الفصل السابع

إنجلز والماركسية

التفسيرُ المادي للتاريخ هو العنصر الأساسي في تركة إنجلز الفكرية؛ فهذه الأفكار القليلة التي عبَّرَ عنها إنجلز بنفسه بطرق مختلفة كان لها تأثير ثوري على النظرية الاجتماعية والممارسة السياسية، وأي تعليم معاصر في أي مجال من مجالات الفنون أو العلوم الاجتماعية يدَّعِي امتلاكَه الكفاءةَ، لا بد أن يتضمَّن بعضَ الدراسة، حتى وإن كانت ناقدة، لهذا المذهب الفكري. ولم تنجح أيٌّ من محاولات إظهار هذا المذهب بأنه كلام عقيم أو غير مترابط أو حشو أو غير منطقي، حتى لو كانت حملات الهجوم تلك صادرةً عن فلاسفة مرموقين ذائعي الصيت؛ والسبب في ذلك هو أن التفسير المادي للتاريخ مفيد جدًّا.

في الممارسة السياسية، تتخذ العديدُ من المجموعات — ومن بينها فِرَقُ النشاط السياسي الماركسي من أتباع لينين وتروتسكي وماو تسي تونج — التفسيرَ المادي للتاريخ معتقدًا أساسيًّا لها. والواقع أنه إذا كان هناك معيار واحد للتفرقة بين الماركسي وغير الماركسي، فسيكون التفسيرُ المادي للتاريخ هو المنافِس الأقوى من بين هذه المعايير. ومع ذلك، فإن مجرد قبول ذلك التصوُّر لن يجعل أيَّ شخص ماركسيًّا على نحو قوي للغاية؛ وعلى أي حال، فإن إلحاق وصف «ماركسي» بأي شخصٍ قد لا يخبرنا الكثير، وهذا يرجع إلى عدم وجود تفسير موحَّد لهذه النظرة الشهيرة للتاريخ يحظى باتفاق كل الماركسيين؛ فالتفسير المادي للتاريخ يمثِّل مجموعةً من «الخلافات المشتركة».

وعلى الرغم من أن التفسير المادي للتاريخ في العالم السياسي يمثِّل معتقدًا راسخًا (حيث إنه نقطة أساسية لتبرير الاستراتيجية والتكتيكات والسياسة)، فإن فائدة هذه النظرة تتضح على نحو أكثر مباشَرةً في أعمال التاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والأنثروبولوجيا والفلسفة. أثنى إنجلز وماركس نفسه على ماركس بسبب تصوُّره المهم للطبيعة ولتطوُّر المجتمع البشري؛ فلماذا إذن ترَكَ لنا إنجلز «التفسيرَ المادي للتاريخ»؟

السبب الأول هو أنه ابتكر هذا المصطلح بنفسه، وأصبحت هذه العبارة محلَّ تفسيرٍ على نحو منفصل عن كل الموضوعات المعقَّدة التي كانت تهدف في الأصل إلى تلخيصها. واكتسبت مصطلحات «المادي» و«التفسير» و«التاريخ» أهميةً خاصة بها مستقلةً عن كتابات ماركس المتمثلة في «أطروحات حول فيورباخ»، و«فقر الفلسفة»، وأهم من ذلك مقدمته لكتاب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» لعام ١٨٥٩؛ فهذه المصطلحات على أي حال لم تناسِب جيدًا وجهةَ نظر ماركس، بل ستكون «نظرية الإنتاج الخاصة بالتغيير الاجتماعي» مناسبةً أكثر من «التفسير المادي للتاريخ»، على الرغم من أن ماركس امتنَعَ بحكمةٍ عن إعطاء وجهات نظره أسماءً على الإطلاق؛ لقد وصف نفسه فقط في مرات نادرة بأنه «مادي»، وبعد ذلك لم يحدِّد ما قصَدَ توضيحه بهذه الكلمة، باستثناء توضيح أنه ليس «مثاليًّا». وأشار في مقالته «أطروحات حول فيورباخ» إلى مذاهب المادية السابقة منتقِدًا إياها، وأشار باستحسانٍ إلى المادية «الجديدة»، على الرغم من أن ماركس لم يربط هذا الوصفَ بأي شيء محدَّد آخَر خلافًا ﻟ «المجتمع البشري أو البشرية الاجتماعية». وفي حين كانت لماركس آراء عن التطوُّر التاريخي للمجتمع الرأسمالي، فإن تلك الآراء لم تكن مهمةً تُعنى ﺑ «التفسير»؛ فقد كتب مستخِفًّا بهذا الأمر في الأطروحة الحادية عشرة من أطروحاته حول فيورباخ، فقال إن «الفلاسفة «فسَّروا» فحسب العالمَ.» ولم يكن أيضًا مهتمًّا حقًّا «بالتاريخ» على النحو الذي كان سيقوم به المؤرِّخ الذي يسعى لتقديم «تفسير»؛ كان هدف ماركس «ممارسة ثورية»؛ أي «تغيير ذاتي» في المجتمع البشري (الأعمال المجمعة لماركس وإنجلز، المجلد الخامس).

السبب الثاني للقول بأن التفسير المادي للتاريخ يقع ضمن تركة إنجلز الفكرية، هو أن إنجلز كان أكثر المدافعين عنه تأثيرًا ولا يزال هكذا حتى وقتنا المعاصر؛ فهو لم يكن واضعًا فحسب للمصطلح، بل كان مدافعًا عنه أيضًا، ولقد ثبت أن هذا هو أهم الأساليب التوضيحية التي استخدمها إنجلز في كل كتاباته؛ لأن شروحه لكتابات ماركس كانت أكبر تأثيرًا من أيٍّ من بحوثه التاريخية أو ملاحظاته المعاصرة.

في شروح إنجلز لكتابات ماركس، كانت نوايا إنجلز — بحسب ما أرى — صادقةً ومحترمة للغاية؛ لقد اقتبس بدقة معقولة وقدَّمَ المديحَ عند استحقاق ذلك، وعلى الرغم من أن شهرته السياسية والفكرية قد ذاعت أكثر بسبب علاقته بماركس وتفسيراته لأعمال أستاذه ماركس، فإنه جعل ادِّعاءاته وطموحاته داخل حدود علاقته كتلميذ بأستاذه.

احتوت مقدمة ماركس لطبعة ١٨٥٩ من كتاب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» على بعض الفقرات التي تمثِّل «فكرته الأساسية». ومن المفهوم أن موضوع هذا الكتاب أصبح الموضوعَ الرئيسي لشروح إنجلز، وتعليقه المستمر على أفكار ماركس، وتفصيله لآرائه، وكان الشرح الأول ضروريًّا في وضع منهجِ ومحتوى الشروح التالية.

