الفصل الثالث

تعقيب على مراجع العهد القديم

اتفق شراح العهد القديم على تعدد النسخ التي جُمعت منها كتبه الخمسة بصفة خاصة.

وأهم هذه النسخ هي نسخة ألوهيم، ونسخة يهوا، ونسخة الكهنة أو المسجلين، ولا داعي في هذا الصدد لإضافة النسخة المسماة بنسخة التثنية؛ لأنها تتناول الأسلوب اللغوي الذي لا يسهل التبسط في خصائصه عند الكتابة عنه بلغتنا العربية.

سُميت نسخة «ألوهيم» بهذا الاسم لأن «ألوهيم» هي الكلمة التي تطلق فيها على الإله.

وسُميت النسخة الأخرى باسم «يهوا» لأنه اسم الإله فيها.

وتُسمى النسخة الثالثة باسم الكهنة أو المسجلين؛ لأنهم جمعوا كتب الشريعة وعنوا فيها عناية خاصة بالشعائر والمراسم وأخبار الهيكل والعبادة. ومن هذه النسخ ما كُتب على أيام المملكة الإسرائيلية، ومنها ما كُتب في المنفى بين النهرين، ومنها ما كُتب قبل الميلاد بنحو ثلاثة قرون، وأقدمها عهدًا بينها وبين عصر الخليل ما يبلغ ألف سنة.

وقد اجتهد الكهنة في تكملة الأجزاء التي بين أيديهم، فقابلوا بين الأخبار المتعددة، وتمموا بعضها ببعض، وبقيت آثار المراجع المتعددة في مواضع نشير إلى بعضها بما فيه الكفاية للمقابلة بين أخبار السيرة في جملتها.

ففي الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين يفسر اسم بئر سبع بما دار من الحديث بين الخليل وأبيمالك:

سأل أبيمالك: ما هي هذه السبع النعاج التي أقمتها وحدها؟

قال الخليل: إنك تأخذ من يدي سبع نعاج لكي تكون شهادة لي بحفر البئر. لذلك دُعي ذلك الموضع بئر سبع.

وفي الإصحاح السادس والعشرين من سفر التكوين يُفسر اسم المكان بما يلي:

وحدث في ذلك اليوم أن عبيد إسحاق جاءوا وأخبروه عن البئر التي حفروا، وقالوا له: قد وجدنا ماء. فدعاها شبعة؛ لذلك اسم المدينة بئر سبع إلى اليوم.

وفي الإصحاح الأول عن خلق الحيوان والإنسان: «فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها، والبهائم كأجناسها، وجميع دبابات الأرض كأجناسها، ورأى الله ذلك أنه حسن، وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب عليها.»

وفي الإصحاح الثاني: «وجبل الإله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية، وغرس الإله جنة في عدن شرقًا، ووضع هناك آدم الذي جبله، وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر، جيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة.»

ونصَّ الإصحاح الثامن عشر من سفر اللاويين على: تحريم الزواج بالأخت من الأب، أو من الأم «المولودة في البيت، أو المولودة خارجًا».

وفي الإصحاح الثالث عشر من سفر صمويل الثاني تقول تامار لأخيها أمنون: «والآن كلم الملك لأنه لا يمنعني منك.»

•••

وقد أطال الشراح مقابلة المراجع، ولا سيما المراجع التي تذكر الأماكن والأعلام والأعمار، وما يعنينا في هذا السياق هو ملاحظتهم التي خرجوا بها من المقابلة والموازنة فيما يتعلق بسيرة الخليل.

فمنها أن اسم البلد الذي ولد فيه الخليل قد ورد في بعض النسخ، ولم يكن موجودًا في نسخ أخرى، فأضيف إليها للمضاهاة بينها.

ومن النسخ ما ورد فيه عهد الميراث لإبراهيم، ومنها ما لم يرد فيه هذا العهد قبل مولد إسماعيل.

ويرى كثيرون من الشراح أن الأعلام قد تطلق على القبائل كما تطلق على رءوسها وآبائها، ومن هنا ينعت إبراهيم بالعبراني، وينعت ابن أخيه بالآرامي، أو يختلف الفرعان من أصل واحد، فتعمل إحدى القبائل في الصيد بالبادية، وتعمل أختها في الزرع والمدن حول الحاضرة.

وقد بين الشراح على العموم أن الأعمار تناقصت في الكتب الأخيرة، وأن الوحي بالرؤيا في هذه الكتب أعم من الوحي بالمشاهدة والمخاطبة.

وسنعود إلى استخلاص الفائدة من هذه المقابلات والتعليقات عند الكلام على تفصيلات السيرة، بعد استيفاء مراجعها من الكتب الدينية والمصادر التاريخية وغيرها.

