الفصل الرابع عشر

هل كان كولومبوس يقصد اكتشاف أمريكا؟

على عكس الخرافة الشهيرة، لم يواجه كولومبوس أدنى صعوبة في إقناع ملك إسبانيا وملكتها — أو أي شخص آخر — بأن العالم مستدير. فقد كانت تلك معلومة شائعة بين المثقفين الأوروبيين قبل عام ١٤٩٢ بزمن طويل. لقد كان رفض خطة كولومبوس يتعلق بفكرة مختلفة وأكثر راديكالية بكثير؛ أنه قد تمكن من اكتشاف طريق جديد إلى آسيا بالإبحار غربًا من أوروبا.

كانت الحكمة السائدة تقول إنه لو كان يمكن الوصول إلى آسيا عبر البحر، لكان ذلك بالدوران حول أفريقيا والاتجاه شرقًا عبر المحيط الهندي. ولما كانت آسيا تقع في الواقع شرق أوروبا، فإن هذه الخطة تعد منطقية تمامًا، وقد آتت ثمارها عام ١٤٩٩ حين وصل المستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما إلى الهند. في المقابل، لم تكن «مغامرة كولومبوس إلى جزر الهند» منطقية؛ فلو أن جزر الهند (مثلما سُمِّيت آسيا آنذاك) تقع في مكانٍ ما عبر الأطلنطي، فقد كانت تلك رحلة طويلة للغاية بالنسبة إلى بحَّار من القرن الخامس عشر. وقد قدر عالم الجغرافيا الأكثر تعاطفًا مع كولومبوس، باولو دل بوزو توسكانيلي، أن جزر الهند كانت تقع على بعد أكثر من ٣٥٠٠ ميل غرب جزر الكناري، وكان معظم الباحثين على قناعة بأنها كانت أبعد كثيرًا.

ولكن كما يعلم الجميع، لم يكن كولومبوس ليعدل عن قناعته. فقد حسب أن ٢٧٦٠ ميلًا فقط من المياه المفتوحة تفصل بين أوروبا وآسيا، وأقنع فرديناند وإيزابيلا — ملكَي إسبانيا — بأن الأمر يستحق منهما تمويل رحلته البحرية. وعلى ذلك، أبحرت السفن نينا وبينتا وسانتا ماريا في سبتمبر عام ١٤٩٢ من جزر الكناري. وبعد خمسة أسابيع فقط — في نفس البقعة التي تنبَّأ بأنه سيجد فيها أرضًا — هبط كولومبوس على الشاطئ.

بالطبع كانت المفارقة التي شابت هبوط كولومبوس الناجح أنه لم يهبط بالقرب من آسيا بأيِّ حال. وكان الرأي المتفق عليه بخصوص ذلك صائبًا تمامًا: لقد كانت آسيا أبعد ﺑ ٦٠٠٠ ميل غربًا من جزر البهاما التي كان كولومبوس يقف على إحداها آنذاك. ولولا وجود قارتين وعدد هائل من الجزر الأخرى بين أوروبا وجزر الهند، لاختفى كولومبوس وطاقمه بشكل شبه مؤكد وسط البحار.

ولأكثر من أربعمائة عام، ظلَّت هذه القصة عن كولومبوس هي المتداولة على جانبي الأطلنطي، قصة مكتشف أمريكا البطل ذي العزيمة، وإن أخطأ خطأ جسيمًا. ولكن بدءًا من مطلع القرن العشرين تقريبًا، خضعت القصة لتدقيق واستقصاء شابَه الشك بشكل متزايد.

راح كثيرٌ من المؤرخين يتساءلون: كيف يمكن أن يكون كولومبوس قد أخطأ إلى هذا الحدِّ؟ وكيف تمكَّن من الاستمرار في الادعاء بأن الأراضي التي عثر عليها هي جزر الهند وأن شعبها هم «الهنود»، على الرغم من الأدلة الساحقة على أنها لم تكن الصين أو اليابان؟ خلص بعض المؤرخين إلى أن كولومبوس لم يكن يقصد مطلقًا الذهاب إلى آسيا وأن «مغامرته في جزر الهند» كانت مجرد خدعة لتضليل المستكشفين الآخرين. كما يزعم المؤرخون أن هدف كولومبوس من البداية كان اكتشاف عالم جديد.