وبعد أن اقتبس إنجلز من أقوال ماركس على نحو كبير في مراجعته النقدية لكتاب «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» عام ١٨٥٩، انتقل إلى عرضِ ما اعتبره جوهرَ آراء ماركس وأخذ يفصِّله على نحوٍ ما، كما لو كان يعيد بمفرده كتابةَ كتاب «الأيديولوجية الألمانية»، ذلك العمل الذي اشترك في تأليفه مع ماركس فيما بين عامَيْ ١٨٤٥ و١٨٤٦. ومن هذا المنطلق، ربما اعتقَدَ أنه بتطويره تلك الآراء الأصلية أصبح شريكًا في تأليفها، لكن يبدو أنه لم يخطر بباله مطلقًا فكرةَ أنَّ ما قاله في شرحه قد يتعارَض ولو قليلًا مع آراء ماركس. وكما رأينا، فقد اشترك ماركس وإنجلز في تأليف ثلاثة أعمال مهمة فقط، وكلها كُتِبت قبل عام ١٨٥٠، وبعد ذلك نُشِرت أعمال إنجلز بِاسْمه، ولم يتحمَّل ماركس أيَّ مسئولية عمليًّا تجاهها. أما إنجلز، فلم يرَ الأمرَ بهذه الطريقة، على الرغم من أن افتراض التأليف المشترك لم يكن مُعلَنًا على نحو واضح إلا بعد وفاة ماركس عام ١٨٨٣. وبعد ذلك أصبح إنجلز مقيَّدًا على نحوٍ لا فكاكَ منه بتداعيات شرحه في عام ١٨٥٩ ﻟ «الفكرة الأساسية» التي أعلَنَ عنها ماركس في مقدمة طبعة عام ١٨٥٩.

fig7
شكل ٧-١: فريدريك إنجلز في منتصف حياته.
تضمَّنَ شرحُ إنجلز في مراجعته النقدية لكتاب ماركس عام ١٨٥٩ خطوةً ثبَتَ أنها كانت مهمة في تاريخ الماركسية؛ فقد كان إنجلز متحمِّسًا للغاية للقوانين التي وضعها ماركس عن المجتمع الرأسمالي في كتابه واعتقد أنها مؤكدة؛ ولذلك زعم أن آراء ماركس التي عرضها في مقدمته عن الطبيعة العامة للمجتمعِ والنمطِ العام لتطوُّره تتَّسِم بالصحة والدقة، في حين أن تلك الآراء كانت تفتقِر كثيرًا إلى الدقة. وفي تلك الفقرات تحدَّثَ ماركس عن التوافُق والتكيُّف والتحديد (أي التعريف والتقييد) — ولم يتحدَّث عن كل «فعل» صادر عن «دوافع مادية» — فكتب ماركس يقول:

في الإنتاج الاجتماعي لحياة البشر، نجدهم يدخلون في علاقات معينة ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات الإنتاج التي تتوافق مع مرحلة محدَّدة من مراحل تطوُّر قوى الإنتاج المادية الخاصة بهم. ويُكوِّن المجموعُ الإجمالي لعلاقات الإنتاج هذه الهيكلَ الاقتصادي للمجتمع؛ أي الأساس الحقيقي، الذي يقوم عليه هيكلٌ علويٌّ قانوني واجتماعي، والذي تتوافق معه أشكالٌ محدَّدة من الوعي الاجتماعي، ونمطُ الإنتاج الخاص بالحياة المادية يُكيِّف العملياتِ الحياتيةَ الاجتماعية والسياسية والفكرية في العموم. ليس وعي الناس هو ما يحدِّد وجودَهم، بل على العكس، وجودهم الاجتماعي هو ما يحدِّد وعيهم (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول).

الفقرة المقتبَسة السابقة كانت على قدرٍ من التعميم أعلى بكثيرٍ من التعميم الموجود في قوانين الرأسمالية التي صاغها ماركس في أعماله المنشورة وغير المنشورة، التي كتبها بدايةً من عام ١٨٥٩ فصاعدًا؛ وقد صرَّحَ بتلك القوانين على نحوٍ دقيق وواثق، وتمثَّلَتْ في: قانون القيمة، وقانون ميل معدل الربح للهبوط؛ «القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث»، كما وصفه في مقدمة الطبعة الأولى للمجلد الأول من كتاب «رأس المال» (كتاب رأس المال، المجلد الأول).

وخلافًا لهذه الخطوة التفسيرية، وظَّفَ إنجلز الملاحظاتِ العامةَ في مقدمة ١٨٥٩ على نحوٍ مشابِه كثيرًا لما فعله ماركس، وكان مؤلفه التاريخي انعكاسًا لهذا الأمر؛ فظهر في مؤلَّفاته أن الأفكار والمعتقدات والحركات والأحزاب تربطها علاقةٌ عملية واضحة بالسيطرة على الموارد وتوزيعها وبالحياة الاقتصادية في كل جوانبها؛ وكانت هذه هي الفكرة الأكثر تأثيرًا في العصور الحديثة في مجال دراسة العلوم السياسية والمجتمع، وفي التغيير العملي للحياة السياسية والاقتصادية حول العالم.

لقد ابتعَدَ إنجلز قليلًا عن تصوُّر الدقة المتعلِّقة «بالفكرة الأساسية» لدى ماركس، حتى إنه وصفها بأنها «قانون»، وزعم أنه قانون عام ومؤكد رغم أن ماركس لم يَقُلْ ذلك؛ وأطلق إنجلز على قانونه «قانون الحركة الكبير في التاريخ»، وهو يشبه في النطاق والدقة «قانون تحوُّل الطاقة» (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول). وكان هذا الادَّعاءُ غيرَ حقيقي على نحو واضح؛ فقد قال إنجلز إن رؤيته «المادية» لتكوُّن الطبقات وتطوُّر المجتمع مرتبطةً بأسباب اقتصادية مطلقة، بالرغم من أن ماركس لم يَقُلْ ذلك، واعتبر إنجلز أن تلك الأسباب الاقتصادية مرتبطةٌ (بطريقةٍ ما) بمادية العلوم الطبيعية. وحتى «قوانين» الرأسمالية البالغة الدقة التي صاغها ماركس لم يربطها مطلقًا بالمادة المتحركة. ولم يستعرض إنجلز في أعماله مطلقًا مبدأ السببية النهائية، ولا علاقة الظواهر الاقتصادية بالمادة كما يراها علماء الطبيعة؛ ومن ثَمَّ لم يفسِّرهما بالتأكيد أو يبرِّرهما. ولم تقدِّم قوانينُ إنجلز الجدلية الثلاثة مساعدةً في هذه المهمة؛ لأن علماء الطبيعة لم يعتبروها مطلقًا ذات علاقة وطيدة بالعلوم. ولم تكن تلك القوانين، بأي حال من الأحوال، فرضياتٍ قابلةً للاختبار؛ لأنه لم يتضح في كلام إنجلز أيُّ الأمور يمثل تطبيقًا لتلك القوانين وأيُّها لا يمثل تطبيقًا لها. ويمكن القول إنه لم يكن لصِيَغ إنجلز طابعٌ عامٌّ مثل قوانين نيوتن للحركة وقانون بويل الخاص بسلوك الغازات، بل كانت لها مرجعيات محدَّدة.

