المترجمون
تقدمة عامة
وهنا اعترضتْه مشكلةٌ خطيرة: أين الكتب التي تُترجم؟ وأيُّ هذه الكتب أحقُّ بالترجمة؟ وأين في مصر العارفون باللغات الأوروبية والشرقية ليقوموا بترجمة هذه الكتب؟ وأخيرًا، أين أداة طبْع هذه الكتب ونشرها؟
لقد كانت مصر حينذاك خلوًا من هذه الأدوات؛ إذ لم يكن بها كتابٌ واحد أوروبي مذ أخذتِ الحملةُ الفرنسية معها كتُبَها وهي تجلو عن مصر، ولم تكن في مصر مدرسةٌ واحدة تُعنَى بتدريس أية لغةٍ أوروبية، ولم يكن بين المصريين مَن له معرفة بلغةٍ من هذه اللغات الأجنبية، وكانت المطبعةُ أخيرًا — أداة الطبع والنشر — قد رحلتْ مع الفرنسيين عند خروجهم.
غير أن هذا العطلَ من العلم الأوروبي الحديث وأدواته، ومقوماته، لم يدفع اليأسَ إلى نفس محمد علي، بل على العكس دفعَه إلى التفكير والتقدير، والإقدام والتنفيذ، ولكن مَن يبغي الثمرة لا بد أن يُمهِّدَ الأرضَ ويفلحها ويرويها، ولا بد أن يَبذُرَ الحَبَّ، ويرعاه، ويُنمِّيَه، وهكذا فعل محمد علي؛ فقد مكث نحو العشر سنوات يُمهِّد الأرض التمهيدَ الأول، ثم لبِث نحو عشر سنوات أخرى يبذُر الحَبَّ، ويرعاه، ويُنمِّيه.
ففي الفترة التالية لسنة ١٢٢٦ / ١٨١١ أرسل بعوثَه الأولى إلى إيطاليا (١٢٢٨–١٢٣١ / ١٨١٣–١٨١٦) لدراسة فنون وعلومٍ مختلفة أهمها الطباعة، وقبيل عودة عثمان نور الدين من «أوروبا» (عاد في سنة ١٢٣٢ / ١٨١٧)، أوصاه محمد علي أن يشتريَ مجموعة كبيرة من الكتب الأوروبية كما سبق أن ذكرنا.
وفي سنة ١٢٣٧ / ١٨٢١ أُسِّست مطبعة بولاق، وفي سنة ١٢٣٨ / ١٨٢٢ كان أول كتاب طُبع في هذه المطبعة «قاموس طلياني وعربي» من وضْع الأب رفاييل زاخور راهبة.
غير أن عثمان نور الدين ما كان يستطيعُ أن يقوم بالعبء وحده، كذلك لم تكن المدارسُ الجديدة قد أُنشئت لتُخرج مَن يستطيع الترجمة، ومع هذا كان الجيش الجديد قد بُدئ في تكوينه منذ سنة ١٢٣٠ / ١٨١٥، وكانت الإدارات والمصانع والمنشآت الجديدة في سبيلها إلى التكوين، ومحمد علي يرى أن هناك كتبًا أوروبية تُنير له سبيل الإنشاء والتكوين، وأنه لا بد من ترجمتها، فلا مانع لديه إذن أن يستعين بمن يستطيع الترجمة من السوريين المقيمين في مصر، وستقوم هذه الطائفةُ بواجبها خيرَ قيام حتى تُنشأ المدارس وتخرج الدفعات الأولى، وحتى تُرسل البعثات، ويعود أعضاؤها، فيُكوَّن من خريجي المدارس، وأعضاء البعثات الرعيلُ الثاني من المترجمين.
وقد كان الرعيلُ الأول من السوريين قليلَ العدد، محدودَ المعرفة والكفاية، وكان الرعيلُ الثاني من خريجي المدارس وأعضاء البعثات يقوم بالترجمة كعمل إضافي إلى جانب العمل الأساسي كالتدريس، أو الحكم، أو العلاج الطبي، أو الإشراف على المنشآت؛ ولهذا كان لا بد من إيجاد طائفةٍ ثالثة متخصصة في الترجمة، فأُنشئت مدرسة الألسن، وكوَّن خريجوها الرعيلَ الثالث من المترجمين.
وقد كانت هذه الرِّعال الثلاث تقوم بالترجمة عن اللغات الأوروبية وخاصة الفرنسية والإيطالية إلى اللغة العربية أو التركية، غير أن محمد علي كان يريد أحيانًا أن يطَّلع على بعض الكتب الخاصة، وكثيرًا ما كانت الكتب تُترجَم بإشاراته وإجابةً لرغبته، ولغة محمد علي الأصلية هي التركية، ومعظمُ رجال جيشه وحكومته الأولى كانوا يجيدون التركية دون العربية؛ لهذا ظهر في تاريخ الترجمة في عصر محمد علي رعيلٌ رابع من موظفيه عُهد إليهم بترجمة كثير من الكتب عن العربية، والقليل منهم ممن كانوا على علْم بإحدى اللغات الأوروبية كانوا يترجمون عنها إلى التركية.
أمام اضطهاد مراد وإبراهيم نزح من مصر كثيرٌ من السوريين المسيحيين، كذلك خرج مع الحملة الفرنسية عددٌ كبير منهم خوفًا من اضطهاد كانوا يتوقعونه من الحكومة العثمانية بعد استعادة مصر، من الصنف الأول أنطون فرعون قسيس معلم الديوان وإخوته، ومن الصنف الثاني طائفة المترجمين في عهْد الحملة.
ولكن يبدو أن هذه الفترة التي انتهت بتغلُّب محمد علي على صعوباته، وبدئِه عهْدَ الإصلاح كانت فترةً مناسبة جدًّا لعودة وهجرة كثيرين من السوريين المسيحيين؛ ففي هذه الفترة كانت أوروبا — وخاصة فرنسا — ميدانًا لاضطرابات وقلاقل عنيفة سبَّبتْها حروبُ نابليون التي انتهتْ بعزله ونفيه في سنة ١٨١٥، وعودة الحكم في فرنسا إلى الملكية القديمة، وإن كان مؤتمر «فينا» لم يقضِ تمامًا على عوامل الاضطرابات والثورات في ممالك أوروبا، فستقوم ثوراتٌ أخرى في معظم هذه الممالك في سنتَي ١٨٣٠ و١٨٤٨، وفي هذه الفترة أيضًا انتهى النزاعُ بين محمد علي وبين جميع الهيئات التي كانت تعترض سبيلَه، وبدأ في مصر عهدُ أمنٍ وهدوء وطمأنينة.
عاد إذن من أوروبا إلى مصر بعضُ مَن غادرها من السوريين الذين ارتحلوا مع الحملة، وهاجر إليها من سوريا نفرٌ آخرون، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه محمد علي يُعِدُّ العُدة لإنشاء مطبعته ومدارسه، وفي سنة ١٨٢٧ أُنشئت مدرسة الطب المصرية، وكان كل أساتذتها من الفرنسيين والإيطاليين، وعانى كلوت بك كما ذكرنا صعابًا كثيرة في التغلب على صعوبة جهْلِ كلِّ فريق من الأساتذة والطلاب بلغة الفريق الآخر، وهنا لجأ محمد علي، ولجأ كلوت بك إلى الاستعانة بمن في مصر من السوريين الذين يعرفون العربية واللغات الأوروبية.
(١-١) الأب أنطون رفاييل زاخور
- أولهما: أن هذه الفترة من سنة ١٨١١ إلى سنة ١٨٢١ كانت فترةَ التمهيد للإصلاحات التي بدأها محمد علي، ولا شك أن أخبار هذه الإصلاحات كانت قد وصلتْ إلى فرنسا في ذلك الحين، فلعلها دفعتْ رفاييل — وهو في ضيقه الجديد — إلى التفكير في العودة إلى مرتع صباه، إلى البلد التي بدأ فيها مجدَه العلمي والسياسي في عهد الحملة الفرنسية.
- وثانيهما: أن محمد علي كان قد أرسل عثمان نور الدين — وهو أول مبعوث إلى أوروبا في سنة ١٨٠٩ ليتلقَّى العلوم الحربية والسياسية في إيطاليا — وذلك بوساطة يوسف بكتي١٦ قنصل السويد في القاهرة — وقد مكث عثمان نور الدين أربعَ سنوات في إيطاليا، ثم سافر إلى فرنسا ليُكمل بها تعليمه، فلبث بها سنتين أخريَين، فهل يبعد أن يكون رفاييل قد اتصل — وهو في باريس — بعثمان نور الدين، وعرَف منه الشيءَ الكثير عن سياسة محمد علي الإصلاحية، وأن هذه السياسة ترمي إلى النقل عن الغرب، وأن سلاحه الأول هو الترجمة؟
عاد رفاييل إلى مصر في سنة ١٨١٦، واتصل بمحمد علي، وإن كنا نجهل مَن مِن الرجلين سعى للاتصال بصاحبه، وكان محمد علي حينذاك يُمهِّد السبيل لنقل علوم الغرب، وكان قد أرسل بعثاتِه إلى إيطاليا للتخصص في فنِّ الطباعة، وإذ كانت اللغة الإيطالية هي لغة المراسلات الدبلوماتية وأكثر اللغات الأوروبية انتشارًا في مصر، فقد كلَّف محمد علي رفاييل أن يضع قاموسًا للغتين العربية والإيطالية.
ويعتبر هذا الكتاب — إذا استثنينا الكتابَ الحربي المترجم عن الفرنسية الذي ذكره «بروكي» — أول كتاب تُرجم في عصر محمد علي، فهو أول الغيث، وبهذا يكون رفاييل صاحب السبق في هذا الميدان، فهو صاحب أول كتاب ترجم عن الفرنسية إلى العربية وطبع في مطبعة الحملة وفي عهدها، وهو رسالة «دي جينيت» عن مرض الجدري، وهو أيضًا صاحب أول كتاب تُرجم عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في مطبعة بولاق في عهد محمد علي.
القاموس الإيطالي العربي من وضع الأب رفاييل

وذكر «أشربي» بعد ذلك أن محمد علي تحدَّث إليه عن هذا الكتاب في مقابلة أخرى — وكان ذلك في سنة ١٨٢٨، أي بعد ترجمة الكتاب بنحو أربع سنوات — فقال له ما ملخصه: «إنكم تُثيرون في إيطاليا ضجة كبيرة حول كاتبكم المعروف «ماكيافيللي»، وقد أمرتُ بترجمة كتابه إلى التركية لكي أعرف ما فيه، ولكنني أعترفُ بأنني قد وجدتُه أقل بكثير مما كنت أتوقع، ومن الشهرة التي له.
ولا يمكنُنا أن نمرَّ بهذا الحديث دون أن نُشير إلى دلالاته المختلفة، وأولها وأهمُّها هذه القدرة العجيبة من شخص كمحمد علي ظلَّ أميًّا حتى سنٍّ متأخرة جدًّا، على تفهُّم كتابَين من أعظم ما خلفته الثقافةُ الإنسانية في الغرب والشرق، ثم المقارنة بينهما، وتفضيل أحدهما على الآخر.
والأوراق من ١أ إلى ٢ب تحتوي على مقدمة موجزة من قلم المترجم تبدأ بقوله «نبتدئ بعون الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله الذي على مشيئته وتدبيره تنعقد سلاسلُ الحوادث والأخبار، ومن فيض أحكامه ونجد (كذا) تقديره يجري مجرى ما وقع في الدهور والأعصار، ثم يلي ذلك مدحٌ لمحمد علي وأنه أمره بترجمة هذا الكتاب الذي ألَّفه المعلم ماكيافييلي ليُفيد منه القائمون بالوظائف الإدارية، وأنه ترجمَه ترجمة دقيقة ليكون واضحًا سهلًا لمن يقرؤه، وأنه بذل في ذلك عناءً وعناية؛ لأن تراكيبَ الكتاب قديمةٌ وأفكارَه صعبة؛ فقد أُلِّف في سنة ١٦٠٠.»

هذه هي جهود رفاييل الأولى في الترجمة منذ عاد إلى مصر، وكلُّها تنفيذٌ لأمر محمد علي وتوجيهاته، فلمَّا أُنشئت مدرسة الطب في سنة ١٢٤٣ / ١٨٢٧ اختار كلوت بك نفرًا من المترجمين السوريين ليقوموا بنقل الدروس، وترجمة المحاضرات إلى الطلبة، وكان رفاييل أولَ من اختير لهذه المهمة.
ويُشير التقرير الثالث (١٢٤٥ / ١٨٢٩) إلى أنه كان لا يزال مكلَّفًا بترجمة علم الفسيولوجيا، وأنه كان يقوم بهذا العمل بمنتهى الدقة والوضوح.
وفي ١٣ أكتوبر سنة ١٨٣١ / ٦ جمادى الأولى ١٢٤٧ تُوفيَ رفاييل بعد هذه الحياة العلمية الحافلة، وبعد أن بلغ من العمر اثنتين وسبعين سنة، وذلك في داره التي كان يسكن بها في القاهرة مع أحد أقاربه المدعو «يوسف الراهبة» الذي ورث عنه أموالَه وكتبَه وأثاث داره. يقول الخوري قسطنطين الباشا في ختام ترجمته للأب رفاييل: «ولم تنقضِ سنةٌ على وفاة الأب رفاييل حتى لحِقه نسيبُه يوسف راهبه، ومات غرقًا في البحر، وذهبت أموالُه وكلُّ تركة الأب رفاييل طعمة الأسماك …»
انتهى الطوافُ برفاييل إلى أن يكون مترجمًا للكتب الطبية في مدرسة أبي زعبل، ولكنه لم يكن السوري الوحيد الذي عُهد إليه بهذا العمل، بل شاركتْه فيه طائفة من مواطنيه تذكر المراجع أسماءَهم في شيء من الغموض، وهم: «يوحنا عنحوري، وجورج فيدال، ويعقوب، وأوغسطين سكاكيني.»
(١-٢) يوحنا عنحوري
وقد قام عنحوري بترجمة سبعة كتب طبية، منها واحد من تأليف «كلوت بك»، وثانٍ من تأليف «دكتور برون»، وهي:
-
(١)
القول الصريح في علم التشريح Anatomie du Corps Humain من تأليف «بايل Bayle»، وبه إضافات من وضْع «كلوت بك»، وطبع في بولاق سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٣، في جزأين.
-
(٢)
بتولوجية، أي رسالة في الطب البشري Traité de Pathologie: تأليف بايل، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤ في جزء واحد.
-
(٣)
رسالة في علم الجراحة البشرية Traité de Chirurgie تُرجمت عن الفرنسية، وطبعت في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤.
-
(٤)
منتهى الأغراض في علم شفاء الأمراض، تأليف العالمَين الفرنسيين: «بروسيه» و«سانسون» طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ / ١٨٣٤ في جزأين.
-
(٥)
مبلغ البراح في علم الجراح، تأليف «كلوت بك»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥١ / ١٨٣٥.