•••

لا شك أن ما قاله كولومبوس للعالم هو أنه كان متجهًا صوب جزر الهند، وقد صدَّقَه المؤرخون المعاصرون. وكان من أبرز هؤلاء بارتولومي دي لاس كاساس؛ فهو لم يكتب السجل التاريخي الأكثر شمولًا لرحلات كولومبوس البحرية فحسب، بل أدرج فيه أيضًا أجزاءً من يوميات كولومبوس (علمًا بأن النسخ الأصلية قد فُقدَت). تبدو افتتاحية يوميات كولومبوس، كما سجَّلها لاس كاساس، وصفًا مباشرًا جدًّا لنوايا ومقاصد كولومبوس. فقد كتب المستكشف إلى فرديناند وإيزابيلا: «لقد قرر سموُّكما إرسالي، أنا كريستوفر كولومبوس، إلى أراضي الهند لمقابلة حكامها ومشاهدة البلدات والأراضي وتوزيعها، وغيرها من الأشياء الأخرى … وأمرتماني بألَّا أتجه شرقًا برًّا، كما هو معتاد، ولكن بأن أتخذ طريقي غربًا؛ حيث لم يرْتَدْه إنسان قبل اليوم بحسب علمنا.»

figure
كيف يمكن لأشهر بحار عبر العصور — والذي يقع بصره في هذه اللوحة لأول مرة على العالم الجديد — ألَّا يكون لديه فكرة عن ماهية ما ينظر إليه؟ (مكتبة الكونجرس.)

سجل كولومبوس في دفتر يومياته بتاريخ ٢١ أكتوبر، بعد أن هبط على ما وصفه بجزيرة نائية، أنه كان لا يزال مصممًا على الوصول إلى البر الرئيسي الآسيوي كي يسلم ﻟ «الخان الأعظم» — الإمبراطور الصيني — خطابات تعريف من فرديناند وإيزابيلا. وفي طريق عودته إلى إسبانيا، كتب كولومبوس إلى فرديناند وإيزابيلا أن الحصن الذي أنشأه سيكون ملائمًا «لكل أنواع التبادل التجاري مع أقرب برٍّ رئيسي وكذلك مع … الخان الأعظم.»

لم يكن يبدو أن أيًّا من ذلك سيترك مجالًا للشك بشأن وجهة كولومبوس، أو الوجهة التي كان يعتقد أنه وصل إليها.

كان ثاني أهم مؤرخ معاصر هو فرديناند كولومبوس، نجل المستكشف، وكان على نفس القدر من التعنت بشأن الوجهة التي كان والده يقصدها. فلم يكتب فرديناند أول سيرة ذاتية لكولومبوس فحسب، بل أيضًا احتفظ بكتب أبيه، التي كان من ضمنها ملاحظات هامشية لم تكن تُقدَّر بثمن للمؤرخين في المستقبل. وتشير هذه الملاحظات إلى أن كولومبوس قد عرف بشأن آسيا عن طريق قراءة أعمال كتاب العصور الوسطى مثل ماركو بولو وجون ماندفيل. وفيما يبدو أيضًا أنه قد استشار أرسطو وسينيكا، اللذين ناقش معهما إمكانية الإبحار غربًا إلى جزر الهند. ويقدم كتابان من العصور الوسطى كانا في مكتبة كولومبوس — هما كتابا «صورة العالم» لبيير دايي، و«تاريخ العالم» للأب بيوس الثاني — تخمينات متعددة بشأن مدى ضيق المحيط، وكانت الفقرات المتعلقة بذلك موضوعًا تحتها خطوط، ربما من قبل كولومبوس نفسه.

