحافظ على تأدية عبارة الأصل بجميع أطرافها، وعلى كل حال فلم يُغيِّر في المعنى شيئًا بل طريقته في الترجمة كانت مناسبة.»١٤٢ وتفرَّق الممتحنون أخيرًا وهم مجمعون على إتقانه صناعةَ الترجمة، وعلى «أنه يمكنه أن ينفع في دولته بأن يُترجم الكتب المهمة المحتاج إليها في نشْر العلوم، والمرغوب في تكثيرها في البلاد المتمدنة …»١٤٢
اجتاز رفاعةُ الامتحان بعد أن قضى في فرنسا ٥ سنوات طوال، أقبل فيها على الدرس والتحصيل إقبالَ الطالبِ المجدِّ المحبِّ لعمله، وقد قرأ في هذه السنوات كتُبًا شتى في علوم متباينة، وترجَم الكثير من هذه الكتب، ولكنه — متأثرًا بميله الخاص وبدراسته الأدبية الأولى في الأزهر — شُغف أكثر ما شُغف بعلمَي التاريخ والجغرافيا، ورشَّح نفسَه لترجمة هذين العِلمين، فهو يقول في خاتمة رحلته: «وإن شاء الله تعالى بأنفاس وليِّ النعم يصير التاريخُ على اختلافه منقولًا من الفرنساوية إلى لغتنا؛ فقد تكفَّلْنا بترجمة علمَي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة بمشيئة الله تعالى، وبهمَّة صاحب السعادة محبِّ العلوم والفنون حتى تُعَدَّ دولتُه من الأزمنة التي تُؤرَّخ بها العلوم والمعارف المتجددة في مصر مثل تجددها في زمن حلفاء بغداد …»١٤٣
في رمضان سنة ١٢٤١ غادر رفاعةُ الإسكندرية مرتحلًا إلى فرنسا، وفي رمضان سنة ١٢٤٦ غادر باريس عائدًا إلى مصر، خمس سنوات كاملة تغيَّر فيها الشيخُ عقلًا وعلمًا وتفكيرًا وآمالًا، ولكنه لم يتغيَّر، بل لم يتأثَّر دينًا وأخلاقًا، يقول علي مبارك: «ولم تؤثِّر إقامتُه بباريز أدنى تأثير في عقائده، ولا في أخلاقه وعوائده …»١٤٤
وفي الإسكندرية تشرَّف بمقابلة إبراهيم باشا فرحَّب به؛ لأنه سمع عنه ثناءً جمًّا أثناءَ زيارته لباريس، ولأنه كان يعرف أسرتَه في طهطا معرفةً وثيقة، وفي ختام المقابلة وعدَه إبراهيم باشا «بدوام الالتفات إليه»،١٤٥ وأنعم عليه بستة وثلاثين فدانًا في الخانقاه، فكانت أول مكافأة نالها رفاعة على جدِّه واجتهاده، وأولُ الغيث طلٌّ.
وسافر إلى القاهرة وحَظيَ بمقابلة وليِّ النعم محمد علي باشا، وكان محمد علي قد عرَفه معرفةً أكيدة من تقارير «مسيو جومار» الكثيرة عنه، وكلُّها مدحٌ وتقريظٌ لجهوده وتقديرٌ لعمله، وفي هذه المقابلة لَقيَ رفاعةُ من مولاه كلَّ عطف وتشجيع، «ورأى من ميله إليه ما حمله على الثقة بنجاح المبدأ والنهاية»،١٤٤ وصدَر أمرُه العالي بتعيينه مترجمًا بمدرسة الطب، فكان أولَ مصري يُعيَّن مترجمًا بهذه المدرسة؛ فقد كانت هيئة المترجمين جميعًا حتى ذلك الوقت من السوريين كما سبق أن ذكرْنا؛ لهذا لم يلبثْ رفاعة أن تفوَّق عليهم في عمله؛ فهو يُتقن العربية إتقانًا لا يُدانيه فيه أحدٌ من هؤلاء المترجمين السوريين وهو يُجيد الفرنسية مثلما يُجيدونها، وترجمتُه في النهاية صحيحةٌ سليمة لا تحتاج — كترجمة السوريين — إلى مراجعة أو تصحيحِ شيخٍ من شيوخ الأزهر المحررين بالمدرسة.
لبِث رفاعةُ مترجمًا في مدرسة الطب نحو سنتين، ولكنه يبدو أنه كان في هذه المدرسة مصحِّحًا ومحرِّرًا أكثر منه مترجمًا؛ إذ لم يُعرف أنه ترجم في الطب غير الرسالة١٤٦ الصغيرة التي ترجمها وهو في باريس وضمَّنها رحلتَه، ولكنه قام في هذه الفترة بمراجعة كتاب «التوضيح لألفاظ التشريح» في الطب البيطري،١٤٧ الذي ترجمَه يوسف فرعون وصحَّحه مصطفى كساب؛ فقد قرَّر مجلس الجهادية في ٢٠ جمادى الأولى سنة ١٢٤٨ «بناءً على ما ورد على مجلس المشورة في مدرسة الطب البيطري الموافقة على طبْع كتاب التشريح الذي تُرجم بعد مراجعة الترجمة بمعرفة الشيخ رفاعة أفندي وهرقل البيكباشي واتضاح صحتها …»١٤٨ وقد ذكر في خاتمة الكتاب أنه تمَّ ترجمةً في التاسع عشر من شعبان سنة ١٢٤٧، وأنه تمَّ طبْعًا في بولاق في غرة صفر سنة ١٢٤٩،١٤٩ وفي سنة ١٢٤٩ نُقل رفاعة من مدرسة الطب ليكون مترجمًا بمدرسة الطوبجية١٥٠ بطرة خلفًا للمستشرق الشاب «كنيك Kening»، وفي هذه المدرسة قام رفاعة بترجمة بعض الكتب الهندسية والجغرافية اللازمة لمدرسة الطوبجية وغيرها من المدارس الحربية، فأتمَّ أولًا ترجمةَ كتابِ مبادئ الهندسة١٥١ الذي طبُع في سنة ١٢٤٩.
أما علمُ الجغرافيا، وهو العلم الحبيب إلى رفاعة منذ كان يتلقَّى العلم في باريس؛ فقد كان علمًا هامًّا وضروريًّا لتلاميذ المدارس الحربية، ولم يكن في متناول أيديهم حتى ذلك الحين كتابٌ واحد في هذا العلم باللغة العربية أو التركية، فأشار «سكورابيك» Don Antoni de Seguera ناظر المدرسة بأن يُعيدَ طبْعَ كتاب «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وهو كتابٌ جغرافي صغيرٌ سبَق أن طُبع في مالطة، غير أن رفاعة وجَد أن عبارة الكتاب «مالطية وحشية»، فأعاد تصحيحَها وتحريرَها حتى خرجت الطبعةُ الثانية «بالنسبة للعبارة أظرفَ من طبعة مالطة وأجمل»، ومع هذا فإنَّ رفاعة لم يقنع بأن يعتمدَ على مجهود غيرِه، وقد كان في عزمه منذ عاد من البعثة أن ينقلَ كتُبَ الجغرافية التي قرأها إلى العربية؛ فبدأ بترجمة كتاب خاص، أسماه «التعريبات الشافية لمريد الجغرافية»، وهو كما يتضحُ من مقدمته، أصول دروسه في هذا العلم تخيَّرها من كتب فرنسية مختلفة — لا من كتاب واحد — وألقاها على تلاميذ مدرسة خاصة أُنشئت فيما يبدو ملحقة بمدرسة طرة لتدريس علم الجغرافية ولتخريج مدرِّسين مختصين في هذا العلم يتولون تدريسه في المدارس الحربية الأخرى.
لم تُشر المراجعُ التي كُتبت عن تاريخ التعليم في عصر محمد علي إلى هذه المدرسة ولكن بعض وثائق العصر أشارتْ إلى وجودها وأيَّد هذا الوجودَ رفاعةُ نفسُه في مقدمته للكتاب السابق الذكر؛ فقد صدَر أمرٌ من محمد علي باشا إلى ناظر الجهادية في ١٤ جمادى الآخرة سنة ١٢٥١ (قُبيل إنشاء مدرسة الألسن) بتعيين «عبده» مدرِّسًا للجغرافية بمكتب البيادة بدمياط، وهو ضمنُ الأربعة المتمِّمين السابق إرسالُهم لطرة للقيام بتدريس (يقصد تعلم) الجغرافية بمدرستها، وهم من الذين ربَّاهم الشيخ رفاعة، وإرسال ١٠ شبان للشيخ لتربيتهم.١٥٢

وهذه كما يتضحُ من الأمر السابق لم تكن مدرسةً بالمعنى الصحيح، ولكنها لم تَعْدُ أن تكون فصلًا ملحقًا بمدرسة المدفعية خُصِّص لتعليم بعض الطلبة علْمَ الجغرافية، ليتخرَّجوا مدرِّسين لهذا العلم في المدارس الحربية الأخرى، غيرَ أن رفاعة يسمِّي هذا الفصل مدرسة، ويذكر أنها أُنشئت بموافقة «مشورة الجهادية» لتعليم الجغرافيا والتاريخ، فلا بأس إذن من أن نحاولَ شرْحَ الأسباب التي أدَّتْ إلى فتْح هذا الفصل أو المدرسة، فإنها في نظري النواةُ التي نشأتْ عنها مدرسةُ الألسن بعد قليل.

لم يكن رفاعة على اتفاق مع «سكويرا بك» ناظر المدرسة، فقد عُرف هذا الرجل باعتداده الزائد بنفسه، وبحدَّة طبعِه، وبعدائه للفرنسيين، وبالتالي للمثقفين ثقافة فرنسية، فهو إسباني الأصل، وكان — قبل حضوره إلى مصر — ضابطًا برتبة «كولونيل» في سلاح المدفعية في الجيش الإسباني، وإليه كما يقول الدكتور عزت عبد الكريم «يرجع الفضل في إنشاء المدفعية المصرية، ومدرسة المدفعية بطرة»، غير أنه للأسباب السابق ذكرُها كان يرفض أن يستمع لأوامر مختار بك مدير المدارس، كما كان يكره سليمان باشا مفتش الحربية كرهًا شديدًا، ويطعن في معارفه العسكرية، وخاصة في فنِّ المدفعية، وقد أدَّت هذه السياسة، وهذا الخُلق، إلى عزْله في سنة ١٨٣٦ / ١٢٥١، ففي تلك السنة صدرتْ أوامرُ محمد علي بتكوين لجنة لتنظيم التعليم في مصر، ورأت اللجنةُ أن يكتب كلُّ عضو فيها اقتراحاتِه، ثم يجتمع الأعضاءُ فينظرون في هذه المقترحات مجتمعين، ولكن «سكويرا بك» رفض وحدَه هذا الرأي، قائلًا إنه لا يخضع لرأْي غيره، ولا يعمل إلا ما يراه هو، «فكان ذلك سببَ عزلِه لاعتباره أجنبيًّا عن مصلحة الجناب العالي، وليس من العقل ائتمانُ الأجنبي المتجنب على المصالح، كما كان عزله سببًا في طاعة بقية نُظَّار المدارس، فانصرفوا يُنفِّذون القرار، ويُدوِّنون مقترحاتِهم».١٥٣
لم يكن من المنتظر إذن أن تُحسن العلاقاتُ بين رفاعة وبين هذا الناظر المتعجرف، وكان رفاعةُ قد شُغف منذ كان طالبًا في باريس بدراسة وترجمة علمَي التاريخ والجغرافيا، ورسَم لنفسه أن يقومَ بترجمة الكتُبِ فيهما بعد عودتِه؛ فقد قال في رحلته «وإن شاء الله تعالى بأنفاس ولي النعم يصير التاريخُ على اختلافه منقولًا من الفرنساوية إلى لغتنا، وبالجملة فقد تكفَّلْنا بترجمة علمَي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة، بمشيئته تعالى، وبهمَّة صاحب السعادة محب العلوم والفنون …»١٥٤ فلعله رفَع — وهو يدرس الجغرافيا بمدرسة طرة — إلى محمد علي باشا، أو إلى مشورة الجهادية اقتراحَه بأن يُنشئَ مدرسةً لتدريس هذين العلمَين وترجمتهما، ولعل المشورة وافقتْ على إنشاء هذا الفصلِ كتجربة، فإذا تبيَّن نجاحُه أكملتْه، وزادت في اختصاصه. يقول رفاعة في مقدمة «التعريبات الشافية» موضحًا لهذه الفكرة، وداعيًا لها، ومبيِّنًا للغرض من ترجمة هذا الكتاب، وطريقة ترجمته: «… لما سمحت مشورةُ الجهادية، ذات الآراء السنية الذكية، أن أفتح لفنون الجغرافيا والتاريخ مدرسةً تكون على قراءة هذه العلوم مؤسسة، لتشتهر ثمراتُها الزاهرة، في أيالات أفندينا الفاخرة العامرة، فإن ذلك مما تدعو الحاجةُ إليه ويتأكد العملُ به والوقوفُ عليه، لا سيما لأرباب الدولة والسياسة المدنية، وأصحاب التدبير والإدارة الملكية، وأصول أهل المناصب وضباط الطوائف العسكرية، وكامل ذوي الصنايع والحِرَف والمهمات التجارية، فكلُّ مَن تأمَّل فيها وعرَف، رَقيَ فيها إلى أعلى مراتب الفضل والشرف، على أن كثيرًا منها ما تُبنَى عليه أحكام شرعية، وحِكَم وآداب عرفية وقوانين بين سائر ملوك البرية، فهو لمثل هذا الغرض، يُعدُّ عند أرباب الصناعة من المفترض، أخذت عدَّة تلامذة لهذا المعنى الممدوح، وتوجَّهت بالقلب والقالب لتعليمهم بصدر مشروح، وليس بيدي من كتب الجغرافيا شيءٌ باللغة العربية يحتوي على التفصيل والترتيب على نسقِ ما في الكتب الإفرنجية؛ فلهذا اعتمدتُ كتابًا موجزًا في هذا الفن النفيس، موضوعًا لمدارس مبادئ العلوم بمدينة باريس، وشرعتُ في ترجمته درسًا بعد درس لهذا القصد حتى لا يضيعَ السعي ولا يخيب الجدُّ، ولما رأيتُ أن مؤلفه أطنب في أوروبا لكونها وطنَه، وأوجز في غيرها حيث لم تكن دارَه ولا سكنَه، فبهذا الوصف لا يكون لنا كافيًا، ولا لغليل المتطلعين إليه شافيًا، وكنت أُطلعتُ على غيره من كتب العلوم الجغرافية، ومارستُ كثيرًا منها، وراعيتُها حقَّ رعايتها مدةَ إقامتي بمملكة الفرنساوية، أردتُ أن أُتمَّ المرامَ بتخليص ما يناسب المقام، حتى تحصلَ الموازاةُ والموازنة، والمعادلةُ والمقارنة …» إلى أن قال: «وإن شاء الله يترجَم من اللغة العربية إلى اللغة التركية؛ حتى تكون ثمرته عامة جلية، وأسأله تعالى أن يجعلَه من المؤلفات المطلوبة والمصنفات المرغوبة في سائر مدارس أفندينا الناجحة … إلخ.»١٥٥
ولعل الأمر الصادر من محمد علي في ٥ ذي الحجة سنة ١٢٤٩ «بطبْع ألف نسخة من كتاب الجغرافيا المترجَم عن الفرنسية للعربية بمعرفة الشيخ رفاعة»، خاصٌّ بذلك الكتاب؛ فقد تمَّ طبعُه في سنة ١٢٥٠، وهو أول ما تُرجم من الكتب الجغرافية، وقد أُشير في نفس الأمر إلى طبْع «ألف نسخة من الأطلس بعد إتمام ترجمتِه بمعرفة المذكور»؛ وذلك «لما في هذين الكتابَين من المنفعة الكلية التي تعود على تلامذة المدارس»، غير أنني لم أعثر في فهارس الكتب العربية المطبوعة على أثر لهذا الأطلس،١٥٦ فلعله لم يتمَّ ترجمة، أو لعله تُرجم ولم يُطبَع.
انتهى رفاعة من ترجمة هذا الكتاب في الشهر الأخير من سنة ١٢٤٩، ثم أسلمه للمطبعة في أوائل ١٢٥٠، فطُبع، وكان قد قدَّم للمطبعة في هذه السنوات الثلاث التي مرَّت منذ عودته من فرنسا (١٢٤٦–١٢٤٩) كتابَين مما تُرجم وهو في باريس، وهما:
  • (١)

    كتاب المعادن النافعة، تأليف «فرارد»، وهو رسالةٌ صغيرة في ٤٧ صفحة من القطع المتوسط، ذكر رفاعةُ في خاتمته أنه ترجمَه «بمشورة جناب مسيو جومار، ناظر الأفندية بباريس، ومحب الديار المصرية وعزيزها ولي النعم»، وقد تمَّ طبْعُ هذا الكتاب في بولاق في شوال سنة ١٢٤٨.

  • (٢)

    «قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر» وهو رسالةٌ صغيرة أيضًا تقع في ١١٢صفحة من القطع المتوسط، ذكر رفاعةُ أنه ترجمها إجابةً لطلب المسيو «جومار»؛ فقد قال في مقدمته ص٥٣: «قد اشتهر بين الخاص والعام أن طائفةَ الإفرنج قد امتازت الآن بين الطوائف بالتجارات والمخالطة لسائر البلاد، بل لقد اتخذت معرفةَ البلاد وأحوالها سببًا، وانتخبت بذلك نخبًا، فاتسعت معارفها في الجغرافيا والميقات، ولا زالت في الزيادة في العلوم على سائر الأوقات، فلا سبيل حينئذٍ في معرفة أحوال البلدان والخلائق إلا بنقلها عمن حققها من الإفرنج، ولا شك أن من أعلم الإفرنج وأحكمهم طائفةَ الإفرنسيس؛ فإنها الآن بلادُ الفنون والمصانع من غير شك وتلبيس، ولما كان للفقير معرفةُ هذه اللغة، وفيه ملكة مطالعة عظيم كتُبها وتمييز الغثِّ من الثمين، طلَب منِّي الخواجة «جومار» مديرُ تعليم الأفندية المصريين المبعوثين من طرف حضرة وليِّ النعمة إلى باريس كرسي الفرنسيس أن أُترجم إلى العربية كتابًا لطيفًا يسمَّى بما معناه ديوان قلائد المفاخر … إلخ. فأجبتُه لذلك علمًا بأنه نصوحٌ في محبة أفندينا وليِّ النعم، ومحبٌّ لبلاد مصر كأنها وطنه … ولما كان هذا الكتاب غيرَ مقصور على مجرد نقل العوائد، بل هو مشتمل على استحسان واستقباح بعضها، أشار عليَّ مدير التعليم المذكور أن أحذف ما يذكره مؤلف الكتاب من الحطِّ والتشنيع على بعض العوائد الإسلامية، أو مما لا ثمرةَ لذكرِه في هذا الكتاب … إلخ.»

وقد ذكر رفاعةُ في خاتمة الكتاب أنه أتمَّ ترجمته في يوم الاثنين من العشر الأوائل من جمادى الآخرة سنة ١٢٤٥ — أي وهو في باريس — وأنه تمَّ طبعًا في بولاق في غرة شعبان سنة ١٢٤٩.١٥٧
ولم يذكر رفاعة — في المقدمة أو الخاتمة — اسمَ مؤلف الكتاب، وقد رجَّح مسيو بيانكي Bainchi أنه من تأليف Depping؛ فقد قال عند ذكر هذا الكتاب في قائمته Ceci, est, je pense, l’ouvrage de Depping, intitulé: “Mœurs et usage des nations”.
وقد أكَّد رفاعة هذا الترجيحَ؛ فقد أورد في رحلته ترجمةَ رسالةٍ وصلتْه قبيل عودته إلى مصر من المستشرق الفرنسي مسيو «رينو Reinaud» جاء فيها «… قد حملني مسيو «دبنغ» أن أسألَ عن ترجمتك لكتاب العلوم الصغيرة المشتمل على أخلاق الأمم وعوائدهم وآدابهم؛ لأن مسيو «دبنغ» مؤلف هذا الكتاب، فإذا كانت ترجمتُك تنطبع في مصر، هل يتيسَّر لمؤلف الأصل أن يُقيِّد اسمَه لتحصيل عدة نُسَخ من هذا الكتاب بالشراء …»١٥٨

وهكذا كان رفاعة بعد عودته، كما كان قبل عودته دائمَ العمل دائبَ النشاط؛ فقد استطاع في السنوات الثلاث التي تلتْ عودتَه أن يُراجعَ كتُبًا مترجمة في الطب والجغرافية، وقدَّم للمطبعة كتابَين مما ترجم في باريس، أحدهما في علم المعادن، والثاني في علم الاجتماع، وترجَم كتابَين جديدين طُبِعَا أيضًا في بولاق، أولهما في الهندسة، وثانيهما في الجغرافية، واستطاع بعد هذا كلِّه أن يُوفَّق لفتْح مدرسة صغيرة تولَّى وحده فيها تدريسَ علمَي التاريخ والجغرافيا.

وفي أوائل سنة ١٢٥٠ ظهَر في مصر مرضُ الطاعون، وانتشر في القاهرة وكثيرٍ من البلدان الأخرى فطلب رفاعةُ إجازةً وسافر إلى بلده طهطا، ولبِث هناك نحو ستة أشهر، زار في خلالها الأهلَ والأقارب، ولكنه لم ينعمْ في خلالها بالراحة، بل حمل معه الجزءَ الأول من جغرافية ملطبرون Malte Brun وكان قد بدأ فترجم منه صفحاتٍ وهو في باريس، فأكمل ترجمةَ الجزء الأول كله، يقول في المقدمة: «وكان ذلك في نحو سبعة أشهر مع تراكم غيرِه من الأشغال عليَّ؛ من ترجمة هندسة، أو طبْع ما كان وقت تعريبه بين يديَّ.» ويتضح من مقدمة هذا الجزء أن رفاعة عرَض على محمد علي رغبتَه في ترجمة هذا الكتابِ، فطلب منه الباشا أن يُترجمَ هذا الجزء في مدة لا تزيد عن هذه الشهور السبعة؛ ولهذا بذَل رفاعةُ الجهدَ كلَّ الجهد ليفيَ بوعده، وقد فعل؛ وذلك «قصدًا لكسب رضاء وليِّ النعم الأكرم، الذي أمر بترجمته في نحو هذا الزمن وحتَّم».١٥٩ وقد عاونه في تبييض الكتاب وتحريره أثناءَ الترجمة الشيخُ محمد هدهد الطنتدائي؛ «فقام بواجبات هذه الوظيفة وزيادة من غير ارتياب، وربما تصرَّف بعد مشاورتي في بعض عبارات، وأشار عليَّ بتغيير ما يظنُّ أنه يعسر فهمُه على مَن لم يسبق له في هذا الفن علمه، فأجبتُه حيث قام عندي على صحة ذلك أماراتٌ … إلخ.» ١٦٠
تقدَّم رفاعةُ بهذا الجزء من الجغرافيا العمومية إلى محمد علي، فحاز الكتابُ القبولَ وحاز رفاعةُ الرضاء؛ فقد كان محمد علي معنيًّا منذ بدأتْ حربُ الشام الأولى بالكتب والمنشورات الجغرافية، يريد أن يعرف — وهو يبني مُلكَه الجديد — أين هو من الشرق القديم المنحلِّ، وأين هو من الغرب الجديد الناهض، وفي الوثائق المعاصرة شواهدُ كثيرة على هذه العناية؛ فقد كتب سامي بك إلى الديوان الخديوي في ١٢ جمادى الأولى سنة ١٢٤٨ يُخبره برغبة الجناب العالي في الاطلاع على خرائط الشام والأناضول، وبوجوب استدعاء أرتين أفندي للتفتيش على هذه الخرائط في خزينة الأمتعة، أو في خزينة القصر العيني، أو في أيِّ محل آخر.١٦١
وبعد عشرة أيام من هذا الخطاب (٢٢ جمادى الأولى) صدَر أمرٌ من محمد علي إلى حبيب أفندي أشار فيه إلى أنه سبَق أن طلَب منه «خرائط رسم عن بر الشام والأناضول، وأنه علم مما ورد منه عدمَ وجود ذلك.» وأشار في هذا الأمر إلى أنه متذكر وجود أطلس فلمنك، وآخر فرنساوي به رسمُ جميع الكرة الأرضية، فيجري البحثُ عن هذين الكتابَين بخزينة الأمتعة أو بمحل وجودها، وإرسالها لطرفه متى وجدت.١٦٢
وفي ١٨ ذي القعدة سنة ١٢٤٨ كتَب إبراهيم باشا إلى سامي بك يأمره «بوجوب ترجمة الجغرافيتَين البرية والبحرية بمعرفة اسطفان أفندي وأرتين أفندي، وبوجوب حفر الخرائط اللازمة بمعرفة الشيخ أحمد العطار الذي عاد من باريز.»١٦٣
وفي ٥ ذي الحجة سنة ١٢٤٩ صدَر أمرٌ من محمد علي إلى وكيل الجهادية بطبْع ألف نسخة من كتاب التعريبات الجغرافية، «وكذلك ألفُ نسخة من الأطلس بعد إتمام ترجمته بمعرفة المذكور لما في هذين الكتابَين من المنفعة الكلية.»١٦٤
وفي غرة ذي القعدة سنة ١٢٥٠، أُرسلت إلى بوغوص بك إفادةٌ سنية، تقضي بتقديم خريطةِ نهر الفرات ونواحيه إلى المقر العالي.١٦٥

كانت الفرصةُ سانحة إذن — ومحمد علي مُعنًى هذه العناية بالدراسات والرسوم الجغرافية — أن يتقدَّم إليه رفاعةُ باقتراحه الجديد لتحقيق أمنيته القديمة، كان ذلك الاقتراحُ يتلخص في أن يُؤذن لرفاعة بافتتاح مدرسة للترجمة تُعلَّم فيها الألسن الشرقية والغربية، وبعض المواد المساعدة؛ كالتاريخ والجغرافية والرياضة، ليقومَ خرِّيجوها بترجمة الكتب في العلوم المختلفة.