-
(٦)
الأزهار البديعة في علم الطبيعة، تأليف الدكتور «برون»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٤ / ١٨٣٨ في جزأين.
-
(٧)
علم النباتات، ترجمَه عن الفرنسية وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧ / ١٨٤١.
الترجمة العربية لكتاب الأمير «صفحة الغلاف»


كتاب الأمير لمكيافلِّي (ترجمة الأب رفاييل زاخور راهبة)

وهكذا كان الشأنُ في كل الكتب التي ترجمها عنحوري، فهي جميعًا كتبٌ فرنسية الأصل.
(١-٣) جورج فيدال
- (١) قانون الصحة Des Règles de l’hygiene et de la médecine appliquée du corps humain وطبع في بولاق سنة ١٢٤٨.
- (٢)
المنحة في سياسة حفظ الصحة، وطُبع في بولاق، رمضان سنة ١٢٤٩.
(١-٤) أوغسطين سكاكيني
كتاب العجالة الطبية فيما لا بد منه لحكماء الجهادية، وهو من تأليف «كلوت بك»، وطبع في مطبعة مدرسة الطب بأبي زعبل سنة ١٢٤٨.
(١-٥) يعقوب
- (١)
دستور الأعمال الأقرباذينية لحكماء الديار المصرية، وهو كتاب ألَّفه «أرباب المشورة الصحية جناب ميراللوي «كلوت بك»، وقائما المقام «ديباجي» و«دوتوش»، وطبع في بولاق سنة ١٢٥٢»، وقد جاء في مقدمته ما يلي: «وبعد فهذا كتابٌ عظيم القدر، لطيف الحجم، يحوي من كتب الأدوية الجمَّ، عمله أربابُ المشورة الصحية، بمصر المحمية، جامعًا لكل ما يلزم للأجزاجية، مغنيًا لهم عن مطالعة كتب الأقراباذين والمفردات، ومراجعة قوانين الحسابات، عند طلب الأدوية وأداء حسابها للأجزاخانات، وسمَّوه دستور الأعمال الأقراباذينية لحكماء الديار المصرية، وقد ترجم هذا الكتاب بمدرسة الطب بأبي زعبل الخواجا يعقوب، وقوبل بمجمع من المترجمين، وبعض أهل العلم المصححين، ثم حُرِّر بعد جمعه، وهُذِّب عند طبعه، على يد مغفور المساوي محمد الهراوي.»
- (٢)
كتاب الأقراباذين، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٣.
ولم تكن له جهودٌ في الترجمة في السنوات الأولى من تاريخ مدرسة الطب، فلعله أُلحق بها مترجمًا بعد خروج فيدال وسكاكيني، إن صحَّ الفرضُ الذي ذهبنا إليه.
(١-٦) يوسف فرعون
بعد إنشاء مدرسة الطب البشري بسنة واحدة أُنشئت مدرسة الطب البيطري (أي في سنة ١٨٢٨)، وقد قام التدريسُ فيها على النظام الذي كان متَّبعًا في مدرسة الطب البشري، فكان يقوم بترجمة الدروس التي يُلقيها الأساتذة مترجم، وكان هذا المترجم إيطالي الجنسية، على معرفة بالعربية والفرنسية، اسمه «ميخالي ياجو».
نُقلت المدرسة بعد ذلك إلى أبي زعبل، ثم إلى شبرا، ونُظمت نظامًا جديدًا، وعُزل المترجم الإيطالي، وأُلحق بها مترجم سوري نشيط هو يوسف فرعون.
ولسنا نعرفُ بالتحديد نوعَ علاقةِ مترجمنا هذا بالكونت أنطون قسيس، ولكنه ينتمي بلا شك إلى نفس الأسرة، ومعرفته الوثيقة بالفرنسية تُرجِّح ذهابَه لفرنسا، وتلقِّيَه العلم بها، ومقامه بين ربوعها.
- (١)
رسالة في علم البيطارية، ترجمها عن الفرنسية إلى العربية، وطبعت في بولاق سنة ١٢٤٩.
- (٢)
التوضيح لألفاظ التشريح — بيطري — تأليف المسيو «جيرار» المدرِّس بمدرسة الطب البيطري، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٤٩.
- (٣)
رسالة في علم الطب البيطري ترجمها عن الفرنسية إلى العربية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٠ (وقد طُبعت هذه الرسالة طبعة ثانية في سنة ١٢٦٠).
- (٤)
قانون نامهْ بيطاري، ترجمَه عن الفرنسية إلى التركية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٠.
- (٥) التحفة الفاخرة في هيئة الأعضاء الظاهرة٤٠ ترجمَه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١.
- (٦)
المادة الطبية البيطرية، عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.
- (٧)
نزهة الأنام في التشريح العام، تأليف المسيو «لافارج» المدرِّس بمدرسة الطب البيطري، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.
- (٨)
تحفة الرياض في كليات الأمراض، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.
- (٩)
غاية المرام في الأدوية والأسقام، تأليف «جرجوار ولابتو» المدرِّسَين بالمدرسة، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٥.
- (١٠)
روضة الأذكيا في علم الفسيولوجيا، تأليف المسيو «لافارج»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.
- (١١)
الأمراض الظاهرة في الطب البيطري، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.
- (١٢)
منتهى البراح في علم الجراح، تأليف المسيو «برنس» المدرس بالمدرسة، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦.
- (١٣)
نزهة الرياض في علم الأمراض، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٨.
- (١٤) أجل الأسباب في أجل الاكتساب، تأليف المسيو «طايو الإفرنجستاني»، وقام على تصحيحه الشيخُ نصر أبو الوفا الهوريني، ولم يُطبع هذا الكتاب بل توجد منه نسخةٌ مخطوطة٤١ بخط الشيخ الهوريني في دار الكتب المصرية رقم ٥٨ زراعة، فرغ من كتابتها في يوم الجمعة العاشر من رمضان سنة ١٢٥٩.
(٢) المترجمون من خريجي المدارس والبعثات
تقدمة
كان هؤلاء السوريون الذين قاموا بالترجمة في عهد محمد علي طائفةً محدودةَ العدد والجهد، اقتصرتْ جهودُهم كما رأينا على ترجمة الكتب الطبية، وقد كان استخدامهم في هذا العمل ضرورةً أوجدتْها الظروفُ ريثما يتمُّ إنشاءُ المدارس الجديدة، ويُتمُّ طلابُها دراساتِهم، وريثما تُبعث البعثات إلى دول أوروبا فتقبس قبسًا من نور العلم الأوروبي، وتعود إلى مصر.
ولم يكن محمد علي يقصد — بإنشاء هذه المدارس وإيفاد هذه البعوث — إلى تخريج طائفة من العارفين بالعلوم الأوروبية فحسب، بل كان يقصد أيضًا إلى أن يقوم هؤلاء الخريجون بترجمة أمهات الكتب في فروع العلوم المختلفة إلى اللغتين والتركية، وتُستعمل هذه الكتب المترجمة في مدارسه الجديدة، فيستغني بذلك عن الأساتذة الأوروبيين، ويمكنه تمصيرُ هذه العلوم الجديدة، ونشرُها بين المصريين.
وجَّه محمد علي بعوثَه إلى مختلف دول أوروبا، ولم يختصَّ واحدة منها بهذه البعوث دون الأخرى، وإن كان العددُ الأكبر من هذه البعوث قد أُرسل إلى فرنسا، وقد وُجِّهت هذه البعثات لدراسة العلوم والفنون الأوروبية المختلفة؛ ولهذا نجد أن أعضاءَها الذين شاركوا في حركة الترجمة قد ترجموا كتُبًا مختلفة الفنون والعلوم، وإن كنَّا سنلاحظ أن معظم الكتب التي ترجموها كتبٌ طبية ورياضية.
- (١)
أن أول بعثات محمد علي أُرسلت إلى إيطاليا سنة ١٨٠٩ لا سنة ١٩١٣.
- (٢)
لم يُعرف من أفراد هذه البعثة غير عثمان نور الدين، وقد تلقَّى العلم في إيطاليا ثم في فرنسا لا في فرنسا فقط.
- (٣)
أنه مكث في البعثة نحو سبع سنوات من ١٨٠٩–١٨١٧، لا سنة واحدة (من ١٨١٩-١٨٢٠)، كما ذكر المغفور له الأمير عمر طوسون.
وقد اقترنت هاتان النهضتان، كما اقترن إنشاءُ المطبعة وتاريخ الترجمة باسم عثمان نور الدين وجهوده، غير أنَّ حادثةً سياسية خاصة — سنعرض لها فيما بعد — كانت السببَ في حدوث شقاق بينه وبين مولاه محمد علي، وانتهى هذا الشقاقُ بسفره إلى الدولة العثمانية؛ ولهذا نلاحظ أن وثائقَ السنوات الأخيرة من عصر محمد علي ومراجع ذلك العصر الحديثة تُهمل ذكْرَ عثمان نور الدين — عن قصد أو عن غير قصد — غير أننا نحبُّ أن نعرضَ لتاريخ هذا الرجل بشيء من التفصيل تقديرًا له ولجهوده.
أسرتُه تركية من جزيرة «مدللي»، رحلتْ إلى مصر، واستقرب بها، وكان أبوه «فرَّاشًا» أو «سقَّاء» بقصر محمد علي، ومن هنا اكتسب اسمه الأول «عثمان سقه باشي زاده»، التقطه محمد علي — وقد كانت له ميزةُ اختيار الرجال وتكوينهم — وأرسله في بعثته الأولى لتلقِّي العلوم الحربية والبحرية وفنون السياسة وإدارة الحكم في إيطاليا وفرنسا.
ولما عاد إلى مصر في سنة ١٨١٧، عُيِّن «كاشفًا» في حرس محمد علي الحربي، ثم عُهد إليه بتنظيم الكتب الكثيرة التي أحضرها معه من فرنسا — إجابةً لرغبة محمد علي — وبهذا كوَّن في قصر إبراهيم بن محمد علي في بولاق أول مكتبة وُجدتْ في عصر محمد علي، ثم ألحق به في سنة ١٨٢٠-١٨٢١ بعض التلاميذ ليدرسوا عليه وعلى مدرِّسين آخرين الهندسة واللغات العربية والتركية والإيطالية.
هذه هي مدرسة بولاق، وهي أول مدرسة نظامية أُنشئت في عصر محمد علي، وذلك تنفيذًا لاقتراح عثمان نور الدين نفسه، وقد تولَّى نظارتَها والإشرافَ عليها، وكان يُدرِّس لتلاميذها الهندسة واللغة الفرنسية.
- (١)
«دون كارلو بيلوتي»، وهو إيطالي من «كالابريا»، ويُدرِّس الرياضة.
- (٢)
«القَس سكاليوتي» من «بيدمنت»، ويُدرِّس اللغة الإيطالية.
- (٣)
دون رفاييل ويُدرِّس اللغة العربية.
وكان النشاط على أتمه حينذاك لتكوين الجيش المصري الجديد، وتدريبه على النظم الأوروبية الحديثة، فقام عثمان نور الدين بترجمة الكتب الحربية المختلفة في نظم الجيش وقوانينه وتعاليمه عن الفرنسية إلى التركية.
وفي سنة ١٨٢٢ تكوَّنت لجنةٌ لوضع برامج التعليم العسكري الجديد؛ فكان عثمان نور الدين ثالثَ ثلاثة بهذه اللجنة، وكان العضوان الآخران: الكولونل سيف (سليمان باشا الفرنساوي) وأحمد أفندي المهندس، وفي نفس السنة سافر مع سليمان باشا حتى وصلَا إلى أسوان ليشترك معه في تنظيم الفرقة الأولى للمشاة على «النظام الجديد».
وهكذا انسحب عثمان باشا من الميدان المصري والحاجة إليه ماسَّة؛ فقد كانت السنواتُ التالية لسنة ١٨٣٣ سنواتِ إعداد واستعداد للنضال العنيف بين محمد علي والسلطان، وبينه وبين الدول الأوروبية، وهنا قد نتساءل: ترى هل كان حادثُ كريت هو العاملَ الأول والأخير في انفصال عثمان نور الدين عن محمد علي؟ ويبدو لي أن هذا لم يكن العاملَ الأول والأخير، بل يصحُّ أن نقولَ إنه كان التكأةَ التي اتكأ عليها عثمان للانفصال عن سيده في مصر، والتجائه إلى سيده في الآستانة.
أما ما هي الأسباب الحقيقية الأخرى، فهذا ما لا نستطيع الجزمَ به لسكوت المراجع المعاصرة عن تبيانه، ولكننا نستطيع أن نستنتجَ من بين السطور أن الدور الهامَّ الذي لعبه عثمان نور الدين في حرب الشام الأولى، دفَع السلطانَ إلى اجتذابه إليه، وأنه سعى لهذا الاجتذاب سعيَه، وثار النزاعُ في نفس عثمان، وانتهى به إلى ترْك مصر والذهاب إلى الآستانة، بهذا الرأي، يقول الأستاذُ شفيق غربال بك في مقدمته لكتاب صديقنا الدكتور إبراهيم عبده عن «تاريخ الوقائع المصرية»؛ فقد قال: «ويرتبط إنشاءُ المطبعة والوقائع برجل من رجال محمد علي أهملَه المؤرخون وهو جديرٌ بعنايتهم، أعني عثمان نور الدين، وهو من رجال العهد الأول من النهضة المصرية، وكان ساعد محمد علي في الطور الأول من أطوار الإصلاح، ثم شاءت الظروف أن ينسحب عثمان نور الدين من مجال الإصلاح المحمدي العلوي، وأن ينضمَّ للسلطنة العثمانية، وكأني بمحمد علي وقد جرحه هذا العقوق أو هذه الخيانة، فأسدل الستار على عثمان، وسقط اسمُه من الأفواه، وأغفله المؤرخون.»
- أولًا: إن الكتب الحربية التي تُرجمت في عصر محمد علي قد ضاع معظمها، وليس في دور كتبنا منها إلا القليل النادر.
- ثانيًا: إن القوائم التي رصدَت الكتب الحربية التي تُرجمت في ذلك
العصر لم تذكر إلى جانبها أسماءَ مؤلفيها أو مترجميها إلا في
النادر جدًّا، فلعله من بين هذه الكتب ما هو من ترجمة عثمان
نور الدين.
والذي نستطيعُ أن نُقرِّره أن الكتب التي ترجمها عثمان نور الدين، كانت كلها كتُبًا حربية بحرية، وأنها جميعًا تُرجمت عن الفرنسية إلى لغته الأصلية التركية، وقد عثرتُ منها على كتاب: «قانون نامهْ سفاين بحريهْ جهادية»، وقد طُبع في بولاق سنة ١٢٤٣، وقد ذكر سرهنك باشا أنه تَرجم «كتاب القواعد البحرية» وآخر في السياسة البحرية أي قانون العقوبات٦٥ «ولعل الكتابَ الذي ذكرْناه واحدٌ منهما».
