رعمسيس الحادي عشر

مكان هذا الفرعون بالنسبة لفراعنة هذه الأسرة أصبح مؤكدًا، منذ أن أشار «مسبرو» (A. Z. 1883. p. 75–7) إلى أن مركز هذا الفرعون وألقابه قد اغتصبها شيئًا فشيئًا الكاهن الأول «لآمون» «حريحور»، كما استنبط ذلك من نقوش «معبد خنسو» (راجع Br. A. R. IV, §§ 608 ff). والتفسير الطبعي لذلك هو أن «حريحور» كان الخلف المباشر «لرعمسيس من ماعت رع». وليس لدينا حقائق أخرى يمكن أن تدحض مثل هذا التفسير أو تجعله غير محتمل. وقد دلت كل البحوث على أن «من ماعت رع» كان قبل «نفر كارع» «رعمسيس التاسع»، ويظهر ذلك جليًّا من ورقة «ونآمون»، وهي التي أرَّخها الأستاذ «إرمان» بحق بالسنة الخامسة من حكم «من ماعت رع» «رعمسيس الحادي عشر» (A. Z. XXXVIII, 2).
وفي هذه الورقة التي سنورد ترجمتها بعد يُذَكر أمير «ببلوص» (جبيل) «ونآمون» بمصير الرسل، الذين أتوا من مصر إلى هذه المدينة في عهد «خعمواست» الذي يقصد به على وجه التأكيد الفرعون «نفر كارع رعمسيس التاسع»، ومكث هناك مدة سبع عشرة سنة. ومن الواضح أن «من ماعت رع» «رعمسيس الحادي عشر» كان بعد «خبر ماعت رع» (رعمسيس العاشر) وذلك لوجود ملاحظة مؤرخة في عهده على ظهر ورقة «شاباس ليبلين».١
ومن أجل هذا كان من المحتم أن نقبل الرأي القائل: بأن الفرعون «من ماعت رع» كان آخر هذه الأسرة. ولدينا تواريخ عدة معروفة من عهده. فنجد على توابيت كل من «رعمسيس الثاني» و«سيتي الأول» كتابات هيراطيقية مؤرخة بالسنة السادسة، وبما أن «حريحور» كان لا يزال يلعب دورًا في هذه النقوش بوصفه الكاهن الأكبر لا ملكًا بعد، فإنه يمكننا أن نقول دون تردد: إنها تنسب إلى عهد «من ماعت رع».٢

ويوجد في «تورين» أوراق بردية مؤرخة بالسنة الثانية عشرة، والسابعة عشرة من عهد هذا الفرعون.

ونفهم مما جاء في الأولى أن أمير غربي «طيبة» «بورعا»، الذي تحدثنا عنه طويلًا فيما سبق كان لا يزال حيًّا في السنة الثانية عشرة من عهد «من ماعت رع» بصحبة موظفين أقل منه سنًّا مثل كاتب الجبانة «تحتمس». أما الورقة المؤرخة بالسنة السابعة عشرة فهي خطاب جميل غير أنه غير كامل (راجع Pleyte–Rossi LXVI–LXVII) وقد كتبه الملك لقائد الجيش، والابن الملكي صاحب «كوش» المسمى «بينحسي»، وقد جاء فيه ذكر الساقي «ببس».

ولا نعلم لهذا الفرعون تواريخ أخرى إلا التاريخ الذي جاء على لوحة الكاتب المسمى «حوري» من العرابة، وهو السنة السابعة والعشرون. ويعد هذا التاريخ أقل مدة حكمها هذا الفرعون.

(١) عصر النهضة

لاحظنا فيما سبق وجود وثائق بالخط الهيراطيقي من عهد النصف الثاني من الأسرة العشرين مؤرخة بعصر النهضة (حرفيًّا = تجديد الولادات). وهذا النوع من التأريخ غريب في بابه، ويناقض المألوف عند المصريين حتى إن بعض المؤرخين ظن أن هذا التعبير يخفي في باطنه اسم ملك مصري هو «رعمسيس العاشر»، الذي يلقب «خبر ماعت رع» في نصوص أخرى. وقد كان أول من عارض هذا الرأي الأستاذ «بيت»، واقترح أن عبارة «تجديد الولادات» (وحم مسوت) تدل على عهد أو عصر خاص (راجع J. E. A. Vol. XII, p. 65 ff). وهاك الوثائق الست التي جاء فيها التأريخ بهذا التعبير (تجديد الولادات):
  • (١)
    السنتان الأولى والثانية في ورقة «ماير A».
  • (٢)

    السنة الأولى في الورقة رقم ١٠٠٥٢ بالمتحف البريطاني.

  • (٣)

    السنة الثانية في الورقة رقم ١٠٤٠٣ بالمتحف البريطاني.

  • (٤)
    السنتان الرابعة والخامسة في ورقة «تورين» (Cat. 190, 80).
  • (٥)

    السنة السادسة في ورقة «فينا» رقم ٣٠.

  • (٦)
    السنة السابعة من الوحي الخاص بالكاهن «نسآمون» «بالكرنك» وسنتحدث عنه في حينه.٣
ومما سبق نعلم أن عهد «تجديد الولادات» أو عصر النهضة قد مكث سبع سنوات على أقل تقدير. غير أن المعضلة في هذا الموضوع هي في تاريخ أي ملك من عهد الأسرة العشرين يمكن وضع هذا العهد؟ ولكن لحسن الحظ قد يساعدنا في تحديد ذلك بعض الشيء المتن الذي على ظهر ورقة «إبوت»، وهي التي أرخت كما سبق بالسنة التاسعة عشرة المقابلة للسنة الواحدة. وفي سياق الكلام نجد أن المتن يقدم لنا جدولًا بأسماء اللصوص، وهم بالضبط هؤلاء الذين كانت محاكمتهم قد شغلت جزءًا عظيمًا من ورقة «ماير A»، وورقة المتحف البريطاني رقم ١٠٠٠٥٢، وكل منهما مؤرخة بالسنة الأولى والثانية من تجديد الولادات (عصر النهضة) وعلى ذلك فإنه من الجائز لنا أن نعد السنة الأولى من ورقة «إبوت» موحدة بالسنة الأولى من تجديد الولادات (عصر النهضة) وأن السنة التاسعة عشرة موحدة بالسنة التاسعة عشرة من حكم ملك على أغلب الظن. ولما كان وجه ورقة «إبوت» مؤرخًا بالسنة السابعة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع» «نفر كارع»، فإن من المحتمل أن السنة التاسعة عشرة التي على ظهر الورقة تشير إلى نفس الفرعون، وعلى ذلك فإن «تجديد الولادات» (عصر النهضة) إما أن يكون قد أتى بعد حكم «رعمسيس التاسع» «نفر كارع»، أو يكون بوجود كلمة «المقابلة» اسمًا آخر لجزء من حكمه مبتدئًا بالسنة التاسعة عشرة وما بعدها. وهذا الفرض يظهر — لأول وهلة — مقبولًا في ظاهره، غير أننا لا نعلم مع ذلك على وجه التأكيد إذا كان كل من متني ورقة «إبوت» أي: الذي على وجهها والذي على ظهرها قد كتب في مدة قصيرة. وقد كان من الممكن أن تكون السنة التاسعة عشرة خاصة بحكم ملك خلف «رعمسيس التاسع»، ويفضل في ذلك حكم الملك «رعمسيس الحادي عشر»، الذي نعلم أنه حكم — على أقل تقدير — سبعًا وعشرين سنة عن «رعمسيس العاشر»، الذي لا نعلم له سني حكم أكثر من السنة الثالثة. وفي الواقع أنه لما كانت أسماء عمال الوثائق التي أرخت بعصر النهضة تختلف عن أسماء عمال عهد «رعمسيس التاسع»، كما أن هذه الوثائق تشير إلى عهد «رعمسيس الحادي عشر»، فإن الأستاذ «بيت» في بحثه هذا الموضوع (J. E. A. XIV p. 71-2) يميل إلى جعل (عصر النهضة) جزءًا من حكم «رعمسيس الحادي عشر».
ويرى الأستاذ «شرني» هذا الرأي بعينه،٤ وأنه هو الذي يفسر لنا ثلاث حقائق بصفة مرضية يلاحظها الإنسان عند درس الوثائق الخاصة بعصر النهضة. وهذه الحقائق هي:
  • (١)
    وجود موظف يدعى «من ماعت رع نخت» المشرف على الخزانة في وثيقتين من وثائق «عصر النهضة».٥

    ونحن نعلم أن «من ماعت رع نخت» هذا قد سمي باسم ملك، ويحتمل كثيرًا باسم «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع» لا باسم الملك «سيتي الأول» الذي حكم منذ مضي قرن ونصف. وإذا قبلنا ذلك فلا بد أن يكون عصر النهضة (وحم مسوت) قد جاء بعد حكم «رعمسيس الحادي عشر»، أو إذ لم يكن ذلك فإنه كان معاصرًا له.

  • (٢)
    وجود مبنيين باسم ملك يلقب «من ماعت رع سيتي» في وثائق عصر النهضة (وحم مسوت). وهذان المبنيان هما: مبنى الملك «من ماعت رع سيتي» (راجع ورقة «ماير A» ص١ س٣) وهو موحد بآخر في ورقة المتحف البريطاني رقم ١٠٤٣٣ (ص١ س٩) والثاني هو محراب الملك «من ماعت رع سيتي» في ورقة «تورين»،٦ ونحن نعلم أن الملك «من ماعت رع سيتي» هو — بطبيعة الحال — «سيتي الأول» أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة، غير أن كتابة اسمه بهذا الشكل شاذة تمامًا ومضادة لما هو متبع في عهد نهاية الأسرة العشرين، إذ في هذا الوقت كان الملك المتوفى يسمى بلقبه ولا يسمى باسمه قط، ولم يشذ عن ذلك إلا «أمنحتب الأول» الذي كان يعد رب الجبانة وقتئذ. ويمكن تفسير كتابة الاسم بالصورة الغريبة. «من ماعت رع سيتي» بدلًا من كتابته «من ماعت رع» فقط. وقد كان يكفي أن نكتب لقبه بهذه الطريقة الأخيرة — إذا قبلنا أنه في عصر النهضة — للتمييز بين «من ماعت رع سيتي» (أي سيتي الأول) وبين ملك آخر يدعى «من ماعت رع» (أي رعمسيس الحادي عشر) وبعبارة أخرى فإنا لذلك قد أجبرنا على وضع عصر النهضة في عهد «رعمسيس الحادي عشر» إن لم يكن بعده.
  • (٣)
    نجد من بين الأجانب الذين تشير إليهم أوراق البردي من عصر النهضة، وهم الذين كانوا قد اشتركوا في السرقات التي وقعت في جبانة طيبة، واحدًا يُدعى «باكآمن» بن «بارع آمن» جاء ذكره على ظهر ورقة «إبوت» (B, 2)، وجاء مرة أخرى في ورقة «تورين».٧ وهذه الورقة الأخيرة هي في الواقع ظهر الورقة التي نشرها «بيت-روسي» (Ibid, Pls. 160, 155)، وجهها مؤرخ بالسنة الثانية عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع»، كما برهن على ذلك «بيت» (راجع J. E. A. XIV, p. 65) وظهر الورقة مؤرخ بالسنة الرابعة عشرة لملك لم يسمَّ، وفي هذه الحالة لا بد أن يكون «رعمسيس الحادي عشر» أيضًا؛ وذلك لأن كلًّا من وجه الورقة وظهرها يحتوي على مادة واحدة خاصة بحبوب وحسابات، وذكرت فيه نفس الأشخاص. ونحن نعلم أن الجريمة التي ارتكبها «باكآمن» بن «بارع آمن» كانت فظيعة لدرجة أن الحكم عليه بالإعدام فيها كان لا مفر منه. وعلى ذلك لا يمكن أن نضع ذكره في جداول ورقة «إبوت» قبل السنة الرابعة عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر»، وكان في هذه السنة لا يزال حرًّا يورد مقدارًا من الحبوب لأهل الجبانة، ويحتمل أن ذلك كان ضريبة عليه عن الحقول التي يزرعها، وأظن أنه لا بد أن نستنبط من ذلك أن ظهر ورقة «إبوت» (وهي التي كتبت في السنة الأولى من عصر النهضة) كان قبل السنة الرابعة عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر» «من ماعت رع».

وإذا أخذنا المسائل الثلاث معًا فإنها تعضد الرأي القائل: بأن عهد «رعمسيس الحادي عشر» هو العصر الذي حدثت فيه النهضة.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن «سيتي الأول» كان يستعمل التعبير «تجديد الولادات» (وحم مسوت) في تأريخ (راجع Gauthier. L. R. III, II) وكذلك يلاحظ أن كلًّا من الفرعونين: «سيتي الأول» و«رعمسيس الحادي عشر» — وهما اللذان كانا يستعملان هذا التاريخ (عصر النهضة) — كان يحمل اللقب «من ماعت رع»، ويمكن الإنسان أن يتصور أن «رعمسيس الحادي عشر» قد نقل عن «سيتي الأول» هذا اللقب لسبب ما ربما كان لتثبيت العدالة في البلاد التي كانت حائرة في هذا الوقت، وللقيام بنهضة جديدة كالتي قام بها «أمنمحات الأول» الذي كان يلقب كذلك «من ماعت رع»، وهو الذي قام بالإصلاح الشامل الذي غمر البلاد وأعاد لها سؤددها بعد أن قضى على الأجانب في الخارج، وأخمد الثورات الداخلية في مصر نفسها، أو كالتي قام بها «سيتي الأول» لإرجاع مجد مصر لها. ولا غرابة في ذلك فإننا نجد أن «رعمسيس الثالث» كان يقلد «رعمسيس الثاني» في كل أعماله وأفعاله لإعادة مجد البلاد، وعلى ذلك فإن اقتراح الأستاذ «بيت» القائل: بأن عبارة «تجديد الولادات» (عصر النهضة) هو عهد إصلاح، قد جاء بعد عصر كان يعد رسميًّا عصر شذوذ واضطراب، ومثل هذا الشذوذ قد لا يكون إلا باستيلاء غاصب على العرش مؤقتًا، وإذا كان ذلك هو الواقع فإنه لم يترك في التاريخ أي أثر ظاهر، ولكن يمكن أن يشير من جهة أخرى إلى حادثة من طراز آخر. ولدينا من هذا الصنف حادثتان تسترعيان النظر: الأولى حرب الكاهن الأول «لآمون» «أمنحتب» — وقد تحدثنا عنها فيما سبق — والثانية هي غزو مصر — أو على الأقل منطقة «طيبة» — على يد الأجانب، وهي التي لدينا عنها براهين ظاهرة في يوميات هذه الجبانة، والحقائق التي لدينا عن مثل هذا الغزو قد تكلمنا عنها فيما سبق، وليس لدينا ما نضيفه إلى ذلك إلا فقرتين تدلان على ذلك، الأولى في الورقة رقم ١٠٣٨٣ (ص٢ سطر ٥) بالمتحف البريطاني، حيث نجد لصًّا يبرئ نفسه من سرقة خاصة بنحاس من باب بيت الفرعون بقوله: لقد تركت بيت الفرعون عندما أتى «بينحسي» وارتكب أعمال عنف مع الضابط رئيسي مع أنه لم يكن فيه أي تلف (أي البيت). والفقرة الثانية جاءت في ورقة «ماير A» (ص٤ سطر ٥) حيث نجد متهمًا يقول: لقد هربت أمام إجرام «بينحسي» عندما ارتكبه.
وقد كان «بينحسي» الذي يحمل اسمًا نوبيًّا شخصية متزعمة في هذه الحوادث، بَيْدَ أنه كان يوجد في مصر وقتئذٍ لوبيون وبخاصة من قبيلة «المشوش». ويمكن أن نضيف إلى الفقرات التي ذكرناها من قبل بمثابة براهين لذلك ما جاء في ورقة «ماير A» (ص٨ سطر ١٤) حيث نجد أن رجلًا سئل عن المصدر الذي منه تملك بعض الذهب والفضة فقال: «لقد أخذتها من المشوش.» وأقدم تاريخ مؤكد لظهور اللوبيين في مصر جاء في يوميات الجبانة في السنة الثالثة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع نفر كارع». ومن الجائز أن جزء اليوميات المؤرخ بالسنة الثامنة، وهو ما أشرنا إليه من قبل بمثابة برهان يرجع إلى عهد نفس الملك؛ وذلك لأنه ذكر فيه رئيس العمال «نخمموت» المعروف تمامًا في عهد «نفر كارع». وآخر إشارة وردت عن هؤلاء النزلاء جاءت في ورقة «شاباس-لبلين» رقم (١) وهي يوميات الجبانة للسنة الثالثة من عهد الفرعون «خبر ماعت رع». وليس من المستحيل أن إبعاد «أمنحتب» الكاهن الأكبر — وكذلك هذه الغزوات الأجنبية — يمكن أن يكون في نفس الفقرة؛ وذلك لأن في الفقرة التي من ورقة «ماير A»، والتي اقتبسناها فعلًا يقول فيها الشاهد: «إن الأجانب أتوا واستولوا على المعبد.» وأنه بعد ستة أشهر من عزل «أمنحتب» أتى «بحتي» وهو أجنبي، وقبض عليَّ وأخذني إلى «أبيت» (الأقصر) غير أنه من الصعب أن يفهم الإنسان لماذا وجه الأجانب ضربتهم للكاهن الأول «لآمون»؟ ولما كان في مقدورنا أن نتتبع إيغال الأجانب في البلاد حتى العام الثالث من عهد الفرعون «خبر ماعت رع» فلا بد من أن نعترف بأن عصر النهضة قد جاء بمثابة عهد إصلاح بعد طرد الأجانب نهائيًّا، وأن هذا العهد لا بد أن يوضع بعد حكم «خبر ماعت رع» (راجع J. E. A. Vol. XIV. p. 66. ff) وعلى أية حال فإن موضوع الغزو الأجنبي لا يزال من الموضوعات المعلقة في تاريخ هذه الفترة.
تفسير آخر لعهد النهضة: وقد طلع علينا الأستاذ «مونتيه» بتفسير غريب في بابه عن عصر النهضة حاول فيه أن ينسبه إلى قصة ذكرها «جوسفس» اختصرها من كتاب المؤرخ «مانيتون»، غير أن المؤرخ «إدورد مير» حاول أن ينسب نفس هذه القصة إلى عهد بداية الأسرة العشرين عندما طرد «ستنخت» «أرسو» وأتباعه من مصر (مصر القديمة ج٧).
وسنورد هنا رأي «مونتيه» ببعض الاختصار ليحكم القارئ بنفسه على كلا التفسيرين،٨ وليرى كيف يتلمس المؤرخ الحقيقة من قصص مشوهة بنيت على بعض وقائع تاريخية يصعب انتزاعها من الأساطير العتيقة. قال: إن تخريب مقر ملك ومحو عبادة واختفاء كل ما يذكر باسم إله ممقوت، كل هذه الأشياء تكون عادة من أعمال حرب أهلية. ويلاحظ أن المؤرخين لمصر القديمة الآن، عندما يصلون إلى عهد الأسرة العشرين والأسرة الواحدة والعشرين لا يتحدثون إلا عن تتابع الملوك ومدة حكم كل واحد منهم، حتى كأنه لم يكن قد حدث أي شيء في المدة التي بين «رعمسيس الثالث» و«شيشنق الأول». ولكن على الأقل قد حدثت حرب ضروس روعت المعاصرين لها كما روعت الخلف. ونحن مدينون «لجوسفس» مؤلف كتاب «كنترا أبيون» بقصة ذكرت فيها حوادثها المسببة.٩ وكل عناصر هذه القصة مأخوذة من تاريخ مصر الذي وضعه «مانيتون». وقد بدأ «جوسفس» (يوسف) بمقدمة طويلة (من ص٢٧٧–٢٣٦) وفيها لخص ما ذكره «مانيتون» مع توجيه انتقادات له. ولكنه مع صفحة ٢٣٧–٢٥٢ نجده يقتبس «مانيتون» حرفيًّا إلا في الفقرة ٢٥٠ فإنه استقاها من مصدر آخر، ثم بدأ ينتقده ثانية حتى صفحة ٢٦٠، ثم من صفحة ٢٦١ إلى ٢٦٧ نجده لخص الحقائق التي عرفنا بها من قبل في الاقتباس الحرفي.
وفي الصحائف العشر الأخيرة نجده يجتهد في إظهار سخافات تدل على بعد المؤرخ المصري عن الصواب. ولكن من يقرأ هذه القطعة يتفق معنا على ما أظن، على أن هذه القطعة المقتبسة حرفيًّا من «مانيتون» واضحة ومتماسكة، ويمكن عدها أنها تحتوي على آراء مصرية تدعو إلى الثقة، إذ إن انتقادات «جوسفس» على العكس غامضة، وبسببها قد ظهر أن مجموعها يدعو إلى الشك عند علماء الآثار وهم الذين — اقتفاء لمسبرو — يرون فيها مجرد أسطورة، حيث نلحظ فيها القليل من الحقائق التاريخية وكثيرًا من الخرافة. ويمكن أن نتخلص من صعوبة كبيرة في هذا الموضوع إذا لاحظنا أن هناك ثلاث شخصيات بدلًا من اثنتين، كما هو المعتقد عادة، يدعى كل منهم باسم «أمنوفيس» قد اختلطت أسماؤهم في هذا التاريخ. فالفرعون «أمنوفيس» (أي أمنحتب الثالث) يعلم من معاصره «أمنوفيس» بن «حبو» أنه في المستقبل ستوضع مصر على يد النجسين وحلفائهم في النار وفي الدم.١٠ وهذا الخبر ليس فيه ما يدهش للأثري المصري الحديث المدقق تدقيقًا عظيمًا؛ وذلك لأنه في عهد «أمنوفيس الثالث» (أمنحتب الثالث) كان يعيش رجل عظيم يدعى «أمنوفيس» (أمنحتب) بن «حابو» وكان ذا شهرة عظيمة لما أوتيه من الحكمة والعلم، وقد بلغ من العمر أرذله. وقد بنى له الفرعون الذي كان يحبه حبًّا جمًّا معبدًا خلف المعبد المخصص لعبادته. وقد كشف عنه اثنان من الأثريين الفرنسيين حديثًا (راجع مصر القديمة ج٥).

وقد كان الفراعنة مغرمين بمعرفة المستقبل، وكان الملك «سنفرو» أول ملوك الأسرة الرابعة قد أعلن على لسان حكيم هليوبوليتي وقوع غزوة آسيوية لن تقع فعلًا إلا بعد تاريخه بمدة خمسة قرون، (أي بعد الأسرة السادسة). وعلى الرغم من صمت الوثائق المصرية يمكننا القول: بأن «أمنوفيس الثالث» قد علم من سميه الحكيم بمصيبة من نفس هذا النوع، لدرجة أن فكرة هذه المصائب المقبلة اضطرت هذا الرجل المقدس أن يتخلى عن الأيام القليلة، التي بقيت له في الحياة. ولكن يبتدئ ارتباك هذه القصة عندما نعلم من الفقرة التي اقتبست حرفيًّا من «مانيتون» أن الفرعون «أمنوفيس» يجب أن يقوم بحرب على الأنجاس، وأن ابن «أمنوفيس» هذا كان يدعى «سيتي» وكذلك يدعى «رعمسيس». وقد فسر «جوسفس» على ما يظهر أن الملك الذي سمع النبوءة وسميه الذي رآها تتحقق هما شخص واحد، ولكن لا شيء لدينا يبرهن على أن «مانيتون» لم يعتقد توحيدهما.

والواقع أن الحقائق التاريخية التي اقتبسها «جوسفس» من «مانيتون» تجبرنا على أن نميزهما بعضهما عن البعض الآخر؛ فالفترة التي تفصل بداية الأسرة الثامنة عشرة عن نهاية عهد «أمنحتب الثالث» (أمنوفيس) قد قدرت بثلاث وستين ومائة سنة وخمسة أشهر، على حين أن المدة التي كانت بين طرد الهكسوس وحرب «أمنوفيس» مع الأنجاس تقدر بثماني عشرة وخمسمائة سنة. وهذا الرقم — على أية حال — عالٍ جدًّا، وقد وصل إليه «جوسفس» بإضافة المدة التي تبتدئ من أول الأسرة الثامنة عشرة حتى عهد الأخوين «سيتي» و«همايوس». أي: ٣٩٣ سنة إلى التسع والخمسين سنة التي حكمها «سيتوس» وإلى الست والستين سنة التي حكمها «رميسيس» (رعمسيس الثاني) وقد نسي أن «رميسيس» هذا قد حسبت مدة حكمه فعلًا في الثلاث والتسعين والثلاثمائة سنة السالفة الذكر. وعلى ذلك يجب أن نطرح الست والستين سنة التي حكمها من المجموع الكلي. فيكون الباقي هو ٤٥٢ سنة.