ووافق محمد علي وأُنشئت المدرسة في أوائل سنة ١٢٥٠، وكان عددُ تلاميذها وقتَ إنشائها خمسين تلميذًا، تولَّى رفاعة اختيارَهم بنفسه من مكاتب الأقاليم، ثم زاد هذا العددُ إلى ٨٠، ثم إلى مائة وخمسين، ونقص في سنة ١٨٤١ إلى ٦٠ تلميذًا، ويقول الدكتور عزت عبد الكريم: «وظلَّت مدرسةُ الألسن محتفظةً بنحو هذا العدد حتى نهاية عصر محمد علي.»١٦٦

وفي سنة ١٢٥٥ / ١٨٣٩ اكتملت المدرسةُ فأصبحت تتكوَّن من ٥ فِرَق، وخرجت الدفعة الأولى، وبدأ تلاميذُها وخريجوها يُترجمون الكتبَ في العلوم المختلفة.

وفي سنة ١٢٥٨ / ١٨٤١ أُنشئ قلمُ الترجمة ملحقًا بمدرسة الألسن وتحت إشراف رفاعة.

ستة عشر عامًا ظلَّ فيها رفاعةُ ناظرًا للألسن، ومدرِّسًا بها، ومديرًا لها، ومشرفًا على قلم الترجمة، ومصحِّحًا لجميع الكتب التي ترجمها تلاميذُه مما سنوضحه عند كلامِنا عن المترجمين من خريجي الألسن.

ومع هذا فقد كان يلجأ إليه المترجمون من أعضاء البعثات في المدارس الخصوصية الأخرى لمراجعة ما يُترجمون من كتُب، فقام — وهو يُدير الألسن — بمراجعة وتصحيح كتُب مختلفة في الطب والجغرافية، والرياضيات.

ففي سنة ١٢٥٢ / ١٨٣٧ تَرجم محمد أفندي عبد الفتاح كتابَ «تحفة القلم في أمراض القدم» (طب بيطري)، وقابلَه على أصله الفرنسي العمدةُ الفاضل «والحجة الكامل، من لا ينازعه في الفصاحة منازع، حضرةُ رفاعة أفندي رافع»، وفي سنة ١٢٥٧ ترجَم نفسُ المترجم كتابَ «نزهة المحافل في معرفة المفاصل، وبعد أن قام على تصحيحه الشيخُ مصطفى كساب، قابلَه على أصله الفرنساوي قدوة الأفاضل، وعدة الأماثل، اللوذعي البارع، رفاعة أفندي رافع».

ولما عاد السيد أحمد الرشيدي من بعثته الطبية عَهِد إليه ديوانُ المدارس بترجمة كتاب «الدراسة الأولية في الجغرافيا الطبيعية»، ومع امتيازِه في الترجمة، وحذْقِه للغة العربية رأَى ألَّا يُقدِّمَ الكتابَ إلى المطبعة إلا بعد أن يراجعَه مدرِّسُ الجغرافيا، ومترجِمُ كتُبِها رفاعةُ أفندي. يقول الرشيدي في خاتمة كتابه: «ولما كمل حسب الطاقة تصحيحًا، وتمَّ تهذيبًا وتنقيحًا، رأيتُه يحتوي على أسماء بلاد كثيرة وأنهار، ونحو ذلك، لستُ في ترجمتها إلى العربية قويَّ البضاعة؛ لأني وإني كنتُ درستُ أصولَ الجغرافيا بالأوروبا إلا أنني لم أتخذْها صناعةً، فجزمتُ أن لا مردَّ لها إلا العمدة الفاضل والسيد الكامل، الحاذق اللبيب، والنحرير النجيب رفاعة أفندي معلِّم الجغرافيا الطبيعية، ومَن له في هذا الفنِّ التآليف والتراجم البهية، فأعرضتُ (كذا) للديوان أن لا بد من مقابلته مع هذا الهمام، فأُجبتُ لذلك وبلغتُ من سؤالي المَرام، وقابلتُه معه على أصله مع غاية الانتباه والإتقان … إلخ.»١٦٧ وقد طُبع هذا الكتاب في شهر ربيع الأول سنة ١٢٥٤.
وفي سنة ١٢٥٧ تَرجم أحمد أفندي فايد المدرس بالمهندسخانة كتابَ «الأقوال المرضية في علْم بنية الكرة الأرضية»، وقام على تصحيحه الشيخُ إبراهيم الدسوقي، ثم قُوبلتْ ترجمتُه بأصله على حسب الاقتدار على يد مصطفى بهجت أفندي، ورفاعة أفندي بأمر المختص من المعارف بالنفائس، سعادة أدهم بك مدير ديوان عموم المدارس.١٦٨
وفي هذه الفترة أيضًا — في سنة ١٢٥٧ — عُهد إلى رفاعة بتنظيم صحيفة الوقائع المصرية والإشراف على تحريرها، فأحدَث فيها تغييراتٍ جمَّة، وخطَا بها وبتحريرها خطواتٍ واسعات؛ ففي تلك السنة اجتمعتْ لجنةٌ مكوَّنة من «سعادة مدير المدارس والبيك الترجمان وكاني بك، ومحمود بك مدير الإيرادات وغيرهم»، وذلك للنظر — تنفيذًا لرغبة الجناب العالي في «وضع خطة سديدة تضمن صدورَ الوقائع على الوجه الأكمل كما هو الحال في الممالك الأخرى»،١٦٩ ورأت اللجنة بعد اجتماعها في ٢٧ ذي القعدة سنة ١٢٥٧ / ١١ يناير ١٨٤٢، أن الغرضَ من طبْع الوقائع إنما هو لنشْر الأخبار الحديثة على الناس حتى يستفيدَ منها كلُّ إنسان، ولا يجب الاكتفاءُ بنشر أخبار مصر فحسب، وقد أصبح من اللازم إضافةُ بندٍ للحوادث الخارجية في الجريدة حتى يتقبلَها الناسُ برغبة وشوق … وحيث إن نشْر مثل هذه الأخبار يتوقَّف على قراءة الجرائد التي تُنشر في الخارج ويستوجب أن يكونَ الموظف المشرف على ترتيب الجريدة وتنظيمها ملمًّا باللغتين؛ وعلى ذلك فقد تقرَّر إحالةُ أعمال ترجمة المواد المناسبة من الجرائد وعلاوة بعض قطع أدبية من الكتب الأدبية وانتخاب أخبار الملكية وترتيب الجريدة المصرية بصفة عامة على حضرة الشيخ رفاعي أفندي ناظرِ مدرسة الألسن؛ لوجود مترجمين جاهزين في هذه المدرسة، وحيث إن حضرة الشيخ رفاعي سيضع أصولَ الجريدة بحسب اللغة العربية، فتُحال أعمالُ إفراغ الترجمة في قالب حسن بدون الإخلال بالأصل العربي وتنظيم المواد حسب النظام التركي على حضرة حسين أفندي ناظرِ المطبعة العامرة، وحيث إن الحوادث الأجنبية معتادٌ تقديمها إلى الجناب العالي بعد ترجمتِها إلى اللغة التركية فيُكلَّف البك المترجم بانتخاب المناسب منها، وإرسال صورها إلى ديوان المدارس، فبهذه الطريقة يمكن نشرُ الجريدة أسبوعيًّا.١٧٠
وهكذا عُهد إلى رفاعة تنفيذًا لهذا القرار الصادر في ٢٧ ذي القعدة١٧١ سنة ١٢٥٧ أعمال ترجمة المواد المناسبة من الجرائد الأجنبية، وعلاوة بعض قِطَع أدبية من الكتب الأدبية، وانتخاب أخبار الملكية، وترتيب الجريدة المصرية بصفة عامة. وقد قام رفاعة بهذا العمل الجديد خيرَ قيام، وطبَع الوقائعَ في عهد تحريره لها بطابع جديد مستعينًا في هذا بخبرة طويلة، وثقافة فرنسية وعربية واسعة، قدَّر هذا التأثيرَ الجديد، وهذه الجهود الفذَّة الدكتورُ إبراهيم عبده في كتابه عن تاريخ الوقائع المصرية، فقال: «وكان لمكانة رفاعة الطهطاوي أثرٌ كبير في تقدير الصحيفة واعتبارها، واحترام لغة البلاد فيها، فإن مكانَ اللغة قد تبدَّل، فأصبحت العربيةُ في الناحية اليمنى تتصدَّر في الجريدة صفحاتها الأربع، وأخذت التركية مكانَ اليسار.»١٧٢
وقال أيضًا: «وقد استطاع رفاعةُ أن يفرضَ وجوده وشخصيته في تحرير الجريدة بالرغم من تعيين الحكومة لأرتين بك مشرفًا على أخبارها الداخلية فيما بعدُ، بحيث تمكَّن من إهماله والانتصار عليه … ومن أهمِّ ما لاحظناه منذ تعيين الطهطاوي أن ناظر الوقائع أصبَح في المرتبة الثانية بالنسبة لمحررها، وقد بذل رفاعةُ جهدَه في رعاية الصحيفة، وأضاف فيها، وحوَّرها تحويرًا يليق بفهمه، ويتصل بإدراكه، واستعان في ذلك بفئة من المحررين، أهمُّهم أحمد فارس الشدياق، والسيد شهاب الدين تلميذ العطار ومساعده.»١٧٣
على أن المظهرَ الهامَّ حقًّا الذي ظهرتْ به الوقائعُ في عهدها الجديد — عهد رئاسة رفاعة لتحريرها — هو التغيُّر الواضح في موضوعاتها «التي انتقلتْ فجأةً من توافهِ الأخبار والحوادث، والافتتاحيات الثقيلة المحشوة مديحًا وثناءً للوالي بمبرر وبغير مبرر إلى موضوعات رئيسية لها خطرُها لا في الشرق وحده، بل في أوروبا في ذلك الوقت».١٧٤
قام رفاعة بهذه الجهود الشاقة خيرَ قيام، وبذَل لها كلَّ وقته وتفكيره، وكان يدفعه إلى الإخلاص في عمله والتفاني في أداء واجبه وازعٌ قويٌّ من ضميره الحي، وحب لوطنه وبنيه، وتشجيع مستمر من «ولي النعم» محمد علي باشا وأولاده؛ ففي سنة ١٢٦٠ أنعم على رفاعة برُتبة القائمقام، وفي ١٤ ذي الحجة ١٢٦٣ أنعم عليه برُتبة أميرالاي١٧٥ لمناسبة انتهائه من ترجمة مجلد آخر من جغرافية ملطبرون،١٧٦ وبهذا الإنعام الأخير أصبح يُدعَى رفاعة بك، بعد أن كان يُدعى فيما مضى بالشيخ رفاعة، ورفاعة أفندي.
وقد أنعم عليه محمد علي بمائتين وخمسين فدانًا، وأقطعه إبراهيم باشا «حديقة نادرة المثال في الخانقاه تبلغ ستة وثلاثين فدانًا»،١٧٧ وأنعم عليه سيد باشا بمائتَي فدان، وإسماعيل باشا بمائتين وخمسين فدانًا.

وفي ١٣ ذي الحجة سنة ١٢٦٤ / ١٠ نوفمبر ١٨٤٨ تُوفيَ إبراهيم باشا، وفي ٢٧ من نفس الشهر تولَّى عرشَ مصر عباس باشا الأول، وكان محمد علي لا يزال حيًّا يُعاني من مرضه الأخير، فلم يجرؤْ عباس على تغيير ما يريد تغييرَه من الأوضاع القديمة، وفي ١٢ رمضان سنة ١٢٦٥ / ٢ أغسطس ١٨٤٩ انتقل محمد علي إلى الرفيق الأعلى، فاستقل عباس بالأمر.

ولم يكن عباس كجدِّه وعمِّه، بل لعله كان على النقيض منهما؛ ولهذا يكاد يُجمِع مؤرخو عصره على وصفه بالجمود والرجعية؛ فالرافعي يرى أنه كان «قبل ولايتِه الحكم، وبعد أن تولَّاه خلوًا من المزايا والصفات التي تجعل منه ملِكًا عظيمًا يضطلع بأعباء الحكم ويسلك بالبلاد سبيلَ التقدم والنهضة … وبالجملة فلم تكن له ميزة تَلفت الأنظارَ سوى أنه حفيدُ رجلٍ عظيم أسَّس مُلكًا كبيرًا، فصار إليه هذا المُلك دون أن تئول إليه مواهب مؤسِّسِه، فكان شأنُه شأنَ الوارث لتركةٍ ضخمة جمَعها مورِّثُه بكفاءته وحسن تدبيره، وتركها لمن هو خلوٌ من المواهب والمزايا.»١٧٨
ويرى المؤرخ الإيطالي «ساماركو Sammarco» أن أظهر ما تتسم به حكومةُ «عباس عداؤه الوحشي للحضارة الأوروبية، وكرْهُه العنيف لجميع الأعمال التي كوَّنت مجدَ جدِّه، والتي بذل هو كلَّ الجهد في تحطيمها شيئًا فشيئًا».١٧٩
ويرى الدكتور عزت عبد الكريم أن عباسًا: «أظهر منذ تولَّى الحكم في مصر أنه لن يكون الحاكمَ الذي يُتابع سياسة جدِّه، ويحنو على مؤسساته، ويؤيد نُظُمَه،١٨٠ وأن سيرته في الإصلاح الداخلي كانت فشلًا متصلًا، ولا يشفع له في ذلك أن حكمَه كان قصيرًا».١٨٠
والسببُ الأساسي لهذا كلِّه في نظره يرجع إلى أن «سياسة عباس قامتْ على تسفيه الجهود التي بذلها محمد علي وإبراهيم في ميدان الإصلاح الداخلي، والسياسة التي اعتقد أنهما كانَا يتمسكان بها، ويدعوان إليها في تقرير علاقات مصر بالدولة العثمانية، والدول الأوروبية».١٨٠
فإذا فهمنا سياسةَ عباس الأول على هذا الأساس لم يكن من العسير إذن أن نفهم لمَ أُقفلت معظم المدارس الخصوصية في أول عهده، وكانت مدرسةُ الألسن أولَ مدرسة أُلغيت؛ وذلك أن مؤسسها وناظرها كان من المقربين لمحمد علي وإبراهيم الحائزين لثقتهما؛ لهذا نشأ بين عباس ورفاعة نوعٌ من الكراهية وسوءُ التفاهم، لم يوضح رفاعة نفسه، ولم يوضح المؤرخون المعاصرون أسبابَه الحقيقة مما دعا المؤرخين المحدثين إلى أن يذهبوا في تفسيره مذاهبَ شتى؛ فالأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك يرى أن لكتاب رفاعة «تخليص الإبريز» سببًا يتصل بنفيه؛ إذ لا يخفى أنه طبع للمرة الثانية سنة ١٢٦٥، أي في أوائل عهد عباس باشا، والكتاب يحوي آراء ومبادئ لا يرغب فيها الحاكم المستبد، وعباس باشا الأول كان في طبعه مستبدًّا غشومًا، فلا بد أن الوشاة قد لفتوا نظرَه إلى ما في كتاب رفاعة بك مما لا يروق لعباس، فرأى أن يُبعدَه إلى الخرطوم ليكون السودان منفًى له، ولا غرابة في ذلك، فلو أن هذا الكتاب ظهر في تركيا على عهد السلطان عبد الحميد لكان من المحقَّق أن يكون سببًا في هلاك صاحبه، فمن الجائز أن يكون عباس باشا قد رأى نفيَ رفاعة، وأمثال رفاعة إلى السودان، ليُبعدَهم، ويُبعدَ أفكارهم وثقافتهم عن مصر، واتخذ لنفيهم صورةً ظاهرة وهي إنشاء مدرسة بالخرطوم.١٨١
أما الدكتور عزت عبد الكريم فيرى أن هناك احتمالَين لإبعاد رفاعة إلى السودان، أولهما سعْي علي مبارك، الذي عاد من أوروبا مليئًا بالأطماع، والذي كان يحقد علي رفاعة ما أصاب من مكانة، وقد قرب عباس إليه علي مبارك وأبعد رفاعة إلى السودان، فلما خلفه سعيد قرَّب إليه رفاعة، وأبعد علي مبارك إلى القرم١٨٢ والثاني ما يحتمل أن يكون رفاعة قد لقيه معارضة بعض المشايخ المتعصبين الذين ربما عدُّوه متطفلًا على ميدانهم في دراسة الشريعة والفقه.١٨٢
وهذه كلُّها تفسيرات احتمالية أو اجتهادية تفتقر إلى سند تاريخي مادي، وأصدقُ منها — في نظري — ما ذكره رفاعة نفسه من أنه سافر إلى السودان بسعْي بعض الأمراء بضمير مستتر بوسيلة نظارة مدرسة بالخرطوم١٨٣ وإن كان لم يذكر أسماء هؤلاء الأمراء، أو ماهية الوشاية التي وشوا بها ضدَّه.

غير أنه عاد فأشار إليهم وإليها في إيضاح مستتر في قصيدة نظمها وهو في السودان مستغيثًا مما هو فيه بحسن باشا — كتخذا مصر — قال فيها:

وما خلتُ العزيز يريد ذُلِّي
ولا يُصغي لأخصام لداد
لديه سعَوا بألسنة حِداد
فكيف صغَى لألسنة حداد
مهازيل الفضائل خادعوني
وهل في حربهم يكبو جوادي
وزخرف قولهم إذ موَّهوه
على تزييفه نادَى المنادي
فهل من صيرف المعنى بصير
صحيح الانتقاء والانتقاد
قياس مدارسي قالوا عقيم
بمصر فما النتيجة في بُعادي١٨٤

… إلخ.

ويقول الأستاذ أحمد أمين بك: «وكان الشيخ ماكرًا؛ فقد وضع القصيدة على وزن وقافية:

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا
ولكن لا حياةَ لمن تُنادي»١٨٥
ومهما تكن الأسباب الحقيقة فإن عباسًا قد أوعز في شهر رجب سنة ١٢٦٦ إلى المجلس المخصوص برغبته، واقترح هذا المجلسُ أن تُؤسَّسَ مدرسةٌ بالأقاليم السودانية إنقاذًا لأولاد أهلها، والمستوطنين بها من جحيم الجهل، وأن يقوم على تأسيسها ونظارتها رفاعةُ بك، وأن يشتركَ معه في التدريس علَمٌ من أعلام النهضة العلمية التعليمية في عصر محمد علي وهو محمد أفندي بيومي أستاذ الرياضيات في المهندسخانة ورئيس أحد أقلام غرفة الترجمة، وأنه من الجميل حقًّا أن نُسجِّلَ لحكومة عباس أنها أول مَن فكَّرت في إنشاء مدرسة مصرية في ربوع السودان، لو أنه كان خالصَ النية، صادقَ الرغبة في خدمة السودان وأبنائه، ولكنه لم يكن كذلك، وإلا فإن إنشاء مدرسة ابتدائية في الخرطوم لم يكن يستلزم أن يُشرفَ عليها، ويقوم بالتدريس فيها كبيرَا رجالِ النهضة العلمية في مصر؛ رفاعة وبيومي، ومع هذا فإن قرار المجلس المخصوص أخفى الأسباب الحقيقية، وأظهر لنا الغرضَ من إنشاء المدرسة في صورة أخَّاذة برَّاقة؛ فقد ذكر في هذا القرار أنه «لما كانت الأقاليم السودانية من البلاد الجسيمة، ولمَّا لم يكن قد أُنشئت في تلك الديار المتسعة مدرسةٌ يُربَّى فيها أولادُ مشايخها، وغيرهم من أهلها، وأولاد الأتراك الذين ذهبوا إلى تلك الديار، وتوطنوا بها منذ أعوام خلت، وكذلك أحفادُهم ليتعلَّموا فيها الفنون والقراءة والكتابة فيزدادوا ثقافةً وفطنة، ولما كان المجلس المخصوص قد تشاور في جلسته التي عقدها أخيرًا، فقرَّر أمْرَ إنشاء مدرسة بتلك البلاد بغيةَ إنقاذ أولادها من ظلمات الجهل، وتنويرهم بأنوار المعارف بمقتضى مراحم الذات الخديوية، والمكارم السنية التي شملتْ جميعَ الرعايا والبرايا، قد قرَّ الرأيُ أن تُفتحَ هذه المدرسة في عاصمة الخرطوم، وأن يكون نظامُها موافقًا لأصول المدارس المصرية، وعلى نمط ترتيب مدرستَي المبتديان والتجهيزية، وأن يُقبل ويُسجل فيها نحو مائتين وخمسين غلامًا من المشايخ، والأهلين القاطنين بدنقلة، والخرطوم، وسنار، وتاكة وملحقاتها، وكذلك من أولاد الأتراك الذين توطنوا بتلك الديار وأحفادهم، هذا ويولَّى عليها ناظرٌ ملمٌّ بأصول المدارس؛ ليتمكَّن من ترتيبها كما ينبغي، وتنظيمها على أحسن وجه، فاستحسن المجلس اختيارَ أمير الآلاي رفاعة بك الذي بديوان المدارس ناظرًا للمدرسة المذكورة وإرساله إلى تلك الديار، وانتخاب المعلمين الذين تحتاج إليهم تلك المدرسة برأي البك المشار إليه.» إلخ.١٨٦

قضى رفاعة في السودان نحو ثلاث سنوات قاسى فيها الأمرَّين، لا كرهًا في السودان، فهو القائل على لسان مصر والسودان:

نحن غصنانِ ضمَّنا عاطف الوجـ
ـد جميعًا في الحب ضم النطاق
في جبين الزمان منك ومني
غرة كوكبية الانفلاق

إنما آلَمَه في السودان شعورُه بأنه منفي، وتألُّمُه لمَا أصاب معظمَ زملائه من مرض ووفاة، وخاصة بيومي أفندي صديقَه في باريس ومصر، ووفيَّه في الجهاد العلمي، وصاحبَه في السراء والضراء، يؤيد هذا قوله في قصيدته السابق الإشارة إليها:

وحسبي فتكها بنصيف صحبي
كأنَّ وظيفتي لبسُ الحِداد١٨٧
ومع ذلك فقد تذرَّع هناك بالصبر والإيمان، وقام بواجبه في مدرسة الخرطوم خيرَ قيام، وتخرَّج على يدَيه بعضُ أبناء مصر والسودان، وقد بثَّ شكواه في قصائدَ كثيرة تُعَدُّ من أجمل ما قال من شعر، ولم ينسَ أخيرًا عملَه الذي أحبَّه وأخلص له، وهو الترجمة، فشغل وقتَ فراغه بترجمة قصة «تليماك»،١٨٨ وقد أشار في مقدمتها إلى ما كان يحسُّ — وهو في منفاه — من ألم ممض، وكيف استعان على تحمُّل هذا الألم باشتغاله بترجمة هذا الكتاب، قال: «وإنما فقط لما توجَّهتُ بالقضاء والقدر إلى بلاد السودان، وليس فيما قضاه الله مفرٌّ أقمتُ برهةً خامدَ الهمَّة، جامدَ القريحة في هذه الملمَّة، حتى كاد يُتلفني سعيرُ الإقليم الفائر بحرِّه وسمومه، ويبلعني فيلُ السودان الكاسر بخرطومه، فما تسليتُ إلا بتعريب «تليماك»، وتقريب الرجاء بدور الأفلاك.»
هذا هو مجهود رفاعة في الترجمة حتى عهْد إقامته في السودان، وله مجهودٌ آخر في نفس الميدان١٨٩ وفي ميادين علمية أخرى بعد عودته في عهدَي سعيد وإسماعيل، لا نرى المجال هنا مناسبًا للحديث عنها لخروجه عن موضوع بحثِنا الذي جعلْنا حدودَه آخرَ عهد محمد علي باشا.

