محمد حبيب العبيدي

figure
محمد حبيب العبيدي.

محمد حبيب العبيدي: اطلب ترجمته ونخبة من نثره في قسم المنثور من هذا الكتاب.

(١) آمال وآلام

إذا لم يمحِّص من شوائبه الودُّ
فلا سالمت سلمى ولا واصلت هندُ
أرقتُ وعاف الليلُ وصلي وعفتُه
وما زال حتى الفجر يعبث بي السهد
كأنَّ الكرى صب كأني رقيبه
كأنَّ الدُّجى قلب كأني به وجد
وبي تحت جنح الليل نار هواجس
بنور سناها تهتدي العمي والرمد
أُصعِّد أنفاسًا كأن شرارها
كواكبُ ليلٍ ملء أحشائه وقْد
أُصعِّد أنفاسًا نضحن بعبرة
على كبد العلياء من حرها برد
كأنَّ فُؤادي خافقًا بين أضلُعي
بقية أوهام تخللها نقد
فؤادي فرت كف الخطوب إهابه
فقل في حراب شف عن وخزها جلد
طويتُ على وخز الضمير جوانحًا
أهاب بها دون التَّجلد ما يبدو
أعاتب دهرًا لم ترعني صروفه
ولكن حرًّا كاده في الوغى عبد
وما صدني عن منهج الحق باطل
ورُبَّ همام زاد في عزمه الصد
بكيت شبابًا مَزَّقته يد الضنى
على أنه للدهر من نسجه برد
وما أسفي أني أموت صبابة
ولكنَّني آسى ليومٍ له وعد
أماني عافت دون ضوء نهارها
دياجرُ ليلٍ كان يخبو به الزند
سأرعى نجومًا دائبات على السرى
وأرقب فجرًا ليس من ليله بد
فيا وطني إن لم ترق فيك عيشتي
فسوف يروق العيش يومًا لمن بعد
ويا أمة حنت لسالف مجدها
ليهنأْ برغم الدَّهر يومًا لك المجد

•••

سيحمد يوم الروع غير كماته
ويندب أبْطَالًا له موكب فرد
كأني بعدنان وقد ضاء فجرها
ولاح بذيل الأفق طالعها السعد
كأنهمُ شمس كأنَّ الهدى ضحى
كأَنَّ بني الغبراء في ظلهم وفد
كأنَّ العُلى حلي كأنهمُ يد
كأنَّ الورى جيد كأنَّهم العقد
ومن رد في نحر العِدى سهم كيدها
كفته العِدى شرًّا وأهنأه الرد
فيا ابن الغد المأمول والزهر باسم
ربيب دموع من كرامٍ له جدوا
أهابوا بأقلام كأنَّ صريرها
خلال بروقٍ من قرائحهم رعد
أهابوا بأقلام كأنَّ مدادها
قذائف نارٍ والطروس لها وقد
بعيشك عيش الرَّغد هل أنت ذاكر
عظام عظام منهمُ عيشك الرغد؟
فَمُرَّ بهم يومًا وحَيِّ قبورهم
بأزهار علياء لها لحدهم مهد

•••

عفاء على حر طواه زمانه
وما لاسمه نشرٌ إذا ذكر الند
لدى هيكل لا تأكل النارُ جنبَه
ويَفجُر ينبوعًا له الحجر الصلد
ربيب الحمى هل أنت موفٍ بعهده؟
عليك أيا راعي الحمى للحمى عهد
أترعى بروض ثم تغفل وَرده؟
عليك حرامٌ ذلك الروض والوَرد
أتروي بماءٍ ثم تهمل وِرده؟
عليك حرامٌ ذلك الماء والوِرد
ظلمت ديارًا أقفرت جنباتها
وأمحلن لا شيح هناك ولا رند
فلا سقت الأنواء إلا مفاوزًا
بطون ثراها — لو وعت — للعلى لحد
مراتع غزلانٍ تحرم صيدها
مصارع أُسْدٍ حل منها لنا الصيد
دفنَّا بها مُلكًا وعزًّا ومفخرًا
جنائز مجد نعيها للورى مجد
رثاها كتاب الله والوحي مثلما
بكاها الهدى والحزم والعزم والرشد
دفنَّا بها نورًا لبسنا بهاءه
ولكنه سرعان ما أخلق البرد
فهل من لعاب الشمس حِيكت ثيابُنا؟
على أنَّ خيط الفجر في الأفْق ممتد

•••

متى تنشر الأموات من طي رمسها
وتمشي الهُوينا من مرابطها الأُسْد؟
رويدك ليس الأمر مزحة عابث
ولا تصدق الآمال إن كذب الجد
عفاء على الدُّنيا إذا غَمَّ خيرها
وعارٌ إذا ينزو على منبر قرد
وطئت بأقدامي جباهًا حريصةً
يلوح بها سطر من الذل مسود
حرام سجود المرء إلا لرَبِّه
وقَدٌّ حناه الذل أولى به القِدُّ
إذا مخرت فلكٌ إلى ساحل المنى
فأوشكْ بجزرٍ للمنى بعده مَد
يعز على المكسال يقضي لبانة
ولا يقطع البتار يصحبه الغمد
وخير أمانيِّ الرِّجال أولي النُّهى
سطورٌ مِنَ التَّاريخ يحمدها الخلد
لئن كان في الإثراء حلية عاطلٍ
فإنَّ كريم النَّفس حليته الحمد
رعى اللهُ آمالًا خبا الزند عندها
وخفف آلامًا ورى عندها الزند

(٢) أشِعْر أم شُعُور

أرى كل طيرٍ غرَّدتْ تستفزني
عدمتُ شوادي الطير ما لي وما لها
وإن بارقًا أبصرتُ أَجَّجَ زفرتي
وإن أشرقتْ شمسٌ ذكرتُ زوالها
وإن حرَّكتْ أيدي النسائم ساكنًا
خشيت على أوصال قلبي انفصالها
وترمي قِسِيُّ الفجر أفئدةَ الدُّجى
فأشكو كما تشكو النجوم نبالها
أُنَهْنِهُ من دمعي إذا الشمس آذنت
بغرب وذيل الأفق وارى مثالها
وبي هاجسٌ من كل لوحة فطرة
أُشاهد معناها وأقدر حالها
فتحزنني هذي وتلك تسرني
وكلٌّ معانٍ قد جهلت مآلها
كأنيَ صب تيَّمته مليحة
فصار يرى في كل شيءٍ خيالها
ولا ظبيَ لي أشكو إليه جناية
عليَّ ولا خود أروم وصالها
أظن لروحي من ورائيَ غادة
وقد حجبت عَنِّي لأمر جمالها

