الفصل الثالث

خراسان وما وراء النهر

ازدهرت هذه البلاد في عهد الدولة السامانية التي حكمت من سنة ٢٦١ إلى ٣٨٩ﻫ، فمدة ملكهم ١٢٨سنة.

والملوك السامانيون أصلهم فرس من بلخ من أسرة نبيلة تَنتسب إلى بهرام جور. وقد عرف المأمون منزلتهم ونبلهم فاصطنعهم، وكان رأسهم أسد بن سامان. وقد خلَّف أسد هذا أربعة أبناء كلهم كانوا في خدمة المأمون وحكامَه في هذه البلاد؛ فكان نوح على سمرقند، وأحمد على فرغانة، ويحيى على بلاد الشاش، وإسماعيل على هراة، ثم عظم ملكهم حتى امتد من الصحراء الكبرى إلى الخليج الفارسي، ومن حدود الهند إلى العراق، وأهم ملكهم خراسان وما وراء النهر — وقد اشتهرت دولتهم بالعدل والصلاح وتشجيع العلم.

وخراسان كانت تطلق على الإقليم الواسع الذي ينقسم إلى أربعة أرباع: ربع عاصمته نيسابور، وربع عاصمته مرو، وثالث عاصمته هراة، ورابع بلخ.

ومن أشهر مدن خراسان نيسابور، وبُوشَنج، وبُسْت، وسجستان، وهراة، ومرو، وسَرخس، وننسا، وطوس، وأبيورد … إلخ.

والقسم الثاني من ملك السامانيين ما وراء النهر؛ أي ما وراء النهر جيحون، وكان هذا الإقليم ينقسم إلى خمسة أقسام: (١) الصُّعد، وله عاصمتان: بخارى وسمرقند. (٢) وإلى الغرب من الصغد خوارزم المسمَّاة اليوم خيوه أو كيوه. (٣) صغانيان. (٤) فرغانة. (٥) الشاش المسمَّاة اليوم طشنقد.

ومن أشهر بلاد ما وراء النهر فرغانة، واسبيجان، والشاش، وأشروسنة، وسمرقند، وبخارى، وفاراب، وترمذ، وصغانيان وقاشان، ثم خوارزم، وفيها زمخشر والجرجانية.

والمقدسي يسمِّي إقليم خراسان وما وراء النهر «إقليم المشرق». وقد رحل إلى هذه البلاد في هذا العهد الساماني، ونحن ننقل بعض ما يهمنا الآن منه. قال: إنه أجل الأقاليم وأكثرها أجلة وعلماء، وهو معدن الخير ومستقر العلم وركن الإسلام المحكم وحصنه الأعظم، ملكه خير الملوك، وجنده خير الجنود، فيه يبلغ الفقهاء درجة الملوك. وقد قال محمد بن عبد الله لدعاته: «عليكم بخراسان فإن هناك العدَدَ الكثير والجَلَد الظاهر، وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النِّحَل ولم يقدح فيها فساد، وهم جند لهم أبدان وأجسام، ومناكب وكواهل، وهامات ولحى وشوارب، وأصوات هائلة، ولغات فخمة.» وهم كانوا عدة الانقلاب والثورة على الأمويين، ونقل الخلافة إلى العباسيين.

ويقول المقدسي: قرأت في كتاب بخزانة عضد الدولة «خراسان في غذاء الهواء، وطيب الماء، وصحة التربة، وإحكام الصنعة، وتمام الخِلقة، وجودة السلاح والتجارة والعلم والعفَّة والدراية ترس في وجه الترك»؛ وأهل خراسان أشدُّ الناس تفقُّهًا، وبالحق تمسكًا، وهم بالخير والشر أعلم، وإلى إقليم العرب ورسومهم أقرب، وإقليمهم أكثر أجلَّة وعقلاء، مع العلم الكثير، والحفظ العجيب، والمال المديد، والرأي الرشيد، به مرو التي قامت بها الدنيا، وبلخ وإليها المنتهى، ونيسابور فلا تُنْسى.١

ثم قال: وهو أكثر الأقاليم علمًا وفقهًا، وللمذكِّرين به صيت عجيب، ولهم أموال جمَّة؛ وبه يهود كثيرة ونصارى قليلة، وأولاد علي — رضي الله عنه — فيه على غاية الرفعة، ولا ترى به هاشميًّا إلا غريبًا، ومذاهبهم مستقيمة، غير أن الخوارج بسجستان ونواحي هراة كثيرة، وللمعتزلة بنيسابور ظهور بلا غلبة، وللشيعة والكرَّامية بها جلبة، والغلبة في الإقليم لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة الشاش، وطوس، ونسا، وأبيورد … فإنهم شفعوية، ولهم جلبة بهراة وسجستان وسرخس.