غير أننا لا نستطيع أن نختم هذا الموضوعَ دون أن نُشير إلى نقطة أخيرة تحتاج إلى المناقشة؛ وذلك أننا أحصينا فيما سبَق جهود رفاعة في الترجمة، غير أنه أشار في بعض شعره الذي قاله في السودان إلى أنه ترجم عن «مونتسكيو»، فقال:

على عدد التواتر معرباتي
تفي بفنون سلْمٍ أو جهادِ
وملطبرون يشهد وهو عدلٌ
ومنتسكو يُقرُّ بلا تمادي١٩٠

فهذه إشارة واضحة، أكَّدها بعد وفاته الشيخُ محمود كشك الطهطاوي، الذي أشرف على تصحيح الطبعة الثانية من كتاب «مناهج الألباب»؛ فقد أشار في آخره بجهدِ محمد بك رفاعة (حفيد رفاعة بك)، وسعيه لنشر هذا الكتاب، وأشار إلى أن همَّتَه لم تقف عند إنجاز طبعِ هذا الأثر، بل عزم حضرته على إحياء باقي الكتب التي ترجمَها جدُّه عن الفرنساوية إلى العربية؛ كرواية «تلماك» الشهيرة وترجمة «ملطبرون» وترجمة «منتسكو» وغير ذلك … إلخ.

وأورد بعد ذلك صورةَ خطابٍ كتبَه الشيخُ عبد الكريم سلمان إلى حفيد رفاعة بتاريخ ١٦جمادى الأولى سنة ١٣٣٠، قال فيه: «فاجعلْ كتابي هذا غيرَ قاصر على تقريظ عملك الجديد المفيد، ومُدَّه إلى إيجاد ذَينِك السِّفرَين.» (ترجمة ملطبرون وترجمة مونتسكيو).

ولقد رويتُ عن عمِّك الأعز رحمه الله أن والدَه الأكرم، أكرم الله مثواه ترجمهما، وأن نسختهما موجودة، وأسمعني ما بقيتُ حافظه إلى الآن مما يُبرهن على أنه طيَّب الله ثراه ترجمَهما، وهو:

وملطبرون يشهدُ وهو حبر
ومنتسكو يقول ولا يُماري
وعلَّق على هذا الخطاب بقوله: «ونحن نزفُّ البشرى إلى الجمهور بوجود أصول هذين الكتابين في خزانة كتُبِ المؤلف، وتعويل حضرة حفيده الأكرم على طبعهما إجابةً لطلب فضيلة الأستاذ، وحبًّا في تعميم النفع لأبناء العصر.»١٩١

وغايةُ ما نستطيع أن نقولَ إننا رجعنا إلى ثبْت ما ترجَم رفاعة من كتُبٍ في عهدَي محمد علي وإسماعيل فلم نجد من بينها كتابًا لمونتسكيو، وكلُّ ما نعرفه أنه قرأ كتُبَه وهو في باريس، وتأثَّر بها كثيرًا في بعض كتبه، وخاصة كتاب «مناهج الألباب المصرية»، فهو متأثِّر فيه بكتاب مونتسكيو «روح الشرائع»، كذلك لم يُترجم تلاميذُه في مدرسة الألسن من كتب «مونتسكيو» إلا كتابَ «برهان البيان وبيان البرهان في استكمال واختلال دولة الرومان»؛ فقد ترجمَه حسن أفندي الجبيلي، وكانت الترجمةُ تحت إشراف رفاعة؛ فقد قال المترجم في مقدمته: «ولم أغفلْ عن مراجعة الفاضل اللبيب، والكامل الأريب، الدقيق فهمه، الكثير علمه، سيدي رفاعة أفندي في حلِّ بعض مشكلاته، وفكِّ ما عُسر عليَّ فهمُه من معضلاته.»

ولم ينتهِ من ترجمته إلا في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة ١٢٩٠ بُعَيد وفاة أستاذه رفاعة، وتمَّ طبْعُ الكتاب بعد ثلاث سنوات في ذي القعدة سنة ١٢٩٣.

لم يبقَ إذن إلا أن يكون رفاعةُ قد ترجَم حقًّا بعضَ كتُبِ «مونتسكيو»، وأجزاء أخرى من جغرافية «ملطبرون» — غير التي طُبعت — وأن مسودات هذه الكتب ما تزال مخطوطةً في مكتبته.

كانت مدرسةُ الألسن منذ إنشائها ترمي إلى تحقيق غرضَين اثنين:
  • (أ)

    إعداد مترجمين في مختلف الفنون والعلوم.

  • (ب)

    إعداد مدرِّسين للغة الفرنسية في المدارس التجهيزية والخصوصية.

وقد حقَّقت المدرسةُ هذين الغرضَين بهمَّة رفاعة التي لا تعرفُ الملل، وجُهدِه المتصل، وملأت مصر والمدارس بالمترجمين والمدرِّسين، وقد ذكر صالح مجدي بك في كتابه «حلية الزمن» أسماءَ النابهين الذين نبغوا من تلاميذ رفاعة في مدرسة الألسن، وعدَّةُ هؤلاء سبعة وستون، وذكر المستر «دن»١٩٢ أن المدرسة خرَّجت في مدى عشر سنوات نحو سبعين مترجمًا. ويبدو لي أن خريجي الألسن منذ سنة ١٢٥٥ (وهي السنة التي تخرَّجت فيها الدفعةُ الأولى) إلى سنة ١٢٦٥ (وهي السنة التي تُوفيَ فيها محمد علي) كانوا يبلغون نحو المائة؛ فقد ذكر أبو السعود أفندي أحدُ خريجي المدرسة وتلاميذ رفاعة، أن المدرسة كان «يخرج منها كلَّ عام عشرة».١٩٣
وقد قدَّر خريجٌ آخر من خريجي المدرسة — محمد قدري باشا١٩٤ — الكتبَ التي ترجمها خريجو الألسن — ما طُبع منها وما لم يُطبع — بنحو ألفَي كتاب.

ومهما كان عدد الخريجين، أو عدد الكتب التي تُرجمت، فقد أشاع رفاعةُ في هذا الرعيل قبسًا من روحه، ونفحةً من نشاطه، فكانوا أركانَ النهضة في عهد محمد علي، ثم كانوا القائمين على إحيائها، والإشراف عليها في عهد إسماعيل، وقد أجمل رفاعةُ القولَ في جهدِه وجهودِهم في مقدمته لقصة تليماك، قال: «قد تقلدتُ بعناية الحكومة المصرية، الفائقة على سائر الأمصار، في عصر المدة المحمدية العلوية السامي على سائر الأعصار، بوظيفة تربيةِ التلاميذ مدة مديدة، وسنين عديدة، نظارةً وتعليمًا، وتعديلًا وتقويمًا، وترتيبًا وتنظيمًا، وتخرَّج من نظارات تعليمي من المتقنين رجالٌ لهم في مضمار السبق، وميدان المعارف وسيعُ مجال، وفي صناعة النثر والنظم أبهرُ بديهة وأبهى رويَّة وأزهى ارتجال، وحماةُ صفوف لا يُبارون في نضال ولا سِجال، وعرَّبتُ لتعليمهم من الفرنساوية المؤلفاتِ الجمَّة، وصححتُ لهم مترجماتِ الكتب المهمة، من كل كتاب عظيمِ المنافع، وتوفق حسن تمثيلها في مطبعة الحكومة وطبعها، ومالتْ طباعُ الجميع إلى مطبوع ذوقها وطبعها، وسارتْ بها الركبان في سائر البلدان، وحدَا بها الحادي، في كل وادٍ، وقصدَها القُصَّاد كأنها قصائد حِسان، وكان زمني إلى ذلك مصروفًا، ودَيدني بذلك معروفًا، مجاراة لأمير الزمن (يقصد محمد علي)، على تحسين حال الوطن، الذي حبُّه من شُعَب الإيمان …» إلخ.

ووصف علي مبارك خريجي الألسن بأنهم كانوا «جميعهم في الإنشاءات نظمًا ونثرًا أطروفةَ مصرهم، وتحفةَ عصرهم.»١٩٥
وقد أخذ رفاعة تلاميذَه في الألسن بما أخذ هو به نفسه — وهو يتلقَّى العلم في باريس — أي أنه أخذهم: أولًا: بالجد والنشاط في التحصيل منذ اللحظة الأولى، فكان «لا يقف في اليوم والليلة على وقت محدود، وربما عقَد الدرس للتلامذة بعد العشاء، أو عند ثلث الليل الأخير، ومكث نحو ثلاث أو أربع ساعات على قدمَيه في درس اللغة أو فنون الإدارة والشرائع الإسلامية، والقوانين الأجنبية، إلخ.»١٩٥ وبهذا استطاع أن يعهد لبعض النابغين من تلاميذه بترجمة الكتب في السنوات الأولى من إنشاء المدرسة، ومن عجب أن نرى بعض الكتب قد تُرجمت وطُبعت قبل أن تُخرج المدرسةُ دفعتَها الأولى؛ ففي سنة ١٢٥٢ — أي بعد إنشاء المدرسة بسنة واحدة — ظهر كتابُ تاريخ الفلاسفة اليونانيين مترجمًا بقلم عبد الله أفندي حسين الذي يقول في مقدمته: «وكنتُ وقتَ ترجمته بمدرسة الألسنة بالأزبكية»، أي كان لا يزال تلميذًا بها.

وبعد نحو ٣ سنوات من إنشاء المدرسة (١٢٥٤) أخرجتُ كتابَين آخرين وهما «تنوير المشرق بعلم المنطق»، ترجمة خليفة محمود، و«بداية القدماء وهداية الحكماء»، وقد اشترك في ترجمته مصطفى الزرابي ومحمد عبد الرازق وأبو السعود، وهم جميعًا من تلاميذ المدرسة.

ثانيًا: وأخذ رفاعةُ تلاميذه أيضًا — بما أخذ به نفسَه من قبل — من إقبالٍ على الترجمة في مختلف العلوم والفنون، فلم تعرف المدرسة ولم يعرف خريجوها التخصُّص١٩٦ في ترجمةِ علمٍ بعينه، وإنما كان يفرغ أحدُهم من ترجمة كتاب في التاريخ فيُعهد إليه بترجمة آخر في الطب، ثم ثالث في الكيمياء، أو في الجغرافيا، وهكذا، ولكننا نلاحظ أن ميول الخريجين الخاصة، ووظائف الترجمة التي تولَّوها بعد تخرجهم قد وجَّهت كلًّا منهم إلى نوع من التخصص في الترجمة، أو التأليف في علم من العلوم، فاتَّجه محمود خليفة وأبو السعود، ومصطفى الزرابي، ومحمد مصطفى البياع إلى ترجمة الكتب التاريخية، واتجه صالح مجدي وأحمد عبيد الطهطاوي إلى ترجمة الكتب الهندسية والحربية، ومحمد الشيمي، والسيد عمارة وحسين علي الديك إلى ترجمة الكتب الرياضية، وعبد الله بك السيد، ومحمد قدري باشا إلى ترجمة الكتب القانونية، والتأليف فيها، وهكذا.

ورغبةً في ترجمة أكبر عدد ممكن من الكتب، وإنجاز الترجمة في أسرع وقت، كانت الكتب تُوزَّع على المترجمين أجزاءً إذا كان الكتاب يتكوَّن من أجزاء كثيرة، أو فصولًا إذا كان الكتاب جزءًا واحدًا، وكان يُحدَّد لكل مترجم وقتٌ معين لإنجاز الترجمة حسب كبر الجزء أو الفصل أو صغره، وكانت تتراوح هذه المدة بين أربعة عشر شهرًا وخمسة أشهر.

وكان رفاعة يُشرف بنفسه على مراجعة وتصحيح معظم الكتب، إن لم يكن كلها، يشهد بذلك المترجمون من تلاميذه جميعًا في مقدمات كتبهم، فهذا عبد الله حسين يقول في مقدمة تاريخ الفلاسفة: «فاستعنتُ في مشكلات الكتاب، وتحرير ترجمته بمدير تلك المدرسة البهية.» وهذا خليفة محمود يقول في مقدمة «إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا»: «وحيث إنها باللغة الفرنساوية من مستصعبات التآليف، ومختصرات التصانيف، استعنتُ في تذليل صعابها، وكشف نقابها بمراجعة من لسان القلم في مدحه ووصفه قصير، ومَن أتى في مدحه بأبدع مقال فإنما هو آتٍ بيسير من كثير، حضرة رفاعة أفندي مدير مدرسة الألسن، حين التوقف والحاجة إلى ذلك، وهو أيضًا صحَّحها على أصلها، وقابلها كلَّ المقابلة، فبهذا كانت خيرَ ترجمة لا سيما من أمثالي، حيث إنه لم يكن لي في مدرسة الألسن غير سنتين، في اشتغالي بهاتين اللغتين، إلخ.» وقال في مقدمة «إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شارلكان»: «بذلتُ الهمَّة في تعريبه، وتنقيحه وتهذيبه، وازداد تهذيبًا بمقابلته مع ربِّ البلاغة والتدقيق، مَن أوتي في هذا الفن مفاتيح كنوز الحقيقة والتحقيق، حضرة رفاعة أفندي ناظر قلم الترجمة، إلخ.»

ولم يكن من المستطاع أن يقوم رفاعة بمراجعة وتصحيح كلِّ الكتب المترجمة — على كثرتها واختلافها — بنفسه؛ ولهذا أخذ — بعد حين — يُشرك معه في هذا العمل بعضَ مدرِّسي المدرسة ومصححيها، وخاصة الشيخ محمد قطة العدوي. قال أحمد عبيد الطهطاوي في خاتمة كتاب «الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر»: «يقول مترجمُه، قد صرفتُ في ترجمته على صعوبته الهمَّة، وسهرتُ في مطالعته وفهمه الليالي المدلهمة، واستعنتُ فيما حواه من المشكلات، وما اشتمل عليه من المعضلات، بمراجعة صاحب الرفعة رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، وتصحيح غالبه بمعرفة العلامة الشيخ محمد قطة العدوي.»١٩٧ وقال حسن قاسم في كتاب «تاريخ ملوك فرنسا»: «وكان تصحيح هذا الكتاب الفائق، بمعرفة حضرة العلامة الأوحد سعادة الميرالاي رفاعة بك الأمجد وعلى يد المستنصر بربه القوي، محمد قطة العدوي، مصحح قلم ترجمة.»١٩٨

وممن شارك مشاركةً جدية في مراجعة وتصحيح الكتب التي تُرجمت في مدرسة الألسن، وقلم الترجمة الشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوي، كبيرُ مصححي الألسن؛ فقد عُيِّن في المدرسة منذ إنشائها، ولم يُطبع من كتبها كتاب «إلا طالعَه وتصفَّحَه، وقابله وصحَّحه وهو يشتغل ليلًا ونهارًا».

أما اختيار الكتب التي تُترجَم فقد كان موكولًا لرفاعة بك، وقد بدأ كما ذكرنا فاختار لتلاميذه بعضَ الكتب التي قرأها ودرسها وهو في باريس؛ ككتاب «تاريخ الفلاسفة اليونانيين»، وكتاب «بداية القدماء وهداية الحكماء»، وكتاب «دي مارسيه»، في المنطق الذي ترجم بعنوان «تنوير المشرق بعلم المنطق، إلخ».

غير أنه كان يحدث أحيانًا أن يكتب ديوان المدارس إلى مدرسة الألسن مشيرًا بترجمة كتبٍ معينة، وإذا قلنا ديوان المدارس، فإنما نعني في الواقع مديرَه أدهم بك؛ فقد كان رجلًا مثقفًا واسع الثقافة وخاصة في اللغة الفرنسية والعلوم الرياضية؛ ولهذا نلاحظ أن معظم الكتب التي أشار ديوان المدارس بترجمتها كانت إما كتُبًا رياضية، وإما كتُبًا في الرحلات، قال السيد أفندي عمارة في مقدمة كتاب «تهذيب العبارات في فنِّ أخْذ المساحات»: «فمذ حللتُ كغيري بتلك المدرسة (الألسن) اجتنيتُ من ثمر اللغة العربية والفرنساوية أنفَسَه، بإرشاد ناسج حُلَّة بُردِها، وناظم جوهر عِقدِها … العلامة السيد رفاعة أفندي بدوي رافع، فلما علِم مني الرغبةَ في التحصيل … حباني من فضله إمداده، إلى أن بلغتُ المأمول وزيادة، وأمرني عملًا بما صدَر من ديوان المدارس المصرية أن أُترجم كتابًا للمؤلف «لوكوه» يتضمن بيان المسافات، وفنَّ أخذ المساحات … إلخ.»

وقال سعد نعام في مقدمة «سياحة في أمريكا»: «قد صدر الأمرُ بتعريبه، وتفسير تراكيبه من ديوان المدارس المصرية، التي هي بكسب العلوم حرية، بأنفاس مديرها حضرة البك المفخم، سعادة أمير اللوا إبراهيم أدهم … إلخ.»

وقال إبراهيم مصطفى البياع «الصغير» في مقدمة «سياحة في الهند»: «هذه خدمة يسيرة، وتعريب رحلة صغيرة، للمؤلف «أوبير ثرولد»، ألَّفها في سياحته إلى بلاد الهند، وجدت في كتبخانة حضرة البك المفخم مدير المدارس، سعادة أمير اللواء أدهم بك، فصدر الأمرُ بترجمتها من الديوان إلى حضرة علامة الزمان، مَن رَقيَ في مراقي الشرف أرفعَ محلٍّ وأعظمَه، حضرة أميرالاي رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، فعيَّنني حفظه الله لترجمتها …» إلخ.

ويبدو لي أن رفاعة كان يُراعي رغباتِ وحاجات الوالي والحكومة والمدارس في اختيار الكتب التي تُترجم، ولكنه كان يتخيَّر الكتب التاريخية تبعًا لخطة خاصة رسمَها لنفسه؛ فإنه يتضح من مراجعة هذه الكتب أنه كان يريد أن يُترجم كتُبًا مختلفة تُغطِّي تاريخ العالم منذ أقدم العصور حتى أحدثها، وإن كان تاريخ فرنسا قد حَظيَ منه بعناية خاصة؛ فقد ترجم فيه أكثرَ من كتاب، ولعل هذا راجعٌ لثقافة رفاعة الفرنسية، وميله إلى هذه الدولة، أو العلاقة كانت تربط بين مصر وفرنسا منذ نزلتْ بأراضيها الحملة، أو لاستعانة محمد علي بالفرنسيين في إصلاحاته، وإيثاره فرنسا بإيفاد معظم البعثات إليها.

وقد عُنيَ رفاعة بعلم التاريخ هذه العناية، وعَهِد إلى تلاميذه بترجمة الكتب الكثيرة فيه لأسباب كثيرة، أولُها ميلُه الخاص، وثانيها وأهمُّها ما كان يحسُّه من شغَفِ محمد علي باشا الشديد بدراسة حوادث الأمم، وتراجم عظماء الرجال، ورفاعة حريصٌ الحرص كله في كل ما يعمل على أن يُرضيَ «ولي النعم».

بدأ رفاعة بتنفيذ هذه الخطة، فاختار كتابًا في تاريخ الدول والشعوب القديمة، من مصريين وسوريانيين وبابليين، وأكراد، وفُرس، ويونانيين، إلخ، وعهد إلى تلاميذه في مدرسة الألسن بترجمته، ولما كان هذا الكتاب في أصله الفرنسي «ناقصًا تاريخ الخليقة والعرب، وكان في كتاب عماد الدين أبي الفدا سلطان حماة ما يفي بالأرب»؛ فقد أضاف رفاعة إليه فصولًا من هذا الكتاب «لكمال المطلوب، وبلوغ المرغوب»، والمطلوب والمرغوب، كما رجحنا، هو تغطية تاريخ العالم بسلسلة من الكتب؛ ولهذا نراه لا يتقيَّد بنصوص المؤلفين عند الترجمة، بل يُبيح لنفسه إضافةَ أجزاء من كتب عربية قديمة ليُكمل بها ما في هذه الكتب من نقص، وليُحقِّق خطتَه التي رسمها لنفسه.

وقد كتب رفاعة مقدمةً لهذا الكتاب — وهو أول كتاب تاريخي تُترجمه مدرسة الألسن؛ فقد طُبع في سنة ١٢٥٤ — فلسف فيها دعوتَه لدراسة التاريخ، وأوضح الأغراض من دراسته، وأشار إلى شغف محمد علي بهذا العلم، وهي مقدمة طيبة لا يشوبُها — فيما نرى — إلا التزامُه السجعَ في فقراتها، ولكنه كان مضطرًّا إلى هذا اضطرارًا؛ فقد كان متأثرًا بتقاليد العصر الأدبية، قال في هذه المقدمة: «من المعلوم أن الإنسان مدنيٌّ بطبعه، مائلٌ إلى التأنس والعمران بأصله وفرعه، مضطرٌّ إلى السياسة والرياسة، وحسن الاجتماع والكياسة، وما يكون به استجلاب كماله، ومعرفة أسباب حفظه أو تحوُّله وانتقاله، وما يكون عليه حال الملك في نفسه أو مع رعيته، وعمارة مدائن مملكته، حيث احتاج إلى ذلك تنظيم المصالح وضبط المهمات على وجه راجح ناجح، لما أنه يستنبط من ذلك كمال فوائده، مَن كان تدريبُ التجاريب نصْبَ مصادره وموارده، ولا يشمُّ ذلك إلا مَن للأخبار اختبر، وللسيَر والتواريخ سبر، حتى تضلَّع من وقائع المشارق والمغارب، وتجرَّع من محيطها بأنواع الأذواق والمشارب، ورجع عن طروق الشبه إلى أهل الذكر، وهرع إلى طرق التاريخ بالهمة والفكر، لما أنه يجود بذكر ما جرى عليه النسيان، ويُجيد حوادث الحدثان، ويُخرجها من حيِّز الخفاء إلى حيز العيان، ولولا أن مصباح التاريخ به الاستصباح، لأصبح ما مضى هشيمًا تذروه الرياح، فمنفعتُه عامة، للخاصة والعامة، وهو مشيرُ كلِّ أمير، وأميرُ كلِّ مشير، وسميرُ كلِّ وزير، وظهيرُ كلِّ سمير، إذا سُئل أجاب، وأبدى العجبَ العجاب، ترتاح به الأرواحُ الفاضلة، وتلتاح إليه النفوسُ الكاملة، من الحكماء والأساطين، والملوك والسلاطين؛ فلذا كانت مطمحَ نظر الخديو الأعظم، وملمحَ بصر الداوري الأفخم، نادرة الدهر، أنموذج الفخر، سيد مصر، وصاحب العصر، مغناطيس التعجب، صاحب اليد البيضاء التي لا تُوارَى، والحسنات الجمَّة التي لا تُجارى، مَن به اضمحلَّ الظلمُ وتلاشى، أفندينا ولي الممالك محمد علي باشا، الذي سارت الركبان بذكره في كل نادٍ، وتلقَّب بأعظم الألقاب، لا سيما عند ملوك أوروبا، أوليس أنه يلقب عندهم معيد تمدن الإسلام، ومبيد تمكُّن الأوهام؟

ولما كان تولُّعُه بالتواريخ شديدًا، وتطلُّعُه لأخبار الملوك الماضين مزيدًا، وله في معرفة فحول رجال القرون الأولى المادة الغزيرة واليد الطُّولى، والقريحة الوقَّادة، والبصيرة النقَّادة، وكان تاريخ تلك العصور، بالكتب العربية في غاية القصور، لا سيما تاريخ اليونان، المشتمل على فحول رجال تلك الأزمان، وكان بمدرسة الألسن مَن يقوم بتعريب طرفه، ويُخرج دُرَّه من صدفه، أعطيتُه لعدة أفراد، لتعريب المراد في أقرب ميعاد …» إلخ.