وأخفق في هذه البعثات البعضُ، ووُفِّق البعض الآخر — وهم الغالبية — وعاد الموفَّقون إلى مصر، وتولَّوا شئونها الإدارية والعلمية، ولكنهم لم ينسَوا الغرض الثاني — الترجمة — بل بذل معظمُهم جهودًا موفَّقة في هذا السبيل، فقدَّموا لمطبعة «صاحب السعادة» كتُبًا كثيرة نقلوها عن المراجع الأوروبية الهامة.
ولكننا نلاحظ أن أكثرَ أعضاءِ البعثات نشاطًا، وأوفرَهم إنتاجًا، هم الأطباء والمهندسون، وتعليلُ ذلك يسيرٌ إذا عرفنا أن معظم هؤلاء الأطباء والمهندسين عُيِّنوا بعد عودتهم مدرِّسين، ومساعدي مدرِّسين في مدرستَيِ الطب والهندسة، وأنهم كانوا يتخيَّرون كتُبًا معينة مما درسوا في أوروبا، لتدريس أصولِها في هاتين المدرستَين، حتى إذا تمَّ لهم ترجمةُ هذه الكتب وتنقيحُها قدَّموها إلى المطبعة، وفيما يلي عرضٌ لجهود هؤلاء الأطباء والمهندسين.
(أ) الدكتور علي هيبة٦٨
- (أ) فسيولوجيا٦٩ ترجمه عن الفرنسية إلى العربية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١ (أي بعد عودته بسنتين).
- (ب) إسعافُ المرضى في علْم منافع الأعضاء، تأليف «الخواجة سوسون معلِّم الفسيولوجيا بأبي زعبل»، وترجمَه من الفرنساوية للعربية علي أفندي هيبة الحكيم بمدرسة أبي زعبل، الذي بلغ رتبةَ الحكيم من مدرسة الطب بباريس، وكان يُمليه على الشيخ محمد محرم أحدِ المصححين بمدرسة أبي زعبل،٧٠ وقد قام بتحريره الشيخ محمد الهراوي، وتمَّ طبعُه في بولاق في الرابع عشر من المحرم سنة ١٢٥٢، وذكَر في خاتمته أنه «سادسُ كتابٍ طُبع من كتب الطب المترجمة».٧١
- (جـ)
طالع السعادة والإقبال في علم الولادة وأمراض النساء والأطفال، ترجمَه عن الفرنسية، وقام على تصحيحه زميلُه الدكتور أحمد حسن الرشيدي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٨.
وبينما كانت بعثة سنة ١٨٢٦ تتلقَّى العلم في فرنسا، كانت مدرسة الطب قد أُنشئت في سنة ١٨٢٧، وكان «كلوت بك» يبذل الجهدَ كلَّ الجهد ليوفر لها أسبابَ النجاح وليعمل على تمصير التدريس بها، فلما مضى على إنشائها خمسُ سنوات تخرَّجت الدفعة الأولى «في سنة ١٨٣٢»، فتخيَّر كلوت بك اثنَي عشر طالبًا من أمهرِ خرِّيجيها، وبعثَهم إلى فرنسا لإتمام دراستِهم، فلمَّا عادوا إلى مصر، أُلحقوا مدرِّسين بمدرسة الطب، وقد كان لأكثرهم جهدٌ مشكور في الترجمة عن الفرنسية.
(ب) الدكتور إبراهيم النبراوي
وقد قام النبراوي بترجمة الكتب الآتية:
(أ) «نبذة في الفلسفة الطبيعية»، «نبذة في التشريح العام»، «نبذة في التشريح المرضي»؛ وكلها من تأليف كلوت بك، وقد طُبعت في مجلد واحد في بولاق سنة ١٢٥٣.
وفي السنة التالية أي في سنة ١٢٥٤ ترجَم النبراوي الكتاب الآتي عن الفرنسية:
(ب) الأربطة الجراحية، وطبع في بولاق.
(ﺟ) الدكتور أحمد حسن الرشيدي
- (أ)
رسالة في تطعيم الجدري تأليف «كلوت بك»، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٠، ثم طُبع ثانية في سنة ١٢٥٢، وذكر سركيس في معجمه أن الدكتور أحمد الرشيدي ترجَم كتابًا لكلوت بك عنوانه «نبذة لطيفة في تطعيم الجدري»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩، وإني لأُرجِّحُ أن تكون هذه طبعةً ثالثة لنفس الكتاب، ويجدر بي أن أُشيرَ هنا إلى أن هذا الكتاب طُبع لأول مرة سنة ١٢٥٠ ومترجمُه مقيمٌ في باريس، ولا تفسيرَ لهذا إلا أن نرجعَ إلى ما ذكرتُه في مقدمة هذا الفصل من أن محمد علي كان يُلاحق تلاميذ البعثات وهم في الخارج بالأوامر أن يُترجموا — أثناء دراستهم — كتُبًا فيما يتخصصون فيه؛ لهذا أُرجح أن يكون الرشيدي قد ترجم هذا الكتاب وهو في باريس ثم أرسله فطُبع في بولاق سنة ١٢٥٠ ثم في ١٢٥٢ قبل عودته.
- (ب)
الدراسة الأولية في الجغرافية الطبيعية، تأليف «فليكس لامروس»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٤، وهو أول كتاب ترجمَه بعد عودته من البعثة.
- (جـ)
ضياء النيرين في مداواة العينين، تأليف الطبيب الإنجليزي «لورنس»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦، وهو ثاني كتاب ترجمَه بعد عودته، وتدل مقدمةُ هذا الكتاب على أن السيد أحمد الرشيدي كان وافرَ النشاط، محبًّا لعمله مقبلًا عليه، يأبَى البطالةَ، ويَعافُ الكسل؛ فقد قال في ص٢: «وبهمَّة سعادته (يقصد محمد علي) سافرتُ وارتحلتُ وحصَّلتُ من بلوغ الأماني ما حصَّلت، ثم رجعتُ إلى وطني سالمًا مجبور الخاطر، آمنًا غانمًا وما زلتُ إلى الآن مقيمًا بتلك المدرسة (مدرسة الطب) التي هي ينبوع مكارمنا، ومحطُّ آمالنا، وكنزُ ادخار مغانمنا، معدًّا للتدريس وترجمة المؤلفات، مقيدًا لعيادة المرضى والمعالجات، فكان آخر ما ترجمتُه قبل هذا الكتاب كتاب الدراسة الأولية في علم الجغرافيا الطبيعية، ولما كمل إتمامُه، مكثتُ برهةً مضطربَ الظنون، حتى أظهر الله ما في غيبه المكنون فبرز في الأمر وظهر، بترجمة كتاب يقرُّ به النظر، كتاب لَهِجتْ بمدحه الألسن للطبيب الجراح الإنجليزي لورنس في أمراض العين، وقد أضاف إليه نبذة من كتاب الحكيم «ولير» النمساوي في كيفية تحضير أدوية العين، واستعمالها في التداوي، ثم زاد عليه جملة مستحضرات ما يستعمل في مصر، ومركبات من نحو أكحال ومراهم وبرودات وقطورات … إلخ.»
- (د)
بهجة الرؤساء في أمراض النساء، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.
- (هـ)
نزهة الإقبال في مداواة الأطفال، طُبع في بولاق سنة ١٢٦١.
- (و)
الروضة البهية في مداواة الأمراض الجلدية (في جزأين)، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢-١٢٦٣.
- (ز)
نخبة الأماثل في علاج تشوهات المفاصل، طُبع مع الكتاب السابق كملحق له.
وهذا الكتاب موسوعة علمية كبيرة تقعُ في أربعة أجزاء كبار، وقد طُبع في سنة ١٢٨٣ بعد وفاته بسنة واحدة، وقد ألحق به فهرسًا توضيحيًّا الدكتور حسين عودة.
(د) الدكتور حسين غانم الرشيدي
- (أ)
الدر الثمين في الأقرباذين، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٥.
- (ب)
الدر اللامع في النبات وما فيه من الخواص والمنافع، تأليف الدكتور «فيجري بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧، وقد راجعه وحرَّره الشيخ محمد عمر التونسي.
(ﻫ) الدكتور عيسوي النحراوي
كان من طلبة الأزهر، ثم دخل مدرسة الطب في أول سنة أُنشئت فيها، واختير عضوًا في بعثة سنة ١٨٣٢، وعاد إلى مصر في سنة ١٨٣٨، وترجَم بعد عودته كتابًا في التشريح عنوانه:
«التشريح العام»، تأليف المسيو «لكلار» الطبيب الفرنسي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥١، وذكر الأمير عمر طوسون في كتابه عن البعثات أنه ترجَم هذا الكتاب وهو طالب في فرنسا.
وقد قام النحراوي أيضًا بترجمة الجزء الخاص بالتشريح العام من القاموس الطبي الفرنسي الذي اشترك الأطباءُ المصريون في ترجمته، واختار له الشيخ محمد عمر التونسي عنوانَ «الشذور الذهبية في الألفاظ الطبية».
(و) الدكتور محمد الشباسي
- (أ)
التنوير في قواعد التحضير، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٤.
- (ب) التنقيح الوحيد في التشريح الخاص الجديد، تأليف مسيو «كروليه»، ويقع في ٣ أجزاء كبيرة تتكوَّن من ١٣٢٠ صفحة، بُدئ في طبْعه في أواخر عهد محمد علي، وكُلِّف بمراجعته الشيخ سالم عوض القنياتي، فقام بتصحيح الجزء الأول ثم «عاقه الرمد»٨١ عن مراجعة بقية الكتاب، فقام بتصحيحه الشيخ محمد عمر التونسي، وتمَّ طبعُه في جمادى الآخرة٨٢ سنة ١٢٦٦، أي في أوائل عهد عباس الأول، وقد ذكر المترجم في مقدمة الكتاب أنه ترجمَه ليكون مرجعًا وافيًا في فنِّ التشريح يستعين به تلاميذ مدرسة الطب، قال: «لمَّا وُكل إليَّ تعليمُ فنِّ التشريح في مدرسة الطب الإنساني، ولم يكن بها كتابٌ جامع لما له المشرح يعاني، وكانت معارفُ التلامذة قاصرةً عن كتاب الماهر «بيل»٨٣ وهو في غاية الاختصار، ومطبوع من زمن طويل، فأردتُ أن أترجم لهم كتابًا جامعًا لمسائله المهمة، كاشفًا عمن يقرؤه الجهالةَ والغمَّةَ، فاخترتُ كتاب الماهر «كرولييه» المشهور؛ لما أنه بين كتب التشريح بالحسن مذكور، فعرضت على سعادة «كلوت بك» ما خطر ببالي، فاستحسنه ولم يبالي (كذا)، فامتثلتُ وشرعتُ في نقْلِه وترجمتِه.»٨١الدكتور محمد الشباسي.
وقد اشترك الشباسي — كبقية زملائه الأطباء المصريين — في ترجمة القاموس الطبي السالف الذكر.
(ز) الدكتور محمد الشافعي

-
(أ)
أحسن الأغراض في التشخيص ومعالجة الأمراض، في أربعة أجزاء كبيرة، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.
-
(ب)
كنوز الصحة ويواقيت المنحة، تأليف «كلوت بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.
-
(جـ)
الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال، تأليف «كلوت بك»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٠.
وقد أسهبنا الحديثَ عن هذين الكتابَين عند كلامنا عن «كلوت بك» في الفصل الخاص بالكتب والمؤلفين، وذكرنا أنهما تُرجمَا أيضًا عن العربية إلى التركية.
(ﺣ) الدكتور محمد عبد الفتاح
-
(أ)
تحفة القلم في أمراض القدم، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٢.
-
(ب)
نزهة المحافل في معرفة المفاصل، تأليف «ريجو». قال الشيخ مصطفى حسن كساب في مقدمته: «لما كان تشريح الطبيب الماهر المعلم «جيرار» ناقصًا بعض مسائل، أراد الحاذق النجيب المعلِّم «ريجو» الذي هو تلميذُ ابنِه أن يكملَه، فألَّف هذا الكتاب، ثم ترجمَه من اللغة الفرنساوية إلى اللغة العربية، المؤمل من مولاه النجاح، محمد أفندي عبد الفتاح، أحدث أبناء العرب الذين أرسلوا إلى بلاد أوروبا لتعلمهم (كذا) ما يبلغون به أرفع الرُّتَب … إلخ.» وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٧.
-
(جـ)
الطب العملي، تأليف «واتيل»، وقد قرأ هذا الكتاب لتلاميذ مدرسة الطب البيطري «الخواجة لابتوت» أحدُ مدرِّسي هذه المدرسة، «ثم قام بترجمته محمد الفتاح». قال الشيخ كساب في مقدمة الكتاب: «ومن أهم ما أُلِّف في هذا الشأن (علم الجراحة البيطرية) كتابُ الطبيب الشهير، عديم المثيل، المعلم «واتيل»، وهو الذي قرأه للتلامذة في المدرسة البيطرية المستجدة بأرض شبرا الخيمة، البيطري الماهر، «الخواجة لابتوت»، وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٩.»
-
(د)
البهجة السنية في أعمار الحيوانات الأهلية، تأليف «جيرار» تمَّتْ ترجمتُه في الثالث عشر من ربيع الأول سنة ١٢٦٠، وتمَّ طبْعُه في بولاق في أوائل رجب من نفس السنة.
-
(هـ)
مشكاة اللائذين في علم الأقرباذين، تأليف «لابتوت»، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.
-
(و)
قانون الصحة البيطرية، تأليف «لويس جروتييه»، وطُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.
-
(ز)
المنحة لطالب قانون الصحة، تأليف «لويس جروتييه» طُبع في بولاق سنة ١٢٦٢.
وإني لأرجِّحُ أن يكون هذان الكتابان كتابًا واحدًا لتشابه العنوانَين، ولنسبتهما إلى مؤلِّف واحد، ولأنهما طُبعَا في سنة واحدة.
قام بترجمة كثير من كتب الرياضيات مدرسةٌ من خريجي المدارس والبعثات، كان أستاذُها الأكبر نابغة مصر محمد بيومي أفندي، وكان تلاميذه ومساعدوه: إبراهيم رمضان، وأحمد دقلة، وأحمد طايل، وأحمد فايد.