•••

بعمرك ما سر الوجود بغامض
وإن جهلتْ منَّا اليمين شمالها
وما سترت شمس الحقيقة نورها
وإن عميت أبصار قوم حيالها
وما هذه الأكوان مزحة عابث
ولو فقه الإنسان هاب جلالها
حرام على الإنسان يشقى بعقله
وعار إذا ترضى الهداة ضلالها
مهيب صدى الأفلاك في قبة الدجى
تسائلنا هل من يجيب سؤالها
وفي ساحة الأرواح نغْمة شاعر
تميد به الدنيا إذا هو قالها
متى يخلع الإنسانُ ثوب غروره
وتلبس نفس بعد نقص كمالها
تَبطَّن غيًّا واستباح محرَّمًا
وحرَّم من هذي الحياة حلالها
فلو نطقت أرض شكت من سمائها
وحتى سهول الأرض تشكو جبالها
تسيل دموعي رحمةً لبني الورى
فرُحماك ربي اقتصَّ ممن أسالها
أعوذ برب الأرض من شر أهلها
ومن عثرات للورى ما أقالها
وما ينجلي خير الحياة وشرها
إذا لم يُجرِّد مجتلوها نصالها

أشقى الشعوب

أشقى الشعوب أقلُّها
علمًا وأكثرها شقاقا
فأعيذ قومي منهما
وأعيذ بالله العراقا

عزمت فسعدت

سعدتْ وربِّك أمةٌ
عزمت على خلع الشقاء
شربت كئوسًا للرَّدى
خاضت بحارًا من دماء

لا أرضى

يا كاتب الأقدار لا
أرضى بأن تشقى البلاد
وقِّع على صك المنى
بدمي إذا خان المداد

إلى متى؟

كل الندامى قد صحت
إلا نديمي غير صاح
حتى متى وإلى متى
في سكر غيك أنت صاح

لا تذبلي

لا تذبلي يا زهرة الـ
آمال في زمن الربيعِ
فلكم خدمتك بذرة
ولكم سقيتك من دموعي

(٣) العرب الكرام بين السيوف والأقلام

ألقاها بنفسه بين يدي جلالة الملك فيصل في الحفلة التي أُقيمت لجلالته في المدرسة الإسلامية بالموصل في صفر سنة ١٣٤٠ﻫ، وكان نظْمها وإلقاؤها برغبة من لم تسعه مخالفته.

الشعر والشعب

لقد آن للأقلام يعلو صريرها
وللأُسْد أن يبدو جهارًا زئيرها
سلام على العهد القديم وأهله
وما جددت بعد البزاة صقورها
وقفنا على التاريخ وقفة ناقدٍ
وقد أرشد العميانَ منا بصيرها
أهبنا — وما في الحي صوت — بأمةٍ
طوتها يدٌ للموت عزَّ نشورها
جسسنا بكف الشعر نبض شعورها
فذاق به كأس الحياة شعورها
إذا الشعر لم يوقظ من الشَّعبِ راقدًا
فلا قذفت درَّ القوافي بحورها
ورُبَّ قوافٍ من دموع نظمتها
فكانت عقودًا والأماني نحورها
يعزُّ على عيني البكاء وإنما
على ذكر أوطاني يفيض غديرها
على مجد عدنان وسؤدد هاشم
وتاريخ قحطان يدر غزيرها
حرام على عرق لنا دم يعرُب
يجول به إن لم يُحرَّر أسيرها
ونحن أباة الضيم من عهد تُبَّعٍ
إذ الناس غربان ونحن نسورها
عتبتُ على الأيام وهي غياهب
فما زلت حتى كان طرسيَ نورها
بكت قلمي الأقلام منذ كسرته
ليهنك يا أقلام صح كسيرها
وما أكثر الأشعار وهي كتائب
ولكن شعري بالأمير أميرها
هو الملك المقصود بالنصر تاجه
كما كللت هامَ الرياض زهورها

المنايا والمنى

سلام على ذكرى لأبطال يَعرُب
وقد صافحت أيدي الكماة ذكورُها
سلام على الأقيال من آل هاشم
ولولا قناهم ما استقامت أمورها
أقاموا على حد الحسام بناءها
وقد أُسِّست فوق اليراع قصورها
لا خير للأقلام فيما تخطه
إذا لم تُعزَّز بالسيوف سطورها
لئن كان بالأشعار تُجلى حقائق
فرُبَّ حقوقٍ بالمواضي سفورها
عبرنا على ظهر المنايا إلى المنى
ورُبَّ أماني المنايا جسورها
لعمر الوغى لولا مضارب «فيصل»
لما ضربت فوق السماكَيْن دورها

الهواشم من عهد هاشم

بني يَعرُب يا خير من وطِئ الثرى
ويحمي الثريا — لو شكت — ويجيرها
عليكم حقوق للهواشم جمة
ينوء برضوى — لو علاه — يسيرها
سلام على التاريخ من عهد هاشم
وعهد بنيه يوم قام نذيرها
لقد علم البيت الحرام وأهله
وما ضمَّت البطحاء حتى صخورها
غداة أعزُّ القوم نافَر هاشمًا
فباء بذلٍّ — رغم أنفٍ — نفورها
ورُبَّ جفان كالجوابي أباحها
لصادٍ وغادٍ راسيات قدورها
قرى الضيف حتى أشبع الوحش في الفلا
وضافته حتى في السماء طيورها
شمائل أحيا عهدها اليوم «فيصل»
كذلك يُحيي المكرماتِ كبيرها