وقد اشترك في ترجمة هذا الكتاب مصطفى الزرابي أفندي، ومحمد عبد الرازق أفندي، وأبو السعود أفندي.

وبعد الانتهاء من ترجمة هذا الكتاب في تاريخ العالم القديم، تخيَّر رفاعة كتابًا آخر في تاريخ العصور الوسطى، وعهد لمصطفى أفندي الزرابي بترجمته، فخرج كتابًا كبيرًا في جزأين، يقع الجزء الأول في ٢٦٨ صفحة، والثاني في ٣٥٩ صفحة، وقدَّم له رفاعة بما يؤكد خطته التي زعمناها، قال: «يقول الفقير إلى الله تعالى رفاعة رافع ناظر مدرسة الألسنة، هذه رسالة في تاريخ القرون المتوسطة تكملة لتاريخ القدماء الذي طبعه وليُّ النعم، صاحب الجود والكرم.» وقد سمَّى هذا الكتاب، «قرة النفوس والعيون بسِيَر ما توسط من القرون».

تناول هذان الكتابان تاريخَ العصور القديمة والمتوسطة، وقد انقسم العالم في العصور الحديثة إلى دول كثيرة مختلفة، ولكل دولة تاريخُها، وقد عُنيَ رفاعة بتاريخ فرنسا خاصة للأسباب المتقدم ذكرها، فعَهِد إلى أحد النابغين من تلاميذه — أبي السعود أفندي — بترجمة كتاب «نظم اللآلئ في السلوك فيمن حكم فرنسا من الملوك»، فترجمه، وطبع في بولاق سنة ١٢٥٧.

وبعد سنوات قليلة من ترجمة هذا الكتاب أهدَى المؤرخ الفرنسي «مونيقورس» كتابَه في «تاريخ ملوك فرنسا» إلى شريف باشا «مدير عموم المالية»، «وبالمذاكرة مع حضرة البك المفخم مدير عموم المدارس إبراهيم أدهم، استقر الرأيُ على طبعه وأن يُطبع على ذمة حضرة الباشا المشار إليه مكافأةً لمؤلفه في نظير الإهداء»،١٩٩ وقد قام بترجمته حسن قاسم أفندي أحدُ خريجي الألسن، وطُبع في بولاق في سنة ١٢٦٤.
وقد عرف رفاعة أن محمد علي يُعنَى عناية خاصة بدراسة سِيَر أمثاله من الملوك المصلحين، الذين نهضوا بأممهم نهضاتٍ يذكرها التاريخ؛ ولهذا «اختار تاريخ ملك من ملوك الإفرنج تعلو همتُه بينهم على المريخ، وهو تاريخ بطرس الأكبر، الذي فضلُه بين ممالك أوروبا أشهر من أن يُذكر»،٢٠٠ وعهد إلى نابغ آخر من تلاميذه ومواطنيه — وهو أحمد عبيد الطهطاوي أفندي — بترجمته، والكتاب من تأليف الفيلسوف الفرنسي المعروف «فولتير».
ومن كتب التراجم التي عرَّبها خريجو الألسن كذلك كتاب «مطالع شموس السيَر في وقائع كارلوس الثاني عشر»، ترجمه محمد مصطفى الزرابي أفندي، «وكانت ترجمته بأوامر مدير المدارس، لا زال مختارًا لإبراز الدرر والنفائس».٢٠١
ولما كان الكتابُ يُؤرِّخ لمملكة «أسوج» — السويد — حتى عهد كارلوس الثاني عشر؛ فقد رأى المترجم أنه من المناسب أن يُذيله «بتذييل لطيف يذكر فيه مَن حكَمها بعده من الملوك إلى عهدنا هذا — طُبع الكتاب في ١٢٥٧ — على طريق الإيجاز، لتُعلمَ أحوال تلك البلاد الشمالية، وتتمَّ بذلك فائدة الكتاب»، وقد انتخب المترجم هذا التذييل من «كتاب المؤلف راغوان في أحوال القرن الثامن عشر».٢٠٢

ذكرنا قبل هذا أن خريجي الألسن في نحو عشر سنوات يتراوحون بين السبعين والمائة، وأنهم ترجموا ما يقرب من الألفَي كتاب، ومن العسير أن نُترجم هنا لجميع هؤلاء الخريجين، أو أن نذكر بالتفصيل جهودَهم في الترجمة، فاكتفينا بعرض التيارات العامة التي كانت تُوجه المترجمين في قلم الترجمة الملحق بالمدرسة، وتحدَّثنا حديثًا موجزًا عن بعض جهود الخريجين تحت ضوء هذه التيارات، وسنتخير هنا علَمَين من أعلام الخريجين، فنتحدث عن جهودهما في الترجمة واكتفينا بالإشارة إلى جهود الآخرين بذكر الكتب التي ترجموها في الثبت العام للكتب التي تُرجمت في عصر محمد علي الذي ألحقناه بهذه الرسالة.

هذان العَلَمان هما عبد الله أبو السعود أفندي والسيد صالح مجدي أفندي (بك فيما بعد)، وقد دفعَنا إلى اختيارهما أنهما كانا أكثرَ الخريجين اتصالًا بأستاذهم رفاعة في عهد محمد علي، ثم في عهد إسماعيل، وأنهما كانا أكثر الخريجين إنتاجًا وترجمة، بل وتأليفًا فيما بعد.

أما أبو السعود أفندي فقد وُلد في دهشور سنة ١٢٣٦، وكان والده قاضيًا ثم اختير ناظرًا لأحد المكاتب التي أنشأها محمد علي، وهو مكتب البدرشين، وذلك في سنة ١٢٤٨، فألحق ابنَه تلميذًا بهذا المكتب، ومنه اختاره رفاعة بك في سنة ١٢٥٠؛ ليكون تلميذًا بمدرسة الألسن، وفيما تفوَّق على أقرانه وخاصة في اللغة العربية، فاختير في سنة ١٢٥٤ مدرِّسًا لهذه اللغة خلفًا لأستاذه الشيخ حسنين الغمراوي، ومُنح رتبة الملازم الثاني، وبعد قليل رَقيَ إلى رتبة الملازم الأول ونُقل إلى مدرسة المهندسخانة، فكان يدرس بها اللغة الفرنسية، ويشترك في تصحيح الكتب الرياضية التي يترجمها مدرسوها، ولم يكتفِ في هذه السنوات بالثقافة التي تلقَّاها في الألسن، بل كان يحضر دروس الفقه بالجامع الأزهر ومن أساتذته الشيخ خليل الرشيدي، والشيخ أحمد المرصفي، والشيخ المنصوري، والشيخ التميمي المغربي.

وفي سنة ١٢٥٩ عندما أُعيد تنظيم قلم الترجمة الملحق بالألسن تحت رئاسة رفاعة بك، ونظارة كاني بك نُقل إليه أبو السعود أفندي، ولم يُترجم في تلك الفترة إلا كتاب «نظم اللآلئ في السلوك فيمن حكم فرنسا ومَن قام على مصر من الملوك»، والثلثان الأولان من الكتاب مترجمان عن الفرنسية، وموضوعُهما تاريخ ملوك فرنسا من الدولة «الميروفنجية» إلى عهد الملك «لوي فيليب»، أما الثلث الأخير فمن وضعه وقد ضمَّنه تاريخَ حكَّام مصر وولاتها منذ عهد الخليفة أبي بكر الصديق إلى عهد السلطان عبد المجيد، وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٧.

وفي عهد عباس الأول انزوى أبو السعود أفندي موظفًا عاديًّا لا جهدَ له ولا نشاط، ولا عجبَ؛ فهو تلميذ رفاعة، فلما تولَّى سعيد باشا الحكم عاد أبو السعود إلى الحياة، وسافر مع الوالي إلى السودان كاتبًا لمعيته، وبعد عودته عُيِّن بقلم الترجمة بالخارجية، وفي أوائل عهد إسماعيل عاد إلى قلم الترجمة الملحق بديوان المدارس ليعمل من جديد بالاشتراك مع زميله صالح مجدي تحت رئاسة أستاذهما رفاعة بك.

وفي هذا العهد بلَغ نشاطُه في الترجمة والتأليف أوجهًا؛ فترجم سبعة كتب٢٠٣ معظمها في التاريخ وهو العلم الذي تخصص فيه، وبعضُها في الزراعة والكيمياء أو القانون أو الجغرافيا، وفي هذا العهد أيضًا خطَا أبو السعود خطوةً جريئة، فأنشأ في مصر أول صحيفة وطنية شعبية هي جريدة «وادي النيل»٢٠٤ وقد كان لهذه الصحيفة شأنٌ كبير في التمهيد للحركة الوطنية في عهد إسماعيل.

وقد ساهم أبو السعود في تحرير أول مجلة مصرية ظهرت في ذلك الوقت وهي «روضة المدارس»، ثم اختير في أخريات أيامه ناظرًا لقلم الترجمة خلفًا لأستاذه رفاعة، ثم كان مدرِّسًا للتاريخ بمدرسة دار العلوم، وعضوًا بمجلس الاستئناف إلى أن تُوفيَ في الثامن من صفر سنة ١٢٩٥.

أما السيد صالح مجدي فهو من أسرة عربية الأصل، ولد في قرية أبي رجوان من أعمال مديرية الجيزة في سنة ١٢٤٢ أو سنة ١٢٤٣، وتلقَّى علومه الأولى في مكتب حلوان الأميري، ومنه اختير كما اختير زميلُه أبو السعود ليكون تلميذًا بمدرسة الألسن، فأُلحق بها في سنة ١٢٥٢.

وفي عهد تلمذتِه بهذه المدرسة ظهر نبوغُه في اللغتين العربية والفرنسية، فلما أُنشئ قلمُ الترجمة في سنة ١٢٥٨، وجُعل من أقسامه قسمٌ لترجمة الكتب الرياضية تحت رئاسة بيومي أفندي جعل السيد صالح مجدي وكيلًا لهذا القسم، وفيه ترجم كتابَين؛ «أحدهما جداول المهندسين، وثانيهما تطبيق الهندسة على الميكانيكا والفنون».٢٠٥
وفي سنة ١٢٦٠ نقل إلى مدرسة المهندسخانة — خلفًا لزميله أبي السعود الذي نقل من المهندسخانة إلى قلم الترجمة في سنة ١٢٥٩ — وفي هذه المدرسة عُيِّن مجدي «لتدريس اللغتين الفرنساوية والعربية وتعليم نجباء تلامذتها فنَّ الترجمة وتعريب فروع الرياضيات التي تُدرس بها القواعد العربية»،٢٠٦ ويقول علي باشا مبارك في كتابه الخطط: «إني قد كنتُ من رجال هذه المدرسة، فعرفتُ المترجم فيها، واتخذته لي صاحبًا وصديقًا، كنت قد تعيَّنتُ في سنة ٦٠ التي التحق هو فيها بتلك المدرسة للسفر مع عدة من أمثالي إلى مملكة الفرنسيس لتكميل العلوم الرياضية، وتحصيل الفنون العسكرية المتعلقة بالطوبجية والاستحكامات، فلما رجعتُ إلى مصر بعد خمس سنين وجدتُه قد وصل إلى رتبة يوزباشي، وأخبرني أنه أحرزها في سنة ١٢٦٢، وأنه عرَّب في هذه المدة عدةَ كتُب في فروع الرياضيات منها كتاب في الطبوغرفيا والجيودوزية، وكتاب مكانيكا نظرية، وكتب ميكانيكا عملية، وكتاب أدروليكا، وكتاب حساب آلات، وكتاب طبيعة، وكتاب هندسة وصفية، وكتاب في حفر الآبار ورسالة في الأرصاد الفلكية تأليف الشهير «أرجو»، ولما أُحيلت على عهدتي نظارة المهندسخانة وما معها سنة ست وستين بعد انتقالي من رتبة صاغ قول أغاسي إلى رتبة أميرالاي كان لي المترجم رفيقًا مع قيامه بوظائفه، وطالما استعنتُ بقلمه على تأليف كتب متنوعة في فنون شتى، وقد ترجم في تلك المدة عدةَ كتُب في الرياضة، منها كتاب في الحساب، وكتاب في الجبر، وكتاب في تطبيق الجبر على الأعمال الهندسية، وكتاب في الظل والمنظور، وكتاب في حساب المثلثات، وكتاب في الهندسة الوصفية، وكتاب في قطع الأحجار والأخشاب، وهي كتبٌ جارٍ عليها العملُ إلى الآن في المدارس، وله غيرُ ذلك من الكتب التي تجلُّ عن الحصر.»

وهكذا كان صالح مجدي أسعدَ حظًّا من صديقه أبي السعود، فقد مهَّدتْ له معرفتُه بعلي مبارك السبيلَ إلى البقاء في مدرسة المهندسخانة في عهد عباس، وفي هذه المدرسة قضى نحو عشر سنوات أنتج فيها هذا الإنتاجَ الضخم، وفي عهد سعيد باشا عاد أستاذُه رفاعة من السودان غير أنه ظلَّ مدة عاطلًا، فنقل مجدي في سنة ١٢٧٢ وكيلًا لمأمورية أشغال الطوابي بالقلعة السعيدية، وعُهد إليه بترجمة الكتب العسكرية، ثم مباشرة طبْعِها في مطبعة بولاق، ثم لم يلبث أن جذَبه رفاعة إليه فنقل ناظرًا لقلم الترجمة الملحق بالمدرسة الحربية بالقلعة التي كان يتولَّى نظارتَها رفاعة.

وفي أوائل عهد إسماعيل أُعيد إنشاء قلم الترجمة٢٠٧ الملحق بديوان المدارس وتولَّى الإشرافَ عليه رئيسُه القديم رفاعة بك، وكان من مترجميه أبو السعود وصالح مجدي، بل لقد أتى على هذا القلم وقتٌ لم يكن به من المترجمين غير صاحبينا وزميل ثالث لهما كان له شأن أي شأن في ترجمة الكتب التاريخية في عصر محمد علي وهو حسن أفندي الجبيلي.
وقد شارك مجدي في تلك الفترة كأستاذه رفاعة وزميله أبي السعود في التحرير في روضة المدارس، ثم في ترجمة «قانون نابليون Code du Napoleon» وفي ترجمة القوانين المختلفة الأخرى التي تمَّ نقلُها إلى اللغة العربية في عهد إسماعيل، وظلَّ يتقلَّب في الوظائف حتى عُيِّن في سنة ١٢٩٢ / ١٨٧٥ قاضيًا بمحكمة مصر، ولبث يشغل هذا المنصب حتى تُوفيَ في ذي الحجة سنة ١٢٩٨.
وفي كل تلك العهود كان علي باشا يستعين به وبجهوده وعلمه في تأليف وتصنيف معظم كتبه؛ فقد قال في الخطط: «وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين بعد الألف أُحيلت على عهدتي — وأنا إذ ذاك ناظرُ القناطر الخيرية — مأمورية تأليف كتاب الهجاء والتمرين، فطلبتُ المترجم من ديوان المدارس بأمرٍ عالٍ فحضر عندي، واشتغل معي بالكتاب المذكور حتى تمَّ على أحسن حال، وتكرَّر طبْعُه حتى زادت نُسَخُه على خمسة عشر ألفًا.»٢٠٨ ثم قال: «ولما أُحيلت على عهدتي نظارةُ عدة دواوين ومصالح في آنٍ واحد استعنتُ بقلمه على تحرير عدة لوائح وترتيبات نافعة لإدارة هذه المصالح.»٢٠٩ وقال أيضًا: «وباشر معي أيضًا بعض التاريخ الذي عملتُه للديار المصرية في عدة مجلدات، وبعض رسائل جمعتُها وطُبعت بمعرفته في جرنال روضة المدارس …»٢١٠ وقال محمد مجدي في ترجمة والده التي نشرها في مقدمة ديوانه إنهما أتمَّا من هذا الكتاب «ما يتعلَّق بالفراعنة والأكاسرة والبطالسة والرومانيين، ووصلَا فيه في مدة الإسلام إلى سنة ستين ومائة بعد الألف من الهجرة، وبلغ ما جمع فيه من المجلدات نحو أربعمائة كراسة، وهو الآن لدى سعادة علي مبارك باشا، والغالبُ أنه مهيَّأ للطبع …»٢١١ وقد ظنَّ البعض أن المقصود بهذا الكتاب هو كتاب الخطط، غير أن الخطط تمَّ طبعُها في سنة ١٨٠٦، وديوان صالح مجدي طُبع في سنة ١٩١١، فكأن الكتاب الذي كان مهيَّأً للطبع في سنة ١٩١١ هو غير الخطط قطعًا وخاصة أن موضوعه هو تاريخ مصر في مختلف العصور لاطوبغرافيتها، غير أني رجعتُ إلى قائمة الكتب المطبوعة التي ألَّفها كلٌّ من علي مبارك وصالح مجدي، فلم أجد من بينها كتابًا في تاريخ مصر، فلعله لم يُطبع.
هذا هو صالح مجدي، وهذا موجز عن جهوده؛ فقد قضى العمر كلَّه يُترجم ويُؤلف حتى زادتْ ترجماتُه ومؤلفاته عن «خمسة وستين كتابًا ورسالة».٢١٢

أبو السعود وصالح مجدي عَلَمان كما قلنا من أعلام خريجي الألسن، وهما خير نموذجَين لهذه الطائفة من المترجمين، وعلى مثالهما بذل إخوانُهما الجهدَ في الترجمة، ومن صنفهما عثمان جلال في ميدان الأدب، وقدري باشا في ميدان القانون.

وقد ربطت الحوادثُ بين هذين العَلَمين وبين أستاذهما رفاعة، فعملَا معه في قلم الترجمة في عصرَي محمد علي وإسماعيل، واشتركَا معه في تحرير روضة المدارس وفي ترجمة قانون نابليون، غير أنهما رغم هذا اختلفَا الواحد عن الآخر في ميادين أخرى؛ فقد كان صالح مجدي أقربَ إلى علي مبارك في دراساته وثقافته الرياضية والعسكرية؛ ولهذا تعاون في إنتاجه العلمي مع علي مبارك أكثرَ من تعاونه مع أستاذه رفاعة، ومع هذا فقد كان فضل رفاعة عليه كبيرًا؛ فإن ثقافته الفرنسية والعربية التي تلقَّاها في مدرسة الألسن هي التي رشَّحتْه للعمل في قلم الترجمة في عهدَي محمد علي وإسماعيل، وهي التي رشحتْه للعمل في مدرسة المهندسخانة في عهدَي محمد علي وعباس، وثقافته القانونية في الألسن أيضًا هي التي رشحتْه للعمل في ترجمة القوانين ثم لتولِّي وظيفة القضاء في عصر إسماعيل؛ لهذا كان مجدي أبرَّ التلامذة بأستاذه، فهو الوحيد من بين تلاميذ رفاعة الذي أرَّخ له بعد وفاته، فكتب عنه كتابَه القيم — رغم صغره — «حلية الزمن بذكر مناقب خادم الوطن».

أما أبو السعود فكان أكثرَ تأثرًا بأستاذه؛ فقد تخرَّج من الألسن شغفًا كأستاذه بعلمَي التاريخ والجغرافيا؛ ولهذا كانت معظم مترجماته ومؤلفاته في هذين العلمَين، وقد اعترف بفضل رفاعة عليه وتأثره به في هذا الميدان في مقدمة كتاب عرَّبه في الجغرافيا في عصر إسماعيل، ونشره بالتتابع في صحيفته وادي النيل، ثم طبعه على حدة تحت عنوان «الدرس المختصر المفيد في علم الجغرافيا الجديد»، قال: «وكان قد سبقني في انتهاج هذا المنهاج في منتصف هذا القرن الأخير، وأول عهد المرحوم محمد علي باشا الكبير؛ حضرةُ أستاذي رفاعة بك أفندي الشهير، وهو وإن كان لم يزَل له فضلُ السبق، وكان بالاحترام والتبجيل أحق، ولربما جئتُ بالغثِّ وجاء بالسمين، وتزيَّيتُ بالرثِّ وتزيَّا بالثمين، غيرَ أنه لما كان هذا العلم عبارةً عن استقصاء حقيقة أحوال هذا العالم السريع الانتقال من حال إلى حال، واستمرار تنقل الملل والنِّحَل وغير ذلك من التقلبات الموالية على ممرِّ الأوقات واللحظات، احتاج هذا العلم لمن يقف له بالمرصاد ويَبذل في خدمته على الدوام — كالحاصل في البلاد المتمدنة — كل الاجتهاد؛ فلذلك قفوتُ من أستاذي الأثر، وحذوتُ حذوَه في مشقة ذلك السفر. وإذا كان أستاذي حفظه الله قد أتَى من هذا الأكل بالباكورة فقد أتيتُ بوفرة الثمر، أو كان قد بدر بالبدر فقد جئتُ بالشمس والقمر، وإذا كان قد جاء بالتعريبات الشافية في علم الجغرافيا، فهذه الرسالة بحمد الله هي الخلاصة الكافية … إلخ.»٢١٣

كانت معظم الكتب التي ترجمها السوريون — إن لم تكن كلها — كتبًا طبية ولخدمة التعليم في مدرستَي الطب البشري والبيطري، وكانت معظم الكتب التي ترجمها خريجو المدارس والبعثات كتبًا طبية ورياضية، فلما أُنشئت مدرسة الألسن، تنوَّعت الترجمة، فترجم خريجوها في كل علم وفن، وإن كانت ترجماتهم اتجهت في معظمها إلى الأدبيات، متأثرة في ذلك بروح ناظر المدرسة وأستاذها رفاعة رافع الطهطاوي.

وقد شاركت في الترجمة في عصر محمد علي طائفةٌ رابعة لم تكن تجمعها ثقافةٌ واحدة وهي طائفةٌ من موظفي الحكومة، وكانت معظم الكتب التي ترجمتها هذه الطائفةُ لخدمة الحكومة — وخاصة الجيش — ثم لإرضاء رغبات الوالي محمد علي، وفي بعض الأحيان لإرضاء رغبات ابنِه «السر عسكر» إبراهيم باشا؛ ولهذا كانت معظم الكتب التي ترجمها هؤلاء الموظفون عن الفرنسية إلى التركية، أو عن الترجمات العربية لكتب فرنسية إلى التركية، أو عن العربية إلى التركية؛ فقد كانت اللغة التركية هي اللغة الأولى لمحمد علي ولمعظم رجال حكومته.

شمل برنامجُ الإصلاح المحمدي العلوي جميعَ مرافق الحياة المصرية، غير أن العناية كل العناية كانت موجهةً للجيش؛ فهو دعامة محمد علي للاستقلال ولإحياء العالم العثماني، ولتنفيذ نواحي النشاط الأخرى، وقد كان معظم مَن أُلحقوا بالمدارس الحربية أول إنشائها — ليتخرجوا ضباطًا للجيش الجديد — من عنصر تركي، وكانت الخطة الموضوعة تَرمي إلى تكوين الجيش، وتمرين ضباطه على النظم الأوروبية الجديدة، وكانت فرنسا هي الدولة التي ينقل عنها محمد علي؛ ولهذا تُرجمت الكتب الحربية عن الفرنسية إلى التركية.