ضمَّت ترجمة فرديناند لسيرة أبيه الذاتية أيضًا نسخًا من المراسلات بين أبيه وبين توسكانيلي، الجغرافي الإيطالي الذي زوَّدت تقديراته للمسافة بين أوروبا وآسيا كولومبوس بدعم إضافي لنظريته. وقد كتب فرديناند أن خطاب توسكانيلي «قد ملأ الأميرال بحماس أعظم تجاه الاكتشاف.» والأمر الأكثر إثارة، كما كتب لاس كاساس، أنه قد «شحذ قريحة كولومبوس.»

ولكن على الرغم من أن لاس كاساس وفرديناند كولومبوس لم يكن لديهما أيُّ شكوك بشأن وجهة كولومبوس المقصودة، فقد أدرج كلاهما قصة ألقت ضوءًا مختلفًا تمامًا على «مغامرة» كولومبوس. كان أول ظهور للقصة في شكل مطبوع في عام ١٥٣٩، في تاريخ جونثالو فيرنانديث دي أوبييدو عن اكتشاف أمريكا. وبحسب رواية أوبييدو لها، أبحرت سفينة في طريقها من البرتغال إلى إنجلترا وسط طقس سيِّئ وجُرفت بعيدًا نحو الغرب، لتصل في النهاية إلى بعض الجزر المأهولة بأناس عراة. وأثناء رحلة العودة، مات الجميع عدا القبطان. وجرفته الأمواج إلى شاطئ جزيرة ماديرا، حيث كان كولومبوس يعيش أحيانًا خلال مطلع ثمانينيات القرن الخامس عشر. وسرعان ما تُوفِّي القبطان أيضًا، ولكن قُبيَل وفاته مباشرة كان قد رسم خريطة تُبيِّن أين كان وأعطاها لكولومبوس.

إذا كانت قصة «القبطان المجهول» حقيقية، فإن كولومبوس إذن لم يُبْحر إلى المجهول العظيم مدعومًا فقط بنظرية غير موثقة. فإذا كان لديه خريطة، فقد كان لديه فكرة جيدة إلى حدٍّ ما عن وجهته؛ وسبب مقنع للغاية للتشكك في أنها لم تكن جزر الهند. ولكن أوبييدو، أول من روى القصة، استنتج أنها على الأرجح لم تكن حقيقية، ولم يصدقها فرديناند كولومبوس كذلك. أما لاس كاساس، فكان أكثر سذاجة وسرعة في تصديقها نوعًا ما، بالنظر إلى أن القصة كانت متداولة على نطاق واسع، ولكن ذلك بالتأكيد لم يزعزع اعتقاده بأن كولومبوس كان يبحث عن جزر الهند. وقد اتبع المؤرخون اللاحقون خطاهما بإنكارهم للقصة، إن ذكروها من الأساس.

وما كان مطلع القرن العشرين حتى وجد القبطان المجهول نصيره.

•••

كانت أطروحة هنري فيجنود المذهلة، التي عُرضَت بجرأة في عدد من الكتب التي نُشرت في أوائل القرن العشرين، تتمثل في أن كولومبوس لم يكن ينوي الذهاب إلى جزر الهند مطلقًا، وأن القبطان المجهول أخبر كولومبوس بشأن أمريكا، فأراد تلك الأراضي لنفسه. ومن منطلق معرفته الشديدة بأن جزر الهند كانت بعيدة عن متناوله، اخترع قصة «مغامرته» لمجرد ضمان ألَّا يسبقه أحد إلى أمريكا. وما إن ترسخت خرافة كولومبوس، بحسب زعم فيجنود، لم يجرؤ المؤرخون على تحدِّيها؛ خوفًا من أن «تُختزَل المهمة العظيمة التي نظَّمها، كما أكد كولومبوس، من أجل تنفيذ فكرة علمية … إلى أبعاد رحلة استكشافية عادية.»

بعبارة أخرى، كان كولومبوس كاذبًا؛ ولم يكن القبطان المجهول — وفقًا لفيجنود وأتباعه — هو الشيء الوحيد الذي كذب بشأنه.