الانقلاب العربي بمبعث النبي الهاشمي

سلامٌ على عهد الرِّسالة والتُّقى
وقد جاء بالدين المبِين بشيرُها
رأى القوم فوضى والضلال مخيمًا
وما العيش إلا ناقة وبعيرها
ويأكل بعض القوم بعضًا غوايةً
ويعبث بالعاني الضعيفِ قديرها
وتُعبد أوثان وتُهتك حرمة
وتَقضي على فضل العقول خمورها
وقد خلع الإنسانُ ثوبَ بهائه
وقد عمَّت الأكوانَ منه شرورها
وفي الغرب أقوام جفت سنة الهدى
وفي الشرق أقيال جفاها غرورها
فجاء بناموس السماء «ابن هاشم»
يُطهِّر أرضًا قد علاها فجورها
حكى صوت موسى والنبيين قبله
وعيسى ومن يُعزَى إليه زبورها
تلا الصحف الأولى وجاء متممًا
بقرآنه ما أعوزته عصورها
لكل زمانٍ أو مكانٍ طبائع
يضيء بمشكاة الشرائع نورها
وما الدين إلا واحد قد تعددت
شرائِعُه حتى استقام أخيرها
أبت حكمة التشريع إلا تطوُّرًا
يُناسبه من كل مصرٍ مصيرها
«لكلٍّ جعلنا شرعةً» خيرُ شاهد
على أنَّ مقياس الشعوب دهورها
فأيُّ نظامٍ لم تُحوِّره أمة
إذا اختلفت حسب الزمان أمورها
شرائع كانت للأنام أَهِلَّة
وقد كملت «بالهاشمي» بُدُورها
فجاء بها سمحاء خير شريعة
على عوج في الكون ليس يضيرها
كما ضم شمل العرب «فيصل» سبطه
فسَرَّ العلى بعد الخفاء ظهورها
همام لقد قرَّت به عين جده
وقد حمدت فيه الفروعَ جذورها

الفتوحات العربية بفضل البعثة النبوية: نحن وكسرى وقيصر

بدا النور من بطحاء مكة ساطعًا
وضاءت به من أرض يثرب دُورُها
فمزَّق إيوانًا لكسرى مشيَّدًا
وأخمد نيرانًا شديدًا زفيرها
وأجفل منه قيصر فوق عرشه
وذلت له بصرى ودُكت قصورها
ثأرنا بسيف الحق من كل باطل
وذل لنا جل الورى وحقيرها
فقولوا لكسرى يوم أصغر شأننا
أأبصرت أي الأمتين صغيرها؟
رأيت سيوف العُرْب كيف تحكمت
وصال على فيلٍ ركبتَ بعيرُها
إلى أين رَبَّ التاج هل أنت هارب
رويدك هذي العرب كنت تجيرها
إلى أين رَبَّ العرش هل أنت هارب
وراك حريم لم تصنها خدورها
حصونك لم تمنعك من آل يَعرُب
وملء قصور قد سكنت قصورها
غرورك قد أشقاك لو كنت عالمًا
وقبلك كم أشقى ملوكًا غرورها
ألم تك يا إيوانُ بالعُرْب هازئًا؟
فها أنت والتيجان معْكَ أسيرها
وقبلك دوَّخنا هرقل وتاجه
فذلت بنو عيص وذل نصيرها
يحنُّ حنين السقب فارق أمه
وقد لفظته كل أرضٍ ودورها
رفعنا على ملك العراقَيْن راية
وفي الشام أخرى لا يضام خفيرها
وجفَّت بحار الرمل تحت خيولنا
ودُك لنا من سهل سيناء طورها
إذ ارتعدتْ منا فرائص قيصر
وحل بكسرى ويلها وثبورها
وهم جبروت الشرق أطواد عزه
وفي طوعهم سهل الثرى ووعورها
فلم تُغنِ عنهم مانعات حصونهم
من العرب شيئًا يوم شبَّ سعيرها
يذكرنا مجدًا نسيناه «فيصل»
فلله رغم المنسيات ذكورها

نحن والشرق والغرب

عبرنا لأفريقاء وهي منيعة
يعزُّ على قومٍ سوانا عبورُها
فيا خجلة الأهرام! أين حماتها؟
ويا ذلة الأقوام! هل من يُجيرها؟
وما مصر إلا دمية القصر إن بدت
فلا كان ولدان الجنان وحورها
وراعت طرابلسًا بروقُ سيوفنا
وبرقة حتى ما يهر هريرها
وتونس لم تقوَ لهيبة عزنا
فغارت مجاريها وذابت صخورها
وطوَّق أكنافَ الجزائر جيشنا
فما ذمَّ أطراف الشفار جزورها
وفي المغرب الأقصى تعالت رِمَاحُنا
فكادَ يطول الشامخات قصيرها
وأندلس اهتزت لهَيبة طارق
وخَرَّ صريعًا روذريق أميرها
وقد هزأت بابن السماء خيولنا
فَمَا صان أرض الصين منهن سورها
وما بين بنجاب، رعى الله خيلنا
وبين لوار وردها وصدورها
نُشرِّق طورًا في البلاد وتارة
نُغرِّب لا تحمي البلادَ ثغورها
تخر لنا الأبطال في الحرب سُجَّدًا
ويركع بالأقيال رعبًا سريرها
فذَلَّت لنا الأَملاك وهْي عزيزة
ودانت لنا الأفلاك حتى أثيرها
فهل عجب أن غار للعرب «فيصل»؟
وأفضل أبطال الأنام غيورها

نحن والعدل والإحسان والحضارة والعمران

وكل بلادٍ قد وطئنا صعيدَها
غدونَ رياضًا زاهياتٍ زهورُها
وأنبتن إحسانًا وعدلًا وحكمة
وعِلمًا وفضلًا زاخرات بحورها
فقرطبةٌ في الغرب تزهو نجومها
وفي الشرق بغداد تضيء بُدُورها
بنو عبد شمسٍ تقتفي إثر هاشم
فعمَّ بلادَ المشرقين حبورها
وهبَّت لسيف الفاتحين بقية
تعيب لدنيا حكمة تستعيرها
فيومًا إلى غرناطةٍ شَدَّ رحلها
ويومًا إلى دار السلام مسيرها
خلقنا بسيف العدل شمس حضارة
يُشعشع حتى الآن في الكون نورها
سلوا أُممًا سارت على ضوء رشدنا
ألم تكُ قبلًا مُظلماتٍ عصورها؟
لئن كان قصر الخلد ليس بخالد
فما أفنت الحمراء بعد دهورها
ورُبَّ عُصور سُميت ذهبيةً
وقد كان لولانا عزيزًا نظيرها
وإنَّ رجائي أن تعود ﺑ «فيصل»
وتبسم عن عهد الرشيد ثغورها