كان من الممكن أن يقدِّم إنجلز «الفكرةَ الأساسية» لماركس على أنها «فرضية» لفحص الصراعات التاريخية والمعاصرة في المجتمع؛ فالفرضية بطبيعة الحال قد لا تَثبت صحتُها في كل فحص متعلِّق بكل صراع من هذه الصراعات. ولم يؤكِّد ماركس في مقدمة عام ١٨٥٩ لكتابه أن كل الأفعال الفردية والصراعات الاجتماعية ستكون نتائج يمكن تتبُّعها على نحوٍ ما لنمط الإنتاج في الحياة المادية؛ واختلف إنجلز عن ماركس في زعمه أنه وضَعَ قانونًا تاريخيًّا يتفق على نحو سببي نهائي مع كل الأحداث. علاوة على ذلك، ومن خلال رؤيته التي ترى أن «الحياة المادية» تنطوي على مادية العلوم الطبيعية، فسَّرَ إنجلز آراءَ ماركس عن الناس وأنشطتهم الإنتاجية المادية تفسيرًا مختلفًا تمامًا.

وفي مرحلة لاحقة من حياة إنجلز زاد انشغاله بمحاولات الدفاع عن «تفسيره المادي للتاريخ» ضد انتقادات الخصوم والممارسين السُّذَّج، وفي عام ١٨٩٠ كتب إلى أحد مراسليه هذه السطورَ التي أصبحت مشهورةً الآن:

وفقًا للتصوُّر المادي للتاريخ، فإن العامل المحدَّد على نحو قاطع في التاريخ هو إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الواقعية. لم يؤكِّد ماركس ولا أنا مطلقًا ما يزيد عن ذلك؛ ومن ثَمَّ فإن تطرُّقَ أحد الأشخاص إلى تحريف هذا الكلام وزعمه أن العنصر الاقتصادي هو وحده المحدَّد، قد حوَّلَ هذه الفرضية إلى عبارة مجردة غير ذات معنًى وغير منطقية (المراسلات المختارة لماركس وإنجلز).

وبعد ذلك فصل إنجلز العواملَ الأخرى المؤثِّرة في الأحداث التاريخية:

الوضع الاقتصادي هو الأساس، لكن العوامل المختلفة للهيكل العلوي تؤثِّر أيضًا في مسار النضالات التاريخية، وفي كثيرٍ من الحالات يكون لها دورٌ أكبر في تحديد شكل تلك النضالات؛ وتتمثَّل تلك العوامل في الأشكال السياسية للنضال الطبقي ونتائجه، وهي: المؤسسات التي تؤسِّسها الطبقة المنتصرة بعد معركة ناجحة … إلخ، والأنظمة التشريعية، بل وانعكاسات كل هذه النضالات الفعلية في أذهان المشاركين فيها، والنظريات السياسية والقانونية والفلسفية، والآراء الدينية، وتطوُّرها فيما بعدُ إلى أنظمة عقائدية دوجماتية (المراسلات المختارة لماركس وإنجلز).

كان دفاعُ إنجلز عن «التفسير المادي للتاريخ» غيرَ حاسم من الناحية التحليلية ودوجماتي في النهاية؛ لأن التفاعُل بين الأساس والهيكل العلوي لم يكن مميزًا مطلقًا عن السببية النهائية للأساس، وهذا الأمر بدوره لم يكن متفِقًا على نحو ناجح مع السرد العام للحياة الاقتصادية والفكرية المقدَّم في كتاب «الأيديولوجية الألمانية»؛ فمن اللازم توضيح العديد من الفروق وتقديم قدر كافٍ من الحجج والأمثلة لتفسير وتبرير زعمه الواثق الغامض، الذي يقول: «يوجد تفاعل فيما بين كل هذه العناصر التي في ظلها، ووسط عدد لا نهائي من المصادفات … تثبت الحركة الاقتصادية في النهاية أنها ضرورية» (المراسلات المختارة لماركس وإنجلز). والحجج التي تستند إليها أطروحة ماركس القائلة إن الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية يحددها نمط الإنتاج، تعود إلى وجهة نظره القائلة إن الأفراد الموجودين على قيد الحياة في البيئات المادية يجب أن ينتجوا وسائل المعيشة الخاصة بهم، وأن هذا يلعب دورًا في تعيين وتحديد ثقافتهم. ساوَى إنجلز مناهَضةَ ماركس للمثالية بماديةٍ مركَّبة لكنها غير مكتملة؛ هناك وجهتا نظر، ترى أولاهما أن المادة المتحركة مسئولة عن كل شيء، وترى الأخرى أن البشر لا بد أن يتصارعوا مع الظروف المادية للإنتاج، تلك التي يجدونها وتلك التي يصنعونها. ولا شك أن ماركس كان يتبنى وجهةَ النظر الثانية، لكن انشغال إنجلز بوجهة النظر الأولى — التي كانت على الرغم من كل اعتراضاته، ماديةً من النوع التقليدي — أدَّى إلى مزيد من الشرح لكلام ماركس؛ ومن ثَمَّ أصبح شائعًا عند تفسير الماركسية القولُ بأن الأساس والهيكل العلوي في الماركسية أمران متناقضان؛ حيث إن الهيكل أو الأساس الاقتصادي يُعتبَر «ماديًّا» إلى حدٍّ ما، أما الهيكل العلوي، فهو «غير مادي» تمامًا؛ حيث إنه يتكوَّن من أفكار. ونظرًا لأن ماركس كان يعتقد أنه «في ظل علاقات الإنتاج» توجد أنشطة اقتصادية تتطلَّب على نحو واضح كلًّا من الأفكار والأشياء المادية، أصبح تفسيرُ الفرق بين الأساس والهيكل العلوي غيرَ مهمٍّ إلى حدٍّ ما، أما التناقضُ الواضح المتعلِّق بوجود عوامل غير مادية في الأساس، فقد نشأ فقط من المعلقين الذين اعتادوا افتراضَ أن مادية ماركس الجديدة لا بد أن تكون من النوعية التي وصفها إنجلز؛ أي المادة المتحركة. وكانت ظواهر الهيكل العلوي (التي ذكر ماركس أنها القانون والسياسة والدين) مزيجًا واضحًا أيضًا من العوامل «المادية» والوعي، تمامًا مثلما كانت الحياة البشرية نفسها، وفقًا لوجهة نظره. ولم يكن ماركس مهتمًّا بهذه الثنائية المتعارضة المكوَّنة من المادة والوعي، وعلى النقيض منه كان إنجلز مستعدًّا فحسب لافتراض هذه الرؤية الفلسفية التقليدية عند تأمُّل التجربة الإنسانية، والتأكيد بثقة على أن كلًّا من المادة والوعي مرتبطٌ بالآخَر من ناحية نهائية وجدلية، تلك الناحية التي لم يفحصها ولم يحدِّدها مطلقًا على نحوٍ كافٍ.