كانت اليوميات مزيفة، أو على الأقل أُعيدَت صياغتها وزُوِّرت بما يكفي (إما على يد كولومبوس أو لاس كاساس) لإخفاء الدافع الحقيقي لكولومبوس. وكذلك زُوِّرت مراسلات توسكانيلي (إما من قبل كولومبوس أو نجله)؛ ففي النهاية، كان الدليل الوحيد على رسائلهما أحدهما للآخر في ترجمة فرديناند، وهي ترجمة معتمدة إن كانت موجودة من الأساس.

كذلك أبرزَ المشككون أمثال فيجنود بعضَ الوثائق الخاصة بهم، التي كانت حتى هذا الوقت مُتجاهَلة أو على الأقل مُنَحَّاة جانبًا. وكان أهمُّ هذه الوثائق العقدَ المبرم بين كولومبوس والملك والملكة الإسبانيين، والمعروف باسم «الامتيازات». تطرقت اتفاقية الامتيازات إلى قدر كبير من التفاصيل بشأن نصيب كولومبوس من أرباح رحلته، ولكنها لم تورد ذكرًا لجزر الهند مطلقًا. والأكثر إثارة للريبة أن الامتيازات قد مكَّنت كولومبوس من «اكتشاف» أية جزر يعثر عليها «والاستحواذ عليها»، وهي عبارة لم يكن إمبراطور الصين ليقدرها بالتأكيد. والواقع أنه من الصعب تخيل الإمبراطور يسلم أية جزيرة لثلاث سفن إسبانية مسلحة تسليحًا خفيفًا. وكان فيجنود يعتقد أن الأمر الأكثر ترجيحًا هو أن كولومبوس «وفرديناند وإيزابيلا» كانوا يخططون لاكتشاف منطقة ما جديدة، ومجهولة للأوروبيين، والاستحواذ عليها.

وانتفض التقليديون للدفاع عن كولومبوس. فتحْت قيادة صامويل إليوت موريسون، الذي كانت سمعته كبحَّار إضافة هائلة لمصداقيته كمؤرخ، ردَّ التقليديون بأنه على الرغم من أن اتفاقية الامتيازات لم تذكر جزر الهند صراحةً، فإن الإشارات إلى نصيب كولومبوس من اللآلئ والأحجار الكريمة والتوابل — أي كل منتجات آسيا — تشير بوضوح إلى أنها كانت وجهته.

أما فيما يتعلق بقصة القبطان المجهول، فقد سخِر موريسون من البحارة القليلي الخبرة الذين صدقوها تمامًا. وهنا ظهرت فائدة خبرة المؤرخ في الإبحار؛ فقد ذهب إلى أن القصة مستحيلة من حيث الطقس؛ إذ إن الرياح السائدة لم تكن لتدفع سفينة عبر الأطلنطي من الشرق إلى الغرب.

وأقر موريسون بأنه من المؤكد أن كولومبوس ربما يكون قد سمع حكايات عن جزر تقع غربًا، وعن حطام السفن الغريب الذي انجرف إلى الشاطئ على جزر تقع تحت السيطرة البرتغالية. ومن الوارد أن يكون المستكشف قد تأثر ببعض قصص البحر التي سمعها. ولكن لم يكن هناك خريطة سرية أو قبطان مجهول؛ وفي ذلك كتب موريسون أن قصة أوبييدو لم تُظْهِر شيئًا أكثر من «النزعة المؤسفة لسلب مجد العظماء.»

•••

كانت سمعة موريسون ومعرفته بمنزلة ضمان لعدم إسقاط كولومبوس من على عرشه. ولكن فيجنود وأتباعه نجحوا بالفعل في إثارة قدر كبير من الريبة والشك بشأن القصة التقليدية، لا سيما أنها كانت تتعلق برحلات كولومبوس اللاحقة.

