مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي عَلَّمَ الإنسان ما لم يعلم، والصلاة على نبيه الأكرم، الذي نَطَقَ بالقرآن الذي يهدي للتي هي أَقْوَم، والسلام على آله وأصحابه مصابيح الظُّلَم.

منذ زمن نزول القرآن وظهوره بلسان النبي العربي عُنيَ به المسلمون من الصحابة والتابعين والعلماء والقراء عنايةً كبيرةً لا مثيل لها لأي كتاب من الكتب السماوية.

والكتب المؤلفة في علومه من أقدم القرون الإسلامية للمفسرين والقراء وسائر العلماء دليل ساطع على ذلك، ولا يزال العلماء يسيرون على البحث عنه بنواحٍ شتى، ومن القرن الثاني عشر اتَّبَعَهُم الإفرنج فبدءوا يبحثون عن تاريخه، وعن الكتب المؤلَّفة فيه، وعن تفسيره وما أشبه ذلك، وفي هذا العصر قامت ألمانيا بعمل عظيم محمود، ذلك أن المَجْمَع العلمي في «مونيخ «Munchen بألمانيا يُعنى اليوم عنايةً خاصةً بالقرآن الكريم، فقد عَزَمَ على جَمْع كل ما يمكن الحصول عليه من المصادر الخاصة بالقرآن الكريم وعلومه، وأُدْلِيَ هذا الأمر إلى الأستاذ «برجشتراسر» G. Bergstraesser الذي كان قد بدأ بالعمل في حياته، فلما توفي سنة ١٩٣٣ عَهِدَ المجمع بالسير في هذا المشروع إلى العالم «أوتوبرتيزل» Or otto Pertzl أستاذ اللغة العربية في مونيخ، وهذا الأستاذ كتب إلى المجمع العلمي العربي Académie Arabe في دمشق كتابًا يقول فيه:

ولقد نَوَيْنَا تسهيلًا لمُحِبِّي الاطِّلاع أن نُدَوِّن كل آية من القرآن الكريم في لوحة خاصة تحوي مُخْتَلِف الرسم الذي وَقَفْنَا عليه في مخْتَلِف المصاحف، مع بيان القراءات المختلفة التي عَثَرْنَا عليها في المتون المتنوعة، ومتبوعة بالتفاسير العديدة التي ظَهَرَتْ على مدى العصور وتَوَالِي القرون.

وأُخِذَ في نَشْر أهم الكتب المؤلفة في القرآن: ككتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني، وهو أصح الكتب المؤلَّفة في عِلْم القراءات، وكتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط للداني، وكتاب مختصر الشواذ لابن خالويه، وكتاب المحتسب لابن جني الذي طُبِعَ مَتْنُه بحروف لاتينية بين نشرات المجمع العلمي في مونيخ، وكتاب غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين محمد الجزري المتوفَّى سنة ٨٣٣ه، وكتاب معاني القرآن للفراء، ورسالة في تاريخ علم القرآن باللغة الألمانية، وهي تحتوي على أسماء المؤلَّفات في عِلْم القرآن الموجودة في الآفاق ودُور الكتب في العالم.

ولكن الموضوع الذي لم تهتم به العلماء هو البحث عن تاريخ القرآن، وعن أدواره التي مرت عليه من زمن النبي إلى القرون الأولى الإسلامية، وأنَّ بَحْثَهم فيه إنما كان بعرض الكلام في علومه، ولم يكن تأليف يكفل هذا البحث ما فيه من فائدة جزيلة.

منذ زمن بعيد شرعْتُ في جَمْع المواد المتشتتة المتعلقة بهذا الموضوع في الكتب المتفرقة، وبَحَثْت فيه، وذَكَرْت خلاصة البحث في هذا المختصر، فهو بمنزلة جزء من مقدمة تفسيرٍ أَنْوِي تحريرَه على النمط العقلي التحليلي، فبَدَأْت أولًا بذِكْر مختصرٍ من سيرة النبي الأكرم نقلًا عن المصادر الصحيحة.

وأرجو أن تكون في ذلك فائدة ونفْع للقراء، ومن الله التوفيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