وعلى الرغم من أن التفسير المادي للتاريخ لا يمكن الدفاع عنه دفاعًا ناجحًا باعتباره قانونًا سببيًّا في التاريخ، ولا قانونًا مستمدًّا من مادية العلوم الطبيعية، فقد أثبت فائدته بلا شك باعتباره «فرضيةً» مفسِّرة للتغيُّر الاجتماعي، ودليلًا للبحث يقود، في أغلب الأحيان، إلى نتائج مهمة في دراسة المجتمع البشري؛ إنه فرضية ليست في حاجةٍ لإثبات صحتها أو حتى ملاءمتها فيما يتعلَّق بكل الأحداث الاجتماعية. بدلًا من ذلك، فإنه يقدِّم نقطةَ انطلاقٍ لعمليات الاستقصاء. وعلى الرغم من أن تلك الفرضية قد تكون غير حقيقية أو غير ملائمة فيما يتعلَّق بحدث معين، فإن هذا لا يؤثِّر على إمكانية الاستفادة منها في تفسير أحداث أخرى، ولو كانت تلك الفرضية لم تنجح مطلقًا لَرفضناها، لكنها نجحت في مرات كثيرة، وفي بعض الأحيان كان النجاح باهرًا.

في تقييمي للعنصر الأساسي في تركة إنجلز الفكرية — وهو التفسير المادي للتاريخ — حاولتُ أن أزيد من حدة الجدل بين الماركسيين وغير الماركسيين على حد سواء، ذلك الجدل المتعلِّق بما يقوله ذلك التفسير وبما يعنيه، وما يتعلَّق بصحته وفائدته، وكان منهجي هو جذب الانتباه إلى دور إنجلز بصفته شارحًا لأعمال ماركس، وكذلك لفت الانتباه إلى شروحه، مع إلقاء الضوء على النقاطِ التي أعتقد أن شروحه انحرفت فيها كثيرًا عن الأعمال الأصلية، والمشاكلِ الجديدة التي خلقتها تلك الشروح. إن مَن يقبلون جوهر شروح إنجلز قد صادفتهم صعوبة بالغة تتعلَّق بتفسير وتبرير مفاهيم السببية في العالم المادي وفي الحياة الاجتماعية؛ وهذا أدَّى إلى نقاشات حول الإرادة الحرة والحتمية؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى صعوبات في تبرير المبادرات السياسية. وقال بعض المعلِّقين إن أثرَ الآراء الفلسفية لإنجلز على الاتحاد الدولي الثاني للعمال — تلك المنظمة العالمية للاشتراكيين التي عملت من عام ١٨٨٩ حتى بداية الحرب العالمية الأولى — كان كارثيًّا. ووفقًا لهذه الرؤية، فقد شجَّعت الحتميةُ السببية لصاحبها إنجلز بعضَ القادة الاشتراكيين على التصرُّف كما لو كانت ثورة البروليتاريا ستحدث ببساطةٍ ضمن المسار الطبيعي للتاريخ، كي يظل التزامُهم بالمبادئ الثورية رسميًّا إلى حدٍّ كبير. وعلى الرغم من صعوبة إلقاء اللوم على إنجلز فيما يتعلَّق بقرارات الآخَرين، فإن عدم وضوح آرائه المتعلِّقة بالسببية النهائية في التفسير المادي للتاريخ تعارَضَ مع ترابُط آرائه فيما يتعلَّق بالسياسة الثورية؛ ممَّا سهَّلَ على بعض الاشتراكيين اعتناقَ أفكارٍ غامضةٍ متعلِّقة بالحتمية التاريخية وجدلية التاريخ.

لقد اعتبرتُ إنجلز أول مؤرخ وعالم أنثروبولوجي ماركسي، وفي هذا الصدد أدَّى تأثيرُه إلى نتائج يمكن اعتبارها تقدُّميةً في نطاق هذين المجالين. إن كتاباته التي تربط الأحداثَ السياسية بالطبقات الاجتماعية والهيكل الاقتصادي للمجتمع، كانت مختلفةً عن توصياته وتحليلاته المنهجية؛ واحتوت أعماله التي تناولت التاريخَ والأنثروبولوجيا على آراء وفرضيات شجَّعت على المزيد من البحث في الموضوعات محل اهتمامه، وفي موضوعات أخرى إضافية.

قلتُ أيضًا إن إنجلز كان أولَ مَن التفَتَ إلى الأعمال الأولى لماركس، بما فيها ملاحظاته، من أجل معرفة جوهر أعماله الأولى، لا سيما فرضياتها. كان هذا مثالًا لاهتمام إنجلز الفكري الحقيقي بشرح كتابات ماركس على نحوٍ كامل وغني بالمعلومات قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه عكَسَ هذا التطوُّرُ عجْزَ إنجلز عن التعامُل بقدرٍ مساوٍ من التفصيل مع أعمال ماركس التالية التي تناولت الاقتصاد على نحو أوضح، ومع العرض المفصل الذي قُدِّمت به. وإلى حدٍّ ما ترك إنجلز الاقتصادَ لماركس، ولم يكشف التوثيق الذي أجريناه إذا ما كان ماركس قد ترك عن عمدٍ أيَّ شيء لإنجلز ليقوم به؛ فقد زُعِم في كثيرٍ من الأحيان على سبيل المثال أن العلوم الطبيعية والفلسفة والشئون العسكرية كانت مجالَ اختصاصه بموجب اتفاقٍ ثنائيٍّ بينهما.

على الرغم من أن الأعمال الأولى لماركس تُعَدُّ موضوعًا مثيرًا للدراسة، وعلى الرغم من توضيح تلك الأعمال لفرضيات ماركس في أعماله الناضجة، فربما سَنَّ إنجلز — دون أن يفطن — صيحةً بين تلاميذ ماركس أدَّتْ إلى إهمال كتابَيْه «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي» و«رأس المال»، من أجل نقاشات تُلقِي النظر على فترة ماضية، وتسعى لتقييم معارك أربعينيات القرن التاسع عشر المتعلِّقة بالمثالية والمادية وهيجل وفيورباخ. ومن خلال دراسته لهذه النقاشات، قدَّمَ إنجلز شرحًا آخَر لأعمال ماركس، تَمثَّلَ في مفهوم الوعي الزائف، كما وصفه في خطابٍ بتاريخ ١٤ يوليو ١٨٩٣، بعثه إلى فرانس ميرينج الذي أصبح فيما بعدُ كاتِبَ السيرة الذاتية لماركس؛ قال: «إن الأيديولوجية عمليةٌ يقوم بها عن وعي من يُدعَى المفكِّر، هذا صحيح، لكنه عن وعي زائف؛ فالقوى الدافعة الحقيقية التي تحفِّزه تظل غير معروفة بالنسبة إليه، وإلا فلن تكون عمليةً أيديولوجية ببساطة؛ ومن ثَمَّ فإنه يتخيَّل قوًى دافعةً زائفة أو مصطنعة» (المراسلات المختارة لماركس وإنجلز). إن الجوانب الغامضة في التحليلات المبكرة لماركس عن الفلسفة المثالية والدين والقانون ودفاعه أحيانًا عن الرأسمالية؛ عتمت عليها تمامًا فكرةُ الزيف التي ادَّعاها إنجلز، وكذلك مفهومه عن الوعي الذي لم يدقِّقه جيدًا. وبالرغم من ذلك، فقد قدَّمَ إنجلز خدمةً كبيرةً في تقديم المجلدين الثاني والثالث من كتاب «رأس المال» للنشر، مع القليل جدًّا من الشرح الواضح لمحتوى رائعة ماركس.