كانت رحلة كولومبوس الاستكشافية هي الأولى فقط من بين أربع رحلات قام بها للعالم الجديد؛ فقد عاد في عام ١٤٩٣، ثم عاد مجددًا في عامي ١٤٩٨ و١٥٠٢. ويؤكد أتباع فيجنود أنه لا بد أن يكون قد لاحظ في مكانٍ ما في الطريق أن الجزر التي عثر عليها لا تشترك في الكثير من العناصر مع أيِّ شيء مما وصفه ماركو بولو وجون ماندفيل. أين كانت تقع إمبراطوريتا الصين واليابان العظيمتان؟ أين كانت الشوارع الرخامية والأسقف المبنية من الذهب؟ فلم يكن هناك سوى قرًى بدائية.

لعل رحلته الثالثة هي التي شهدت اقترابه لأقصى حدٍّ من إدراك الحقيقة. ففي يوليو من عام ١٤٩٨، وصل لما يُعرَف الآن بشبه جزيرة باريا بفنزويلا، وبدأ الشك يتسرب إليه في أن هذه الجزيرة أكثر من مجرد جزيرة على ساحل الصين. فتطلع إلى الدلتا العريضة لنهر أورينوكو واستنتج على نحوٍ صائب أن مثل هذا القدر الهائل من الماء العذب يمكن أن يأتي فقط من برٍّ رئيسي ذي حجم مهول. وكتب كولومبوس في يومياته، كما دوَّنها لاس كاساس: «أعتقد أن هذه قارة ضخمة لم تُعرَف حتى اليوم.»

ولكن بعد هذه اللحظة القصيرة من الوضوح، قفز كولومبوس إلى استنتاج أكثر استحالة بكثير من «مغامرة جزر الهند» الأصلية. فقد قرر أن القارة الجديدة لا بد أنها «الفردوس الأرضي»؛ جنة عدن الأسطورية. وكان خطابه التالي إلى فرديناند وإيزابيلا مزيجًا غريبًا من اللاهوت والجغرافيا؛ إذ أوضح قائلًا: «لديَّ قناعة تامة في ذهني بأن الفردوس الأرضي يقع في المكان الذي ذكرته»؛ لأنه «فوق خط الاستواء مباشرة، وهو المكان الذي طالما ذهبت أفضل المراجع إلى وجود الفردوس به.»

ثم ورد مفهوم أكثر غرابة؛ فقد أوضح كولومبوس أن الأرض ليست مستديرة، ولكنها «تتخذ شكل ثمرة الكمثرى، التي تتخذ شكلًا مستديرًا للغاية في مجملها عدا عند العنق؛ حيث تكون ناتئة … ويُعَد هذا الجزء عند العنق هو الأعلى والأقرب للسماء.» وهذه النقطة الأقرب للسماء هي التي وجد عندها كولومبوس جنة عدن.

هل فقد كولومبوس صوابه؟ ربما؛ فقد كان يرزح تحت ضغط كبير، وكان مريضًا في ذلك الوقت. ولكن الأرجح في رأي معظم المؤرخين أن «فردوسه الأرضي» قد انبثق من قناعة كان يحملها بداخله منذ زمن طويل بأن رحلاته كانت بوحي إلهي. علاوة على ذلك، كان اعتقاد كولومبوس بأنه قد وجد الفردوس لا يتعارض بأي حال مع ادعائه بأنه في طريقه إلى آسيا. فكما كتب للملكين الإسبانيين، كان الفردوس في المكان الذي قالت المراجع إنها يقع فيه بالضبط؛ والواقع أن العديد من كتَّاب العصور الوسطى المسيحيين الذين استُشهد بهم في كتاب «صورة العالم» — أحد أكثر الكتب المُطلَع عليها في مكتبة كولومبوس — قد حددوا مكان جنة عدن عند أبعد نقطة من الشرق الأقصى.

وعلى أي حال، فقد تخلَّى كولومبوس عن فكرة الفردوس الأرضي فيما بعد. ففي عام ١٥٠٢، في أثناء رحلته البحرية الرابعة والأخيرة للعالم الجديد، أعلن أنه كان بصدد البحث عن مضيق يستطيع من خلاله اجتياز هذه القارة الجديدة للوصول إلى آسيا.