المشنا

أهم المراجع الإسرائيلية بعد التوراة هو كتب المشنا القديمة.

«فالمقرأ» هو ما يُحفظ بالقراءة في الكتب، وهو نصوص التوراة المعتمدة.

و«المشنا» هو ما يُحفظ بالذكر والاستظهار، ومنه التلمود على نشأته الأولى.

وأصل مادة الكلمة من شنا أي كرر، وهي تقابل في العربية مادة ثنى، بمعنى أعاد ثانية، واستعيرت للإعادة التي يُراد بها حفظ الكلام المعاد. وترجع مأثورات «المشنا» إلى أيام النفي في بابل، حيث أقامت عشائر من اليهود منفية عن فلسطين.

وكان الغرض من «المشنا» تفسير التوراة والتعليق عليها، وتشتمل هذه التفسيرات على عظات المعابد، وتأويلات الفقهاء، وشروح المفسرين ممن بلغوا مرتبة الرئاسة في التعليم.

وقد حصرت المشنا في القرن الثاني للميلاد، ودونت بعد الاعتماد على الرواية أو التعليقات المتفرقة، ومعظمها محفوظ بالعبرية العامية التي يفهمها المستمعون إلى مواعظ البِيَع وأحاديث الفقهاء.

واشتملت عند جمعها على ستة أقسام، واشتملت هذه الأقسام على ثلاثة وستين فصلًا، واشتملت الفصول على نُبذ تبلغ خمسمائة وثلاثًا وعشرين، أضيفت إليها نبذة بعد ذلك فبلغت خمسمائة وأربعًا وعشرين. أما الأقسام الستة فهي: قسم الزرع، وهو خاص بالمزروعات والمحصولات ومعاملاتها، وقسم الموعد، وهو خاص بأوقات المواسم والأعياد، وقسم النساء، وهو خاص بالزواج والطلاق وما يتصل بهما من الأحوال الشخصية، وقسم العروض والتعويضات، وهو خاص بسائر المعاملات والمحاكمات، وقسم المقدسات، وهو خاص بشعائر العبادة، وقسم الطهارة، وهو خاص بالغسل والتطهير من النجاسات التي حرم معها القيام بالفرائض الدينية.

وزيدت على المشنا في العصور الحديثة كتب من قبيلها تسمى ﺑ «التصافوت»، من مادة يصاف أي يضاف، ومعناها الإضافات. وأكثر هذه الإضافات من وضع الكهان الأوروبيين إلى القرن الثاني عشر للميلاد. ولم تشتمل المشنا على جميع المأثورات، بل بقيت خارجًا منها أحكام تُنقل بالرواية، وتعرف ﺑ «البرايتا» أي البرانية.

وانتهى تمحيص المشنا القديمة إلى اختيار طائفة من الأحكام المتفق عليها تسمى الجمارة، أي التكملة.

ومن مرويات المشنا والجمارة تجتمع كتب التلمود، وهي قسمان: تلمود بابل، وتلمود فلسطين، ولكن التلمود لا يحتوي كل ما في المشنا والجمارة.

ويُعرف بعض المأثورات الإسرائيلية باسم «المدراش» أو الدراسات، وتلك تتضمن أقوال الفقهاء وحواشيهم على النصوص والمحفوظات، وأشهرها مدراش رباه التي تدور كل دراسة منها على كتاب من كتب التوراة الخمسة، وقد تمَّت عند القرن السادس للميلاد، وترجع في أسانيدها كما جاء فيها إلى أيام إبراهيم، ولكنها عند اليهود على درجات؛ فمنها ما يعول عليه، ومنها ما هو من قبيل القصص التعليمية، والأمثال الوعظية، تُساق للاعتبار ولا يُقصد بها التاريخ أو الاعتقاد.

ويظن بعض شراح الألمان، مثل جرنبوم Grunbaum، آيًا من المدراش نُبذًا منقولة عن اللغة العربية، ولكن المقابلة بين رواياتها والروايات الإسرائيلية الأخرى تدل على مشابهة قريبة، وأنها على كل حال من مصادر غير إسلامية.

بل يظن جرنبوم أن بعض العبارات ترجمة حرفية من القرآن الكريم، كما جاء في كتاب من المدراش أن الله قال: ليوهب البرد والعزاء لخادمي إبراهيم. والكلمة فيها معنى العزاء والراحة والسلام.

وسنشير إلى هذه الملاحظات في مواضعها، ونكتفي فيما يلي بالمراجع الضرورية — على سبيل التمثيل — لكل أسلوب من أساليب الرواية والتدوين في المصادر الإسرائيلية، ونبدأ بما له علاقة بسيرة الخليل من عهد الطوفان.