ونحن نعلم أن الأسرة الثامنة عشرة قد ابتدأت حوالي ١٥٥٥ق.م، فحرب الأنجاس يمكن وضعها إذن في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، (حوالي ١١٠٠ق.م) وهذا يتفق مع آخر عهد الأسرة العشرين.

وملوك هذه الأسرة — إذا استثنينا أولهم — سموا كلهم باسم «رعمسيس» وآخر الرعامسة قد اتخذ اسم تتويجه، أو بعبارة أخرى لقبه الرسمي «من ماعت رع»، وهو لقب «سيتي الأول» أيضًا. وهذا ينطبق تمامًا على ابن «أموفيس سيتوس» (سيتي) الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» أي: باسم جده «رميسيس» (رعمسيس) الذي لم يمكث إلا خمس سنين في بداية الحرب.

ولكن مَنْ «أمنوفيس» هذا الذي لا تذكره قوائم أسماء الملوك، والذي يعده «جوسفس» نفسه شخصًا خرافيًّا؟ والواقع أنه في عهد «رعمسيس التاسع» ظهر شخص ذو قوة عظيمة جدًّا يحمل نفس الاسم الذي يحمله ابن «حبو» ومليكه. وأعني بذلك الكاهن الأكبر «لآمون» المسمى «أمنحتب» (أمنوفيس) وهو الذي ورث هذه الوظيفة من أخيه «نسآمون»، الذي أخذها بدوره عن والدهما «رعمسيس نخت». وهذا الكاهن الدساس الماهر قد انتزع من مليكه الضعيف ألقاب شرف وسلطان تفوق حد المألوف وضعته فوق الفرعون. ويتساءل الإنسان عما إذا كان هذا الكاهن قد حاول الاستيلاء على العرش نفسه وهو ما فعله بعد فترة قصيرة خلفه في رياسة كهانة «آمون» «حريحور».

والواقع أنه ليس لدينا برهان يؤكد هذه الحقيقة، ولكن لدينا متون سنذكرها فيما بعد تظهر أن مجال حياة الكاهن الأكبر «أمنوفيس» كان مضطربًا عند نهايته. وقد جاء ذكر حرب خاصة بالكاهن الأعظم «لآمون»، وإذا كان كل من «جوسفس» و«مانيتون» — أو «جوسفس» فقط — قد أخطأ في أنه عد «أمنوفيس» بمثابة الملك الحقيقي، ووالد آخر الرعامسة، فإن هذا الخطأ يجب الاعتراف به، غير أنه خطأ يمكن التسامح فيه؛ إذ إنه لا يكاد يقلل من احتمال صحة القصة. «فرعمسيس العاشر» لم يكن له في الحكومة أهمية تذكر بالنسبة لوزيره الطموح.

وقد قدم لنا مؤلفنا «جوسف» تفاصيل دقيقة عن مشعلي هذه الحرب، فقال عنهم: إنهم مصريون قد أصيبوا بالبرص وبعاهات منوعة لم تمنعهم قط عن العمل في المناجم، ومن وجود حلفاء عند قيامهم بالثورة، ومن نشر الرعب في البلاد. وقد كانت «أواريس» (بلدة «تيفون» أي: الإله ست) مقرهم. وقد سنوا قوانين تتعارض تمامًا مع العادات المصرية، ولم يعبدوا الآلهة، وذبحوا الحيوانات المقدسة وأكلوها. وهذه المعلومات ليست واقعية بدون شك، ولكنها مع ذلك تقابل بالضبط الفكرة التي تكونها عن هذه الحروب عند أتباع «آمون» ولفظة «الأنجاس» التي فهمها كتَّاب العصر المتأخر على حسب معناها الحرفي وحسب، وهي في الواقع ترجمة كلمة «إدت»، ومعناها الحرفي «الطاعون» ويقصد بها «الهكسوس». ولكن لماذا كان القوم يكرهون «الهكسوس»؟ وسبب هذا الكره — على الأقل — أنهم أجانب يحتقرون آلهة المصريين العظام عدا الإله «ست» (اتخذوه إلها لهم عندما دخلوا البلاد غازين ووحدوه مع أحد «آلهتهم» «بعل»).

والواقع أن تأسيس الأسرة التاسعة عشرة وإقامة مقر ملك في «أواريس» كان — على الأقل — علامة على انتقام الإله «ست» وسيادة سكانها الذين كانوا — من حيث الجنس — نصف ساميين. ولا نزاع في أن «سيتي» و«رعمسيس» ومن تَسَمَّى باسميهما من الملوك ليسوا — في الجملة — إلا هكسوسًا أكثر تمصرًا من الملك «خيان»١١ و«أبوفيس»، ومن تسمى باسميهما.

ولما كانت مصر ليس لديها ما تشكوه منهم فقد عمل القوم على أن ينسوا أنهم قد استقروا — عن طيب خاطر — في حقول «تانيس» أكثر من «منف» أو «طيبة»، وأنهم قد ضربوا المثل في عبادة «ست» وزوجه «عنتا» وغيرهما من الآلهة الآخرين الذين هم من أصل آسيوي. وقد كان كره المخلصين «لآمون» موجهًا إلى هذا الإله، وإلى السكان أيضًا.

وعلى أية حال فإن لدينا بعض اللوم الذي نوجهه إليهم، فقد كان سكان هذه المدينة لا يزالون يمارسون العادة الوحشية، وهي تضحية الآدمي ووضعه في ودائع الأساس، وهذا عادة لم تكن متبعة في سائر البلاد المصرية. وعلى العكس من ذلك فقد كانوا لا يهتمون بالحيوانات المقدسة، ومن ثم نرى أن الآلهة التي كانت ترسم على المسلات والعمد واللوحات والنقوش البارزة كانت تمثل كلها تقريبًا في صورة آدمية. يضاف إلى ذلك أن اللغة التي تسود الجهات من البحر الأبيض حتى الشلال الأول كانت واحدة، ولكن اللهجة والاصطلاحات والألفاظ كانت مختلفة لدرجة أن رجل «الدلتا» إذا أتى إلى «أسوان» كان لا يفهم شيئًا تقريبًا مما يسمعه، ولا يمكنه أن يجعل نفسه مفهومًا في آنٍ واحد كما هي الحال الآن.

ويقول «مانيتون»: إن أهالي «أواريس» هم وحدهم المسئولون عن هذه الحرب، فقد كان رئيسهم كاهنًا من «هليوبوليس» يدعى «أوسارسف» (وسر-سا-ف) (معنى الاسم «أوزير» حاميه). وقد قام بوساطة جمهور من العمال بإصلاح جدران المدينة، وأمر بالاستعداد لمحاربة الملك «أمنوفيس»، وقد أرسل مبعوثًا للرعاة (الهكسوس) يطلب التحالف معهم، وقد وعدهم بأن يقودهم أولًا إلى «أواريس» وهي موطن أجدادهم، وأن يمدهم بدون حساب بكل ما يحتاجون إليه، ثم يحارب في جانبهم عندما تحين الفرصة وتخضع لهم البلاد بسهولة. وقد أسرع الرعاة والفرح يفيض منهم في السير إلى الحرب عن بكرة أبيهم، وقد بلغوا حوالي مائتي ألف رجل تقريبًا، ووصلوا إلى «أواريس». ويلاحظ أن سكان الشمال الشرقي للدلتا كان لهم علاقات في الواقع تربطهم بالكنعانيين والفينيقيين أكثر من التي كانت بينهم وبين «طيبة»، وقد أخذوا يتنافرون مع هؤلاء، وعلى ذلك كان من الطبعي أن يتفاهموا مع أعداء مصر. وهذه المحالفة كانت قد عقدت وحدها من جديد عندما أصبحت «أواريس» عرضة لحرب الطيبيين.

وبعد أن تدبر الملك «أمنوفيس» الأمر مع رؤساء مصر وضع الحيوانات المقدسة والتماثيل العظيمة الاحترام في مأمن، وأمر بترحيل الأمير الشاب «سيتوس» وهو الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» (أي رعمسيس الحادي عشر) إلى بلاد «كوش». وبعد أن جمع جيشًا قوامه ٣٠٠٠٠٠ نسمة مدربين أحسن تدريب قام لمقابلة العدو، غير أنه لم يجسر أن يبدأ القتال، فعاد بجيشه إلى «منف» حيث أخذ العجل «أبيس» والحيوانات الأخرى المقدسة التي أمر بإحضارها، وبعد ذلك قام في الحال مع كل جيشه والسكان المصريين متجهًا نحو بلاد «كوش» متقهقرًا، فيا له من تقهقر! والتفسير الذي قدمه «مانيتون» لهذا، هو أن «أمنوفيس» قد رأى بأنه غير مجدٍّ في معارضة ما قرره الآلهة، ويظهر أنه قد عمل ذلك ليحفظ عزة الطيبيين وكرامتهم. وإذا كان لدينا تقرير أو قصة عن هذه الحوادث بقلم أحد الأنجاس كما يسمون، فإننا كنا نعلم أنه من المحتمل إصابة الجيش الطيبي بهزيمة نكراء كانت ذكراها مؤلمة له، حتى إنهم لم يريدوا أن يتحدثوا عنها قط. ومهما يكن من أمر فإن ملك «كوش» قد استقبل هذه الجموع من اللاجئين، وأحسن ضيافتهم بمحصولات البلاد مدة الثلاث عشرة سنة التي حُكم فيها على «أمنوفيس» بالنفي. وقد قام جيش نوبي لحراسة الحدود المصرية لحماية «أمنوفيس» وأتباعه. وقد انتشر الأنجاس المتحالفون مع «السولوميت» (الآسيويين) في كل مصر دون أن يجدوا أية مقاومة. وقد عاملوا السكان بطريقة دنسة قاسية. حتى إن عهد الرعامسة كان يظهر بجانب ذلك العهد عصرًا ذهبيًّا في نظر أولئك الذين قاسوا من ظلمهم الأمرَّيْن، إذ إنهم لم يحرقوا القرى والمدن وحسب، ولم يكتفوا بسلب المعابد وتحطيم تماثيل الآلهة، بل ما فتئوا يستعملون المحاريب مطابخ لشتى الحيوانات المقدسة التي كانت تعبد، وأجبروا الكهنة، وخدَّام الآلهة على تضحيتها وذبحها، ثم سلخها وإلقائها على قارعة الطريق. وكذلك نعلم أن الهكسوس قد أحرقوا المدن ومحوا المعابد وذبحوا، أو ساقوا الأهلين عبيدًا، وقد جدد الأنجاس هذا العسف، ولكنهم — فوق ذلك — اعتدوا على الحيوانات المقدسة كما فعل «قمبيز» فيما بعد، عالمين أن ذلك يعد أعظم شيء يجرح كرامة المصريين.

وعندما انتهى أجل الثلاث عشرة سنة عاد «أمنوفيس» من بلاد «كوش» على رأس جيش جرار. وكان الأمير «رميسيس» الذي بلغ وقتئذٍ الثامنة عشرة من عمره يقود كذلك جيشًا. وقد هاجم الجيشان معًا الرعاة والأنجاس وهزموهم. وبعد أن قتلوا عددًا عظيمًا طاردوهم حتى حدود سوريا.

وبقي علينا بعد ذلك ذكر الوثائق الأثرية والقصة التي رواها «مانيتون»، والتفسيرات التي أدلى بها «جوسفس» أن نمتحن الوثائق المختلفة التي وصلت إلينا من هذا العصر الذي وقع فيه حرب الأنجاس. والشخص المسئول عن هذه الحرب فيما يخص بلدة «طيبة» هو الكاهن الأكبر «لآمون» (أمنحتب). وقد تركناه في السنة العاشرة من عهد «رعمسيس التاسع». وقد بلغ من الغنى والجاه منتهاهما، فكان يد الفرعون؛ لأنه كان رئيس الخزانة. وسنرى من الآن الهجمات المروعة التي كانت ستقع في «طيبة»، ففي السنة الرابعة عشرة من حكم «رعمسيس التاسع» بدأ الإعلان عن السلب الذي كان يحدث في مقابر جبانة «طيبة»، وبخاصة مقبرة الملكة «إزيس» زوجة الفرعون «رعمسيس الثالث». وقد خابت هذه المحاولة، ولكن في السنة السادسة عشرة قامت عصابة اللصوص بمحاولتها من جديد، وقد لوحظ على حين غفلة أن قبرًا ملكيًّا كان يثوي فيه الملك «سبكمساف» أحد ملوك الأسرة الرابعة عشرة، وكذلك قبر الملكة «نبخعس» قد نُهب، وقد حاول نقب قبرين آخرين ولكن خاب المسعى. ومن جهة أخرى نجد أن قبري مغنيتين لبيت العبادة، وعدد عظيم من مقابر الأفراد قد نُهب بوحشية.

فألقيت الموميات خارج التوابيت، وانتزع ما عليها وما فيها من ذهب وفضة وحلي، وقد قبض على اللصوص واعترفوا اعترافات تامة بالجريمة، وقد كان ذلك عملًا خطيرًا، غير أن الشائعات انتشرت عن سرقات أخرى أعظم أهمية قد حدثت. وقد اتهم أمير «طيبة» الشرقية صراحة أمير الجبانة بأنه يحمي اللصوص، وقد أحدث ذلك صخبًا كبيرًا. وقد ألفت لجنة للتحقيق كان فيها الوزير «خعمواست» ورئيس كهنة «آمون»، وسمعت أقوال المتهمين والشهود. وقد أجاب أحد هؤلاء بقوله: «إن كل الملوك والزوجات والأطفال الملكيين الذين يثوون في أماكنهم الكاملة لم يمسوا بعد، وأنهم محروسون، وأنهم محميون للأبدية، وأن قرارات الفرعون الحاسمة — وهو ابنهم — هي التي تحميهم، والتفتيش عليهم بدقة.» وكان هذا رأي اللجنة الذي جاء بمثابة إعلان رسمي. وعلى الرغم من حسن الظن الرسمي فقد تطورت الحال إلى فوضى علنية، إذ في السنة التالية لذلك بدأت السرقات من جديد. وقد اتهم فيها أكثر من مائة شخص كثير منهم من أتباع الكاهن الأكبر «لآمون». ولا نعلم إلا قليلًا جدًّا من السنتين الأخيرتين من حكم «رعمسيس التاسع» وعن السنين الثلاث التي حكمها «رعمسيس العاشر»، وعن بداية حكم الفرعون «رعمسيس الحادي عشر». والفرعون الأخير الذي اتخذ اسم تتويجه لقب «سيتي الأول» كان وزيراه الرئيسيان الكاهن الأكبر «لأمنوفيس»، ونائب «كوش» «بينحسي» حتى السنة السابعة عشرة على الأقل، وكان يقوم بوظائف هامة في الإدارة المصرية، فقد كان رئيس الخزانة الأعظم، والكاتب الملكي للجيش، والمشرف على مخزن الغلال المزدوج، وقائد الرماة. ويوجد في «متحف تورين» خطاب أرسله إليه الفرعون في السنة السابعة عشرة، ونغمة هذه الخطاب ودية، ولكنه في ذاته لا يقدم لنا معلومات ذات بال، فقد جاء فيه أنه كان ينبغي لبينحسي أن يلاحظ موظفًا قد تسلم تعليمات لتنفيذها من الفرعون في «طيبة»، وقد أظهر نفسه قبل ذلك بزمن يسير بأنه جاء لإعادة النظام في المقاطعة السابعة عشرة، التي سقطت عاصمتها «سنيبوليت» (القيس) في يد أعداء قد تجمعوا في الجبلين،١٢ وقد كانت فيما مضى مدينة للهكسوس. وبقيت بسبب إلهها «سبك» ذات علاقة ودية بالإله «ست».

وفي السنة التاسعة عشرة من حكم هذا الفرعون وقعت حادثة لم يعرفها متن معاصر، ولكنها على وجه التأكيد حادثة ذات شأن عظيم؛ وذلك لأن هذه السنة تعد بداية عهد جديد يسمى «تجديد ولادات» وعلى أية حال فإن السنة التاسعة عشرة من حكم «رعمسيس الحادي عشر» يمكن تسميتها في وثائق رسمية بالسنة الأولى من عهد تجديد الولادات. ولدينا وثائق أخرى مؤرخة بالسنين: الثانية، والرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة من عهد تجديد الولادات أيضًا.

وقد ظهر في هيئة العمال الإداريين العظام أسماء جديدة، فقد حل محل الوزير «خعمواست» آخر يدعى «نبماعت رع نخت». وحل «حريحور» محل كل من «بينحسي» و«أمنحتب». وبذلك جمع بين وظائف نائب «كوش» والكاهن الأكبر «لآمون» في آنٍ واحد. وقد ظهر اسم «تانيس» للمرة الأولى في المتون المصرية حيث نعلم فضلًا عن ذلك أن وزير الشمال والملحق السياسي لآسيا كان يسكن في هذه المدينة، ويدعى «نسبانيبدد» وهو «سمندس» الذي ذكره المؤرخون الإغريق.

ونحن نعلم أن كلًّا من «حريحور» و«سمندس» قد صار ملكًا في وقت واحد، وعلى التوالي؛ بعد ذلك بقي «رعمسيس الحادي عشر» يحكم اسمًا بضع سنوات، إذ لدينا لوحة عُثر عليها في «العرابة» ذُكر فيها السنة السابعة والعشرون من عهد «رعمسيس الحادي عشر» (راجع: Gauthier L. R. III 233). ونعلم أن بداية الأسرة التاسعة عشرة وهو عصر نهضة جاء عقب حكم أسرة ثانية أنهكها الفقر. وقد افتتح بتولية أسرة قد وعدت بخلف ثري، وفي الوقت نفسه تعد بداية عصر تاريخي لإصلاح فرعوني داخلي وخارجي، وفي هذه المرة نجد أن أسرة الرعامسة كان لها ممثلون عديدون دائمًا (راجع عن أولاد الرعامسة A. S. XVIII, p. 245) وعن نواب «كوش» وهيئة العمال الإداريين في «كوش» (راجع Rec. Trav. XXXIX p. 179–237) ولكن كانت قد اقتربت اللحظة التي سيُقْصَون فيها عن السلطة إلى الأبد، والآن نتساءل هل هذا التغيير في هيئة العمال قد جلب معه في مصر إعادة قوة الفرعون؟
والواقع أن تلك القوة لم تظهر خارج البلاد؛ وذلك لأن «ونآمون» مبعوث «حريحور» و«سمندس» قد عوملا عند الملك «زاكاربعل» ملك إمارة «جبيل»، وهي صديقة مصر القديمة بدون احترام كبير، وقد عومل «ونآمون» معاملة أسوأ من أهالي «صيدا» و«السخاليين» وأهالي «قبرص». وعلى أية حال فإن الإصلاح في الداخل على الأقل كان قد أعيد فعلًا. ويلاحظ أن ورقة «ماير A»، وما جاء على ظهر ورقة «إبوت» رقم ٥، وورقتي «المتحف البريطاني» رقمي ١٠٠٥٢، ١٠٤٠٣، وورقة «أمبراس» الموجودة بمتحف «فينا» وهي التي يرجع تاريخها كلها إلى عهد النهضة لها علاقة بشئون السرقات والنهب مثل ورقة «إبوت»، وورقة «أمهرست ليو بولد الثاني» التي تعد أقدم من الأوراق السابقة بنحو ربع قرن، ويمكن أن نذهب إلى أنه في عهد «رعمسيس التاسع» قد حميت بعض اللصوص، ولكن لم يكن هناك مجال للمجاملة، فقد كان المجرمون يحلفون اليمين على أن يقولوا الصدق، وإذا كذبوا أو أخفوا شيئًا ضربوا بالمقرعة عدة مرات إذا اقتضى الأمر إلى أن يعترفوا، وكان يحدث أن تثبت براءة أحدهم بعد الضرب بالعصا الذي ناله، والأمور التي كان يلام عليها هؤلاء التعساء لم تكن معينة بتواريخ في العادة، ولكنا أحيانًا نجد أنها اتهامات قديمة يرجع تاريخها إلى عدة سنين، وعلى ذلك كان هذا العهد عهد فوضى وشقاء، لم يحترم فيه الناس المقابر ولا المعابد ولا حتى أملاك الأفراد، ولم يكن في مقدور رجال الشرطة أن يمنعوا ارتكاب الجرائم، وعندما عاد النظام إلى نصابه قبض على الأشقياء بالجملة، سواء أكانوا مجرمين حقيقة أو مشتبهًا في أمرهم بأنهم اشتركوا في جرائم، ونجد في التحقيقات التي أجريت أن بعض الأسئلة والإجابة عليها تلقي ضوءًا كافيًا على حالة العصر الذي كانت تجتازه البلاد.

فقد أُحضرت المواطنة «إري نفر» زوج الأجنبي «بينحسي» بن «ساتي»، ووجه إليها اليمين بالملك أن تقول الحق وإلا عوقبت بالنفي إلى «كوش» وقيل لها: ما لديك لتقوليه في الفضة التي يملكها «بينحسي» زوجك؟ فقالت: إني لم أرها. فقال لها الوزير: بأية طريقة حصلت على الخدم الذين كانوا معه؟ فقالت: إني لم أرَ الفضة التي دفعها لهم، لقد كان في سفره عندما كان معهم، فقال لها القضاة: من أين أتت الفضة التي صاغها «بينحسي» «لسبك أم ساف»؟ فقالت: لقد دفعت ثمنًا للشعير في «سنة الضباع»، عندما كان الناس جياعًا (راجع ورقة المتحف البريطاني رقم ١٠٠٥٢ ص١١ س٤–٨) وسنة الضباع يمكن أن تكون سنة مات فيها كثير من الناس ولم يتمكن الناس فيها من دفن موتاهم، وقد أتت الضباع في خلالها حتى المدن والقرى. ولو فرضنا أن هذه استعارة تشبيهية فإن السنة التي استحقت هذا الاسم المستعار ينبغي أن تكون سنة قاسية.