وقد شدَّد معظم المؤرخين، الذين كانوا لا يزالون يحذون حَذْوَ لاس كاساس وفرديناند كولومبوس وموريسون، على أن كولومبوس لم يدرك قط مدى اتساع هذه القارة الجديدة، بل لم يعتبرها مطلقًا قارة حقيقية؛ بل إنه قد استقر في ذهنه أنها امتداد لشبه جزيرة الملايو. لقد كانت بالتأكيد أكبر مما توقع، ولكن آسيا تقع وراءها مباشرة، فقط لو كان قد تمكن من إيجاد طريق للمرور عبرها أو من حولها.

وأغلب الظن أن كولومبوس تُوفِّي وهو على اعتقادٍ بأنه قد وصل إلى جزر الهند. وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن كولومبوس كان على قدر غير عاديٍّ من العناد والعزم؛ وإلَّا فمن المستحيل أن يكون قد تجاهل الأدلة التي توصل إليها في رحلاته الأخيرة؛ أو حتى رحلته الأولى. إذن كان الأمر يتطلب رجلًا على قدر غير عاديٍّ من العناد والعزيمة لإقناع فرديناند وإيزابيلا بتمويل رحلته البحرية، والإبحار عبر المجهول.

لمزيد من البحث

  • John Cummins, The Voyage of Christopher Columbus (New York: St. Martin’s Press, 1992). The most recent translation of Columbus’s journal is especially interesting because it incorporates the sections recorded by Ferdinand Columbus as well as those preserved by Las Casas.
  • Ferdinand Columbus, The Life of The Admiral Christopher Columbus by his Son Ferdinand, trans. Benjamin Keen (New Brunswick, N.J.: Rutgers University Press, 1959). Ferdinand, known as a somewhat bookish man, had a tendency to overemphasize the scholarly basis of his father’s Enterprise of the Indies, sometimes at the expense of his father’s more businesslike qualities. But he’s still a remarkable biographer as well as son. The book was first published in 1571, thirty-one years after Ferdinand’s death.
  • Henry Vignaud, The Columbian Tradition on the Discovery of America (Oxford: Clarenden Press, 1920). Columbus was a fraud, and historians were his dupes.
  • Samuel Eliot Morison, Admiral. of the Ocean Sea (Boston: Little, Brown, 1942). Still the definitive biography.
  • Samuel Eliot Morison, The Great Explorers (New York: Oxford University Press, 1978). The section on Columbus includes a summary of the traditional view on Columbus’s intended destination. While you’re at it, read the rest of the book; there was no better historian of the sea than Morison.
  • Kirkpatrick Sale, The Conquest of Paradise (New York: Alfred A. Knopf, 1990). Sale offers one of the latest (and best) presentations of the Vignaud position as part of a more general attack on Columbus, in which he blames the explorer for just about everything that went wrong with America, from enslaving blacks and Indians to destroying the environment. Not always convincing, but always lively and provocative.
  • John Noble Wilford, The Mysterious History of Columbus (New York: Alfred A. Knopf, 1991). An absorbing survey of the ways historians from Columbus’s time on have mythologized, debunked, and otherwise interpreted the man and his journeys.
  • Valerie I. J. Flint, The Imaginative Landscape of Christopher Columbus (Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1992). A fascinating, though somewhat academic, interpretation of the medieval sources of Columbus’s view of the world; here is, Flint writes, “not the New World Columbus found, but the Old World which he carried with him in his head.”
  • William D. Phillips Jr. and Carla Rahn Phillips, The Worlds of Christopher Columbus (Cambridge, Eng.: Cambridge University Press, 1992). A balanced history of the explorer’s life and times, especially strong on his time in Spain.
  • Miles H. Davidson, Columbus Then and Now (Norman: University of Oklahoma Press, 1997). A provocative but poorly organized critique of Columbus biographies.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