(أ) محمد بيومي أفندي

(١) كتاب الجبر | تأليف «ماير Mayer» | أكمل ترجمتَه بيومي، ولم يُطبع |
(٢) مبادئ اللغوريتمات | أكمل ترجمتَه بيومي ولم يُطبع | |
(٣) كتاب الميكانيكا | تأليف «تركم Terquem»، جزءٌ واحد | يترجمه بيومي |
(٤) كتاب الطبيعة | تأليف «بكليه Peclet»، في جزأين | يترجمه فايد |
(٥) مبادئ الطبوغرافية | تأليف «تيرليه Thrillet»، جزء واحد | يترجمه رمضان |
(٦) كتاب الهيدروليكا | تأليف «دوبيسون d’Aubuisson» جزء واحد | يترجمه دقلة |
(٧) رسالة في المنشآت | تأليف «نافييه Navier» جزء واحد | يترجمها دقلة |
(٨) كتاب الكيمياء | تأليف «دوماس Dumas» وهذا الكتاب كبيرٌ يقع في ستة أجزاء | ويترجم منتخبات منه فايد |
(٩) الجغرافيا الطبيعية | تأليف «لاكروا La Croix» جزءٌ واحد | يترجمه دقلة |
(١٠) الجغرافيا العامة | تأليف «بوبيه Boubée» جزءٌ واحد | يترجمه فايد |
(١١) قطع الصخور | تأليف «دويو Duillot» جزءٌ واحد | يترجمه بيومي |
(١٢) رسالة في الحرارة | تأليف «بيتيه Pietet» جزء واحد | ؟ |
(١٣) رسالة في الضوء | تأليف «بيتيه Pietet» في جزء واحد | ؟ |
(١٤) رسالة في التعدين | تأليف «برار Brard» جزء واحد | ؟ |
(١٥) الفحم الحجري | تأليف «دويو Duillot» جزء واحد | يترجمه بيومي |
(١٦) رسالة في التركيب العددي | تأليف «جريمييه Gremilliet» جزء واحد | يترجمه دقلة |
(١٧) كتاب الكيمياء | تأليف تينار Thénard | ؟ |
(١٨) كتاب الكيمياء | تأليف «شابتال Chaptal» | ؟ |
(١٩) كتاب الكيمياء | تأليف «جراي Gray» | ؟ |
(٢٠) جريدة المعارف العادية | ؟ | |
(٢١) مبادئ المنتجات الكيميائية | ؟ | |
(٢٢) مبادئ التفحيم Manuel de Charpentier | ؟ | |
(٢٣) التعدين «للحديد» | تأليف «كارستون Carston» | ؟ |
(٢٤) العلوم | تأليف «تورنير Tourneur»* | ؟ |
كتاب الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية «اشترك في ترجمته إبراهيم رمضان، ومنصور عزمي، وصححه الشيخ إبراهيم الدسوقي»


- (١)
الهندسة الوصفية تأليف «دوشين»، جزءان، طُبع الجزء الأول في بولاق سنة ١٢٥٢، وطُبع الثاني سنة ١٢٦٣.
- (٢)
كتاب الجبر والمقابلة، تأليف «ماير» جزء واحد في ٥٧١ صفحة، طُبع في بولاق في غرة جمادى الآخرة سنة ١٢٥٦.
- (٣)
ميكانيقة (أي جر الأثقال)، تأليف «تركم»، ترجمه بيومي بالاشتراك مع أحمد طائل، جزء واحد، بولاق سنة ١٢٥٧.
- (٤)
ثمرة الاكتساب في علم الحساب، ويبدو أن بيومي أفندي كان قد ترجَم هذا الكتاب ترجمةً سريعة ليستعين به في تدريس هذه المادة، ثم طُبع طبْع حجر بمطبعة مدرسة المهندسخانة، ولكنه عاد فراجعه وزاد عليه تنفيذًا لأمر أدهم بك مدير المدارس، وطُبع الكتاب بعد تنقيحه في بولاق سنة ١٢٦٣، وهو جزء واحد في ٤٠٠ صفحة، جاء في مقدمة الشيخ الدسوقي ما يلي: «ومن أفخر كتب هذا العلم «الحساب» المؤسسة، كتاب عُرِّب في مدرسة الهندسة، جليل القدر حسن الترتيب، إلا أنه غيرُ متقَن التعريب، طُبع على الحجر في هذه المدرسة على يدِ مَن أحسن قراءته حين درسه، ولقد عمَّ نفعُ هذا الكتاب في المداس، لما احتوى عليه من النفائس، ولما كان الكتاب المعرب المشار إليه مما يُعتمد في هذا الفن عليه، أمر مَن يُجيبه السعد بلبيك، حضرة أمير اللواء أدهم بك، مدير المدارس المصرية، ومفتش المهمات الحربية، جناب المتوكل على ربِّه المعيد المبدئ، محمد الشهير ببيومي أفندي، أن يبذل في إتمامه الهمَّة وأن يضمَّ إليه فوائد مهمة، على يد مصححه راجي عفو الأوزار، إبراهيم الدسوقي عبد الغفار.»
- (٥)
جامع الثمرات في حساب المثلثات، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٤.
(ب) الكتب التي ترجمها إبراهيم رمضان أفندي
-
(١)
ثيوديزيه Géodésie أي: فن أعمال الخرط العظيمة، تأليف «فرانكير Francoeur» طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
-
(٢)
القانون الرياضي في تخطيط الأراضي، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٠، وقد راجع الترجمة على الأصل أبو السعود أفندي، ثم راجعها ثانية بيومي أفندي، وثالثة عند الطبع حسن الجبيلي أفندي، وقام بتحريره وتصحيحه الشيخُ إبراهيم الدسوقي.١٠٠
-
(٣)
اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية، طُبع منه الجزء الأول فقط في ١٧٦ صفحة في بولاق سنة ١٢٦١، وقد قام بمراجعة الترجمة بالاشتراك مع المترجم، حسن أفندي الجبيلي، ويقول الشيخ الدسوقي في مقدمة الكتاب: «وقد تداولتْه أيدي التصحيح ونقَّحتْه غايةَ التنقيح، فقابله على أصله الفرنساوي حسن أفندي المصحح الجبيلي، فأطلق عنانَ قلمه فيه وصحَّحه، وأمعن نظرَه في ترجمته وأصلحه، ثم وصل إلى يد إبراهيم الدسوقي عبد الغفار مهذب عباراته ومبانيه، وحرَّر بعد السؤال معانيه، وبذل فيه غاية المجهود، ونظمه نظمَ اللآلئ في العقود، مع مقابله الثاني، ومترجمه الأول؛ ليكون بذلك أتقن وأكمل.»
وإن هذه الدقة في الترجمة ومراجعتها تُذكِّرُنا بنفس الدقة التي كانت تُراعَى عند ترجمة كثير من الكتب الطبية.
- (٤)
-
(٥)
المنحة اللدنية في الهندسة الوصفية، طبع حجر في مطبعة المهندسخانة، سنة ١٢٦٩.١٠٣
(ﺟ) الكتب التي ترجمها أحمد دقلة أفندي١٠٤

-
(١)
مثلثات مستوية وكروية، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
-
(٢)
أيدروليك (أيْ علم حركة وموازنة المياه)، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
-
(٣)
رضاب الغانيات في حساب المثلثات، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.
(د) الكتب التي ترجمها أحمد طايل أفندي١٠٥
-
(١)
تركيب آلات، طُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
-
(٢)
ميكانيقة (أيْ علم جر الأثقال)، ترجمه بالاشتراك مع بيومي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
كتاب الدر المنثور في الظل والمنظور

(ﻫ) الكتب التي ترجمها أحمد فايد أفندي١٠٦ (باشا فيما بعد)
-
(١)
الأقوال المرضية في علم بنية الكرة الأرضية،١٠٧ تأليف «بوبيه» أمر بجلب هذا الكتاب أدهم بك، وأشار بترجمته المسيو «لامبير» ناظر المهندسخانة، وراجع الترجمة مصطفى أفندي بهجت١٠٨ ورفاعة أفندي، وقام بتصحيحه الشيخ الدسوقي، وهو جزء واحد في ١٣٤ صفحة، وقد أضاف إليه المترجم «نبذة تشتمل على بيان ألفاظ هذا الفن الاصطلاحية» في نحو ٣٨ صفحة مرتبة ترتيبًا أبجديًّا، وطُبع الكتاب في بولاق في أوائل ربيع الآخر سنة ١٢٥٧.
-
(٢)
مختصر علم الميكانيكا: قام بتصحيحه السيد صالح مجدي، وطُبع الجزء الأول منه طبْعَ حجر في ٩٤ صفحة من القطع المتوسط في مطبعة المهندسخانة في سنة ١٢٦٠.
-
(٣)
تحرك السوائل، تأليف «بيلانجيه»، أحضره «لامبير بك»، واستعان به أحمد فايد في تدريس علم الهيدروليكا، ثم ترجمه، وراجع الترجمة السيد صالح مجدي، وصححه الشيخ الدسوقي، وهو جزء واحد في ٢٣٠ صفحة، طُبع في بولاق سنة ١٢٦٤، ويبدو من مقدمة الكتاب أن هذه هي الطبعة الثانية، وأنه طُبع طبعة أولى على حجر في مطبعة المهندسخانة؛ فقد قال فايد في ص٣: «وكنت لدي الترجمة بالأثر مثلته طبعًا على الحجر، مقابلًا عربيته الشاب الناجح، السيد أفندي صالح، ولما انتفع به كثيرٌ من التلامذة، بل ومن الأساتذة الجهابذة، أردتُ أن يكون بالمطبعة الكبرى طبْعه؛ ليعظم وقعُه ونفعُه.»
-
(٤)
الدرة السنية في الحسابات الهندسية، طبع حجر في مطبعة المهندسخانة، سنة ١٢٦٩.


بدأنا الحديثَ عن المترجمين من خرِّيجي المدارس والبعثات بطليعتهم ورائدهم الأول عثمان نور الدين، وجديرٌ بنا أن نختمَ هذا الحديث بالكلام عن المبعوث الأوحد للتخصص في الترجمة رفاعة رافع الطهطاوي.
ولقد كان من حسن حظِّ رفاعة أنه تتلمذ في الأزهر على الشيخ حسن العطار؛ فقد كان هذا الشيخُ سابقًا لعصره، طوَّف في الأرض، وسافر برًّا وبحرًا، وزار الشام، ووصل في تطوافه إلى الآستانة وأقام بها سنوات، وأفاد من هذه الرحلات، واتَّسع أُفقُ تفكيره، ولما نزلت الحملةُ الفرنسية بأرض مصر اتصل ببعض علمائها ولقَّنهم اللغة العربية كما أخَذ عنهم بعضَ علومهم، وأُعجب بما وصل إليه الشعب الفرنسي من رُقيٍّ وحضارة، وقارن في نفسه بين علوم الفرنسيين التي رأى بعضَ مظاهرها في دار المجمع، واستمع لبعض أفكارها في حديثه إلى علماء المجمع، وبين علوم المصريين التي درسها ويُدرسها في الأزهر، فرأى الفرقَ كبيرًا، والبَون شاسعًا، وتنبَّأ لهذا البلد بنهضة علمية سريعة تنهَج فيها نهْجَ فرنسا، قال: «لا بد أن تتغيرَ حال بلادنا، ويتجدَّد لها من المعارف ما ليس فيها.»
وبدأ هو بنفسه فأقبل على كتُبٍ لم تكن تُدرَّس وقتذاك في الأزهر، أقبل على كتُبٍ في التاريخ والجغرافيا، والطب والرياضة، والفلك والأدب، وقرأ الكثيرَ من هذه الكتب وتفهَّمها، غير أنه يبدو أن نظام التدريس في الأزهر لم يكن ليسمحَ له أن يدرسَ بعض هذه الكتب، أو ما أفاد منها، وإن سمحت النظمُ فإن المجموعة التي كانت تُحيط به من شيوخ وطلاب ما كانت لتستسيغَ هذه العلوم أو تقبلَها، بل لعلها كانت تتهم المشتغلين بها بشيء من الزيغ عن الجادة، والبعد عن علوم السلف، وعما يجب أن يلزمَه رجلُ الدين.
وكان رفاعة أقربَ تلاميذ العطار وأحبَّهم إليه، وقد فرح الأستاذ بنبوغ تلميذه في التدريس بعد تخرُّجِه، فلبث يشمله برعايته وحسْنِ توجيهه، فلما طلب إليه محمد علي أن يختار له إمامًا لإحدى فِرَق الجيش الجديد، أسرع فرشَّح رفاعة لهذا المنصب، وعُيِّن الشيخ رفاعة في سنة ١٢٤٠ / ١٨٢٤ واعظًا وإمامًا في آلاي حسن بك المانسترلي، ثم انتقل إلى آلاي أحمد بك المنكلي.
وكانت هذه الخطة ترمي إلى عزْل تلاميذ البعثة، حتى لا يُفسدَهم الاختلاطُ، أو الحياةُ في باريس، وحتى يستطيعوا التوفر على دراساتهم ليُحصِّلوا العلومَ التي يريدون على أحسن وجه، وفي أسرع وقت، ولكن هذه العلوم التي أُوفدوا لدراستها مودعة في بطون المؤلفات الفرنسية، ولا سبيلَ إليها إلا إتقان هذه اللغة حديثًا وقراءةً وفهمًا، ولا سبيل إلى هذا الإتقان إلا أن يختلطَ هؤلاء الشبَّانُ بأندادهم من الفرنسيين حتى تستقيمَ ألسنتُهم.
ولم يقنع رفاعة بالكتب التي تُشترَى له على حساب البعثة؛ فقد أحسَّ لذة المعرفة، فأقبل يشتري كتُبًا أخرى من ماله الخاص، ثم أحسَّ أن دروس أستاذِه لا تكفي لإشباع نهمِه؛ فاستأجر معلِّمًا خاصًّا ظل يُدرِّس له أكثر من سنة، وكان يدفع له أجرَه من مرتبه الخاص.
أرسل رفاعة إلى فرنسا ليكون إمامًا للبعثة، ولكن يبدو أن الأوامر صدرتْ في آخر لحظة أن يُسمح له بالدراسة، فإن أقبل ووفِّق، فليُوجَّه إلى إتقان الترجمة؛ وذلك لأن ثقافته الأزهرية في اللغة العربية تُرشِّحه لهذا العمل إذا ألمَّ باللغة الفرنسية وأتقنها، وهذا عملٌ واسع عريض؛ لأنه غيرُ محدود، فحكومةُ محمد علي كانت مقبلةً على الترجمة في كل علم وفنٍّ: في الهندسة والطب، والفنون العسكرية، والتاريخ والجغرافيا إلخ، فواجب رفاعة إذن أن يقرأ كتُبًا في كل هذه العلوم، وأن يُمرَّن على الترجمة فيها جميعًا، ويا له من واجب شاقٍّ! ولكن همَّة رفاعة كانت همَّةً عالية، فاستسهل الصعب، وأقبل ووفِّق.
وقد ذكر رفاعة في رحلته العلومَ والفنون التي درسها، وعيَّن الكتب التي قرأها، والتي ترجمها، أو بدأ يترجمها وهو في باريس، ومنها نلحظ أن ثقافتَه كانت موسوعية؛ فقد قرأ كتُبًا كثيرة في مختلف العلوم مع أساتذته، ثم قرأ كتُبًا كثيرة أخرى وحده، وبرهن بهذا أنه كان يتمتَّعُ بروح جامعية حقَّة، ولا عجبَ؛ فقد ساعد على تزويده بهذه الروح أمورٌ أربعة: المرانُ الذي اكتسبه وهو يطلب العلم في الأزهر، والنفحةُ التي أضفاها عليه أستاذُه العطار، وحبُّه العجيب للعلم وشغفُه بالتحصيل، ثم نفسه العالية الطموح، ورغبتُه في إشباع هذه النفس، وإرضاء باعثه وباعث النهضة الجديدة في مصر ولي النعم محمد علي.
