باقر الشبيبي

اطلب ترجمته ورسمه ونخبة من نثره في قسم المنثور من هذا الكتاب.

الصحف

صوت الشعوب وصيتها الصحفُ
تجري بهم للمَجْدِ إن وقفوا
ماذا أقول وكيف أذكرها
وبأي وصفٍ مثلها أصفُ
إن قلتُ داعية العلى فلها
ولأهلها العلياء والشرفُ
الناطقات ونطقها حِكمُ
والحاكمات وحكمها النصف
والعادلات فلا يلم بها
كلا ولا برجالها الجنف
والمنزلات على الأُلى ظلموا
رجزًا بما ظلموا وما اعتسفوا
فهي اللواتي أينما ثقفت
تأتي عليهم أينما ثقفوا
عكفت تندد بالذي فعلوا
وهم على مرضاتها عكفوا
من كل سائرة مغلفة
كالدر أطلع وجهه الصدف
لا البَحْرُ يمنع أن تخب به
سيرًا ولا المتباعد القذف
منهن نور الفضل «مقتبس»
وبهن نور «العلم» «مقتطف»
المورقات فكل زاهرة
في مجتلاها روضة أُنُف
بيضاء ما وشيت بأسودها
إلا تلاقى الصبح والسدف
فإذا ترى لونيهما اختلفا
فالنَّاس من أجليها ائتلفوا
عرفوا الحقوق وكل عارفة
فيها ولولاها لما عرفوا
ولمنكري آياتها كشفت
عن حجةٍ كالصبح فاعترفوا
كم سددت بالحق أسهمها
لكن قلب الباطل الهدف
الداعيات لكل سالفة
غراء أبقاها لنا السلف
أخلاق علامين إن وعدوا
لم يخلفوا حاشاهم الخلف
قوم إذا ما الضَّيمُ أوترهم
نهضوا له بالعزم فانتصفوا
لا يتلف المعروف بينهم
هيهات بل يحمى ولو تلفوا
لا يأسفون على فنائهمُ
فيه وحق عليهم الأسف
لهمُ إلى العلياء متجه
وبهم عن الفحشاء منصرف
لم يتبعوا بالحلف قولهم
فإذا دعوا فالصدق إن حلفوا
ترفت ضمائرهم فما بطروا
فيها ولا أغواهم الترف
كم مفخر أبدَوْه مُخترعًا
لله ما اخترعوا وما اكتشفوا

آلام الاجتماع

يا شقاء الكون في أوضاعه
واعتلال النوع في المجتمع
أين من يشفيه من أوجاعه
إنها تعيي الطبيب الألمعي

•••

فتكت في جسمه أسواؤه
فتكة ساءت وقد ساء المزاج
فغدت مزمنة أدواؤه
واستمرت فيه حالات الهياج
كم تراءت قبل في أطباعه
سمة في غيره لم تطبع
فأراعته قوى رواعه
وأرته عرضة للصرع

•••

ليت هذا الجيل لما يخلقِ
باديًا بالسوء من أخلاقه
إنه جيل جنون مطبق
ولكم دل على إطباقه
أثر الخبط وبادي القلق
في مناحِيه وفي آفاقِه
ومتى نسعى إلى إرجاعه
لمعاليه بحسن المرجع
ونُماشيه إلى استرجاعه
شكله الراقي بنظم مبدع

•••

أيُّها الإنسان في أكنافه
أين أنصارك من بين الملا
هتفوا باسمك في إسعافه
خدعة منهم فضلوا السبلا
إنَّما يسعى إلى إتلافه
أدعياء الاشتراك الجهلا
ولقد بالغن في إيجاعه
ألسن هيجن شجو الموجع
ضل من ينصف لاستسماعه
كلمًا ينبو بكل مسمع

•••

أسقط النَّوع خصام الدول
أوَما تنظره بادي السقوط
أترى نجم هُداه يعتلي
أم تراه سائرًا نحو الهبوط
قد أنيط الحكم بالمُستقبل
فنرى إما رجاء أو قنوط
ومتى عاد إلى إشعاعه
نجم علياه فقم وانتجع
وإذا ما زاد في استلماعه
فلذيذ العيش للمخترع

•••

يا دُعاة السلم في قصر السلام
أين مسعاكم إلى تأييده
أنتجت أتعابكم هذا الخصام
أفلا نقوى على تبديده
فهلموا اسعوا إلى رَدِّ النظام
واعملوا حقًّا على توطيده
وأذيعوا لدى أشياعه
كم له بين الورى من شيع
وإذا فتشت عن أتباعه
لم تجد أنت سوى متبع