ورسومهم تخالف رسوم أقاليم العرب في أكثر الأشياء، فللمؤذِّنين سرير قدَّام المنبر يؤذِّنون عليه بتطريب وألحان، ويذكِّرون بلا دفاتر٢ … وبنيسابور رسوم حسنة، منها مجالس المظالم في كل يوم أحد وأربعاء بحضرة صاحب الجيش أو وزيره، فكل من رفع قصة قُدِّم إليه فأنصفه، وحوله القاضي والرئيس والعلماء والأشراف، ومجلس الحكم كل اثنين وخميس في مسجد «رجاء» لا ترى في الإسلام مثله.

وألسنتهم مختلفة؛ أما لسان نيسابور ففصيح مفهوم غير أنهم يكسرون أوائل الكلم، وفيه رخاوة، وأهل طوس ونسا أحسن لسانًا، وفي كلام سجستان تحامل وخصومة يخرجونه من صدورهم، ويجهرون فيه، ولسان بست أحسن؛ ولسان هراة وحش، تراهم يتكلَّفون ويتحاملون، ولسان بلخ أحسن الألسن إلا أن لهم فيه كلمات تستقبح … إلخ.

وبهذا الإقليم عصبيات بين الشيعة والكَرَّامية، وبين الشافعية والحنفية، وقد يهراق في هذه العصبيات الدماء، ويدخل بينهم السلطان.

والولايات والخطبة في هذا الإقليم كله لآل سامان … وهم من أحسن الملوك سيرة ونظرًا وإجلالًا للعلم وأهله؛ ومن أمثال الناس: «لو أن شجرة خرجت على آل سامان ليبست.» ألا ترى إلى عضد الدولة وتجبُّره وتمكنه، وكمال دولته وفتوَّة أمره، وخطب له باليمن وبالسند، وفتح عمان، وملك ما ملك؛ فلما تعرض لآل سامان، وطلب خراسان أهلكه الله، وشتت جمعه، وفرَّق جيوشه … وهم لا يكلفون تقبيل الأرض لهم، ولهم مجالس عشياتِ جُمَع شهر رمضان للمناظرة بين يدي السلطان، فيبدأ هو فيسأل مسألة ثم يتكلمون عليها … وميلهم إلى مذهب أبي حنيفة، وليس من رسمهم الانبساط إلى الرعية. ا.ﻫ.

وقد أخرجت هذه البلاد ما لا يحصى من رجال الحديث والفقه، خدموا العلم خدمة كبرى بجدِّهم وصبرهم على البحث ورحلتهم إلى أقاصي البلدان، يأخذون العلم من أهله حيث كان؛ فعلى رأس المحدِّثين الإمام البخاري، وهو من بخارى، كما تدلُّ عليه نسبته، ورحل إلى الجبال ومدن العراق، والحجاز والشام ومصر يجمع الأحاديث بالأسانيد، ويعنى بالمتن وبالسند، وبرجال الحديث وتاريخهم، ومعرفة درجة الثقة بكل منهم مع الحفظ التام، والدقة العجيبة … يحكي عن نفسه أنه عني بحفظ الحديث وهو في العاشرة، فلما بلغ السادسة عشرة أخذ يحفظ كتب الحديث، ويتعرَّف رجاله، ثم خرج مع أمه وأخيه إلى مكة ورجعا هما وبقي هو يطلب الحديث من محدثي مكة والمدينة، ثم طوَّف في سائر البلدان، واستخلص من كل ما سمع ما صحَّ عنده، فاستخرج صحيحه من زهاء ستمائة ألف حديث، وظل يعمل في تأليف صحيحه هذا ست عشرة سنة. وقد نشر الحديث في بقاع الأرض، فعقد مجالسه في البصرة، وبغداد، والريِّ وخراسان، وما وراء النهر، ونيسابور، وأخذ عنه الألوف، وقد أصابته محنة خلق القرآن فكان يقول: إن القرآن غير مخلوق ولكن لفظي به مخلوق. وشنَّعوا عليه بذلك بعد أن عاد إلى بلاده، فأُخرج من بخارى إلى خَزتَنْك (وهي قرية من قرى سمرقند) فمات بها سنة ٢٥٦ﻫ.