والفقرة التي اقتبسناها قد استعملت في وصف «بينحسي» جاء فيها لفظ يظهر أنه لم يفسر تفسيرًا مرضيًّا بعد. وقد ترجم بلفظة أجنبي، وتدل شواهد الأحوال على أن هؤلاء الأفراد قد ذكروا كثيرًا في الوثائق المؤرخة بعصر النهضة هذا، وفي معظم الأحيان، نجد أنهم قد سئلوا على انفراد، وأحيانًا كانوا يعملون جماعة جماعة كما نشاهد ذلك في فقرة من ورقة «ماير A»، فقد حقق مع المسمى «عحا نفر» وبعد أن حلف اليمين بأن يقول الصدق شهد بالألفاظ التالية: لقد ذهب أجانب واستولوا على المعبد على حين كنت مشتغلًا ببعض حمير يملكها والدي، ولكن «باحاتي» وهو أجنبي قبض عليَّ وساقني قهرًا إلى «أبيب» (راجع ورقة «ماير A» ص٦ س٦، ٧). ويتساءل الإنسان عن هؤلاء الناس الذين يتكلمون لغة أجنبية ومع ذلك يحملون كلهم أسماء مصرية، وقد اشتركوا في نهب القبور والمعابد، أليس من الجائز أن يكونوا من أهالي «أواريس» وحلفائهم الذين انتشروا في كل الإقليم «الطيبي»١٣ بعد التقهقر المخزي الذي قام به جنود «أمنوفيس»؟ وهذا الحادث الأخير قد ترك أثرًا عميقًا، ونظن أننا نجده في إشارتين في متون التحقيق، فقد سئلت امرأة من «طيبة» تدعى «موت مويا» بأن تحلف أن تقول الصدق، وقالت: وعندما وقعت حرب الكاهن الأكبر استولى هؤلاء الرجال على أشياء لوالدي، وقد قال والدي: إني لم أترك هؤلاء الرجال يدخلون البيت … (ونهاية الشهادة فقدت) (راجع الورقة رقم ١٠٠٥٢).
والعامل الذي عرف جيدًا كيف يضع حميره في مأمن عندما رأى اللصوص يهاجمون المعبد قد ذكر في شهادته اسم الكاهن الأكبر ليؤرخ المنظر، فقد قال: إن هذا قد حدث في مدة ستة أشهر بعد التعدي الذي عمله «أمنوفيس»، الذي كان كاهنًا أكبر «لآمون»، وقد اتفق أنني عدت بعد تسعة أشهر من تعدي «أمنوفيس» الذي كان كاهنًا أكبر، وعندئذٍ كان قد كسر خزانة النفائس وأشعلت فيها النار. (راجع ورقة «ماير A» ص٦ س٩، ٨) وعلى ذلك تكون قد وقعت حادثة معروفة لكل العالم في مجال حياة الكاهن الأكبر «لآمون»، وقد استعملت مدة طويلة نقطة ارتكاز لتاريخ الحقائق الخاصة، وقد سماها أحد الشهود حرب «خروي» وسماها الآخر «قها»، والكلمة هنا تعني (يتعدى بالمعنى الأدبي والقانوني) في كتاب الموتى الفصل ١٢٥ الذي فيه يعلن المتوفى براءته من الخطايا. وتعني هذه الكلمة «ينهب» (قبرًا). وفي ورقة «إبوت» تعني «يخرق الحدود» أي: (يتعدَّى عليها) وقد فهم ناشر ورقة «ماير A» وهو الأستاذ «بيت» ومن بعده تعبير الجملة الخاصة «بأمنحتب» في معناها بالبناء للمجهول وترجموها كما يأتي: التعدي أو القمع الذي لحق «بأمنحتب»، وعلى ذلك يظن البعض أن «أمنحتب» الكاهن الأكبر قد أوقف عن أعماله تسعة أشهر على أقل تقدير، غير أن هذه الترجمة وما تبعها من تعليق عليها معرضة لنقد كبير. وقد ترجمت «عمل المتعدي الذي ارتكبه «أمنوفيس»»، ولكن هل تعدَّى الكاهن الأكبر واجبات عمله مثلًا بمحاولته فرض نفسه ملكًا، أو المقصود مجرد القول أنه تعدى إلى الجهة الأخرى من الحدود؟ وهاتان الترجمتان يمكن قبولهما والمدافعة عن صحتهما بالنسبة لما لدينا من وثائق تجيز الواحدة كما تجيز الأخرى. فقد حاول فعلًا أن يكون ملكًا، كما حاول وأفلح في تعدي الحدود بعد نفيه هو والملك.

خلاصة: لقد حاولنا فيما سبق تحليل قصة حرب الأنجاس أو الفكرة التي نقلها «يوسفس» على حسب ما جاء في «مانيتون»، وقد بحثنا عن إشارات إلى هذه الحوادث في المتون المعاصرة وأثرها في مدينة «أواريس» القديمة التي اتخذها «رعمسيس» عاصمة له، وسنحاول هنا الآن باستعمال هذه المصادر الثلاثة تأليف قصة متصلة لهذه الحرب التي لم يشر إليها أي تاريخ مصري قديم، على الرغم من أن أهميتها يمكن أن تقرن مثلًا بالحروب الدينية التي خضبت أرض فرنسا بالدماء في القرن السادس عشر.

لقد أتى «رعمسيس الثاني» بمعجزة عندما نقل مقر حكمه من «طيبة» إلى «بررعمسيس»، وجمع في مقر حكمه آلهة الشمال وآلهة الجنوب والآلهة الآسيويين وآلهة مصر، وبخاصة العدوَّيْن القديمين «ست» و«آمون»، دون أن يكون هناك أي احتجاج. وقد كان كهنة «آمون» وكهنة «ست» يتبادلون الود والتحيات، والطيبيون الذي جذبهم مقر الملك لم ينفكوا عن التحدث عن جمال مبانيها وبهاء مياهها ونضارة حدائقها وفرح أهلها،١٤ وقد كان «لرعمسيس» الفضل في خلق هذا التناسق وتلك الميزات التي اختصت بها هذه المدينة، وبعد موته بدأت المتاعب وظهرت المصاعب، إذ لم تنقضِ بضع سنين حتى أصبح كل شيء في مصر على أسوأ حال، وذلك عندما هب «ستنخت» ليؤسس أسرة جديدة لم تكن في الحقيقة إلا امتدادًا للسابقة، وقد ظن الناس أن عهد «رعمسيس الثالث» سيعيد للبلاد أيام عهد «رعمسيس الأكبر». والواقع أن سلطان الفراعنة قد أخذ في الضعف، في حين أن كهنة «آمون» قد أخذوا يستعيدون نفوذهم، ويستردون ثروتهم التي كانوا يملكونها قبل عهد الفوضى. ولم يكن يكفي كهنة «آمون» العظام أن يصبحوا مستقلين عن الملك، وأن يجعلوا وظيفتهم وراثية، بل أرادوا أن يحكموا الدولة، ويخلطوا ماليتهم بمالية الحكومة، ويسيطروا على الكهنة الآخرين. وقد كان الكاهن الأكبر منذ زمن بعيد الرئيس الأعلى لكل الآلهة، ولكن الإله «ست» سيد «أواريس» الذي أصبح «ست رعمسيس» أو «مرنبتاح» مقلقًا «لآمون» بمجرد وجوده هناك. وما دام «ست» هناك، فإن القوم لا يمكن أن يصبحوا في أمان بالنسبة للمستقبل، وقد يكون من باب المبالغة أن نعتقد أن مطمح «آمون» الوحيد قد سبب الحرب الأهلية. حقًّا إن أتباع «ست» لم يكونوا فئة سهلة المعاملة، فحينما كانوا يسكنون إقليمًا على الحدود، كان لديهم تقريبًا. بالنسبة للذين يسكنون في الجهة الأخرى من حدودهم كثير من علاقات التقارب بينهم وبين المصريين.

فقد كانت حقول «تانيس» مغمورة بالساميين قبل خروج بني إسرائيل، حتى بعد خروجهم. ويمكن القول بأن مصر كانت قبل نهاية الأسرة العشرين تقريبًا مقسمة حزبين: أحدهما يمثل الحزب الوطني، والآخر الحزب الأجنبي.

ولم يفت أهالي «طيبة» أن ينابزوا أتباع «ست» بالألقاب التي كانوا يصفون بها الهكسوس، فقد كانوا يلقبونهم «بالطاعون» و«الأنجاس»، وقد كانوا يلومونهم على أنهم كانوا يؤدون نفس الشعائر التي يؤديها المصريون الآخرون، وأنهم يؤدون شعائر أخرى، وأنهم يحتقرون الحيوانات المقدسة، ويتكلمون لهجات لا يمكن فهمها. ولدينا كل الأسباب التي تحملنا على الاعتقاد بأن هذه التوبيخات كانت صائبة في حدود معينة، وعلى ذلك فإن الحزبين كانا يتهيآن للقتال. وكان «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون» رئيس أتباع «آمون» الطيبيين، وكان رئيس أتباع «ست» كاهن من «هليوبوليس» ويدعى «أوسارسف»؛ وذلك لأنه كانت توجد بين «هليوبوليس» و«أواريس» صداقة قديمة تشبه التي كانت تربط السيد العالمي وسيد الأرضين صاحب هليوبوليس «رع» بالإله «ست» حامي سفينة الشمس ورب الرعد.

ولم تقم حرب قط دون مال. وقد اتفقت الصدف بشكل بارز على أن مقابر الملوك القدامى والأفراد، وهي التي كانت دائمًا موضع احترام، قد بدأت تنهب من بداية السنة الثالثة عشرة من عهد «رعمسيس التاسع». ولم تتحرك العدالة لهذا الموضوع إلا بعد مضي أربع سنوات، وقد كانت الخسائر أصابتها بشكل مريع، ولكن ماذا نعلم؟ نرى أن أمير مقابر «طيبة» قد أخذ في التقليل من شأن هذا النهب، وقد كان العدد الأكبر من المجرمين من موظفي الجبانة أو من أتباع الكاهن الأكبر «لآمون». وتدل شواهد الأحوال على أن المال المقبوض عليه كان يعطى لأولئك الكهنة العظام.

ومن ثم يظهر أن «أمنحتب» كان يريد زيادة مالية خزانته بسلب متاع الموتى. ولما كانت الوثائق المؤرخة بالسنتين السادسة عشرة والسابعة عشرة لم تشر بأية إشارة لحرب أهلية. فإن المظنون أن المناوشات لم تبتدئ إلا بعد ذلك بزمن يسير. وقد أمدنا المؤرخ اليهودي «يوسفس» بتحقيق تاريخي عندما قال: إن الملك «سيتي» الذي كان يسمى كذلك «رعمسيس» كان عمره خمس سنوات. وقد وحَّدنا هذا الأمير بالملك «رعمسيس الحادي عشر». ويمكننا أن نعترف بأنه على أثر موت «رعمسيس العاشر»، الذي لم يمكث على عرش الملك أكثر من ثلاث سنوات على ما نعلم كان الأمير الوارث للعرش لا يزال في طفولته، وفي هذه الحالة وجد الكاهن الأكبر «أمنحتب» سيد البلاد أن اللحظة المناسبة قد حلت لتحقيق خطط «آمون» وأتباعه.

وقد قام جيش من الجنوبيين لمقابلة الأنجاس الذين كان يقودهم «أوسارسف»، وقد حصنوا مدينتهم وبحثوا لهم عن حلفاء، ولم يكن يخالجهم الخوف في أن يفتحوا حدود بلادهم لأعداء مصر الألداء وهم الكنعانيون والعاموريون والفينيقيون، ويمكن أن نضيف إلى هؤلاء الإسرائيليين، وقد تخطوا الحدود بعدد يبلغ مائتي ألف رجل كما يقول المؤرخون الإغريق، وهذا بطبيعة الحال رقم ضخم، ولكن ليس هناك محل للمعارضة في أن أهالي «أواريس» قد وصلهم مدد أجنبي. وقد كانت الواقعة الأولى في غير صالح الجنوبيين الذين لم يقاوموا ولم يعتقدوا في أنفسهم أنهم من القوة، بحيث يمكنهم مقاومة الشماليين. وقد هجر «أمنحتب» مصر السفلى والعليا وذهب ليجد ثانية الفرعون الشاب عند نائب «كوش» الذي كان وقتئذ «بانحسي» وقد وضع العجل «أبيس» في مأمن، وكذلك الحيوانات المقدسة والتماثيل ذات الاحترام الكبير. وانتظر هناك إلى أن تواتيه الفرصة في حماية بلاد النوبة بالقرب من صخور أسوان، وقد انتشر الأنجاس على أثر ذلك في البلاد، وقد ازداد عددهم بأولئك الذين لم يكن لديهم ما يخسرونه بنشر الفوضى، فلم يحترم أحد المعابد ولا المقابر ولا أملاك الأفراد. وقد سميت سنة خاصة في تلك الفترة «سنة الضباع»، وهذه السنة من غير شك هي التي ظهر فيها الأنجاس في مقاطعة «طيبة»، وهذا الوقت الفظيع كان لا يمكن أن يستمر إلى الآن. والواقع أن الجيش الذي يتحول إلى النهب لا بد أن يكون عرضة لأن يهزمه أولئك الذين هزمهم في أول الأمر. وقد أعاد الكاهن الأكبر والملك تنظيم قواتهما، وقد وجدا في «بانحسي» و«حريحور» رئيسين قادرين، وعلى ذلك فقد الأنجاس «جبلين» ومصر الوسطى، وطُردوا من كل مكان وتحصنوا بجدران «أواريس» كما فعل ذلك من قبل الهكسوس، وكما أخذت «أواريس» من قبل على يد الطيبيين. وقد ذُبح أتباع «ست» في هذا النضال أو طردوا إلى سوريا، وقد هدمت تمامًا المعابد والقصور كلها.

وهذا النصر قد عد بداية عهد جديد يسمى «عهد النهضة» تذكارًا لانتصار كل من «أمنمحات الأول» و«سيتي الأول» من قبل، وقد كان عصر كل منهما يسمى بهذا الاسم، ولكن مع ذلك نجد أن عصر النهضة الثالث هذا يختلف عن العصرين الأولين في أن حدوثه لم يتفق تمامًا مع تغيير أسري. وقد عاش «رعمسيس الحادي عشر» الذي حارب في الجانب المحق، وساعد على تخريب ما أسسه أجداده بضع سنين، وحافظ على لقبه الملكي، ولكن في الوقت نفسه كان قد قضى على أسرته.

وقد ظل الرعامسة محافظين على عرش البلاد أكثر من قرنين قبل ذلك، وقد كان سلطان الإله «ست» في مصر عظيمًا طوال مدة حكمهم. وقد بدأ هذا العصر بتجديد ولادة، غير أنها نهاية تجديد ولادة أخرى هي التي تعوزنا في النهاية؛ فقد سقطت الأسرة العشرون، وذهب ملوكها إلى غير رجعة، وبدأت البلاد عصرًا جديدًا عاد بها إلى حالتها الأولى في أقدم عصورها عندما كانت مقسمة إلى مملكتين: مصر السفلى، ومصر العليا؛ وهذا ما سنشاهده في حياة مصر خلال الأسرة الواحدة والعشرين.

متن جديد عن عصر النهضة: وقد جاءت الكشوف الحديثة بوثيقة أخرى جديدة خاصة بعصر النهضة أو «تجديد الولادات» من عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» مثبتة للنتيجة التي وصل إليها الأستاذ «شرني»، كما ذكرنا من قبل (راجع: J. E. A. Vol XV. p. 194). وهذه الوثيقة كما سنرى تضيف سنة جديدة على امتداد هذا العصر. وعلى حسب التاريخ الذي على ظهر ورقة «إبوت» وهو السنة التاسعة عشرة المقابلة للسنة الأولى، فإن الوحي الذي سنتحدث عنه يؤرخ بالسنة الخامسة والعشرين من عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» والسنة السابعة من عهد «النهضة». وهذا النقش قد نحت على الجدار الخارجي الشمالي من قاعة العيد «لأمنحتب الثاني» بالكرنك عند النهاية الشرقية، وهذا المعبد الصغير يقع بين البوابتين التاسعة والعاشرة على الجانب الشرقي من الردهة.١٥

وسنورد هنا أوَّلًا المتن ثم نعلق عليه.

الترجمة: (١) حامل المروحة على يمين الفرعون، ونائب الملك في كوش، والكاهن الأول (٢) «لآمون رع» ملك الآلهة، والقائد والمرشد «بيعنخي» المرحوم.

(٣) الكاهن الثاني «لآمون» المسمى «نسآمون رع».

(٤) الكاهن المطهر كاتب مخزن ضياع آمون «نسآمون».

(٥) «آمون رع» رب تيجان الأرضين المقدم في الكرنك (٦) رب السماء، ملك الآلهة، ومن على رأس (٧) التاسوع العظيم (٨) والواحد الأزلي للأرضين (٩) ومن برأ كل كائن.

(١٠) السنة السابعة من (عصر) «تجديد الولادات» (عصر النهضة) شهر أبيب، اليوم الثامن والعشرون في عهد (١١) جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «من ماعت رع-ستبن رع» بن «رع رعمسيس الحادي عشر» (١٢) يوم ظهور جلالة هذا الإله السامي «آمون رع» ملك الآلهة (١٣) عند وقت الصباح في عيد «أبت-حمس» (ومنه اشنق اسم شهر أبيب في القبطية).

(١٤) وقف الإله العظيم على المنصة (التي كانت تحمل) وبعد ذلك (١٥) كلمة القائد «بيعنخي» المرحوم قائلًا: (١٦) يا سيدي الطيب قف عند شئون (١٧) ضيعتك. وعندئذ أشار برأسه بشدة.

وبعد ذلك وضع أمامه كل الموظفين الإداريين التابعين للضيعة، (١٩) فجعل مراقبي القربان المقدسة ينعزلون، (٢٠) ثم قال ثانية: (بيعنخي) يا سيدي الطيب إن مراقبي القربان المقدسة قد وضعوا جانبًا، (٢٢) فهز الإله العظيم رأسه بشدة.

وبينما كانوا أمامه (٢٣) إذ وقف عند «نسآمون» المرحوم (٢٤) ابن «عشاخت» المرحوم وهو الذي كان كاتبًا لمخزن ضيعة «آمون»، (٢٥) ثم قال ثانية (بيعنخي): «إنه (أي نسآمون) قد عين كاتب مخزن ضيعة «آمون» في وظيفة آبائه وعندئذٍ هز الإله رأسه بشدة.» (أي علامة على القبول).

وهذا المتن فضلًا عن التاريخ الجديد الذي أضافه لنا في تاريخ عصر النهضة كما سبق ذكره يقدم لنا معلومات جديدة عن تاريخ هذا العهد، فقد جاء في هذا المتن ذكر «بيعنخي» الذي لا نعلم عنه إلا الشيء القليل؛ ففي نقوش الردهة الأولى لمعبد «خنسو» ذكر أنه أول أولاد الكاهن «حريحور» الذين يحملون وظائف صغيرة (راجع L. D. III p. 1 237 a) وبعد أن وصل إلى مرتبة الكاهن الأول «لآمون رع» والوظائف الأخرى التي ذكرت في هذا المتن تولى قيادة الجيش على رأس حملة لبلاد النوبة كما ذكر لنا ذلك في بعض الأوراق البردية،١٦ فقد ذكر أن «بيعنخي» بالاسم، ومن المحتمل أنه هو الذي قد أشير إليه بلقب قائد في خطابات مختلفة من خطابات العصر المتأخر من عصر الرعامسة (راجع Ibid 627. 1, 9, & 629, 1. 9.) وقد وجدت لوحته الجنازية في العرابة المدفونة،١٧ وخلافًا لذلك فإن كل ما نعرفه عنه قد ذكر في نقوش ابنه «بينوزم» الذي خلفه كاهنًا أكبر «لآمون» إلا في حالة واحدة حيث نجد اسم ابنته ووالدها على لفافة مومية.١٨
وقد زعم بعض المؤرخين عند كتابة نهاية العصر الذي نحن بصدده، أي نهاية الأسرة العشرين وبداية الأسرة الواحدة والعشرين، أن «حريحور» قد استولى على عرش الملك بعد موت «رعمسيس الحادي عشر» وأنه بعد موت «حريحور» مباشرة أصبح «بيعنخي» الكاهن الأول «لآمون رع»١٩ ولكن في هذا النقش المؤرخ بالسنة الخامسة والعشرين من عهد «رعمسيس الحادي عشر» يظهر أمامنا «بيعنخي» يحمل ألقابه التي من الدرجة الأولى، وقد ظن البعض أن هذا النقش قد كتب بعد الوحي بعدة سنين، غير أن ذلك احتمال بعيد، والواقع أن «حريحور» كان يعد العدة من كل الوجوه ليقفز على عرش الملك بمجرد موت «رعمسيس الحادي عشر»، ومن أجل ذلك قلد ابنه الألقاب التي كانت تؤهله للقبض على زمام الأمور من الوجهة الدينية والحربية. ومما تجدر ملاحظته في هذا الصدد أن «بيعنخي» قد أشير إليه في صلب النقش بوصفه قائدًا وحسب. ولا نزاع في أنه هو الذي خاطب الإله بوصفه قائد الجيش لا «نسآمون» الكاهن الثاني الذي كان حاضرًا. وذلك مما يقوي الرأي القائل: بأن صعود «حريحور» في مدارج القوة هو وأسرته، وتملكه عرش البلاد يرجع إلى نفوذه وسلطانه الحربي لا إلى قوته الدينية وحسب.

وعلى أية حال فإنا لا نجد في نقوش معبد «خنسو» الخاصة بأولاد «حريحور»، حيث نجده في المناظر المتصلة بهذا النقش، يظهر بوصفه ملكًا، أن «بيعنخي» كان يحمل ألقابًا عالية أو غيرها. ولكن من المحتمل أن هذه النقوش كانت تختلف في تاريخ نقشها.

أما الوحي الذي هو موضوع هذا النقش، فإنه مهما كانت الكلمات التي فُقدت من أوله (السطر السابع عشر) فإن الموضوع الوحيد الهام فيه كان تعيين كاتب مخزن ضيعة «آمون» المسمى «نسآمون» خلفًا لوالده. وكانت الطريقة المتبعة في ذلك على ما يظهر هي أن يقبل الإله الفصل في الموضوع، وبعد ذلك كان يستعرض الموظفين الإداريين للمعبد أمامه في مجاميع، كل على حسب وظيفته، ومن بين هذه المجاميع انتخبت مجموعة المراقبين، ومن بينها اختير «نسآمون».

وفي هذا المتن نجد أن الطريقة في الاختيار هي أن يُسأل الإله أن يقف عند الشخص، الذي يريد أن يعينه في الوظيفة عند سرد أسماء المراقبين أمامه، وذلك يعني أن الإله عندما يكون محمولًا في القارب المقدس، فإنه يقف عند الشخص الذي يختاره في أثناء تلاوة الكلمات التي ينطق بها السائل للإله. ولدينا في مصدر آخر (Pap. B. M. 10335) عن لص كشف عنه بتلاوة أسماء سكان أهل قرية بوساطة المجني عليه، فقد هز الإله رأسه عندما ذكر اسم هذا الجاني (راجع J. E. A. Vol. XI p. 25 & P1. XXXN).

وتأكيدًا لمعرفة الجاني وأنه هو الشخص الذي يقصده الإله كانت تكرر العملية.

وقد ذكرنا من قبل أن تعيين كبار الموظفين في الوظائف العالية، سواء أكانوا ملوكًا أم كهنة عظام كان بوساطة الوحي (راجع مصر القديمة ج٤، وج٦). حيث نجد كيف تولى «تحتمس الثالث» عرش الملك بالوحي، وكيف اختير «نسب وننف» كاهنًا أعظم في عهد «رعمسيس الثاني» بالوحي أيضًا. ويلاحظ هنا أن تعيين «أوسركون» بوساطة الوحي كاهنًا أكبر «لآمون»، ليس بالأمر المؤكد كما ذكر ذلك «بلاكمان» (J. E. A. XXVII p. 92, Note 5) حيث يقول: إن «نب وننف» في عهد «رعمسيس الثاني» و«أوسركون» في عهد «تاكيلوت»٢٠ قد عين كل منهما كاهنًا أكبر «لآمون» بوساطة الوحي.
ومن بين الأسئلة التي توجه للوحي مما كتب على «الإستراكا» واحد خاص بالتعيين في وظيفة،٢١ فقد سئل الإله: هل يعين سيتي كاهنًا؟ والظاهر أن جوابًا بالإثبات كان ينفذ به التعيين. وهذا يماثل الجملة الأخيرة في المتن الذي نحن بصدده الموجهة إلى الإله. ومن المحتمل أن التعيين في الوظائف الكبيرة والصغيرة كان يعمل غالبًا بوساطة الوحي، وفي الواقع قد تكون هذه الطريقة هي العادية في عهد الدولة الحديثة وما بعدها.

ولا نعلم السبب الذي من أجله نقش «نسآمون» هذا النقش، هل كان في أمر تعيينه شك، أم كان ذلك لمجرد الفخر والظهور كما هي عادة الموظفين المصريين الذين ينالون حظوة عند رؤسائهم؟ وما أشبه البارحة باليوم. وعلى أية حال فإنا مدينون للكاتب «نسآمون» بتلك الحقيقة التاريخية القيمة التي قدَّمها لنا عن عصر النهضة وعن قوة «حريحور» في تلك الفترة، هذا بالإضافة إلى المعلومات الجديدة التي حدثنا عنها بالنسبة إلى الوحي وكيفية إيحائه.

(٢) علاقة مصر بالبلاد المجاورة في تلك الفترة

ذكر فيما سبق أن علاقة مصر على ما يظهر لم تكن على ما يرام مع بلاد «لوبيا»، وأن بعض «المشوش» كانوا يهاجمون البلاد في غارات صغيرة من وقت لآخر، وكذلك ذكرنا أنه في عهد الملك «رعمسيس الحادي عشر» قد غزا البلاد نوبي، ولكن نجد من جهة أخرى أنه كانت لمصر فرقة في بلاد «كوش»، وأن كل مجرم كان يقترف ذنبًا جسيمًا كان ينفى فيها.

وكذلك نجد أن أهالي «سوريا» كانوا يفرون من بلادهم إلى مصر؛ فقد ذكر لنا أحد الشهود في محاكمة، وهو «كربعل»، أنه يريد أن يعترف بالحقيقة؛ لأنه لا يريد بعد أن فر من بلاده أن ينفى إلى بلد أشد بؤسًا منها، وهي بلاد «كوش» التي كانت منفى للمجرمين.