إن بعض التصنيفات النقدية والتحليلية التي طبَّقَها المعلِّقون على ماركس تناسِب إنجلز في واقع الأمر على نحو أفضل. فعند قراءة أعمال إنجلز، يزيد الشعورُ لدى القارئ بأنه ينظر إلى شخصٍ كان محلَّ تأثيرات متعاقبة، وتزداد الأدلةُ المقنِعة بذلك إلى حدٍّ كبير، مقارَنةً بماركس. إنجلز هو الذي كتب أعمالًا كاملة تأثَّرَ فيها بأفكار هيجل، ثم بأفكار الهيجليين الشباب في أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر؛ وهو الذي تبنَّى وجهةَ النظر الشيوعية سريعًا وعلى نحوٍ تامٍّ؛ وهو الذي اعتبر آراءَ أستاذِه قوانينَ راسخةً، ومثبتةً لا يرقى إليها شك؛ وهو أيضًا مَن تبنَّى وجهةَ نظر وضعية بشأن العلوم الطبيعية، وقدَّمها لماركس وداروين على حدٍّ سواء، في حين أنها لم تناسِب أيًّا منهما في واقع الأمر.

طالما كانت لدى ماركس وجهةُ نظره النقدية الخاصة، فضلًا عن أنه كان يُكنُّ الإعجاب لمختلف المرجعيات الذين درس آراءهم لكن بتحكُّم أكبر مقارَنةً بإنجلز؛ بَيْدَ أن هذا الأمر عتمت عليه إلى حدٍّ ما فكرةُ «التأثُّر»؛ فمنذ عام ١٨٤٠ فصاعدًا، لا يمكن أن يخطئ المرء أبدًا ويظن أن أحد أعمال ماركس متأثِّرة بهيجل أو فيورباخ أو بالهيجليين الشباب أو بريكاردو أو بالوضعية، على الرغم من أنه قد يكون متفقًا بالفعل مع أيٍّ من هؤلاء المؤلفين، أو أيٍّ من تلك المدارس الفكرية. ولا يمكن قول الأمر نفسه دائمًا عن إنجلز؛ فعلى الرغم من أنه قيل في بعض الأحيان أن ماركس انتقَلَ من الفلسفة إلى الاقتصاد، ثم إلى الوضعية في العلوم الاجتماعية، فإن ذلك التحوُّلَ يصِفُ في واقع الأمر الحياةَ المهنية لإنجلز على نحوٍ أكثر دقةً؛ نظرًا لأن ماركس كان مهتمًّا إلى حدٍّ كبير ﺑ «ما يُسمَّى بالمصالح المادية» والاقتصاد السياسي من عام ١٨٤٢ فصاعدًا (الأعمال المختارة لماركس وإنجلز، المجلد الأول). وبالرغم من ذلك، فقد كان إنجلز أكثر مهارة من ماركس في الروايات العيانية، وبيانات المبادئ القصيرة، والمقالات الجدلية والترويجية المبسطة.

عكس فكرُ إنجلز في المجمل صيحاتٍ معينةً في فلسفة القرن التاسع عشر، كان من بينها بناءُ النظام باتباع أسلوب هيجل ودوهرينج، والمادية والحتمية للعلوم الطبيعية، والتطوُّر المأخوذ عن داروين، والإلحاد الناشئ عن النقد التاريخي للدين، والوضعية التي ترى أن النظرية تنشأ عن الحقيقة. وعلى النقيض من ماركس الذي استخدَمَ بعضَ هذه الأفكار بطريقة مبتكرة ونقدية على نحوٍ مدهِش، فإن إنجلز كان شخصًا علَّمَ نفسه بنفسه، وكان يفتقر إلى حنكة المتشكِّك المثقَّف الذي يستطيع طرحَ أسئلة صعبة على نفسه، ثم يسعى على نحو مُضْنٍ للإجابة عنها. لم تكن فلسفة إنجلز مجردَ فلسفة متناثرة في أفكاره الجدلية المختلفة كما هو الحال مع ماركس، بل كانت في حد ذاتها كيانًا يحتوي على كثير من الافتراضات غير المفحوصة، والمصطلحات غير المعرَّفة، والعلاقات غير المحدَّدة.

لقد ساعدت جهود ماركس وإنجلز كي يصبح كلٌّ منهما مرجعية سياسية في ضمان إمكانية قراءة أعمالهما في المستقبل، بغض النظر عن فائدتها باعتبارها إسهامات في العلوم الاجتماعية. وفيما يتعلَّق بالفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والفنون والعلوم الأخرى، فإن ماركس هو الذي قدَّمَ الإسهامات الأكثر إبداعًا، بينما إنجلز هو مَن قدَّمَ الإسهامات الأكثر تأثيرًا، لا سيما في أعماله الأخيرة. وكانت مزاعم إنجلز الواسعة النطاق المتعلِّقة بالعلوم والعلاقات فيما بينها، المفهومة على نحو جيد، في النشاط السياسي، ضروريةً للغاية في هذا الصدد، والأمر نفسه ينطبق على نسخته القوية من «الفكرة الأساسية» لصاحبها ماركس — وهي تصوُّرٌ يقول إن آراء ماركس مؤكدة، بدايةً من التي تدور حول قوانين الرأسمالية، مرورًا بصِيَغه الأكثر عموميةً المتعلِّقة بالطبيعة ككلٍّ وبتطوُّر المجتمع، وصولًا لعصر التصنيع وما بعده. ولم يكتفِ إنجلز بتلك الآراء الأكيدة المنسوبة إلى ماركس، بل أضاف إليها وجهةَ نظر أخرى خاصة به، تقول إن السببية الاقتصادية كانت مماثِلةً على نحوٍ غير محدَّد للسببية في العلوم الطبيعية. لقد كان إنجلز الشاب في واقع الأمر أقربَ إلى فرضيات ماركس، بحسب اعتقاد ماركس؛ لأن أعماله التي تناولَتْ علمَ الاجتماع، والتي بلغت ذروتها بتأليف كتاب «حالة الطبقة العاملة في إنجلترا»، أظهرَتِ الشخصيةَ المحددة والمميزة للمجتمع الصناعي الحديث وأثرها على القانون والسياسة والحياة الثقافية، ولولا ماركس لَظَلَّ هذا العمل غير مقروء بلا شك. إن كتابات إنجلز التاريخية، تقريبًا من عام ١٨٥٠ حتى عام ١٨٧٠، تستحق قطاعًا أكبر من الجمهور أكثر ممَّا هو موجود في الوقت الحاضر. فتناوُله لحرب الفلاحين في ألمانيا وللأحداث الثورية فيما بين عامَيْ ١٨٤٨ و١٨٤٩، وكذلك مقالاته عن الحرب والتطورات العسكرية في أوروبا وأمريكا، قد قرأها على نحوٍ عامٍّ المتحوِّلون إلى الماركسية باعتبارها مثالًا للتحليل التاريخي الماركسي، وهي كذلك بالفعل؛ غير أنه يجب دراسة وتقييم تلك الأعمال على نطاق أوسع.