كما أخرجت نياسبور مسلم بن الحَجَّاج النيسابوري مؤلف الصحيح المنسوب إليه «صحيح مسلم» وهو كذلك رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، وروى عن أهلها، وجمع الحديث واستخرج صحيحه من ثلاثمائة ألف حديث، و«بعض المحدِّثين يفضِّل صحيحه على صحيح البخاري؛ لما اختصَّ به من جمع الطرق، وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى».٣ وكان كتابه مصدرًا لحركة كبيرة في الحديث بين النيسابوريين، وانتفع به خلق كثير، ومات سنة ٢٦١ﻫ بنيسابور، وقد ناصر البخاري في قوله في القرآن، وخاصمهما في ذلك شيخهما المحدِّث الكبير أيضًا أبو عبد الله محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري؛ فكان يقول بأن القرآن حتى لفظنا له غير مخلوق.

ويطول بنا القول لو عدَّدنا أسماء كبار المحدِّثين الذين أنجبتهم هذه البلاد؛ فالبخاري ومسلم كانا سببًا في حركة الحديث قوية ظلت تعمل في هذه البلاد أجيالًا، وحسبنا دلالة على كثرة من خرَّجتهم هذه البلاد أننا نقرأ أسماء المحدثين، فنجد الكثيرين المنسوبين إلى بلاد هذا الإقليم، وخصوصًا نيسابور.

كما أخرجت البلاد كثيرًا ممن بلغوا مبلغ الاجتهاد في الفقه مثل أبي حاتم محمد بن حبان التميمي السمرقندي، إمام كبير له تصانيف كثيرة في الحديث والجرح والتعديل، وطوف في البلاد وقال: «لعلنا أخذنا عن ألف شيخ بين الشاش والإسكندرية.» وقد ولي قضاء سمرفند، ورحل إليه الناس لأخذ العلم عنه، وإليه مرجع كثير من المحدِّثين في حكمه على رجال الحديث بالجرح والتعديل، مات سنة ٣٥٤ﻫ.

وأبو بكر محمد بن المنذر النيسابوري، وكان إمامًا مجتهدًا، قال الذهبي: كان على نهاية من معرفة الحديث والأخلاق، وكان مجتهدًا فلا يقلد أحدًا، توفِّي سنة ٣١٦ﻫ.

ثم كان بهذه الأقاليم كثير من عظماء الشافعية والحنفية.

فمن أكبر رجال الشافعية محمد علي القفَّال الشاشي، كان يعدُّ إمام عصره فيما وراء النهر، وناشر مذهب الشافعية فيه، وكان يقول بالاعتزال، وله كتب في الفقه والأصول، وخرج غازيًا في الحروب بين المسلمين والروم، وأخذ أسيرًا إلى القسطنطينية، ثم عاد إلى بلاده، ومات بالشاش سنة ٣٦٥ﻫ.

وأبو بكر بن فورك الأصفهاني الأصل، الأصولي المتكلِّم، ناصر الأشعري، اضطُهد بالري لكثرة الاعتزال بها، فطلبه أهل نيسابور، وبنوا له مدرسة يعلم فيها، وألَّف مصنَّفات كثيرة نحو المائة، ومات سنة ٤٠٦ﻫ بنيسابور.

وأبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي الحافظ الشافعي، رحل إلى كثير من البلاد، ثم عاد إلى بلده، وأخذ في التصنيف، وأكثر منها حتى قالوا: إنها تبلغ نحو ألف جزء، وهو أول من جمع نصوص الإمام الشافعي في عشرة مجلدات، ومن تأليفه السُّنن الكبير والسُّنن الصغير، ودلائل النبوَّة، ومناقب الشافعي، ومناقب ابن حنبل، وطُلب إلى نيسابور لنشر العلم بها فأجاب، وتوفِّي بها سنة ٤٥٨ﻫ، ونسبته إلى بيهق بالقرب من نيسابور.

كما اشتهر من الحنفية الإمام أبو منصور الماتريدي، وهو للحنفية في علم الكلام كالأشعري للشافعيين، كتب كتاب التوحيد، وأوهام المعتزلة، ومآخذ الشرائع في الفقه، والجدل في أصول الفقه وغير ذلك، مات سنة ٣٣٣ﻫ، والنسبة إلى ماتريد أو ماتوريد محلة بسمرقند.

ثم أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي الملقب بإمام الهدى توفِّي سنة ٣٧٣ﻫ.

وهذا نموذج صغير جدًّا لما أخرجته هذه البلاد من المحدِّثين والفقهاء، فحيثما قرأتَ في كتب المحدِّثين والفقهاء راعتك كثرة ما ترى منهم، ودلالة نسبتهم عليهم كالبلخي، والسرخسي، والخوارزمي، والسمرقندي، والفارابي، والبخاري، والترمذي، والصاغاني، والأبيوردي، والقاشاني، والشاشي، والنيسابوري، والمرْوَزِي (نسبته إلى مرو والزاي زائدة كالرازي نسبة إلى الريِّ، وبعضهم ينسبها مروروزي نسبة على مرو الروز)، والهَرَوي نسبة إلى هراة، والفرغاني، والزمخشري، والصُّغدي، والبيهقي، والبُسْتي … إلخ.