والآن ليس أحسن من أن ننقل هنا تقريرَ رفاعة نفسه عن الكتب التي قرأها، وعن جهوده في الدراسة والترجمة وهو في باريس، قال في رحلته:
هذه هي العلوم التي درسها رفاعة والكتب التي قرأها، وهي تدل — كما سبق أن ذكرنا — على أنه ثُقِّف ثقافة موسوعية، وقد كان لا بد له أن يُتثقَّفَ هذه الثقافة ما دام قد بُعث للتخصص في الترجمة، حتى إذا طُلب إليه بعد عودته أن يُترجم في أيِّ علم من العلوم لبَّى الطلب ونفَّذ الأمر، وهذا ما حدث فعلًا؛ فإنه عُيِّن بعد عودته مترجمًا بمدرسة الطب ثم نُقل مترجمًا بمكتب طرة الحربي، ولما أُنشئت الألسن كان يُشرف على أعمال خرِّيجيها الذين ترجموا كتُبًا في كلِّ هذه العلوم والفنون.
- (١) نبذة في تاريخ إسكندر الأكبر١٣٤ مأخوذة من تاريخ القدماء.
- (٢)
كتاب أصول المعادن.
- (٣)
روزنامه (يقصد تقويم) سنة ١٢٤٤، ألَّفه مسيو «جومار» لاستعمال مصر والشام، متضمنًا لشذرات علمية وتدبيرية.
- (٤)
كتاب دائرة العلوم في أخلاق الأمم وعوائدهم.
- (٥)
مقدم جغرافية طبيعية مصححة على مسيو «دهنبلض».
- (٦)
قطعة من كتاب «ملطبرون» في الجغرافية.
- (٧)
ثلاث مقالات من كتاب «لجندر» في علم الهندسة.
- (٨)
نبذة في علم هيئة الدنيا.
- (٩)
قطعة من عمليات رؤساء ضباط العسكرية.
- (١٠)
أصول الحقوق الطبيعية التي تعتبرها الإفرنج.
- (١١) نبذة في الميثولوجيا،١٣٥ يعني جاهلية اليونان وخرافاتهم.
- (١٢) نبذة في علم سياسات الصحة.١٣٦
وهذه كما يتضحُ من الأمر السابق لم تكن مدرسةً بالمعنى الصحيح، ولكنها لم تَعْدُ أن تكون فصلًا ملحقًا بمدرسة المدفعية خُصِّص لتعليم بعض الطلبة علْمَ الجغرافية، ليتخرَّجوا مدرِّسين لهذا العلم في المدارس الحربية الأخرى، غيرَ أن رفاعة يسمِّي هذا الفصل مدرسة، ويذكر أنها أُنشئت بموافقة «مشورة الجهادية» لتعليم الجغرافيا والتاريخ، فلا بأس إذن من أن نحاولَ شرْحَ الأسباب التي أدَّتْ إلى فتْح هذا الفصل أو المدرسة، فإنها في نظري النواةُ التي نشأتْ عنها مدرسةُ الألسن بعد قليل.
- (١)
كتاب المعادن النافعة، تأليف «فرارد»، وهو رسالةٌ صغيرة في ٤٧ صفحة من القطع المتوسط، ذكر رفاعةُ في خاتمته أنه ترجمَه «بمشورة جناب مسيو جومار، ناظر الأفندية بباريس، ومحب الديار المصرية وعزيزها ولي النعم»، وقد تمَّ طبْعُ هذا الكتاب في بولاق في شوال سنة ١٢٤٨.
- (٢)
«قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر» وهو رسالةٌ صغيرة أيضًا تقع في ١١٢صفحة من القطع المتوسط، ذكر رفاعةُ أنه ترجمها إجابةً لطلب المسيو «جومار»؛ فقد قال في مقدمته ص٥٣: «قد اشتهر بين الخاص والعام أن طائفةَ الإفرنج قد امتازت الآن بين الطوائف بالتجارات والمخالطة لسائر البلاد، بل لقد اتخذت معرفةَ البلاد وأحوالها سببًا، وانتخبت بذلك نخبًا، فاتسعت معارفها في الجغرافيا والميقات، ولا زالت في الزيادة في العلوم على سائر الأوقات، فلا سبيل حينئذٍ في معرفة أحوال البلدان والخلائق إلا بنقلها عمن حققها من الإفرنج، ولا شك أن من أعلم الإفرنج وأحكمهم طائفةَ الإفرنسيس؛ فإنها الآن بلادُ الفنون والمصانع من غير شك وتلبيس، ولما كان للفقير معرفةُ هذه اللغة، وفيه ملكة مطالعة عظيم كتُبها وتمييز الغثِّ من الثمين، طلَب منِّي الخواجة «جومار» مديرُ تعليم الأفندية المصريين المبعوثين من طرف حضرة وليِّ النعمة إلى باريس كرسي الفرنسيس أن أُترجم إلى العربية كتابًا لطيفًا يسمَّى بما معناه ديوان قلائد المفاخر … إلخ. فأجبتُه لذلك علمًا بأنه نصوحٌ في محبة أفندينا وليِّ النعم، ومحبٌّ لبلاد مصر كأنها وطنه … ولما كان هذا الكتاب غيرَ مقصور على مجرد نقل العوائد، بل هو مشتمل على استحسان واستقباح بعضها، أشار عليَّ مدير التعليم المذكور أن أحذف ما يذكره مؤلف الكتاب من الحطِّ والتشنيع على بعض العوائد الإسلامية، أو مما لا ثمرةَ لذكرِه في هذا الكتاب … إلخ.»
وهكذا كان رفاعة بعد عودته، كما كان قبل عودته دائمَ العمل دائبَ النشاط؛ فقد استطاع في السنوات الثلاث التي تلتْ عودتَه أن يُراجعَ كتُبًا مترجمة في الطب والجغرافية، وقدَّم للمطبعة كتابَين مما ترجم في باريس، أحدهما في علم المعادن، والثاني في علم الاجتماع، وترجَم كتابَين جديدين طُبِعَا أيضًا في بولاق، أولهما في الهندسة، وثانيهما في الجغرافية، واستطاع بعد هذا كلِّه أن يُوفَّق لفتْح مدرسة صغيرة تولَّى وحده فيها تدريسَ علمَي التاريخ والجغرافيا.
كانت الفرصةُ سانحة إذن — ومحمد علي مُعنًى هذه العناية بالدراسات والرسوم الجغرافية — أن يتقدَّم إليه رفاعةُ باقتراحه الجديد لتحقيق أمنيته القديمة، كان ذلك الاقتراحُ يتلخص في أن يُؤذن لرفاعة بافتتاح مدرسة للترجمة تُعلَّم فيها الألسن الشرقية والغربية، وبعض المواد المساعدة؛ كالتاريخ والجغرافية والرياضة، ليقومَ خرِّيجوها بترجمة الكتب في العلوم المختلفة.
وفي سنة ١٢٥٥ / ١٨٣٩ اكتملت المدرسةُ فأصبحت تتكوَّن من ٥ فِرَق، وخرجت الدفعة الأولى، وبدأ تلاميذُها وخريجوها يُترجمون الكتبَ في العلوم المختلفة.
وفي سنة ١٢٥٨ / ١٨٤١ أُنشئ قلمُ الترجمة ملحقًا بمدرسة الألسن وتحت إشراف رفاعة.
ستة عشر عامًا ظلَّ فيها رفاعةُ ناظرًا للألسن، ومدرِّسًا بها، ومديرًا لها، ومشرفًا على قلم الترجمة، ومصحِّحًا لجميع الكتب التي ترجمها تلاميذُه مما سنوضحه عند كلامِنا عن المترجمين من خريجي الألسن.
ومع هذا فقد كان يلجأ إليه المترجمون من أعضاء البعثات في المدارس الخصوصية الأخرى لمراجعة ما يُترجمون من كتُب، فقام — وهو يُدير الألسن — بمراجعة وتصحيح كتُب مختلفة في الطب والجغرافية، والرياضيات.
ففي سنة ١٢٥٢ / ١٨٣٧ تَرجم محمد أفندي عبد الفتاح كتابَ «تحفة القلم في أمراض القدم» (طب بيطري)، وقابلَه على أصله الفرنسي العمدةُ الفاضل «والحجة الكامل، من لا ينازعه في الفصاحة منازع، حضرةُ رفاعة أفندي رافع»، وفي سنة ١٢٥٧ ترجَم نفسُ المترجم كتابَ «نزهة المحافل في معرفة المفاصل، وبعد أن قام على تصحيحه الشيخُ مصطفى كساب، قابلَه على أصله الفرنساوي قدوة الأفاضل، وعدة الأماثل، اللوذعي البارع، رفاعة أفندي رافع».
وفي ١٣ ذي الحجة سنة ١٢٦٤ / ١٠ نوفمبر ١٨٤٨ تُوفيَ إبراهيم باشا، وفي ٢٧ من نفس الشهر تولَّى عرشَ مصر عباس باشا الأول، وكان محمد علي لا يزال حيًّا يُعاني من مرضه الأخير، فلم يجرؤْ عباس على تغيير ما يريد تغييرَه من الأوضاع القديمة، وفي ١٢ رمضان سنة ١٢٦٥ / ٢ أغسطس ١٨٤٩ انتقل محمد علي إلى الرفيق الأعلى، فاستقل عباس بالأمر.
غير أنه عاد فأشار إليهم وإليها في إيضاح مستتر في قصيدة نظمها وهو في السودان مستغيثًا مما هو فيه بحسن باشا — كتخذا مصر — قال فيها:
… إلخ.
ويقول الأستاذ أحمد أمين بك: «وكان الشيخ ماكرًا؛ فقد وضع القصيدة على وزن وقافية:
قضى رفاعة في السودان نحو ثلاث سنوات قاسى فيها الأمرَّين، لا كرهًا في السودان، فهو القائل على لسان مصر والسودان:
إنما آلَمَه في السودان شعورُه بأنه منفي، وتألُّمُه لمَا أصاب معظمَ زملائه من مرض ووفاة، وخاصة بيومي أفندي صديقَه في باريس ومصر، ووفيَّه في الجهاد العلمي، وصاحبَه في السراء والضراء، يؤيد هذا قوله في قصيدته السابق الإشارة إليها:
غير أننا لا نستطيع أن نختم هذا الموضوعَ دون أن نُشير إلى نقطة أخيرة تحتاج إلى المناقشة؛ وذلك أننا أحصينا فيما سبَق جهود رفاعة في الترجمة، غير أنه أشار في بعض شعره الذي قاله في السودان إلى أنه ترجم عن «مونتسكيو»، فقال:
فهذه إشارة واضحة، أكَّدها بعد وفاته الشيخُ محمود كشك الطهطاوي، الذي أشرف على تصحيح الطبعة الثانية من كتاب «مناهج الألباب»؛ فقد أشار في آخره بجهدِ محمد بك رفاعة (حفيد رفاعة بك)، وسعيه لنشر هذا الكتاب، وأشار إلى أن همَّتَه لم تقف عند إنجاز طبعِ هذا الأثر، بل عزم حضرته على إحياء باقي الكتب التي ترجمَها جدُّه عن الفرنساوية إلى العربية؛ كرواية «تلماك» الشهيرة وترجمة «ملطبرون» وترجمة «منتسكو» وغير ذلك … إلخ.
وأورد بعد ذلك صورةَ خطابٍ كتبَه الشيخُ عبد الكريم سلمان إلى حفيد رفاعة بتاريخ ١٦جمادى الأولى سنة ١٣٣٠، قال فيه: «فاجعلْ كتابي هذا غيرَ قاصر على تقريظ عملك الجديد المفيد، ومُدَّه إلى إيجاد ذَينِك السِّفرَين.» (ترجمة ملطبرون وترجمة مونتسكيو).
ولقد رويتُ عن عمِّك الأعز رحمه الله أن والدَه الأكرم، أكرم الله مثواه ترجمهما، وأن نسختهما موجودة، وأسمعني ما بقيتُ حافظه إلى الآن مما يُبرهن على أنه طيَّب الله ثراه ترجمَهما، وهو:
وغايةُ ما نستطيع أن نقولَ إننا رجعنا إلى ثبْت ما ترجَم رفاعة من كتُبٍ في عهدَي محمد علي وإسماعيل فلم نجد من بينها كتابًا لمونتسكيو، وكلُّ ما نعرفه أنه قرأ كتُبَه وهو في باريس، وتأثَّر بها كثيرًا في بعض كتبه، وخاصة كتاب «مناهج الألباب المصرية»، فهو متأثِّر فيه بكتاب مونتسكيو «روح الشرائع»، كذلك لم يُترجم تلاميذُه في مدرسة الألسن من كتب «مونتسكيو» إلا كتابَ «برهان البيان وبيان البرهان في استكمال واختلال دولة الرومان»؛ فقد ترجمَه حسن أفندي الجبيلي، وكانت الترجمةُ تحت إشراف رفاعة؛ فقد قال المترجم في مقدمته: «ولم أغفلْ عن مراجعة الفاضل اللبيب، والكامل الأريب، الدقيق فهمه، الكثير علمه، سيدي رفاعة أفندي في حلِّ بعض مشكلاته، وفكِّ ما عُسر عليَّ فهمُه من معضلاته.»
ولم ينتهِ من ترجمته إلا في الثاني عشر من ربيع الآخر سنة ١٢٩٠ بُعَيد وفاة أستاذه رفاعة، وتمَّ طبْعُ الكتاب بعد ثلاث سنوات في ذي القعدة سنة ١٢٩٣.
لم يبقَ إذن إلا أن يكون رفاعةُ قد ترجَم حقًّا بعضَ كتُبِ «مونتسكيو»، وأجزاء أخرى من جغرافية «ملطبرون» — غير التي طُبعت — وأن مسودات هذه الكتب ما تزال مخطوطةً في مكتبته.
- (أ)
إعداد مترجمين في مختلف الفنون والعلوم.
- (ب)
إعداد مدرِّسين للغة الفرنسية في المدارس التجهيزية والخصوصية.

ومهما كان عدد الخريجين، أو عدد الكتب التي تُرجمت، فقد أشاع رفاعةُ في هذا الرعيل قبسًا من روحه، ونفحةً من نشاطه، فكانوا أركانَ النهضة في عهد محمد علي، ثم كانوا القائمين على إحيائها، والإشراف عليها في عهد إسماعيل، وقد أجمل رفاعةُ القولَ في جهدِه وجهودِهم في مقدمته لقصة تليماك، قال: «قد تقلدتُ بعناية الحكومة المصرية، الفائقة على سائر الأمصار، في عصر المدة المحمدية العلوية السامي على سائر الأعصار، بوظيفة تربيةِ التلاميذ مدة مديدة، وسنين عديدة، نظارةً وتعليمًا، وتعديلًا وتقويمًا، وترتيبًا وتنظيمًا، وتخرَّج من نظارات تعليمي من المتقنين رجالٌ لهم في مضمار السبق، وميدان المعارف وسيعُ مجال، وفي صناعة النثر والنظم أبهرُ بديهة وأبهى رويَّة وأزهى ارتجال، وحماةُ صفوف لا يُبارون في نضال ولا سِجال، وعرَّبتُ لتعليمهم من الفرنساوية المؤلفاتِ الجمَّة، وصححتُ لهم مترجماتِ الكتب المهمة، من كل كتاب عظيمِ المنافع، وتوفق حسن تمثيلها في مطبعة الحكومة وطبعها، ومالتْ طباعُ الجميع إلى مطبوع ذوقها وطبعها، وسارتْ بها الركبان في سائر البلدان، وحدَا بها الحادي، في كل وادٍ، وقصدَها القُصَّاد كأنها قصائد حِسان، وكان زمني إلى ذلك مصروفًا، ودَيدني بذلك معروفًا، مجاراة لأمير الزمن (يقصد محمد علي)، على تحسين حال الوطن، الذي حبُّه من شُعَب الإيمان …» إلخ.