•••

يطلق اسم خليل الله وحبيب الله في الكتب الإسرائيلية على أنبياء غير إبراهيم، أشهرهم موسى ويعقوب وسليمان، ويغلب على الكتب المتأخرة وصفه بالحبيب، ويعتقدون أنه هو المقصود بقول أرميا في الإصحاح الحادي عشر: «حبيبي في بيتي.»

وفي كثير من كتب المدراش والتعليم يقال: إن الدنيا خُلقت من أجله، وإن أبناء نوح ضلوا عن سواء السبيل وعبدوا الأصنام، وكان جد إبراهيم يُدعى «رو»، فسمى ابنه «سيروج»، أي ذهبوا بعيدًا. وصدق في هذه التسمية؛ لأن سيروج حين كبر وولد له ابن سمَّاه ناحور، وعلمه السحر والتنجيم وعبادة الأصنام. وكان الشيطان «مسطما» يرسل أعوانه لكيد البشر، ويطلقهم على البذور وهي على وجه الأرض كأنهم الغربان لتلتقطها وتفسدها؛ ولهذا سمى ناحور ابنه تيرح أو تارح. ويقول شراح كتاب «اليوبيل» — أحد هذه الكتب التعليمية: إن الاسم بهذا المعنى غامض، ولكنه قد يرجع إلى كلمة آرامية بمعنى المحو والشحوب.

وتزوج تارح من إيمتالي بنت كرناب، فرزقا إبراهيم، وكان مولده مرصودًا في الكواكب فاطَّلع عليه النمروذ، واستشار الملأ من قومه فأشاروا عليه بقتل كل طفل ذكر، واستحياء البنات، وإغداق العطايا والجوائز على أهليهن ليفرحوا بمولد البنات.

وأحس تارح أن امرأته حامل، فلما أراد أن يتحقق من ذلك صعد الجنين إلى صدر أمه، فخوي بطنها ولم يظهر فيه الحمل، وهربت أمه حين جاءها المخاض فأوت إلى كهف ولدته فيه، وتركته ثمة وهي تدعو له، فبقي ثلاث عشرة سنة لا يرى الشمس على رواية بعض الكتب، ومكث في الكهف أقل من ذلك على روايات أخرى، وأرسل الله جبريل يرعاه، فجعل الطفل يمتص أصابعه فيرضع منها ويكبر قبل الأوان.

وخرج من الكهف ليلًا وهو في الثالثة فرأى النجوم فقال: هذه هي الأرباب. فلما أشرقت الشمس قال: كلا، بل هذه هي الرب. فلما أفلت وظهر القمر قال: بل هو هذا. فلما أفل قال: ما هذه بأرباب، إنما الرب المعبود هو الذي يديرها ويسيرها، ويُبديها ويُخفيها.

وفي بعض الكتب أن أمه خرجت تتفقده بعد عشرين يومًا حيث تركته، فوجدت في طريقها صبيًّا ناميًا فسألها: ماذا جاء بك إلى الصحراء؟

فأنبأته بقصتها، وعرفها بنفسه، فدهشت وعجبت لطفل يكبر ويتكلم ولمَّا يمض على مولده شهر واحد.

قال لها: إنها قدرة الله الذي يَرى ولا يُرى.

ويظن جامعو الأساطير اليهودية أن وصف الله بهذه الصفة منقول من أصل عربي اطلع عليه يهود الأندلس، ثم اختلفت تفصيلاته عند نقلها إلى العبرية.

قالت أمه وقد ازداد عجبها: أإله غير النمروذ؟

قال: نعم يا أماه، رب السموات والأرض، ورب النمروذ بن كنعان؛ فاذهبي وبلغي النمروذ ما سمعت.

وأنبأت زوجها تارح — وكان أميرًا من أمراء الملك — فذهب إليه يطلب لقاءه، فأذن له باللقاء، فسجد بين يديه، ولم يكن من عادتهم إذا سجد أحدهم بين يدي الملك أن يرفع رأسه بغير أمره، فلما أمره الملك أن ينهض ويتكلم روى له القصة، ففزع وفزع أعوانه ووزراؤه، ثم ملكوا جأشهم وقالوا له: علام هذا الفزع من صبي لا حول له ولا قوة ومِن أمثاله في المملكة ألوف وألوف؟!

قال لهم النمروذ: وهل رأيتم صبيًّا في العشرين يتكلم وينطق بمثل هذا البيان؟

وخشي الشيطان أن يسبق الإيمان إلى قلب الملك، فبرز لهم وأزال ما بهم من الروع، وحرض الملك على قتل الصبي، فحشد له جندًا من القادة والفرسان، وخرجوا إلى الكهف الذي قيل لهم إن الصبي مختبئ فيه، فإذا بينه وبينهم سحب لا ينفذ النظر إلى ما وراءها، وإذا بهم مجفلون لا يقدرون على الثبات.