وظهر التصوُّف في هذه البلاد كما ظهر في مصر، وفي العراق؛ فكان من أولهم في هذا الإقليم شقيق البلخي، قيل: إنه أول من تكلم في علم الأحوال بخراسان. كان يقول: قرأت القرآن عشرين سنة حتى ميَّزت الدنيا من الآخرة، فأصبته في حرفين، وهو قوله تعالى: وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ، ومات سنة ١٥٣ﻫ.

ثم تتابع التصوُّف من بعده من هذه البلاد كأبي حفص عمر بن سالم الحداد النيسابوري المتوفَّى سنة ٢٧٠ﻫ، وأبو تراب النخشبي من متصوفة خراسان المشهورين بالعلم والفتوَّة والزهد، وأبو بكر محمد بن عمر الحكيم الوراق أصله من ترمذ وأقام ببلخ، وأبو عبد الله محمد بن منازل النيسابوري شيخ طريقة الملامتية مات بنيسابور سنة ٣٢٩ﻫ، وأبو العباس بن القاسم بن مهدي من أهل مرو، وهو أول من تكلم عندهم في حقائق الأحوال، مات سنة ٣٤٢ﻫ.

وكانت في هذه البلاد حركة فلسفية قوية يرجع الفضل فيها أولًا إلى شخصيتين من أقوى الشخصيات، وهما: أبو زيد البلخي، وأبو القاسم الكعبي.

فأما أبو زيد فهو أحمد بن سهل البلخي، جمع بين الفلسفة والعلوم الشرعية والأدب، قال أبو حيان التوحيدي: «الذي أقوله وأعتقده أني لم أجد في جميع من تقدم وتأخر ثلاثة لو اجتمع الثقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم وعلمهم ومصنَّفاتهم ورسائلهم مدى الدنيا لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ … والثاني أبو حنيفة الدينوري، فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم … والثالث أبو زيد أحمد بن سهل البلخي، فإنه لم يتقدم له شبيه في الأعصر الأول، ولا يظن أنه يوجد له نظير في مستأنف الدهر، ومن تصفَّح كلامه في كتاب أقسام العلوم، وفي كتاب أخلاق الأمم، وفي كتاب نظم القرآن، وكتاب اختيار السيرة، وفي رسائله على إخوانه، وجوابه عما يُسأل عنه ويُبْدَه به — عَلِمَ أنه بحر البحور، وأنه عالم العلماء، وما رُثي في الناس من جمع بين الحكمة والشريعة سواه، وإن القول فيه لكثير.»٤

ولد ببلخ، ورحل إلى العراق، وأقام به ثماني سنين يأخذ علمه وفلسفته، ثم عاد إلى بلاده ينشر فيها علمه، وكان يقال له: «جاحظ خراسان» — وألَّف نحو ستين كتابًا في علوم مختلفة، منها كتاب في نظم القرآن، قال أبو حيان: «لم أر كتابًا في القرآن أحسن منه؛ تكلم فيه بكلام لطيف دقيق، وأخرج أسراره، ولم يأت على جميع المعاني فيه.» وكان يتنزَّه عن الجدل في القرآن، ويتحرج عن تفضيل بعض الصحابة على بعض، وعن المفاخرة بين العرب والعجم، ويقول: ليس في هذه المناظرات الثلاث ما يجدي طائلًا. ومن تآليفه كتاب «أقسام العلوم»، و«شرائع الأديان»، و«كتاب السياسة الكبير والصغير»، و«حدود الفلسفة»، و«ما يصحُّ من أحكام النجوم»، وكتاب «الرد على عبدة الأوثان»، وكتاب «أخلاق الأمم» … إلخ. ويعدُّ أيضًا من أكبر جغرافيي العرب، وقد ألَّف «صور الأقاليم»، وهو خرائط ملوَّنة موضَّحة ببعض الشروح. وينسب إليه كتاب «البدء والتاريخ» المطبوع، وليس له، مات ببلخ سنة ٣٢٢ﻫ.

والثاني أبو القاسم عبد الله بن أحمد الكعبي كان من بلخ أيضًا، وكان معاصرًا لأبي زيد وصديقًا له، واشتهر بتبحُّره في علم الكلام، وأنه رأس من رؤوس المعتزلة، له مذهب خاص وأتباع يقال لهم الكعبية، مات سنة ٣١٧ﻫ.