رحماك ربي …

جهابذة التاريخ، هل من مُخبر
عن العُرْب يومًا أين شالت نسورها؟
وماذا دهى قومي فبَدَّدَ شملهم
كأن لم يكن مأوى العروش سديرها؟
وكيف هوى من أُمَّتي نجم سعدها؟
وكيف ذوى بين الرياض نضيرها؟
أما آن أن تحيا معالم مجدنا
وتنشر موتانا وينفخ صورها؟
إليك إلهي المشتكى من ذنوبنا
ورحماك ربي أنت أنت غفورها
تدارك بقايا أُمَّةٍ قام «فيصل»
عُبَيدك يبغي هديها ويُجيرها
فخذ بيديه إنَّه ابن محمد
نبيك مَن لولاه ما ضاء نورها

هما الثقلان

غفونا عن الأيام ملء جفوننا
فلم ننتبهْ حتى استطارت شرورُها
ضللنا فلم نحفظ وصاة محمد
وقد عطَّر الأَسْمَاع منا عبيرها
هما الثقلان آله وكتابه
بدونهما لا تستقيم أمورها
أضعناهما حتى أضعنا نفوسنا
وحلت مكان اللب فينا قشورها
فيا أُمَّة خانت عهود نبيها
فكان كما شاء العدو مصيرها
ألم يكف ما عانى الكتاب وأهله
وكيف بنا لو لم يُغثها غيورها؟
ربيب الهُدى رب الفضائل «فيصل»
عميم الندى فذ المزايا كثيرها

جلالة الملك والتاريخ وقومه

هو الملك المنجي من الهلك قومه
وقد زخرت بالحادثات بحورها
ورُبَّ حقوقٍ صان هيكل مجدها
وما غيره يوم الحفاظ ظهيرها
وما هي إلا غيرة هاشمية
تُجير برغم الدهر من يستجيرها
رأى أُمَّة قد مرَّ بالذل حلوها
وكان بها يحلو قديمًا مريرها
رأى ضجة التاريخ يشكو لرَبِّه
جفاء قرون نام عنه شعورها
لدى هيكل لا يندب المجد غيره
وشقَّ له جيب القلوب صبورها
فعزَّ على ابن الوحي أن لا يُجيبه
فتحمد آصال الزمان بكورها
فجدد عهدًا كان في المجد آية
بمحلول نور الخلد خطت سطورها
مآثر كان الله بانيَ مجدها
بأرضٍ هُدى جبريل كان يزورها
فيا ابن رسول الله شكرًا لعزمة
يَسُر رسولَ الله يومًا مصيرها
أعرت بها التاريخ نظرة باسل
حقيقًا بأن يحمي الحمى من يعيرها
حفظت بقايا قومك العُرْب بالظبى
فلله أبطال سيوفك سورها
وأحييت حق الضاد من بعد موته
فسَرَّ حماة الضاد منك نشورها
فضائل هز الشرقَ والغربَ سرُّها
وخَصَّ بلادَ الرافدين سرورها
بكت عيننا حينًا وقرَّت ﺑ «فيصل»
وما مثل باكي العين يومًا قريرها

جلالة الملك والعراق

تربعْ على عرش العراق مُهَنِّئًا
وما فاز باللذات إلا جسورُها
وشيِّدْ قصورًا شامخاتٍ من العُلى
جماجمنا إمَّا تشاء صخورها
ملكت قلوبَ الشَّعب يا ملك الهدى
وقد مُلئت منك انشراحًا صدورها
لك العهد مِنَّا والوفاء شعارنا
وشاهدنا يوم الحفاظ ذكورها
بأنك لو نبغي نذورًا لمجدنا
فأرواحنا مثل الضحايا نذورها
حلا لك الآجال في حومة الوغى
حلال لك الأموال حتى نقيرها
سنسعى إلى عزٍّ نُصيب كئوسه
ولو أنَّ أيدي الموت كانت تديرها
ولو زحلٌ من دوننا كانَ حَائِلًا
أشار له بالسيف مِنَّا مُشيرها
نصبنا له الأرصاد وهي مدارس
يشق الفضا بالفن يومًا خبيرها
إذا أبحرت بالعلم والعدل أمة
يكون إلى الشعرى العبور عبيرها
تصافح سكان السماء تطوُّلًا
ويفضل أهل الأرض طرًّا أميرها
كأني بأرجاء العراق وقد شدت
على أَثَلات العدل شدوًا طيورها
كأني بأرجاء العراق وقد غدت
حدائق لكنَّ العلوم زهورها
كأني بأرجاء العراق وقد غدت
سماء ولكنَّ الفنون بدورها
كأني بماء الرافدَيْن على الثرى
يسيل لجينًا والنضار بذورها
كأنيَ بالحدباء مذ بك شُرِّفت
قد اعتدلت قدًّا ودُقَّت خصورها
فأهلًا بمن رب السماء لجده
لقد قال أهلًا يوم راح يزورها
جلالة مولانا المعظم فيصل
ليحيَ كما تحيا بلاد يجيرها

(٤) نسيت وما أنسى

قالها في صباه ترجمها عن قصيدةٍ بالتركية من نظمه كذلك.

لقد ألبستْ قدَّ الربيع يدُ المزنِ
ملابسَ خضرًا ذات لونٍ على لونِ
تفتَّحَت الأكمام عن كل زهرة
وزهرة قلبي في كمائمَ من حزن
نديمة روحي كيف أنتِ فقد ذوى
وقد كان يزهي قبل بعد النوى غصني
نديمة رُوحي بَعد بُعدك لم يكن
ليضحك لا والله من جذل سِنِّي
أمرُّ بروضٍ كنتِ بعضَ وروده
وكنتُ لذاك البعض من ورده أجني
فيا لوعة القلب المُصاب إذا بدت
ورود خلت في الروض من ذلك الحسن
سلام على أحباب قلبٍ لحُسْنِهم
بقية نقش في صحائف من ذهني
رعى الله من ورد الخدود مقبلًا
ينمنمه دمع تحدَّر من جفني
رعى الله عهدًا كان يُحفظ بيننا
وودًا طبعنا فوقه خاتم الأمن
رعى الله أسرارًا سكرنا بخمرها
عشية ضمتنا يد السعد واليُمن
حبيبة روحي خنتِ بالعهد بُعدنا
وما كان عهدي هكذا بكِ أو ظني
نسيتُ وما أنسى بشاطئ دجلة
لواعج وجْدٍ حرَّكتها يد اللحن
نسيتُ وما أنسى هنالك بيننا
سفيرًا لوعدٍ عنك يحكيه أو عني
نسيت وما أنسى أحاديث صبوة
يرددها سجع الحمائم في أُذْني
نسيت وما أنسى من العمر ساعة
هي العمر لو لم تعقب الوصل بالبين
حبيبة روحي أين أنتِ وهل لنا
من الدهر يومٌ تلتقي العين بالعين
أيذبل ورد الوصل فينا وإنه
ربيبُ دموع لم تزل منكِ أو مني
نحرت بلاد الروم يا غصنها فما
لطائرِ قلبي في الجزيرة من وكن

