السلطان الأول

السلطان عثمان الغازي بن أرطغرل
ولد الطيب الذكر السلطان الأول، السلطان عثمان الغازي بن أرطغرل، عام ٦٥٦ هجرية، وشبَّ على البسالة والإقدام والشجاعة والكرم، ولما بلغ الحُلُمَ انتقل والده إلى جنة ربه، فخلَّفه في قيادة جيش عشيرته، ولبث مصافيًا للسلطان علاء الدين، ويساعده في افتتاح جملة مدن منيعة، وعدة قلاع حصينة، فأتحفه مكافأة له بالطبل والعلم، وبسكة ضرب المعاملة، وأمر بأن تخطب صلاة الجمعة باسمه العزيز. وفي عام ٦٩٩، زحف جيش جرار من جماعة التتر على سلطنة علاء الدين، وفزعوا عليه بالحرب العوان، وبعد أن ناهضهم طويلًا ولم يُنِلْهُ الله الفوز عليهم؛ شق رعاياه عليه عصا الطاعة، وجاهروا بعدوانه، فاضطروا إلى المهاجرة لبلاد الروم، وهناك توفي، وحينئذٍ انقرضت الدولة السلجوقية، فقام الأهلون على قدم وساقٍ، ونادوا باجتماع الكلمة باسم عثمان الغازي بن أرطغرل سلطانًا عليهم، فجلس على مهد السلطنة عام ٦٩٩ للهجرة، وتمركز في مدينة قره حصار، ودعاها بادشاه، ثم حصن مدينة يكي شهر وجعلها مركزًا له، وأخذ يحكم بالقسط والعدل، وينصف المظلوم من الظالم، ويعطي لكل ذي حق حقه حتى رتع سكان سلطنته في بحبوحة الرغد والسعادة، وبعد أن نظم أحوال داخلية البلاد شرع في توسيع نطاق ملكه، فحاصر مدينة أذنك، وشادَ أمامها قلعة حصينة دعاها «نزغان» باسم قائد الجيش.

وفي عام ٧٠٧ﻫ، داخل والي بروسه الخوف من طموح السلطان عثمان إلى بلاده، فأثار عليه سرًّا وُلَاةَ البلاد المجاورة ليقاوموه، ولكن لما اتَّصَلَ به الخبر شَنَّ عليهم الغارة عاملًا بهم السيف حتى مَزَّقَ شملهم، وقتل صاحب قلعة كستل، وبعث بابنه أورخان خان يقود جيشًا كثيفًا إلى مدينة بورصه، وبعد أن حاصرها مدة دخلها عنوة، وأذن لأهلها أن ينصرفوا منها بدون أن يهرق منهم قطرة دم، وكان ذلك عام ٧٢٦ﻫ، ثم شرع في تنظيم أحكامها، وتحصين قلاعها.

وفي أثناء ذلك جاء رسول من قبل والده يستدعيه إليه، فأطاع وراح مسرعًا، ولما أن دخل على أبيه ألفاه يتقلب على فراش الموت، فاغرورقت عيناه بالدموع وخاطبه بقوله: يا أعظم سلاطين البر والبحر، كم قهرت أبطالًا، وافتتحت بلدانًا! ما لي أراك في هذه الحالة؟ فأجابه والده: لا تجزع يا بني، هذا مصير الأولين والآخرين، وإنني الآن أموت فرحًا مسرورًا لكونك تخلفني وتقوم مقامي بإدارة هذا الملك السامي. ولم يتم كلامه حتى انتقلت روحه إلى جنة السعادة، ونقلت جثته إلى زاوية قلعة بروسه؛ حيث دُفِنَ بكل إكرام وإجلال. وكان ذلك عام ٧٢٦ﻫ، بعد أن عاش سبعين سنة قضى منها ٢٧ عامًا على تخت السلطنة.

وكان رحمه الله شجاعًا باسلًا، شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الخلق، أَبِيَّ النفس، كريمًا يحب الإحسان لبني الإنسان، ومن وفرة كرمه لم يترك شيئًا لخليفته سوى حلة مطرزة، وعمامة مضرجة، وبعض مناطق من القطن نُسجت على هيئة بسيطة. رحمه الله وجعل الجنة مأواه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