•••

قسمًا لولا احتدام الأُمم
لرقى الإنسان أعلى مرتقى
ولسارت للعُلى عن أمم
خببًا أو رملًا أو عنقا
ولظل النسل في أنواعه
طالعًا في الأفق أعلى مطلع
قائلًا للشهب في إيضاعه
أيها الشهب أغربي لا تطلعي

•••

اتئد ويحك يا ظَلَّامه
فإلى كم أنت ذا تظلمه
لا تزد إن لم تزل آلامه
فكفى هذا الذي يؤلمه
وانتزع من جسمه أسقامه
رحمة منك أما ترحمه
وترفَّق أنت في إفزاعه
فلقد ترحته بالفزع
حسبك الهيكل من أضلاعه
ناتئًا يُشبه ناتي أضلعي

•••

أترى سير التعدي يقفُ
أم تراه مُستمرًّا في السرى
ما لنا إمَّا قوينا نضعف
فكأنَّ النوع يمشي القهقرى
كُلَّما قلنا تناهى الجنف
وانطوت ذكراه فينا نشرا
ولها الإنسان عن إبداعه
وتفانى باختلاق البدع
وإذا ما شط عن إنفاعه
عاد لم ينفع ولم ينتفع

دواء الربيع

نفض الربيع جماله ونضارَهُ
وكسى الأديمُ المكفهر بهارَهُ
وشَّى مطارفه الحيا مُتهللًا
فيه وطرَّز بالزهور إطاره
النَّهر مُطَّرِدُ المياه تدفقت
في ضفتيه ولاعبت زخاره
والطل تسقط في الرِّياض دُموعه
والغيثُ يُرسل هطلًا أمطاره
والصُّبح أطلع للعيون شموسه
بيضاء تلمع والدجى أقماره
هذا الربيع فما أُحَيْلى ليله
للساهرين وما ألذ نهاره
يعطيك أبدع ما يروقك نوره
ويريك أجمل ما ترى نواره
صنعت يداه من الورود حدائقًا
غنَّاء فوق نَورها وأناره
الشعر ما نثر النَّسيم وروده
في الرَّوض أو نظم الحيا أزهاره
والوحي ما نفح الشذى مُتعبقًا
أو ما شممت ندية أعطاره
والسحر ما نفض الأصيل شعاعه
أو ما أذاب على الشطوط نضاره
واللطف ما ملأ الحيا أحواضه
أو ما أسال على الرُّبى أنهاره
والحسن ما لبس الأديمُ ملاءةً
خضراء أو خلع الربيع عذاره
إني أحب من الربيع شميمه
وأُحِبُّ فيه خزامه وعراره
وأُحِبُّ نضرته، أحب دواءه
وأحب خفته أحب وقاره
وأحب وكَّاف السحاب إذا بكى
في الرِّيف أضحك دمعه أشجاره
والشمس تجنح للمغيب أحبها
والبَدْرُ يُرسل في الدجى أقماره
وأحب من هذا النهار أصليه
وأُحب من ذاك الدجى أسحاره
والبحر إن ركد النسيم سكونه
وأحب من حركاته تياره
كل الطيور الصادحات أحبها
وأحب من صدَّاحها أطياره
أحببت بلبله المتيم حائمًا
وعشقت وهْو على الأراك هزاره
أثرت بنضرته الشعاب فهل ترى
أحدًا يقدر في الثرى آثاره

•••

بُشرى الربيع المستقل فإنه
قد فك من شرك الشتاء أساره
حر تبسم للعراق بوجهه
كي يستفز ببشره أحراره
حملت عواصفه رسالة ثائر
للمعرقين فهيجت ثواره
شتان بينهما فذا مستسلم
للحادثات وذاك أدرك ثاره
هيهات ينتفض العراق من الكرى
حتى يهز بكفه بتَّاره
ليت العراق وقد تطور أهله
يقضي ولو تحت الخفا أطواره
سر النجاح إذا أراد نجاحه
أن لا يُبيح لغيره أسراره

أغرودة مستلذة

حمامة هذا الغصن بالله رجعي
فقد سكنت نفسي إليك ومسمعي
خذيني إلى الدوح الذي تعتلينه
وإلا فخير العيش أن تنزلي معي
خذيني إلى الوكر الذي تألفينه
فثَمَّ كرى عيني وثَمَّةَ مضجعي
خذيني إلى الجَوِّ البعيد لعلني
أجاور موجات الأثير المشعشع
حمامة هذا الدوح في الدوح مهجتي
وفي المشرف العالي فؤادي وأضلعي
تربعت ذاك الأيك عرشًا فليته
أريكتيَ العلياء أو متربعي
دعيني فلي تحت الغصون مناحة
ولي فوقها تغريدة المتفجع
كلانا مُحب مستهام مودع
حبيبًا فيا وجد المحب المودع
تعلمت منك الشعر والشعر نغمة
تحرك أوتار الفؤاد المقطع
تعلمته أغرودة مُستلذة
تُذاب بأنفاسي وتجري بأدمعي

