الفصل الخامس والعشرون

يوسف آصاف بك

أجازت وزارة الداخلية لصاحب العزة يوسف أصاف بك المحامي وصاحب جريدة «المحاكم» إصدار جريدته «المحاكم» يومية، بدلًا من إصدارها ثلاث مرات في كل أسبوع.

الأستاذ آصاف بك شخصية تمثل لنا كيف كان يتأهب «أهل زمان» للدخول في معترك الحياة.

أرَّخ نفسه في كتابه «دليل مصر» المطبوع في سنة ١٨٩٠ بما خلاصته قال:

إنه ولد في ١٥ أغسطس سنة ١٨٥٩ في قرية الغيني من أعمال الفتوح بجبل لبنان. وتعلم اللغة السريانية والعربية على أساتذة مخصوصين حتى بلغ الثامنة فتوفي والده، وأدخلته والدته مدرسة «مار عبدا هرهريا» التي أنشأتها عائلته لتعليم أبناء الطائفة. فتلقى فيها العربية والسريانية والإيطالية واللاتينية والحساب والمنطق والفلسفة. ونظم وهو صغير الشعر في العربية والسريانية واللاتينية.

وفي سنة ١٨٧١ نال الشهادة من هذه المدرسة، وعُيِّن مدرسًا في مدينة عكا. وأتمَّ دروسه في الفلك والطبيعيات واللغة الفرنسوية، وقرأ «الدر المختار» على الأستاذ الشيخ مصطفى محمد السمطي.

ولم يلبث في عكا طويلًا حتى تعرف إلى شريف إسباني اسمه كارلوس دي ماريا، فصحبه إلى روما، ودخل إحدى مدارسها للتخصص في اللغة اللاتينية والتاريخ والقوانين الرومانية والفلسفة.

وترجم وهو في روما إلى اللغة العربية كتابًا في الفلسفة لأنطونانشي، وقطعًا لتيتوس ليفوس وشيشرون وفرجيل وهوميروس وديوجانس.

ثم سافر في سنة ١٨٧٨ إلى تركيا للدخول إلى مدرسة الطب في إستامبول، ولكنه غادرها بعد أشهر لمناسبة قيام الحرب بين تركيا وروسيا، وقدم إلى مصر فاستُخدم مترجمًا في الإسكندرية.

وتنقل بين دمياط والزقازيق مدرسًا ومترجمًا، واشتغل في المحكمة المختلطة بالمنصورة.

وكان في أيام الثورة العربية وكيلًا للبوستة في مجلة أبي علي، ولم ينجِه من الموت إلا صديقه الشيخ عبد الرحمن الفار.

وبدأ عمله في الصحافة سنة ١٨٨٦، فاشترى مطبعة المحروسة وجريدتها. وفي السنة التالية اشترك مع المرحوم سليم فارس في جريدة «القاهرة» الحرة ومطبعتها. ثم أنشأ المطبعة العمومية (في سنة ١٨٨٨)، ولا تزال قائمة إلى الآن على ناصية شارعي الساحة وعبد العزيز أمام محل «أورزدي باك، عمر أفندي».

وفي سنة ١٨٩٠ أنشأ جريدة المحاكم، وأدرج اسمه في جدول المحامين أمام المحاكم الأهلية بعد أن أدى الامتحان وفاز فيه بتفوق.

فإذا نحن «خصمنا» المدة الواقعة بين سنة ١٨٥٩ وسنة ١٨٩٠ وقدرها ثلاثون عامًا، وجدنا أستاذنا يبدأ عمله في الصحافة والطباعة والقضاء منذ أربع وأربعين سنة بالكمال والتمام.

فمنذ سنة ١٨٩٠ نسمع ونرى ونقرأ أسماء المطبعة العمومية وجريدة المحاكم و«الأفوكاتو» يوسف آصاف.

المطبعة تطبع الكتب والجرائد والمجلات، ويوسف بك آصاف يترافع أمام المحاكم ويقدم المذكرات، ويدير جريدة المحاكم ويحررها، ويؤلف ويترجم الكتب.

وأنت إذا رجعت إلى كتاب «معجم المطبوعات العربية» لمؤلفه المرحوم يوسف إليان سركيس، قرأت فيه تحت اسم آصاف (يوسف) أسماء المؤلفات الآتية:
  • أصول النواميس والشرائع سنة ٩٣.

  • تاريخ سلاطين آل عثمان.

  • تاريخ عام لسنة ١٨٨٧.

  • التعديلات القانونية التي أدخلت على القانون الأهلي من سنة ٨٦ إلى ١٨٩٥.

  • دليل مصر لسنة ٨٩.

  • روضة الإنشاء سنة ١٨٨٧.

  • شرح القانون المدني المصري.

  • شرح قانون العقوبات الأهلي المصري.

  • الطواف حول الأرض في ثمانين يومًا.

  • الفريدة (مجموعة منظومات).

  • لقطة العجلان في أحوال جبل لبنان.

  • مجموعة مراثي المرحوم أحمد فارس الشدياق.

هذا هو الزميل القديم الجديد.

نشر «ترجمته» و«لستة» آثاره الأدبية بين تأليف وترجمة ذكرى لأبناء المدرسة الحديثة الذين قضوا سنوات في اللَّتِّ والعجن في القديم والحديث والعمل على «هدم» غيرهم فانهدمت عليهم مدرستهم، ثم خلفتهم «شلة» أخرى يتبارى أفرادها في الدعوة إلى قتل «قدماء الكتاب والصحافيين» ليخلو لهم ولأمثالهم المكان.

إن آصاف وأمثال آصاف لم يهدموا ولم يبنوا وساروا باطمئنان، فخدموا اللغة والأدب، وبارك الله في عمرهم ومهد لهم سبيل العمل النافع.

فهنيئًا لصاحب «المحاكم» عمله.

وجددي يا نفس حظك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