(٥) العلم والعمل

إنَّ بالعلم حياة الأمم

نظمها لتلاميذ المدرسة الإسلامية في حفلة المعراج النبوي سنة ١٣٣٨.

ذكرتْ عهد الحمى من قدم
فغدت تذرف دمعًا من دمِ
ولوت مثل اليتامى جيدها
وكذاك الذل شأن اليُتَّم
وقفت تندب مجدًا ضائعًا
في ديار عافيات الأرسم
وقفت ترثي كرامًا غبروا
عرَّفوا الأقوام معنى الكرم
دوَّخوا الأقطار بالسيف كما
دوَّنوا أسفارها بالقلم
وقفت تشكو إلى خالقها
نكبة الشرق وذل المسلم
ولقد ذاب حشاها كمدًا
فجرى من عينها كالعندم
وجرى مثل الأيامى دَمعها
رُبَّ من يمسح دمع الأيم
أو كثكلى فقدت واحدها
فهْي ما دام المدى في مأتم
من بنات العرب إلا أنها
حسبوها من بنات العجم
موقف ينفطر القلب له
ويلذ الموت في مزدحم
تلك عقبى الجهل يا بنت العلى
ورزايا أمة لم تعلم
فاندب العلم لأقوام قضوا
شهداء الجهل في حيهم
كيف تحيا أُمَّة جاهلة
إنَّ بالعلم حياة الأمم

إنَّ بالسعي نجاة الأمم

وقفت والطرف منها شاخص
وقفة الملتجئ المسترحمِ
بابتهالٍ يدها قد رُفعت
للسموات بجُنح الظُّلَم
ربِّ رُحماك إليك المشتكى
هل يفيق القوم من نومهم
رب إن القوم أُسْد ربضت
وستلقى الموت إن لم تقم
فنهوضًا يا بني قومي إلى
شرف عالٍ ومجد مُعلَم
حيثُ شمس السعي بادٍ نورها
كاد أن يُبصرها حتى العمي
ليس للإنسان إلا ما سعى
وأخو السعي حميد الشيم
فسلام الله يغشى أوجهًا
لسوى نيل العلى لم تبسم
وسقى الغيثُ قبورًا لو درى
أهلها ما قد جرى لم تنم
يا نيامًا ليتهم تحت الثرى
عاينوا ما فوقه في الحلم
فاذرفنَّ الدمع يا جفن على
أمة عضت بنان الندم

•••

تلك عُقبى الهزل يا بنت العلى
وتواني القوم في جدهم
فاندبي السعي لقوم كسلوا
فأصيبوا بنبال النقم
كيف تنجو أُمَّة خاملة
إن بالسعي نجاة الأمم

(٦) العلم والعلماء في الموصل الحدباء

نظمها لبعض تلامذة المدرسة الإسلامية في حفلة نبوية أقامتها المدرسة المذكورة سنة ١٣٣٩ﻫ.

سلوا الموصل الحدباء عن علمائها
وقد أقفلت أبواب كل المدارسِ
إذا ما طوت كف الزمان علومهم
وكانوا كأمثال الطلول الدوارس
فمن ينشر الدين المُبين لأهله
ويحميه من طعنٍ به من معاكس
يُعلِّمهم أن يسألوا أمر دينهم
ويكشف عن ليلٍ من الجهل دامس
سلام على عهد السلام وإنه
سلام حزين دامع العين عابس
يُفَكِّر في حظ العمائم بعدها
كما فكرت ناس بحظ القلانس
فيربط كفيه على قلب ثاكل
ويمسح عن خديه دمعة بائس
ولو أبصرتْ عيناي للعلم ناصرًا
لما كنتُ أبكيه بمقلة بائس
فيا لهفي للعلم من خفرائه
إذا لم يكونوا دونه مثل حارس
ويا أسفى للمجد مجد محمد
إذا ما انطوى يومًا بطيِّ المدارس
عليك سلام الله مني ابنَ هاشم
وروحي فدا نعليك يا ابن الأشاوس
أترضى بنار الجهل تحرق أمة
أنرتَ لها بالعلم أفق النفائس
كتابك فينا من يُفسرُه لنا
إذا ما فقدنا كل هادٍ ودارس
حديثك من يرويه عنك مسلسلًا
فنأمن فيه من شرور الدسائس
شريعتك الغراء من يهتدي بها
إذا ما خلت منها حدود المجالس
فعطفًا رسولَ الله إنَّ مصابنا
أليم لدى حظٍّ من الدهر تاعس
مُصابٌ عظيم ما نبُثُّك بعضه
وأعظم منه ما بِطيِّ الهواجس
كأن صدور المسلمين مراجلٌ
غَلت فوق نارٍ لا تضيء لقابس
فيا حسرات القلب هل لك مخرج
وحتامَ فيهِ أنت رهن المحابس
إليك إلهي المشتكى من ذُنوبنا
ويا نفس تُوبي من شرور الوساوس
ويا نفحات الفيض من أرض طيبة
أتُقبل عند الله توبة يائس
عليك شفيعَ المُذنبين تحية
من القوم من رطب هناك ويابس

(٧) نحن والمدرسة

نظمها لتلاميذ المدرسة الإسلامية.