وبعد نحو ٣ سنوات من إنشاء المدرسة (١٢٥٤) أخرجتُ كتابَين آخرين وهما «تنوير المشرق بعلم المنطق»، ترجمة خليفة محمود، و«بداية القدماء وهداية الحكماء»، وقد اشترك في ترجمته مصطفى الزرابي ومحمد عبد الرازق وأبو السعود، وهم جميعًا من تلاميذ المدرسة.
ورغبةً في ترجمة أكبر عدد ممكن من الكتب، وإنجاز الترجمة في أسرع وقت، كانت الكتب تُوزَّع على المترجمين أجزاءً إذا كان الكتاب يتكوَّن من أجزاء كثيرة، أو فصولًا إذا كان الكتاب جزءًا واحدًا، وكان يُحدَّد لكل مترجم وقتٌ معين لإنجاز الترجمة حسب كبر الجزء أو الفصل أو صغره، وكانت تتراوح هذه المدة بين أربعة عشر شهرًا وخمسة أشهر.
وكان رفاعة يُشرف بنفسه على مراجعة وتصحيح معظم الكتب، إن لم يكن كلها، يشهد بذلك المترجمون من تلاميذه جميعًا في مقدمات كتبهم، فهذا عبد الله حسين يقول في مقدمة تاريخ الفلاسفة: «فاستعنتُ في مشكلات الكتاب، وتحرير ترجمته بمدير تلك المدرسة البهية.» وهذا خليفة محمود يقول في مقدمة «إتحاف الملوك الألبا بتقدم الجمعيات في بلاد أوروبا»: «وحيث إنها باللغة الفرنساوية من مستصعبات التآليف، ومختصرات التصانيف، استعنتُ في تذليل صعابها، وكشف نقابها بمراجعة من لسان القلم في مدحه ووصفه قصير، ومَن أتى في مدحه بأبدع مقال فإنما هو آتٍ بيسير من كثير، حضرة رفاعة أفندي مدير مدرسة الألسن، حين التوقف والحاجة إلى ذلك، وهو أيضًا صحَّحها على أصلها، وقابلها كلَّ المقابلة، فبهذا كانت خيرَ ترجمة لا سيما من أمثالي، حيث إنه لم يكن لي في مدرسة الألسن غير سنتين، في اشتغالي بهاتين اللغتين، إلخ.» وقال في مقدمة «إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شارلكان»: «بذلتُ الهمَّة في تعريبه، وتنقيحه وتهذيبه، وازداد تهذيبًا بمقابلته مع ربِّ البلاغة والتدقيق، مَن أوتي في هذا الفن مفاتيح كنوز الحقيقة والتحقيق، حضرة رفاعة أفندي ناظر قلم الترجمة، إلخ.»
وممن شارك مشاركةً جدية في مراجعة وتصحيح الكتب التي تُرجمت في مدرسة الألسن، وقلم الترجمة الشيخ أحمد عبد الرحيم الطهطاوي، كبيرُ مصححي الألسن؛ فقد عُيِّن في المدرسة منذ إنشائها، ولم يُطبع من كتبها كتاب «إلا طالعَه وتصفَّحَه، وقابله وصحَّحه وهو يشتغل ليلًا ونهارًا».
أما اختيار الكتب التي تُترجَم فقد كان موكولًا لرفاعة بك، وقد بدأ كما ذكرنا فاختار لتلاميذه بعضَ الكتب التي قرأها ودرسها وهو في باريس؛ ككتاب «تاريخ الفلاسفة اليونانيين»، وكتاب «بداية القدماء وهداية الحكماء»، وكتاب «دي مارسيه»، في المنطق الذي ترجم بعنوان «تنوير المشرق بعلم المنطق، إلخ».
غير أنه كان يحدث أحيانًا أن يكتب ديوان المدارس إلى مدرسة الألسن مشيرًا بترجمة كتبٍ معينة، وإذا قلنا ديوان المدارس، فإنما نعني في الواقع مديرَه أدهم بك؛ فقد كان رجلًا مثقفًا واسع الثقافة وخاصة في اللغة الفرنسية والعلوم الرياضية؛ ولهذا نلاحظ أن معظم الكتب التي أشار ديوان المدارس بترجمتها كانت إما كتُبًا رياضية، وإما كتُبًا في الرحلات، قال السيد أفندي عمارة في مقدمة كتاب «تهذيب العبارات في فنِّ أخْذ المساحات»: «فمذ حللتُ كغيري بتلك المدرسة (الألسن) اجتنيتُ من ثمر اللغة العربية والفرنساوية أنفَسَه، بإرشاد ناسج حُلَّة بُردِها، وناظم جوهر عِقدِها … العلامة السيد رفاعة أفندي بدوي رافع، فلما علِم مني الرغبةَ في التحصيل … حباني من فضله إمداده، إلى أن بلغتُ المأمول وزيادة، وأمرني عملًا بما صدَر من ديوان المدارس المصرية أن أُترجم كتابًا للمؤلف «لوكوه» يتضمن بيان المسافات، وفنَّ أخذ المساحات … إلخ.»
وقال سعد نعام في مقدمة «سياحة في أمريكا»: «قد صدر الأمرُ بتعريبه، وتفسير تراكيبه من ديوان المدارس المصرية، التي هي بكسب العلوم حرية، بأنفاس مديرها حضرة البك المفخم، سعادة أمير اللوا إبراهيم أدهم … إلخ.»
وقال إبراهيم مصطفى البياع «الصغير» في مقدمة «سياحة في الهند»: «هذه خدمة يسيرة، وتعريب رحلة صغيرة، للمؤلف «أوبير ثرولد»، ألَّفها في سياحته إلى بلاد الهند، وجدت في كتبخانة حضرة البك المفخم مدير المدارس، سعادة أمير اللواء أدهم بك، فصدر الأمرُ بترجمتها من الديوان إلى حضرة علامة الزمان، مَن رَقيَ في مراقي الشرف أرفعَ محلٍّ وأعظمَه، حضرة أميرالاي رفاعة بك ناظر قلم الترجمة، فعيَّنني حفظه الله لترجمتها …» إلخ.
ويبدو لي أن رفاعة كان يُراعي رغباتِ وحاجات الوالي والحكومة والمدارس في اختيار الكتب التي تُترجم، ولكنه كان يتخيَّر الكتب التاريخية تبعًا لخطة خاصة رسمَها لنفسه؛ فإنه يتضح من مراجعة هذه الكتب أنه كان يريد أن يُترجم كتُبًا مختلفة تُغطِّي تاريخ العالم منذ أقدم العصور حتى أحدثها، وإن كان تاريخ فرنسا قد حَظيَ منه بعناية خاصة؛ فقد ترجم فيه أكثرَ من كتاب، ولعل هذا راجعٌ لثقافة رفاعة الفرنسية، وميله إلى هذه الدولة، أو العلاقة كانت تربط بين مصر وفرنسا منذ نزلتْ بأراضيها الحملة، أو لاستعانة محمد علي بالفرنسيين في إصلاحاته، وإيثاره فرنسا بإيفاد معظم البعثات إليها.
وقد عُنيَ رفاعة بعلم التاريخ هذه العناية، وعَهِد إلى تلاميذه بترجمة الكتب الكثيرة فيه لأسباب كثيرة، أولُها ميلُه الخاص، وثانيها وأهمُّها ما كان يحسُّه من شغَفِ محمد علي باشا الشديد بدراسة حوادث الأمم، وتراجم عظماء الرجال، ورفاعة حريصٌ الحرص كله في كل ما يعمل على أن يُرضيَ «ولي النعم».
بدأ رفاعة بتنفيذ هذه الخطة، فاختار كتابًا في تاريخ الدول والشعوب القديمة، من مصريين وسوريانيين وبابليين، وأكراد، وفُرس، ويونانيين، إلخ، وعهد إلى تلاميذه في مدرسة الألسن بترجمته، ولما كان هذا الكتاب في أصله الفرنسي «ناقصًا تاريخ الخليقة والعرب، وكان في كتاب عماد الدين أبي الفدا سلطان حماة ما يفي بالأرب»؛ فقد أضاف رفاعة إليه فصولًا من هذا الكتاب «لكمال المطلوب، وبلوغ المرغوب»، والمطلوب والمرغوب، كما رجحنا، هو تغطية تاريخ العالم بسلسلة من الكتب؛ ولهذا نراه لا يتقيَّد بنصوص المؤلفين عند الترجمة، بل يُبيح لنفسه إضافةَ أجزاء من كتب عربية قديمة ليُكمل بها ما في هذه الكتب من نقص، وليُحقِّق خطتَه التي رسمها لنفسه.
وقد كتب رفاعة مقدمةً لهذا الكتاب — وهو أول كتاب تاريخي تُترجمه مدرسة الألسن؛ فقد طُبع في سنة ١٢٥٤ — فلسف فيها دعوتَه لدراسة التاريخ، وأوضح الأغراض من دراسته، وأشار إلى شغف محمد علي بهذا العلم، وهي مقدمة طيبة لا يشوبُها — فيما نرى — إلا التزامُه السجعَ في فقراتها، ولكنه كان مضطرًّا إلى هذا اضطرارًا؛ فقد كان متأثرًا بتقاليد العصر الأدبية، قال في هذه المقدمة: «من المعلوم أن الإنسان مدنيٌّ بطبعه، مائلٌ إلى التأنس والعمران بأصله وفرعه، مضطرٌّ إلى السياسة والرياسة، وحسن الاجتماع والكياسة، وما يكون به استجلاب كماله، ومعرفة أسباب حفظه أو تحوُّله وانتقاله، وما يكون عليه حال الملك في نفسه أو مع رعيته، وعمارة مدائن مملكته، حيث احتاج إلى ذلك تنظيم المصالح وضبط المهمات على وجه راجح ناجح، لما أنه يستنبط من ذلك كمال فوائده، مَن كان تدريبُ التجاريب نصْبَ مصادره وموارده، ولا يشمُّ ذلك إلا مَن للأخبار اختبر، وللسيَر والتواريخ سبر، حتى تضلَّع من وقائع المشارق والمغارب، وتجرَّع من محيطها بأنواع الأذواق والمشارب، ورجع عن طروق الشبه إلى أهل الذكر، وهرع إلى طرق التاريخ بالهمة والفكر، لما أنه يجود بذكر ما جرى عليه النسيان، ويُجيد حوادث الحدثان، ويُخرجها من حيِّز الخفاء إلى حيز العيان، ولولا أن مصباح التاريخ به الاستصباح، لأصبح ما مضى هشيمًا تذروه الرياح، فمنفعتُه عامة، للخاصة والعامة، وهو مشيرُ كلِّ أمير، وأميرُ كلِّ مشير، وسميرُ كلِّ وزير، وظهيرُ كلِّ سمير، إذا سُئل أجاب، وأبدى العجبَ العجاب، ترتاح به الأرواحُ الفاضلة، وتلتاح إليه النفوسُ الكاملة، من الحكماء والأساطين، والملوك والسلاطين؛ فلذا كانت مطمحَ نظر الخديو الأعظم، وملمحَ بصر الداوري الأفخم، نادرة الدهر، أنموذج الفخر، سيد مصر، وصاحب العصر، مغناطيس التعجب، صاحب اليد البيضاء التي لا تُوارَى، والحسنات الجمَّة التي لا تُجارى، مَن به اضمحلَّ الظلمُ وتلاشى، أفندينا ولي الممالك محمد علي باشا، الذي سارت الركبان بذكره في كل نادٍ، وتلقَّب بأعظم الألقاب، لا سيما عند ملوك أوروبا، أوليس أنه يلقب عندهم معيد تمدن الإسلام، ومبيد تمكُّن الأوهام؟
ولما كان تولُّعُه بالتواريخ شديدًا، وتطلُّعُه لأخبار الملوك الماضين مزيدًا، وله في معرفة فحول رجال القرون الأولى المادة الغزيرة واليد الطُّولى، والقريحة الوقَّادة، والبصيرة النقَّادة، وكان تاريخ تلك العصور، بالكتب العربية في غاية القصور، لا سيما تاريخ اليونان، المشتمل على فحول رجال تلك الأزمان، وكان بمدرسة الألسن مَن يقوم بتعريب طرفه، ويُخرج دُرَّه من صدفه، أعطيتُه لعدة أفراد، لتعريب المراد في أقرب ميعاد …» إلخ.
وقد اشترك في ترجمة هذا الكتاب مصطفى الزرابي أفندي، ومحمد عبد الرازق أفندي، وأبو السعود أفندي.
وبعد الانتهاء من ترجمة هذا الكتاب في تاريخ العالم القديم، تخيَّر رفاعة كتابًا آخر في تاريخ العصور الوسطى، وعهد لمصطفى أفندي الزرابي بترجمته، فخرج كتابًا كبيرًا في جزأين، يقع الجزء الأول في ٢٦٨ صفحة، والثاني في ٣٥٩ صفحة، وقدَّم له رفاعة بما يؤكد خطته التي زعمناها، قال: «يقول الفقير إلى الله تعالى رفاعة رافع ناظر مدرسة الألسنة، هذه رسالة في تاريخ القرون المتوسطة تكملة لتاريخ القدماء الذي طبعه وليُّ النعم، صاحب الجود والكرم.» وقد سمَّى هذا الكتاب، «قرة النفوس والعيون بسِيَر ما توسط من القرون».
تناول هذان الكتابان تاريخَ العصور القديمة والمتوسطة، وقد انقسم العالم في العصور الحديثة إلى دول كثيرة مختلفة، ولكل دولة تاريخُها، وقد عُنيَ رفاعة بتاريخ فرنسا خاصة للأسباب المتقدم ذكرها، فعَهِد إلى أحد النابغين من تلاميذه — أبي السعود أفندي — بترجمة كتاب «نظم اللآلئ في السلوك فيمن حكم فرنسا من الملوك»، فترجمه، وطبع في بولاق سنة ١٢٥٧.