لم أتطرق إلا إلى القليل من حياة إنجلز الشخصية. ومع أنه واضح مدى تأثيرها في أفكاره، فهناك طرق مختلفة للغاية لتفسير الحقائق المتعلقة بظروفه الاقتصادية والاجتماعية والجنسية، بقدرِ ما توافَرَ لنا من أدلة. الواقع أنه جعل من الأختين ماري وليزي بيرنز المنتميتين للطبقة العاملة عشيقتين له الواحدة تلو الأخرى، وأسكنهما في منزلٍ في مانشستر منفصل عن مسكنه الذي كان يقيم فيه كعَزَبٍ مُنْتَمٍ للطبقة الوسطى؛ والواقع أيضًا أنه كان يشارك في صيد الثعالب بالاستعانة بكلاب الصيد المدرَّبة وهو ممتطٍ صهوةَ الجياد، وكان يحبُّ الشمبانيا وخمر الكلاريت، وكان يتردَّد على الأحياء والمنتجعات الراقية، وأشار بعض المعلِّقين إلى وجود تعارُض بين أسلوب حياته وموقفه السياسي باعتباره شيوعيًّا ثوريًّا. ورغم ذلك، فلو كان إنجلز قد تزوَّجَ واستقرَّ في زواجه، ومارَسَ قدرًا يسيرًا من التمارين الرياضية، وعاش حياةَ الفقر أو في ظروف معيشية متواضِعة للغاية، ولم يعمل في وظيفة ذات أجر ثابت، وسكن في أحياء الطبقة المتوسطة الدنيا؛ فإني أشكُّ أنه كان سيستطيع الهروب من هذا الانتقاد على نحوٍ أكثر ممَّا استطاع ماركس الإفلات منه (الذي عاش في نفس الظروف السابقة التي ذكرتُها للتوِّ). لو عاش إنجلز وماركس حياة أفراد طبقة البروليتاريا على نحوٍ تامٍّ، فعلى الأرجح لم يكن سيتسنَّى لهما الوقت اللازم لتأليف أعمالهما الفكرية، وعلى أي حال كان النقادُ المتأخِّرون سيهاجمونهما بسبب الكذب بشأن أصولهما العائدة للطبقة الوسطى، ويتهمونهما بالتصنُّع. إن أسلوب حياة أي ناقد راديكالي للأنظمة الاجتماعية المعاصرة سيبدو على الأرجح متناقضًا مع نفسه.

هناك رواية متداولة تقول إن إنجلز كشف وهو على فراش الموت عام ١٨٩٥ عن أن ماركس كان والد فريدريك ديموت ابن خادمة ماركس، والدليل الوحيد على هذا الكلام الذي قاله إنجلز على فراش الموت، يبدو أنه نسخة (غير معروفة المصدر) من خطابٍ من مديرة منزل إنجلز السابقة لويز فريبرجر، مكتوبٍ عام ١٨٩٨. وفي حين أن بعض المعلِّقين لا يرون سببًا للتشكيك في مصداقية ودقة هذه الوثيقة وصِدْق ما يُفترَض أن إنجلز قد قاله، فقد أشار البعضُ الآخَر إلى تناقضات داخلية في هذا الخطاب المزعوم، تثير الشك في كون النسخة أصليةً. وبالرغم من ذلك، فإننا حتى إذا قبلنا النسخةَ بوصفها أصليةً واعتبرنا تعليقات إنجلز دقيقةً، فلا يزال يوجد مجالٌ للشك؛ نظرًا لأن ما كان يزعمه إنجلز لا يستند إلى دليل. علاوة على ذلك، لم يُسفِر البحثُ في حياة فريدريك ديموت وعلاقاته عن أي شيء متعلِّق بهوية والده، ولم تقدِّم الخطاباتُ الموجودة في مجموعةِ مراسلات ماركس وإنجلز، في الفترة من ميلاد فريدريك ديموت وفيما بعدُ، أيَّ شيءٍ قاطع بشأن هذا الأمر، ولا يُعرَف عن فريدريك أيُّ شيء آخَر يربطه بماركس، بالرغم من ظهور تلك المزاعم غير المدعومة بدليل. إنني أذكر هذا الأمر لألفت انتباهَ القارئ إلى موضوعٍ، على حدِّ علمي، ليس له تأثيرٌ على أعمال إنجلز، لكنه يستحقُّ بعض التأمُّل باعتباره سمةً من سمات الدراسات الأكاديمية المتعلِّقة بإنجلز.

أعلَنَ إنجلز في بعض المقالات والمراسلات عن آراء تتضمَّن تصنيفات عنصرية، وعلى الرغم من أنه من الممكن أن نوضِّح أنه كانت لديه آراء يمكن وصفها اليومَ بأنها آراء عنصرية، فمن غير الدقيق كليًّا أن نزعم أن أعماله الفلسفية، أو تراثه الفكري في واقع الأمر وتأثيره، كانت تتسم من أي جانبٍ بالعنصرية أو حتى كانت مؤيدة للعنصرية. ولو كانت لديه آراء يمكن أن نصفها بأنها عنصرية في الوقت الحاضر، فقد كان يحمل هذه الآراء بشكلٍ منفصِل عن نظرته الماركسية، تلك النظرة التي لا تظهر فيها التصنيفات العنصرية.

في رأيي، كانت العلاقة الفكرية بين ماركس وإنجلز علاقة بين الأستاذ والشارح، وباستثناء الفترة القصيرة التي شهدت عددًا كبيرًا من الأعمال المشتركة فيما بينهما في أربعينيات القرن التاسع عشر، يبدو أن كليهما عكف بشكل مستقل على أطروحاته النظرية الكبرى. وطلبات المساعدة وإعلانات الاكتشافات الموجودة في المراسلات المتبقية، لا تدعم المزاعمَ الشائعة القائلة بأن إنجلز وماركس كانَا متفقَيْن تمامًا في كلِّ الموضوعات، وأنهما عملَا باعتبارهما مؤلفَيْن مشتركَيْن، يَعتبِر كلٌّ منهما عملَ الآخَرِ عملَه، ويرى كلٌّ منهما الآخَرَ باعتباره شريكًا في عمل مشترك؛ بَيْدَ أن الصورة التي ظهرت كانت لشخصين كان لكلٍّ منهما أعمال أَنْجزَها على نحو مستقل ومنفصل، مع استثناءات قليلة؛ فبعض طلبات المساعدة والتأييد لم يكن عليها أي ردود، وبعضها لم يَنَلْ سوى ردودٍ مقتضبة غير ملزمة. لم يستطع كلاهما تبنِّي موقف التأليف المشترك والمسئولية المشتركة في اجتماعاتهما الخاصة، وكتبَا تلك الخطابات التي ظلت باقيةً؛ وتلك الخطابات لا تدعم وجهةَ النظر القائلة إن ماركس وإنجلز عَمِلَا باعتبارهما شريكين فكريين مثاليين، إلا أنه في مراسلاتهما كانت موضوعاتُ البحث التاريخي والأخبار السياسية والنميمة العائلية وشئون الحزب قصةً مختلفة، ولدينا سجلٌّ عن تلك الموضوعات يحتوي على مراسلات مليئة بالحيوية بين شخصيتين منفصلتين لكنهما متحالفتان.

