الفصل الثامن

في ذكر القرَّاء السبعة ورواتِهِم المشهورين

وأسانيدهم وبلادهم ووفاتهم وميلادهم

أولهم: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي: قرأ على سبعين من التابعين منهم: أبو جعفر وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ومسلم بن جندب، فقرأ الأعرج على عبد الله بن عباس وأبي هريرة، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة على أُبي بن كعب، وقرأ أُبي — رضي الله عنه — على رسول الله ، وتوفي نافع سنة ١٦٩ تسعة وستين ومائة على الصحيح، ومولده في حدود سنة ٧٠ سبعين من الهجرة، وأصله من أصبهان، وكان أسود اللون حالكًا، وكان إمام الناس في القِرَاءَة بالمدينة، انتهت إليه رياسة الإقراء بها، وأجمع الناس عليه بعد التابعين إقراءً أكثر من سبعين سنة. قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سُنَّة. قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة. قلت: فإن لم يكن. قال: قراءة عاصم.

وراوياه: قالون وورش، فقالون هو أبو موسى عيسى بن مينا، توفي سنة ٢٢٠ عشرين ومائتين على الصواب، ومولده سنة ١٢٠ عشرين ومائة، وقرأ على نافع سنة ٥٠ خمسين، واختص به كثيرًا فيُقال إنه كان ابن زوجته، وهو الذي لقبه قالون لجودة قراءته — فإن قالون بلغة الروم جيد — وكان قالون قارئَ المدينة ونَحْوِيَّها، وكان أصم لا يسمع البوق فإذا قُرِئ عليه القرآن يَسْمَعُه، وقال: قرأت على نافع قراءة غير مرة وكتبتها عنه، وقال: قال لي نافع: كم تقرأ عليَّ، اجلس على أسطوانة أرْسِلْ إليك من يقرأ عليك.

وورش: هو عثمان بن سعيد المصري، وكنيته أبو سعيد، وقيل أبو عمرو، وقيل أبو القاسم، وورش لقب له، توفي بمصر سنة ١٩٧ سبع وتسعين ومائة، ومولده سنة ١١٠ عشر ومائة، رحل إلى المدينة ليقرأ على نافع فقرأ عليه ختمات في سنة ١٥٥ خمسة وخمسين ومائة، ورجع إلى مصر فانتهت إليه رياسة الإقراء بها فلم يُنَازِعْهُ فيها مُنَازِع مع براعته في العربية ومعرفته بالتجويد، وكان حسن الصوت. قال يونس بن عبد الأعلى: كان ورْش جيد القراءة حسن الصوت يهمز ويمد ويشدد ويبيِّن الإعراب لا يَمَلُّه سامِعُه.

وابن كثير: هو أبو معبد عبد الله بن كثير بن عمر بن زادان: قرأ على أبي السايب عبد الله بن السايب بن أبي السايب المخزومي، وقرأ عبد الله بن السايب على أُبي بن كعب وعمر بن الخطاب، وقرأ أُبي وعمر على رسول الله ، وتوفي ابن كثير سنة ١٢٠ عشرين ومائة بغير شكٍّ، ومولده سنة ٤٥ خمس وأربعين، وكان إمام الناس في القراءة بمكة لم ينازعه فيها مُنَازِع، وكان فصيحًا بليغًا أبيض اللحية طويلًا أسمر جسيمًا أشهل عليه السكينة والوقار، لَقِيَ من الصحابة عبد الله بن الزبير وأبا أيوب الأنصاري وأنس بن مالك — رضي الله عنهم — وراوياه عن أصحابه هما:

البزي وقنبل، فالبزي: هو أحمد بن عبد الله بن القاسم مؤذِّن المسجد الحرام وإمامه ومُقْرِيه، وكنيته أبو الحسن، قرأ على عكرمة بن سليمان المكي، وقرأ عكرمة على شبل، وقرأ شبل على ابن كثير، وتوفي البزي سنة ٢٥٠ خمسين ومائتين، ومولده سنة ١٧٠ سبعين ومائة، وكان إمامًا في القراءة محقِّقًا ضابطًا متقِنًا لها، ثقة انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة.

وقنبل: هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخزومي المكي، وكنيته أبو عمرو، وقنبل لقب له، قرأ على أبي الحسن أحمد القواس، وقرأ القواس على أبي الأخريط، وقرأ أبو الأخريط على القسط، وأخبره أنه قرأ على شبل، وقرأ شبل على ابن كثير، وتوفَّى قُنبل سنة ٢٩١ إحدى وتسعين ومائتين، ومولده سنة ١٩٥ خمس وتسعين ومائة، وكان إمامًا في القراءة متقِنًا ضابطًا انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز ورحل إليه الناس من الأقطار.

