السلطان الحادي والثلاثون

السلطان عبد المجيد خان ابن السلطان محمود خان الثاني

وُلِدَ سنة ١٢٣٧ﻫ، وجلس عام ١٢٥٥ بالغًا من العمر ١٨ سنة، وعُقَيْبَ جلوسه أقام خسرو باشا صدرًا أعظم، فلم يستطع أن يستميل إليه كبار رجال الدولة، وقد جاراهم في بعض الأمور فوقع النفور بينه وبينهم، واستحكمت حلقاته حتى لم يعد في الإمكان إصلاح ذات البين، وبالنظر لما وقع من الشقاق تأخَّرت أحوال العمارة البحرية التي أرسلتها الدولة إلى مصر، وحينئذٍ أقال السلطان من منصب الصدارة خسرو باشا، وعين مكانه رشيد باشا الذي شمَّر عن ساعد الجد، وابتدأ في إجراء التنظيمات وسائر ما مِن شأنه أن يمهد أمام العباد سبل الراحة والإسعاد، ثم أصدر منشورًا تضمَّن إجراء العدالة، ورفع المظالم، تلاه في الكلخانة بحضرة السلطان الأعظم وشيخ الإسلام والوزراء العظام وسائر العلماء الفخام، وبعد ذلك سعى في حسم مسألة مصر، فأنهاها بما يوافق مصالح الدولة، ومنع سفن الدول الحربية من الدخول في بوغاز البحر الأسود والبحر الأبيض. وفي سنة ١٢٦٥، ساح السلطان في جهات الروم إيلي الشرقية، ثم عاد إلى القسطنطينية وشرع في إصلاح الأحوال الداخلية، وفي السنة ذاتها نقضت الروسية العهود، وطلبت من الدولة وضع حمايتها على سائر المنسوبين إليها المقيمين في الممالك المحروسة، فأبت الدولة ذلك، وامتنعت عن القبول بأمر ليس فيه للحق وجه، ولما اعتلمت الروسية بعدم إجابة طلبها أشهرت الحرب على الدولة عام ١٢٧٠، فسارت الجنود الشاهانية إلى جهة الأناضول والروم إيلي، واقتتلت مع عساكر الروس عند سواحل نهر الطونه فأهلكتهم، وحينئذٍ جمعت الروسية كل قواها، وألفت جيشًا كثيفًا من تسعمائة ألف رجل ساقتهم إلى حقول المعركة، فلما رأت الدول ذلك فقهت وخامة العاقبة، واتحدت إنكلترا وفرنسا وساردينا مع الدولة العلية، وأرسلن مراكبهن تحمل المدافع والجنود، فأخربت قلع سواستبول وسائر شطوط الروسية البحرية، وأوقفوا الروس عند حدودهم.

وعُقَيْبَ ذلك عقدت معاهدة باريس، وتم بموجبها الصلح عام ١٢٧٣، وتفرغ السلطان لسن النظامات المتعلقة بالتجارة والصناعة والزراعة، فشكَّل محاكم التجارة، وأسس المكاتب الرشيدية، واعتنى في نشر المعارف والعلوم، وتعميم العدالة والأمن. وفي عام ١٢٧٧ توفي إلى رحمة الله عن عمر أربعين سنة، قضى منها على عرش الملك ٢٢ عامًا، ودفن في جوار جامع السلطان سليم في تربته المخصوصة، رحمه الله رحمة واسعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