فلما عادوا إلى النمروذ وشرحوا له ما عاينوه قال لهم: لا مقام لنا بهذه الديار! وخرج من بلده إلى أرض بابل، فلحق به إبراهيم على جناح جبريل، ولقي هناك أبويه، ثم بدأ بالدعوة إلى الله؛ الإله الأحد الذي لا إله غيره، رب السماوات ورب الأرباب، ورب النمروذ، وأنذرهم أن يتركوا عبادة الصنم الذي صنعوه على مثال النمروذ؛ فإن له فمًا ولكنه لا ينطق، وعينًا ولكنه لا يبصر، وأذنًا ولكنه لا يسمع، وقدمًا ولكنه لا يسعى ولا ينفع نفسه ولا يغني عن غيره شيئًا.

وأسرع أبوه إلى الملك يبلغه أن ابنه إبراهيم طوى مسيرة أربعين يومًا في أقل من يوم، ثم لحق به إبراهيم إلى قصر الملك فهزَّ عرشه بيديه وصاح به: «أيها الشقي، إنك تنكر الحق، وتنكر الله الحي الصمد، وتنكر عبده إبراهيم خادم بيته الأمين.»

ويخاف النمروذ فيأمر تارح أن يعود بابنه إلى موطنه، ثم تتكاثر الروايات في عشرات من المصادر من كتب المدراش والتفسيرات حول ما حدث بعد ذلك بين إبراهيم وقومه، وبينه وبين الملأ والملك وكهنة الأرباب، مما تغني هذه الأمثلة عن تفصيله واستقصائه، وبعضه كما تقدم معول عليه عند اليهود، وبعضه من قبيل ضرب الأمثال بالنوادر والأعاجيب.

وليس من المطلوب أن نتتبع هذه القصص والنوادر؛ لأنها تستوعب ألوف الصفحات، ولكننا نأخذ منها ما ينتظم في أغراض هذا الكتاب، ومنها ما يدل على تفكير واضعيه، أو يُفيد عند المقابلة بين المصادر المتعارضة، أو يلاحظ فيه الوضع لطرافته الأدبية والفنية، أو يتمم صورة أخرى ناقصة في خبر من الأخبار.

فمما ورد في «مدراش رباه» أن أباه حنق عليه حين كسر الأصنام فخاصمه إلى النمروذ، فسأله النمروذ: إن كنت لا تعبد الصور والمشبهات؛ فلماذا لا تعبد النار؟

قال إبراهيم: أولى من عبادة النار أن أعبد الماء الذي يُطفئها.

قال النمروذ: فاعبد الماء إذن؟

قال إبراهيم: بل أولى من عبادة الماء أن أعبد السحاب الذي يحمله.

قال النمروذ: إذن تعبد السحاب.

قال إبراهيم: وأولى من السحاب بالعبادة ريحٌ تبدِّده وتسير به من فضاء إلى فضاء.

قال النمروذ: فما لك لا تعبد الريح؟!

قال إبراهيم: إن الإنسان يحتويها بأنفاسه؛ فهو إذن أحق منها بالعبادة!

ومغزى الحوار أن عقل الإنسان قادر بالنظر في خلق الله أن يصل إلى معرفة الخالق، وينكر عبادة الأوثان.

فلما أعيا النمروذ أن يُخضِعه سجنه ومنع عنه الطعام والماء، ومضى عليه عام في غيابته،١ فأيقن الحارس أنه قد مات، ولكنه ناداه: يا إبراهيم، أأنت بقيد الحياة؟ فسمع جوابه: نعم، أنا بقيد الحياة.

فأمر الملك بضرب عنقه، فلم يعمل فيه السيف … فأوقد له نارًا ودفع به إلى أحد أعوانه ليقذف به فيها، فلما قاربها خرج من الأتون لسان من النار والتهم الجلاد ولم يقترب من إبراهيم.

فتشاور الملأ عند الملك في أمره، فاتفقوا على إحراقه وإلقائه في النار من منجنيق بعيد؛ مخافةً من ألسنة النار، وضرع الملائكة إلى الله أن ينجيه، فأذن لهم أن يعملوا لنجاته ما يستطيعون، ولكنه أبى أن يعتمد في نجاته على أحد غير الله، وإذا بالجمر من حوله كأنه فراش من الورد والريحان.

ولم يصدق النمروذ أنها معجزة من الله، بل قال لإبراهيم: إنها من سحرك وحيلتك … أما الأمراء والوزراء فخذلوا الملك وآمنوا برب إبراهيم.

