محمد السماوي

figure
محمد السماوي.
ولد محمد بن الشيخ طاهر السماوي في السماوة١ سنة ١٢٩٣ﻫ، ولما بلغ العاشرة من عمره أرسله والده إلى النجف الأشرف لطلب العلم، فبقي فيها يدرس العلوم النقلية والعقلية نحو اثنتي عشرة سنة، ثم بلغه وفاة والده، فظلَّ في النجف كذلك بعد وفاة أبيه ما يزيد على العشر سنين يطلب العلم، وما لبث أن رجع إلى السماوة وظل فيها ما يقرب من ثماني سنين، ثم سافر إلى بغداد ومكث فيها أربع سنوات عضوًا في «انجمن الولاية» حتى سقطت بغداد بيد الجيش البريطاني، فعاد إلى النجف وسكنها إلى يومه هذا. وهو اليوم قاضي الشرع الشريف في النجف الأشرف.

وقد نظم المترجم الشعر في أيام الشباب، وأكثر منه في الغزل والإخوانيات، ثم تركه ولم يعد ينظم في غير مدائح النبي والأئمة الاثنى عشر، وقد طبع له من ذلك مجموعات قبل عشرة أعوام. وله في هذا النوع نحو عشرين ألف بيتٍ غير مطبوعة.

(١) مؤلفاته

للشيخ محمد السماوي مصنفات في علوم شتى، أهمها:
  • (١)

    الطليعة في شعراء الشيعة: سفر كبير يقع في ثلاثة مجلدات، بحث فيه مؤلفه عن شعراء الشيعة قديمًا وحديثًا (مخطوط).

  • (٢)

    أبصار العين في أنصار الحسين: يتضمن تراجم أصحاب الحسين بن علي الذين قُتلوا معه في الطف (مخطوط).

  • (٣)

    ظرافة الأحلام فيما نظم في المنام: مجموعة الشعر الذي حفظه رائيه بعد انتباهه (مخطوط).

  • (٤)

    الكواكب السماوية في شرح القصيدة الفرزدقية: كتاب أدب نحا فيه مُؤَلِّفه نحو شرح الصفدية على لامية العجم (لا يزالُ خطيًّا).

  • (٥)

    شجرة الرياض في مدح النبي الفياض: مجموعة قصائد طبعت في مطبعة الآداب ببغداد سنة ١٣٣٠.

  • (٦)

    ثمرة الشجرة في مدح العترة المطهرة: مجموعة منظومات طبعت في مطبعة الآداب ببغداد كذلك سنة ١٣٣١.

وله غير هذه من الآثار النفيسة، وفيما يلي نماذج من نظمه:

في مدح النبي

أخجلت جيد الريم بالإلتفاتْ
وفقت سل السيف بالإنصلات
بسمت زهوًا بشتيت اللمى
فأي شمل لم تدعه شتات
تقوَّل الناس بتحقيقه
والله قد أنبت ذاك النبات
ثغر إذا لحن ثناياه لي
عجبت للؤلؤ وسط الفرات
جلا علينا فمه خمرة
فهاك يا ساقي كاسي وهات
حررْ بها عنقي وبرد بها
قلبي وإلا مت فيها خفات
خط العذاران دقيقًا على
صحيفتي خديه أحلى نكات
داويت قلبي بثنا «المصطفى»
عنها فأحياه ولولاه مات
ذريعة الخلق إلى الحقِّ كم
يرون هبات له في هبات
راقت معاليه فآياتها
تتلو علينا الزبر والبينات
زاكية في مدح زاكٍ أتى
يدعو إلى الله بطيب الزكاةْ
سما على العالم أملاكه
وأنبياه بجليل السمات
شرى رضاء الله في نفسه
فنالَ كلٌّ منه أهنى حياةْ
صوره الرَّحمنُ من جوهر
منزه عن عارضات الشيات
ضاء السنا منه على هيكل
قدسه الله بأسنى الصفات
طه البشيرُ المهتدي أحمد
الناصع الخالص نعتًا وذات
ظل البرايا كهفها الملتجي
إليه أن جاءت إليه كفات
عز الهدى فيه ولولاه لم
يكن له في يوم عز ثبات
غادره أثبت من سيفه
في كفه إن راعت الحادثات
فقل لغاوٍ لم يطع قوله
ليس ورا الحق سوى التُّرَّهات
قد جاء بالقرآن أعْظِم به
من معجز حين تحدَّى الغواةْ
كتابه المُنزل من ربِّه
وقوله الصادع بالمحكمات
لله ما جاء به أحمد
وللمعاني الغر بالمعجزات
ماز لنا ميلاده عن هدى
أمات أحياءً وأحيى موات
نار خبت فيه وماء جرى
وكوكب أهوى وداع أصات
وانشق إيوان فأبراجه
تطايحت بعد ثبات ثبات
هل بعد هذا مُعجز معجز
للمتحدي من جميع العتاةْ
يبقى حيوة الدهر إعجازه
ومعجز الرسل لحين الممات