وتدل النقوش التي وجدت في بلاد النوبة على أن بلاد «كوش» كانت وقتئذٍ خاضعة لسلطان الفرعون، وأن نائبه هناك كان لا يزال صاحب قوة. وكان «بينحسي» هو نائب الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» في السودان. وجاء من بعده «حريحور»، كما فصلنا القول في ذلك من قبل (راجع مصر القديمة ج٥).

ولدينا خطاب من الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» إلى حاكم بلاد «كوش»، وهو على الرغم من أن محتوياته ليست من الأهمية بمكان إلا أنه ذو قيمة تاريخية بسبب التطور في مدى سلطة نائب بلاد «كوش». وقد عرفنا أنه في عهد الأسرة التاسعة عشرة قد أصبحت بلاد الذهب في يد الإله «آمون»، وأنه كان يدير شئونها حاكم بلاد «كوش»، وكانت الخطوة التي تلت ذلك أن أصبحت إدارة أرض الذهب هذه، وكذلك وظيفة حاكم بلاد «كوش» في يد الكاهن الأكبر «لآمون». وهذا هو ما فعله «حريحور» كما سنرى بعد، غير أن الخطاب التالي يظهر لنا أن «حريحور» لم يكن قد نفذ ذلك بعد مع «رعمسيس الحادي عشر» في السنة السابعة عشرة من سني حكمه، إذ في ذلك الوقت كان الفرعون لا يزال يمارس تنفيذ سلطته على حاكم بلاد «كوش» لدرجة أنه كان يرسله ليحث الساقي المتباطئ على الإسراع، ويحفزه على تنفيذ ما أمره به الفرعون من جمع مواد البناء وإتمام محراب. وهاك نص هذا الخطاب:
  • ألقاب الفرعون: «حور» الثور القوي محبوب «رع»، المنسوب الإلهتين، عظيم القوة، صادُّ مئات الألوف «حور» الذهبي، عظيم القوة، ومن يجعل الأرضين تعيشان، الملك له الحياة والفلاح والصحة، المنشرح الصدر، العادل، سار الأرضين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، رب الأرضين «منماعت رع ستبن بتاح» — له الحياة والفلاح والصحة — ابن «رع» رب التيجان «رعمسيس الحادي عشر» «خعمواست مري آمون نتر حقن أيون» له الحياة والفلاح والصحة.
  • المقدمة: أمر ملكي لابن الملك صاحب «كوش» وكاتب الملك للجيش، والمشرف على الغلال «بينحسي» قائد رماة الفرعون له الحياة والفلاح والصحة يقول: إن أمر الملك قد أحضر إليك وهو: اذهب … خلف مدير البيت ساقي الفرعون له الحياة والفلاح والصحة، واجعله يقوم بتنفيذ مأمورية الفرعون له الحياة والفلاح والصحة سيده، وهي التي قد أرسل لتنفيذها في الإقليم الجنوبي، وعندما يصلك مكتوب الفرعون سيدك (أي هذا الخطاب) اجتمع به لتجعله يقوم بعمل مأمورية الفرعون (له الحياة والفلاح والصحة) سيده، وهي التي قد أرسل من أجلها.
  • المحراب: ويجب أن تعتني بهذا المحراب الخفيف الخاص بهذه الآلهة العظيمة، ويجب أن تكمله، وعليك أن تحمله إلى السفينة، ويجب أن تجعله يؤتى به أمامه إلى مكان سكني العظيم (قنتير). ويجب أن تحضر له حجر «خنمت» (حجر ثمين) وحجر «إلن خو» وحجر «إس مارا» وأزهارًا من نبات «خاثا» وأزهارًا زرقاء كثيرة إلى مكان سكني لأجل أن أملأ بها يد الصناع، ولا تهمل هذه المأمورية التي أرسلها لك. تأمل؛ إن أكتب إليك للتأكد، ولأخبرك بصحة الفرعون.

«السنة السابعة عشرة، الشهر الرابع من الفصل الأول، اليوم الخامس عشر من الشهر.»

ومن ثم نعلم أن الفرعون كان لا يزال على اتصال وثيق برجال الإدارة في بلاد النوبة، وأنه كان يطلب إليهم المواد اللازمة لعمل المحاريب وغيرها لتوضع في مقر ملكه الذي كان وقتئذٍ في «قنتير» غير أننا لم نعرف لأي إلهة كان هذا المحراب، فهل كان للإلهة «موت» زوج الإله «آمون»، أو لإحدى الإلهات العظيمات الآسيويات اللاتي تمصرن (Br. A. R. IV §, 595 ff).

(٣) تقرير «ونآمون» أو قصة «ونآمون»

وقد جادت الصدفة علينا بوثيقة تعد من أهم الوثائق، التي تظهر لنا العلاقة بين مصر وبلاد سوريا بصورة قصصية فريدة في بابها.

وهذه الوثيقة مكتوبة على بردية عثر عليها الفلاحون في عام ١٨٩١ في بلدة «الحيبة» المقابلة للفشن بالوجه القبلي، وهي الآن محفوظة في متحف «موسكو». وكان أوَّل من ترجمها الأستاذ «جولينشيف» (راجع Br. A. R. V 557 Note (a)) ثم ترجمها وعلق عليها الأستاذ «إرمان». وكذلك كتب عنها الأستاذ «إرك بيت» أيضًا، وأخيرًا ترجمها المؤلف وعلق عليها في كتاب الأدب المصري القديم ج١ ص١٦١ … إلخ.

وهذه الوثيقة تعد أكبر مصدر تعرف منه مكانة مصر عند نهاية الأسرة العشرين، وقد وضعت في العام الخامس من عهد «رعمسيس الحادي عشر»، عندما كان لا يحمل من الملك إلا اسمه، وكان المتولي أمور الدولة كلها هو الكاهن الأكبر «لآمون» «حريحور»، وإن لم يكن يحمل لقب الملك، وكان وقتئذٍ يسيطر على «طيبة» في حين كان «نيسو بنبدد» (سمندس) الذي أصبح فيما بعد أول ملوك الأسرة الحادية والعشرين يسكن في «تانيس» ويحكم الدلتا. وفي هذه الأحوال أرسل «حريحور» أحد موظفيه الذي يدعى «ونآمون»؛ ليحصل على خشب الأرز من غابات بلاد لبنان لبناء سفن مقدسة للإله «آمون». وعلى حسب وحي أوحى به إلي الإله «آمون» استؤمن هذا الرسول على تمثال لإله يدعى «آمون الطريق»؛ ليحمله معه بمثابة مبعوث لأمير «بيلوص» (جبيل) ولما كان المبعوث قد صادفته صعاب خارقة للمألوف في تنفيذ مأموريته قدم تقريرًا مفصلًا بعد عودته إلى وطنه مفسرًا فيه سلسلة الحوادث التي كانت تعرقل نجاح مساعيه، وعلى الرغم من ضياع جزء كبير من التقرير من سوط العمود الأول، وضياع جزء آخر من العمود الآخر مما جعل القصة لم تصلنا بأكملها، فإنها مع ذلك تعد من أهم الوثائق التي عثر عليها في مصر حتى الآن، وبخاصة في عصر غامض كالذي نبحث فيه.

ملخص القصة: ففي اليوم السادس عشر من الشهر الحادي عشر من السنة الخامسة في عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» غادر «ونآمون» «طيبة» إلى «تانيس»، وقدَّم أوراق اعتماده للملك «نسو بنبدد» فيها فأحسن استقباله، وبعد أن غادر «طيبة» بخمسة عشر يومًا، أي: في اليوم الأول من الشهر الثاني، أقلع من «تانيس» في البحر الأبيض في سفينة تجارية يقودها بحار سوري، ولما وصل إلى بلاد «دور» وجد أن الذهب والفضة التي أحضرها معه قد سرقت، وكانت «دور» وقتئذ مملكة صغيرة يحكمها قوم من «الثكل»، الذين كانوا قد أخذوا مع الفلسطينيين يستوطنون سوريا في عهد «رعمسيس الثالث» منذ حوالي ثمانين سنة خلت من ذلك العهد. وقد كانوا آخذين في الزحف دائمًا نحو الجنوب بعد الهزيمة التي لاقوها على يد «رعمسيس الثالث» في السنة الثامنة من حكمه، وقد استوطنوا على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بمثابة رعايا لفرعون مصر، وبعد موت «رعمسيس الثالث» لا بد أنهم كانوا قد نالوا استقلالهم بسرعة. ولم يعامل رئيس الثكل «ونآمون» معاملة مرضية من أجل فقده ما كان يحمله معه من نفائس، وبعد أن مكث عنده «ونآمون» تسعة أيام أقلع شمالًا إلى بلدة «صور» (وهنا يلاحظ أن الجزء الذي يصف فيه ما حدث له في رحلته من «دور» إلى «صور» قد فقد من الأصل) وفي طريقه من «صور» إلى «جبيل» قابل بعض أهالي «ثكل» ومعهم حقيبة (؟) فيها فضة ووزنها ثلاثون دبنًا (الدبن ٩١ جرامًا) ولما كان قد فقد واحدًا وثلاثين دبنًا من الفضة فإنه أخذ الحقيبة رهينة عنده. وقد وصل إلى «جبيل» بعد مضي أربعة أشهر واثني عشر يومًا من رحيله من «طيبة»، ولما كان قد سافر في سفينة تجارية عادية وليس في سفينة خاصة من سفن الملك «نسو بنبدد»، ولما لم يكن معه كذلك هدايا ثمينة، وهي المظاهر العادية التي كان يظهر بها المبعوثون المصريون السابقون له إلى هذه الأصقاع، فقد رفض «زاكاربعل» أمير «جبيل» أن يستقبله وأمره بالرحيل. وبعد مضي تسعة عشر يومًا استولت على أحد شباب الأشراف الذين كانوا في خدمة الأمير غيبوبة تنبُّئِية، وقد طلب هذا الشاب في خلال غيبوبته إلى أولي الأمر أن يعامل «ونآمون» وإله «آمون الطريق» معاملة كريمة.
وفي الوقت الذي اعتزم فيه «ونآمون» العودة إلى «مصر» طُلب إلى قصر «زاكاربعل»؛ ولكن لما لم يكن معه وقتئذٍ نقود، هذا إلى تركه أوراق اعتماده جهلًا منه مع «نسوبنبدد» في «تانيس» ولم يكن معه إلا تمثال «آمون» الذي سبق ذكره وقد كان المفروض فيه أنه يمنح الحياة والصحة، ولكن على ما يظهر لم يكن له مقام يذكر عند السوريين، لكل هذا لم يعامل بالاحترام اللائق به، إذ نرى أنه احتقر ما «لحريحور» والإله «آمون» من حقوق في هذه البلاد، وفي الوقت نفسه برهن «زاكاربعل» — من الوثائق التي عنده — على أن آباءه كانوا يأخذون ثمنًا للأخشاب التي كانت ترسل إلى مصر، وعلى ذلك أرسل «نسو بنبدد» يطلب إلى الأخير إرسال نقود، وقد أظهر الأمير حسن استعداده لإرسال خشب ثقيل في الحال إلى مصر لهيكل٢٢ السفينة. وقد عاد الرسول من عند «نسو بنبدد» مدة ثمانية وأربعين يومًا ومعه جزء من ثمن الخشب المطلوب، وعلى ذلك أرسل «زاكاربعل» ثلاثمائة رجل وثلاثمائة ثور لقطع بقية الأخشاب وإحضارها.

وبعد مضي حوالي ثمانية شهور من مغادرة «ونآمون» مصر كان الخشب قد جهز، وقد أعطاه «زاكاربعل» «ونآمون» وقال له بشيء من المداعبة العابثة أنه قد عومل معاملة أحسن من التي عومل بها آخر مبعوثين من مصر الذين حجزوا في «جبيل» سبع عشرة سنة وماتوا هناك، وإثباتًا لذلك كلف الأمير أحد أتباعه ليقود «ونآمون» حتى قبره ويريه له. غير أن «ونآمون» أبى ذلك وسلم مودعًا، ووعد أن يعمل على دفع ما تبقى من ثمن الخشب، ولكن حدث أنه لما كان على أهبة الإقلاع ظهرت في عرض البحر عدة سفن لأهل «ثكل» غرضها القبض على «ونآمون»، وكان سبب ذلك بلا شك أخذه الفضة. وعندئذٍ جلس «ونآمون» التعس الحظ على الشاطئ وأخذ ينتحب، وعندما سمع «زاكاربعل» بما حاق به أرسل إليه رسله يطمئنونه ومعهم طعام ومغنية مصرية لتسري عنه، وفي الصباح قابل الأمير «الثكل» وأرسل «ونآمون» إلى البحر، وبطريقة ما تجنب «الثكل» غير أن ريحًا مضادة حملته على «قبرص» (ألاسا) وكان على وشك أن يقتله القبرصيون فإذا به يجد إنسانًا يتكلم المصرية ونجح في اكتساب حظوة ملكة قبرص، وبذلك نجا من القتل.

وإلى هنا ينتهي الجزء الذي وصل إلينا من هذا المتن الهام، ولا نعرف — بكل أسف — كيف وصل «ونآمون» إلى أرض الكنانة. ويلاحظ العالم بتاريخ مصر كيف أن مصر قد سقطت هيبتها في بلاد «لبنان» ذلك الإقليم الذي كان يدين للفراعنة منذ أقدم العصور بالطاعة والخضوع. وهكذا نرى عند نهاية الأسرة العشرين كيف أن مصر — على الرغم من أنها كانت محترمة بوصفها مصدر الحضارة — لم يكن في مقدورها أن تحصل على الحماية العادية والاحترام لمبعوثها في سوريا، ولا غرابة في هذا فإن شواهد الأحوال تدل على أن هذه الحالة كانت موجودة قبل عهد هذا الفرعون بكثير، ولكنها ظهرت بصورة بارزة في عهده. ومما تجدر ملاحظته في هذا التقرير كذلك أن فيه أقدم مثال عن الغيبوبة التنبُّئِية كما أشرنا إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى أن أمراء «جبيل» كان لديهم سجل تجاري في بردية قيدت فيه معاملته مع مصر، كما نوه بذلك أميرها مع «ونآمون» في حديث له.

هذا وقد كان من بين الهدايا التي أحضرت لأمير «جبيل» من الدلتا خمسمائة إضمامة بردي، ولا نزاع في أن الفينيقيين لم يكتبوا الخط المسماري بالقلم والحبر على هذه البرديات؛ لأن كتابة الخط المسماري بهذه الكيفية لا يمكن تصور قبحها، وقد كان من البدهي إذن أن الفينيقي كان يكتب على البردي بالخط الهيراطيقي العادي، وهي نفس المادة التي كان يُكتب عليها في مصر، وهذا الخط هو الوحيد الذي كان يعرف وقتئذ؛ لأنه يحتوي على علامات أبجدية لكل حروف الهجاء، ومن ثم يمكن القول بأنه في حوالي عام ١١٠٠ق.م قد حلت كتابة أخرى محل الخط المسماري.

تقرير «ونآمون» من الناحية الأدبية والسياسية

وإذا نظرنا إلى هذا التقرير من ناحية الأدب العالمي، فإنه يعد قصة من الأدب الراقي الذي وصل إلينا من عهد الدولة الحديثة، وإذا قسناها بغيرها من قصص الدولة الوسطى كقصة «سنوهيت» الراقية المغزى والتعبير، أو قصة الغريق السهلة التناول القوية الأسلوب وجدت أن أهم ميزة لقصتنا هذه هو الوصف الحي، الذي تضعه أمامنا والحوار الحاد الممتع الذي تعرضه على أسماعنا، وأهم من هذا وذاك البيئة التي أظهر القاص فيها، والجو الذي نقل القارئ إليه، والنواحي النفسية التي تتناولها كإبراز أخلاق «ونآمون» أهم شخصية فيها، وبيان أن الأسرة العشرين التي انحطت قوتها أعجز من أن تجلب لمصر ما اعتادت الأسر القوية أن تفعله، فلم يكن في مقدور حاكمها أن يصدر أمرًا في مصر لينفذ في لبنان. ولقد سرد الكاتب قصته أو تقريره بطريقة جميلة حتى لترسخ في ذهنك صورة أمير «جبيل» في حجرته العليا وظهره مستند إلى شرفتها وأمواج البحر السوري تتلاطم من خلفه، وحتى تشارك «ونآمون» أساه لهروب أحد أتباعه بما كان عنده من ذهب أو فضة، وحتى ترثي لخذلانه عندما طولب بإبراز ما يتسلح به من توصية أو عدة، وحتى تبكي معه سوء طالعه عندما رأى الطيور تنزح للمرة الثانية إلى مصر، وهو على حاله من الخيبة والفشل في سوريا مقيم.

وقد وضع الكاتب أمام أعيننا صورة مدهشة لتدهور الدولة المصرية وسقوطها مشربة باعتقاد رقيق مؤثر في قوة «آمون» وقدرته على انتشالها من وهدتها، وإعادتها لما كانت عليه في غابر الأزمان.

وهذه القصة جديرة بأن توضع جنبًا لجنب مع بعض أحسن القصص التي وردت في التوراة مثل قصة «يونس» ورسالته، أو قصة «راعوت» في وسط القمح مع فارق واحد وهو أن قصتنا قد سبقت كلًّا منهما بنحو خمسة قرون، كما أنها تقدم لنا صورة حية عن السياحة وعن التجارة في شرقي البحر الأبيض المتوسط، وتساعدنا على تصوُّر ذلك العالم على حقيقته، كما كان ذلك العالم الذي لا تزال صورته نتمتع بها في قصة «الأوديسا» بأسلوبها البسيط الخالي من المحسنات اللفظية العميقة القديمة. هذا إلى أن القاص يستميلنا أكثر من هذا بنكاته الدقيقة، التي تجري على لسانه من غير تكلف أو اصطناع (وسنورد فيما يأتي متن القصة حرفيًّا).

متن القصة: في اليوم السادس عشر من الشهر الثالث من فصل الصيف سنة خمس٢٣ سافر في هذا اليوم «ونآمون» أكبر رجال قاعة إدارة «آمون» بالكرنك ليحضر الخشب للسفينة الكبرى المعظمة الخاصة «بآمون رع» ملك الآلهة، وهي التي على النهر وتسمى «وسرحات آمون». ففي اليوم الذي وصلت فيه إلى «تانيس» مقر «سمندس» و«تنتآمون» أعطيتها خطابات «آمون رع» ملك الآلهة، وقد قُرئت في حضرتيهما وقالا: نعم سنفعل كما قال سيدنا «آمون رع» ملك الآلهة، وقد مكثت إلى الشهر الرابع من الصيف في «تانيس»، ثم أرسلني «سمندس» و«تنتآمون» مع قائد المركب «منجبت»٢٤ وفي اليوم الأول من الشهر الرابع من فصل الصيف نزلت في بحر سوريا العظيم. وقد وصلت إلى «دور» وهي مدينة «للزاكار»،٢٥ وقد أمر «بدر» أميرها بإحضار (؟) رغيف لي وإناء من النبيذ وساق ثور.٢٦ وقد ولى الأدبار أحد رجال سفينتي سارقًا أواني من الذهب … يبلغ مقدارها خمس دبنات٢٧ وأواني فضة أربعًا، يبلغ مقدارها عشرين دبنًا، وفضة في كيس يبلغ مقدارها ١١ دبنًا. فمجموع ما سرق خمسة دبنات من الذهب، وواحد وثلاثون دبنًا من الفضة، وكان في الكيس قطع من الفضة كانت تستعمل للتعامل زيادة على الأواني، وهذا مبلغ عظيم كان لا بد أن يستعمل معظمه لشراء الخشب.
وفي الصباح نفسه (؟) استيقظت وذهبت إلى حيث كان الأمير، وقلت له: لقد سُرقت في ثغرك، ولمَّا كنتَ أمير هذه الأرض وشرطيها، فابحث عن نقودي، وفي الحق إن المال ملك «آمون رع» ملك الآلهة ورب الممالك، وهو ملك «سمندس» وملك «حريحور» سيدي، وملك عظماء مصر الآخرين،٢٨ ومن ملكك أنت، ومن مال «ورت» ملك «مكمر» و«زاكاربعل» أمير «جبيل»،٢٩ فقال لي: أأنت مؤذٍ أم مسالم؟٣٠ انظر! أنا لا أفهم شيئًا في هذا الموضوع الذي حدثتني عنه؛ لأنه لو كان اللص الذي دخل السفينة وسرق المال من بلادي حينئذ كنت أدفعه لك ثانية من خزانتي إلى أن يُعرف اللص المذكور، ولكن الذي سرقك هو منك وتابع لسفينتك، فانتظر هنا بضعة أيام حتى أبحث عنه، وقضيت تسعة أيام مقيمًا في ثغره ثم ذهبت إليه وقلت: «انظر! إنك لم تجد نقودي (فسأقلع أنا) مع القائد ومن سيسافرون.»

وفي الكسر الكبير الذي في البردية في هذا المكان يمكن أن نقدر أن عبارة كالآتية قد قيلت. قامت مناقشة حادة بين «ونآمون» وأمير «دور»، إذ قال له: الزم الصمت. وقد أساء إليه إنسان النصيحة بأن يعمل مثل غيره على أن يسترد ماله ثانية بنفسه، أي يذهبون ليبحثوا عن سارقهم، ومن ثَمَّ أتى إلى «صور» (؟).

وأتيت في الفجر من «صور» واستمر في سياحته إلى «زاكاربعل» أمير «جبيل»، ولسوء الطالع قابل بعض أهالي «زاكار» في خلال سياحته، وظن أنه محق في أن يعوض على نفسه السرقة التي كان هو فريستها في مدينتهم من متاعهم، فسلب منهم كيسًا (؟) وجدت فيه ثلاثين دبنًا من الفضة فأخذتها، فاشتكوا ولكنه أجاب (حقًّا إنها) نقودكم غير أنها ستبقى معي إلى أن توجد نقودي. وعلى ذلك أوجد لنفسه أعداء من أهالي «زاكار»، ثم ذهبوا ووصل هو إلى ثغر «جبيل»، وهناك بحث لنفسه عن مكان أمين، وقد خبأت فيه «آمون الطريق» ووضعت فيه متاعه.٣١ ولكن أمير «جبيل» لم يظهر ارتياحه لزيارة رجل لم يكن على وئام مع «الزاكاريين»، فأرسل إلي أمير «جبيل» وقال: «اخرج من ثغري» (لم يبقَ من جواب «ونآمون» على هذا الطلب إلا الكلمات الأخيرة): «إذا كان هنا ناس على سفر فدعهم يأخذوني إلى مصر.» (والظاهر أن «ونآمون» نفسه كان مستعدًّا تمامًا ليتخلى عن هذه الرحلة الفاشلة، غير أنه لم يكن لديه أية فرصة ليسافر آمنًا إلى وطنه إذا لم يضمن له أمير «جبيل» مكانًا أمينًا على ظهر مركب مسافر إلى مصر. ثم يستمر المتن) وأمضيت تسعة عشر يومًا في ثغره، ولكنه استمر يبعث إليَّ كل يوم قائلًا: اخرج من ثغري، وبينما كان يقدم القرابين لآلهته أصاب الإله أحد شبانه النبلاء،٣٢ فصار مخبولًا، وقال: «أحضر الإله هنا (؟) أحضر الرسول الذي معه، إنه «آمون» الذي أرسل، إنه هو الذي جعله٣٣ يأتي.»

وهكذا استمر الشاب المخبول في خبله طول الليل. على حين أني وجدت سفينة مقلعة إلى مصر، وكنت أنقل كل ما عندي على ظهرها، وكنت أرقب الظلام حتى إذا أسدل ستاره أنزل الإله حتى لا تراه عين أخرى. وأتى إليَّ رئيس الثغر قائلًا: «امكث إلى الصباح تحت تصرف الأمير.» فقلت له: ألست الذي لا يفتأ يأتيني كل يوم قائلًا: اخرج من ثغري ولم تقل قط ابقَ؟ والآن سيدع الأمير المركب التي وجدتُها تسافر ثم أتى إليَّ ثانية قائلًا: فلتذهب؟

فذهب وأخبر الأمير بذلك، ولكن الأمير أرسل إلى قائد المركب قائلًا: «امكث إلى الصباح تحت تصرف الأمير.»

