الفصل الثامن

في ذكر أسماء الذين جمعوا القرآن على عهد النبي

وجَمَعَ على عهد النبي بعضٌ من الصحابة القرآنَ كُلَّه، وبعضٌ منهم جَمَعَ القرآن ثم كَمَّلَه بعد النبي .١ ذَكَرَ محمد بن إسحاق في الفهرست أن الجُمَّاع للقرآن على عهد النبي هم: علي بن أبي طالب — عليه السلام — ٢ وسعد بن عُبيد بن النعمان بن عمرو بن زيد،٣ وأبو الدرداء عويمر بن زيد،٤ ومُعاذ بن جبل بن أوس،٥ وأبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان،٦ وأُبَي بن كعب بن قيس ملك امرؤ القيس،٧ وَعُبَيْد بن معاوية،٨ وزيد بن ثابت.٩
ووافقه البخاري في أربعة منهم في إحدى رواياته، روى عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: مَنْ جَمَعَ القرآن على عهد النبي ؟ فقال أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وروى في موضع آخر مكان أُبي بن كعب أبا الدرداء، وفي الإتقان خرَّج ابن أبي داود بسندٍ حسن، عن محمد بن كعب القُرَظِيِّ أن الجامعين خمسة: معاذ وعبادة بن الصامت،١٠ وأُبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري، وعن ابن سيرين أنهم أربعة: معاذ، وأُبَيٌّ، وأبو زيد، وأبو الدرداء أو عثمان أو هو مع تميم الداري، وخرَّج البيهقي وابن أبي داود عن الشَّعْبي أنهم ستة: أُبَيٌّ، وزيد بن ثابت، ومعاذ، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد، وأبو زيد، ومجمع بن جارية، وروى الخوارزمي في مَنَاقِبِهِ عن عليِّ بن رياح قال: جَمَعَ القرآنَ على عهد رسول الله عليُّ بن أبي طالب — عليه السلام — وأُبي بن كعب.
ويظهر من بعض الروايات أن عليًّا أميرَ المؤمنين — عليه السلام — كَتَبَ القرآن على ترتيب النزول، وقِدَم الناسخ على المنسوخ. خرَّج ابن أشتة في المصاحف عن ابن سيرين أن عليًّا — عليه السلام — كَتَبَ في مُصْحَفِه الناسخَ والمنسوخ، وأن ابن سيرين قال: تَطَلَّبْتُ ذلك وكَتَبْتُ فيه إلى المدينة فلم أَقْدِرْ عليه، وقال ابن حجر:١١ قد ورد عن عليٍّ — عليه السلام — أنه جَمَعَ القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي ، وخرَّجه ابن أبي داود، وفي شرح الكافي للمولى صالح القزويني عن كتاب سليم بن قيس الهلالي، أن عليًّا — عليه السلام — بعد وفاة النبي لَزِمَ بَيْتَه وأَقْبَلَ على القرآن يجمعه ويؤلفه، فلم يَخْرُج من بيته حتى جَمَعَهُ كُلَّه، وكَتَبَ على تنزيله الناسخ والمنسوخ منه، والمُحْكَمَ والمتشابَه. ذَكَرَ الشيخ الإمام محمد بن محمد بن النعمان المفيد١٢ في كتاب «الإرشاد» و«الرسالة السروية» أن عليًّا — عليه السلام — قَدَّمَ في مصحفه المنسوخ على الناسخ، وكتب فيه تأويل بعض الآيات وتفسيرها بالتفصيل. يقول الشهرستاني في مقدمة تفسيره: كانت الصحابة — رضي الله عنهم — مُتَّفِقِين على أن عِلْم القرآن مخصوص لأهل البيت — عليهم السلام — إذ كانوا يسألون عليَّ بن أبي طالب — عليه السلام: هل خُصِّصْتُم أهلَ البيت — عليهم السلام — دوننا بشيءٍ سوى القرآن؟ فاستثناء القرآن بالتخصيص دليل على إجماعهم بأن القرآن وعِلْمَه وتنزيله وتأويله مخصوص بهم.
١  قال أبو عبيدة في كتاب القراءات: إِنَّ بعضهم إنما كَمَّلَه بعد النبي .
٢  شُهْرَة فَضْله ومقامه الرفيع وجلالته تُغْنِي عن ذِكْر سيرته.
٣  سعد بن عُبَيْد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد الأنصاري الأوسي: أحدُ مَنْ جَمَعُوا القرآن على عَهْد الرسول ، قُتِل يوم القادسية سنة ١٥ وهو ابن ٦٤ سنة.
٤  أبو الدرداء عويمر بن زيد: كان يُقال له حكيم هذه الأمة، تَلَقَّى القرآنَ عن النبي وحَفِظَهُ، توفِّيَ سنة ٣٢ﻫ.
٥  مُعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس: وَرَدَ في الحديث عن رسول الله يأتي معاذٌ أمامَ العلماء بربوة إذا حضروا رَبَّهُم، اُستُشهد في الطاعون بالغور سنة ١٨، وله ٣٥ سنة تقريبًا.
٦  أبو زيد ثابت بن زيد الأنصاري. قال عز الدين أبو الحسن الجزري في أُسد الغابة: قال عباس — هو الدوري: سمعت يحيى بن معين، وسُئِل عن أبي زيد الذي يُقال إنه جَمَعَ القرآن على عهد رسول الله مَنْ هو؟ قال: ثابت بن زيد. قال أبو عمر: ولا أعلم غيره. وقيل: الجامع للقرآن هو أبو زيد سعد بن عبيد بن النعمان. والراجح هو الأول لموافقة قول صاحب الفهرست الثقة له.
٧  أُبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري الخزرجي، أقرأ الصحابة بعد عليٍّ — عليه السلام — وسيد القُرَّاء، قرأ القرآن على النبي وجَمَعَ بين العلم والعمل، تُوفِّيَ بالمدينة سنة اثنتين وعشرين.
٨  عبيد بن معاوية، وقيل عبيد بن معاذ، وقيل عتيك بن معاذ الجزري كما في أُسد الغابة.
٩  زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوزان، كَتَبَ الوحي لرسول الله ، وحَفِظَ القرآن وأتْقَنَهُ وأحكم الفرائض، وتَعَلَّم بأمْر النبي السريانية، توفي — على رواية الواقدي عن رجاله ورواية يحيى بن بكير — سنة خمس وأربعين، وقيل تُوُفِّي سنة أربع وخمسين، وقيل خمس وخمسين. (تذكرة الحفاظ للذهبي)
خرَّج الطبراني والبيهقي والحاكم، قال الشعبي: «صلى زيد بن ثابت على جنازة، فقُرِّبت إليه بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه، فقال زيد: خلِّ عنه يا ابن عم رسول الله ، فقال ابن عباس: هكذا أُمِرْنا أن نَفْعَلَ بالعلماء والكبراء، فقبَّلَ زيد بن ثابت يده، فقال: هكذا أُمِرنا أن نَفْعَل بأهل بيت نَبِيِّنَا. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شَرْط مسلم، والمراد بالكبراء: ذَوُو الأسنان والشيوخ»، (كتاب الإبداع، ص٩٩).
١٠  عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي، جَمَع القرآن، أَرْسَلَه عمر بن الخطاب إلى الشام بعد فتحه لتعليم القرآن والفقه لأهله، توفي سنة ٣٤ بالرملة، وقيل توفي ببيت المقدس.
١١  نقل السيوطي قَوْلَه في الإتقان.
١٢  من كبار علماء الشيعة، أستاذ الشريفَيْن المرتضى عَلَم الهدى والرضي — رحمهم الله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