راحة السلوان

ومن العشاق من يستريح إلى السُّلو، ولكن أين إلى السلو السبيل؟ فمن ذلك قول العديل بن الفرخ:

صحا عن طِلاب البيض قبل مشيبه
وراجع غض الطرفِ فهو خفيض
كأني لم أرع الصبا ويروقني
من الحي أحوى المقلتين غضيضُ
دعاني له يومًا هوًى فأجابه
فؤادٌ إذا يلقى المِراضَ مريضُ
لمستأنِساتٍ بالحديث كأنه
تهلل غُرٍّ برقهن وميض

وقال الشريف:

هي سلوة ذهبت بكل غرامِ
والحب نَهب تطاوُل الأيام
ولقد نضحت من السلو وبرده
حرَّ الجوى فبردْتُ أيَّ ضرامِ
من بعد ما أظما الغليل جوانحي
وأطال من ملل الزلال أُوامي
لا يدع العذَّال نزع صبابتي
بيدي حسرت عن الغرام لثامي
قد كانت الصَبوَات تعصف مقودي
فالآن سوف أطيل من إجمامي
هيهات يخفضني الزمان وإنما
بيني وبين الذل حدُّ حسامي

وظاهر هذا الشعر أن أصحابه نزعوا عن الحب طائعين. وفي مقابل هذا المعنى يقول إبراهيم بن العباس:

وعلمَتني كيف الهوى وجهلته
وعلمكم صبري على ظلمكم ظلمي
وأعلم ما لي عندكم فيردني
هوايَ إلى جهلي فأرجع عن علمي

ويقول ابن الأحنف في اليأس من السلوان:

تجنب يرتاد السلو فلم يجد
لهُ عنك في الأرض العريضة مذهبا
فعاد إلى أن راجع الوصل صاغِرًا
وعاد إلى ما تشتهين وأعتبا

ويقول من كلمة ثانية:

كم قد تجرعت من غيظٍ ومن حُرَقٍ
إذا تجدَّد حُزنٌ هَوَّن الماضي
وكم سخِطت وما باليتمُ سخطي
حتى رجعت بقلبٍ ساخطٍ راضي

ويقول أيضًا إبراهيم بن العباس:

لمن لا أرى أعرضت عن كل من أرى
وصرت على قلبي رقيبًا لقاتِله
أُدافعه عن سلوةٍ وأردُّه
حنينًا إلى أوصابه وبلابله

ويقول ابن أذينة:

إن التي زعمت فؤادك ملَّها
خُلقتْ هواك كما خُلقتَ هوًى لها
بيضاءُ باكرها النعيم فصاغها
بلباقةٍ فأدقها وأجلها
حجبت تحيتها فقلت لصاحبي
ما كان أكثرها لنا وأقلَّها
وإذا وجدت لها وساوس سلوةٍ
شفع الضمير إلى الفؤاد فسلَّها

ويقرب من هذا المعنى قول صاحب البدائع:

ولما نسيتم ودَّنا وغرامنا
ولم تحفظوا بعد الفراق لنا عهدا
جعلنا نغض الطرف عنكم وعندنا
من الشوق نار لا نُطيق لها وَفدا
figure

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