السلطان الخامس

السلطان محمد خان جلبي ابن السلطان بايزيد الأول

وُلِدَ عام ٧٨١ﻫ، ولما بلغ أَشُدَّهُ خاض ميادين الوغى تحت دربة والده ملازمًا إيَّاه حتى يوم وفاته، وبعد ذلك وقعت المنازعة بينه وبين إخوته مدة إحدى عشرة سنة، فاختلس تيمورلنك تلك الفرصة وأخذ يتلاعب برجال الدولة بما اشتهر به من الذكاء والدهاء، وفي تلك المدة ثار الإنكشارية وتمردوا، فقتلوا سليمان ابن السلطان، فانتقم منهم أخوه موسى وأحرق منهم كثيرين، ثم إن موسى هذا كادَ لأخيه محمد خان، فرجع كيده في نحره وقُتِلَ، فهدأت بموته القلاقل والاضطرابات، وجلس أخوه محمد خان على تخت السلطنة عام ٨١٦ﻫ، فجاءه رسل من ملوك اليونان والإفرنج يقدمون لعظمته التهاني والهدايا، فأنعم على ملوك اليونان ببعض أماكن كان اغتنمها منهم أسلافه، وعقد الصلح مع ملوك الإفرنج، ثم شرع في إصلاح شأن السلطنة، وإعلاء شأنها باسترجاعه البلاد التي كان سلخها عنها تيمورلنك، واستعاد بغداد من أمير قرمان، وأخضع بلاد السرب، وفتح مدينة أزمير، وضرب الجزية على بلاد الفلاق، وحارب مشيخة البندقية، وعقد الصلح مع عمانويل ملك القسطنطينية، ونصب كرسي ملكه في أدرنه، وهو أول من شكل العساكر البحرية.

وفي عام ٨٢٤ﻫ، مرض بالإسهال الدموي، وقبل أن يدنف كتَب إلى ابنه مراد، الذي كان وقتئذٍ في أماسيا، يخبره بمرضه، ويشير إلى استخلافه. وبعد أيام قليلة توفي في العام ذاته، فأراد كبراء الدولة إخفاء موته عن الجنود إلى أن يحضر ولده، وكان الديوان يجتمع كل يوم للنظر في تدبير أمور المملكة حسب العادة المألوفة، فأصدر أمرًا للجنود ليتوجهوا إلى فتح بعض البلاد، فأطاعوا وطلبوا قبل سفرهم مشاهدة سلطانهم المحبوب، فاعتذر لهم رجال الديوان بأن ذلك يزعجه ويثقل مرضه، فلم يرضوا ولبثوا ملحين في نوال ملتمسهم، فأمروهم أن يمروا تحت كشك القصر، وهناك ينظرون السلطان، حيث إن جثته لم تكن دُفنت، فأجلسوه في نافذة من القصر، وجلس خلفه رجل يحرك له يده، فمرت الجنود تحت النافذة، وفرحوا فرحًا عظيمًا من مشاهدة سلطانهم، وذهبوا إلى الحرب كالأسود الكاسرة، واستمرَّ خبر وفاته مكتومًا عن العساكر وعامة الناس مدة أربعين يومًا حتى وصل ولده السلطان مراد، وجلس على تخت السلطان، ونقل جثة والده بكل إكرام إلى بورصة حيث واراها التراب في جوار جامع يشيل. تغمده الله برضوانه.

وكان رحمه الله يحب بناء الجوامع، ويميل إلى رجال العلم والمشايخ، ويرسل الصدقات. وهو أول من أرسل صرة من الذهب إلى شريف مكة المكرمة ليوزعها على الفقراء، وكان ذكي العقل، شديد البياض، أسود العينين، عريض الحاجبين، فسيح الجبهة، مرتفع الصدر، مستقيمًا في تصرفاته، عادلًا في أحكامه، كريمًا شفوقًا على الرعية. وهو الذي خلص المملكة من الدمار، وأعاد لها شرفها الباذخ حتى إن بعض المؤرخين لقبه بنوح في تخليصه فُلك المملكة من طوفان التتر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