ولما جاء الصباح أرسل إليَّ وأحضرني أمامه والإله بقي في … الذي كان فيه على ساحل البحر، فوجدته قاعدًا في حجرته العليا وظهره متكئ على النافذة، وأمواج بحر «سوريا» العظيم تتلاطم من خلفه، فقلت له: «رحمة (؟) آمون!» فقال لي: ما المدة التي قضيتها منذ أتيت من مقر «آمون» إلى الآن؟ فقلت له: خمسة شهور كاملة إلى الآن … فقال لي: «أحقًّا تتكلم الصدق؟ وأين إذن مكتوب رئيس كهنة «آمون» الذي يجب أن يكون معك؟» فقلت له: أعطيته «سمندس» و«تنتآمون». فغضب جدًّا، وقال لي: «انظر. ليس لديك كتابة ولا خطاب، فأين على أقل تقدير سفينة خشب الأرز التي أعطاها إياك «سمندس»؟ وأين نواتيها السوريون؟ حقًّا إنه لم يسلمك لربان هذه السفينة لتذبح وتلقى في البحر فمن أين إذن أتوا (؟) بالإله؛ وأنت أخبرني من أين أتوا بك؟» وهكذا تكلم إليَّ وقد قلت له: «ولكنها سفينة مصرية ونواتيها مصريون يسيحون «لسمندس» وليس لديه ملاحون سوريون.»٣٤ فقال لي: «ولكن يوجد في ثغري عشرون سفينة مشتركة مع «سمندس» وفي «صيدا» التي مررت بها سائحًا أيضًا خمسون مركبًا مشتركة مع «بركات إيل»،٣٥ وهي تسافر إلى بيته.»

وقد كنت صامتًا في تلك اللحظة الرهيبة، فأجاب قائلًا: «لأي داع أتيت إلى هنا؟» فقلت له: «أتيت لأجل الخشب اللازم للسفينة العظيمة الشأن ملك «آمون» ملك الآلهة؛ وقد كان والدك وجدك معتادين أن يفعلا ذلك، وستفعل أنت كما فعلا أيضًا.»

وهكذا تكلمت معه. فقال لي: حقيقة قد فعلا ذلك؛ وإذا أعطيتني شيئًا مقابل تنفيذ هذه الرغبة فعلتها. وفي الحق إن قومي قد أنجزوا هذا الأمر، ولكن الفرعون قد أرسل ستة مراكب هنا محملة بسلع مصر، وقد أفرغوها في مخازنهم، فعليك إذن أن تحضر لي أنت بعض الشيء أيضًا، ثم ذهب وأحضر سجلات والده اليومية وأمر بقراءتها بصوت عالٍ في حضرتي، وقد وجد أن ما دخل سجله يبلغ ألف دبن من كل أنواع الفضة.٣٦
وقال لي: إذا كان حاكم مصر سيد أملاكي، وكنت أنا خادمه كذلك لم يكن لزامًا عليه أن يرسل فضة ولا ذهبًا حينما يقول: نفذ أمر «آمون» على أنها لم تكن هدية ملك٣٧ التي أعطوها والدي؛ وأنا لذلك لست خادمك ولا خادم من أرسلك.٣٨ وإذا بعثت إلى «لبنان» فإن السماء تفتح، وتكون الأشجار ملقاة هنا على شاطئ البحر.٣٩ أعطني القلاع التي أحضرتها معك لتقلع بسفنك التي تعود بالخشب إلى مصر. أعطني كذلك الحبال التي أحضرتها معك لتربط بها بإحكام٤٠ (؟) اﻟ … شجر الذي سأقطعه حتى أصنعها … لك … لأنك من غير هذا كله لا يمكنك أن تسافر بالخشب، وإذا صنعتها لك قلاعًا لسفنك فإن أطرافها ستكون ثقيلة أكثر من اللازم وتنكسر إلى قطع، وتهلك أنت في وسط البحر. وتأمل! إن «آمون» يرعد في السماء، ويجعل «سوتخ»٤١ يثور (؟) في وقته؛ لأن «آمون»٤٢ قد أمدَّ كل البلاد، وقد أمدهم كما أمد أرض مصر التي أتيت منها فقد أمدها أولًا؛ لأن الشغل لدقيق قد أتى منها إلى مقري؛ وكذلك التعليم أتى منها ليصل إلى مقري.
فما هذه السياحات الصبيانية التي جعلوك تقوم بها؟! فقلت له: صه، إنها ليست سياحات صبيانية مطلقًا التي أقوم بها، فليست هناك سفينة على الماء إلا وهي ملك «لآمون»؛ فإنه هو البحر ولبنان ملكه، وهي التي تقول عنها «إنها ملكي» لأنها مزرعة للسفينة «وسرحات آمون» رب كل سفينة. وفي الحق هكذا تكلم «آمون رع» ملك الآلهة قائلًا «لحريحور»: «سيدي،٤٣ أرسلني واجعلني أسافر مع هذا الإله العظيم، ولكن تأمل! لقد جعلت هذا الإله العظيم يمضي ٢٩ يومًا، وبعد ذلك نزل إلى ثغرك وأنت تعلم تمامًا أنه كان هنا! وهو لا يزال على ما كان عليه أبديًّا، وأنت تقف الآن وتريد أن تساوم عن «لبنان» مع ربها «آمون».»
أما من جهة قولك: إن الملوك السالفين أرسلوا فضة وذهبًا، فإذا كانوا قد قدموا الحياة والصحة فإنهم كانوا في غنى عن إرسال هذه الأشياء، وقد فضلوا أن يرسلوا إلى آبائك هذه الأشياء بدلًا من الحياة والصحة.٤٤

والآن من جهة «آمون رع» ملك الآلهة فإنه هو رب الحياة والصحة، وقد كان رب آبائك الذين قضوا مدة حياتهم يقدمون القربان «لآمون»، وأنت كذلك خادم «لآمون». والآن إذا قلت: نعم سأفعلها، ونفذت أمره فإنك ستعيش وتفلح، وتكون في صحة جيدة، وستكون محسنًا إلى كل الأرض وإلى قومك. ولكن لا تأخذ شرها لنفسك أي شيء خاص «بآمون رع» ملك الآلهة، حقًّا إن السبع يحب متاعه! دع كاتبك يحضر إليَّ حتى أرسله إلى «سمندس» و«تنتآمون» قائدي الأرض، وهما اللذان قد منحهما «آمون» الجزء الشمالي من أرضه، وسيرسلان كل ما يحتاج إليه وسأكتب أنا إليهما قائلًا: أرسلها (أي: الأشياء) حتى أعود للجنوب، وأرسل لك كل ما أنا مدين به لك. وهكذا تحدثت له. وقد سلم خطابي إلى يد رسوله، ثم حمل خشب قعر المركب والمقدمة والمؤخرة، وكذلك أربع قطع أخرى، أي إن المجموع كان سبع قطع، وأمر بإرسالها إلى مصر، وقد ذهب رسوله إلى مصر، وعاد إليَّ في «سوريا» في أول شهر من الشتاء، وأرسل إلى «سمندس» و«تنتآمون»:

عدد
ذهب ٤ أباريق وإناء «كاكمنت»
فضة ٥ أباريق
ملابس من الكتان الملكي ١٠ قطع
كتان جيد من الوجه القبلي ١٠ خرد
بردي جميل ٥٠٠
جلود ثيران ٥٠٠
حقيبة عدس ٢٠
سلة سمك ٣٠
وكذلك أحضروا لي٤٥ ملابس من كتان الوجه القبلي الجيدة ٥ قطع، وكتانًا جديدًا من الوجه القبلي ٥ خرد:
عدد
عدس ١ حقيبة
سمك ٥ سلات

ففرح الأمير، وأعد ثلاثمائة رجل، وثلاثمائة ثور على رأسها ملاحظون لقطع الأخشاب، وقد قطعوها وبقيت ملقاة طول الشتاء. وفي الشهر الثالث من الصيف جُرَّت إلى شاطئ البحر.

وأتى الأمير ووقف عليها (أي الأشجار المقطوعة) وأرسل إليَّ قائلًا: تعال. ولما أُحضرت بالقرب منه سقط ظل مروحته عليَّ، ولكن «بنآمون»٤٦ ساقيه وضع نفسه بيني وبينه قائلًا: إن ظل فرعون ربك قد سقط عليك، وقد غضب (الأمير) قائلًا: «دعه وهذه.» وأُحضرت بالقرب منه، وأجاب قائلًا لي: تأمل إن الأمر الذي قد أداه آبائي في الزمن الماضي قد أديته أيضًا، وإن كنت أنت من ناحيتك لم تفعل لي ما فعله آباؤك لي. انظر. إن آخر قطعة من خشبك قد وصلت الآن، وها هي ذي قد كُوِّمت، والآن افعل كما أريد؛ وتعال لشحنها لأنها في الحقيقة أعطيت إياك، ولكن لا تأتِ لتشاهد أهوال البحر،٤٧ فإذا كنت ستشاهد هول البحر فشاهد هولي أيضًا، وفي الحق لم أفعل معك ما فعلوه مع رسل «خعمواست»،٤٨ حينما قضوا سبع عشرة سنة في هذه الأرض، وقد ماتوا حيث كانوا.
ثم قال لساقيه: «خذه وأره قبورهم حيث يرقدون.» وقلت له: «لا ترني إياها.» أما عن «خعمواست» فإنه أرسل لك رجالًا رسلًا، وكان هو نفسه رجلًا، وأنا ليس معي أحد من رسله، ومع ذلك تقول: اذهب وانظر إلى زملائك.٤٩ ألا يحسن بك أن تفرح وتأمر بعمل لوح تذكاري لك وتنقش عليه «آمون رع» الإله أرسل إلى (رسولًا) «آمون الطريق» ومع «ونآمون» رسوله من البشر من أجل الخشب اللازم لسفينة «آمون رع» ملك الآلهة العظيمة الفاخرة، وإن قطعتها وشحنتها وأرسلتها في سفني المجهزة بملاحي، وقد أرسلتهم إلى مصر ليلتمسوا لي حياة عشرة آلاف سنة من «آمون» أكثر مما هو مقدر لي، وسيحقق ذلك. وحينئذٍ عندما يأتي رسول من أرض مصر في الزمن المقبل، عالم بالكتابة ويقرأ اسمك على اللوحة التذكارية، فإنه سيقرب إليك ماء في الغرب مثل الآلهة٥٠ الذين هنا. فقال: إنها لشاهدة عظمى على ما قد قصصته عليَّ. فقلت له: أما من جهة الأشياء العدة التي قلتها لي فإني لو وصلت إلى مقر كهنة «آمون» ونظر إلى ما أوصيت٥١ به فحينئذٍ سيجيبك إلى هذه التوصية بعض الشيء،٥٢
وذهبت إلى ساحل البحر حيث كان الخشب محزومًا، ولمحت إحدى عشرة سفينة تقترب في البحر وهي من متاع «زاكار» وقد أتت بالأمر. خذوه سجينًا ولا تسمحوا له بسفينة أن تذهب إلى أرض مصر، وعند ذلك قعدت وبكيت. ثم أتى كاتب خطابات الأمير إليَّ وقال لي: ماذا يؤلمك؟ فقلت له: لا ريب أنك ترى الطيور التي تذهب إلى مصر للمرة الثانية.٥٣ انظر إليها إنها تذهب إلى البرك الباردة ولكن إلى أي وقت سأترك هنا؛ ولا شك أنك ترى هؤلاء الذين أتوا ثانية ليأخذوني سجينًا. فذهب وأخبر الأمير بذلك، فأخذ الأمير يبكي بسبب الأخبار المحزنة جدًّا التي قيلت له، وأرسل إليَّ كاتب خطاباته، وأحضر إليَّ قدحين من النبيذ وكبشًا، وزيادة على ذلك أحضر لي «تتنوت» وهي مغنية مصرية كانت معه قائلًا لها: غني له، ولا تجعلي قلبه تسكنه الهموم، وأرسل إليَّ قائلًا: كل واشرب، ولا تجعل قلبك مسكنًا للهموم، وستسمع كل ما أقوله غدًا، وعند الصباح أمر … ينادي، ووقف في وسطهم وقال لرجال «زاكار» ما معنى مجيئكم هذا؟ فقالوا له: قد أتينا وبحثنا وراء السفن التي يجب أن تحطم، والتي ترسلها إلى مصر مع … زملائنا، فقال لهم: أنا لا يمكنني أن آخذ رسول «آمون»، سجينًا في أرضي. دعوني أرسله بعيدًا، وعندئذٍ اقتفوا أثره لتأخذوه سجينًا (يظهر أن هذا كان نص القانون الدولي وقتئذ).
فوضعني على ظهر السفينة، وأرسلني بعيدًا عنه … إلى ثغر البحر، فساقتني الريح إلى أرض «أرسا»٥٤ وخرج أهل المدينة ليقتلوني، وقد ساقوني بينهم إلى مكان سكن «حتب» ملكة المدينة، وقد وجدتها حينما كانت آتية من أحد بيوتها داخلة إلى بيت آخر لها،٥٥ وقد حييتها وقلت للناس الذين وقفوا بجانبها: يوجد من غير شك واحد من بينكم يفهم المصرية، فقال أحدهم: أنا أفهمها، فقلت له: قل لسيدتي: لقد سمعت أنه يقال من أول «طيبة» حتى مكان «آمون»: إن الظلم يفعل في كل مدينة، ولكن الحق يفعل في أرض «أرسا». والآن كذلك يفعل الظلم كل يوم هنا. فقالت لي: ولكن ما الذي تعنيه بما تقول؟ فقلت لها: إذا كان البحر قد هاج، وساقتني الريح إلى الأرض التي تسكنينها فإنك لن تسمحي لهم أن يقبضوا عليَّ ليذبحوني مع العلم بأني رسول «آمون» فتدبري الأمر جيدًا. إني فرد سيجري البحث عنه باستمرار.٥٦ أما من جهة ملاحي أمير «جبيل» الذين يبحثون عنهم ليقتلوهم فإن سيدهم لو عثر على عشرة من ملاحيك كذلك سيقتلهم، وعلى ذلك أمرت بإحضار الناس فأُحضروا أمامها وقالت لي: ارقد ونم. (وهنا كسرت ورقة البردي، ولا نعلم كيف هرب «ونآمون» من هذه الأخطار الجديدة، وهل أفلح في إحضار الخشب إلى مصر، وهل دفع ثمنه؟ وهل «آمون الطريق» الذي لم يستفد منه شيئًا قط في السياحة رجع سالمًا ثانية إلى الكرنك أو لم يرجع؟)

(٤) الآثار التي من عصر «رعمسيس الحادي عشر»

تحدثنا فيما سبق عن الأوراق البردية، التي تنسب إلى عهد هذا الفرعون وبخاصة الوثائق التي من عصر «النهضة» الخاصة بسرقة المقابر والمعابد، وقد وصلنا في بحثنا إلى أن الجزء الأكبر من هذه الأوراق لا ينسب إلى عهد «رعمسيس التاسع» كما كان المفهوم حتى إلى عهد قريب؛ ولذلك يجب على كل باحث في تاريخ هذا العصر مراعاة ذلك كما نوهنا بذلك في مكانه عند كل مناسبة. ولدينا ورقة أخرى من عهد هذا الفرعون سنتحدَّث عنها هنا خاصة بموضوع تَبَنٍّ غريب في بابه.

وثيقة التبني الخارق لحد المألوف: (راجع J. E. A. Vol. 26 p. 23 ff.)

وتوجد في حيازة الأستاذ «جاردنر» وثيقة كتبت على بردية عثر عليها في موقع مدينة «سبر مرو» الواقعة جنوبي «إهناسيا المدينة»، وقد كان معبودها الرئيسي الإله «ستخ»؛ وهذه البردية لها أهمية خاصة، إذ إن محتوياتها تقدم لنا صفحة جديدة في تاريخ التبني عند المصريين بصورة لم تكن قط في الحسبان. وسنورد هنا أوَّلًا ترجمة هذه الوثيقة، ثم نعلق عليها على حسب ما جاء في مقال الأستاذ «جاردنر» (Ibid)، وهي تنسب إلى عهد الفرعون «رعمسيس الحادي عشر»، وها هي ذي الترجمة الحرفية:

الترجمة

السنة الأولى، الشهر الثالث من فصل الصيف، اليوم العشرون في عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «رعمسيس خعمواست» محبوب «آمون» الإله حاكم «هليوبوليس» مُعطي الحياة لكل السرمدية. في هذا اليوم إعلان «لآمون»٥٧ عن إشراق هذا الإله السامي؛ فإنه قد أشرق وأضاء وقدم قربانًا «لآمون». وعندئذ قد دون زوجي «نبنفر» كتابة لي أنا «ننفر» موسيقارة الإله «سوتخ» وجعلني طفلته (أي تبناني) وكتب لي كل أملاكه وأنه لم يكن له ولد (٥) أو ابنة غيري. كل مكسب عملته معها سأورثه إلى «ننفر» زوجي، وإذا قام واحد من إخوتي أو أخواتي لمعارضتها عند موتي في الغد أو ما بعده قائلًا: دع نصيب أخي يؤل لي …٥٨ وذلك أمام شهود كثيرين عديدين وهم: رئيس الإصطبل «رير»، ورئيس الإصطبل «كا إنريسو» ورئيس الإصطبل «بنرايدوا-نفر»؛ وأمام رئيس الإصطبل «نبنفر» بن «عنروكايا»، وأمام الشرداني (١٠) «بكامن» وأمام الشرداني «ساتا منيو» وزوجه «عازدما». تأمل لقد عملت الوصية إلى «رننفر» زوجي هذه اليوم أمام أختي «حواريمو».

السنة الثامنة عشرة، الشهر الأول من فصل الفيضان، اليوم العاشر في عهد جلالة الملك «منماعت رع ستبن-بتاح» بن «رع» رب التيجان «رعمسيس خعمواست مري آمون» الإله وحاكم «هليوبوليس» معطي الحياة لكل السرمدية. في هذا اليوم صدر إقرار (١٥) عمله رئيس الإصطبل «نبنفر» وزوجه مغنية الإله «ستخ» التابع لبلدة «سبر مرو» المسماة «رننفر»، وهو: لقد اشترينا الأمة «دي-في-حت-إري»، وإنها قد وضعت هؤلاء الأولاد الثلاثة ذكرًا وأنثيين ومجموعهم ثلاثة، وقد أخذتهم وأطعمتهم وربيتهم، وقد وصلت معهم إلى هذا اليوم دون أن يعملوا أي أذى لي، بل عاملوني معاملة حسنة، وليس لي سواهم (٢٠) ابن أو ابنة، وقد دخل بيتي رئيس الإصطبل «باديو» وتزوج من «تأمنني» أكبرهم وهو ينتسب إليَّ بوصفه أخي الأصغر، وقد قبلته لها (زوجًا) وهو معها في هذا اليوم. والآن تأمَّل لقد جعلتها امرأة حرة لأرض الفرعون، وإذا حملت ذكرانًا أو إناثًا فإنهم سيكونون أحرارًا في أرض الفرعون بنفس الطريقة، بوصفهم مع رئيس الإصطبل «باديو» هذا أخي الصغير، وسيكون الطفلان (أي الأخ والأخت الآخران ابنا الأمة) مع أختهما الكبرى في بيت «باديو» (٢٥) رئيس الإصطبل أخي الصغير هذا، واليوم أجعله ابنًا لي (أتبناه) مثلهم بالضبط. ثم قالت: بحياة «آمون» وبحياة الفرعون، إني أجعل الناس الذين سجلتهم هنا أحرارًا في أرض الفرعون، وإذا نازعهم ابن أو ابنة أو أخ أو أخت من والدتهم أو والدهم في حقوقهم إلا «باديو» ابني هذا — لأنهم (ظهر الورقة سطر ٥) لم يصبحوا بعد خدمًا له بل هم له بمثابة إخوة وأطفال؛ لأنهم أحرار في أرض الفرعون — فلينكحه حمار ولينكح زوجه حمار أي شخص مهما كان — سيدعو أيًّا منهم بلفظ خادم. وإذا كان لي حقول في الريف أو أي متاع في الدنيا، أو إذا كان لي تجارة فإن هذه ستقسم بين أولادي الأربعة ويكون «باديو» واحدًا منهم. وهذه الأمور (ظهر الورقة سطر ١٠) التي تكلمت عنها قد وكلتها كلها إلى «باديو» أخي هذا الذي عاملني معاملة حسنة، عندما كنت أرملة، وعندما توفي زوجي أمام شهود عديدين كثيرين وهم: رئيس الإصطبل «ستخ محب»، وموسيقار «ستخ» «توحراي»، والمزارع «سوعا وي آمون»، وأمام «تاي موت نفر» وموسيقار الإله «عنتي» المسمى «تنت نبحت».

التعليق: ليس في هذه الوثيقة من الصعوبات ما يعوق القارئ عن فهمها كما يصادفنا كثيرًا في مثل هذه الوثائق المسطرة على البردي، فهي اعتراف قانوني قسم قسمين منفصلين ظاهرين: الأول مؤرخ بالسنة الأولى من حكم الفرعون «رعمسيس الحادي عشر» في يوم توليته عرش الملك، كأن الموصي أراد أن يتفاءل بهذا اليوم. والقسم الثاني مؤرخ بتاريخ جاء بعده بأكثر من سبعة عشر عامًا، وكان الغرض من هذه الوصية هو أن يورث «نبنفر» زوجه «رننفر» كل ممتلكاته، وبعد ذلك كان لها الحق هي في أن تتصرف فيها على حسب رغبتها، وعلى الرغم من أن «نبنفر» كان قد مات بدهيًّا منذ زمن طويل عندما عملت الوصية الثانية، فإن كلماتها الافتتاحية قد ضمنته مع زوجه معبرة عن قصدهما المشترك، وعلى ذلك فإن هذه الوصية يمكن أن تعد في الواقع بمثابة وصية الموصي الأصلي. وقد توقع «نبنفر» أنه يحتمل أن يحاول أحد إخوته أو أخواته أن يحرم أرملته التي لا أولاد لها من جزء من أملاكه، وكان يمكن أن تحرم كل متاعه؛ وذلك لأنه كان لها جزء على حسب عقد الزواج بمقتضى العرف المتداول. وعلى ذلك اتخذ «نبنفر» إجراءات فوق العادة، وذلك بتبني زوجته بوصفها ابنته.
والواقع أن استعمال هذه البدعة القانونية، بالإضافة إلى الاستعمال المدهش الذي سيأتي بعد، يظهر كيف أن فكرة التعصيب في الوراثة كانت تضرب بأعراقها في القانون المصري، وإجراءات التبني كانت تحتوي — كما كانت الحال في الطلاق — على اعتراف شفوي أمام شهود. وعلى أية حال فإن «نبنفر» قد اتخذ الاحتياط في أن تكون إحدى أخواته بين الشهود على وصية زوجها ووالدها في آنٍ واحد، وقد مرت السنون وأصبحت بعدها «رننفر» أرملة، وقد عزمت من جانبها على أن تعمل وصية، فتحدثنا كيف أنها مع زوجها قد اشتريا أمة، وأن هذه الأمة قد وضعت ابنتين وابنًا، غير أنه لم يذكر هنا من هو الأب، ولكن يحتمل أن القارئ المصري القديم كان يعرف أنه هو «نبنفر» دون أن يذكر اسمه.٥٩ ويمكن الاعتراض على هذا التخمين بأنه في الاعتراف الأول قد قيل: إن «نبنفر» لم يكن له ولد غير زوجه التي تبناها، غير أن ما كان يصح وقتئذ قد لا يكون صحيحًا فيما بعد. وعلى أية حال فإن «رننفر» قد أخذت الأولاد وربتهم، وجنت من ذلك طاعتهم لها وشفقتهم عليها، وعندما شعرت بعبء السنين على كاهلها، وأنه ليس لها أولاد من بطنها، عزمت على أن تتبنى هؤلاء الأولاد العبيد، ولكن اعترضتها في سبيل ذلك عقبة، هي أنهم من أصل وضيع، ولكنها تغلبت على ذلك بتحرير رقبتهم بالاعتراف أمام شهود بأنهم أحرار في أرض الفرعون وليسوا بخدم، وقد سنحت فرصة لهذه الأرملة بالعثور على حامٍ لهؤلاء الأطفال لم تكن تنتظر أحسن منه، وذلك أن أحد إخوتها وهو «باديو» قد ألف علاقة بينه وبين كبرى الأمتين، وقد رحبت «رننفر» برغبة أخيها في الزواج من هذه البنت، ولما كانت تريد أن تنزل له عن جزء من ممتلكاتها تبنته أيضًا، وكانت النتيجة التي وصل إليها، إذا أردنا أن نفسرها على حسب علاقات النسب الحديثة، غريبة خارقة لحد المألوف، إذ لم يعد «باديو» مجرد الأخر الأصغر ﻟ «رننفر» وحسب، بل أصبح كذلك ابنها وزوج ابنتها أي: حماها. وفضلًا عن ذلك فإنه لما كان «نبنفر» قد تبنى زوجته، فإن أخ زوجته الصغير هذا قد أصبح بطبيعة الحال ابنه وحفيده بالتبني، هذا فضلًا عن أنه كان زوج حفيدة له قد تبناها، ومن الجلي أن المصري لم يكن ينظر إلى هذه العلاقات بالنظرة التي ننظر إليها نحن في عصرنا هذا، بل كان ينظر إليها بلا شك من حيث النسب الفردي لشخص قد تبنى في كل حالة من الأحوال السابقة، وإن هذا العمل المتكرر في أمثلة منفصلة كثيرة كان كافيًا لأن يعطي الفرد المقصود نفس حقوق الوراثة، التي كان يمكن لوارث حقيقي أن يتمتع بها، واليمين الذي حلفته «رننفر» أخيرًا قد أدى أغراضًا منوعة. فقد أعتق الأولاد الأرقاء وحفظهم من أي فرصة لحرمانهم إلا إذا كان «باديو» نفسه يقرر ما يراه، ومن جهة أخرى فإنه اشترط بأن لا يخرج أي جزء من أجزاء ممتلكاته — مهما كان — عن القسمة العادلة بين الوارثين الأربعة، وأخيرًا أعطى هذا اليمين «باديو» سلطة مطلقة بمثابة منفذ لوصية الأرملة ووكيل عن الأطفال، ويرجع بعض السبب في ذلك إلى المعاملة الحسنة التي لاقتها «رننفر» على يديه.
والواقع أن الوثيقة تحتوي على ثلاثة تبنيات:
  • (١)

    الأولى: هي أن «نبنفر» قد تبنى — بكتابة تمت في يوم تولي «رعمسيس الحادي عشر» عرش الملك — زوجه «رننفر»، وقد كانا بدون خلف، وقد كان عمله هذا لغرض مقصود، وهو جعلها وارثته في أمتعته مع حرمان كل أقربائه. وعبارة «كل مكاسب عملتها معها» توحي بتحديد للميراث، ولكن قبل ذلك مباشرة نجد في الوثيقة أنها تقول: «إنه كتب لي كل ما يملك.»

