الأمر للحب

ومن الشعراء من يتحدث عن صبره المغلوب، ثم يجعل الأمر كله للحب، كما أنشد أحمد بن يحيى:

من كان يزعم أن سيكتم حبه
حتى يُشكك فيه فهو كذوب
الحبُ أغلب للفؤاد بقهره
من أن يُرى للستر فيه نصيب
وإذا بدا سر اللبيب فإنه
لم يبدُ إلا والفتى مغلوب
إني لأبغض عاشقًا متسترًا
لم تتهمه أعينٌ وقلوب

وفي هذا المعنى يقول الأقرع بن معاذ القشيري في حبيبة غلبته على قلبه، واستأثرت به من بين النساء:

يقر بعيني أن أرى ضوءَ مُزنةٍ
يمانيةٍ أو أن تهب جنوب
لقد شغفتني أم بكر وبغضت
إليَّ نساء ما لهن قلوبُ
أراكِ من الضرب الذي يجمع الهوى
ودونك نسوانٌ لهنَّ ضروب
وقد كنت قبل اليوم أحسب أنني
ذلولٌ بأيام الفراق أديب

وقد وضح هذا المعنى كل الوضوح في قول الضحاك:

يقولون مجنونٌ بسمراءَ مولعٌ
ألا حبذا جن بنا وولوع
وإني لأخفي حب سمراءَ منهم
ويعلم قلبي أنه سيشيع
ولا خير في حبٍّ يُكنُّ كأنه
شغافٌ أجنته حشًا وضلوع

ومن العشاق من يخلع العذار؛ لروعة الحسن في محبوبه، وصولة الحب في قلبه، كقول عمارة اليمني:

ظبيٌ أعار الليل طُرة شعره
وأمدَّ ضوء الصبح بالإشراق
وسنان ذاب السحر في آماقه
وأذاب ماء الروح من آماقي
كتب الجمال على صحيفة خده
عذرَ المحب وحجة المشتاق
ما كنت أدرى يوم رؤية وجهه
أن الخدود مصارع العشاقِ

وأحب أن يتأمل القارئ جمال التصوير في قوله:

وسنانُ ذاب السحر في آماقه
وأذاب ماء الروح من آماقي
figure
فقد جعل الدمع ذوب الروح، وهو خيال بديع.١ وعذر المحب الذي كتبه الجمال على خد المحبوب يذكرنا بقول بعض الظرفاء:
يا مليح الدل والغنَجِ
لك سلطانٌ على المهج
إن بيتًا أنت ساكنه
غير محتاجٍ إلى السُّرُج
وجهك المعشوق حجتنا
يوم يأتي الناس بالحُجج
١  في كتاب البدائع رسالة ممتعة عن دولة الحسن وعالم الجمال، كتبها المؤلف في وصف ليلة من ليالي الرقص في مصر الجديدة، فليراجعها القارئ إن شاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