حدوث الخط في الحجاز وانتشاره فيه
رأي مؤرخي أوروبا
- (١)
اليوناني القديم: أصل خطوط أوروبا كلها والخط القبطي.
- (٢)
العبري القديم: ومنه الخط السامري نسبة إلى سامرة نابلس.
- (٣) المُسْنَد٤ الحميري: ومنه توَلَّد الخط الحبشي.
- (٤) الخط الآرامي، وهو أصل ستة خطوط:
- (أ)
الهندي بأنواعه.
- (ب)
الفارسي القديم: الفهلوي.
- (جـ)
العبري المربع.
- (د)
التدمري.
- (هـ)
السرياني.
- (و) النِّبْطي.٥
- (أ)
رأي مؤرخي العرب
- الأول: أن الخط المُسْنَد عُرِفَ له أربعة أنواع، وأقرب تلك الأنواع إلى الفينيقي هو الصفوي، فيدل ذلك على أن الخط المسند هو خط واحد في الأصل، قريب من أصله الفينيقي وغير بعيدِ الشَّبَه عن الآرامي، وقد وَصَلَ الخط من اليمن والآراميين إلى الحيرة والأنبار بواسطة كندة والنبط، ومن الحيرة والأنبار وَصَلَ لأهل الحجاز، وفيه أنَّ هذا احتمال ضعيف، مؤَدَّاه أن قرب الصفوي من الخط الفينيقي يؤيِّد كَوْن المُسْنَد مأخوذًا من الفينيقي، وانتشر في اليمن ووصل إلى الحيرة والأنبار، مع أن الاعتراف بوصول الخط بواسطة الآراميين يقوِّي كَوْن الآرامي من أصول الخط الحجازي؛ لأنَّ نَشْرَ هؤلاء الآراميِّين غَيْرَ خَطِّهم الخاصِّ بعيدٌ جدًّا.
- الثاني: اختلاط النِّبْط باليمانيين ومجاورتُهُم لهم — كاختلاطهم ببعض طوائف الآرام — يقتضي أَخْذ النبط خَطَّهُم المسند منهم، وفيه أن المخالَطة إنْ دَلَّتْ على أَخْذِ النبط خَطَّهُم من اليمانيين كذلك تَدُلُّ على أَخْذِهم من الآراميين لنفس الدليل.
- الثالث: إجماع مؤرخي العرب وتضافُر رواياتهم، واتفاق كلِمَتِهم، بأنَّ الخط وَصَلَ إلى الحجاز من اليمن، وفيه أن وصول الخط من طريق اليمن لا ينافي كَوْن أصله آراميًّا؛ لإمكان أخْذ اليمانيين عن الآراميين لِمخالَطَتِهِم — كما سَبَق.
- الرابع: وجود حروف الروادف؛ وهي (ثخذ، ضظغ) في الخط المُسْنَد الحِمْيَرِيِّ دون الآرامي، وفيه أن المسند لو كان من أصول الخط الحجازي؛ لكان لتلك الحروف صور خاصة فيه، متسلسلة عن أصلها كسائر الحروف، ففقْدُ الخط الحجازي صورةً خاصة لتلك الحروف يَدُلُّ على أن الخط الآرامي الفاقد لها من أصوله، ولكن أصوات حروف الروادف الموجودة في لسان العرب، دعاهم إلى وَضْع الحروف الروادف بالإعجام لتلك الأصوات — ويؤيده قول مؤلف كتاب حياة اللغة العربية ص٨٨ — فلا بد أن يكون واضع الحروف العربية قد أخذ لها صُوَر الباء والجيم والدال والصاد والطاء والعين، ووَضَعَ لها النقط للتمييز، ويَدُلُّ أيضًا على أن الآرامي من أصول الخط العربي أن الحافظ شمس الدين الذهبي١١ ذَكَرَ في تَذْكِرة الحُفَّاظ في ذَيْل رواية خارجة بن زيد١٢ عن أبيه، أن زيد بن ثابت — رضي الله عنه — بأَمْر النبي ﷺ تَعَلَّمَ كتابة اليهود وحَذَقَهَا في نصف شهر، فتَعَلُّمُه في مُدَّة نصف شهر يَدُلُّ على أنه تَعَلَّمَ نفس الخط الكوفي — أصْل الخط السطرنجيلي وأحد نَوْعَي الخط السرياني — خط اليهود؛ ولذلك ذُكِرَ في ترجمة زيد بن ثابت — رضي الله عنه — أنه تَعَلَّمَ السرياني ومنه حدث الكوفي.
ثم إن الخط الكوفي أَشْبَه الخطوط للخط الحِيرِيِّ، والحيري قريبُ الشَّبَه من النبطي، وهو من الآرامي، وهو من الفينيقي، وهو من ديموطيق — خط الشعب المصري — فذلك يدل على تسلسُل تلك الخطوط حسب الترتيب المذكور.
الخط في المدينة (يثرب)
أمَّا الخط في المدينة (يثرب) فقد قَرَّرَ أهل السير أن النبي ﷺ دَخَلَهَا، وكان فيها يهودي يُعلِّم الصبيان الكتابة، وكان فيها بضعة عشر من الرجال يَعْرِفون الكتابة، منهم سعيد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأُبَيُّ بن وَهْب، وزيد بن ثابت، ورافع بن مالك، وأَوْس بن خولي، والظاهر أنهم كانوا يعرفون الخط الحجازي المأخوذ من الحيري، فلا ينافي هذا تَعَلُّمُ زيدٍ كتابة اليهود بأمْر النبي ﷺ بعد دخوله ﷺ المدينة.
وأوَّل مَنْ نَشَرَ الكتابة بطريقة عامة هو الرسول الأكرم محمد ﷺ بعد مُهَاجَرِهِ إلى المدينة، فقد أَسَرَ في غزوة بدر سبعين رجلًا من قريش وغيرهم، وفيهم كثير من الكُتَّاب، فقَبِلَ من الأميين الافتداء بالمال، وجَعَلَ فدية الكاتبين منهم أن يُعلِّم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة، ففعلوا ذلك، وانتشر الخط بالتدريج من هذا الحين في المدينة والأمصارِ التي دَخَلَتْ في حوزة الإسلام، وبقيت الأمية الصرفة في البوادي.
للخط الحجازي نوعان: أحدهما: النسخي المستعمَل في المكاتَبات، والثاني: الكوفي نسبة إلى الكوفة بعد بنائها؛ لأن الخط الحجازي هُذِّبت قواعده وصُوِّرَ حروفه فيها ولذلك نُسِب إليها.
فقد عَثَرَ الباحثون على نفس الكتابَيْن المُرْسَلَيْنِ من النبي الأكرم إلى المقوقس والمنذر بن ساوى، وأخذوا صورتهما بالتصوير الشمسي (فتوغراف) وطبعوهما، والكتاب المرسل إلى المقوقس محفوظ في دار الآثار النبوية في الآستانة، وقد عَثَرَ عليه عالم فرنسي في دير بمصر قرب أخميم، وسمع بحديثه السلطان عبد المجيد، فاستقدم ذلك العالِمَ وعَرَضَ النسخة على العلماء، فقَرَّرُوا أنها هي بعينها كتاب النبي ﷺ إلى المقوقس، فاشتراها بمالٍ عظيم، والكتاب الثاني محفوظ في مكتبة فيينا عاصمة النمسا.