وأبو عمرو: وهو زبان بن العلاء بن عمار، قرأ على جماعة منهم أبو جعفر زيد بن القعقاع والحسن البصري، وقرأ الحسن على حطان، وأبي العالية، وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب وأُبي بن كعب، وكان أبو عمرو أعلم الناس بالقراءة والعربية مع الصدق والثقة والأمانة والدين. مَرَّ الحسن به وحلقته متوافرة والناس عكوف عليه، فقال: لا إله إلَّا الله، لقد كادت العلماء أن يكونوا أربابًا، كُلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّد بعلم فإلى ذلٍّ يئول. رُوِيَ عن سفيان بن عيينة أنه قال: رأيت رسول الله في المنام فقلت: يا رسول الله قد اختلفَتْ عليَّ القراءاتُ، فبقراءة مَنْ تأمرني أن أقرأ؟ فقال: بقراءة أبي عمرو بن العلاء. توفي أبو عمرو في قول الأكثرين سنة ١٥٤ أربع وخمسين ومائة، وقيل غير ذلك، ومولده سنة ٦٨ ثمان وستين وقيل سنة ٧٠ سبعين، وراوياه: الدوري والسوسي — عن اليزيدي عنه.

والدوري: هو أبو عمرو حفص بن عمر، المقرئ الضري، ونسبته إلى الدُّور، موضع ببغداد بالجانب الشرقي، وكان إمام القراءة في عَصْره وشيخَ الإقراء في وَقْته، وكان ثقةً ضابطًا كبيرًا، وهو أول من جمع القراءات، وتوفي في شوال سنة ٢٤٦ ست وأربعين ومائتين على الصواب.

والسوسي: هو أبو شعيب صالح بن زياد، ونسبته إلى السوس١ موضع بالأهواز، وكان مقرئًا ثقةً ضابطًا من أجل أصحاب اليزيدي، وتوفي أَوَّلَ سنة ٢٦١ إحدى وستين ومائتين، وقد قارب ٩٠ التسعين.

وابن عامر: هو عبد الله بن عامر اليحصبي، ويحصب فَخِد من حِمْير، وكنيته أبو نعيم، وقيل أبو عمران، وقيل غير ذلك، إمام مسجد دمشق وقاضيها، تابعي لقي واثلة بن الأسقع والنعمان بن بشير، وقال يحيى بن الحارث الذماري: إنه قرأ على عثمان — رضي الله عنه — وقرأ عثمان على رسول الله ، وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ١١٨ ثمانية عشرة ومائة، ومولده سنة ٢١ إحدى وعشرين، وقيل غير ذلك، وكان إمام المسلمين بالجامع الأموي في أيام عمر بن عبد العزيز وقَبْلَه وبَعْدَه، وكان يَأْتَمُّ به وهو أمير المؤمنين، وناهيك بذلك منقبة، وجمع له بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء بدمشق، ودمشق إذ ذاك دار الخلافة ومحط رحال العلماء والتابعين، ورواياه عن أصحابه هما:

هشام وابن ذكوان، فهشام: هو أبو عمار بن نصير السلمي القاضي الدمشقي، وكنيته أبو الوليد، أخذ قراءة ابن عامر عرضًا عن عراك بن خالد المزي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر، وكان عالِمَ أهل دمشق وخطيبَهُم. قال عبدان: سمعتُه يقول: ما أَعَدْتُ خطبة منذ عشرين سنة، وكان مفتيهم ومقريهم ومحدِّثهم مع الثقة والضبط، وتوفي سنة ٢٤٥ خمس وأربعين ومائتين، ومولده سنة ١٥٣ ثلاثة وخمسين ومائة.

وابن ذكوان: هو عبد الله أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الدمشقي، وكنيته أبو عمر، وأخذ قراءة ابن عامر عن أيوب بن تميم التميمي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر، انتهت إليه مشيخة الإقراء بعد أيوب بن تميم. قال أبو زرعة الحافظ الدمشقي: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ عندي منه، وتُوُفِّي في شوال سنة ٢٠٢ اثنتين ومائتين على الصواب، ومولده يوم عاشوراء سنة ١٧٣ ثلاث وسبعين ومائة.

وعاصم: هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة مولى بني خزيمة بن مالك بن النضر، والنَّجُود بفتح النون وضم الجيم وهو مأخوذ من نَجَدْت الثياب أي سَوَّيْتَ بعضها فوق بعض. أَخَذَ القراءة عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان ومنه تَعَلَّم القرآن، وعلِيِّ بن أبي طالب — عليه السلام — وأُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت — رضي الله عنهم — وكان عاصمٌ قد جَمَعَ بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم، فقال: رجل صالح ثقة، وقال ابن عياش: دَخَلْتُ على عاصم وقد احتضر فجعل يردد هذه الآية:ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ. توفي آخر سنة ١٢٧ سبع وعشرين ومائة، وقيل سنة ١٢٨ ثمان وعشرين ومائة، ولا اعتبار بقول من قال غير ذلك، وراوياه:

أبو بكر شعبة وحفص، فشعبة: هو أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي، واسمه شعبة، وقيل محمد، وقيل مطرق. تُوُفِّي في جمادى الأولى سنة ١٩٣ ثلاث وتسعين ومائة، ومولده سنة ٩٥ خمس وتسعين، وكان إمامًا عالمًا كبيرًا، ولما حضرته الوفاة بَكَتْ أخته، فقال لها ما يُبْكِيكِ؟ انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة.