كان إنجلز نفسه أول مَن قدَّمَ وجهةَ النظر القائلة إنه هو وماركس كانَا متفقين على كل الأساسيات — الأساسيات التي ظهرَتْ فيما بعدُ في شروح إنجلز لأفكار ماركس — وإن التأليف المشترك «بيني وبين ماركس» يمكن استحضاره عند استعراض «التفسير المادي للتاريخ» وغيره من المعتقدات. وبعد وفاة ماركس، أوصى إنجلز بقراءة أعماله الخاصة مثل «الرد على دوهرينج» و«لودفيج فيورباخ ونهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية» جنبًا إلى جنب مع أعمال ماركس، على الرغم من أنه قال على نحوٍ أكثر قوةً في إحدى رسائل عام ١٨٩٠، إنه على الرغم من أن كتاب «رأس المال» أشار إشارةً عابرةً إلى «المادية التاريخية»، «فلقد قدَّمتُ السردَ الأكثر تفصيلًا لها» (المراسلات المختارة لماركس وإنجلز).

ولم يتأخَّر المعلِّقون والمناصرون والنقاد في انتهاز المزايا الهائلة التي أتاحتها وجهةُ النظر تلك عن علاقة ماركس وإنجلز؛ فأسلوب ومحتوى أعمال ماركس كان أكثر صعوبةً، لا سيما في الأعمال النقدية التي تناولت الاقتصاد السياسي، إذا ما قُورِنت بأعمال إنجلز التي يسهل قراءتها على نحوٍ أكبر. وبالفعل كانت موضوعات إنجلز — الفلسفة والتاريخ — مألوفةً وأقلَّ غرابةً من موضوع الاقتصاد السياسي. كان يوجد بعض النقاط في أعمال إنجلز يسهل تفنيدها مقارَنةً بحجج ماركس الأكثر تعقيدًا؛ ولذلك تمسَّكَ النقاد المعادون للمفكرين بوجهة النظر القائلة إن ماركس وإنجلز يمكن قراءة أعمالهما على نحوٍ تبادُليٍّ. على الجانب الآخَر، تضمَّنَتِ الحياةُ السياسية والأكاديمية في المؤسسات الرسمية في الاتحاد السوفييتي التزامًا إيجابيًّا بالمادية الجدلية والتاريخية، يأخذ من أعمال إنجلز لكنه يتطلَّب أن تكون تلك التفسيرات حاملةً بصمةَ ماركس، الشريك الأكبر؛ وبذلك أصبحت العلاقة بين ماركس وإنجلز مقدسةً.

قرر بعض المعلقين الغرب — رغم التشكيك في وجود اختلافات مهمة بين ماركس وإنجلز أو الاعتراف بوجود تلك الاختلافات — تجاهُلَ هذا الأمر، وهؤلاء يتناولون في الغالب ماركس منفردًا. أما الآخرون فقد تقبلوا وجهةَ النظر التي تقول إن ماركس وإنجلز تحدَّثَ كلٌّ منهما نيابةً عن الآخَر، وبعد ذلك دافَعوا عن شروح إنجلز لماركس على نحوٍ مستقلٍّ عن أعمال ماركس، أو حاولوا في بعض الحالات إظهار أن أعمال ماركس متفقة مع أعمال إنجلز. ولم يحاوِلْ أيٌّ من الفريقين، على حدِّ علمي، إثبات أن قوانين إنجلز السببية على القدر العالي نفسه من التعميم تمامًا مثل تصوُّرات ماركس التي عبَّرَ عنها في مقدمة عام ١٨٥٩ لكتابه «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي».

ولعلَّ أحدث وجهات النظر المؤثِّرة المتعلِّقة بالاختلافات الفكرية بين ماركس وإنجلز، تلك التي تزعم أن ماركس اتجه نحو الوضعية والحتمية الباديتين في شروح إنجلز، لكنه لم يفصح عن ذلك بوضوح. لو كان هذا صحيحًا، لحظيَتِ المكانةُ المرموقة الممنوحة لأعمال إنجلز من قِبَل الكثير من الماركسيين على الاستحسان الضمني من أستاذه ماركس، إلا أن وجهة النظر تلك ليست مدعومةً جيدًا بما قاله ماركس بالفعل خلال حياته المهنية. فقوانين الجدل لم تظهر في مقدمة عام ١٨٥٩ لكتابه «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي»، ولا في كتابه الشهير «الأجور والسعر والربح»، ولا في رائعته «رأس المال»، ولا في غيرها من الأعمال ذات الصلة، ولا في عمله الأخير الذي كان نظريًّا وأكاديميًّا إلى حدٍّ كبير؛ «ملاحظات حول أدولف فاجنر» (وهو عالِم أكاديمي في مجال الاقتصاد السياسي).

أما الدليل الذي يساق عادةً لدعم وجهة النظر القائلة إن ماركس دعم نظريتَيِ «المادية» التاريخية والجدلية، اللتين قدَّمَهما إنجلز؛ فهو «الزعم» القائل بأن ماركس وافَقَ على كتاب «الرد على دوهرينج»، ووافَقَ من حيث المبدأ على مخطوطة كتاب «جدل الطبيعة». وبالرغم من ذلك، وكما رأينا، فإن إنجلز لم يروِّج لفكرة مساعَدةِ ماركس له في جمْعِ المادة اللازمة للفصل الذي تناوَلَ الاقتصادَ السياسي، إلا في مقدمة عام ١٨٨٥ للطبعة الثانية من كتاب «الرد على دوهرينج» (التي كتبها بعد وفاة ماركس)، وبعدها فقط زعم إنجلز أنه «قرأ المخطوطة بالكامل» أمام ماركس «قبل طبعها». وليس لدينا أي أدلة أخرى لدعم هذه الرواية. علاوةً على ذلك، كتب إنجلز أيضًا في مقدمة عام ١٨٨٥ أن «عرْضَه للنظرة العالمية التي أحارب من أجلها أنا وماركس» ما كان ليظهر لولا «معرفة» ماركس. وقال إنجلز إن هذا الأمر كان «مفهومًا» بينهما؛ ولذلك أعطى القارئ انطباعًا بأن ماركس كان موافِقًا على عمله باعتباره تعبيرًا عن «نظرتهما»، وفي الوقت نفسه تجنَّبَ التصريحَ بأن ماركس وافَقَ صراحةً على مثل هذا الأمر (الرد على دوهرينج). ولم يكن هناك أي ردود أو مراجعات مدوَّنة من قِبَل ماركس حول جوهر عمل إنجلز في كتابه «الرد على دوهرينج». وفي واقع الأمر يبدو أن إنجلز لم يَسْعَ لوضْعِ اسم ماركس على الكتاب أو لكسب تأييده والترويج لهذا التأييد.