ولم يكن من المترجمين السوريين أو المصريين من خريجي البعثات أو الألسن مَن يعرف التركية أو يُجيدها؛ ولهذا أُلقي هذا العبء على كواهل موظفي الحكومة ممن يُتقنون الفرنسية والتركية، وقد ذكرنا قبلًا أن هذا الجهد بدأه عثمان نور الدين غير أنه غادر مصر في سنة ١٨٣٣، والحرب بين مصر والدولة العثمانية لم تهدأ أسبابُها؛ لهذا خلفه في هذا الميدان أناسٌ كثيرون أهمُّهم كاني بك، وهو رجل من أصل تركي كان من كبار موظفي الدولة في عهد محمد علي، وشارك مشاركةً فعالة منتجة في جميع اللجان التي أشرفت على تنظيم التعليم في ذلك العهد، وخاصة في لجنتَي ١٨٣٥ و١٨٤١، وقد قام بترجمة معظم الكتب الحربية التي تُرجمت في عصر محمد علي، وإن كان لم يذكر اسمه عليها؛ لأنها كانت في معظمها تعليمنامات أو قانونامات؛ ولهذا كان من العسير أن نُحقِّق كم كتابًا ترجم، غير أن بعض أوامر محمد علي كانت تُشير إلى بعض ما ترجم من كتب.

ففي ١٤ المحرم سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٣ «قرر مجلس الجهادية ضرورةَ تنفيذ إرادةِ وليِّ النعم بطبع ألف نسخة من ترجمة الكتاب الذي ترجمه كاني بك ميرالاي الرجال المشتمل على مدافعة المشاة والفرسان بالمزاريق؛ لما يترتب على نشره من عظيم الفوائد».٢١٤
وقد ذكر «بيانكي»٢١٥ في قائمته أن هذا الكتاب طُبع في بولاق سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٣ تحت عنوان «في تعليم الحربة والمزراق»، ولم يُشِر إلى أنه من ترجمة كاني بك.
وفي تلك السنة أحسَّ إبراهيم باشا سر عسكر الجيوش المصرية في الشام حاجتَه إلى كاني بك، فأرسل يطلبه، ووافقتْ حكومة محمد علي على إرساله على أن يقوم اسطفان أفندي — وهو أرمني الأصل وواحد من خريجي البعثات — بما كان يقوم به كاني بك من ترجمة الكتب الحربية عن الفرنسية إلى التركية؛ ففي ٢٩ ربيع الثاني ١٢٤٨ «قرر مجلس الجهادية إرسال كاني بك أميرالاي ليكون في معية أفندينا رئيس المعسكر المنصور، ويحال على اسطفان أفندي بقية ترجمة كتاب تعليمنامه الفرسان؛ لمهارته في اللغتين الفرنسية والتركية، التي كان مكلفًا به كاني بك وترجم معظمه، وأن يُسرع في إتمامه، وهذا بناءً على ما قدَّمه حضرةُ أمير اللواء سامي بك رئيس معاوني أفندينا ولي النعم طبقًا لإرادة أفندينا سر عسكر».٢١٦
وفي ١٣ جمادى الأولى٢١٧ كتب محمد علي باشا إلى محمد حبيب أفندي يستصوب القرار السابق، وبعد سبعة عشر يومًا كتَب يوحنا بحري٢١٨ إلى الباشمعاون يُنبئه بوصول كاني بك إلى طرسوس، وفي ٢٣ رجب٢١٩ كتب كاني بك إلى سامي بك يُخبره بأن السر عسكر قد عهد إليه بكتابة التقارير التي تُرسل من ديوانه إلى مصر «لتُعرض على الأعتاب السنية الخديوية».
وقد قام كاني بك بعمله الجديد خيرَ قيام، ثم عاد إلى مصر في سنة ١٢٤٩، فكتب إبراهيم باشا إلى سامي بك بأنه «يرى في كاني بك الموجود في القاهرة الكفاءةَ اللازمة لرتبة أميرالاي ويقترح تعيينَه قائدًا على آلاي الفرسان».٢٢٠
وفي أثناء غياب كاني بك كان اسطفان أفندي هو المترجم للكتب الحربية، فأكمل ترجمة الكتاب السابق، ثم أتمَّ في سنة ١٢٤٩ ترجمةَ كتابٍ آخر، عنوانُه «كوماندارية الفرسان»؛ فقرر مجلس الشورى العسكرية طبْعَ ألف نسخة منه «لما فيه من الفوائد الشاملة»٢٢١ فلما عاد كاني بك من الشام بدأ يستأنف جهدَه القديم؛ ففي ٢٩ رجب سنة ١٢٥١ صدَر أمرٌ من محمد علي باشا إلى أدهم بك يُشير فيه إلى أنه «اطلع على الشقة المرغوب بها صدور الأمر إلى كاني بك بترجمة الثلاثة كتب تعليمات الطوبجية الجديدة الموجودة بطرفه، وعليه قد صدَر الأمر إلى المومأ إليه بذلك، فيلزم تسليمُه إياها لترجمتها».٢٢٢
وقد ذكر له مسيو بيانكي٢٢٣ كتابَين آخرَين هما «تحفة الضابطان» و«قانونامهْ ثالث سواري»، وذكر أنهما من تأليفه، والصوابُ أنه ترجمهما عن الفرنسية إلى التركية وطُبعَا في بولاق سنة ١٢٥١ / ١٨٣٦.
وفي سنة ١٢٥٠ قام سليمان باشا الفرنساوي بتصنيف كتابٍ في فنِّ المناورات الحربية جمَع موضوعاتِه من كتب فرنسية مختلفة، فكتب إليه محمد علي يشكره، وأوصى بأن يلحق به عددٌ من المترجمين لترجمة هذا الكتاب إلى اللغة التركية، وكان من بين هؤلاء المترجمين كاني بك؛ ففي ٦ جمادى الآخرة سنة ١٢٥٠ كتب محمد علي إلى سليمان باشا بأنه «صار ممنونًا جدًّا من اهتمامه بجمْع وتأليف كتاب المناورات الحربية من كتب أوروبا الشاملة لذلك بقصد بثِّ هذا الفن بين عساكره الجهادية؛ إذ إن ذلك مما كان في حيِّز فكره؛ لأنه من الأمور المهمة الصالحة الخيرية. ولما كان مرغوبَ سعادته إعطاؤه كاتبًا ومترجمًا من المستعدين قد صدَر أمرُه إلى وكيل الجهادية بتعيينهم، وبنهو وإتمام هذه الخدمة الخيرية يتضاعف رضاه عليه فيرجوه الاهتمام في ذلك»،٢٢٤ وفي نفس التاريخ صدَر منه أمرٌ إلى وكيل الجهادية «بتعيين مترجم وكاتب لسليمان باشا الفرنساوي لترجمته كتاب المناورات الحربية، ويُشير بتعيين كاني بك وحسن أفندي القزنجي لانتفاع الآلايات المصرية بانتشار هذا الكتاب».٢٢٥
وكثيرًا ما كان إبراهيم باشا يُشير — وهو في ميدان الجهاد في الشام — بترجمة بعض الكتب الحربية أو التاريخية، وإرسال نُسَخ منها إليه ليستعين بها على تدريب جنوده وضباطه وتثقيفهم، يؤيد هذا كثير من الأوامر المحفوظة في وثائق عابدين؛ ففي ٥ جمادى الآخرة سنة ١٢٤٨ أرسل إبراهيم باشا إلى سامي بك يرجوه إرسال بعض ما طُبع في مصر في الفنون والتمرينات العسكرية٢٢٦ فكتب إليه محمد علي باشا في الثاني والعشرين من نفس الشهر يفيده بأنه أصدر أمره إلى محمود بك «كي يرسل النسخ المطلوبة من قانون تعليم المشاة وغيره».٢٢٧
وفي ٢١ رمضان سنة ١٢٤٨ كتب إبراهيم باشا إلى والده يخبره أن مختار أفندي الدويدار كان قد ترجم «وصايا فريدريك الأكبر إلى قواده، وهو في باريس ويقترح الموافقة على طبعها٢٢٨ ومن العجيب أن هذا الكتاب كان واحدًا من الكتب الأولى التي تُرجمت في عصر محمد علي؛ فقد ترجمه عن الفرنسية إلى التركية «شاني زاده محمد عطاء الله».٢٢٩ في سنة ١٢٢٠، وأمر محمد علي بطبعه فطُبع في مطبعة بولاق بُعيد إنشائها، وليس في مقدمته أو خاتمته ما يُبيِّن السنة التي طُبع فيها، ولكنني أرجح أنه طُبع حوالي سنة ١٨٢٢ أو ١٨٢٣، ويؤيد هذا الترجيح طبْعه الرديء، وحروفه المعتلة الشبيهة بحروف الكتب الأولى التي طبعت في بولاق، كالقاموس الإيطالي العربي وصناعة صباغة الحرير؛ لهذا كتب محمد علي إلى ابنه في ٨ شوال٢٣٠ يُخبره بأن هذا الكتاب سبَق أن تُرجم وطُبع.
وفي ذي الحجة سنة ١٢٥٠ أرسل إبراهيم باشا إلى وكيل الجهادية يستصوب «ترجمة الكتاب الفرنسي الخاص بنظامات وترقيات العساكر»٢٣١ فبادر محمد علي باشا وأصدر أمرَه إلى سليمان باشا الفرنساوي «بأنه لكون ترجمة هذا الكتاب من الأمور المهمة المستعجلة يلزم جمع التراجمة، وحل حبكته، وإعطاء كل مترجم كراسًا منه لسهولة ترجمته في أقرب وقت.»٢٣١
وفي ٧ شوال سنة ١٢٥١ أرسل إبراهيم باشا إلى سامي بك يشير بترجمة كتاب فرنسي آخر في المناورات الطوبجية والسواري والبيادة.٢٣٢

الصفحة الأخيرة من كتاب «وصايا نامهْ سفرية»

أي وصايا فردريك الأكبر الحربية لقواده، ترجمها شاني زاده محمد عطاء الله. وهو من أوائل الكتب التي طُبعت في بولاق.
وهكذا كان يتنافس الرجلان: الأب والابن في التقاط الكتب الحربية، والأمر بترجمتها لتتبع تعاليمها في إنشاء الجيش الجديد وتنظيمه حتى يصل إلى مستوى الجيوش الأوروبية الحديثة، وقد ظلت هذه الأوامر تصدر من الرجلين حتى عهد متأخر؛ ففي ١٧ جمادى الآخرة سنة ١٢٥٦ صدر أمرٌ من محمد علي إلى باقي بك «بترجمة رسم محاربة نابليون من الفرنساوي للعربي بنفسه»٢٣٣ وفي نفس اليوم أصدر أمرًا آخر إلى كاني بك بترجمة التقرير المرفق بالرسم السابق إلى اللغة التركية، وأن يترجمه «بنفسه دون أن يأمر أحدًا بترجمته»٢٣٤ والرسم والتقرير من وضع المسيو «بون قور».
هذه لمحة سريعة لما كان يتبع في ترجمة الكتب الحربية، ولبعض جهود كاني بك في هذا الميدان، وقد كان كاني مقرَّبًا إلى إبراهيم باشا محبوبًا منه؛ ولهذا لم يكد يعهد إليه بولاية مصر في ٢٤ شوال سنة ١٢٦٤ — عندما اشتد المرضُ بوالده — حتى أصدر أمرَه في ٢٦ ذي القعدة من نفس السنة بإعادة تنظيم قلم الترجمة الملحق بالألسن، وقسَّمه إلى قسمين: قسم يُعنَى بالترجمة إلى اللغة التركية وناظره كاني بك، وقسم يُعنَى بالترجمة إلى اللغة العربية وناظره رفاعة بك، وجعل الرئاسة العليا للقلم لكاني بك؛ ففي التاريخ السابق نَشرت الوقائع المصرية القرار الآتي: «لما كانت ترجمةُ الكتب المرغوبة التي تشتمل على القوانين والتراتيب والآداب وسائر العلوم والفنون النافعة من اللغة الفرنساوية إلى التركية والعربية، وطبعُها ونشرُها وسيلةً عظمى لتكثير المعلومات المقتضبة، وقضيةً مسلَّمة عند أولي النهى، وكان حصول ذلك لا يتأتَّى إلا بوجود المترجمين البارعين في ألسنة الإفرنجي والتركي والعربي، واجتماعِهم في محل واحد، وقسمِهم إلى قلمي ترجمة وضمِّهم إلى نظارة حضرة أمير اللواء كاني بك وكيل ديوان التفتيش، الفريد في فن الترجمة، المشهور بالسلاسة والبلاغة، حصل فتحُ القلمين كما ذكر، وقد تعيَّن حضرة رفاعة بك أميرالاي الذي كان ناظر مدرسة الألسن التابعة إلى ديوان المدارس ناظرًا على قلم الترجمة العربي في معية حضرة الأمير المومى إليه.»٢٣٥
بدأ عثمان نور الدين الجهودَ بترجمة الكتب الحربية، فلما غادر مصر استأنف هذه الجهودَ كاني بك، فلما سافر إلى الشام، قام بالعمل من بعده اسطفان أفندي إلى أن عاد فبدأ يُكمل جهوده، وقد شارك في هذه الجهود أيضًا رجال آخرون من موظفي الدولة أهمهم أحمد أفندي خليل،٢٣٦ وقد يكون من أصل تركي، ولا نعرف عنه إلا أنه عُيِّن حوالي سنة ١٢٤٠ ناظرًا لمدرسة الطوبجية خلفًا لمصطفى بهجت أفندي الذي عُيِّن ناظرًا لهذه المدرسة بعد «سكويرا بك»، وقد ترجم كتبًا حربية كثيرة أهمها:
  • (١)
    «قانونامه عساكر بياد كان جهادية»، ترجمَه تنفيذًا لأمر محمد علي٢٣٧ وطبع في بولاق سنة ١٢٣٨، وطبع ثانية في غاية شهر شوال سنة ١٢٤٥ لنفاد نُسَخ الطبعة الأولى.
  • (٢)
    «قانونامهْ عساكر طوبجيان جهادية بحرية»، وقد ذكر في مقدمته أنه ترجمة للقانون البحري الفرنسي قام بها أحمد أفندي خليل «ناظر مدرسة جهادية ورئيس مهندسخانة برية مصرية»٢٣٨ وقد طبع هذا الكتاب في بولاق في غرة شعبان سنة ١٢٤٢.

وممن شارك في حركة ترجمة الكتب الحربية من موظفي الدولة — ولكن بجهود ضئيلة — جركس محمود قبودان (محمود نامي باشا)؛ فقد ترجم كتابًا في فنِّ الحرب البحري، وعبد الحميد بك الديار بكرلي، وترجم مؤلفًا في مقياس السفائن، ومحمد شنن أفندي (بك فيما بعد)، وترجم قانون البحرية.

كانت العلوم الحربية هي الميدان الأول الذي عمل فيه بعضُ المترجمين من الموظفين في عهد محمد علي، وكان علم التاريخ هو الميدان الثاني، ولعله لم يكن أقلَّ أهمية في نظر الوالي من الميدان الأول؛ فقد كان يرى نفسه — وهو منشئ دولة جديدة وصاحب سياسة إصلاحية جديدة — في حاجة إلى أن يقرأ ويدرس تراجمَ أمثاله من القواد والملوك والمصلحين ليُفيد من خبرتهم، ويتجنَّب أخطاءَهم، وإنا لنرى أنه أفاد من هذه القراءة، وهذا هو الفارق الكبير بينه وبين القائد العظيم نابليون، كلاهما من أبناء عصر واحد، ومن غمار الشعب، وصلَا إلى العرش بجهودهما — وخاصة الجهود الحربية — ولكلٍّ منهما تاريخ مجيد في الإصلاح الداخلي، غير أن نابليون لم يُقدِّر قيمة القوة التي وقفت في سبيله، فلم يعترف بالهزيمة فقضت هذه القوةُ عليه وعلى ملكه، أما محمد علي فقد ناضل حتى أيقن أن لا فائدة من النضال فخضع مكرهًا وقنع بولاية مصر مضطرًّا، وبهذا احتفظ لنفسه ولأسرته بالملك.

قال محمد علي للدكتور «بورنج» في حديث له: «لقد أخبرني «الكولونيل دوهامل C. Duhamel» أنني أُصبح رجلًا عظيمًا إذا قرأتُ التاريخ، وألممتُ بالألفاظ اللطيفة التي يمكن أن أعثر عليها في الكتب، ولكنني الآن لستُ رجلَ ألفاظ بل رجل أعمال»، ثم عاد فقال في نفس الحديث: «لقد نصحني الكولونل أن أدرس التاريخ لأتعلَّم فنَّ الحكم، ولكني وصلتُ سنًّا لا تسمح لي بدراسة التاريخ، لقد كتب إليَّ ولدي يطلب تعليماتي عندما أحاطت به الصعاب، غير أنني رأيت أن خير تعليمات هي أن أذهب بنفسي، وقد سافرتُ إلى يافا وأخضعت الفتنة حالًا، وهذا هو الحكم العملي.»٢٣٩
هذه هي خطة محمد علي في الحكم، العمل لا الكلام، غير أن تاريخه يُنبئنا بأنه لم يُهمل هذه النصيحة، بل لقد أقبل على كتُب التاريخ، والتراجم ونُظُم الحكم بوازعٍ أول من نفسه، ووازعٍ ثانٍ من هذه النصائح، فأمر أن تترجم له الكتب التاريخية عن اللغات العربية والإيطالية والفرنسية إلى لغته الأصلية التركية فتُرجمت له كتب في سيرة النبي محمد، وفي تاريخ الإسكندر ونابليون، وكاترين ملكة الروسيا، وترجم له تاريخ إيطاليا … إلخ، وفيما يلي بيانٌ تفصيلي بما تُرجم له من هذه الكتب، وقد ترجمها جميعًا موظفون يجيدون الفرنسية والتركية، وهم مجموعة عجيبة فيهم السوري واليوناني والتركي،٢٤٠ وبعض هذه الكتب قد طُبع، والبعض الآخر لا يزال مخطوطًا ينتظر من يُعنَى بنشره:
  • (١)
    ترجمة مظهر التقديس بخروج الفرنسيس تأليف المؤرخ المصري الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، ترجمه عن العربية إلى التركية السيد أحمد عاصم أفندي، وفرغ من ترجمته في غرة ربيع الأول سنة ١٢٢٥، ولا يزال هذا الكتاب مخطوطًا٢٤١ في دار الكتب الملكية بالقاهرة تحت رقم ٨٨٥٤.
  • (٢)

    الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير، تأليف «مكيافلِّي»، ترجمه عن الإيطالية إلى العربية الأب رفاييل أنطون زاخور، ولا تزال نسخته المخطوطة — بخط المترجم — محفوظةً في دار الكتب الملكية تحت رقم ٤٣٥ تاريخ، وقد فصَّلنا الكلام عن هذا الكتاب عند حديثنا عن المترجمين السوريين في عصر محمد علي، وذكرنا في ذلك الفصل أن محمد علي أمر بهذه المناسبة فترجمت له مقدمة ابن خلدون إلى اللغة التركية؛ ليقارن بينها وبين كتاب الأمير.

  • (٣)

    «التلخيصات المتعلقة بتدبير أمور سلطنة الدولة العثمانية» تأليف الأمير قوجه مصطفى بك الكورجه لي فاتح بغداد، ومن أصحاب السلطان مراد خان الرابع، ألَّفها وقدَّمها له حينما وقع الاحتلال وظهرت الفتن في أوائل سلطنته، ترجمه إلى اللغة العربية عبد الله أفندي عزيز بن خليل الكاتب والمترجم بديوان الخديوي بإسكندرية، وكتب له مقدمة في صورة «عرض حال»، ورفعها إلى محمد علي باشا، أتمَّ ترجمته في سنة ١٢٤١، ولا يزال هذا الكتاب مخطوطًا ومعه الأصل التركي في دار الكتب الملكية.

  • (٤)

    «قترينۀ تاريخي» تأليف المؤرخ الفرنسي «كاسترا»، وهو كتاب في تاريخ الإمبراطورة كاترين الثانية، وبه مقدمة قصيرة عن تاريخ الروسيا، ترجمَه عن الفرنسية إلى التركية «جاكوفاكي أرجير وبولو» الموظف والمترجم بالديوان الخديوي، وقد طُبع في بولاق في جزء واحد سنة ١٢٤٤ / ١٨٢٩ ثم أُعيد طبعه في سنة ١٢٤٦ / ١٨٣١ تحت عنوان «أيكنجي قنرينۀ نام روسيه إيمبر أتريجه نك تاريخي» بعد أن راجعه وصحَّحه سعد آمدي أفندي.

  • (٥)

    تاريخ نابوليون بونابرته، وهو مذكراته التي كتبها بنفسه حينما كان منفيًّا في جزيرة «سانت هيلانة» تُرجم عن الفرنسية إلى التركية وطبع في بولاق سنة ١٢٤٧ / ١٨٣٢ ولم أعثر على اسم مترجمه.

  • (٦)

    «ترجمة سير الحلبي» وهو ترجمة السيرة النبوية الحلبية المشهورة، ترجمها عن العربية إلى التركية سعيد أحمد يلم، وطبعت في بولاق سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٨.

  • (٧)
    ترجمة تاريخ دولة إيطاليا،٢٤٢ تأليف المؤرخ الإيطالي «بوتا»، ترجمَه إلى اللغة التركية عبد الله أفندي عزيز وحسن أفندي، الكاتبان بالديوان الخديوي وطُبعَا في مطبعة سراي الإسكندرية سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.
  • (٨)
    تاريخ نابوليون بونابرته٢٤٣ تأليف «الدوق دي روفيجو»، ترجمه إلى التركية المترجمان السابقان، وطُبع في مطبعة سراي الإسكندرية سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.
  • (٩)

    «سفارت نامۀ رفاعة بك» وهي رحلة رفاعة ترجمها عن العربية إلى التركية — بأمر محمد علي — المولى رستم أفندي بسيم العرضحالجي بالدائرة السنية الخديوية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥ / ١٨٤٠.

  • (١٠)

    شرح قصيدة البردة، ترجمَه عن العربية إلى التركية أحمد أفندي مصطفى، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦ / ١٨٤١.

هذه هي الكتب التاريخية التي تُرجمت في عصر محمد علي وبأمره إلى اللغة التركية تبين في وضوح اتجاهه نحو تثقيف نفسه ثقافة تاريخية واسعة، ونستطيع أن نضيف إليها ما ترجمه خريجو الألسن إلى اللغة العربية من كتب في تاريخ أوروبا في عصورها المختلفة، وتاريخ فرنسا وبطرس الأكبر، فمما لا شك فيه أن كثيرًا من هذه الكتب كانت تُقرأ لمحمد علي أو تُعرض عليه فيقرها قبل طبعِها.

ونلاحظ أخيرًا أن هذه الكتب جميعها تُرجمت تحقيقًا لرغبات محمد علي أو لرغبات ابنه إبراهيم، ولولا هذه الرغبات ما تُرجمت هذه الكتب، غير أنَّا عثرنا بين الكتب التي ترجمها موظفو الدواوين في ذلك العصر على مثالٍ فريد في كل ما يحيط به؛ فهو فريد في نوع الترجمة لأنه مترجم عن الفارسية إلى العربية، وهو فريد في الدافع على ترجمته، فقد ترجمه مترجمه بدافع من هوايته الشخصية وشغفه بالدراسة، وهو فريد أخيرًا في نوعه، فهو كتاب في الأدب، بل لعله الكتاب الوحيد في علم الأدب الذي تُرجم في عصر محمد علي.

هذا الكتاب هو ترجمة عربية لكلستان سعدي قام بها جبرائيل بن يوسف المخلع السوري الأصل والكاتب بالديوان الخديوي بثغر الإسكندرية، وطُبعت هذه الترجمة في بولاق في صفر سنة ١٢٦٣.