وحفص: هو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز، وكان يُعْرَف بحفص، وتَعَلَّمَ القرآن من عاصم خمسًا خمسًا كما يتعلمه الصبي من المعلم، وكان عالمًا عاملًا أعْلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، وكان ربيب عاصم — ابن زوجته — قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص، توفي سنة ١٨٠ ثمانين ومائة على الصحيح، ومولده سنة ٩٠ تسعين.

وحمزة: هو حبيب بن عمارة الزيات التميمي مولى عكرمة بن ربعي التيمي، وكنيته أبو عمارة، قرأ على أبي محمد سليمان بن مهران الأعمش، وقرأ الأعمش على أبي محمد يحيي بن وثاب الأسدي، وقرأ يحيي على أبي شبل علقمة بن قيس، وقرأ علقمة على عبد الله بن مسعود، وقرأ عبد الله بن مسعود على رسول الله . توفَّى حمزة سنة ١٥٦ ست وخمسين ومائة على الصواب، ومولده سنة ٨٠ ثمانين، وكان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش، وكان ثقة كبيرًا حجة قيِّمًا بكتاب الله، مجوِّدًا له، عارفًا بالفرائض والعربية، حافظًا للحديث، ورعًا عابدًا خاشعًا ناسكًا زاهدًا، قانتًا لله، لم يكن له نظير. كان يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، ويجلب الجبن والجوز منها إلى الكوفة. قال أبو حنيفة: شيئان غَلَبْتَنا عليهما لسنا ننازعك عليهما: القرآن والفرائض، وكان شيخه الأعمش إذا رآه يقول: هذا حبر القرآن، وقال حمزة: ما قرأت حرفًا من كتاب الله إلَّا بأثر، وراوياه:

خلف وخلاد، عن سليم عنه، فخلف: هو أبو محمد بن خلف بن هشام بن طالب البزاز، تُوُفِّيَ في جمادى الآخرة سنة ٢٢٩ تسع وعشرين ومائتين، ومولده سنة ١٥٠ خمسين ومائة، وحَفِظَ القرآن وهو ابن عشرين سنة، وابتدأ في طلب العلم وهو ابن ثلاثة عشر سنة، وكان إمامًا كبيرًا عالمًا ثقةً زاهدًا عابدًا.

وخلاد: هو أبو عيسى خلاد بن خالد الصيرفي، توفى سنة ٢٢٠ عشرين ومائتين، وكان إمامًا في القراءة ثقةً عارفًا محقِّقًا مجوِّدًا. قال الداني: هو أضبط أصحاب سليم وأجلُّهم.

والكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي من أولاد الفرس، من سواد العراق. رُويَ عنه أن قيل له: لم سُمِّيت الكسائي؟ فقال: لأني أَحْرَمْتُ في كِسَاء. قرأ على حمزة وعليه اعتماده، قرأ عليه القرآن العظيم أربع مرات، وأخذ أيضًا عن محمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر، وقرأ عيسى بن عمر على عاصم، وتوفي الكسائي سنة ١٨٩ تسع وثمانين ومائة على أشهر الأقوال عن ٧٠ سبعين سنة، وكان إمام الناس في القراءة في زمانه وأعلَمَهم بالقرآن. قال أبو بكر بن الأنباري: اجتَمَعَتْ في الكسائي أمور: كان أعْلَمَ الناس بالنحو، وأوْحَدَهم بالغريب، وكان أوْحَدَ الناس بالقرآن، فكانوا يَكْثُرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمع في مجلس ويجلس على الكرسي ويتلو القرآن من أَوَّلِهِ إلى آخره، يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ، وقال ابن مَعِين: ما رأيت بعينيَّ هاتين أصْدَقَ لهجةً من الكسائي، وراوياه:

أبو الحارث والدوري، فأبو الحارث هو الليث بن خالد المروزي المقرئ، قرأ على الكسائي. توفى سنة ٢٤٠ أربعين ومائتين، وكان ثقةً قَيِّمًا في القراءة ضابطًا لها. قال الحافظ أبو عمر: وكان من أجِلَّة أصحاب الكسائي، وتقدم سَنَد الدوري ووفاته في سند أبي عمرو بن العلاء.

اعتمدنا في تراجم القرَّاء على كتاب المكرر فيما تواتر من القراءات السبع، وتحرر لمصنفه سراج الدين أبي حفص عمر بن زين الدين قاسم بن شمس الدين محمد الأنصاري المصري الشهير بالنشار المقرئ بالجامع الأتابكي.٢
١  سوس هو الموضع المعروف الآن بشوش بالشين.
٢  النسخة الخطية في دار الكتب المصرية تحت رقم ٤٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