هذان العَلَمان نشرا في هذا الإقليم حركة فلسفية وعقلية كبيرة تُوِّجت بالفيلسوف الكبير ابن سينا درَّة الدولة السامانية.

وهو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، ولعلَّ خير ما يمثِّل الحركة الفلسفية في العهد الساماني ما حكاه ابن سينا نفسه في ترجمة حياته، كما رواه عند تلميذه أبو عبيد الجوزجاني، قال ابن سينا: «إن أبي كان رجلًا من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى في أيام نوح بن منصور (الساماني)، واشتغل بالتصوُّف وتولَّى العمل بقرية هناك … ثم انتقلنا إلى بخارى، وأُحضرت معلم القرآن، ومعلم الأدب … وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين (الفاطميين)، ويُعدُّ من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه، وكذلك أخي، وكانوا ربما تذاكروا بينهم وأنا أسمعهم وأدرك ما يقولونه، ولا تقبله نفسي، وابتدؤوا يدعونني إليه أيضًا، ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهيئة، وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه …

ثم جاء إلى بخارى أبو عبد الله الناتلي، وكان يدعى المتفلسف، وأنزله أبي دارنا رجاء تعلُّمي منه … فابتدأت بكتاب إيساغوجي على الناتلي … وكان أي مسألة قالها لي أتوِّرها خيرًا منه … ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسي، وأطالع الشروح حتى أحكمت علم المنطق، وكذلك كتاب أقليدس، فقرأت من أول خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم تولَّيت بنفسي حلَّ بقية الكتاب بأسره، ثم انتقلت إلى المجسطي … ثم فارقني الناتلي، واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من النصوص والشروح من الطبيعي والإلهي، وصارت أبواب العلم تتفتَّح عليَّ.

ثم رغبت في علم الطب … وتعهَّدت المرضى، فانفتح عليَّ من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه وأناظر فيه … وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة (لأرسطو)، فما كنت أفهم ما فيه، وأيست من نفسي حتى أعدت قراءته أربعين مرة، وصار لي محفوظًا، وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه. وإذا أنا في يوم من الأيام في الوراقين، وبيد دلَّال مجلد، فقال لي: اشتر مني هذا فإنه رخيص … فاشتريته بثلاثة دراهم، فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة، ورجعت إلى بيتي، وأسرعت قراءته فانفتح عليَّ في الوقت أغراض ذلك الكتاب؛ بسبب أنه كان محفوظًا على ظهر القلب …

وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور (الساماني)، واتفق له مرض، فاستدعيت لمشاركة الأطباء في معالجته، وتوسمت بخدمته، فسألته يومًا الإذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من كتب الطب، فأذن لي، فدخلت دارًا ذات بيوت كثيرة، في كل بيت صناديق كتب، منضَّدة بعضها على بعض، في بيت منها كُتُب العربية والشرع، وفي آخَر الفقه، وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد، فطالعت فهرست كتب الأوائل، وطلبت ما احتجت إليه منها، ورأيت من الكتب ما لم يقع اسمه إلى كثير من الناس قطُّ، وما كنت رأيته من قبل، ولا رأيته أيضًا من بعد، فقرأت تلك الكتب، وظفرت بفوائدها، وعرفت مرتبة كل رجل في علمه» … إلخ إلخ.٥

وقد شاهد ابن سينا سقوط بخارى في يد أمير غزنة محمود بن سبكتكين، وسافر على الري وهمذان.

واتصل بكثير من علماء وقته كالبِيروني، وأبي الخير بن الخمار، وأبي القاسم الكرماني، وأخذ اسمه وتآليفه شهرة ومكانة لم ينلها أحد غيره من فلاسفة الشرق، وظلَّ كتابه «القانون في الطب» يدرس في الشرق وفي الغرب على عهد قريب، وكتبه الشفاء والإشارات والنجاة مرجع كل من درس الفلسفة الإسلامية، عاش ابن سينا من سنة ٣٧٠ﻫ إلى سنة ٤٣٨ﻫ.

وكان في هذا الإقليم حركة أدبية قوية من شعر ونثر فني.

ففي الشعر جروا على أساليب العراق وفارس من إكثارهم من المقطوعات في المناسبات، والتفنن في التخيل، والإغراق في المبالغة، والإمعان في التشبيه، وشجع الملوك السامانيون الحركة الأدبية، كما شجعها وزيران كبيران لهذه الدولة، فكانا صورة مصغَّرة لابن العميد، وابن عباد، وهما: الوزير البلعمي، وأبو عبد الله الجَيْهاني.