  • (٢)

    وقد تبنت «رننفر» بطريقة لا نعرفها، الأولاد الثلاثة الذين أنجبتهم الأمة «دي-ني-حت-إري»، التي اشتراها معها «نبنفر».

  • (٣)

    ومن الجزء الثاني من الوثيقة نعلم أن «رننفر» قد تبنت أخاها «باديو» الذي تزوج من «تأمنني» برضاء «رننفر» أخته، وهي كبرى أولاد هذه الأمة معلنة أن «باديو» والأولاد الثلاثة سيقتسمون ملكها على أن يكون «باديو» وصيًّا.

وفي كل من هذه التبنيات الثلاثة نجد أن الغرض الظاهر يرمي إلى عمل وصية. وتمدُّنا البردية بإيضاح بيِّن عن ظاهرة معروفة وهي استعمال التبني لأغراض خاصة بالوصية، ويلاحظ هنا أن نقل متاع المتبني لم يُترك أمره ليستنبط من سياق الكلام، كأنه شيء معلوم من قرابة المتبني لمتبنيه، بل ذُكر بعبارات ظاهرة، ففي موضوع التبني الأول نجد أن حرمان أقارب المتبني قد ذكر بوضوح وهم الذين كانوا الوارثين له إذا لم يقم بهذا التبني، ولكن الوصية كانت في بدايتها. ويقول الأستاذ «جاردنر»: إن الوثيقة كلها واحدة وقد كتبت في جلسة واحدة، وإن كل أجزائها وضعها شخص واحد وهو «رننفر»، ومع ذلك نجد أن الجزء الأول من الورقة (١٠-١١) يؤلف قطعة منفصلة تقص علينا تبني «نبنفر» لزوجة «رننفر»، وليس في مقدورنا أن نقرر هنا ما إذا كان الجزء الأول يمكن اعتباره إعادة تشملها الكتابة التي عملتها «رننفر»، وهي التي تحتل بقية البردية، أو أنه قد أضيف معها على يد «رننفر» لغرض التسجيل بمثابة جزء من سجلات الأسرة، وليس لدينا رابطة أصلية شفوية بين جزئي الوثيقة، هذا على أنهما لم يُربطا برباط منطقي قوي. وبقدر ما يتضح لنا نجد أن تبني «نبنفر» لزوجة «رننفر» لا يقدم لنا أي فرق قانوني لتبنيها الأولاد الثلاثة. ولكن لما كانوا هم الوارثين لها، فإن ذلك يعد بمثابة تبنٍّ لهم، والغرض من التبني الأخير ظاهر. فهو وصية قبل كل شيء. وبالتبني الأول أصبحت «رننفر» بنت زوجها، وإذا فكر الإنسان في حدوث شيء مثل هذا في «روما»، فإنه كان يعد في القانون الروماني النامي أمرًا يحتم طلاق الزوجين؛ لأن ذلك كان يعد زنًا، ولكن هذا كان مجرد منطق قضائي، ولم تكن تتذوقه مصر القديمة كثيرًا. ولكن يجب ألا ننسى على أية حال أن النظام القانوني الروماني البدائي كان يجعل من الزوجة أختًا Loco Filiae لزوجها، وعلى ذلك إذا كان «نبنفر» رومانيًّا، فإنه كان في استطاعته أن يجعل من «رننفر» وارثته الوحيدة.

أما التبني الثاني والثالث، فيظهر أنه تبنٍّ غير روماني غير أنه ليس منافيًا للطبيعة. وسأعود فيما بعد لمسألة الطريقة التي أُجري بها التبني.

والتبني الثالث يظهر لنا أختًا تتبنى أخاها الأصغر، وإذا غيرنا جنس المتبني فإنه لا يوجد في القانون الروماني ما يعترض ذلك، غير أن الدافع لذلك هو عمل وصية، وذلك ظاهر جدًّا عند المصري، ولكن ذلك كان معدومًا في القانون الروماني، وعلى حسب التبني الثاني كان «باديو» خال زوجته، ولكن في القانون الروماني لم يكن في مقدور الإنسان أن يتزوج بنت أخته. ومعلوم أن الرومان كانوا يعدون علاقة التبني ما دامت موجودة حجر عثرة في سبيل مثل هذا التزاوج. وعندما صار «باديو» بالتبني الثالث أخا زوجته، فإنه على حسب القانون الروماني لا بد أن يطلق منها، وبدهي أن المصريين لم ينظروا إلى صلة التبني بصورة جديدة من هذه الناحية، بل كان كل ما يهمهم هو نتائجه في نقل الملكية؛ أليست الفكرة السائدة صحيحة في أن الزواج في مصر القديمة بين الأخ وأخته كان شيئًا عاديًّا جدًّا؟

وعندما نتعمق في تفسير هذا الموضوع تعترضنا صعوبة. ففي التبني الأول نجد أنه يؤلف موضوعًا منفصلًا، فيبتدئ بتاريخ له خاص وينتهي بشهوده الخاصين به، وباقي البردية تؤلف موضوعًا آخر يبتدئ بتاريخ وينتهي بشهود.

وهذا الجزء الثاني الذي سنسميه «المستند الحالي» يحتوي على موضوعين يعودان إلى حوادث وقعت في الماضي، وهي التي سميناها «أخبارًا» إلى أن نصل إلى عبارة: «والآن تأمل لقد أعتقتها.» (ص٢ سطر ٢٠–٢٥) وهذه الكلمات وما بعدها تدل على شيء واقعي: والآن فإن هذا الصك يشهد، والتاريخ الذي في بداية هذا المستند الحالي (ص٢ سطر ١٠–١٢) ينبغي أن يكون تاريخ المستند نفسه؛ وذلك لأن الشهود الذين في نهايته هي شهوده، غير أن ذلك يظهر لأول وهلة مستحيلًا؛ وذلك لأننا بعد التاريخ مباشرة نقرأ (ص٢ سطر ١٤) وفي هذا اليوم عمل تصريح على لسان … «نبنفر» وزوجه «رننفر» في حين أنه عند تنفيذ المستند الحالي كان قد مضى على «رننفر» مدة وهي أرملة (ص٢ س١٢ من الظهر) وقد فهم بطبيعة الحال من التاريخ المذكور وهو السنة الثامنة عشرة أن «نبنفر» وزوجه قد عملا التصريح التالي: «لقد اشترينا الأمة «دي-ني-حت-إري»، وقد ولدت هؤلاء الأطفال الثلاثة: ذكرًا وأنثيين ومجموعهم ثلاثة.» وقد فُسر اختصار التصريح بأنه كان من عمل موظف يقوم بالإحصاء أو ما يشبه ذلك، غير أن الدكتور «جاردنر» يقترح رأيًا آخر قد يكون من الحماقة التخلي عنه، ولكني٦٠ أتخلى — بمضض — عن السنة الثامنة عشرة بوصفها تاريخ التصريح المزدوج، ولكني أتعشم أنه يمكنني التمسك بأن التاريخ المشترك قد حدث في وقت ما، وهذا يساعد على فهم أهم نقطة في البردية، وهي: بأي الطرق أصبح أطفال «دي-ني-حت-إري» الثلاثة أطفال «رننفر»، وسنفرض أن هذا الإعلان أو التصريح قد حدث مهما كان تاريخه.

ومما تجدر ملاحظته أن ما جاء على لسان «رننفر» لا يحدثنا عن تبنٍّ رسمي للأطفال الثلاثة، فهي تقص أوَّلًا التصريح الذي عملته هي وزوجها «نبنفر»، وثانيًا أنها أخذتهم وأطعمتهم، وأنهم كانوا يعاملونها معاملة حسنة، وثالثًا أنه كان يرضى منها أن أكبرهم وهي «تأمنني» قد تزوَّجت من «باديو»، وعلى ضوء هذه الحقيقة وجدت أن أحسن تبنٍّ تفعله لمصلحة هؤلاء هو أن تعلن أنهم أصبحوا أحرارًا تمامًا، وأنهم يرثونها في أملاكها مع «باديو».

ويلاحظ أن التحرير من العبودية كان يسري على أولاد «تأمنني» أيضًا.

والآن يتساءل الإنسان: في أي ظرف بالضبط من هذا التاريخ أصبح الأولاد أولاد «رننفر»؟

على أنه من الصعب جدًّا القول بأن ذلك يرجع — فقط — إلى التصريح المشترك الذي قاله كل من «نبنفر»، و«رننفر»؛ لأن ذلك على ما يظن يجعلهم أولاد «نبنفر» وعلى ذلك يكونون وارثين له مع «رننفر»، ومع ذلك فإنه كان لا بد من سبب لذكر هذا التصريح، إذ إنه ضمن للأولاد أنهم ليسوا مجرد عبيد قد اشتروا. ومن الجائز كذلك أن هذا التصريح كان يحمل في طياته للمصريين فكرة أن الأمة «دي-ني-حت-إري»، التي كانت ملكًا مشتركًا للزوجين العقيمين قد منحتها الزوجة لزوجها، كما منحت «سارة» «لإبراهيم» «هاجر» خادمتها المصرية. وقد كان لابن الجارية حقوق على الرغم من أن أكبر أولاده إسحاق قد خفضها. وقد سارت «رننفر» في معاملة الأولاد بوصفهم أولاد البيت، وذلك لا يعني إلا أنها بطبيعة الحال قد تبنتهم، ولكن بالإضافة إلى أصلهم فإن ذلك قد يكون سببًا في تثبيت مركزهم، وفي الجزء العملي من المستند الحالي نجد أن «رننفر» قد عدتهم أولادها فعلًا، وقد تبنت «باديو» في هذا اليوم بالضبط مثلهم (ظهر الورقة ص١ سطر ١) غير أنه كان يوجد شيء ناقص في حالتهم وهو الإعلان المؤكد بفك رقبتهم، وكذلك بفك رقبة أولاد «تأمنني»، وإلى أن يعلن هذا فالمظنون أن حالتهم كانت بين العبودية والحرية، ولكنهم بعد ذلك لن يصبحوا مع «باديو» بمثابة خدم، بل صاروا معه بمثابة إخوة وأولاد (ظهر الورقة ص٢ سطر ١–٥).

وثيقة اتفاق خاصة بزواج من عهد الأسرة العشرين

يوجد بمتحف «تورين» بقايا وثيقة بالهيراطيقية تمتاز بطابعها القانوني، وقد سجلت برقم ٢٠٢١ في فهرس المتحف المذكور، وتحمل كذلك رقم ٢٧١، والقطعة الهامة الباقية من الورقة ارتفاعها ٢٣ سنتيمترًا، وطولها ٦٧ سنتيمترًا، ويوجد خلافًا لهذه القطعة خمس قطع أخرى لم يمكن معرفة موضعها بالضبط بالنسبة للقطعة الكبيرة.

ووجه الورقة كتب عليه سطران بالحروف الكبيرة الخشنة التي كانت ستعمل عادة في نهاية الأسرة الواحدة والعشرين. وقد جاء فيهما: «قائد الجيش، ورئيس أجناد الفرعون «بيعنخي» إلى ضابط الجنود «بسجس» التابع لجنود الفرعون قائلًا: عندما يصل خطابي.» وإلى هنا ينقطع المتن.

والشخصان اللذان ذكرا هنا معروفان تاريخيًّا، أو على الأقل نعرف واحدًا منهما هو «بيعنخي» بن «حريحور» الذي كان ملكًا على مصر، هذا إلى أننا نعرفه من عدة خطابات (راجع: Spiegelberg Correspondences du Temps des rois pretres 13–19. Erman Ein Fall Abgekurtzer Justiz in Aegypten (Abhandl. der Kgl. Akad. de. Wiss. Phel. Hist. Klasse, 1913 No. 1): Gardiner. A Political crime in Ancient Egypt in Journ. Manchester Eg. and Or. Soc. 1912-13 p. 57 ff.).
وهذان السطران لا يتألف منهما عنوان الخطاب، إذ لو كان الأمر كذلك ما وجد فيهما عبارة: «عندما يصل إليك خطابي»، وكذلك لا يمكن أن يكونا بداية خطاب، إذ لو كان الأمر كذلك لوضعتا في أول الصحيفة في الجزء الأعلى منها، وكان من المحتمل أن يتمم كتابته. وعلى ذلك فإنهما كتبا تجربة للقلم قبل استعماله. وإذا اعتمدنا على أن المتبع دائمًا في كتابة الأوراق البردية كان كتابة وجه الورقة قبل ظهرها فإنه في استطاعتنا أن نعد عصر «بيعنخي» أي: بداية الأسرة الواحدة والعشرين هو آخر عهد للوثيقة التي على ظاهر الورقة. على أنه يمكننا أن نحدد تاريخها أكثر من ذلك، إذ قد جاء ذكر عدة أشخاص في هذه الورقة معروفين لنا من أوراق يرجع تاريخها إلى عهد «رعمسيس التاسع» «نفر كارع» أو من عهد «رعمسيس العاشر» أو الحادي عشر (راجع J. E. A. Vol. XIII, p. 20–31).
وقد رتب الأستاذ «شرني» القطع الباقية من الورقة بقدر المستطاع، وهاك ترجمة الأجزاء الباقية:
  • الصفحة الثانية: (١) الإله رفض … بخصوصها … كل ما اكتسبته (٢) معها … لأجل المواطنة … أمام الوزير (٣) وأحضرت أربعة عبيد … إني مرتاح (؟) … ما فُعل (٤) … ذهب … وأعطيتها الأمة «نو» … وكذلك (٥) … وسأنزل عنها (؟) … «سد–ومأمنباعش» (؟) (٦) … عبدان كانا ملكي بمثابة نصيبي معها؛ (٧) لأنها كانت طفلة … أطفال «تاثري» الذين كانوا في (٨) بيتي … لم … أمام (٩) الوزير وموظفي البلاط … الأطفال (١٠) هذه الحالة … هذا (١١) اليوم لأن الفرعون (؟) قال … كل ما اكتسبه (١٢) معها … محتويًا على …
  • الصفحة الثالثة: (١) العبدين والأمتين المجموع أربعة مع أطفال؛ والثلثان بالإضافة لثمنها، وإني (٢) أعطيت هؤلاء العبيد التسعة الذين كانوا من نصيبي في ثلثي ومعي المواطنة «تاثري» (٣) لأولادي، وكذلك بيت والد والدتهم أيضًا، وأنهم لا يجهلون أي شيء قد أحضرته مع والدتهم، (٤) وإني كنت أرغب في إعطائهم بعض ما أحضره مع المواطنة «أنكسونزم»، ولكن الفرعون قال: دع (٥) مهر كل امرأة يعطاها (؟) وقال الوزير للكاهن ورئيس العمال «حوت نفر» والكاهن «نبنفر» ولدي (٦) كاهن «أمنخعو» الذي وقف أمامه، وهما أكبر الإخوة بين أولاده، ما تقولان في البيان الذي أدلى به الكاهن (٧) «أمنخعو» والدكما؟ هل هو صحيح فيما يخص تسعة العبيد الذين يقول عنهم أنه أعطاها إياكم بمثابة ثلثيه (نصيبه) الذي قسمه مع (٨) والدتكم، وكذلك البيت الخاص بوالد والدتكم؟ فقالوا معًا: إن والدنا على حق؛ إنهم في الحق في حيازتنا (؟) فقال الوزير: (٩) ما تقولان في هذا الاتفاق الذي يقوم والدكم بعمله للمواطنة «أنكسونزم» زوجته هذه؟ (١٠) فقالا: لقد سمعنا ما يفعله والدنا، ومن ذا الذي يعارض ما يعمله؟ إن عقاره ملكه (١١) فدعه يعطيه من يشاء. فقال الوزير: حتى ولو لم تكن زوجه بل سورية أو نوبية قد أحبها وأعطاها (١٢) متاعًا من متاعه، فمن ذا الذي ينكر ما فعله؟ دع أربعة العبيد الذين كانوا من نصيبه مع المواطنة «أنكسونزم» يُعْطَونها، (١٣) وكذلك كل ما يمكن أن يكتسبه معها، وهو الذي قال: إنه سيعطيه إياها «ثلثي»،٦١ هذا بالإضافة إلى ثمنها. ولن يعارض في ذلك (ص٤ سطر ١) «ابن أو ابنة من أولادي في هذا الاتفاق الذي عملته لها هذا اليوم.» وقال الوزير: فليعمل هذا على حسب ما قال الكاهن «أمنخعو» هذا الكاهن الذي يقف أمامي، (٢) وقد أعطى الوزير تعليمات للكاهن وكاتب الحسابات «بتاحمحب» التابع لمحكمة معبد «وسر ماعت رع مري آمون»، قائلًا: «دع هذا الاتفاق الذي عملته يدوَّن (٣) على إضمامة في معبد «وسر ماعت مري آمون».» وقد عمل مثل ذلك لمحكمة المدينة (طيبة) في حضرة شهود عديدين. قائمة بالشاهد:
    العمود الذي على اليمين: (٤) رئيس الحرس وكاتب السجن «تحوتمحب» التابع للجيش.

    (٥) رئيس الحرس «حوري» بن «تحوتنخت» التابع للجيش.

    (٦) النائب «نسخنسو» التابع للجيش.

    (٧) المشرف على الإصطبل «منسنو» التابع «لخني» …

    (٨) السايس «بكنس» التابع (للمعبد).

    (٩) الكاتب «تحتمس» التابع للجبانة.

    (١٠) الكاتب «أفنخنسو» التابع للجبانة.

    (١١) رئيس العمال «بكنموت» التابع (للجبانة).

    (١٢) الكاهن المرتل التابع للمعبد.

    (١٣) الأمير «نسأمونؤبي».

    (١٤) كاتب الحي «نسأمونؤبي».

    العمود الذي على اليسار: (١٥) رؤساء الشرطة التابعون للجبانة.

    (١٦) المراقب «أمنخعو» التابع لغربي المدينة.

    (١٧) المراقب «بيخال» التابع لغربي المدينة.

    (١٨) المراقب «بنختؤبي».

    (١٩) المراقب «أمنحتب».

    (٢٠) المراقب «أمنؤبي نخت».

    (٢١) المراقب «عنحتو مديأمون».

ويدل ما جاء في هذا المتن على أن القضية تنحصر على وجه التقريب فيما يأتي:

كان الكاهن «أمنخعو» قد تزوج مرتين، فقد بنى أوَّلًا بسيدة تدعى «تاثاري»، وبعد زمن توفيت، فتزوج من أخرى تدعى «أنكسونزم». وقد رزق من زوجه الأولى «تاثاري» أولادًا ظهر في القضية اثنان وهما أكبر أولاده سنًّا، ولم نسمع بأنه رزق من زوجه الثانية «أنكسونزم» أولادًا. وتحدِّثنا الوثيقة أنه قسم على حسب ما جاء في عقد بينه وبين زوجه «تاثاري» ثلثي عقار ما يحتوي (أو ضمنه) تسعة عبيد. وهؤلاء العبيد قد نُقلوا عند زواجه الثاني على حسب القانون المصري إلى أولاده الذين من «تاثاري»، هذا بالإضافة إلى بيت ورثته من والدها.

وقد اقترح «أمنخعو» على زوجه «أنكسونزم» رأيًا كانت تتسلم بمقتضاه أربعة عبيد، وهم يؤلفون جزءًا أو كل ثلثيه من عقارة المشترك مع زوجه الأولى مضافًا إلى الثمن الخاص بها. وهذا الثمن لا بد كان نصيبها في بعض عقار أسرتها هي. أما الثلثان اللذان أعطاهما إياها «أمنخعو»، فكانا حقه على ما نعلم من القسمة التي حصلت عند تقسيم أملاكه هو وزوجه الأولى. وقد علمنا من وثائق أخرى أن العقار المشترك الذي كان بين الرجل وزوجه للزوجة فيه الثلث وللزوج فيه الثلثان (راجع وثيقة نونخت في هذا الكتاب).

ولكن السؤال الهام هو: ما محتويات هذه الوثيقة؟

والجواب على ذلك هو أنه لا يمكن التكهن بذلك، وبخاصة إذا علمنا أن نصف الوثيقة قد مزق. فالصحيفة التي بقيت لنا من الوثيقة هي الثانية، وما جاء فيها يصف لنا على ما يظهر الاتفاق الذي عمل للزوجية، وهذا الاتفاق يبحث بنوع خاص عن توزيع عبيد.

ويستمر البيان الذي قدَّمه لنا «أمنخعو» في الصفحة الثالثة، وفيها يسأل الوزير سؤالين للولدين الكبيرين من أولاد «أمنخعو» من زوجه الأولى «تاثاري». وكان هذان الولدان قد حضرا بالنيابة عن أنفسهما وعن سائر إخوتهم وأخواتهم الصغار.

والسؤال الأول هو: هل كانوا يعترفون بصحة البيانات التي أدلى بها والدهما «أمنخعو»، وبخاصة أنهم قد تسلموا العبيد التسعة الذين كانوا يؤلفون جزءًا من عقار والدتهم «تاثاري» والدتهما. وقد صدَّق الولدان على ما جاء في بيان والدهم الخاص بذلك.

أما السؤال الثاني فكان خاصًّا برأيهم في الاتفاق الذي اقترح والدهما عمله بالنسبة لزوجه «أنكسونزم»، وكان جوابهما بأنهما ليس لديهما أي اعتراض على هذا الاتفاق، وصرحوا بأن العقار الذي يتصرف فيه والدهما هو ملكه.

وعلى ذلك نجد أن الورقة ليس فيها أي نزاع بين الرجل وأولاده من أي نوع كان، ولكنها في الواقع تشمل اتفاق زواج قام بعمله «أمنخعو» عند زواجه الثاني من «أنكسونزم». وقد عمل هذا الاتفاق أمام الوزير بحضور ممثلي أولاده من زوجه الأولى، وذلك لأجل أن يكون هذا الاتفاق قد أخذ صيغته القانونية بشهادة أولاد زوجه الأولى أن المتاع الذي تصرف فيه والدهم، لم يكن متاعًا مشتركًا بينه وبين والدتهم، بل إن كل ما يخصها قد انتقل إليهم.

