مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
هذا هو الجزء الثاني من ظهر الإسلام، وهو على نمط «ضحى الإسلام»، يبحث في تاريخ العلوم والآداب والفنون في القرن الرابع الهجري. وإذا كان في الأجل متسع: ألَّفت الجزء الثالث في الأندلس، ثم الجزء الرابع في العقائد. ففي هذا العصر نضجت الحياة العلمية في الأندلس، وحُقَّ لها أن تسجَّل. ولعلَّ القارئ يأخذ علينا أننا لم نستخدم النصوص كما استخدمناها في «فجر الإسلام وضحاه»، فقد اعتدنا أن ننقل النصَّ بحروفه، ثم نستنتج منه ما أمكننا الاستنتاج. أما في هذا الجزء، فقد هضمنا ما قرأنا، ثم حكينا ما خلص لنا من غير ذكر نص؛ إلا في القليل النادر، واكتفينا بذكر المراجع عقب كل باب.
وعذرنا في ذلك ضعف الصحة، وعدم قدرتنا على إثبات النصوص كما قرأناها أو سمعناها، على أن هذه الطريقة إنما اتبعت لكي يصدِّق القارئ المؤلِّف في تأليفه، فإذا كان قراؤنا لم يصدِّقونا مما سبق، فعلينا العفاء، وإذا صدَّقونا اكتفوا منا بمسلكنا في هذا الجزء، وربما كررت بعض أشياء في هذا الجزء والذي قبله، فعذرنا في ذلك أن الإنسان موضع النسيان.
ولا يدري إلا الله ماذا لقينا من عناء في بعض الأبواب، كالكلام على إخوان الصفاء، فبعضهم يرى أنهم شيعة، وبعضهم يرى أنهم ليسوا بشيعة، فاضطررنا إلى مراجعة أربعة أجزاء كبار؛ لنقف على موضوعات الكتاب أولًا، ومعرفة منحى المؤلِّفين: هل هم شيعة أو غير شيعة ثانيًا، حتى استخلصنا الرأي في ذلك، وكالخلاف بين الصوفية والفقهاء، فقد كانت مسألة دقيقة تحتاج إلى دراسة عميقة، إلى غير ذلك.
هذا مع نَهي الأطباء لنا عن النظر في الكتب، ولكنا اعتدنا أن نعتمد في الحياة على القراءة والتأليف، وما قيمة الحياة من غير ذلك؟
ولسنا نطلب جزاء على ما بذلنا من جهد إلا من الله، والله يوفقنا في هذا الجزء وما بعده، كالذي وفقنا فيما قبله.