فالوزير البلعمي هو أبو الفضل محمد بن عبد الله البلعمي، أصل أجداده عرب من تميم استوطن فرعهم في بخارى وكان وزيرًا لنصر بن أحمد الساماني، قال السمعاني: «وكان واحد عصره في العقل والرأي وإجلال العلم وأهله، ولقبه ابن حوقل بالشيخ الجليل، وقد قام بترجمة تاريخ الطبري إلى اللغة الفارسية.»

والجيهاني هو أبو عبد الله محمد بن أحمد الجيهاني؛ قال فيه ياقوت: «وكان أديبًا فاضلًا شهمًا جسورًا، وكان حسن النظر لمن أمله وقصده — معينًا لمن أمله واعتمده، وله تآليف، وقد استوزر أيضًا لنصر بن أحمد.»

فكلاهما شجَّع الحركة العلمية والأدبية في بخارى، كما شجَّعها ابن العميد وابن عباد في الري.

وقد نبغ في الدولة السامانية من الشعراء كثيرون عدهم الثعالبي في «اليتيمة»، ونقل طرفًا من أشعارهم؛ ولعلَّ من أحقِّهم بالذكر محمد بن موسى الحدادي البلخي، وكان يقال: «أخرجت بلخ أربعة: أبا القاسم الكعبي في علم الكلام، وأبا زيد البلخي في البلاغة والتأليف، وسهل بن الحسن في شعر الفارسية، ومحمد بن موسى في شعر العربية.»٦ ومما امتاز به أنه كان مولعًا بنقل الأمثال الفارسية إلى العربية نظمًا، وله في ذلك مزدوجة طويلة كقوله:
من مُثُل الفرس ذوي الأبصار
الثوب رهن في يد القَصَّار

•••

نال الحمار بالسقوط في الوَحَل
ما كان يهوى ونجا من العمل

•••

البحر غمر الماء في العِيَان
والكلب يَرْوَى منه باللسان

… إلخ.

وسار في ذلك على منهجه أبو عبد الله الضرير الأبيوردي، وقد وضع قصيدة في أمثال الفرس كذلك أوَّلها:

صيامي إذا أفطرْت بالسحت ضَلَّةٌ
وعلمي إذا لم يُجْد ضرب من الجهل
وتزكيتي مالًا جمعت من الرِّبا
رياء، وبعض الجود أخزى من البخل
كسارقة الرمان من كَرْم جارها
تعود به المرضى وتطمع في الفضل
وقد قال الثعالبي: «كانت بخارى في الدولة السامانية مثابة المجد، وكعبة الملك، ومجمع أفراد الزمان، ومطلع نجوم أدباء الأرض، وموسم فضلاء الدهر.»٧

وأنتج هذا الإقليم من أعلام النثر الأديبين الكبيرين الشهيرين أبا بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.

فالخوارزمي محمد بن العباس أصله من خوارزم، وطوَّف في الشام، ونزل ضيفًا على سيف الدولة في حلب، وعلى الصاحب بن عباد في الري، ثم عاد إلى نيسابور.

وكان يتعصَّب لبني بويه، ويغضُّ من سلطان خراسان، ونكل به مرة من أجل ذلك، ثم علت منزلته ثانية، ونظر إليه أهل نيسابور بعين الإكرام والإعظام، وعُدَّ إمام الأدباء حتى رُمي ببديع الزمان الهمذاني، وبُلي بمساجلته، وأعان البديع شبابه ولباقته، ومساعدة خصوم الخوارزمي السياسيين للبديع، «فانخزل الخوارزمي انخزالًا شديدًا، وكسف باله، وانخفض طرفه، ولم يحُل عليه الحول حتى خانه عمره، ومات سنة ٣٨٣ﻫ».٨

وقد خلَّف لنا رسائله الأدبية القيِّمة، على ما فيها من تكلف أحيانًا جرَّ إليه الغرام بالسجع والبديع.

ثم أتى بديع الزمان الهمذاني، وهو أبو الفضل أحمد بن الحسن، ولد بهمذان، وتوفي بهراة سنة ٣٩٨ﻫ، وقد أربى على الأربعين، قد اتصل بالأمير محمد بن منصور فأكرمه، ونزل نيسابور سنة ٣٨٢ﻫ، فأملى بها مقاماته المشهورة، وكانت الخصومة بينه وبين أبي بكر الخوارزمي أيام إقامتهما في نيسابور. وقد قصَّ البديع هذه الخصومة في رسائله، ولا بد أن يكون قد بالغ فيها تحيُّزًا لنفسه، ومع هذا فهي تدلُّ على ما عُرف عن البديع من جودة حفظ، وحضور بديهة، وقوة بيان.