وله في مدح النبي كذلك

أجل الثنايا أملًا واقتراحْ
وأنعش بها روحي في وقت راحْ
بالله واجعل نقلي بعدها
من ذلك الورد وذاك الأقاح
تسارعت شمس الضحى خيفة
أن يقبس الطلعة منك الصباح
ثار لها الغيظُ فلاحت على
حال يد طوق وأخرى وشاح
جلل بفرعيك على وجهها
فقد دهانا وجهها بافتضاح
حرمت يا شمس عناق الهوى
لا خاب من سمَّاك يومًا براح
خرجت غيرَى منه محمرة
أولى وأولى فهو زين الملاح
دعاني اللاحي فقلت أنته
أرى الفلاح الحب لا ألف لاح
ذرني فبالحب صلاحي فإن
زال فمدح «المصطفى» لي صلاح
راسي العلا شامخ طود الحجى
ظل الملا باب النجا والنجاح
زيَّن وجه الدهر ميلاده
وزَاده روحًا وفضل ارتياح
سقى به الله عطاشى الفلا
وأطعم الله غراثي البطاح
شاد به عرش المعالي كما
شَقَّ له إيوان كسرى فطاح
صرَّح شق وسطيح بما
قد رأياه من خفايا وضاح
ضاق بنو الكفر بما أخبرا
ظنوا بأن الأمر فيه انفساح
طاشت خطاهم ظهر النور من
فاران واستولى النبي الصراح
ظاهره النصر فراياته
تسير بالفتح مسير الرياح
عرف بالمعجز إرساله
من سور مخرسة للفصاح
غامرة الإعجاز حتى انثنوا
منها يسدون صماخًا براح
فأورق العود له والحصى
سَبَّح والجذع بكاه وناح
قسم بدر التم شقًّا كما
رد عيونًا سائلات صحاح
كف أكف السوء عن يثرب
ووطد الأمن بكل النواح
لأث على كشح هضيم الحشا
حجابه الجوع وعانى الكفاح
مناقب يعجز تعدادها
لوعد قطر الساريات الدلاح
نال بها الإسلام تعزيزه
فأرسل الطرف ومد الجناح
وانتشر النور وبان الهُدى
فلاح للعالم منه فلاح
هاتيك في جابلق أطنابه
ممدودة والعمد فوق الضراح
يشكر من جاء به مهديًا
صلاته العُليا غدوًّا رواح

وله في مدح النبي كذلك

أطلعة بازغة أم هلالْ
ووفرة سابغة أم ليالْ
بدت فكم طرف لها شاخص
سال ولكن قلبه غير سال
ترق للعين غروب اللمى
منه كما ينصع عقد اللئال
ثغر جلا الحُسن له أنْجُمًا
دار بها الشارب دور الهلال
جلى عليه باز غرنينه
بجنحي الأصداع خوف المنال
حلا لماه للذي ذاقه
طوبى لمن يشرب خمرًا حلال
ختامه المسك عليه بدا
فخال بعض أنه كان خال
داوِ سقامي يا طبيبي به
فإنه أصبح داءً عضال
ذوى قوام الجسم لو لم يكن
له على مدح «النبي» اعتدال
رسولنا الصادق بالوحي والصَّـ
ـادع بالقول وصدق الفعال
زاكي الورى الآتي على فترة
من النبيين بحسن المقال
سعد النبيين الأُلى فخرها
لو عقدت منه شراك النعال
شبه من شبه أفعاله
أهل الحجى إذ كان فرد الرجال
صوره الله تَعَالى اسمه
من جوهر فرد عديم المثال
ضفى عليه القدس أستاره
ومَدَّ أبرادًا عليه الجلال
طه ومن طه عداك النهى
رب الجميل المنتهي والجمال
ظلامة الرشد أتت عنده
فجاء كي ينقذها من ضلال
عال اليتامى والأيامى معًا
وكان للعافين أبقى ثمال
غرق بالأفضال أنجى من الـ
أهوال أبدى مُعجزًا لا ينال
فرق بين الدين والكفر في
جامعة الإسلام يوم الجدال
قاد الورى للدين أولى ثرا الـ
ـمسكين، أردى بالعرا من أحال
كف أكف الشرك في هديه
ليعبد الله على كل حال
لا تعجبوا أن أورقت عودة
في كفه فالكف غيث سجال
منَّ على الأسرى وفك الورى
من الجهالات وأورى النزال
نازل والموت على سيفه
يميل عزرائيل من حيث مال
وصال حتى لم يدع مطمعًا
لمن بغى في الحرب أدنى وصال
هد بناء الشِّركِ مُستأصلًا
فانتصب التوحيد طلق العقال
يرفعه العدل إلى غاية
ليس وراها غاية وانتقال