ذكرنا قبل هذا أن خريجي الألسن في نحو عشر سنوات يتراوحون بين السبعين والمائة، وأنهم ترجموا ما يقرب من الألفَي كتاب، ومن العسير أن نُترجم هنا لجميع هؤلاء الخريجين، أو أن نذكر بالتفصيل جهودَهم في الترجمة، فاكتفينا بعرض التيارات العامة التي كانت تُوجه المترجمين في قلم الترجمة الملحق بالمدرسة، وتحدَّثنا حديثًا موجزًا عن بعض جهود الخريجين تحت ضوء هذه التيارات، وسنتخير هنا علَمَين من أعلام الخريجين، فنتحدث عن جهودهما في الترجمة واكتفينا بالإشارة إلى جهود الآخرين بذكر الكتب التي ترجموها في الثبت العام للكتب التي تُرجمت في عصر محمد علي الذي ألحقناه بهذه الرسالة.
هذان العَلَمان هما عبد الله أبو السعود أفندي والسيد صالح مجدي أفندي (بك فيما بعد)، وقد دفعَنا إلى اختيارهما أنهما كانا أكثرَ الخريجين اتصالًا بأستاذهم رفاعة في عهد محمد علي، ثم في عهد إسماعيل، وأنهما كانا أكثر الخريجين إنتاجًا وترجمة، بل وتأليفًا فيما بعد.
أما أبو السعود أفندي فقد وُلد في دهشور سنة ١٢٣٦، وكان والده قاضيًا ثم اختير ناظرًا لأحد المكاتب التي أنشأها محمد علي، وهو مكتب البدرشين، وذلك في سنة ١٢٤٨، فألحق ابنَه تلميذًا بهذا المكتب، ومنه اختاره رفاعة بك في سنة ١٢٥٠؛ ليكون تلميذًا بمدرسة الألسن، وفيما تفوَّق على أقرانه وخاصة في اللغة العربية، فاختير في سنة ١٢٥٤ مدرِّسًا لهذه اللغة خلفًا لأستاذه الشيخ حسنين الغمراوي، ومُنح رتبة الملازم الثاني، وبعد قليل رَقيَ إلى رتبة الملازم الأول ونُقل إلى مدرسة المهندسخانة، فكان يدرس بها اللغة الفرنسية، ويشترك في تصحيح الكتب الرياضية التي يترجمها مدرسوها، ولم يكتفِ في هذه السنوات بالثقافة التي تلقَّاها في الألسن، بل كان يحضر دروس الفقه بالجامع الأزهر ومن أساتذته الشيخ خليل الرشيدي، والشيخ أحمد المرصفي، والشيخ المنصوري، والشيخ التميمي المغربي.
وفي سنة ١٢٥٩ عندما أُعيد تنظيم قلم الترجمة الملحق بالألسن تحت رئاسة رفاعة بك، ونظارة كاني بك نُقل إليه أبو السعود أفندي، ولم يُترجم في تلك الفترة إلا كتاب «نظم اللآلئ في السلوك فيمن حكم فرنسا ومَن قام على مصر من الملوك»، والثلثان الأولان من الكتاب مترجمان عن الفرنسية، وموضوعُهما تاريخ ملوك فرنسا من الدولة «الميروفنجية» إلى عهد الملك «لوي فيليب»، أما الثلث الأخير فمن وضعه وقد ضمَّنه تاريخَ حكَّام مصر وولاتها منذ عهد الخليفة أبي بكر الصديق إلى عهد السلطان عبد المجيد، وقد طُبع هذا الكتاب في بولاق سنة ١٢٥٧.
وفي عهد عباس الأول انزوى أبو السعود أفندي موظفًا عاديًّا لا جهدَ له ولا نشاط، ولا عجبَ؛ فهو تلميذ رفاعة، فلما تولَّى سعيد باشا الحكم عاد أبو السعود إلى الحياة، وسافر مع الوالي إلى السودان كاتبًا لمعيته، وبعد عودته عُيِّن بقلم الترجمة بالخارجية، وفي أوائل عهد إسماعيل عاد إلى قلم الترجمة الملحق بديوان المدارس ليعمل من جديد بالاشتراك مع زميله صالح مجدي تحت رئاسة أستاذهما رفاعة بك.
وقد ساهم أبو السعود في تحرير أول مجلة مصرية ظهرت في ذلك الوقت وهي «روضة المدارس»، ثم اختير في أخريات أيامه ناظرًا لقلم الترجمة خلفًا لأستاذه رفاعة، ثم كان مدرِّسًا للتاريخ بمدرسة دار العلوم، وعضوًا بمجلس الاستئناف إلى أن تُوفيَ في الثامن من صفر سنة ١٢٩٥.
أما السيد صالح مجدي فهو من أسرة عربية الأصل، ولد في قرية أبي رجوان من أعمال مديرية الجيزة في سنة ١٢٤٢ أو سنة ١٢٤٣، وتلقَّى علومه الأولى في مكتب حلوان الأميري، ومنه اختير كما اختير زميلُه أبو السعود ليكون تلميذًا بمدرسة الألسن، فأُلحق بها في سنة ١٢٥٢.
وهكذا كان صالح مجدي أسعدَ حظًّا من صديقه أبي السعود، فقد مهَّدتْ له معرفتُه بعلي مبارك السبيلَ إلى البقاء في مدرسة المهندسخانة في عهد عباس، وفي هذه المدرسة قضى نحو عشر سنوات أنتج فيها هذا الإنتاجَ الضخم، وفي عهد سعيد باشا عاد أستاذُه رفاعة من السودان غير أنه ظلَّ مدة عاطلًا، فنقل مجدي في سنة ١٢٧٢ وكيلًا لمأمورية أشغال الطوابي بالقلعة السعيدية، وعُهد إليه بترجمة الكتب العسكرية، ثم مباشرة طبْعِها في مطبعة بولاق، ثم لم يلبث أن جذَبه رفاعة إليه فنقل ناظرًا لقلم الترجمة الملحق بالمدرسة الحربية بالقلعة التي كان يتولَّى نظارتَها رفاعة.
أبو السعود وصالح مجدي عَلَمان كما قلنا من أعلام خريجي الألسن، وهما خير نموذجَين لهذه الطائفة من المترجمين، وعلى مثالهما بذل إخوانُهما الجهدَ في الترجمة، ومن صنفهما عثمان جلال في ميدان الأدب، وقدري باشا في ميدان القانون.
وقد ربطت الحوادثُ بين هذين العَلَمين وبين أستاذهما رفاعة، فعملَا معه في قلم الترجمة في عصرَي محمد علي وإسماعيل، واشتركَا معه في تحرير روضة المدارس وفي ترجمة قانون نابليون، غير أنهما رغم هذا اختلفَا الواحد عن الآخر في ميادين أخرى؛ فقد كان صالح مجدي أقربَ إلى علي مبارك في دراساته وثقافته الرياضية والعسكرية؛ ولهذا تعاون في إنتاجه العلمي مع علي مبارك أكثرَ من تعاونه مع أستاذه رفاعة، ومع هذا فقد كان فضل رفاعة عليه كبيرًا؛ فإن ثقافته الفرنسية والعربية التي تلقَّاها في مدرسة الألسن هي التي رشَّحتْه للعمل في قلم الترجمة في عهدَي محمد علي وإسماعيل، وهي التي رشحتْه للعمل في مدرسة المهندسخانة في عهدَي محمد علي وعباس، وثقافته القانونية في الألسن أيضًا هي التي رشحتْه للعمل في ترجمة القوانين ثم لتولِّي وظيفة القضاء في عصر إسماعيل؛ لهذا كان مجدي أبرَّ التلامذة بأستاذه، فهو الوحيد من بين تلاميذ رفاعة الذي أرَّخ له بعد وفاته، فكتب عنه كتابَه القيم — رغم صغره — «حلية الزمن بذكر مناقب خادم الوطن».
كانت معظم الكتب التي ترجمها السوريون — إن لم تكن كلها — كتبًا طبية ولخدمة التعليم في مدرستَي الطب البشري والبيطري، وكانت معظم الكتب التي ترجمها خريجو المدارس والبعثات كتبًا طبية ورياضية، فلما أُنشئت مدرسة الألسن، تنوَّعت الترجمة، فترجم خريجوها في كل علم وفن، وإن كانت ترجماتهم اتجهت في معظمها إلى الأدبيات، متأثرة في ذلك بروح ناظر المدرسة وأستاذها رفاعة رافع الطهطاوي.
وقد شاركت في الترجمة في عصر محمد علي طائفةٌ رابعة لم تكن تجمعها ثقافةٌ واحدة وهي طائفةٌ من موظفي الحكومة، وكانت معظم الكتب التي ترجمتها هذه الطائفةُ لخدمة الحكومة — وخاصة الجيش — ثم لإرضاء رغبات الوالي محمد علي، وفي بعض الأحيان لإرضاء رغبات ابنِه «السر عسكر» إبراهيم باشا؛ ولهذا كانت معظم الكتب التي ترجمها هؤلاء الموظفون عن الفرنسية إلى التركية، أو عن الترجمات العربية لكتب فرنسية إلى التركية، أو عن العربية إلى التركية؛ فقد كانت اللغة التركية هي اللغة الأولى لمحمد علي ولمعظم رجال حكومته.
شمل برنامجُ الإصلاح المحمدي العلوي جميعَ مرافق الحياة المصرية، غير أن العناية كل العناية كانت موجهةً للجيش؛ فهو دعامة محمد علي للاستقلال ولإحياء العالم العثماني، ولتنفيذ نواحي النشاط الأخرى، وقد كان معظم مَن أُلحقوا بالمدارس الحربية أول إنشائها — ليتخرجوا ضباطًا للجيش الجديد — من عنصر تركي، وكانت الخطة الموضوعة تَرمي إلى تكوين الجيش، وتمرين ضباطه على النظم الأوروبية الجديدة، وكانت فرنسا هي الدولة التي ينقل عنها محمد علي؛ ولهذا تُرجمت الكتب الحربية عن الفرنسية إلى التركية.
ولم يكن من المترجمين السوريين أو المصريين من خريجي البعثات أو الألسن مَن يعرف التركية أو يُجيدها؛ ولهذا أُلقي هذا العبء على كواهل موظفي الحكومة ممن يُتقنون الفرنسية والتركية، وقد ذكرنا قبلًا أن هذا الجهد بدأه عثمان نور الدين غير أنه غادر مصر في سنة ١٨٣٣، والحرب بين مصر والدولة العثمانية لم تهدأ أسبابُها؛ لهذا خلفه في هذا الميدان أناسٌ كثيرون أهمُّهم كاني بك، وهو رجل من أصل تركي كان من كبار موظفي الدولة في عهد محمد علي، وشارك مشاركةً فعالة منتجة في جميع اللجان التي أشرفت على تنظيم التعليم في ذلك العهد، وخاصة في لجنتَي ١٨٣٥ و١٨٤١، وقد قام بترجمة معظم الكتب الحربية التي تُرجمت في عصر محمد علي، وإن كان لم يذكر اسمه عليها؛ لأنها كانت في معظمها تعليمنامات أو قانونامات؛ ولهذا كان من العسير أن نُحقِّق كم كتابًا ترجم، غير أن بعض أوامر محمد علي كانت تُشير إلى بعض ما ترجم من كتب.
الصفحة الأخيرة من كتاب «وصايا نامهْ سفرية»

-
(١)
«قانونامه عساكر بياد كان جهادية»، ترجمَه تنفيذًا لأمر محمد علي٢٣٧ وطبع في بولاق سنة ١٢٣٨، وطبع ثانية في غاية شهر شوال سنة ١٢٤٥ لنفاد نُسَخ الطبعة الأولى.
-
(٢)
«قانونامهْ عساكر طوبجيان جهادية بحرية»، وقد ذكر في مقدمته أنه ترجمة للقانون البحري الفرنسي قام بها أحمد أفندي خليل «ناظر مدرسة جهادية ورئيس مهندسخانة برية مصرية»٢٣٨ وقد طبع هذا الكتاب في بولاق في غرة شعبان سنة ١٢٤٢.
وممن شارك في حركة ترجمة الكتب الحربية من موظفي الدولة — ولكن بجهود ضئيلة — جركس محمود قبودان (محمود نامي باشا)؛ فقد ترجم كتابًا في فنِّ الحرب البحري، وعبد الحميد بك الديار بكرلي، وترجم مؤلفًا في مقياس السفائن، ومحمد شنن أفندي (بك فيما بعد)، وترجم قانون البحرية.
كانت العلوم الحربية هي الميدان الأول الذي عمل فيه بعضُ المترجمين من الموظفين في عهد محمد علي، وكان علم التاريخ هو الميدان الثاني، ولعله لم يكن أقلَّ أهمية في نظر الوالي من الميدان الأول؛ فقد كان يرى نفسه — وهو منشئ دولة جديدة وصاحب سياسة إصلاحية جديدة — في حاجة إلى أن يقرأ ويدرس تراجمَ أمثاله من القواد والملوك والمصلحين ليُفيد من خبرتهم، ويتجنَّب أخطاءَهم، وإنا لنرى أنه أفاد من هذه القراءة، وهذا هو الفارق الكبير بينه وبين القائد العظيم نابليون، كلاهما من أبناء عصر واحد، ومن غمار الشعب، وصلَا إلى العرش بجهودهما — وخاصة الجهود الحربية — ولكلٍّ منهما تاريخ مجيد في الإصلاح الداخلي، غير أن نابليون لم يُقدِّر قيمة القوة التي وقفت في سبيله، فلم يعترف بالهزيمة فقضت هذه القوةُ عليه وعلى ملكه، أما محمد علي فقد ناضل حتى أيقن أن لا فائدة من النضال فخضع مكرهًا وقنع بولاية مصر مضطرًّا، وبهذا احتفظ لنفسه ولأسرته بالملك.
- (١) ترجمة مظهر التقديس بخروج الفرنسيس تأليف المؤرخ المصري الكبير الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، ترجمه عن العربية إلى التركية السيد أحمد عاصم أفندي، وفرغ من ترجمته في غرة ربيع الأول سنة ١٢٢٥، ولا يزال هذا الكتاب مخطوطًا٢٤١ في دار الكتب الملكية بالقاهرة تحت رقم ٨٨٥٤.
- (٢)
الأمير في علم التاريخ والسياسة والتدبير، تأليف «مكيافلِّي»، ترجمه عن الإيطالية إلى العربية الأب رفاييل أنطون زاخور، ولا تزال نسخته المخطوطة — بخط المترجم — محفوظةً في دار الكتب الملكية تحت رقم ٤٣٥ تاريخ، وقد فصَّلنا الكلام عن هذا الكتاب عند حديثنا عن المترجمين السوريين في عصر محمد علي، وذكرنا في ذلك الفصل أن محمد علي أمر بهذه المناسبة فترجمت له مقدمة ابن خلدون إلى اللغة التركية؛ ليقارن بينها وبين كتاب الأمير.
- (٣)
«التلخيصات المتعلقة بتدبير أمور سلطنة الدولة العثمانية» تأليف الأمير قوجه مصطفى بك الكورجه لي فاتح بغداد، ومن أصحاب السلطان مراد خان الرابع، ألَّفها وقدَّمها له حينما وقع الاحتلال وظهرت الفتن في أوائل سلطنته، ترجمه إلى اللغة العربية عبد الله أفندي عزيز بن خليل الكاتب والمترجم بديوان الخديوي بإسكندرية، وكتب له مقدمة في صورة «عرض حال»، ورفعها إلى محمد علي باشا، أتمَّ ترجمته في سنة ١٢٤١، ولا يزال هذا الكتاب مخطوطًا ومعه الأصل التركي في دار الكتب الملكية.