ولم تذكر التوراة أن إبراهيم أُلقيَ في النار، وإنما ورد في سفر دانيال من أخبار بابل أن نبوخذنصر غضب على ثلاثة من الفتية الصالحين؛ لأنهم لم يسجدوا لصنم من الذهب … «حينئذ امتلأ نبوخذنصر غيظًا، وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبدنغو … وأمر بأن يحمى الأتون سبعة أضعاف … وأمر جبابرة القوة في جيشه بأن يوثقوا شدرخ وميشخ وعبدنغو، ويلقوهم في أتون النار المتقدة، ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة، والأتون قد حمي جدًّا، فقتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبدنغو … وهؤلاء الثلاثة سقطوا موثقين في وسط الأتون …

حينئذ تحير «نبوخذنصر» الملك، وقام مسرعًا وسأل مشيريه: ألم نُلقِ ثلاثة رجال موثقين في النار؟ فأجابوا وقالوا: نعم أيها الملك، قال: ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر، ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة! ثم اقترب نبوخذنصر إلى باب أتون النار المتقدة ونادى فقال: يا شدرخ وميشخ وعبدنغو، يا عبيد الله العلي، اخرجوا وتعالوا! فخرجوا. واجتمعت المرازبة٢ والشحن والولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسامهم، ولم تحترق شعرة من رءوسهم، ولم تتغير سراويلهم، ورائحة النار لم تأتِ عليهم، فأجاب نبوخذنصر وقال: تبارك إله شدرخ وميشخ وعبدنغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين اتكلوا عليه.»

والشبه بين هذه القصة وقصة إبراهيم ظاهر، وسماع دانيال بها في بابل له دلالته في هذا الصدد، ولكن بعض الشراح يزعم أن القصة لم تكن معروفة قبل يوناثان بن عزييل، الذي كان يجهل البابلية فالتبس عليه معنى «أور»؛ لأنها بالكلدانية تعني النار، وبالعبرية تعني النور، وظن أن نجاة إبراهيم من «أور الكلدانيين» يعني نجاته من نار الكلدانيين.

ولكن هؤلاء الشراح ينسون أن القصة قديمة وردت في باب الفصحيات من القسم الثاني من المشنا، وهو قسم المواعيد المواقيت،٣ وأنها أطول أصولًا وفروعًا من أن تبنى على خطأ في ترجمة كلمة، ولا سيما الكلمة التي يعرفها كل يهودي يذكر «أورشليم»، ويفهم معنى أور، ومعنى شليم، وهما معروفان لأجهل القوم بالعبرية، ومن معانيها الشعبية الشائعة: دار السلام، على صواب أو على خطأ.
وزعم شابيرا Shapira أن القصة من وضع كعب الأحبار، ولا تعويل على أقوال شابيرا هذا؛ لأنه زور بعض الوثائق على المتحف البريطاني، وانكشف تزويره فبخع نفسه في روتردام (١٨٨٤).

ومن المعلوم أن ترجوم يوناثان — أي ترجمته — كان المعتمد الأكبر فيها على شروح الربانيين، ولم تكن نقلًا مباشرًا من نصوص التوراة.

ولا بد أن يُلاحظ هنا أن الكنيسة السريانية التي يعيش أتباعها في بلاد الكلدان القديمة بين سورية والعراق، والتي اشتهر آباؤها بدراسة السريانية — وهي الآرامية بعينها — لا تعتبر أن القصة ناشئة من غلطة في الترجمة، وتقيم لنجاة الخليل من النار حفلًا سنويًّا في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني.

على أنه من الراجح جدًّا أن اليهود رجعوا إلى المصادر العربية في رواية قصص المدراش وما إليها؛ لأنهم كادوا أن ينحصروا في بلاد الدولة العربية من صدر الإسلام إلى القرن الثالث للهجرة، وكادت بحوثهم الفقهية في ديانتهم أن تكون اقتباسًا من بحوث علماء الكلام المسلمين، وكادت اللغة العربية أن تكون معتمدهم الوحيد في الثقافة العليا والثقافة العامة، حتى كانوا يكتبون العربية أحيانًا بحروف عبرية، ولكن الاحتراس واجب على أية حال من تلك العلل التي يستند إليها بعض المستشرقين في نسبة الأخبار إلى المصادر العربية الإسلامية.