وقد ذكر «الخواجة جبريل» في مقدمة الكتاب أنه كان شغفًا بالبحث والقراءة، لكن «الأشغال الديوانية» كانت تحول بينه وبين تحقيق رغبته، ثم رأى أخيرًا أن يخصص ساعات من وقت فراغه لدراسة اللغة التركية، وذلك «لعموم نفعها من وجهين، وكثرة توقعها على الأذنين، فإنها بعد اللغة العربية أوفر تداولًا في المصالح العربية»٢٤٤ وبدأ هذه الدراسة في الليلة السادسة عشرة من جمادى التالي سنة ١٢٥٧، ثم لاحظ أن هذه اللغة التركية تعتمد اعتمادًا كبيرًا على اللغتَين العربية والفارسية، وأن ما عليها من الحُلي والحُلَل لم يكن من ذاتها حصل، وإنما هو مكتسب من مواهب اللغتين العربية والفارسية؛ ولذلك يقول: «أدركتُ أنني لا أرتوي من حياضها، ولا أجتني من رياضها إلا بحوز مستعملات اللغة الفارسية، وأما العربي فهو لساني بالسجية.» ولهذا شرع في تعلُّم اللغة الفارسية، «في ثاني ساعة من ثاني ليلة من المحرم الحرام سنة ثمان وخمسين وألف من هجرة الإسلام»،٢٤٥ وكان من بين الكتب التي قرأها أثناء دراسته اللغة الفارسية كتاب «كلستان»٢٤٦ وقد أُعجب به فرأى أن يترجمه ليحقق بذلك رغبتين: أولاهما أن يستعين بالترجمة على إتقان هذه اللغة، وثانيهما إفادة قراءة اللغة العربية، يقول في هذا المعنى: «وبينما أنا في بعض الليالي مكبٌّ على مطالعته ومستغرق في مسامرته، إذ أشارت إليَّ العناية الربانية، وألهمتني الإرادة الصمدانية، أن أستخرج دُرَّة من بحر الفاسية إلى شاطئ العربية، ليتمَّ لي بذلك فائدتان: إحداهما التقوِّي في هذا اللسان، والثانية نفع من رغب فهمه ممن وقف عند العربية في البيان.»

وقد ذكر أنه أتمَّ ترجمته في شهر وأيام؛ فقد بدأ الترجمة في يوم الاثنين السادس من شهر رمضان سنة ١٢٥٨ وأتمَّها في السادس عشر من شوال من نفس السنة.

الميدان الثالث الذي ظهرتْ فيه جهودُ المترجمين من الموظفين هو ميدان العلوم الرياضية؛ فقد كانت هذه العلوم تُدرس في المدارس الحربية كما كانت تُدرس في مدارس الهندسة، ومعظم تلاميذ المدارس الحربية — في العهد الأول — إن لم يكن كلهم كانوا من سلالات تركية، وكانوا يدرسون في تلك المدارس باللغة التركية؛ لهذا كان من الواجب أن تُترجم لهم هذه الكتب إلى اللغة التي يفهمونها وبعض هذه الكتب تُرجم عن الفرنسية إلى التركية مباشرة، والبعض الآخر كان قد تُرجم إلى العربية لاستعماله في مدارس المهندسخانة، فصدرت الأوامر بترجمته عن العربية إلى التركية.

والاسمُ البارز في هذا الميدان هو إبراهيم أدهم بك مدير ديوان المدارس؛ فقد كان المشرف على حركة الترجمة الرياضية إلى اللغة التركية، ولا عجب فهو من أصل تركي، وقد درس علوم المدفعية في إنجلترا، وكان رئيسًا لبعض البعثات الصناعية التي أُرسلت إلى إنجلترا، وقد بدا له وهو في بلاد الإنجليز أن يتشبَّه بهم في كل شيء، فخلع ملابسه الشرقية ولبس ملابسهم، وحاكاهم في عاداتهم، فغضب عليه محمد علي غضبًا شديدًا وأعاده إلى مصر، وظلَّ عاطلًا حتى شفع له عباس باشا٢٤٧ فعفا عنه بعد أن اعترف بخطئه واعتذر عنه، وعيَّنه محمد علي مديرًا لديوان المدارس خلفًا لمختار بك الذي تُوفيَ في سنة ١٨٣٩.
figure
أدهم بك مدير ديوان المدارس.
وقد كان أدهم رجلًا قديرًا نشيطًا وافرَ الذكاء واسع الثقافة، وخاصة في العلوم الحربية والرياضية، يُجيد اللغتين الفرنسية والإنجليزية معرفةً وحديثًا، وقد ذكر كلوت بك أنه تعلَّم اللغة الفرنسية «بقوة إرادته وعلى غير أستاذ، وهو صحيح اللهجة فيها، وتعلم الرياضيات بفروعها فقبض على ناصيتها، وأحاط بشتات المعلومات الخاصة بفنِّ الطوبجية، وأرى أنه يناظر فيها أحسن ضباط المدفعية، وأمهر مديري الإدارات المتعلقة بها، وأنه أقدر مَن عرفتُهم من الناس في الشئون الإدارية، ولا شك في أن محمد علي كان صادقَ النظر حينما اختار مثل هذا العامل النشيط، بل كان سعيدَ الطالع بعثوره على مثله.»٢٤٨
وقد ترجم أدهم بك بعضَ هذه الكتب بنفسه، ومنها:
  • (١)

    رسالة في علم جر الأثقال، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.

  • (٢)

    رسالة في الهندسة، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٣ / ١٨٣٧.

  • (٣)

    مقالات الهندسة، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٢ / ١٨٣٧.

وقد تَرجم بعضَ الكتب الرياضية الأخرى موظفون آخرون بإشارة أدهم بك وإشرافه، أظهر هؤلاء عصمت أفندي، وعلي أفندي الجيزلي، وقد ترجموا الكتب الآتية:
  • (١)

    أصول الهندسة تأليف «لوجاندر»، ترجمه عن الفرنسية إلى التركية أدهم بك، ثم ترجمه عن التركية إلى العربية محمد عصمت أفندي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥ / ١٨٤٠.

  • (٢)

    مبادئ الهندسة، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية رفاعة رافع الطهطاوي، ثم ترجمه عن العربية إلى التركية محمد عصمت أفندي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.

  • (٣)
    إفاضة الأذهان في رياضة الصبيان، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية محمد الشيمي أحد خريجي الألسن، وكانت ترجمته «برسم حضرات أنجال الخديو الأعظم، وحفدة الداوري الأكرم، وليشتغل به تلاميذ المكتب العالي الشهير، وتلاميذ المكتب السامي بالقصر المنير، وليكون أيضًا مستعملًا في مكاتب المبتديان بالمحروسة والأقاليم …»٢٤٩ وقد ترجمه عن العربية إلى التركية علي أفندي الجيزلي «الخوجة بالمدارس المصرية» بإشارة إبراهيم بك أدهم مدير المدارس المصرية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.

وهنالك كتابان أخيران مما ترجم الموظفون إلى اللغة التركية في عصر محمد علي وهما كتابان في الطب من تأليف كلوت بك، أمر بوضعهما محمد علي لنشر الثقافة الطبية ووسائل الوقاية والعلاج البسيطة بين أفراد الشعب، وقد تحدثنا طويلًا عنهما في الفصل الخاص بالمؤلفين والكتب، وهما «كنوز الصحة ويواقيت المنحة»، و«الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال»، وقد ترجمهما عن الفرنسية إلى العربية الدكتور محمد الشافعي، وقام على تصحيحهما وصياغتهما في أسلوب بسيط قريب من فهْم العامة الشيخ محمد عمر التونسي، وإذا كانت طائفة كبيرة من سكان مصر في ذلك الوقت تُجيد التركية دون العربية فقد أمر محمد علي بترجمة هذين الكتابين إلى اللغة التركية، وترجمهما مصطفى رسمي الجركسي أفندي، وذلك بإشارة أدهم بك أيضًا، وطُبع الأول في سنة ١٢٦١، والثاني في سنة ١٢٦٠.