•••

تطلعت من كوات كوخيَ مشرفًا
على النَّاس أرعاهم بعين تطلُّعي
فما وقعت عيني على متشرع
بلى وقفت نفسي على متسرع
لديَّ من الدنيا عظات تريبني
وتزهدني في صحبة المتورع
فأنكرت سلسال الفرات فهل جرى
بسم كما شاءت يد الدهر منقع
وأصبحت في أوطان قومي مروعًا
كأنيَ في غاب من الأرض مسبع
تناسيت واديَّ الذي هو منبتي
وأنكرتُ من عين الحمية متبعي
وأضحى ذراعي لا يُقاوم إصبعًا
وكم من ذراع كان من دون إصبعي
ولو كان في إمكان نفسي نزوعها
لزايلت قومي في العراق وموضعي

هي النفس

هي النفس هذِّبها بما تستطيعه
فليس سِوَاها بين جنبيك من نفس
وصبح بها الأخلاق فهي غنائم
فإنك لا تدري أتصبح أم تمسي
وجدد من الذكر الجميل مراسمًا
لنفسك واترك داثر الشرف المنسي
فإنك حي ما نسبت لها الإبا
وإنك ميت ما انتسبت إلى الرمس
يغالي الفتى من سوقه المجد غاليًا
ويرخص من باع الحمية بالبخس
وأنت ابن هذا اليوم فاعمل لوقته
فلم تملك الآتي ولم تغنِ بالأمس
وليس يُفيد الدرس ما لم تضف له
خلائق تغني عن مطالعة الدرس
وخذ بعيان الأمر لا بخياله
فشتان ما بين التصور والحس
قل الفصل تملك سره الفضل منزلًا
وتمتاز في فصل الخطاب على الجنس
كأن حياة الخلق في الأرض بقعة
تخالفن نبتًا والفضيلة للغرس
تُروِّحني الأخلاق ألقى نسيمها
كأن به روحًا يهب من القدس
أبَنْتُكُم يا خاملين وإنما
«يبين هباء الذر في ألق الشمس»
فلا قلمي باكٍ برسم صنيعكم
ولا ضاحك في نعت أخلاقكم طرسي
كم اعتضت عنكم ناطقين خواطئًا
بما جاء مَنسوبًا لأقلاميَ الخرس
فوائد قس فيها الكواكب أو فقل
فصول خطاب لابن ساعدة قس
وما أنست نفسي بلهوٍ وإنما
رقيُّك يا أرض العراق به أنسي
لألبست أقطار البلاد معارفًا
فهل حسنٌ أني لك الفضل أستكسي
سأفديك في أغلى من المال غيرة
إذا باعك الأغيار في ثمن بخس

المدارس في العراق

عقِمتْ أن تجيئنا بنتاجِ
حجرات تجيد درس الأحاجي
شرب الغرب ماءهن نَميرًا
وشربنا من ماء ملح أجاج
كم على سُوقها ازدحام نفوس
كازدحام الفراش حول السراج
صيرت سوقها العلومُ عكاظًا
حين قامت قيامة للرواج
فتحت للرقي مرتج ملك
وأتتهم بما به من خراج
نشأت فتية الفضائل فيها
إن لسلم ترى وإن لهياج
تخرج الطفل حائزًا للمعالي
حسن الإتفاق والإزدواج
كل من يدخل المدارس عامًا
يلقَ فيها محجة الإبتهاج
هي برج من المعارف أرسى
أسه فوق شامخ الأبراج

•••

كل يوم أمسي وأصبح فيما
يصدع القلب كانصداع الزجاج
حال ما بيننا الزَّمان كأنْ قد
سد ما بيننا رتاجة ساج
صَحَّ جسم العلى وعاد سقيمًا
تشتكي روحه اعتلال المزاج
قد فقدنا لنبضه حركات
وعذرنا طبيبه بالعلاج

•••

كم عرضنا مُقَدِّمات الأماني
نحو قومٍ فلم نفز بنتاج
وطوينا أرض العراق ونجْد
وقطعنا فلاة تلك الفجاج
ما رأينا للعلم قبضة كف
بسطت فيهما بساط ابتهاج
أزمات الحروب قد أثقلتنا
فعساها تجيئنا بانفراج

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