ومن أمثلة هذه العلل أن بعضهم يرد إلى المصادر الإسلامية قصص المدراش التي تقول: إن جبريل هدى إبراهيم إلى عين ماء يغتسل فيها قبل العبادة؛ فإن التطهر بالاغتسال قبل العبادة شعيرة قديمة في الأديان، وليست مقصورة على الوضوء في الإسلام، وقد قيل: إن الصابئة محرَّفة من السابحة؛ لأنها تفرض الاغتسال في شعائرها قبل كثير من العبادات، ولا بد من التفرقة بين المصادر العربية والمصادر الإسلامية في كثير من الروايات، فقد يكون المصدر عربيًّا إسرائيليًّا لا علاقة له بتاريخ الإسلام.

•••

ومن أشهر الروايات في النمروذ والخليل تلك القصة التي يعللون بها اختلاف الألسن بين الأمم، وخلاصتها أن النمروذ هذا أراد أن يتحدى إله إبراهيم، فبنى له برجًا عاليًا، وصعد عليه ليناجز٤ الله في سمائه، ثم طفق يرمي السماء بالسهام حتى عاد إليه سهم منها وقد اصطبغ بالنجيع٥ الأحمر، فخيل إليه أنه أصاب مرماه، ولكنه لم يلبث أن سقط على الأرض وسقط معه قومه، ونهضوا من سقطتهم وهم يتصايحون بكلام لا يفهمونه؛ لأن السماء أرسلت عليهم سهامًا من الصواعق زلزلت البرج وقوضت أركانه، وتركتهم في بلبال حائرين لا يدرون ما يفعلون وما يقولون، ولا يفقه السامع منهم ما يُقال له أو يفعله في حيرته. قال الرواة: ولهذا سميت المدينة في موضع البرج «بابل» من تبلبل الألسنة والأفكار.

•••

ويندر الاتفاق على أصل قصة واحدة من القصص التي تفيض بها كتب المدراش وحواشيها، بل تُروى الأسماء والأعلام أحيانًا على روايات متعددة، ومن ذلك أنهم يذكرون سارة باسم إسكاح Iscah ويقولون: «إنها مأخوذة من النظر.» ويوحدون بين اسم إبراهيم واسم إيثان الإزراحي في المزمور التاسع والثمانين، ويقولون: إن داود كتبه بمشاركة الخليل.

وللتوحيد بين الاسمين هنا دلالة خاصة؛ فإن إيثان الإزراحي منسوب إلى زارح، وينطق في أوله على العادة في النطق بالساكن، وقد تكون الحاء والياء للنسبة كما يقولون في «مزراحي» بمعنى مصري، ويكون إيثان منسوبًا إلى آزر، وهو الاسم الذي ذُكر في القرآن كما سيأتي بيانه في المصادر الإسلامية.

ومن الواجب أن يلتفت هنا إلى المقاربة بين زارح وزارع وتارح، وقد تقدم أن لاسم تارح علاقة بحبوب الزرع التي تلتقط قبل تمكنها من التربة.

فلا محل إذن لنقد الاسم كما جاء في القرآن الكريم اعتمادًا على ذلك الاختلاف اليسير في اللفظ القديم، وقد ذكر يوسبيوس Eusobius، المؤرخ المسيحي اليوناني، أن أبا إبراهيم الخليل يُدعى آثر، وزعم بعضهم — ومنهم سنكلر تسديل، صاحب كتاب مصادر الإسلام، وهو من أشد المتعصبين قدحًا في الإسلام — أن للاسم أصلًا في الفارسية القديمة بمعنى النار.

•••

ومن الاختلاف في الأخبار المدراشية التي اتصلت بالتاريخ: أن بعضها أنكر أن يقال عن الخليل: إنه عالم بالنجوم، ردًّا على الرِّبِّيين الأقدمين الذين زعموا أنه كان يحمل في قلبه زيجًا فلكيًّا يكشف به الغيب لمن يسألونه من ملوك الشرق والغرب، فقال صاحب «مدراش رباه»: إنه نبي وليس بمُنجِّم. واتصلت هذه الروايات المدراشية بالتاريخ فقال يوسيفوس، المؤرخ الإسرائيلي المشهور: إن الخليل درس علم النجوم، ولكن في مصر لا في بابل. واستند في ذلك على رواية أرتبانوس Artapanus، الذي زعم أنه أقام بمصر عشرين سنة، واطلع على أسرار الكهانة وعلم الفلك وطوالع النجوم. وفي قصة أخرى لم يذكرها يوسيفوس يقال: إن إبراهيم هو الذي علَّم المصريين الفلك والتنجيم.

ولكن كتب المدراش تتفق على وصف الخليل بالسماحة والكرم والعطف على خلق الله من الإنسان والحيوان، ومن أحاديثها في ذلك أن إبراهيم سأل ملكي صادق: كيف خرجت سالمًا من سفينة نوح؟ فقال له: بالخير الذي فعلناه.