- (٤)
«قترينۀ تاريخي» تأليف المؤرخ الفرنسي «كاسترا»، وهو كتاب في تاريخ الإمبراطورة كاترين الثانية، وبه مقدمة قصيرة عن تاريخ الروسيا، ترجمَه عن الفرنسية إلى التركية «جاكوفاكي أرجير وبولو» الموظف والمترجم بالديوان الخديوي، وقد طُبع في بولاق في جزء واحد سنة ١٢٤٤ / ١٨٢٩ ثم أُعيد طبعه في سنة ١٢٤٦ / ١٨٣١ تحت عنوان «أيكنجي قنرينۀ نام روسيه إيمبر أتريجه نك تاريخي» بعد أن راجعه وصحَّحه سعد آمدي أفندي.
- (٥)
تاريخ نابوليون بونابرته، وهو مذكراته التي كتبها بنفسه حينما كان منفيًّا في جزيرة «سانت هيلانة» تُرجم عن الفرنسية إلى التركية وطبع في بولاق سنة ١٢٤٧ / ١٨٣٢ ولم أعثر على اسم مترجمه.
- (٦)
«ترجمة سير الحلبي» وهو ترجمة السيرة النبوية الحلبية المشهورة، ترجمها عن العربية إلى التركية سعيد أحمد يلم، وطبعت في بولاق سنة ١٢٤٨ / ١٨٣٨.
- (٧) ترجمة تاريخ دولة إيطاليا،٢٤٢ تأليف المؤرخ الإيطالي «بوتا»، ترجمَه إلى اللغة التركية عبد الله أفندي عزيز وحسن أفندي، الكاتبان بالديوان الخديوي وطُبعَا في مطبعة سراي الإسكندرية سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.
- (٨) تاريخ نابوليون بونابرته٢٤٣ تأليف «الدوق دي روفيجو»، ترجمه إلى التركية المترجمان السابقان، وطُبع في مطبعة سراي الإسكندرية سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.
- (٩)
«سفارت نامۀ رفاعة بك» وهي رحلة رفاعة ترجمها عن العربية إلى التركية — بأمر محمد علي — المولى رستم أفندي بسيم العرضحالجي بالدائرة السنية الخديوية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥ / ١٨٤٠.
- (١٠)
شرح قصيدة البردة، ترجمَه عن العربية إلى التركية أحمد أفندي مصطفى، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٦ / ١٨٤١.
هذه هي الكتب التاريخية التي تُرجمت في عصر محمد علي وبأمره إلى اللغة التركية تبين في وضوح اتجاهه نحو تثقيف نفسه ثقافة تاريخية واسعة، ونستطيع أن نضيف إليها ما ترجمه خريجو الألسن إلى اللغة العربية من كتب في تاريخ أوروبا في عصورها المختلفة، وتاريخ فرنسا وبطرس الأكبر، فمما لا شك فيه أن كثيرًا من هذه الكتب كانت تُقرأ لمحمد علي أو تُعرض عليه فيقرها قبل طبعِها.
ونلاحظ أخيرًا أن هذه الكتب جميعها تُرجمت تحقيقًا لرغبات محمد علي أو لرغبات ابنه إبراهيم، ولولا هذه الرغبات ما تُرجمت هذه الكتب، غير أنَّا عثرنا بين الكتب التي ترجمها موظفو الدواوين في ذلك العصر على مثالٍ فريد في كل ما يحيط به؛ فهو فريد في نوع الترجمة لأنه مترجم عن الفارسية إلى العربية، وهو فريد في الدافع على ترجمته، فقد ترجمه مترجمه بدافع من هوايته الشخصية وشغفه بالدراسة، وهو فريد أخيرًا في نوعه، فهو كتاب في الأدب، بل لعله الكتاب الوحيد في علم الأدب الذي تُرجم في عصر محمد علي.
هذا الكتاب هو ترجمة عربية لكلستان سعدي قام بها جبرائيل بن يوسف المخلع السوري الأصل والكاتب بالديوان الخديوي بثغر الإسكندرية، وطُبعت هذه الترجمة في بولاق في صفر سنة ١٢٦٣.
وقد ذكر أنه أتمَّ ترجمته في شهر وأيام؛ فقد بدأ الترجمة في يوم الاثنين السادس من شهر رمضان سنة ١٢٥٨ وأتمَّها في السادس عشر من شوال من نفس السنة.
الميدان الثالث الذي ظهرتْ فيه جهودُ المترجمين من الموظفين هو ميدان العلوم الرياضية؛ فقد كانت هذه العلوم تُدرس في المدارس الحربية كما كانت تُدرس في مدارس الهندسة، ومعظم تلاميذ المدارس الحربية — في العهد الأول — إن لم يكن كلهم كانوا من سلالات تركية، وكانوا يدرسون في تلك المدارس باللغة التركية؛ لهذا كان من الواجب أن تُترجم لهم هذه الكتب إلى اللغة التي يفهمونها وبعض هذه الكتب تُرجم عن الفرنسية إلى التركية مباشرة، والبعض الآخر كان قد تُرجم إلى العربية لاستعماله في مدارس المهندسخانة، فصدرت الأوامر بترجمته عن العربية إلى التركية.

- (١)
رسالة في علم جر الأثقال، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٤٩ / ١٨٣٤.
- (٢)
رسالة في الهندسة، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٣ / ١٨٣٧.
- (٣)
مقالات الهندسة، ترجمها عن الفرنسية إلى التركية، وطُبعت في بولاق سنة ١٢٥٢ / ١٨٣٧.
- (١)
أصول الهندسة تأليف «لوجاندر»، ترجمه عن الفرنسية إلى التركية أدهم بك، ثم ترجمه عن التركية إلى العربية محمد عصمت أفندي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٥ / ١٨٤٠.
- (٢)
مبادئ الهندسة، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية رفاعة رافع الطهطاوي، ثم ترجمه عن العربية إلى التركية محمد عصمت أفندي، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.
- (٣) إفاضة الأذهان في رياضة الصبيان، ترجمه عن الفرنسية إلى العربية محمد الشيمي أحد خريجي الألسن، وكانت ترجمته «برسم حضرات أنجال الخديو الأعظم، وحفدة الداوري الأكرم، وليشتغل به تلاميذ المكتب العالي الشهير، وتلاميذ المكتب السامي بالقصر المنير، وليكون أيضًا مستعملًا في مكاتب المبتديان بالمحروسة والأقاليم …»٢٤٩ وقد ترجمه عن العربية إلى التركية علي أفندي الجيزلي «الخوجة بالمدارس المصرية» بإشارة إبراهيم بك أدهم مدير المدارس المصرية، وطُبع في بولاق سنة ١٢٥٩.
وهنالك كتابان أخيران مما ترجم الموظفون إلى اللغة التركية في عصر محمد علي وهما كتابان في الطب من تأليف كلوت بك، أمر بوضعهما محمد علي لنشر الثقافة الطبية ووسائل الوقاية والعلاج البسيطة بين أفراد الشعب، وقد تحدثنا طويلًا عنهما في الفصل الخاص بالمؤلفين والكتب، وهما «كنوز الصحة ويواقيت المنحة»، و«الدرر الغوال في معالجة أمراض الأطفال»، وقد ترجمهما عن الفرنسية إلى العربية الدكتور محمد الشافعي، وقام على تصحيحهما وصياغتهما في أسلوب بسيط قريب من فهْم العامة الشيخ محمد عمر التونسي، وإذا كانت طائفة كبيرة من سكان مصر في ذلك الوقت تُجيد التركية دون العربية فقد أمر محمد علي بترجمة هذين الكتابين إلى اللغة التركية، وترجمهما مصطفى رسمي الجركسي أفندي، وذلك بإشارة أدهم بك أيضًا، وطُبع الأول في سنة ١٢٦١، والثاني في سنة ١٢٦٠.
وعزت عبد الكريم، المرجع السابق، ص٤٣٥ (عن وثائق عابدين، دفتر ١١ (معية) رقم ٢٥٣، في ٨ ربيع الثاني، ١٢٣٨)، ولاحِظ أن عزت يذكر أن القصر كان قصرَ إسماعيل بن محمد علي لا إبراهيم، هذا وتعتبر هذه المحاولة الثانية لتعليم المصريين اللغات الأجنبية.
هذا، وقد ذكر الجبرتي خبرَ هذه السفارة في ج٣، ص٢٤٢-٢٤٣، قال في حوادث جمادى الثانية ١٢١٧ / ٢٩ سبتمبر–٢٧ أكتوبر ١٨٠٢: «وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا (كذا) وبها ألجي، وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس، فعمل لهم الإنكليز شنكًا، ومدافع بالإسكندرية، فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الألجي، وصحبتْه خمسةٌ من أكابر الفرنسيس إلى ساحل بولاق، فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره، وصحبتْه عدةُ عساكر خيالة، وبأيديهم السيوف المسلولة، فقابلوهم، وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والأزبكية، وركبوا إلى دار أُعدَّت لهم بحارة البنادقة، وحضروا في صبحها إلى عند الباشا، وقابلوه وقدَّم لهم خيلًا معددة، وأهدى لهم هدايا، وصاروا يركبون في هيئة وأُبَّهة معتبرة، وكان فيهم جبير ترجمان بونابرته.» ثم ذكر خبر سفر هذا الوفد في حوادث شهر رجب من نفس السنة، فقال: «وفي خامسه (١ نوفمبر ١٨٠٢ يوم الثلاثاء) سافر الألجي الفرنساوي وأصحابُه فنزلوا إلى بولاق، وأمامهم مماليك الباشا بزينتهم، وهم لابسون الزروخ، والخود، وبأيديهم السيوفُ المسلولة، وخلفَهم العبيد المختصة بالباشا، وعلى رءوسهم طراطير حُمُر وبأيديهم البنادقُ على كواهلهم، فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم رجعوا، ثم نزلوا المراكب إلى دمياط، وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن.»
وهناك رواية أخرى رواها الرحالة الإنجليزي «سانت جون» الذي زار مصر حوالي سنة ١٨٣٠، وفيها يشير إلى أن «سولت» قنصل إنجلترا في مصر هو الذي أعدَّ الترجمة التركية لكتاب الأمير ثم عرضها على محمد علي، وفي هذه الرواية أيضًا رأى محمد علي في الكتاب، وفيما يلي نصُّ ما ذكره «سانت جون» باللغة الإنجليزية:
I regard the Pasha as a man of genius, — but the entire absence of that Knowledge, theoretical and (54) practical, which nothing but a political educationcan bestow. Yet his Highness considers himself a great statesman; and from an anecdote related to me at Alexandria, it is clear that he still prefers the Oriental style of ruling. Salt formerly British Consul-Genoral in Egypt, wishing to ingratiate himself with the Pasha, by instructing him more deeply in the arts of tyranny, procured a Turkish translation to be made of Macchiavelli’s “Prince”, and presented it to his Highness. After allowing the spell a sufficient time to operate, and finding in his various audiences no allusion made to the translation, he one day ventured to introduce the subject, by directly demanding of the Pasha his opinion of Macchiavelli, “My opinion of him”, “replied Mohammed Ali”, “is, that he was a more babbler, we have in Turkish, two words worth more than his whole book” at this termination of his courtier-like adventure, Salt was so much confounded that he omitted to enquire the nature of this brief vocabulary of tyranny; but we may venture to supply the omission with, plunder, and “kill. After all, however, the Pasha’s secret opinion of the Prince may not be so unfavourably unless we suppose that the grave irony of the republican writer unmasking the arts of despotism while pretending to furnish it with arms, may not have escaped Mohamed Ali, though it imposed upon Salt.
St. John Egypt and Mohamed Ali, voi. 2, pp. 453-454.
حيث ذكرت أن هذا الحديث دفع «أشربي» إلى البحث عن نسخة مخطوطة من مقدمة ابن خلدون، فعثر على نسختين، أرسَل إحداهما إلى مكتبة «بريرا» والثانية إلى مكتبة «فيينا» الإمبراطورية، وأن مسابكي مدير مطبعة بولاق وعدَه بالشروع في طبْع هذا الكتاب، ثم ذكرت أن هذا النص التركي لم يُطبع البتة في بولاق، وإنما طُبع النص العربي في بولاق سنة ١٢٧٤ / ١٨٥٧، ونُضيف نحن أن النص التركي طُبع في بولاق في نفس السنة (١٢٧٤)، وهو من ترجمة محمد أفندي صاحب الشهير بييري زاده، ويقع في ٦٢٦ صفحة من القطع الكبير، انظر فهرس الكتب التركية لدار الكتب المصرية.
وهذه إحدى فقرات الفصل الخامس والعشرين من الأصل واستنتجت من هذا أن الذي لم يُترجَم هو بقية هذا الفصل، والفصل السادس والعشرون وهو الأخير.
وعزت، المرجع السابق، ص٢٥٧، ولسنا نعرف من أين حصل رفاييل على لقب «دكتور»، ويرى الأستاذ بشاتلي أن هذا قد يكون لقبَ تشريف أضفاه عليه كلوت بك اعترافًا بخدماته ورفعًا لشأنه بين تلاميذه، انظر: Bachatly, un Membre Oriental, etc. p. 260.
هذا وليس بين الكتب الطبية التي تُرجمت وطُبعت في عصر محمد علي، كتابٌ بهذا العنوان منسوب إلى رفاييل، وإن كان هناك كتابٌ طبي آخر تُرجم وطُبع في نفس الوقت الذي أُنشئت فيه مدرسة الطب، فقد تمَّ طبعُه في آخر ربيع الثاني ١٢٤٢ (آخر نوفمبر ١٨٢٦)، وعنوانه «كتاب في قواعد الأصول الطبية المحررة عن التجارب لمعرفة كيفية علاج الأمراض الخاصة ببدن الإنسان»، وهو من تأليف «الحكيم فرانشسكوفاقا Fr. Vacca أستاذ المدرسة الجامعة لجميع العلوم في مدينة بيزا»، انظر نفس الكتاب ج٢، ص١، وج١ ص١٠٨، وإني لأرجح متفقًا مع المستر «دن Dunne» أن يكون هذا الكتاب من ترجمة رفاييل، وإن كنت أعتمد في ترجيحي على أسلوب الكتاب وطريقة ترجمته بينما يعتمد «دن» على أن الكتاب من تأليف «فاقا»، ومدرس الفسيولوجيا في مدرسة الطب بأبي زعبل «جيتاني Gaetani» كان تلميذًا لفاقا، فلا يبعد أن يكون الرجلان قد تعاونَا على اختيار هذا الكتاب وترجمته، وهذا في رأيي ترجيحٌ خاطئ؛ لأن الكتاب تُرجم وطُبع في أواخر ١٨٢٦، أي قبل إنشاء مدرسة الطب، انظر Dunne, Op. Cit. p. 338.