١  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣٢٩ (عن وثائق عابدين).
٢  تقويم النيل، ج٢، ص٥٨٢.
٣  انظر: Cattaui, Op. Cit, t. I, P, 388. Pezzoni à Ribeaupierre, le 22 Octobre, 1830.
وعزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٤٣٥ (عن وثائق عابدين، دفتر ١١ (معية) رقم ٢٥٣، في ٨ ربيع الثاني، ١٢٣٨)، ولاحِظ أن عزت يذكر أن القصر كان قصرَ إسماعيل بن محمد علي لا إبراهيم، هذا وتعتبر هذه المحاولة الثانية لتعليم المصريين اللغات الأجنبية.
٤  انظر كتابنا «تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية»، دار الفكر العربي، ١٩٥٠.
٥  انظر عن هذا الأب: قرألي (السوريون في مصر، ج١، ق٢، ص٢٠ و٧٦).
٦  Mauuscrit inédit de Don Raphael.
٧  عن توزيع صورة «بونابرت» على المشايخ المصريين، انظر: Le Rapport de Sébastiani, dans, G. Douin, l’Egypte de 1802 à 1804; Correspondance des Consuls de France en Egypte, p. 15.
هذا، وقد ذكر الجبرتي خبرَ هذه السفارة في ج٣، ص٢٤٢-٢٤٣، قال في حوادث جمادى الثانية ١٢١٧ / ٢٩ سبتمبر–٢٧ أكتوبر ١٨٠٢: «وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا (كذا) وبها ألجي، وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس، فعمل لهم الإنكليز شنكًا، ومدافع بالإسكندرية، فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الألجي، وصحبتْه خمسةٌ من أكابر الفرنسيس إلى ساحل بولاق، فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره، وصحبتْه عدةُ عساكر خيالة، وبأيديهم السيوف المسلولة، فقابلوهم، وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والأزبكية، وركبوا إلى دار أُعدَّت لهم بحارة البنادقة، وحضروا في صبحها إلى عند الباشا، وقابلوه وقدَّم لهم خيلًا معددة، وأهدى لهم هدايا، وصاروا يركبون في هيئة وأُبَّهة معتبرة، وكان فيهم جبير ترجمان بونابرته.» ثم ذكر خبر سفر هذا الوفد في حوادث شهر رجب من نفس السنة، فقال: «وفي خامسه (١ نوفمبر ١٨٠٢ يوم الثلاثاء) سافر الألجي الفرنساوي وأصحابُه فنزلوا إلى بولاق، وأمامهم مماليك الباشا بزينتهم، وهم لابسون الزروخ، والخود، وبأيديهم السيوفُ المسلولة، وخلفَهم العبيد المختصة بالباشا، وعلى رءوسهم طراطير حُمُر وبأيديهم البنادقُ على كواهلهم، فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا، ثم نزلوا المراكب إلى دمياط، وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن.»
٨  Bachatly, Un Membre Orient … etc. pp. 253-254.
٩  انظر الجبرتي، ج٣، حوادث سنتي ١٢١٦، ١٢١٧ (١٨٠١ و١٨٠٣)، فقد قال في ص٢١٠ مثلًا: وتسلطوا (أي الجند العثمانيون) على الناس بالسبِّ والشتم، ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك، وتمنَّى أكثر الناس وخصوصًا الفلاحين أحكام الفرنساوية.
١٠  Bachatly, Op. Cit. pp. 254-255.
١١  Notice Historique sur l’Ecole spéciale des langues Orientales vivantes, Paris, 1883, pp. 20-21.
١٢  نُشرت ترجمة هذا الكتاب باللغة الفرنسية تحت عنوان: Les Bédouins ou Arabes du Désert, ouvrage publié par Mayeux, d’ayeux, d’après les notes de Don Raphael, Paris, 1819, 3 volumes.
١٣  لا زال هذا الكتاب مخطوطًا.
١٤  ذكر بشاتلي، المرجع السابق، ص٢٥٦ هامش ٥: أن هذا الكتاب لا زال مخطوطًا وهو محفوظ في مكتبة مدرسة اللغات الشرقية.
١٥  هذا الكتاب لا زال مخطوطًا غير كامل، وقد بدأه رفاييل كما يقول في مقدمة الكتاب «بثاني عام خروجي من الوطن» وقد أخطأ الأستاذ بشاتلي، المرجع السابق ص٢٥٦، هامش ٦ ترجمة هذه الجملة، فقال إنه بدأ تأليفه بعد خروجه من مصر بسنتين deux ans aprés son depart de l’Egypte.
١٦  Cattaui, Op. Cit. t. l, p, 387.
١٧  Brocchi. Giornale delle Osseervazioni fatte ne’viaggi in Egitto, etc., t. l, p. 173, Maria Nallino, Interno Due Traduzioni Arabi Del “Principe” Del Machiavelli. Oriente Moderno, 1931, p. 606.
١٨  Dunne, Op. Cit. p. 333.
١٩  جاء في الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب، ص١١٨ هذه الأبيات، وهي من إنشاء رفاييل ننقلها كما هي:
لقد تم الكتاب بحسن لطف
وجاء العون من (م) المولى القدير
ونلنا النصر حقًّا على (ع) الأعادي
وفُزْنا بالهناء وبالسرور
وقد شرفت ليالينا جميعًا
بخدمتنا لمولانا الوزير
وقد جاد الزمانُ لنا بسعد
برفع الكتب للملك المشير
وصافانا الزمان بطول عزٍّ
لأن العزَّ في طبْع الحرير
ببولاق لها شأن عظيم
حماها الله من كيد الدهور
فقلت زيادة للواو أرِّخ
بمطبعة تمجد للوزير
انظر الصورة في الصفحة التالية.
٢٠  Lettera dei signor Const. Acerbi, concolegenerale di S. M. I. R. A. in Egitto al Signor Girovi Bibliotecario della Bibl lmp. di Brera in Milano. Biblioteca Italiane, tome L.XI, Milano 1831. pp. 289–298, Maria Nallino, Op. Cit. pp. 604-605.
وهناك رواية أخرى رواها الرحالة الإنجليزي «سانت جون» الذي زار مصر حوالي سنة ١٨٣٠، وفيها يشير إلى أن «سولت» قنصل إنجلترا في مصر هو الذي أعدَّ الترجمة التركية لكتاب الأمير ثم عرضها على محمد علي، وفي هذه الرواية أيضًا رأى محمد علي في الكتاب، وفيما يلي نصُّ ما ذكره «سانت جون» باللغة الإنجليزية:
I regard the Pasha as a man of genius, — but the entire absence of that Knowledge, theoretical and (54) practical, which nothing but a political educationcan bestow. Yet his Highness considers himself a great statesman; and from an anecdote related to me at Alexandria, it is clear that he still prefers the Oriental style of ruling. Salt formerly British Consul-Genoral in Egypt, wishing to ingratiate himself with the Pasha, by instructing him more deeply in the arts of tyranny, procured a Turkish translation to be made of Macchiavelli’s “Prince”, and presented it to his Highness. After allowing the spell a sufficient time to operate, and finding in his various audiences no allusion made to the translation, he one day ventured to introduce the subject, by directly demanding of the Pasha his opinion of Macchiavelli, “My opinion of him”, “replied Mohammed Ali”, “is, that he was a more babbler, we have in Turkish, two words worth more than his whole book” at this termination of his courtier-like adventure, Salt was so much confounded that he omitted to enquire the nature of this brief vocabulary of tyranny; but we may venture to supply the omission with, plunder, and “kill. After all, however, the Pasha’s secret opinion of the Prince may not be so unfavourably unless we suppose that the grave irony of the republican writer unmasking the arts of despotism while pretending to furnish it with arms, may not have escaped Mohamed Ali, though it imposed upon Salt.
St. John Egypt and Mohamed Ali, voi. 2, pp. 453-454.
٢١  Maria Nallino. Op. Cit. p. 605.
حيث ذكرت أن هذا الحديث دفع «أشربي» إلى البحث عن نسخة مخطوطة من مقدمة ابن خلدون، فعثر على نسختين، أرسَل إحداهما إلى مكتبة «بريرا» والثانية إلى مكتبة «فيينا» الإمبراطورية، وأن مسابكي مدير مطبعة بولاق وعدَه بالشروع في طبْع هذا الكتاب، ثم ذكرت أن هذا النص التركي لم يُطبع البتة في بولاق، وإنما طُبع النص العربي في بولاق سنة ١٢٧٤ / ١٨٥٧، ونُضيف نحن أن النص التركي طُبع في بولاق في نفس السنة (١٢٧٤)، وهو من ترجمة محمد أفندي صاحب الشهير بييري زاده، ويقع في ٦٢٦ صفحة من القطع الكبير، انظر فهرس الكتب التركية لدار الكتب المصرية.
٢٢  ذكر هذا الكتاب في الجزء الخامس من فهرس دار الكتب الجديد، ص٣٩ تحت هذا العنوان «الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير تأليف نيقلاوس ماكيافلي الإيطالي».
٢٣  آخر جملة وردتْ في الكتاب هي: «فإنهم لَسائدون إذا توافقوا مع الأوقات والأحوال، ولَتعسون إذا وقع …» وقد ذكرت Maria Nallino, Op. Cit. p. 608 أن هذه الجملة يُقابلها في النص الإيطالي ما يلي: Concludende, abunpue che, viariande la fortuna e stando li uomini ne’loro modi ostineti, sono felici mentre concordano insieme e, come discordano infelici.
وهذه إحدى فقرات الفصل الخامس والعشرين من الأصل واستنتجت من هذا أن الذي لم يُترجَم هو بقية هذا الفصل، والفصل السادس والعشرون وهو الأخير.
٢٤  Op, Cit, p. 609.
٢٥  Clot, Compte rendu des travaux de l’Ecole de médecine d’Abou-Zabel, pour la premiére année desafondation (1243–1827), pp. 7-8.
وعزت، المرجع السابق، ص٢٥٧، ولسنا نعرف من أين حصل رفاييل على لقب «دكتور»، ويرى الأستاذ بشاتلي أن هذا قد يكون لقبَ تشريف أضفاه عليه كلوت بك اعترافًا بخدماته ورفعًا لشأنه بين تلاميذه، انظر: Bachatly, un Membre Oriental, etc. p. 260.
٢٦  Clot, Compte rendu des travaux de l’Ecole de Médecine d’Abou-Zabel, pour la deuxiéme année de La fondation (1244–1829), pp. 6 et 11.
هذا وليس بين الكتب الطبية التي تُرجمت وطُبعت في عصر محمد علي، كتابٌ بهذا العنوان منسوب إلى رفاييل، وإن كان هناك كتابٌ طبي آخر تُرجم وطُبع في نفس الوقت الذي أُنشئت فيه مدرسة الطب، فقد تمَّ طبعُه في آخر ربيع الثاني ١٢٤٢ (آخر نوفمبر ١٨٢٦)، وعنوانه «كتاب في قواعد الأصول الطبية المحررة عن التجارب لمعرفة كيفية علاج الأمراض الخاصة ببدن الإنسان»، وهو من تأليف «الحكيم فرانشسكوفاقا Fr. Vacca أستاذ المدرسة الجامعة لجميع العلوم في مدينة بيزا»، انظر نفس الكتاب ج٢، ص١، وج١ ص١٠٨، وإني لأرجح متفقًا مع المستر «دن Dunne» أن يكون هذا الكتاب من ترجمة رفاييل، وإن كنت أعتمد في ترجيحي على أسلوب الكتاب وطريقة ترجمته بينما يعتمد «دن» على أن الكتاب من تأليف «فاقا»، ومدرس الفسيولوجيا في مدرسة الطب بأبي زعبل «جيتاني Gaetani» كان تلميذًا لفاقا، فلا يبعد أن يكون الرجلان قد تعاونَا على اختيار هذا الكتاب وترجمته، وهذا في رأيي ترجيحٌ خاطئ؛ لأن الكتاب تُرجم وطُبع في أواخر ١٨٢٦، أي قبل إنشاء مدرسة الطب، انظر Dunne, Op. Cit. p. 338.
٢٧  تنتسب هذه الأسرةُ إلى قرية «عين حور» في سوريا، ولكنها سكنت دمشق فيما بعد، ورحل منها أفرادٌ كثيرون إلى مصر، وخاصة دمياط والقاهرة، انظر عيسى إسكندر المعلوف، دواني القطوف في تاريخ بني المعلوف، ص٢٥٧، هامش ١، قرألي المرجع السابق، ج١ ص١١٢ و١٣٣، ج٢، ص١٩، والباشا، المرجع السابق، ص٥٣، وميخائيل بريك، تاريخ الشام، ص١١٥، وشيخو، الآداب العربية في القرن ١٩، ح٢ ص١٢٣ وسركيس، المرجع السابق، ١٣٨٨–١٣٩٠.
٢٨  ذكر جورجي زيدان، تراجم مشاهير الشرق في القرن ١٩، ج٢ ص٢٠، أن رفاعة بك عُيِّن بعد عودته من فرنسا مترجمًا بمدرسة الطب، وكان متوليًا رئاسة الترجمة بها قبله يوحنا عنحوري، ووافقه على هذا المعلوف المرجع السابق، غير أن المراجعَ المعاصرة لم تُفرِّق بين المترجمين السوريين في مدرسة الطب، فتجعل لأحدهم مكانةَ الرئيس، وكل ما نستطيع أن نُقرَّه أن عنحوري — كما سنرى — كان أكثرَ نشاطًا وإنتاجًا ومعرفة بفنِّه من زملائه.
٢٩  Clot Bey, Compte rendu … p. 45.
٣٠  ص٤ من مقدمة الشيخ محمد الهراوي للكتاب.
٣١  انظر مقدمات الكتب التي ترجمها عحنوري، وخاصة القول الصريح، ومنتهى الأغراض.
٣٢  ص٨ من الكتاب.
٣٣  قرألي، المرجع السابق، ج١، ق١، ص١٣٠، انظر نفس المرجع، ص١١٢ حيث ورد في سجل الزواج في سنة ١٧٥٣ اسمُ «جرجس تيطي» الحلبي الماروني، تسمَّى بعدئذٍ فيدال.
٣٤  ص٣ من كتاب المنحة.
٣٥  ص٤٠٤ من نفس الكتاب.
٣٦  معجم الكتب العربية، عامود ١٠٣٥، وانظر أيضًا جورجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية … إلخ، ج٤، ص١٦٣.
٣٧  Clot, Compte rendu … p. 45.
٣٨  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣١١، انظر أيضًا الصفحات السابقة واللاحقة بنفس المرجع.
٣٩  انظر في: «محاضرة في تاريخ طائفة الروم الكاثوليك في مصر، للأب قسطنطين الباشا ص٥٣–٥٧» صورة رسالتين إحداهما بتاريخ غرة كانون الثاني سنة ١٧٩٠ ( ٦ ربيع آخر ١٢٠٤) صادرة من الكونت قسيس فرعون من مدينة «تريستا» إلى أعيان طائفته الدينية في مصر القاهرة بوقف داره وأملاكه في مصر على دير المخلص، والثاني في نفس التاريخ ومنه أيضًا إلى الخوري ديمتريوس رئيس الرهبان المخلصين في مصر، وتتعلَّق بنفس الموضوع، انظر أيضًا عن أفراد الأسرة ومراكزهم الدينية والمالية قرألي، المرجع السابق، ج١، ق١، ص١١٠ و١٢٢ وق٢، ص٢ و٥ و٢٨، وميخائيل بريك، تاريخ الشام، ص١١٥–١٢٠.
٤٠  هذه هي الخمسة كُتُب التي تمَّ طبعُها حتى سنة ١٢٥٠-١٢٥١ من كتب الطب البيطري المترجمة، ومع هذا فقد ذكر في تقويم النيل، ج٢، ص٤٢٥ أنه «صدر أمرٌ من محمد علي باشا إلى وكيل الجهادية في ربيع الثاني سنة ١٢٥٠ بطبع ١٠٠٠ نسخة من كتاب علاج الحيوان المختصة بصنعة البيطرية، الذي صار ترجمته من اللغة الفرنسية إلى العربية حسب إنهاء سليمان باشا للمجلس؛ لما فيه من الفائدة والمزايا.» غير أنني لم أُوفَّق للعثور على كتاب بهذا العنوان، طُبع في تلك السنة في أي فهرس من فهارس الكتب العربية المطبوعة أو المخطوطة.
٤١  انظر الفهرس الجديد للكتب العربية الموجودة بدار الكتب المصرية، ج٦، ص٨١-٨٢.
٤٢  ذكر عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣٢٤، نقلًا عن بعض وثائق عابدين، دفتر ٢٠٧٣ (مدارس تركي) رقم ٥٦٥ من ترجمة تقرير الديوان عن تنسيق المدارس في ٢٠ ذي القعدة ١٢٥٧، أن يوسف فرعون قد تَرجم «أكثر من ٢٠ كتابًا» في الطب البيطري، وقد ذكر جوجري زيدان، المرجع السابق، ص١٦٣، أسماء أحدَ عشرَ كتابًا منها، كما ذكر سركيس في معجمه أسماء اثنَي عشر كتابًا منها، وقد استطعتُ هنا أن أزيد عليها كتابَين، ولم أُوفَّق للعثور على بقية كتُبِه التي ترجمها إن صح الرقم الأول، وقد ذُكر في ج٦ من فهرس دار الكتب المصرية، ص٤٩ كتابٌ في الجغرافيا اسمه «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وأنه «تأليف أحد المستشرقين الإفرنج في زمن محمد علي، نقلَه إلى اللغة العربية يوسف فرعون، وصُحِّح بمعرفة رفاعة بك بدوي رافع الطهطاوي، طبع مالطة سنة ١٨٣٦ / ١٢٥١»، وهذا خطأ واضح؛ لأن فرعون كان في تلك السنة مترجمًا بمدرسة الطب البيطري في مصر — لا في مالطة — ويبدو لي أن هذا الكتاب من الكتب العربية التي طُبعت في مالطة ثم أُعيد تصحيحُه وطبْعُه في مصر بعد ذلك؛ فقد جاء في الصفحة الأولى من الطبعة المصرية، طُبع في مطبعة مكتب الطوبجية بناحية طرة بأمر حضرة أمير اللوا «سكورابيك» وبتصحيح الفقير رفاعة رافع الطهطاوي، مترجم الكتب المذكور، سنة ١٢٥٠ من الهجرة، وقال رفاعة في خاتمة هذه الطبعة، ص١٤٣: «هذا ما نحَونا نحوَ تصحيحه، واجتهدنا حسب الطاقة في تصليحه، وأوقعناه موقع التآليف العربية، وكانت عبارته مالطبية وحشية، فجاءت هذه الطبعة الثانية بالنسبة للعبارة أظرف من طبعة مالطة وأجمل، ولكن ينبغي أن نُقرَّ بأن الطبعة الأولى بمزية الضبط بالشكل أكمل» (لاحِظ أن كتُبَ عهْدِ محمد علي خاليةٌ تمامًا من الشكل).
٤٣  انظر بعض الكتب السابقة، مثل: منتهى البراح، ص٣، وغاية المرام، ص١، والتوضيح، ص٣-٤، وروضة الأذكيا ص١-٢ إلخ. هذا وقد نبَغ من أسرة فرعون مترجمٌ آخر اسمه «فلوريان فرعون»، وذكر سركيس في معجمه أنه «درس كأجداده اللغاتِ الغربية والشرقية، وبقيَ مدة مترجمًا في الجزائر، ثم انتقل إلى باريس، وكان محرِّرًا في جريدة «الفيغارو»، وكان مولعًا في الصيد، فنقل كتاب محمد بن منكلي المسمَّى «أنس الملا بوحش الفلا» إلى اللغة الفرنسية.» وطُبع في باريس سنة ١٨٨٠ مع النص العربي.
٤٤  الوقائع المصرية، العدد ٤٤٦، غرة جمادى الآخرة ١٢٤٨، ويؤيد هذا القرارَ ما ذكره الشيخ كساب في مقدمة الكتاب الذي تمَّ طبعُه في بولاق في غرة صفر ١٢٤٩؛ فقد قال في ص٣-٤ «ثم بعد تصحيحه ومقابلته بأصله، صدر أمرٌ كريم من رؤساء ديوان الجهادية بأن يقابلَه كلٌّ من الفاضل رفاعة أفندي رافع، والجناب المكرم بيكباشي هرقل، فبادَرَا بالامتثال، وقابلَاه مقابلة ليس لها مثال … إلخ.»
٤٥  وثائق عابدين، معية تركي، دفتر ٢٦، رقم ٢١٣، بتاريخ ٢١ ربيع الآخر سنة ١٢٤٣.
٤٦  تقويم النيل، ج٢ ص٤١٤.
٤٧  تقويم النيل، ج٢ ص٤٣٤.
٤٨  انظر الرافعي، عصر محمد علي ص٥٣٧.
٤٩  الدراسة الأولية في الجغرافيا الطبيعية، تأليف «فيلكس لامروس»، وترجمة الرشيدي، بولاق، ١٢٥٤، ص٣.
٥٠  البعثات العلمية في عصر محمد علي ص١٠ و١١، وتاريخ التعليم في مصر في عصر محمد علي ص٤٣٤ و٤٣٥.
٥١  انظر مثلًا، الرافعي، عصر محمد علي، ص٤٥٢.
٥٢  Cattaui, le Regne du Med. Ali, … etc. t, i, p. 387.
٥٣  أسرة بكتي من أقدم الأسر السورية المشهورة، وقد نزح أفرادٌ كثيرون منها إلى مصر في القرن الثامن عشر، وقد أهَّلتْهم معرفتُهم باللغات الأوروبية إلى تولِّي مراكز القنصلية للدول الأوروبية في القاهرة، وقد ورَد في سجلَّات العماد والزواج والوفاة للآباء الفرنسيسكان بالإسكندرية، اسمُ «يوسف بكتي»، وذكر أنه كان حاضرًا في حفل زواج أحد الإفرنج في ١٤ نوفمبر ١٧٥١، ثم في ٨ يناير ١٧٥٤ وقف عرَّابًا عند عماد طفل إنجليزي، وقد ورد في سجلَّات القاهرة أنه في ٢٠ أبريل ١٧٤٩ تمَّ زواجُ جرس بكتي. انظر: قرألي، السوريون في مصر، ج١، ق١، ص١٢٠، ١٠٨، حيث يُذكر أن جدَّ هذه الأسرة «أبو جيران» وفَد على مصر، وتُوفيَ بها سنة ١٧٦٢، وهو في سنِّ الثمانين، وقد نبغ من هذه الأسرة في أواخر القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر رجلان، أولهما بطرس بكتي، وكان قنصلًا للروسيا في القاهرة، وقد مدحه الشاعرُ المصري الشيخ شهاب الدين ببعض الأبيات، وكان لهذا الرجل الفضلُ الأكبر في تمهيد السبيل لسفر الشيخ محمد عياد الطنطاوي لتدريس اللغة العربية في جامعة «بطرسبورج»، وثانيهما يوسف بكتي هذا، وفضلُه هذا واضح في مساعدة محمد علي عند إيفاد أول بعثاته إلى إيطاليا، انظر: الباشا، محاضرة في تاريخ طائفة الروم الكاثوليك في مصر، ص١٨ و٤٣، وشيخو، الآداب العربية إلخ، ج١ ص٨٢، وقطاوي، المرجع السابق، في صفحات كثيرة منه، وانظر أيضًا مقالنا: الدكتور برون والشيخان محمد عياد الطنطاوي ومحمد عمر التونسي، مجلة كلية الآداب بجامعة فاروق الأول، العدد الثاني، ١٩٤٤.
٥٤  انظر: كلوت بك، لمحة عامة إلى مصر، ج٢، ص٥١٠، حيث يقرظ عثمان نور الدين ويعدُّه من نوابغ البعثات الأولى.
٥٥  Brocchi, Op. Cit. t. 1, pp. 159–161.
٥٦  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٤٣٥، وانظر أيضًا: Cattaui, Op. Cit. t. I, p. 388.
٥٧  انظر مقدمة القاموس.
٥٨  انظر عمر طوسون، المرجع السابق، ص١١، والرافعي، عصر محمد علي، ص٤٢٨–٤٣٠.
٥٩  انظر عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣٣٤ و٣٨٩ و٤٣٤–٤٣٦.
٦٠  نشر المسيو «جومار» تقريرًا مسهبًا عن هذه البعثة في Journal Asiatique 1828، وقد لخَّص المغفور له الأمير طوسون هذا التقريرَ في كتابه عن البعثات، ص١٢–٣٤، انظر أيضًا «كلوت بك» لمحة عامة إلى مصر، ج٢، ص٥١١.
٦١  Cattaui, Op. Cit. t. 1. p. 389.
٦٢  Op. Cit. t. 1, p. 388.
٦٣  ترجمة تاريخ الديار المصرية في عهد الدولة المحمدية العلية، وهو من تأليف برنار وترجمة أبي السعود أفندي، مخطوط بمكتبة البلدية بإسكندرية، ص١١٨-١١٩، ولأبي السعود أفندي كتابٌ آخر اسمه منحة أهل العصر بمنتقى تاريخ محبي مصر، وهو مخطوط أيضًا بنفس المكتبة، قال فيه، ص٤٢-٤٣ عن هذه الحادثة ما يلي:
وبعد أن تمَّ انعقادُ الصلح
ونال باشا مصر كلَّ النجح
نوى إلى كريد الارتحالا
لأجل أن يُصلح فيها الحالا
حلَّ بها وغيَّر الإدارة
بحسن تنظيم رأى إيثاره
فقام من ذلك فيها قوم
أصابهم من الأمير اللوم
وآل أمرُهمُ إلى الإطاعة
وأمر عثمان إلى الإضاعة
وانظر أيضًا عمر طوسون المرجع السابق، ص١١، هامش ١، والرافعي، عصر محمد علي، ص٤٢٩-٤٣٠.
٦٤  مقدمة تاريخ الوقائع المصرية، ص«ن».
٦٥  حقائق الأخبار، ج٢، ص٤٨.
٦٦  وثائق عابدين، دفتر ١١٨ «مدارس عربي» ص٧٤١، رقم ٥٣ إلى شورى الأطباء، في ١٩ ذي الحجة ١٢٦٤.
٦٧  يقول عمر طوسون، المرجع السابق، ص٤٤، هامش ١، لعله هو الدكتور محمد نافع الذي نوَّه به الدكتور «كلوت بك» في كتابه «نظرة عامة حول مصر، وفاخر بتخرجه من مدارس فرنسا».
٦٨  ذكر الدكتور عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣٠٣ أن الدكتور علي هيبة كان عضوًا في بعثة ١٨٣٢، وأنه عاد إلى مصر في سنة ١٨٣٧، وهذا خطأ واضح؛ إذ إنه من الثابت قطعًا أن هيبة كان عضوًا في بعثة سنة ١٨٢٦، ذكر ذلك المسيو «جومار» في تقريره عن هذه البعثة، ونقلَه عنه عمر طوسون، ويُؤكِّد هذه الحقيقة أن الكتابَين الأول والثاني تُرجمَا وطُبعَا في بولاق سنة ١٢٥١ / ١٨٣٥ وسنة ١٢٥٢ / ١٨٣٦، فكيف يحدث هذا إذا كان هيبة لم يعُدْ من فرنسا إلا سنة ١٨٣٧؟
٦٩  هكذا ذكره سركيس في معجمه «عامود ١٧٠»، ولم أجد اسمَ هذا الكتاب في قائمتَي «رينو» و«بيانكي».
٧٠  انظر إسعاف المرضى «ص٨»، وقد قام بمراجعة الترجمة على نصٍّ إيطالي عنحوري والشيخ الدسوقي.
٧١  المرجع السابق، ص١٧٢.
٧٢  علي مبارك، الخطط، ج١٧، ص٤، وانظر أيضًا عمر طوسون، المرجع السابق، ص١٢٥-١٢٦.
٧٣  انظر عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٢٨٤-٢٨٥ و٤٤٣.
٧٤  علي مبارك، الخطط، ج١١، ص٨٥، وعمر طوسون، المرجع السابق، ص١٢٣.
٧٥  المرجع السابق، ص٢٧١–٢٧٣ و٤٤٢.
٧٦  ذكر عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٢٥٨ أن المصححَين اللذَين أُرسلا في بعثة ١٨٣٢ هما الشيخان محمد الهراوي وأحمد الرشيدي. والصحيحُ ما ذكرناه؛ فقد ذكر في الوقائع المصرية، العدد ٤١٢، ٧ ربيع الأول ١٢٤٨، أن مجلس الجهادية قرَّر في ٢٦ صفر «انتخاب اثنين مصححَين بمعرفة الشيخ الهراوي رئيس مصححي مدرسة الطب البشري، بدلًا من كلٍّ من الشيخ أحمد الرشيدي، والشيخ السيد حسين غانم من مصلحي الترجمة بالمدرسة المذكورة نظرًا لسفرهما إلى أوروبا صحبة كلوت بك»، راجع أيضًا عمر طوسون، المرجع السابق ص١٢٤، ١٣٠. ومما يدل على تفوق السيد أحمد الرشيدي على أقرانه من المصححين أن لجنة الامتحان بمدرسة الطب اقترحت في ١٨٣٠ قُبيل سفره رفْعَ مرتَّبِه مكافأةً له، انظر عبد الكريم، ص٢٨٩ هامش ١.
٧٧  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣٠٣.
٧٨  تاريخ آداب اللغة العربية، ج٤، ص١٦٥.
٧٩  انظر الجزء الثالث من هذا الكتاب، ص٤٣٨.
٨٠  الشذور الذهبية، ص«ﺟ»، وقد عمَّر الشباسي طويلًا، فعاش حتى آخر عهد إسماعيل، وتُوفيَ في سنة ١٨٩٤، وقد بلغ التسعين من عمره.
٨١  انظر مقدمة الكتاب، ص٤.
٨٢  انظر خاتمة الكتاب، ج٣، ص٤٠٠.
٨٣  يقصد كتاب القول الصريح في علم التشريح، وهو أول كتاب تُرجم وطُبع من كتب الطب.
٨٤  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٢٧٤.
٨٥  انظر الدكتور أحمد عيسى بك، معجم الأطباء، ص٤٥٧-٤٥٨.
٨٦  عمر طوسون، المرجع السابق، ص٢٧.
٨٧  سامي باشا، تقويم النيل، ج٢، ص٤٣٤ و٥٨٣.
٨٨  المرجع السابق، ص٤٣٤، أمر من محمد علي إلى ناظر المهمات بتاريخ ٢٨ ذي الحجة سنة ١٢٥٠.
٨٩  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٣١٢.
٩٠  المرجع السابق ص٩٣–٩٤، أما بقية الأعضاء فهم: مختار بك رئيس، وكلوت بك، وكاني بك، وأرتين بك، واسطفان أفندي، ومسيو فارن Varin مدير مدرسة الفرسان، وحكاكيان أفندي، والشيخ رفاعة، ومسيو هامون Hamont ناظر الطب البيطري، ومسيو لامبيير Lambert ناظر المهندسخانة، وكان سكرتير اللجنة المسيو دوزول Dozol.