في مدح الحسين الشهيد ابن علي عليهما السلام

أدهق ساقي الهوى له قدحهْ
فشب زند الجوى بما قدحه
بات يجنُّ الهوى ويستره
لكن صوت البكاء قد فضحه
ترثي له الناس رقة وهمُ
لم ينظروا قلبه ولا فرحه
فل الجوى عزمه بحب رشًا
لو مر عذب الصبابة جرحه
جؤذر رمل ومهر سابقة
ألا ترى جيده ومتشحه
حاز من الزبرقان لمحته
وباع من مشتري السما ملحه
خطا قناة وما خطى كبدي
ومال صفحًا سبعًا وما صفحه
دعاه قلبي للحزن لازمه
فلم يزل همه ولا ترحه
ذاك لأنَّ الفؤاد هام به
ولم يطع فيه قول من نصحه
رِقَّ لمن لم يرُقْ سواك له
وأرث لمن لا تزال مقترحه
زايلت وصفيك ثم عدت إلى «الـ
ـحسين» أجلو من وصفه مدحه
سبط النبي الهادي وبهجته
وثقله الأكبر الذي طرحه
شاد عماد الهُدى وأطلعه
بدرًا يُوازي بدر السما وضحه
صرف في دين جده فكرا
له وأوحى إلى الهدى لمحه
ضاقت يد المُسلمين عن رجل
يُقيم للمسلمين منفسحه
طلاب حق ركاب مخطرة
حي وجه بالسيف منه قحه
ظلوا حيارى به فلم يجدوا
سواه يُعطي الإسلام ما اقترحه
عاذ به خائفًا فآمنه
مُستميحًا فبثه منحه
غدا يشيدُ الهدى ويرفع ما
كان أبوه النبي قد فتحه
فكم دريس أعاد رونقه
وكم مشوب قد رده صرحه
قاتل عنه بصاحب خذم
لو صادم الطود حده نفحه
كهم بيض الظبا بموقفه الـ
ـحرج وأنسى من قوسه قزحه
لما انثنى في الكفاح مبتسمًا
كأنَّ في حومة الوغا فرحه
ماز الهدى وانجلت حقائقه
وعدن سبل الإسلام متضحه
نال المنى في وقوفه ومضى
لله ذبحًا فويح من ذبحه
ورد ضوء الكتاب مُنتشرًا
يجلو على مسمع الهدى فصحه
هدى به الله من أضلَّ هدى
ومن للاسلام صدره شرحه
يقصر وصفه الطويل ثنًا
فقل بمثن يُقيم منسرحه

في مدح علي السجاد ابن الحسين عليهما السلام

أبد لي مم احوراز المقلِ
أهو من كحلٍ بها أم كحلِ
بت منها وهي سكرى ثملًا
هل سمعتم ثملًا من ثمل
تلفت نفسي أمَا يرأف بي
ساحر الأجفان أو يعطف لي
ثغره الأشنب لو عللني
لشفى لي عللي أو غللي
جائر الأعطاف كم قد هزها
فأسال النفس فوق الأسل
حارب الصب بها حرب الرَّشا
فاستهان الناسُ حرب الجمل
خف بند الخصر منه فانثنى
عنه واثَّاقل درع الكفل
دع فؤادي وسنًا وجنته
فهو جاء النار كيما يصطلي
ذهبت ألحاظه قابسة
منه فارتدت له بالشعل
رام يُطفيها بدمع فاغتدى
نهب نار ومياه همل
زاد في الطين بلالًا فالتجى
«لعلي» بن الحسين بن علي
سيد العُبَّاد مصباح الهدى
في المهاوي نور عين المجتلي
شرف جاز المعالي وعلي
فاز في نص الكتاب المنزل
صدع الليل بشخص قائم
في محاريب الدجى مبتهل
ضارع لله في وقفته
يبتغي العزة في المستقبل
طَلَّق الدنيا ثلاثًا وانثنى
لهوى الأخرى بسوق مشغل
ظلم الطالب تشبيهًا له
عندما يذكره في رجل
علمت كل الورى أنَّ به
موضع الشبه وضرب المثل
غاية الفضل ابتداءً عنده
ينتهيها في الرعيل الأول
فاض في الدنيا نداه فاستوى
باطن السهل وظهر الجبل
قف على آثاره واسأل تجد
منه ملء السمع ملء المُقل
كم توخى جمعها من حازم
فانثنى منها غريق البلل
لم يطق يجمع منها بحرها
فاكتفى عن بحرها بالوشل
ما على مادحه من كلف
إن يجانس بين تلك الخصل
نسب زاه وفضل زاهر
وهوًى منجٍ وفخر منجل
ويد بيضاء في كل الورى
كم تجلت في السواد المقبل
هي راح الملتجي والمرتجي
إن يرم عصمته أو يسل
يبلغ القول ولا يبلغه
لعلو المرتقى والمنزل