قال إبراهيم: وما الخير الذي تفعله في سفينته؟ هل كان في السفينة من فقير تسدي إليه المعروف؟ إن نوحًا قد حمل معه بنيه؛ فهل كان فيهم فقير؟ قال ملكي صادق: بل كان معنا الحيوان والطير، وكنا لا ننام حتى نطعمها ونسقيها.

وقد عاش إبراهيم حياته يطعم الفقير، ويحسن إلى الإنسان والحيوان، ويفتح بابه للضيفان، ولا يجلس إلى الطعام إلا إذا نادى على الرائح والغادي في الطريق ليجلس معه إلى طعامه.

وما من علامة أدل على صدق النسب إلى إبراهيم من نظرة سليمة «لا تحسد»، ونفس مطمئنة، وقلب وديع.

وتذكر «مدراش رباه» فيما تذكر أن إبراهيم شفيع أمته يوم القيامة، وأنه يقف على باب جهنم فلا يدع إسرائيليًّا مختونًا يدخلها. ومَن عظمت سيئاته منهم وحرم التوبة في آخرته فلن يدخل النار مختونًا، بل تُوضع له جلدة من جلود الأطفال الذين ماتوا قبل الختان، وصحَّت لهم نعمة الغفران.

•••

أما «سارة» فقد خصتها «المشنا» بقسط كبير من الأخبار والنوادر، ولم يخل منها خبر أو نادرة من خلاف كثير.

فهي تارة أخت غير شقيقة لإبراهيم، وهي تارة بنت أخيه الذي مات قبل الهجرة إلى كنعان.

وهي المرأة الوحيدة التي خاطبها الله، وهي نبية تنظر إلى الغيب وتدعو الله أن ينقذ ذرية إبراهيم مما سيلقون من المحن والشدائد، ولكنها في مواطن كثيرة تُعاقب لمخالفة السنن وضعف اليقين.

ولم تُخلق امرأة قط بجمال سارة، فأجمل النساء بالقياس إليها كالقرد الممسوخ، وقد بلغ من فتنة جمالها أن إبراهيم لم يملأ منها عينيه، وإنما لمح خيالها في الماء وهم يعبرون بعض الجداول إلى مصر، فخاف على فرعون وقومه فتنتها، وحملها في تابوت وهم يعبرون تخوم الديار، وسأله عمال المكوس عما في التابوت فأنبأهم أنه شعير، قالوا: بل نأخذ المكوس على قمح، قال: خذوا ما تشاءون، فعادوا يطلبون الضريبة على بهار، فأجابهم إلى ما طلبوه.

فارتابوا فيما يخفيه، وأمروه أن يؤدي الضريبة على وسق التابوت ذهبًا، فقبِل وأعطاهم سُؤلهم، فحيَّرهم قبوله كل ما يسومونه أن يبذله، وخامرهم شك عظيم، ففتحوا التابوت عنوة؛ فإذا بالنور يفيض من وجه سارة حتى يعم الديار، ويُعشي عين فرعون. ولما حاول فرعون أن يقترب منها رصد له حارسها من الملائكة فجعل يضربه على يده كلما بسطها، وعلى قدمه كلما سعى إليها، وأصبح فإذا هو مصاب بالجذام وبالعنة، وإذا بنذير من الله ليرسلن الوباء على فرعون وقومه إن لم يُرجع سارة إلى إبراهيم.

ويُفسِّر بعض المدراش عقمها بأن الله أحب أن يسمع صلواتها، ويُفسَّر عقمها في مدراش آخر بأنها قد نزهت عن خلقة الرحم، ويُروى في كثير من الحواشي أنها أرضعت مائة طفل يوم ختان إسحاق.

وبعض الحواشي يتكلم عن فرعون إبراهيم وفرعون يوسف كأنهما ملك واحد.

فلما شكا فوطيفار إلى فرعون لأنه أقام عبده الذي اشتراه بعشرين دينارًا حاكمًا على مصر — يعني يوسف الصديق — قال يوسف: بل أنت اقترفت خطيئة عظمى يوم اشتريت أميرًا من نسل سام بالثمن كما يُشترى العبيد، وإنما يُشترى بالثمن أبناء كنعان، وإن أردت برهانًا على نسبي فدونك التمثال الذي صنعه فرعون لجدتي سارة، فهو ينبئك بالشبه الذي بيني وبينها. ثم جاءوا بالتمثال فإذا بالشبه بينه وبين يوسف جد قريب.

والكلام على أبي سارة يدور تارةً على حاران وتارةً على تارح، فمن أقوال الحواشي عن حاران أنه احترق بالنار حين اقترب منها؛ لأنه قاربها ممتحنًا لقدرة الله، ومن أقوالها عن تارح أنه عاش حتى رأى إسحاق في الخامسة والثلاثين من عمره.