٩١  علي مبارك، الخطط، ج١١، ص٦٨.
٩٢  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٤١١.
٩٣  انظر تفصيلات أكثر عن أعمال هؤلاء المعاونين وأسماء بعضهم، المرجع السابق ص١١٦-١١٧.
٩٤  قام بتصحيح الكتب التي تُرجمت بمدرسة الهندسة، وتهذيب عباراتها الشيخُ إبراهيم عبد الغفار الدسوقي (انظر صورًا لصفحات من هذه الكتب فيما يلي، ص١١٤، ١١٦، ١١٨).
٩٥  دفتر ٢٠٧٣ «مدارس تركي» رقم ٥٦٥، إلى شورى المعاونة في ٢٠ ذي القعدة ١٢٥٧ (وثائق عابدين).
٩٦  كان من بينهم السيد أفندي عمارة بن عبد العال مترجم كتاب «تهذيب العبارات في فنِّ أخذ المساحات».
٩٧  علي مبارك، المرجع السابق، ج١١، ص٦٨.
٩٨  ذكر سامي باشا في تقويم النيل، ج٢، ص٤٣٤، هامش ١، أن حكومة فرنسا أرسلت في سنة ١٨٥٠ / ١٢٦٦ أحدَ أقران بيومي أفندي بمدرسة الهندسة التي كان بها في فرنسا لزيارته في منفاه، وبعد زيارته طُبع كتابًا عنوانه بيومي أفندي في منفاه، ١٨٥٠، وقد بحثت كثيرًا عن هذا الكتاب فلم أُوفَّق للعثور عليه.
٩٩  رستم، بيان بوثائق الشام … إلخ، المجلد الثالث، ص٣٠١، ٣٠٢، ٣٠٤.
١٠٠  Dunne, Op. Cit. pp. 347-348.
١٠١  انظر هذا الكتاب ص١٠ و١١٥، وعزمي أفندي هو أحد خريجي الألسن الذين عُيِّنوا لتدريس الفرنسية بالمهندسخانة، وفي هذا الكتاب وغيره من الكتب الرياضية ظاهرةٌ لم نلاحظْها في الكتب الطبية المترجمة، وهي تعاون اثنين أو ثلاثة في ترجمة كتاب واحد، انظر أيضًا كتاب الميكانيكا الذي اشترك في ترجمته بيومي وطايل.
١٠٢  كان ينسخ أصولَ الكتب التي طُبعت على حجر بمطبعة المهندسخانة بخط جميل محمد أفندي مذكور، انظر الكتاب السابق ص١١٥، وكتاب الدر المنثور في الظل والمنظور، ترجمة صالح مجدي، ص١٤١، كذلك تحمل كلُّ صفحة من صفحات هذه الكتب توقيعاتِ المترجمين والمصححين بخطِّهم في أسافلها، مثل إبراهيم رمضان، وصالح مجدي، وإبراهيم الدسوقي إلخ.
١٠٣  الكتابان الأخيران طُبعَا في عهد عباس الأول.
١٠٤  ترقَّى دقلة في مدرسة الهندسة حتى أصبح وكيلَها، وفي سنة ١٢٦٦ نُقل إلى قلم الهندسة وقد أبعد عن العمل في عهد عباس الأول، فلزم بيتَه إلى أن مات في ١٢٧٣. يقول علي مبارك في الخطط، ج٩، ص٦٥: «وأكثر المهندسين الموجودين الآن تلقَّوا عنه، وكان حسنَ الإلقاء يجتهد في التعليم، ويحثُّ على الفهم، وكان من أعظم المهندسين، غير أنه كان يميل إلى الشرب.»
١٠٥  كان يُدرِّس علمَي الميكانيكا والجبر حتى سنة ١٢٥٨، حيث عُيِّن مهندسًا للركاب العالي، وفي هذه الوظيفة اتُّهِم بالرشوة لصرف الشغالة قبل استيفاء العمل، فعُزل وحُكم عليه بالليمان فأُلحق بليمان الترسانة بالإسكندرية، وعُفيَ عنه بعد سنة ونصف سنة وعُيِّن معاونًا بديوان المدارس، وفي سنة ١٢٦٦ أرسِلَ مدرِّسًا بمدرسة الخرطوم الابتدائية، وفي أول عهد سعيد باشا عاد إلى مصر مريضًا بالحمى، وتُوفيَ في بولاق بعد وصوله بليلتين. يقول عنه علي مبارك، المرجع السابق، ج٩، ص٧٨: «وكان قصير القامة صغير الجسم، كبير الفهم، لا يبالي بأكثر الأمور، وله جرأة على الأمراء وإقدام، وكان محبًّا للتلامذة، يرغب في تعليمهم، وأخذ عنه أكثرُهم أو جميعهم.»
١٠٦  كان مدرِّسًا للطبيعة والكيمياء في المهندسخانة، وارتقى حتى أصبح وكيلًا لها، ثم عُيِّن مهندسًا للسكة الحديدية، وتقدَّم في هذه المصلحة حتى صار باشمهندس عموم السكك الحديدية المصرية، وإليه يرجع الفضلُ في إنشاء معظم خطوطها، وباسمه سُمِّيَت محطة فايد إحدى محطات خط السويس القديم، وقد حصل في أواخر أيامه على رُتبة «باشا»، وتوفي سنة ١٨٨٢، انظر عمر طوسون المرجع السابق ص٦٢.
١٠٧  ذكر سركيس في معجمه أن أحمد فايد ترجَم كتابًا اسمه «الجيولوجيا» طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧، وإني أرجح أن يكون هو نفس الكتاب الذي ذكرته لاتفاقهما في الموضوع وسنة الطبع، ومكانه.
١٠٨  انظر هذا الكتاب، ص٣.
١٠٩  حلية الزمن بمناقب خادم الوطن.
١١٠  يقول علي مبارك، الخطط ج١٣، ص٥٤: «وكان له رحمه الله (يقصد رفاعة) منزلة خاصة عند الشيخ حسن العطار، فكان يشترك معه في الاطلاع على الكتب الغربية التي لم تتداولْها أيدي علماء الأزهر.»
١١١  المرجع السابق، ج١٣، ص٥٤.
١١٢  أحمد أمين، الشيخ رفاعة الطهطاوي، الثقافة، العدد ٢٣٠.
١١٣  تخليص الإبريز، ص٤.
١١٤  أخذنا هذا التاريخ عن المرجع السابق، ص٣٠، ولكن عمر طوسون ذكَر في كتابه البعثات، ص١٢ أن هذه البعثةَ غادرتْ مصر في مايو ١٨٢٦، ووصلتْ إلى فرنسا في يوليو. وسببُ هذا الاختلافِ أن الأمير اعتمد على تقرير المسيو «جومار» الذي نشرَه في المجلة الآسيوية سنة ١٨٢٨، حيث ذكَر فيه أن البعثة وصلتْ إلى فرنسا في يوليو ١٨٢٦، ولا شك أن «جومار» يقصد أن البعثة وصلتْ إلى باريس — لا فرنسا — في هذا التاريخ؛ لأن البعثةَ قضتْ شهر يونيو وأيامًا من مايو في مارسيليا.
١١٥  تخليص الإبريز، ص١٧٢، وإن كان علي مبارك في المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة قد قال: إنه «شرع حين ركوب الباخرة من الإسكندرية في تعلُّم مبادئ اللغة الفرنساوية بهمَّة عالية وعزيمة صادقة.»
١١٦  تخليص الإبريز، ص١٧٢.
١١٧  تخليص الإبريز ص١٧٢.
١١٨  من تقرير أستاذ رفاعة المسيو «شواليه» عنه، المرجع السابق، ص١٩٦.
١١٩  انظر كتابنا «رفاعة الطهطاوي»، زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي، مجموعة أعلام الإسلام، القاهرة، ١٩٤٦.
١٢٠  يؤيد رأْيَنا السابق أن أربعة من هذه الكتب التاريخية قد ترجمَها رفاعة وتلاميذُه في مدرسة الألسن، وهي: سير فلاسفة اليونان، وقد ترجمه عبد الله أفندي حسين أحد تلاميذ الألسن، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٢، تحت عنوان «تاريخ الفلاسفة اليونانيين»، و«تاريخ قدماء المصريين والعراقيين … إلخ»، وقد تعاون على ترجمته ثلاثة من تلاميذ الألسن، هم مصطفى الزرابي ومحمد عبد الرازق وعبد الله أبو السعود، وراجعه وقدَّم له رفاعة، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٤ تحت عنوان بداية القدماء وهداية الحكماء، ثم طُبع طبعة ثانية في سنة ١٢٨٢ في عصر إسماعيل، وكتاب سير أخلاق الأمم … إلخ، وقد ترجمه رفاعة وهو في باريس، وطُبع في بولاق سنة ١٢٤٩ تحت عنوان «قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر»، ثم رحلة «أنخرسيس»، وقد وُزِّع فصولًا على اثنَي عشر مترجمًا من خريجي الألسن في ذي الحجة سنة ١٢٦٠ لترجمته في مدد تتراوح بين ٥ و١٠ أشهر، وثائق عابدين دفتر ٢٠٩٨، ص١٥٣، رقم ٢٤، ٣٥ الحجة ١٢٦٠، من مدرسة الألسن إلى ديوان المدارس، ولكن هذه الترجمة لم تُطبع، انظر الملحق الرابع في آخر الرسالة.
١٢١  تخليص الإبريز، ص١٨٦.
١٢٢  تخليص الإبريز، ص١٨٦-١٨٧.
١٢٣  بدأ رفاعة فترجم فصولًا من هذا الكتاب وهو في باريس، ثم ترجم الجزأين الأول والثالث منه بعد عودته إلى مصر.
١٢٤  تُرجم في عصر محمد علي كتاب واحد في المنطق من تأليف «ديمرسيه» Dumarsais، ترجمه خليفة محمود، أحد خريجي الألسن، وطبع في بولاق سنة ١٢٥٤، تحت عنوان «تنوير المشرق بعلم المنطق».
١٢٥  هذا الكتاب من تأليف «فرارد»، وقد ترجمه رفاعة وهو في باريس، وطُبع في بولاق سنة ١٢٤٨، تحت عنوان «المعادن النافعة».
١٢٦  أورد رفاعة في رحلته، ص١٨٨–١٩١ ترجمةَ مقالةٍ من هذه المقالات، وهي رسالةٌ من جندي فرنسي كان متطوعًا في الجيش الروسي أثناء الحرب بين روسيا وتركيا.
١٢٧  تخليص الإبريز، ص١٨٧-١٨٨، انظر أيضًا: Cara de Vaux; les Penseurs de l’islam, t. V, pp. 242-243.
١٢٨  تخليص الإبريز، ص١٩١.
١٢٩  المرجع السابق، ص١٩٢.
١٣٠  المرجع السابق، نفس الصفحة.
١٣١  المرجع السابق، ص١٨٠.
١٣٢  تخليص الإبريز، ص١٨٢.
١٣٣  المرجع السابق، ص١٩٢.
١٣٤  أرجح أن تكون هذه النبذة جزءًا من كتاب «بداية القدماء وهداية الحكماء» الذي ترجمه فيما بعد بعضُ خريجي الألسن تحت إشراف رفاعة، انظر هذا الكتاب، الطبعة الثانية، بولاق ١٢٨٢، ص١٣٤–١٥٠.
١٣٥  أرجح أن تكون هذه النبذة جزءًا من ملحق الكتاب السابق في موضوع «الميثولوجيا اليونانية»، ترجمة محمد عبد الرازق أحد خريجي الألسن، المرجع السابق ص٢٠١–٢٧٩.
١٣٦  أرجح أن تكون هذه النبذة هي التي ضمَّنَها رفاعةُ رحلتَه تحت عنوان «نبذة في قانون الصحة»؛ فقد قال في ص١٢٠: «ولنذكر لك نبذةً من فنِّ قانون الصحة، وتدبير البدن، حتى تتمَّ فائدةُ هذه الرحلة، وهذه النبذة ترجمتها في باريس لقصد استعمال جميع الناس بمصر لها لصغر حجمها … إلخ.» انظر: تخليص الإبريز، ص١٢٠–١٣٩.
١٣٧  ترجمةُ هذا الدستور موجودة في تخليص الإبريز، ص٨١–٩٣ وانظر أيضًا ص١٩٧.
١٣٨  المرجع السابق، ص٧٦–٧٩، وفيما يلي بعضُ أبيات من قصيدة الخواجة يعقوب التي ترجمها رفاعة:
أحرق العشقُ قلبَها كاحتراقي
فأتتْ تُطفئ اللظى بالعِناق
فتضاممْنا ضمَّةَ المشتاق
وتَلاثمْنا عادة العشَّاق
فتثنَّتْ لتخجل الغصن قدَّا
هذا ولم أُوفَّق لمعرفة شيء عن هذا الشاعر يعقوب أكثر مما ذكر رفاعة، وقد ذكَر عمر طوسون، البعثات، ص١٥٢–١٥٤ أنه كثيرًا ما ذكر في دفتر رقم ٨٧٥ (بدار المحفوظات المصرية، وهو دفتر به حساب بعثة ١٨٢٦) اسمَ الخواجة يعقوب، وأمامه مبالغ من الفرنكات شهرية، قيمة مشروبه من النبيذ، وقد عقَّب الأمير على هذا بقوله: «وإننا لا ندري مَن هو الخواجة يعقوب هذا، وما هي المهمة التي كان يتقاضى عنها هذا المرتب؟»
١٣٩  تخليص الإبريز، ص٧٦–٧٩.
١٤٠  المرجع السابق، ص١٩٣.
١٤١  المرجع السابق، ص١٩٤.
١٤٢  تخليص الإبريز، ص١٩٤.
١٤٣  المرجع السابق، ص٢٤٤.
١٤٤  الخطط التوفيقية، ج١٣، ص٥٤.
١٤٥  علي مبارك، الخطط التوفيقية، ج١٣، ص٥٤.
١٤٦  ذكر صالح مجدي في حلية الزمن أن رفاعة ترجم فيما ترجم رسالة في الطب، وليس في كتب رفاعة التي طبعت رسالة بهذا العنوان، انظر أيضًا الرافعي، عصر محمد علي، ص٥١٤.
١٤٧  كانت مدرسة الطب البيطري قد نُقلت في ذلك الوقت من رشيد إلى أبي زعبل لتكون ومدرسة الطب البشري تحت إشراف واحد.
١٤٨  الوقائع المصرية، العدد ٤٤٦، غرة جمادى الآخرة سنة ١٢٤٨.
١٤٩  التوضيح لألفاظ التشريح، ص٢٩١-٢٩٢.
١٥٠  صالح مجدي، المرجع السابق، ص١٥، وانظر تفصيلات وافية عن هذه المدرسة في عزت عبد الكريم، المرجع السابق ص٤٠٣–٤١٨.
١٥١  طُبع هذا الكتاب طبعةً ثانية في ١٢٥٩ وثالثة في ١٢٧٠ في مطبعة المهندسخانة، وقام بتنقيح الطبعة الأخيرة «بُرعي أفندي»، وبتصحيحها الشيخ الدسوقي، انظر الطبعة الثالثة، ص٣-٤.
١٥٢  تقويم النيل، ج٢، ص٤٥١.
١٥٣  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٤١٥-٤١٦ (عن وثائق عابدين، دفتر ٢١٢ «معية» ص٣٩، رقم ١٧٧ إلى الباشا السر عسكر، في ١٩ رمضان ١٢٥١).
١٥٤  تخليص الإبريز، ص٢٤٤.
١٥٥  ص٣-٤، وقد طُبع هذا الكتاب في ١٢٥٠، ثم أُعيد طبعُه في ١٢٥٤، وقد أضاف إليه رفاعة ملحقًا في القسموغرافية، أي علم هيئة الدنيا، «وأضاف إليه في آخره قائمةً بالألفاظ الاصطلاحية المستعملة في الجغرافيا مرتَّبة على حروف المعجم شأنه في كثير من الكتب التي ترجمها؛ وذلك كما يقول لتسهيل هذا الفنِّ على الطالب، وفي نهايته لوحتان بهما صورٌ إيضاحية.»
١٥٦  ذكر Lindsay, Letters on Egypt, Edom and the Holy L, and vol 2. p. 50 أن أُقيم كتابٌ طبعه الباشا هو الأطلس العربي الذي نقلَ عن نسخة طبعتْها الإرسالية الدينية في جزيرة مالطة.
١٥٧  ص١١١-١١٢.
١٥٨  تخليص الإبريز، ص١٨٥.
١٥٩  الجغرافيا العمومية لملطبرون، ترجمة رفاعة، ج١، ص٢، وقد سأل مسيو «رينو» الشيخَ رفاعة — في خطابه إليه قبل عودته من باريس — أين وصل في ترجمة الجزء الأول، وذكر له أن هذا الكتاب يُطبع طبعة جديدة فيها زيادات، انظر تخليص الإبريز، ص١٨٥، وقد أشير في الطبعة السادسة من الأصل الفرنسي لهذا الكتاب إلى ترجمة رفاعة؛ فقد ورد في ص٩ هامش واحد ما يلي: Depuis que nous avons terminé le précis, des traductions en ont été publiée dans plusieurs pays, entre autres une en anglais, à Edinbourg, et une en arabe au Caire. Voir; Malte-Brun, Géographie Universelle 6 eme, édition, t, l. Paris 1853.
١٦٠  الجغرافية العمومية، ج١، ص٢-٣.
١٦١  عابدين، خديوي تركي، دفتر ٧٧٨، رقم ١٩٩ و٢٠٣ (انظر أسد رستم، بيان بوثائق الشام، ج٢، ص١٣٤).
١٦٢  تقويم النيل، ج٢، ص٤٠٧.
١٦٣  عابدين، محفظة ٢٤٥، رقم ٧٣ (انظر أسد رستم، بيان بوثائق الشام، ج٢ ص٢٩٥).
١٦٤  تقويم النيل، ج٢، ص٤١٩.
١٦٥  معية تركي، دفتر ٥٩، رقم ٣٩٨ (انظر رستم، بيان بوثائق الشام، ج٢، ص٥٠٤).
١٦٦  تاريخ التعليم في عصر محمد علي، ص٣٣٢.
١٦٧  ص٢٣٦.
١٦٨  ص٤.
١٦٩  عابدين، وثيقة رقم ٦٥، دفتر رقم ٢٨٦، شورى المعاونة، تاريخ غرة صفر ١٢٥٨.
١٧٠  عابدين، وثيقة رقم ٥٨٤ «دفتر ٢٠٧٣، ص٨٢-٨٣، تاريخ ٢٧ ذي القعدة سنة ١٢٥٧».
١٧١  ذكر صالح مجدي، في حلية الزمن ص١٥-١٦ أن رفاعة تولَّى نظارة الوقائع في ١٢٥١، وأنه ظلَّ مشرفًا عليها حتى ١٢٦٧، والتاريخان فيما يظهر غير صحيحين؛ لأن قرار اللجنة صدَر في ذي القعدة ١٢٥٧، وفي ١٢٦٧ كان رفاعة في السودان ناظر المدرسة بالخرطوم.
١٧٢  تاريخ الوقائع المصرية، ص٥١.
١٧٣  تاريخ الوقائع المصرية، ص٤٧–٤٩.
١٧٤  المرجع السابق، ص٥١، وانظر لتفسير هذا القول افتتاحية العدد ٦٢٣ من الوقائع المصرية بتاريخ غرة ربيع آخر سنة ١٢٥٨ بعنوان «تمهيد»؛ فقد بدأها بتفسير القول المعروف: «الناس على دين ملوكهم» في العصور المختلفة، ثم ذكر أن الناس في عصره كانوا يتحدثون دائمًا عن الأخبار الداخلية والخارجية، «وهذا ما يسمَّى بالبوليتيقة، والمتكلم في شأن ذلك يقال له بوليتيقي، فما كان بين الدول والمِلل يقال له: «بولوتيقة خارجية»، وما كان في دولة واحدة مما يتعلَّق بانتظامها وتدبيرها يقال له: «بولوتيقية داخلية»، والغالب أن «الغازبتات» والوقائع هي التي تتكلَّم عن كلٍّ من البوليتيقا الداخلية والخارجية … إلخ».
١٧٥  تقويم النيل، ج٢، ص٥٤١، وقد ذكر الرافعي خطأً في عصر محمد علي، ص٤٨٧ أنه أنعم عليه بهذه الرتبة في سنة ١٢٦٢.
١٧٦  هو الجزء الثالث، ولم يُطبع من هذا الكتاب إلا الجزءان الأول والثالث، وقد يكون تفسيرُ هذا أن الحاجة لم تكن ماسَّةً لترجمة الجزء الثاني الخاص بأوروبا، أما الجزء الثالث الخاص بجغرافية آسيا فقد كان ضروريًّا؛ ففي ربوع الشام، وآسيا الصغرى، وبلاد العرب — وكلُّها أقاليم آسيوية — كانت حروب محمد علي، وإليها كانت تنتهي آمالُه، والعجيب أنه لم يذكر بهذين الجزأين تاريخَ طبعهما، وإنما ذكَر في مقدمة الجزء الأول، وخاتمة الجزء الثالث أنهما من ترجمة رفاعة بك «ناظر مدرسة الألسن وقلم ترجمة»، مما يجعلني أُرجِّح أن الأول طُبع بعد سنة ١٢٥٨، وهي السنة التي أُنشئ فيها قلمُ الترجمة، والثالث بعد ١٢٦٣ وهي السنة التي أُنعم عليه فيها برتبة أميرالاي بمناسبة ترجمتِه هذا الجزء، ونحبُّ أن نُشير هنا إلى أنه ليس صحيحًا ما ذكره زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية، ج٤، ص٢٥٧، من أن رفاعة تَرجم من هذا الكتاب «أربعة أجزاء طُبعت في بولاق»، وقد ذكر عزت عبد الكريم في كتابه «تاريخ التعليم في عصر إسماعيل، المجلد الأول، ص١٤٧» أنه طلَب من رفاعة بك أن يسرع قلم الترجمة (الذي كان يتولَّى نظارته في عهد إسماعيل) في إتمام ترجمة جغرافية «ملطبرون» التي أصدَر رفاعةُ بعضَ أجزائها في عصر محمد علي، فشكا القلمُ من قلة عدد المترجمين.
١٧٧  علي مبارك، الخطط التوفيقية، ج١٣، ص٥٤.
١٧٨  الرافعي، عصر إسماعيل، ج١، ص٩-١٠، وانظر أيضًا ص١٥.
١٧٩  Sammarco, Précis de l’histoire d’Egypte, IV, p. 4.
١٨٠  عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم في عصر عباس وسعيد، ص٥ و٦، وانظر أيضًا Dunne, An Introduction to the History of Education in Egypt, p. 289 هذا ولم يدافع عن سياسة عباس التعليمية، وخاصة نحو البعثات إلا المغفور له الأمير عمر طوسون في كتابه عن هذا الموضوع، ص٤١٦–٤١٨.
١٨١  الرافعي، عصر محمد علي، ص٤٨٩-٤٩٠.
١٨٢  عزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٥٨.
١٨٣  مناهج الألباب المصرية، ص٣٦٥.
١٨٤  المرجع السابق، ص٢٦٨.
١٨٥  الثقافة، العدد ٢٣٤.
١٨٦  عابدين، دفتر رقم ١٩٥٨، قرارات المجلس المخصوص، المكاتبة التركية رقم ٤، ص١١٩، بتاريخ ١٥ رجب ١٢٦٦. انظر تفصيل الحديث عن هذه المدرسة في: «أول مدرسة مصرية في السودان» للأستاذ عبد العزيز عبد المجيد، الثقافة، العددان، ٢٢٤ و٢٢٥.
١٨٧  مناهج الألباب، ص٢٦٧.
١٨٨  طبَع هذا الكتابَ فيما بعد أحدُ تلاميذ رفاعة بعنوان: «مواقع الأفلاك في وقائع تليماك» في بيروت (بدون تاريخ).
١٨٩  انظر تفصيل هذه الجهود في: عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم، في عصر إسماعيل المجلد الأول، ص١٤٠–١٥٥.
١٩٠  مناهج الألباب، ص٢٦٦.
١٩١  المرجع السابق، ص٤٤٩-٤٥٠.
١٩٢  Dunne. Printing and Translations etc. p. 348.
١٩٣  أبو السعود، منحة أهل العصر … إلخ، ص٥٩.
١٩٤  قدري باشا، معلومات جغرافية.
١٩٥  الخطط التوفيقية، ج١٣، ص٥٤-٥٥.
١٩٦  بين وثائق عابدين قوائم مختلفة لتوزيع الكتب على المترجمين في مدرسة الألسن، انظر مثلًا، دفتر ١٠٩١ «مدارس تركي» ورقة ١٠، رقم ٨٢، ودفتر ٢٠٩٨ «مدارس تركي» رقم ٢٤، وغيرها، وقد أثبتنا واحدة من هذه القوائم كملحق لهذا البحث، انظر أيضًا عزت عبد الكريم: التعليم في عصر محمد علي، ص٣٤٣.
١٩٧  الروض الزهر، ص٣٤٧.
١٩٨  تاريخ ملوك فرنسا، ص٢٧٦، انظر أيضًا سياحة في أمريكا، ص١١٩، وتهذيب العبارات في فن أخذ المساحات، ص١٧٢ … إلخ.
١٩٩  تاريخ ملوك فرنسا، ص٢.
٢٠٠  الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر، ص٣.
٢٠١  مطالع شموس السير، ص٣.
٢٠٢  المرجع السابق، ص٢٥٥.
٢٠٣  انظر قائمة كتبه في معجم سركيس، عمودا ٣١٤-٣١٥.
٢٠٤  انظر ملابسات إنشاء هذه الصحيفة، وجهود أبي السعود في تحريرها في: (إبراهيم عبده، أعلام الصحافة العربية، ص١١٤–١١٨).
٢٠٥  الخطط التوفيقية، ج٨ ص٢٣، وقد ترجم للسيد صالح مجدي ترجمةً مختصرة جورجي زيدان في «مشاهير تراجم الشرق» ج٢ ص١٢٦–١٢٩، وترجم له ترجمةً مطولة ابنُه محمد مجدي في مقدمة ديوانه الذي نشره بعد وفاته ص«د–ي»، والترجمتان معتمدتان كثيرًا على ما جاء في ج٨ من الخطط عنه.
٢٠٦  الخطط التوفيقية، ج٨، ص٢٣.
٢٠٧  انظر عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم في عصر إسماعيل، ص١٠٨–١١٢.
٢٠٨  الخطط التوفيقية، ج٨، ص٢٤.
٢٠٩  المرجع السابق، ص٢٥.
٢١٠  المرجع السابق، ص٢٤.
٢١١  ديوان صالح مجدي، المقدمة، ص«ط».
٢١٢  الخطط التوفيقية، ج٨، ص٢٥.
٢١٣  ص«ﺟ-د» من المقدمة.
٢١٤  الوقائع المصرية، العدد ٣٩٦ في ٢٥ المحرم سنة ١٢٤٨.
٢١٥  Bianchi, Cataiogue Général des livres arabes, persans et turc … etc.
٢١٦  الوقائع المصرية، عدد ٤٣٧ في ٩ جمادى الأولى ١٢٤٨.
٢١٧  عابدين، معية تركي، ٥٠ رقم ١٥.
٢١٨  عابدين، محفظة ٢٣٩، رقم ٢٣٩ و٢٤٠.
٢١٩  عابدين، محفظة ٢٤١، رقم ١٤٨.
٢٢٠  عابدين، محفظة ٢٤٨ رقم ٧٥.
٢٢١  الودائع المصرية العدد ٥٤٨، بتاريخ ٢٠ ربيع الثاني سنة ١٢٤٩.
٢٢٢  تقويم النيل، ج٢، ص٤٥٥.
٢٢٣  Bianchi. Op. Cit.
٢٢٤  تقويم النيل، ج٢، ص٤٢٨.
٢٢٥  المرجع السابق، ص٤٢٧.
٢٢٦  عابدين محفظة ٢٤٠، رقم ٣٠.
٢٢٧  عابدين دفتر ٢١٠، رقم ١٨٥.
٢٢٨  عابدين محفظة ٢٤٣ رقم ٤٤–١٤٦.
٢٢٩  تُرجم هذا الكتاب تحت عنوان «وصايا نامه سفرية»، ولفظ سفر في اللغة التركية معناها الحرب، ويقابلها لفظ الحضر؛ أي السلم؛ لأن الجند أثناء القتال يكونون دائمًا على سفر؛ ولهذا يكون معنى العنوان «وصايا فريدريك الأكبر الحربية لقواده» (صدرت هذه الوصايا في سنة ١٧٦٠)، وهو كتاب صغير في ١٤٥ صفحة من القطع الصغيرة، انظر مقدمته حيث يشير فيها المترجم إلى أنه ترجمه في سنة ١٢٢٠، وأنه طُبع تنفيذًا لأمر محمد علي (انظر صورة الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب في الصفحة المقابلة).
٢٣٠  عابدين دفتر ٢١٠ رقم ٤٥٤.
٢٣١  تقويم النيل، ج٢ ص٤٣٤.
٢٣٢  عابدين محفظة ٢٥٢، رقم ١٠٩–٢٠٣ مكرر.
٢٣٣  تقويم النيل، ج٢ ص٥٠٨.
٢٣٤  المرجع السابق، ص٥٠٧.
٢٣٥  الوقائع المصرية العدد ١٣٧ تاريخ ٢٦ ذي القعدة ١٢٦٤، وانظر أيضًا المرجع السابق ص٦٢٠.
٢٣٦  ظهر من رجال الهندسة الحربية في عصر محمد علي رجلان بهذا الاسم؛ أما أولهما فمصري من البتانون ترجم له علي مبارك في الخطط ج٩ ص٧ فذكر أنه دخل القصر العيني في ١٢٤٩ / ١٨٣٣ ثم نُقل إلى مدرسة أبي زعبل ثم إلى المهندسخانة، فاستوفى جميع فنونها، ثم وُظِّف مهندسًا بديوان المدارس، أما الثاني فتركي الأصل واسمه قيصرلي أحمد خليل أفندي، وقد ترجم له عمر طوسون في كتابه عن البعثات ص٢٨٩، ٢٩٢ فذكر أنه تعلم في مدارس مصر ودخل مدرسة السواري بها، ثم اختير منها لبعثة سنة ١٨٤٤ / ١٢٥٠، فالتحق بالمدرسة الحربية المصرية بباريس، وقد رجع الأمير إلى كتاب حقائق الأخبار فوجد به ما يفيد أن مَن يسمَّى أحمد أفندي خليل قد ترجم كتابَين حربيَّين، فرجح أن يكون هو ثاني الرجلين، أي خليل أفندي الذي أُرسل في البعثة، غير أنني أرى أن مترجم الكتابَين هو خليل أفندي ثالث غير المذكورَين؛ فقد ذكر في مقدمة كتابه الثاني الذي طُبع في ١٢٤٢ أنه كان ناظرًا لمدرسة الطوبجية، فلا يُعقل أن يترجم هذه الكتب ويُدير مدرسة الطوبجية في ١٢٤٢ ثم يُرسل في بعثة ١٢٥٠، انظر أيضًا عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم في عصر محمد علي، ص٤١٦.
٢٣٧  انظر مقدمة الطبعة الثانية وص١٩٥ منها.
٢٣٨  انظر مقدمة هذا الكتاب، وانظر أيضًا سرهنك باشا، حقائق الأخبار، ج٢، ص٤٨.
٢٣٩  Bowring, Op. Cit. p. 145.
٢٤٠  يبدو أن محمد علي كان قد أنشأ في القلعة غرفةً للترجمة تترجم له خاصة ما يأمر بترجمته، وأن معظم هذه الكتب التي نذكرها فيما يلي تُرجمت في هذه الغرفة، أما أعضاء هذه الغرفة فهم المترجمون المذكورون إلى جانب هذه الكتب، يؤيد ترجيحنا هذا رواية رحالة أجنبي معاصر زار هذه الغرفة بالقلعة وذكر أسماء هؤلاء المترجمين، هذا الرحالة هو الإنجليزي Saint John؛ فقد قال في كتابه Egypt and Mohemed Ali V. 1: p. 127–129 إنه زار في القلعة غرفةً كانت بها لجنة تقوم بترجمة بعض الأوراق والكتب، وذكر من أسماء المترجمين بها: Kalavagi (هو جاكوفاكي أرجير بولو مترجم فترينۀ تاريخي إلى اللغة التركية) وArtanin Effendi (هو أرتين أفندي) وYaussouff Effendi وStephan Effendi (هو اسطفان أفندي).
٢٤١  انظر فهرس الكتب التركية المحفوظة بالكتبخانة الخديوية المصرية.
٢٤٢  يبدو أن هذين الكتابين تُرجمَا تحقيقًا لرغبة إبراهيم باشا، والدافع لترجمتها واضح؛ فقد تُرجمَا في ١٢٤٨ / ١٨٣٣ والحرب السورية الأولى على وشك الانتهاء، كتب حسن أفندي إلى إبراهيم باشا في ٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٥١ يذكر له أنه أنجز الباقي من ترجمة تاريخ إيطاليا، عابدين محفظة ٢٥٢ رقم ٢٠، وفي ٢١ رمضان ١٢٤٨ كتب إبراهيم باشا إلى سامي بك يوصيه أن يأمر عزيز أفندي القائم على طبْع تاريخ نابليون بالجد والنشاط لإخراج الأجزاء الباقية، عابدين محفظة ٢٤٣، رقم ١٥٣ مكرر، وفي ٨ شوال ١٢٤٨ أرسل زكي أفندي إلى إبراهيم باشا بما يفيد أنه بعث إليه ثلاثة أجزاء أخرى من تاريخ نابليون الذي طُبع حديثًا بمعرفة عزيز أفندي، عابدين دفتر ٢١٠ رقم ٤٠١، وتحت الرقم ٤٠٢ إشارة إلى أن حسن أفندي التاتار نقل هذا الكتاب إلى العربية، انظر أيضًا عابدين محفظة ٢٤٧ رقم ١٩٦ بتاريخ ١٣ ربيع الآخر ١٢٤٩.
٢٤٣  انظر الهامش السابق.
٢٤٤  كلستان سعدي، الترجمة العربية، ص٦ و٧.
٢٤٥  المرجع السابق، ص٨ و٩.
٢٤٦  طبع النص الفارسي لهذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٤٤ / ١٨٣٨، ثم أُعيد طبعه مرة أخرى في سنة ١٢٥٠ / ١٨٤٧.
٢٤٧  تقويم النيل، ج٢، ص٤٩٥-٤٩٦.
٢٤٨  كلوت بك، لمحة عامة إلى مصر، ج٢، ص٣٢٦ (نقلًا عن «المارشال دي راجوز»).
٢٤٩  انظر مقدمة الترجمة العربية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