وله الفضل الكبير في مقاماته التي حذا حذوها الحريري فيما بعد، وله رسائله، وهذه وتلك تدل على خفة روح وحسن خيال، وقدرة على الابتكار، ووقوف على أحوال الزمان مما يجعلها مصدرًا كبيرًا لدراسة الحياة الاجتماعية في زمنه.

ونبغ في هذا العصر، وفي هذا الإقليم من الأدباء والمؤلِّفين في الأدب أبو منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري، كان أديبًا بليغًا على أسلوب أهل زمانه في السجع والاستعارة والتشبيه، وكان واسع العلم باللغة والأدب والأدباء وتاريخهم، وألَّف في ذلك كله؛ فله «فقه اللغة» أراد فيه أن يجعله معجمًا على نمط جديد، وهو جمع الكلمات في الموضوع الواحد في موضع واحد، وأتتْ هذه الفكرة للثعالبي في نيسابور، وابن سِيده في الأندلس في وقت واحد تقريبًا؛ فقد مات الثعالبي سنة ٤٢٩ﻫ، ومات ابن سيده سنة ٤٥٨ﻫ، وألَّف الأول «فقه اللغة»، والثاني «المخصص»، كما ألَّف الثعالبي «يتيمية الدهر في محاسن أهل العصر»، ذكر فيه تراجم الأدباء في المائة الرابعة، ومختارًا من أدبهم مقسمًا إلى الدول المختلفة، والأمصار المتباينة، وقد عني بالمختارات أكثر مما عني بتراجم الحياة.

وله كتب أخرى كثيرة قيمة وصلت إلينا «كالإعجاز والإيجاز»، و«خاص الخاص»، و«ثمار القلوب في المضاف والمنسوب»، و«من غاب عنه المطرب» و«نثر النظم»، و«حل العِقد» … إلخ. وله كتاب «غرر أخبار ملوك الفرس»، وكلها كتب قيمة مفيدة.

كما كان من هذه البلاد من أئمة اللغة؛ الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد الأزهر، أصله من هراة، ولد بها ومات بها، ورحل إلى العراق وأخذ عنه أئمة علمائه كابن دريد، وطاف في أرض العرب يجمع اللغة منهم، فوقع أسيرًا في يد القرامطة، قال: «وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عربًا نشئوا في البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع، ويرجعون إلى إعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ، ويرعون ويعيشون بألبانها، ويتكلمون بطباعهم البدوية، ولا يكاد يوجد في منطقهم لحن أو خطأ فاحش، فبقيت في أسرهم دهرًا طويلًا … واستفدت من مجاورتهم ومخاطبة بعضهم بعضًا ألفاظًا جمَّة ونوادر كثيرة أودعت أكثرها في كتابي.»

وقد صنَّف في اللغة كتاب «التهذيب» في عشرة مجلدات، وهو من الكتب التي فرَّغها ابن منظور في كتابه «لسان العرب» وقال في مقدمته: «ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، ولا أكمل من المحكم لابن سيده، وهما من أُمَّهات كتب اللغة على التحقيق، وما عداهما بالنسبة إليهما ثنيَّات للطريق.»

وقد توفي الأزهري سنة ٣٧٠ﻫ.

وكذلك الجوهري صاحب «الصحاح»، ومبتكر طريقة للمعاجم جرى عليها صاحب «القاموس» و«لسان العرب» وغيرهما. وهو إسماعيل بن حماد، أصله من فاراب، سافر إلى بلاد العرب، ودخل ديار ربيعة ومضر، وجمع ما استطاع من اللغة، وعاد إلى نيسابور فدرس فيها، ثم وضع كتاب «الصحاح»، وهو يعد من أمهات كتب اللغة اهتمَّ به علماء اللغة اهتمامًا كبيرًا استفادةً ونقدًا، وقد تقدم ذكره. مات سنة ٣٩٨ﻫ.

ومن هذا الإقليم من علماء اللغة والأدب الزُّوزَني٩ أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم نسبة إلى زُوزَن، وهي بلدة واسعة بين نيسابور وهَرَاة، وكانت زوزن تسمى بالبصرة الصغرى؛ لكثرة من أخرجت من الفضلاء والأدباء وأهل العلم، وإليها ينتسب كثير من أهل الأدب والعلم، منهم صاحبنا هذا.

وقد خلَّف لنا شرحًا على المعلقات السبع، وهو شرح مختصر مفيد يدل على سعة علمٍ باللغة والنحو والتصريف وحسن الذوق والفهم، مات بزوزن سنة ٣٧٤ﻫ.