هي الرَّوضة الغناء نحن ورودها
بعرفاننا تزهو المحافل في الغدِ
سنأخذ من كل العلوم خيارها
ونسعى إلى تأييد دين محمد

•••

هي الغابة القعساء نحن أسودها
تخضد يومًا شوكة المتمرد
سنقطف من كلِّ الفُنون ثمارَها
لإحياء مجد الهاشميِّ محمد

•••

هي الدوحة الشماء نحن طيورها
فسمعًا لصوت الطائر المتغرد
سنُتقن عِلمًا نهتدي بسراجه
لحكمة أحكام النَّبي محمد

•••

هي الأُفُق الوضاءُ في غسق الدُّجى
ونحنُ نجوم الأفق لاحت لمهتدي
سنحفظ عهد الدين والعلم والحجى
سلام على عهد الرَّسول محمد

(٨) ألواح الحقائق

ألقاها بنفسه في المنتدى الأدبي العربي في الآستانة بعد خطابٍ ممتعٍ في الحرب الطرابلسية. وهي تقرب من خمسمائة بيتٍ في ثمانيةٍ وثلاثين لوحًا تتضمن أهم الحوادث التاريخية من عهد الرسالة إلى زمن الإنشاد مع كثيرٍ من المغازي السياسية والاجتماعية والوطنية والقومية.

١

بين اليأس والرجاء
هي حينًا يأس وحينًا رجاءُ
وفناء طورًا وطورًا بقاءُ
قد تلونتَ يا زمان علينا
فحنانيكِ أيها الحرباء!
قَرَع الدَّهر نابنا وقرعنا
نحنُ والدَّهر لو درى أكفاء
موقف ترعد الفَرَائص فيه
وتبوخ القلوب والأحشاء
لم ينلْ من حصاتنا الدَّهر لكن
ألفت غير كأسها الصهباء
أين في القوم من يخلد ذكرًا
يملأ الصحف من سناه بهاء
إن مَن مات في سبيل المعالي
كفَّنته بثوبها العلياء
غسلته الدموع وهي لآل
أبَّنتْه الأشعار وهي ثناء
وحوتهُ من القبور قلوب
ونعتهُ في وكرها الورقاء
رب! رحماك هل يزمجر رعد
وتروِّي وجه الثرى وطفاء
ومتى يُضْمِدُ الجروح أساها
أزمنت علة وعز الدواء
من تفانى في المجد نال بقاءً
وطريق البقاء هذا الفناء
ولقد آن أن يُلَمَّ شتات
وتُسوَّى أرض ويعلو بناء

٢

أيها الغرب!
أيها الغرب إنَّ للشرق شأنًا
وعلى غابر الزمان العفاء
هبَّ من نومه وكان خليقًا
أن يُجافي أجفانه الإغفاء
أيقظتْ كلَّ راقدٍ واستفزتْ
كلَّ قلبٍ حقيقةٌ زهراء
ما لشرقيٍّ بعد هذا هوان
أُطلقتْ من قيودها الأُسَراء
ولقد عاش الشرق دهرًا طويلًا
وهو في مقلة الزمان ضياء
تِلك صحف التاريخ تَشهد أَنَّا
خيرُ نَسل أقلَّت الغبراء
كم عمرنا الديار وهْي خراب
وملأنا القفار وهْي خلاء
وركبنا البحار وهي طوامٍ
وألفنا الأسفار وهي عناء
يوم لا دُقَّ بالحديد تراب
لا ولا شُقَّ بالبخار الماء
وملكنا بالسيف ملكًا جسامًا
لم يشد مثل ركنه بنَّاء

٣

أيها الشرق!
أيُّها الشرق حدِّث الغرب عمَّا
أحدثت في حياتك الأبناء
وإليك الأبصار من كل قطر
شاخصات وللأمور انتهاء
وجدير بمن يجدُّ لأمرٍ
أن يَرَى قبلُ ما يكون وراء
وسيحكي التاريخُ ما كان مِنَّا
ليت شيئًا يحكيه عنا ثناء
قَلِّدوا الشَّرقَ يا بني الشرقِ سيفًا
لم تخن غربه يد شلاء
أوتروا القوس إنَّ للسهم مرمًى
واقدحوا أزندًا شأنها الإبراء
جددوا عهده أُسرة أورثوكم
هم بِمَا أورثوكمُ كرماء
وارفعوا الصوتَ إِنْ أَرَدْتُم بَلاغًا
رُبَّ أُذن عن الهدى صماء
إن مجدًا أُورثتموه قديمًا
سلبتكم فخارَه الأعداء
لبس الغرب حلة الشرق حتى
قيل عريان ما عليه رداء
ولقد كان الغرب أعرى وجود
حين للشرق جبة وكساء
جددوا العهد يا بني الشرق وارعَوْا
ذممًا أخفرت فأصمى البلاء

٤

سهروا ورقدنا
سهرت كلُّ أمة ورقدنا
فلها الذِّكر دوننا والثناءُ
كيف ترضى يا شرق أن تكسب الغر
ب فخارًا من دونك العلياء
كيف ترضى يا شرق أن يمشيَ الغر
ب أمامًا وأنت تمشي وراء
أفلم يأنِ أن تُجَدِّد عهدًا
شهد الصبح فضله والمساء
أفلم يأن للحقائق أن تقـ
ـدح زَندًا لوريها الفهماء
أفلم يأن للمعارف أن ينـ
ـشق عرفًا لمسكها الأذكياء
أفلم يأنِ للصنائع أن تجـ
ـريَ شوطًا لنيلها النجباء
أين دارُ السلام إذ هي دار
شيدتها العلوم والعلماء
أين كُتْبٌ للعلم إذ أحرقوها
برمادٍ منها أُقيمَ بناء
أين في مصر ما استعاد بنوها
يوم عدت ألوفها الزوراء
أين أقلام قلَّمت ظفر جهل
يوم للجهل صولة ومراء
مِن حِمانا نور العلوم بدا فيـ
ـها وعَمَّت أقطارها الأضواء
نحنُ أحيينا ما أمات زمانُ الـ
ـجهل مما قد أسس القدماء
إنَّ للفارابي شأنًا بما سا
رت عليهِ في إثره الحكماء
لابن سينا قانونه ولفخر الدِّ
ين ما فيه تفخر النبلاء
ولكم هزت المنابرَ منا
خطباء تشفي الظمى فصحاء
ما حللنا في أرضٍ الَّا وحلى
جيدها العلم والهدى والذكاء
لو أردنا الإلكتريك فعلنا
وكذاك البخار والكهرباء
غير أنَّا عن موقف الجسم كنا
في أمور للروح فيها اهتداء
نحن قوم لم نرع روض هيولا
ها ورضنا الأفكار حيث نشاء