في مدح محمد المهدي ابن الحسن عليهما السلام

أروضة العارضين طرزها
ورد العذارين حين طرزها
بدت لنا من خدوده فتن
فزادها عارضًا وعززها
تبارك الله خط دائرة
من عارضيه والخال مركزها
ثنى ثنايا عن شارب فغدا
مُنعطفًا فوقها لينهزها
جالت على الغُصن منه أوشحة
صدرها والكثيب عجزها
حبيب قلبي لا تقذفن به
هوة وجد أبعدت حيزها
خلفته والعيون رامقة
إليه حزؤًا تطيل مهمزها
دمع يزيدُ الجوى تدفقه
وحرقة لم تدع تميزها
ذبت إما رحمة فتنعشني
أو موتة اغتدى مجهزها
رق لدمع مرقرق وحشيً
قطع منها الغرام مفرزها
زالت فلولا «المهدي» يركزها
هداه لم تستطع لتركزها
سيف النبي الهادي وصعدته
جرده للهدى وهزهزها
شقت غيومُ الظلام طلعته
حين بدت شمسها وأبرزها
صنيعة الله في خليقته
حاسة في الضعفاء ميزها
ضفت برود الجلال سابغة
على علاه والمجد طرزها
طرزها مجده ووشعها
كماله والجمال فروزها
ظلت عيونُ الأنام شاخصة
رامت لحاقًا به فأعجزها
عاد بك الله يا ابن رحمته
لتجمع الخلق أو لتفرزها
غبت فباتت دلائل لك لم
تكد تُري العالمين معجزها
فأنت لله في الملا عدة
بالحق لا بد أنْ سينجزها
قامت قناة الإسلام واعتدلت
واستصلب العاجمون مغمزها
كنت قوامًا لها فقومها
وكنتَ حرزًا لها فأحرزها
لا برحت روضة الثناء على
محمد مسرحًا ومنتزها
ما قصدتْه الورى فخيبها
ولا نحت نيله فأعوزها
منحت قلبي مدحًا لمعشره
ولم أدع قوة لأكنزها
وجئت فيها له موشيها
بزئبر منتقى مطرزها
هدية ترتقي لمنزله
فيتقبل منها تجوزها
يقلُّ مني أن أهد مطنبها
فكيف أهدي إليه موجزها

بعد الصبا

أبعد أن عرى الصبا أفراسه
تطلب إيناس الهوى أوناسه
خفض عليك فالمشيب قد أتى
يضحك منك كاشرًا أضراسه
لم تدع الخمسون منك جانبًا
إلا وهدَّ مرُّها أساسه
سوَّد لي غض الشباب كتبه
وبيض الشيب بها قرطاسه
فلا ذوى روض جلا ثغامه
وليذوِ عود قد شممت آسه
ماذا الذي استفدت منه غير أن
وجدت كالنار التظت أنفاسه
أيام أغدو مرحًا وأنثني
جذلان يسقيني الغرام كأسه
يا ويح نفسي هل أرى لي توبة
أرحض عن ثوبي بها أدناسه
حتى متى أرجو اطراد أملي
وكيف لم أخش بي انعكاسه
١  بلده على الفرات شرقي الكوفة تبعد عنها بمقدار ٢٢ ساعة. بناؤها يقرب من مائتي سنة ليست بالقديمة. أما السماوة التي تذكر في شعر العرب فهي بين الكوفة والشام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