وأربعة العبيد الذين أعطاهم «أمنخعو» زوجته الثانية قد كانوا في هذه الحالة من المتاع الذي أضافه الزوج إلى زوجه عند عقد الزواج، ولكنهم لم يصبحوا ضمن أملاكها التي لا تقسم إلا عند الوفاة أو الطلاق.

وإذا كان هذا التفسير الذي أوردناه مقبولًا، فيجب أن نلحظ هنا أن هذه الوثيقة ليست عقد الزواج الأصلي، ولكنها تسجيل إجراءات عملت أمام الوزير بمثابة تمهيد لعقد الزواج النهائي.

وليس لدينا من المعلومات — حتى الآن — ما يؤكد لنا أن مثل هذا الاتفاق كان ضروريًّا في كل الحالات، أو كان لازما في حالة زواج ثانٍ حيث كان لا بد من إثبات حقوق أولاد الرجل، التي ورثوها عن والدتهم المتوفاة قبل أن يشرع في عمل أي اتفاق ما.

وليس ظاهرا أمامنا في المتن إذا كان هذا الاتفاق قد عُمل أمام محكمة (قنبت) على رأسها الوزير أو عمل أمام الوزير وحده وحسب. ولا نعلم كذلك إذا كان الوزير عند معالجة أمثال هذه الحالة كان دائمًا يصحبه أعضاء محكمة أم لا. وتدل قائمة الشهود الذين كانت تذيل بأسمائهم الورقة على أنه من الجائز في هذه الحالة ألا يكون الاتفاق أمام محكمة بالمعنى الحقيقي، أي إنها كانت تتألف من موظفين؛ وذلك لأنه لم يكن هناك في مثل هذه الحالة ضرورة ملحة لحضور شهود؛ لأن أعضاء المحكمة أنفسهم كانوا يقومون بتأدية هذا العمل، ولكن الواقع أن هذا الموضوع لم يخرج عن كونه مجرَّد اتفاق أمام الوزير عمله «أمنخعو» تمهيدًا لعقد زواجه الثاني.

وهذه الإجراءات كانت على أية حال مهمة؛ لأنها كانت تُحفظ في مؤسستين. فقد كان لا بد أن يسجل ما قرَّره الوزير على إضمامة من البردي توضع في معبد «رعمسيس الثالث»، وهو المكان الذي كان يعمل فيه «أمنخعو» كاهنًا. أما الفرد الذي كان ملزمًا بعمل هذا التسجيل، فهو الكاهن وكاتب الحسابات «بتاحمحب» التابع لمحكمة المعبد (قنبت) وهذا اللقب الذي يحمله قد لا يدل على وجود محكمة بالمعنى القانوني تكون مرتبطة بالمعبد؛ لأن كلمة «قنبت» يمكن أن تستعمل هنا، كما استعملت في عقود «زقاي حعبي»٦٢ بالنسبة لهيئة عمال المعبد أو فريق منهم، وهؤلاء الموظفون الذين كان يتألف منهم مجلس المعبد (قنبت) يظهر أنهم كانوا يؤلفون كبار الموظفين الدائمين، وبذلك كانوا يميزون عن الموظفين المؤقتين (ونوت) الذين كان على الواحد منهم ألا يشتغل أكثر من شهر في وقت واحد. وعلى أية حال فإنه لما كان معبد «رعمسيس الثالث» في نهاية الأسرة العشرين يعدُّ مركز إدارة الجبانة، فإن موظفي المعبد الدائمين كانوا على ما يظهر يؤلفون محكمة قضائية إدارية؛ لمحاكمة الأشخاص الذين يعملون في كل من الجبانة وفي المعبد نفسه.
وقد كان يدوِّن على هذا النمط سجل لمحكمة المدينة (أي طيبة) وتدل شواهد الأحوال على أنه من المحتمل أن هذه المحكمة كانت تحفظ في سجلاتها صورًا من كل الوثائق الخاصة بالعقار في دائرة «طيبة». وإذا كانت الوثيقة التي في أيدينا — كما هو ظاهر — قد وجدت في مدينة «هابو» مع مجموعة أوراق «تورين» العظيمة الخاصة بالجبانة، فإنها لا بد كانت صورة نسخة قد عملت خاصة لهذا المعبد لتحفظ فيه (راجع J. E. A. Vol. XIII p.30 ff).

ورقة «تورين» الخاصة بالضرائب (١٩٧٥–٢٠٠٦)

هذه الورقة محفوظة الآن بمتحف «تورين»، وقد نشرها حديثًا الأستاذ «جاردنر» في كتابه الخاص بالمتون الإدارية عن عصر الرعامسة (راجع: Gardiner, Ramesside Administrative Documents. p. 35–44) ووضع لها ترجمة وتعليقًا في «مجلة الآثار المصرية» (راجع J. E. A. VOl. XXVIl, 22–37).

وتحتوي هذه الورقة على تقرير وضعه كاتب الجبانة المشهور في ذلك العصر المسمى «تحتمس» عن جمعه للضرائب من أماكن مختلفة في الإقليم الواقع جنوبي مدينة «طيبة»، وتوريدها للمخازن الخاصة بها في «طيبة» نفسها.

والمتن المكتوب على وجه الورقة مؤرَّخ بالسنة الثانية عشرة من عهد «رعمسيس الحادي عشر». ويلاحظ٦٣ أن معظم التواريخ في هذه الورقة قد كُتب فيها الأشهر والأيام بالمداد الأحمر، ولكن السنين — لأسباب خرافية — لم تكتب بهذه الكيفية.

وسنضع ترجمة هذه الورقة والتعليق على كل جزء منها على حسب طريقة الأستاذ «جاردنر»؛ ليسهل فهمها.

  • الصفحة الأولى: (١) السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل الفيضان، اليوم السادس عشر من عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين «من ماعت رع ستبن بتاح» له الحياة والفلاح والصحة ابن «رع» رب التيجان.

    (٢) «رعمسيس خعمواست» محبوب «آمون» الإله حاكم «هليوبوليس» معطي الحياة سرمديًّا (وإلى الأبد …)

    (٣) وثيقة إيصالات حنطة أرض «خاتو» ملك الفرعون من يد كهنة (معابد الوجه القبلي؟) وهي التي (٤) أمر حامل المروحة على يمين الملك، الكاتب الملكي، القائد، والمشرف على مخازن غلال (الفرعون، ابن الملك) صاحب كوش، المشرف على الأراضي الجنوبية، وقائد جنود (الفرعون) «بينحسي» بأن تورَّد.

    (٦) وقد قام بذلك كاتب الجبانة العظيمة السامية لملايين السنين التابعة للفرعون «تحتمس».

    (٧) وقد جلبت للجبانة من حنطة أرض «خاتو» الفرعونية، على يد كاهن الإله «سبك» المسمى «باحني».

    (٨) (ملخص) تسلمها.

تعليق: ذكرنا فيما سبق أن «بينحسي» نائب الملك في بلاد «كوش» كان من الشخصيات البارزة في عهد «رعمسيس» الحادي عشر، وبخاصة بعد أن أخضع الثورة التي كانت في مصر الوسطى كما ذكرنا ذلك في مكانه. أما السبب في أن جمع الضرائب كان موكلًا إلى كاتب الجبانة (أو القبر الملكي على رأي آخر) فهو أن الحنطة التي نتحدث عنها كانت تُجمع لتموين عمال الجبانة أي: كانت بمثابة أجور لهم. ونفهم ذلك من خطاب معاصر نشره الأستاذ «شرني» (late ramesside letters 69-70) حيث نقرأ فيه العبارة التالية: «أرسِلْ كاتبك «أفنآمون» كاتب الجبانة، والبواب «تحتمس» أو البواب «خنموسى»، ودعهم يذهبون ويحضرون الحنطة؛ لئلا يجوع الناس ويقفوا عن العمل الذي طلبه الفرعون.»

أما أرض «خاتو» التابعة للفرعون فقد تحدثنا عنها عند الكلام على ورقة «فلبور» (راجع «عهد رعمسيس الخامس») والظاهر أنها كانت حقولًا على حدة وكان دخلها للتاج، وهي من ضياع كانت تملكها بعض المعابد المحلية، وكان عبء محصولها يقع على عاتق عمدة الجهة، أو على كاهل كاهن معبد أو موظف آخر صاحب مكانة عالية في المجتمع. وقد عرفنا أن مدير أرض «خاتو» الفرعونية في ورقة «فلبور» كان نفس مدير بيت «آمون»، المسمى «وسر ماعت نخت». وقد ذكرنا كذلك أن أرض «خاتو» كانت أحيانًا يزرعها أشخاص عاديون بصفة ملاك وبمثابة مزارعين للمعبد أيضًا، ولكنها فيما بعد أصبحت ملك التاج ثانية، ويلاحظ هنا أن الكاهن «باحني» التابع للإله سبك سيأتي فيها بعد بوصفه «باحني» التابع لبلدة «إميوترو» (الرزيقات الحالية القريبة من «طيبة»).

  • الصفحة الثانية: (١) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل الفيضان، اليوم السادس عشر في بلدة «إميوترو» (الرزيقات) بوساطة الكاتب «تحتمس» والبوَّابين. (٢) من يد كاهن سبك «باحني»، والكاتب «ساحتنفر» ونائب المشرف على بيت سبك، «بونش». (٣) من حنطة أرض «خاتو» الفرعونية (ما مقداره): حقيبة. ومن أرض اللوق الشمالية من يد (٤) الشرطي (مازوي) «عنختير» غلة «ضريبة حصاد» ٨٠ حقيبة فيكون المجموع حقيبة (٥). وُرد في السنة الثانية عشرة، الشهر الثاني من فصل الفيضان، اليوم الواحد والعشرون على سطح حاصل الأمير «بورعا» «لطيبة الغربية»، من الحنطة التي (٦) أحضرها كاتب الجبانة «تحتمس» من بلدة «إميوترو» (الرزيقات). وقد خزنت في المخزن الرئيسي (المسمى) (٧) «الحاصل يفيض» (ما مقداره) حقيبة، وشعير خمس حقائب فيكون المجموع حقيبة.
    (٨) ورِّد في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث، اليوم التاسع عشر من بلدة «عجني» بوساطة كاتب الجبانة «تحتمس» والبوَّابين (٩) حنطة ، حقيبة (١٠) وقد وصلت ووردت للكاتب «نسأمنمؤبي» والمغنية «آمون حنت-تاوي» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الثالث والعشرون (١١) حنطة (مقدارها) ٣٣ حقيبة؛ و عجز من حساب السماكين، و من الحقيبة لحساب السماكين (هكذا) المجموع حقيبة (وقد حذف المجموع هنا ويجب أن يكون ٣٧ حقيبة كما يثبت ذلك المجموع الذي سيأتي بعد).
    (١٢) تُسلم في بلدة «إميوترو» (الرزيقات) بوساطة كاتب الجبانة «تحتمس» والبوابين ووُردت بوساطة (١٣) الأجنبي «بيحال» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم الثامن والعشرون؛ عشر حقائب، فيكون مجموع ما وصل منه (أي من «تحتمس») حقيبة.

    (١٤) وصلت ووردت لعمدة غربي المدينة (المسمى) «بورعا» في السنة الثانية عشرة، الشهر الثالث من فصل الفيضان، اليوم التاسع والعشرون من (١٥) حنطة الأجنبي «بيخال»، وهي عشر حقائب وقد أعطيت المزارع «بابكي».

تعليق: إن أول ما يلاحظ في متن هذه الصفحة أن الغلة قد جمعت من أماكن مختلفة بعضها قريب من «طيبة» وبعضها بعيد عنها. فبلدة «الرزيقات» قريبة من «طيبة» و«عجني» المجاورة لإسنا بعيدة عن «طيبة»، ومع ذلك نجد أن غلة «عجني» قد وصلت قبل غلة «الرزيقات»، على الرغم من أن المواصلات واحدة، ولكن قد يكون السبب في ذلك متوقفًا على قلة سفن الشحن لدى المورِّد أو الكاتب المكلف بذلك في ذلك الوقت، وكذلك يلاحظ أن الكاتب «تحتمس» كان يساعده في جمع الضرائب اثنان يحمل كل منهما لقب بوَّاب؛ والظاهر أن هذا الإجراء لم يكن غريبًا كما يتضح لنا مما سبق، وعلى أية حال فإن هذين البوابين كانا تابعين للجبانة. وعلى الرغم من أنهما لا يشغلان وظيفة تذكر، وبخاصة إذا علمنا أن أجر الواحد منهما كان أقل من أجر العامل، فإن اسميهما قد برزا إذ كان أحدهما سمي «تحتمس» باسم كاتب الجبانة، على أن نسبته بأنه تابع «للقصر» أي: «مدينة هابو» يؤكد لنا نظرية أن إدارة الجبانة كان مقرها معبد «مدينة هابو» وقتئذ، والبواب الثاني كان اسمه «خنموسى» وقد ذكر أنه يتسلم أجرًا ضئيلًا (راجع ص٤ س٣ من هذه الوثيقة) وقد ذكر أنهما كانا يقومان بمثل هذا العمل في الخطاب الذي اقتبسناه فيما سبق.
ومما يزيد في أهمية الوثيقة التي في أيدينا، أنها لا تسجل تفاصيل المقادير التي جمعت بمثابة ضرائب وحسب، بل كذلك تذكر لنا كيفية التصرف في توزيع هذه الضرائب عند وصولها إلى «طيبة»؛ فنعلم أن جزءًا عظيمًا كان يسلم لعمدة «طيبة» الغربية «بورعا»، الذي تحدثنا عنه مليًّا عند الكلام على محاكمة لصوص المقابر وفحص المقابر الملكية، وما حدث بينه وبين عمدة «طيبة» الشرقية. وقد مضى على ذلك نحو خمس عشرة سنة، ولا بد أنه كان وقتئذ متقدِّما في السنِّ. وكانت معظم الغلة التي تُوَرَّد إليه تخزن في مخازن الغلال ليتصرف فيها وقت الحاجة، ويلاحظ هنا أنه قد ذكر أن هذه الغلة قد وضعت على سطح الحاصل، وتفسير ذلك أنه يوجد حتى الآن فوق سطوح المنازل مخازن مصنوعة من الطين توضع فيها الغلة الزائدة عن الحاجة، وهذه المخازن لها ميزة في أنها تحفظ القمح من أن يصيبه السوس. وكذلك قد أعطي أكثر من سدس هذه الغلة بقليل الكاتب «نسأمنؤبي» والمغنية «حنت ثاوي»، والمحتمل أن الرجل وزوجه قد جاء ذكرهما في مواطن أخرى، ونخص بالذكر خطابًا جاء فيه ذكر «حنت تاوي» فقد كتبت إلى «نسأمنؤبي» هذا، ومن خطابها هذا نعلم أنه كان كاتب جبانة، وأن الكتاب خاص بتسلم حنطة. أما الحساب الذي قدَّمه «تحتمس» في هذا الجزء من تقريره فصحيح في جملته، غير أنه توجد بعض فروق تدعو إلى الشك في أنه قد حدث اختلاس. فتجد أنه يعترف بأنه قد تسلم من «الرزيقات» + ٨٠ = حقيبة، غير أن هذا المجموع يقل عن المجموع الذي جاء في الصفحة الثانية، السطر السابع. ونجد أن حقيبة تحتم أن يكون المجموع حقيبة.

ويُستنبط هنا للمرة الأولى العادة التي كانت مستعملة في تدوين أنواع الغلة في مصر منذ الأسرة الثامنة عشرة. فعندما كان يستعمل الحبر الأسود والحبر الأحمر معًا نعلم أن الحبر الأحمر كان يستعمل للحنطة، والحبر الأسود للشعير، على أنه عندما كان يضاف كلا النوعين معًا بمثابة غلة. فإن الحبر الأحمر كان يستعمل وحده.

  • الصفحة الثالثة: (١) تُسلَّم في المدينة السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الثاني عشر، من حنطة بيت «منتو» رب «طيبة» سيد «طيبة» ليد «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين (٢) من يد «نسآمون» كاتب حسابات بيت «آمون رع» ملك الآلهة، الذي تحت إدارة كاهن «منتو» المسمى «أمنمأنت» ستة حقائب، وتفصيلها كالآتي:
    (٣) الأجنبي «بنحسي» أربع حقائب؛ البناء «قرور» حقيبتان. وأعطي البناء «إرو شارع» التابع ﻟ … حقيبة.

    (٤) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع، اليوم الثالث عشر من فصل الفيضان في البيت المسمى (المحراب الذي يحمل للملك «وسر ماعت رع» محبوب «آمون»، بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين من يد.

    (٥) مغنية «آمون» «مشعنقر» زوج «حرنفر» رئيس المحراب الذي يُحمل: ٣٠ حقيبة).

    (٦) وصل في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الرابع عشر من يد «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين ليد مغنية «آمون» «حنت ثاوي»، وكاتب الجبانة «نسأمنؤبي» (٧) من حنطة المحراب الخفيف الحمل الخاص بالفرعون «وسر ماعت رع» محبوب «آمون»، الذي تحت إدارة رئيس المحراب الخفيف الحمل «حرنفر» ٣٠ حقيبة، وقد وردت للمخزن الرئيسي المسمى «الحاصل يفيض».

    (٨) وصل في هذا اليوم من الحنطة لبيت الإله «منتو» رب «طيبة» من يد الأجنبي «وسرحات نخت» ثماني حقائب. وقبل ذلك في الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الثاني عشر ست حقائب، فيكون المجموع ١٤ حقيبة.

تعليق: يلاحظ أن ثمانية الأسطر الأولى من هذه الصفحة قد فُصلت في الوثيقة الأصلية عن ثمانية الأسطر التي تليها بفضاء كبير، مما يدل على أنها وحدة قائمة بذاتها، ولكن من جهة أخرى نجد أن المتحصل من المؤسستين الدينيتين لم يُجمع معًا مثلما حدث في الصفحة الثانية، ويدل المتن على أن هذه الأسطر الثمانية الأولى متصل بعضها ببعض؛ لأنها تشير إلى مسائل مالية كان يقوم بها كاتب الجبانة «تحتمس» خلال إقامته مدة قصيرة في «طيبة»، وسنرى فيما يلي أنه غادر العاصمة ومعه قاربان إلى الجنوب. وعلى ذلك لا بد أن يكون كل من بيت «منتو»، والمحراب الخفيف التابع للملك «وسر ماعت رع» محبوب «آمون» (أي رعمسيس الثالث) في «طيبة»، ومعبد «منتو» هو كما نعلم ضمن أجزاء معبد «الكرنك» في أقصى الشمال، وتوجد مقابر بعض كهنة عظام في «قرنة مرعي» في الجهة القريبة من «طيبة».
  • الجزء الثاني من الصفحة الثالثة: (٩) السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، اليوم الثامن عشر: مغادرة «تحتمس» كاتب الجبانة من غربي المدينة مع قارب البحار «تحوتوشي» وقارب السماك «قادعار».

    (١٠) وصل في مدينة «إسنا» في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، في اليوم العشرين بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابين، ٤٠٢ حقيبة من حنطة (١١) ببيت «خنوم» و«نبو» من يد النائب المشرف «بورعا» وكاتب المعبد «بينحسي» في مخزن «خنوم» و«نبو» في «إسنا» ٣٣٧ حقيبة. وتفاصيل ذلك: (١٢) وصل في هذا اليوم من يد النائب المشرف «بورعا»: المزارع «ساحتنفر» من ضريبة حصاده ١٢٠ حقيبة.

    (١٣) ومرة أخرى من يده ومن يد المزارع «بوتهأمون» والمزارع «نخت آمون» ٨٠ حقيبة؛ وكرة أخرى من أيديهم حقيبة. وكرة أخرى من أيديهم حقيبة؛ المجموع ٢٢٠ حقيبة. وشحنت في قارب البحار (١٤) «تحوتوشبي».
    (١٥) تُسلم من أيديهم في هذا اليوم بوساطة الكاتب «تحتمس». شحن في قارب السماك «قادعار»: حقيبة (و) حقيبة؛ المجموع حقيبة.
    (١٦) المجموع حقيبة. وقد أُعطي بمثابة مصاريف لها حقائب.٦٤ ووضع لحساب الفرعون ٣٣٧ حقيبة. فيكون الباقي على حساب كاتب المعبد «بينحسي» ٦٥ حقيبة؛ والمجموع ٤٠٢ حقيبة.
  • الصفحة الرابعة: (١) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الفيضان، في اليوم الرابع والعشرين بوساطة عمدة المدينة الغربية «بورعا»، من الحنطة التي أحضرها «تحتمس» كاتب الجبانة والبوابان.
    (٢) في قارب البحار «تحوتوشبي» وقارب السماك «قادعار» من بلدة «إسنا»: ٣٣٧ حقيبة. تفصيل ذلك: وصلت ووردت للعمدة (٣) من حنطة السماك «قادعار» حقيبة. وأُعطي بمثابة جرايات السماك «إتنفر» حقيبة واحدة. المجموع حقيبة. العجز حقيبتان. تفاصيل العجز: البواب «خنموسى» حقيبة وربع (٤) «نسأمنؤبي» و حقيبة، «قادعار» حقيبة.
    (٥) وصلت ووردت لعمدة غربي المدينة من قمح رئيس القارب «تحوتوشبي» حقيبة. أعطي بمثابة مصاريف رئيس القارب ٢٠ حقيبة. فيكون المجموع ٢٢٥ حقيبة.
تعليق: يلاحظ في هذا الجزء من الورقة الذي يعدُّ واضحًا تمامًا بالإضافة إلى أنه من أهم الفقرات فيها، أنه قد حدث تلاعب واضح في الحساب ينم عن سرقة جلية. حقًّا إن التفسيرات التي أعطيت حتى وصول القوارب إلى «طيبة» لا غبار عليها من حيث الأرقام. ولكن نجد في الصفحة الثالثة (الأسطر ١٠، ١١) أن معبد «إسنا» للإله «خنوم» وزوجه الإلهة «نبو» قد فرض عليهما ضريبة قدرها ٤٠٢ حقيبة ورد منها ٣٣٧ في الحال، وهو الجزء الذي كان مقررًا دفعه على كاتب المعبد «بينحسي» وبقي عليه أن يدفع ٦٥ حقيبة تدفع مؤخرًا. وحقيقة الأمر أن النائب المشرف «بورعا» كان عليه أن ينتزع حقيبة من المزارعين الثلاثة الملزمين بذلك، وهذه الكمية قد شحنت فعلًا إلى «طيبة» في القاربين، ومن ثم بدأ «تحتمس» يتلاعب في هذه الكمية، فلأجل أن ينقصها إلى ٣٣٧ حقيبة طرح منها حقيبة بمثابة مصاريف. وقد شحن من الكمية حقيبة: ٢٢٠ على قارب «تحتمس» و على قارب «قادعار»، ولما وصلت الشحنتان إلى «طيبة» وجد «تحتمس» أنه من الضروري أن يعمل حسابه لتسليم هاتين الشحنتين غير منقوصتين، إلا أنه نسي كلية كمية حقيبة التي طرحها فعلًا من قبل. وبذلك بدأ يتصرف في كمية اﻟ حقيبة كالآتي، فتناول شحنة قارب «قادعار» أولًا، فاعترف أنه سلم حقيبة من قاربه هو لعمدة المدينة «بورعا»، ثم أضاف إلى ذلك حقيبة أعطيت بمثابة جرايات سماكًا آخر اسمه «إتنفر»، ولكن مجموع ذلك لا يبلغ إلا حقيبة. وبعد ذلك ارتكب «تحتمس» غلطة بظنه أن الباقي عليه من حساب ما في سفينة «قادعار» حقيبتان ليورِّدهما، في حين أن حمولة سفينة «قادعار» هي ، وعلى ذلك كان لا بد له أن يقدم حسابه عن ١٢ حقيبة، غير أنه قد غاب عنه ذلك وقال: إن الباقي عليه هو حقيبتان. فقال: إنه أعطى البواب «خنموسى» حقيبة، وبعد ذلك قال: إنه أعطى ، حقيبة إلى «نسأمنؤبي» الكاتب زميله بوصفه كاتب الجبانة في حين أن السماك الفقير لم يتسلم إلا حقيبة، فإذا جمعت هذه الأرقام فإنها تصل تقريبًا إلى حقيبتين، ولكن نجد أن «تحتمس» قد غش في بيانه، إذ نعلم أنه ترك كمية قد حسبت من قبل وغالط في قراءة عدد ينقص عشر حقائب عن الأصل.
أما في حمولة قارب «تحوتوشبي»، فإنه تصرف فيها بطريقة أنبل من السابقة، فذكر أنه سلم حقيبة إلى العمدة، ثم قال: إنه أعطى ٢٠ حقيبة رئيس القارب بمثابة مصاريف، وأخيرًا جمع + ٢٠ = ٢٢٥ حقيبة، في حين أنه أخبرنا أن قارب «تحوتوشبي» كانت حمولته ٢٢٠ حقيبة فقط. وهذه الاختلاسات التي ارتكبها «تحتمس» مسلية، وتضع أمامنا صورة عن حيل الكتاب وكيفية الاختلاسات التي كانوا يرتكبونها، ومن الجائز أن بعض من حوله كان يعلم ذلك، ولكنهم كانوا يفضلون الصمت.
  • بقية الصفحة الرابعة: (٦) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الخامس من يد «نسأمنؤبي» كاتب الحسابات بوساطة «تحتمس» كاتب الجبانة والبواب «تحتمس» التابع للقصر (مدينة هابو): حنطة حقيبة، وشعيرًا حقيبة، تفاصيل ذلك:
    (٧) رئيس المخزن «تحوتمحب» ٧ حقائب؛ كاوي الماشية «بخال» حقيبة؛ المجموع حقيبة؛ والراعي «مرعا» حقيبة، المزارع «خنموسى» حقيبة؛ المجموع حقيبة؛ المجموع: حنطة حقيبة.
    (٨) وصلت ووردت لمغنية «آمون حنت تاوي» في هذا اليوم في بيت الوزن (؟) التابع لبيت «مايو» (؟) بوساطة الكاتب «تحتمس» حقيبة.
    (٩) تسلم في هذا اليوم من بلدة «نبيمو» من يد الراعي «بينحسي» التابع للقصر (معبد مدينة هابو) ٤ حقائب، ومن رئيس الشرطة «نسآمون» حقيبة واحدة، (١٠) ومن السماك «خاروي» حقيبة؛ والسماك «بانخت محت» حقيبة.
    (١١) تسلم من بلدة «أميوترو» (الرزيقات) من يد كاتب الحسابات «نسآمون» من حرث الأجنبي «إيوني» ١٢ حقيبة؛ ومن الأجنبي «بيخال» حقيبة. المجموع حنطة حقيبة.
  • الصفحة الخامسة: (١) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الأول من فصل الصيف، اليوم التاسع ١٢ حقيبة من الحنطة أحضرت من بلدة «أميوترو» من حرث الأجنبي «إيوني».
    (٢) يضاف إلى ذلك حقيبة من الأجنبي «بيخال» المجموع من الحنطة حقيبة. والراعي «بينحسي» بن «باكمأمن» من بلدة «نيمو» ٤ حقائب.