٥

قد أقمنا في غير عش درجنا
فكأنا في خبطنا عشواء
فترانا والغرب يلبسنا الثو
ب ولولاه ما يخاط الرداء
نحن في حاجة إليه من العيـ
ـش ولولاه عيشنا لأواء
لا نُباريه في محاسن شتى
ولنا فيما ساء منه اقتداء
فعليك السلام يا شرق إن لم
تُحيِ ما أسستْ لك الآباء

٦

أي الرجال أحرارها؟
ألجفنٍ كما يُريد اكتحال
ولجفن على القذى إغضاء
عميت مُقلة تلذ بغمض
لم تمهد وطاءه العلياء
أنسام الهوان دون المنايا
إنَّما الموتُ والهوان سواء
ليس دار الهوان للحُرِّ دارًا
إنما الحر داره الجوزاء
يا بني الضادِ إنَّ للضاد حقًّا
ناطحت دون هضمه الآباء
إن رضينا غير الكرامة وردًا
غص منا بشاربيه الماء
ليت شعري ما ينقم القوم منا؟
أم على أبصار هناك غشاء؟
ليت شعري ما ينقم العمي منا؟
رب قوم أرض ونحن سماء
يشهد الله أنَّ أوَّل بيت
للعُلى فينا شاده البنَّاء
خيرة الله نَحنُ في الخلق مما
ولدت من أنسالها حواء
نحن شيء وغيرنا بعض شيء
نحن نورٌ وغيرنا الظلماء
نحن بحر وما سِوانَا سَرَابٌ
نحنُ در وغيرنا الحَصْباء
إنما ينكر الحقيقة غِرٌّ
أو لئيم أو حاسد مستاء
نحن في الحي مهبط الوحي قدمًا
وإلينا المصير والإنتهاء
كل حرٍّ بقية السيف منا
يوم دانت لسيفنا الأنحاء
لا يرم بعضكم لبعض فخارًا
أيها القوم كلكم عتقاء

(٩) جزيرة العرب

نظمها لحفلة نبوية في المدرسة الإسلامية سنة ١٣٣٨ﻫ.

لحصاها فضل على الشُّهبِ
وثراها خير مِنَ الذَّهبِ
تتمنى السماء لو لبست
حلة من طرازها العجب
إن بدا الآل في مفاوزها
قل لنهر المجرة احتجب
وإذا البَرقُ شام مبسمها
أسكرته بخمرة العجب
عج بأرض الحجاز أشرفها
لتريك الأقمار من كثب
رضي الله عن نجوم هدًى
فوق سرج تضيء أو قتب
لست أرضى السماء لي وطنًا
بدلًا من جزيرة العرب
مهبط الوحي مهد حكمته
منبت الفضل معدن الأدب
مطلع النور وهي مظلمة
منبع الرشد وهي في شغب
بسناها ضاء الوجود ولو
لا هداها لضل في الحجب
يوم قدَّ الحسام آلهة
صنعتها الأكف من خشب
فاسألن الحجاز أقدسها
يوم جاء الأمي بالكتب
رضي الله عن نجوم وغى
فوق سرج تصول أو قتب
لست أرضى الجنان لي وطنًا
بدلًا من جزيرة العرب
نحن أحفاد أمة نصبت
علمًا للهدى على النصب
نحنُ أحفاد أمة سطرت
مُعجزات التاريخ بالقضب
نحن أحفاد أمة خطبت
يوم قامت بأرفع الرتب
سوف نحيي مجد الأُلى حكموا
عرش كسرى في سالف الحقب
سوف نُحيي مجد الأُلى لهم
لوت الأرض عنق مضطرب
فكسوها ثوب البهاء بما
أبدعوا من علم ومن أدب
لست أرضى الجوزاء لي وطنًا
بدلًا من جزيرة العرب
نحن يوم الحفاظ قادتها
نحنُ أبطال جيشها اللجب
بشروها والله يكلؤها
ببلوغ الآمال والأرب
بشروها والله يكلؤها
رغم أنف الزمان بالغلب
فسلام على رجال هدًى
لا يضحون الجد للعب
وسلام على كماة وغًى
يُرجعون العدى على العقب
فبنفسي أفدي مضاربهم
وبأمي أفديهمُ وأبي
لست أرضى الفردوس لي وطنًا
بدلًا من جزيرة العرب

(١٠) مطلع الشمس

أيقظوا من رقدة الجهل همامًا
سهرت أجفانه دهرًا فناما
أحدث الدهر أمورًا بعده
وضياء الصبح قد عاد ظلاما
رب نار أضرموها بعده
أيقظوه فعسى يطفي الضراما
إن ركنا بالقنا شيده
سامه من سامه اليوم انهدما
إنَّ عرشًا رفعت همته
ثلَّه قوم وساموه اهتضاما
أيُّها الشرق انتبه حتى متى
ليسَ عمر الليل دهرًا لتناما
قم لفجر سطعت أنواره
وتجلت في فم الدهر ابتساما
قم فغصن الجد أضحى مُثمرًا
وحمام اللهو قد آض كماما
قم لروضٍ صوَّحت أزهاره
ولأرضٍ أنبتت كل خزامى
مطلع الشمس أراها أفلتت
منك واعتاضت لدى الغرب مقاما
رُبَّ أعمى قد غدا يُبصرها
أترى الشرق بصيرًا يتعامى
كنت يا شرق ولا غرب ولا
كيف من دونك قد نال المراما
كان من خلفك يمشي خالفًا
صرت تمشي خلفه وهو أماما

(١١) قوة الحق

هي من مرتجلاته، نظمها عفو الساعة لتلميذ من المدرسة الإسلامية ألقاها في حفلة نبوية سنة ١٣٣٨.