وبالرغم من ذلك، لو كان ماركس على خلافٍ مع إنجلز حول محتوى كتاب «الرد على دوهرينج»، فلماذا لم يتبرَّأ منه بنفسه؟ أو هل من الممكن أن يكون لم يقرأه (أو لم يقرأه عليه إنجلز) قطُّ في المقام الأول؟

لقد نُشِر كتاب «الرد على دوهرينج» عدةَ مرات فيما بين عامَيْ ١٨٧٧ و١٨٧٨، حتى قبل الانتشار الواسع النطاق للنسخة المختصرة من كتاب «الاشتراكية المثالية والاشتراكية العلمية»؛ وهذا يعني أن ماركس لا يمكن أن يكون قد فاته هذا الكتاب. الواقع أن إنجلز قد أرسل له نسخةً من الكتاب عليها إهداء له. وحتى لو كانت رواية إنجلز التي تزعم قراءةَ المخطوطة على ماركس غيرَ حقيقية، أو أن ماركس لم يكن مُنصِتًا، فسيكون منافيًا للمنطق تخيُّلُ أنه تجاهَلَ محتوى العمل تمامًا. ربما شعر من منطلق صداقتهما الطويلة، ودورهما باعتبارهما اشتراكيَّيْن بارزَيْن، والفائدة التي تعود عليه من الموارد المالية لإنجلز؛ أنه من السهل التزام الصمت وعدم التدخُّل في عمل إنجلز، حتى لو كان يتعارَض مع عمله. وعلى أي حال، فقد نُشِر كتاب «الرد على دوهرينج» وهو يحمل اسم إنجلز فقط.

المثير للدهشة أن إنجلز لم يزعم أنه أطلَعَ ماركس على كتاب «جدل الطبيعة»، ذلك العمل الذي أوقف العمل فيه من أجل تأليف كتاب «الرد على دوهرينج»؛ وفي هذا العمل كانت أفكاره عن طبيعة الجدل قد تطوَّرَتْ وصيغت على نحو واضح، وهذا الأمر لم يكن كذلك عند نشر الطبعة الأولى من كتاب «الرد على دوهرينج». ويبدو أن إنجلز كان ماكِرًا على نحوٍ كافٍ جعَلَه يتجنَّب استثارةَ الخلافات مع ماركس، عندما كان لا يزال على قيد الحياة، ويبدو أيضًا أن ماركس كان ماكرًا مثله عندما لم يهاجِم إنجلز بسبب تفاصيل عمله.

الواقع أنه كان من الممكن أن يتبنَّى ماركس وجهةَ النظر القائلة بأن الطبعة الأولى من كتاب «الرد على دوهرينج» سيكون نفعها أكثر من ضررها داخل الحركة الاشتراكية؛ لأنه كان يكره آراء دوهرينج، ولأن إنجلز انتقدها انتقادًا لاذعًا. كما أن ماركس رشَّحَ الكتابَ للآخرين، وأشار ببساطة شديدة إلى «التطورات الإيجابية» لإنجلز، وإلى الأهمية السياسية للكتاب في تقديم «تقييم صحيح للاشتراكية الألمانية»؛ وعلى هذا النحو لم يُلزِم نفسه بأي نتائج فلسفية أو منهجية للنص أو بوجهة النظر التي تروِّج لإمكانية قراءة الكتاب باعتباره بديلًا عن كتاب «رأس المال»، تلك الفكرة التي روَّجَ لها إنجلز سرًّا (أعمال ماركس وإنجلز بالألمانية، المجلدان الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون). وكذلك لم يكن ماركس ملتزمًا بشروح إنجلز التالية حول كتاب «الرد على دوهرينج»، أو بما زعمه إنجلز لاحقًا عن العلاقة بين أعمالهما المستقلة.

وفي دعم إنجلز وماركس المتسق لاستراتيجية ثورة البروليتاريا، كانَا متفقين إلى حد كبير، على الرغم من أنهما لم ينكرا أن الإصلاح قد يكون مناسِبًا ويحقِّق نجاحات. ربما رأى كلاهما وجودَ احتمال كبير لفشل التهدئة والتسوية في السياسة؛ ومن ثَمَّ لم يريا أيَّ فائدة في مثل هذا الإصلاح. بالإضافة إلى ذلك، ترك إنجلز، كما هو الحال مع ماركس، القليلَ من الكتابات السياسية المهمة المتعلِّقة بتنظيم الحزب الاشتراكي واتخاذ القرار والقيادة، على النقيض من بعض خلفائه في الماركسية الأوروبية، الذين كان من بينهم لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورج. وعلى الرغم من أن آراء إنجلز حول الطبيعة المطلقة للواقع كان لها تأثيرٌ مدمِّر على الاشتراكية الثورية، فإن هذا الأمر لم يثبت، وعلى الأرجح لا يمكن تقييمه بطريقة أو بأخرى؛ لأن مصير الاشتراكية في أوائل القرن العشرين لا يمكن أن يكون نتيجةً لأمر فكري صرف.

fig8
شكل ٧-٢: فريدريك إنجلز في عام ١٨٩٥ (عام وفاته).

لقد ترك لنا إنجلز علمًا اتَّسَمَ بالشمولية الغامضة، والحتمية غير الواضحة، والمادية العتيقة الطراز؛ في حين تَرَك لنا ماركس شيئًا آخَر مختلفًا وأكثر تعقيدًا، بالرغم من عدم وجود اتفاقٍ كبيرٍ حتى وقتنا الحالي على أهمية عمله الخاص بنقد الاقتصاد السياسي بالنسبة إلى العلوم الاجتماعية والسياسية المعاصرة. وبقدرِ ما أدَّى اهتمامُ إنجلز بفرضيات آراء ماركس إلى إعادة قراءة أعمالهما المبكرة، كان تأثيرُ كتابات إنجلز إيجابيًّا، بالرغم من أن الحاجة إلى فصل شروحه عن أعمال ماركس لا تزال ذات أهمية قصوى. رغم هذا فإن أعمال ماركس قامت على تلك الفرضيات، والتحدي الذي لا يزال قائمًا اليوم هو المادة الموجودة في كتاب «رأس المال»، التي حرَّرَها إنجلز لكنه لم يستفض في شرحها.

في حديثي عن فكر إنجلز حاولتُ أن أوضِّح أن الخلافات حول محتوى أعماله وعلاقته بأعمال ماركس ليست مجرد مجادلات متعلِّقة بالنصوص والسيرة الفكرية، لكنها متعلِّقة بالاختلاف الكبير في أسلوب التعامُل مع العلوم الاجتماعية، وربما مع السياسة نفسها؛ ذلك الاختلاف الذي نجده في كتابات كلٍّ منهما وفي حياتهما المهنية. لقد درستُ محتوى آراء إنجلز وأوضحتُ كيف انبثقَتْ تلك الآراءُ في بعض الحالات من شروحه لأعمال ماركس، كما أوضحتُ أيضًا علاقةَ شروح إنجلز بأعمال ماركس نفسها، وكذلك علاقتها بما قاله ماركس في واقع الأمر عن جهود إنجلز؛ علاوة على ذلك فقد ناقشتُ شروحًا إضافية لآراء إنجلز وبيَّنْتُ أثرَ ذلك على شروح المتأخِّرين لأعمال ماركس على صعيد السياسة الماركسية، وعلى صعيد حياتنا الفكرية، لا سيما في مجال العلوم الاجتماعية. تنطوي العلوم الاجتماعية على المعرفة المتاحة لدينا عن المجتمع، وتُعَدُّ السياسة وسيلتَنا لتغيير ذلك المجتمع. والمعارك النظرية والعملية المتعلِّقة بإنجلز — آراؤه وأعماله وعلاقته بماركس — أبعدُ ما تكون عن نقطة النهاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