    (٣) ورئيس الشرطة «نسآمون» حقيبة واحدة، المجموع خمس حقائب سلمت في هذا اليوم لمغنية «آمون» «حنت تاوي» على قمة الشونة.

    (٤) وخزنت في المخزن الأول المسمى «الحاصل يفيض» ١٢ حقيبة و حقائب. وأدخلت في حجرة الخزن التي على قمة «الأرض الطاهرة» من القمح حقيبة.
تعليق: يلاحظ أولًا في الورقة أن هذه الفقرة تسبقها مسافة خالية، وفي نهايتها كذلك مسافة أخرى خالية، وذلك دلالة على أنها جزء مستقل بنفسه، ويؤكد لنا ذلك أن ما حصل من دافعي الضرائب وما ورد لأولي الشأن في «طيبة» متعادلان. هذا ويدل المتن على أن تحصيل الضرائب من حنطة وشعير كان يدفعه الصراف «لتحتمس» مع تفصيل يذكر فيه أسماء دافعي الضرائب وما جُبي من كل، وكذلك كانت تُذكر الجهة التي جمعت منها هذه الضرائب. وكذلك نلحظ أنه كانت تذكر الأفراد الذين كانت توزع عليهم هذه المحاصيل أو الأماكن التي كانت تخزن فيها لوقت الحاجة.

وقد جاء في المتن بعض أسماء جهات لا تبعد عن «طيبة»، ولكنا لا نعلم مواقعها بالضبط لجهلنا بجغرافية مصر القديمة في هذه الفترة.

  • بقية الصفحة الخامسة: (٥) تسلم في السنة الثانية عشرة، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الثالث عشر من يد البوابين من حنطة مخزن الفرعون وهي التي من حساب كاتب حسابات بيت «آمون». «نسآمون» ٤ حقائب و٢٠ حقيبة.
    (٦) والمجموع الذي ورَّده من ٧٢ حقيبة حنطة فيكون العجز حقيبة.
    (٧) تسلم في السنة الثانية عشرة الشهر الرابع من فصل الشتاء اليوم الثالث عشر من يد الكاتب «سحتنفر» من حنطة الأجنبي «أري» ٢٠ حقيبة، وتفاصليها: العجز في حبوب بيت «سبك» سيد «أميوترو» حقيبة حب مخزن الفرعون الذي من حساب «نسآمون» كاتب الحسابات التابع لبيت «آمون» ملك الآلهة ٨ حقائب.
    (٩) ما دفعه كاهن الإله «سبك» زيادة حقيبة. المجموع ٣٠ حقيبة.

    (١٠) تسلم في هذا اليوم … (ثم فضاء) من يد كاتب حسابات بيت «آمون» المسمى «نسآمون» من حنطة مخزن الفرعون من يد …

    (١١) تسلم من يد كاتب الحسابات لبيت «آمون» المسمى «نسآمون» وأعطى كاهن «موت» ٣ حقائب … المجموع (؟) …

تعليق: هذا الجزء الأخير من وجه الورقة يحتمل جدًّا أنه خاتمة كل الوثيقة، غير أنه بكل أسف قد طمست معالمه من جراء ما حدث في الورقة من تهشيم في نهايتها. ويدل كل ما جاء فيه على أن المسئول عما ورد فيه من ضرائب هو كاتب الحسابات «نسآمون». ونستنبط من السطرين الخامس والسادس أنه كان عليه أن يجبي ٧٣ حقيبة من الحنطة مستحقة للفرعون، وتدل شواهد الأحوال على أنه كان لا بد أن يجمعها من أرض «خاتو» الفرعونية.
ونعلم من هذه الفقرة أن «نسآمون» قد ورد حقيبة بما في ذلك ٢٠ حقيبة من الحنطة و٤ من الشعير سلمت في اليوم الثاني عشر، والثالث عشر من الشهر، ولكن يظهر أمامنا أنه من المستحيل أن نصل إلى معرفة حل المسألة التالية − ٢٤ = حقيبة في المقادير التي سجلتها الورقة فيما سبق بأنها قد تسلمت عن طريقه. ففي الصفحة الثالثة (سطر ١، ٢) نجد أنه كان هناك ست حقائب، ولكن هذه كانت ضرائب من معبد «منتو»، ويجوز أنها لا علاقة لها بضرائب أرض «خاتو».
أما حقيبة التي جاء ذكرها في الصفحة الخامسة (سطر ٣، ٤) بأنها وردت، فإنا نعلم أن وردت من «الرزيقات»، إذ إنه ذكر عنها صراحة أنها جاءت عن طريق «نسآمون». وحتى إذا فرضنا أن ٦ + حقيبة هي جزء من اﻟ ٧٢ حقيبة التي يجب أن يسلمها، فإن مجموعها هو لا وهي التي ذكر أنها قد وردت.
أما عن ٧٢ − = حقيبة التي بقيت بمثابة عجز في اليوم الثالث عشر، فإنه من الجائز أن ٨ حقائب قد وردت من «الرزيقات» على يد الكاهن «سحتنفر» (راجع ص٢ سطر ٢) في وقت واحد مع مقدارين من مصادر أخرى. ومن المحتمل أن اﻟ حقيبة الباقية، قد جاء ذكرها في الجزأين المهشمين من الورقة في النهاية.
أما عن المقدارين من الحقائب التي كانت قد أرسلت لمخزن الفرعون، فواحد منهما حقيبة لم يكن قد دفع مما على معبد «سبك»، والمقدار الثاني حقيبة من كاهن الإله «سبك»، وهو على ما يظن «باحني»، الذي جاء ذكره في الورقة (راجع ص٢ سطر ٢، ٣) وهو الذي كان مسئولًا عن ضرائب أرض «خاتو» ملك الفرعون. والحقيبة ونصف الحقيبة التي دفعها الآن قيل عنها: إنها زيادة، ويحتمل أنها زيادة عما كان يجب أن يدفعه. وهذا يذكرنا بما جاء في لوحة «بلجاي» (A. Z. L, 51-2) حيث نجد أن موظفًا كبيرًا يفخر بأنه دفع ضرائب أكثر مما عليه بسخاء، ونجد الأعداد التي ذكرها لنا هذا الموظف مدهشة إذ تقرأ أن قائد الحصن قد ادَّعى بأنه دفع ضعفي ما عليه من ضرائب وقدره ٧٠٠٠٠ حقيبة أي إنه دفع ١٤٠٠٠٠ بوشل، أي ما يساوي محصول ٥٢٠٠ فدان إنجليزي.
  • ظهر الورقة: أما ظهر الورقة فيظهر أن كاتبه كذلك هو «تحتمس»، الذي كتب وجهها ولكن بخط أكبر، وهو يعدِّد لنا توريد دفعات من الحنطة كالسابقة في السنة الرابعة عشرة، أي بعد مضي سنة واحدة عن المتن السابق، وليس فيه من جديد.

(٥) آثار أخرى

أما الآثار الأخرى التي وجد عليها اسمه أو تنسب إليه فليست كثيرة، إذ في عهده كانت الكلمة العليا للكاهن الأكبر «لآمون حريحور» كما سنرى بعد، والآثار التي وجد عليها اسمه أو من عصره هي:
  • (١)
    منف: عمد مغتصبة كتب عليها اسمه (راجع plyete. Pap. turin, 86).
  • (٢)
    السرابيوم: وينسب إلى عهد هذا الفرعون مدافن خمسة عجول «أبيس» وهي: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع؛ وقد وجد مع الخامس تماثيل صغيرة. (راجع mariette. Serapeum p1.22 (9–11)) ومما يؤسف له أن معالجة موضوع السرابيوم لا تزال تحتاج إلى عناية (راجع mariette. Serapeum, texte pp. 149–52).

العرابة المدفونة

وعُثر في العرابة المدفونة على لوحة سجل عليها القربات، التي قدَّمتها «تامر بناس» للإله «أوزير» إله الولادة لابنها «نترخع».

وفي كوم السلطان بالعرابة المدفونة

عثر «مريت» على قرطين ضخمين «لرعمسيس الحادي عشر» على جسم مومية ليس عليها نقوش، وكل قرط منهما صيغ من الذهب المغطى بطبقة من الورنيش المائل للحمرة ومُحلى بخمسة أصلال على كل منها قرص الشمس، وفي محيطه حلي بحلق بكرة … إلخ. وكذلك وجد على نفس المومية بقايا حلي للصدر تحتوي على دروع صغيرة من الذهب مشغولة بحلية غاية في الدقة، فقد وجد فيها الرءوس الرمزية للآلهة «سخمت» و«حتحور» و«أنحور بن رع» و«رع» نفسه، وهذه الرءوس في فحصها إلى المنظار المكبر (راجع maspero, guide 435 & 436).

الكرنك «معبد خنسو»

على الرغم من أن «حريحور» كان يلعب الدور الهام في حكومة البلاد في عهد «رعمسيس الحادي عشر»، فإن النقوش الرسمية كانت باسم الأخير، كما يلاحظ ذلك في الإهداءات التي على خارجات قاعة العمد في معبد «خنسو»، وكان «رعمسيس الحادي عشر» يتمتع بكل السلطة، على حين نرى من جهة أخرى أن النقوش التي على قواعد العمد في القاعة الصغرى لا تحتوي إلا على إشارة ضئيلة صغيرة للفرعون نفسه، وسنتحدث عن هذه المناظر فيما بعد.

والإهداءات التي نقشت على خارجة العقد هي: يعيش حور (الألقاب) «رعمسيس الحادي عشر»، لقد صنعه بمثابة أثر لوالده «خنسو» في طيبة — الراحة الجميلة التي عملها «رعمسيس الحادي عشر» له.

على عقد صغير على اليمين من الممر الأوسط في الجهة المقابلة للعمد الصغيرة: يعيش الإله الطيب صانع الآثار في بيت والده «خنسو» سيد «طيبة»، وباني معبده بمثابة عمل خالد بالحجر الرملي الجميل زائدًا …
على العقد الذي على العمد الصغيرة على اليمين: «يعيش «حور» (ألقاب) «رعمسيس الحادي عشر»، لقد عمله بمثابة أثر لوالده «خنسو» في طيبة — الراحة الجميلة» مقيمًا له (القاعة المسماة) «لابس التيجان للمرة الأولى» من الحجر الرملي الجميل جاعلًا معبده فاخرًا جميل المبنى إلى الأبد، وهو الذي عمله له ابن «رع رعمسيس الحادي عشر».
يعيش «حور» … إلخ «رعمسيس الحادي عشر» الملك الجبار العظيم الآثار في بيت والده «خنسو» سيد طيبة مقيمًا له بيته المصنوع للمرة الأولى بمثابة عمل ممتاز خالد، والآلهة العظام منشرحة قلوبهم لآثاره التي عملها له ابن «رع، رعمسيس الحادي عشر» يعيش الإله الطيب صانع الإحسان ومقيم الآثار والكثير المعجزات، ومن مشروعه ينفذ في الحال مثل والده «بتاح» جنوبي جداره، ولقد أضاء طيبة بآثار الملك العظيمة، وهي التي عملها «رعمسيس الحادي عشر» محبوب «خنسو».٦٥

الكرنك

وفي معبد الملك «أمنحتب الثالث» نقش «رعمسيس الحادي عشر» لوحة على الجدار الخارجي من الجهة الشرقية، وهذه اللوحة مقسمة قسمين مُثِّل فيها هذا الفرعون في كل منهما يتعبد للإلهة «ماعت» ابنة «رع» زوج «آمون» القاطنة في «طيبة»، وهي التي تهبه أعيادًا ثلاثينية كثيرة مثل «رع»، وعلى اليمين كتب: الحياة والصحة كلها والعافية كلها.

ويلاحظ أن الفرعون كان يتبعه من كلا الجانبين شخصية أقل طولًا منه بكثير، وقد نقش فوقه متنان يشملان صلاة للإلهة «ماعت» يقدِّمها حاكم المدينة والوزير «وننفر» المرحوم. إن حاكم المدينة …٦٦
وفي متحف «باريس» توجد قطعتان من الجلد كتب عليهما اسم هذا الفرعون.٦٧

مومية الفرعون «رعمسيس الحادي عشر»٦٨

ويظن «مسبرو» أن مومية هذا الفرعون كانت قد وضعت في أحد توابيت الأميرة «نسخنسو» كبيرة مغنيات الإله «آمون»، وقد كان يظن في بادئ الأمر أن هذا التابوت لهذه المغنية أو لأحد أقاربها المسمى بهذا الاسم، ولكن عندما فُحصت محتويات التابوت وجد أنه يحتوي على عظام إنسان ملفوف في كتان جميل الصنع، ويلبس على رأسه إكليل أزهار، وعلى صدره نقش يظن أنه مختصر اسم «رعمسيس الحادي عشر»، وهذه المومية وجدت بطبيعة الحال بين الموميات التي أودعت خبيئة الدير البحري.

قبر «رعمسيس الحادي عشر»٦٩

حفر قبر هذا الفرعون إلى مسافة بعيدة في جوف الصخر، غير أنه لم يتم على وجه التأكيد؛ فقد وجد أن عمود القاعة التي تؤدي إلى حجرة الدفن لم يتم بعد، وكذلك حجرة الدفن لم يتم حفرها من ثلاث جهات، وقد حفر فيها حفرة ليوضع فيها التابوت، ولم يزين من القبر بالنقوش إلا المدخل، وقد عملت الزينة على طبقة من الملاط على الصخر. فيشاهد الملك في منظر واقفًا على اليمين وفي يده الصولجان، ثم يظهر على كلا جانبي الباب في محراب، وعلى يمينه إله له أربعة رءوس كباش، وخلفه إلهة الغرب. ومما يلفت النظر في أمر هذا القبر أن صاحبه قد حكم البلاد حوالي سبع وعشرين سنة، ومع ذلك لم يكن في مقدوره أن يزين جدرانه بالنقوش، ولا سيما أن كل ملك كان أوَّل همه الاعتناء بمقر قبره وتشييده، وقد يكون السبب في هذه الظاهرة الغريبة هو فقر البلاط، واختلال الأمن في منطقة «طيبة»، وبُعد الفراعنة عن مكان دفنهم.

١  راجع: Botti-Peet. II Giornali Della Necropoli di Tebe facs 3.
٢  راجع: Maspero, Les Momires Royales p. 553–64 Pls X–XVI.
٣  راجع: Journal of Near Eastern Studies Vol. VII July 1948 November, 3 p. 157.
٤  راجع: J. E. A. vol. XV. p. 194 ff.
٥  راجع: Pap. Mayer. A. I. 6; & Pap. Brit. Mus. 10052. p. 1, L. 4.
٦  راجع: Pap. Turin. Cat. 1903, verso.
٧  راجع: Pap. Turin P. R. XCVI col 2.5.
٨  راجع: Montet. Le Drame d’Avaris pp. 173–186.
٩  راجع: Contre Apion Livre. I. p. 227–277.
١٠  أي سيقومون بغزو البلاد وإشعال النار فيها وسفك دماء أهلها.
١١  هؤلاء هم ملوك الهكسوس وقد تسموا بهذه الأسماء كما فصلنا ذلك في ج٤.
١٢  راجع: H. Kees. Herihor Und die Aufrichtung des thebanischer Gottesstates; Nachrichten Zu Gottingen 1936.
١٣  «طيبة» وما حولها من البلاد.
١٤  يلاحظ هنا أن «مونتيه» يصف هنا على حسب رأيه بلدة «تانيس»، ولكن الوصف في الواقع هو لمدينة «بررعمسيس» (قنتير الحالية) كما شرحنا ذلك من قبل في حينه في ج٦.
١٥  راجع: Journal of Near Eastern Studies Vol. VII, July 1948, & Nov. p. 157 ff.
١٦  راجع: Cerny, Late Ramesside Letters. Bibliotica Aegypt. Vol. IX Index p. 76, No. 44.
١٧  راجع: Mariette, Abydos Vol. II Pl. 57.
١٨  راجع: Maspero, Les Momies Royales. p. 565.
١٩  راجع: Drioton & Vandier, Les Peuples de L’Orient Vol. VII pp. 354, 471.
٢٠  راجع: Journal of Near Eastern Studies Ibid. p. 162. Note 14.
٢١  راجع: Cerny. B. I. F. F. A. O, XXXV (1935) p. 43 No. 1.
٢٢  كانت السفن المقدسة تبنى من خشب لبنان.
٢٣  المرجح هنا أن السنة الخامسة تشير إلى السنة الخامسة من «عصر النهضة» أو «تجديد الولادات» كما يسمى بالمصرية.
٢٤  هو اسم قائد سوري أي فينيقي.
٢٥  شعب كان قد غزا ساحل فلسطين منذ ثماني سنوات مضت.
٢٦  هدية له.
٢٧  الدبن = ٩١ جرامًا.
٢٨  الذين جمعوها.
٢٩  هؤلاء هم الأمراء الفينيقيون الذي سيزورونهم، والذين سيكون لهم نصيب من النقود عندما يجدها ثانية.
٣٠  يحتمل أنه يريد أن يقول: يمكنك أن تغضب لجوابي غير أن هذا الأمر لا يعنيني لأن السارق ليس من رعاياي.
٣١  نقود «زاكار» ومتاع «ونآمون».
٣٢  يقصد بالشبان الوصفاء أو من على شاكلتهم.
٣٣  وقد كان نبأ حضور تمثال الإله أخذ ينتشر بين حاشية الملك.
٣٤  أسئلة لا قيمة لها؛ فما دام صاحب السفينة مصريًَّا فالبحارة الفينيقيون يمكن اعتبارهم مصريين أيضًا.
٣٥  ومعنى هذا الاسم نعمة الله.
٣٦  يقصد أواني وقطعًا فنية.
٣٧  يريد أن يعلق أهمية على أن النقود كانت مقصورة على ثمن شراء الخشب فقط.
٣٨  فهو بكل احتقار يعني بالذات الكاهن الأعلى.
٣٩  ولما كانت هذه الأشجار نامية على جبال عالية فإن تساقطها من أعلى يدفع بنا إلى الظن أنها ساقطة من السماء.
٤٠  أحمال من الخشب إذا لم تكن مربوطة بإحكام فإنها تكون خطرًا على السفينة.
٤١  يعتبر «سوتخ» إله العاصفة.
٤٢  يتكلم عن «آمون» كالإله الأعلى وشعبه يجب أن ينظر إليه بعين الاحترام مراعاة للإله ولمصر.
٤٣  «آمون» نفسه الذي أمر بإرسال تمثاله بوساطة الوحي.
٤٤  الحياة والصحة هي البركة التي يمنحها الآلهة، وهذا ما أحضر لك بوساطة تمثال الإله، وهذه بلا شك أفضل من المال الذي كنت تتسلمه في الزمن الماضي.
٤٥  أرسلت هذا «تنتآمون» (زوج سمندس) له شخصيًَّا.
٤٦  رجل مصري، غير أننا لا نعرف كيف نحدد خبث هذه الحركة، ويحتمل أنه يريد أن يمثل الفرعون في هذه البلاد.
٤٧  أي أسرع وسافر ولا تجعل رداءة جو الفصل سببًا في بقائك هنا.
٤٨  يحتمل أن يكون «رعمسيس الحادي عشر» ونحن هنا لسنا في موقف يمكننا أن نخمن فيه ما حدث بالضبط، ولكن على أية حال فإن هناك إشارة إلى تهديد في هذه الحادثة، هذا إلى أن «خعمواست» كان لا يزال يحكم البلاد اسمًا.
٤٩  ومعنى ذلك أن مهمتي لها صبغة إلهية.
٥٠  أي الملوك الأموات الذين في الغرب (أي في الآخرة).
٥١  الخشب الذي تسلمه.
٥٢  أي سندفع حمولة الخشب الثانية.
٥٣  لقد مضى عام كامل منذ مغادرته «طيبة». وبعد ذلك يقول بشيء من المبالغة: «إنه يرى الطيور المسافرة للمرة الثانية تسافر إلى مصر.»
٥٤  «أرسا»: هي «قبرص» ولكنا لا نعلم كيف تخلص من «زاكار» سليمًا.
٥٥  أي كانت في الشارع.
٥٦  لأنه شخصية مهمة.
٥٧  أي إعلان «لآمون» صاحب الكرنك بتولية «رعمسيس الحادي عشر» عرش الملك، ومن ثم بدأ يقدم له القربان.
٥٨  جواب الشرط حُذف هنا ولم يدون، غير أنه معروف.
٥٩  هذا الإجراء موجود في الشريعة الإسلامية: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
٦٠  المتحدِث هنا الأستاذ «زرلوتا» (راجع: J. E. A. Vol. 26. p. 28).
٦١  أي إنه ضمن الثلثين اللذين استحقهما في كل العقار.
٦٢  انظر مصر القديمة ج٣.
٦٣  راجع ما كُتب عن هذه الورقة في [فصل: عهد رعمسيس الخامس – ورقة فلبور] من هذا الكتاب.
٦٤  أي مصاريف القارب الذي شُحنت فيه.
٦٥  راجع: Brugsch, Recueil de Monuments, 59, 3 & Br. A. R. IV § 601–3.
٦٦  راجع: Rec. Trav. 13, pp. 172-3.
٦٧  راجع: Pierret. Louvre Catalogue Saile. Hist. p. 109.
٦٨  راجع: Maspero, Les Momies Royales de Dier el Bahri 567-8.
٦٩  راجع: L. D. III Pl. 239 a; L. D. Texte III p. 197.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