أي يوم هذا وأي زمانِ
بارك الله في بني عدنانِ
أي نجم بدا بأفق علاهم
فأفاض الهدى على الأكوان
فسلام على ابن عدنان دومًا
بسناه تثلثَ القمران
كيف أحيا الآمال وهي موات
بين تلك الرمال والكثبان
أوجد النور من ظلام ومن مُنْـ
ـبثق الكفر جاء بالإيمان
وحد الله وحده في شعوب
رسخت في عبادة الأوثان
كيف ثل العروش وهو يتيم
كيف جاء الأميُّ بالقرآن
قوة الحق أضعفت صولة البا
طل ممن بداه بالبدوان
فسلام الرحمن يغشى رسولًا
جاءنا بالهدى من الرحمن

(١٢) عشق الروح

روح العشق١
استجلِ أقمار الجمال سواطعًا
واعشق ترى مُثل الكمال لوامعا
وبما يخصُّ الجسم لا تَكُ قانعًا
العشق مرآة تُريك بدائعا
مما يخصُّ الروح من أشكال
للعشق معنى يستفز لنظمه
درر القوافي إن تنَوه باسمه
يشكو الهوى قلب أُصيب بسهمه
ويعز سلطان الهوى في حكمه
من أن تذلَّ لكاعب وغزال
أوكل بنفس للهوى مُنقادة
وكأنَّما هو للنفوس سعادة
فاربأ بنفسك والهوى لك عادة
ليس الهوى إن تستفزك غادة
يطفي جواك بها رحيق وصال
ارع المحاسن وهي ذات تورُّدِ
في كل ما يبدو لمقلة مهتدي
لا تنكرنَّ جماعة في مفرد
هيهات يحسن أن تميل لأغيد
شغفًا به عن كل سر جمال
كل الظواهر إن جهلت ظهورها
كتب يراع الحسن خط سطورها
نثرًا ونظمًا إنْ وعيتَ زبورها
استجل في كل المظاهر نورها
ليريك معنى الحسن كل مثال

(١٣) الكتب المقدسة وأبناؤها

ربِّ لا تُسألُ عما تفعلُ
وإذا نحن فعلنا نُسألُ
إنَّ ما تفعله عن حكمة
بينما نحن أثامًا نفعل
كل حكم لك فيه حكمة
ربما تخفى على من يجهل
لا تُؤاخذنا بما نفعله
ربِّ رفقًا نحن قوم همل
ما اهتدينا بالذي جاءت به
كتب أنزلتها أو رسل
إنَّ في إنجيل عيسى عظة
لو رعت إنجيل عيس الملل
أطفئوا النور الذي جاء به
وبظلم وظلام بدلوا
أين سِلْم أمر القوم به
ما لنيران الوغى تشتعل
أين زهد وعفاف وهدًى
جمل النفس بهن الأول
يوم شادوا للتقى أديرة
مجَّدوا الله بها وابتهلوا
لا سلاح لا كفاح لا وغًى
لا جيوش سفهًا تقتتل
وعلى المذبح ضحوا أنفسًا
في سبيل الله كانت تعمل
فابكِ أقوامًا على أمثالهم
يندب الدير ويبكي الهيكل
وعصى توراةَ موسى قومُه
إذ هُمُ أحرى بأن يمتثلوا
فضلوا الأسر على حرية
جاءهم فيها الكتاب المُنزل
سئموا استعباد فرعون وإذ
جاءهم موسى أبَوْا أن يقبلوا
فاسأل الصحراء إذ تاهوا بها
واسأل الأسباط عما فعلوا
وسل التيجان عن أصحابها
كم نبيًّا ووصيًّا قتلوا
كيف يحيا بعد يحيى معشرٌ
قتلوه دون أن يقتتلوا
إن عيسى رغم من كذَّبَه
من أولي العزم نبيُّ مُرسَل
سلكوا غير سبيل الحق مذ
جهلوا من حقه ما جهلوا
إنَّ في إنجيله تفصيل ما
أجملت توراتهم لو عقلوا
لو أطاعوا أمرها ازدادوا هدًى
إنَّ نورًا فوق نور أكمل
إنَّ في ألواح موسى حكمًا
رددت رجعَ صداها الرسل
غير أنَّ القوم في تبليغهم
أجملوا طورًا وطورًا فصَّلوا
حملوا الأقوام والأيام ما
كان في وسعهمُ أن يحملوا
شرعةً من بعد أخرى شرعوا
لعباد الله كيما يكملوا

•••

وحوى القرآن نورًا وهدًى
فعصى القرآنَ من لا يعقل
قل لقومٍ نبذوا أحكامه
ما لكم مما نبذتم بدل
فاسألوا التاريخ عن قرآنكم
يوم ضاءت بسناه السبل
فكأنَّ الأرض أُفْق أنتمُ
فيه بدرٌ كامل لا يأفل
وكأنَّ الكون فيكم روضة
وعلى الأغصان أنتم بُلبل
وكأن الملك ثغر باسم
وبه بيض المواضي قبل
أخذ العدل بكم مأخذه
مثلما زانَ العيونَ الكحل
نشر العلم بكم أعلامه
وتجلت للمعالي ظلل
أينما سرتم سرى نور الهدى
وغدت سحب الأماني تهطل
كل وادٍ إن تشاءوا مخصب
كل وادٍ إن تشاءوا ممحل
وعلى الشرق خلعتم حللًا
فاسألوه أين تلك الحلل
أين ميراث كرامٍ بذلوا
في سبيل الله ما لا يُبذل
أين ميراث كماة فعلوا
في سبيل المجد ما لا يُفعل
قد جهلنا من تعاليم الهدى
ما به نلنا الهدى من أول
وظلمنا سُنة المُختار من
هاشم وهْو النبي الأكمل

•••

ثأر الله لدين الله من
معشرٍ ضلوا به واسترسلوا
جهلوا ما شرع الله لهم
ثم عابوه بما قد جهلوا
لو أتى الدينُ على أهوائهم
مثَّلوه حكمًا وامتثلوا
يا دعاة الشرِّ ما خيركُمُ
خير مَن فيكم غويٌّ مبطل
سأقولُ الحق لا يمنعني
رامح من قوله أو أعزل
كل يوم دولة تظلمني
ويح فرد حاربته دول

(١٤) رب الفضيلة

رب الفضيلة والحجى
لا تحترم غير الفضيلهْ
وإذا صحبت ذوي الرذيـ
ـلة كنت من أهل الرذيله
١  الأصل والتخميس له ولكن التخميس كان عفو الساعة، وبديهة الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