وأشهر الروايات عن تارح أنه كان مثَّالًا يصنع الأصنام، وأن إبراهيم اهتدى إلى ضلال هذه العبادة لأنه رأى أباه يصنعها ويصلحها، وكان يبيعها لأبيه، فعجب للذين يشترونها كيف يعبدون صنمًا مصنوعًا بالأمس ومنهم من جاوز الخمسين؟!

وكان لناحور — أخي إبراهيم — صنم يُسمى زيوكس Zucheus، وإلى جانبه صنم يسمى جوآف، وأولهما مصنوع من الذهب، والثاني مصنوع من الفضة، وأما الأصنام الأخرى فمن الخشب أو الطين.

وحاور إبراهيم أباه وقد رأى الأصنام تحترق ذات يوم فقال له: يا أبت، إن النار أحق بعبادتك من أصنامك؛ لأنها تحرقها، ثم قال: «بيد أني لا أحسب النار إلهًا؛ لأن الماء يخمدها، ولا أحسب الماء إلهًا؛ لأن الأرض تبتلعه، ولا أحسب الأرض إلهًا؛ لأن الشمس تجففها وتنشر على الكون كله أشعتها، ولا أحسب الشمس إلهًا؛ لأن الظلام يحجبها، ولا أحسب القمر والنجوم التي تظهر في الظلام آلهة؛ لأنها تحتجب عند طلوع النهار، وإنما الإله القدير على كل شيء هو خالق الشمس والقمر والكواكب والأرض وما عليها، وخالقي وهاديَّ إلى الحق المبين.

ولم يستمع إليه أبوه، فذهب إلى أمه وسألها أن تعد طعامًا للأصنام، ثم أهوى على الأصنام يحطمها ووضع القدوم في يد كبيرها، وأسرع أبوه على صوت الحطام فسأله: ماذا دهاها؟ قال: هذا أنحى عليها فكسرها ولا يزال القدوم في يديه، فصاح به أبوه: إنك لتكذب؛ فما في وسع هذا الصنم أن يفعل ما زعمت، قال إبراهيم: عجبًا لك يا أبتاه! تعبد هذه العجزة التي لا تقدر على ضرر ولا نفع. ثم وثب على الصنم الكبير فأخذ القدوم من يده، وضربه فألقاه، وهرب من وجه أبيه.»

ونختم الاقتباس من المرويات الإسرائيلية برواية الكتاب الذي يسمونه سفر التكوين الصغير، وينسبون إليه الدقة في إيراد التواريخ بأرقام السنين، والاعتدال في أسلوب الكلام على المبالغات والتشبيهات الوثنية، ونعني به كتاب اليوبيل.

فهذا الكتاب يقول: إن نوحًا عليه السلام توفي بأرض الكلدانيين سنة ١٦٥٠ قبل الميلاد، وأن تيرح أو تارح أبا إبراهيم ولد سنة ١٨٠٦، وولدتْ زوجتُه «أدنا» ابنَه إبراهيم سنة ١٨٧٦، وسمَّاه «إبرام» على اسم أبي جدته لأمه — واسمها ملكة — وهذا بحساب السنين من تاريخ الخليقة.

•••

وهذه الأخبار والنوادر تزدحم بها مئات الحواشي والتفاسير، ومعظمها مسطور في المجلدات السبعة التي جمعت أساطير اليهود وسبقت الإشارة إليها، وكل ما عداها فهو من قبيلها.

وحقيقتها التي نخرج بها منها جميعًا أنها مرويات متواترة بالسماع، يتناقلها الخلف عن السلف جيلًا بعد جيل، ولا يظهر فيها الاعتماد على النصوص المكتوبة، ولا سيما نصوص التوراة؛ لأنها تُخالف هذه النصوص وتناقضها أحيانًا، وبينها ولا شك روايات متأخرة في تصورها وروايتها، ولكنها تبنى على قديم ثابت ولا تخلق شيئًا من لا شيء، فلا بد وراءها من أصل منقول غير الأصل المكتوب، وليست نصوص العهد القديم هي الأصل الوحيد الذي تدور عليه هذه الحواشي والتعليقات.

١  غيابته: الغيابة من كل شيء ما سترك منه؛ كغيابة البئر لقعره.
٢  المرازبة: جمع مرزبان — بضم الزاي — عند الفرس: الرئيس المقدم على القوم دون الملك.
٣  صحيفة ٢١٢ من المجلد الخامس من أساطير اليهود المتقدم ذكره.
٤  ليناجز: ناجَز الفارس قِرْنه: بارزه حتى يقتله أو يقتل.
٥  النجيع: الدم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