وكان في هذا الإقليم أمراء جمعوا إلى الإمارة وجاهة الأدب، ورعاية أهله، فأحاطوا أنفسهم بجو أدبي رائع، كان ينتج أكثر مما أنتج لولا ما انغمسوا فيه من السياسة وفتنها وألاعيبها.

فكان فيه طائفة كبيرة من نسل الخلفاء العباسيين، أتوا إليه من العراق لما كان يعرفون من الرابطة القوية بين آبائهم العباسيين والخرسانيين؛ إذ كان الخراسانيون عماد الدولة العباسية. فلما ذهب إلى خراسان أبناء هؤلاء الخلفاء أكرمهم الخراسانيون وأغدقوا عليهم النعم، وأحلوهم محلَّ الإجلال، ولعبت ببعض هؤلاء الذين من نسل الخلفاء فكرة أن يعيدوا الأمر جذعة، فيبثوا الدعوة لأنفسهم، ويكوِّنوا جيشًا من الخراسانيين يفتحون به العراق من جديد ويؤسِّسون ملكًا جديدًا، وأصاب بعضهم بعض النجاح أولًا وفشلوا أخيرًا.

وكان من أشهر هؤلاء أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني من نسل المأمون، قال الثعالبي: «وقد رأيت المأموني ببخارى سنة ٣٨٢ﻫ، وعاشرت منه فاضلًا ملء ثوبه، وذاكرت أديبًا شاعرًا بحقِّه وصدقه، وسمعت منه قطعة من شعره، ونقلت أكثره من خطه، وكان يسمو بهمته إلى الخلافة، ويمنِّي نفسه قصد بغداد في جيوش تنضم إليه من خراسان لفتحها، فاقتطعته المنية دون الأمنية، ولم يكن بلغ الأربعين، وذلك سنة ٣٨٣ﻫ.»١٠

وكذلك كان أبو محمد عبد الله بن عثمان الواثقي من أولاد الخليفة الواثق، ذهب كذلك بأهله إلى خراسان، ودبَّر أن يستعين بالأتراك لإزالة دولة بني سامان حتى هاجموا بخارى وأزالوا الساماني عنها، ثم فشلت الحركة، وكان كالمأموني شاعرًا أديبًا.

ومن الأمراء غير العباسيين الذين كانوا من الأدباء آل ميكال الذين اشتهر من بينهم أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالي، وأبو محمد عبد الله بن إسماعيل الميكالي، وآل ميكال أسرة كبيرة من سادة خرسان، وأولي الفضل والنبل والرياسة فيها، جمعوا إلى إنشاء الأدب حماية الأدب.

هؤلاء الأمراء الأدباء من نسل العباسيين وغيرهم بهذا الإقليم شجَّعوا حركة أدبية عظيمة بما بذلوا من مال، وما وجَّهوا من رأي، وما ضربوا المثل بما أنشئوا من أدب، فقصدهم المؤلِّفون يهدون إليهم تآليفهم وقصائدهم؛ فيقصد ابن دريد — مثلًا — أبا الفضل الميكالي في نيسابور، ويؤلف له كتاب «الجمهرة»، وينشئ له قصيدته المقصورة — يا ظبية أشبه شيء بالمها — والتي يقول فيها في مدح آل ميكال:

إن ابن ميكال الأميرَ انتاشني
من بعدما قد كنت كالشيء اللقا

ويقول في ابني ميكال بعد أن ذكر العراق وأهله، وأنه لا يدانيهم في فضلهم أحد:

حاشا الأميرين اللذين أوفدا
عليَّ ظلًّا من نعيم قد ضفا
هما اللذان أثبتا لي أملًا
قد وقف اليأس به على شَفا
تلافيا العيش الذي رنَّقه
صرف الزمان فاستساغ وصَفا
وأجريا ماء الحيا لي رغدًا
فاهتزَّ غصني بعدما كان ذَوى
هما اللذان سَمَوَا بناظري
من بعد إغضائي على لذع القذى
هما اللذان عمرا لي جانبًا
من الرجاء كان قدمًا قد عفا
وقلَّداني منه لو قرنت
بشكر أهل الأرض عني ما وفى

ونرى مثلًا أبا منصور الثعالبي يؤلِّف كتابه «لطائف المعارف» للصاحب بن عباد، و«المبهج» لشمس المعالي قابوس بن وشمكير، و«فقه اللغة»، و«سحر البلاغة» لأبي الفضل الميكالي، و«النهاية في الكناية» لمأمون بن مأمون صاحب خوارزم … إلخ.

وعلى الجملة فهاتان الدولتان — البويهية والسامانية — مع فارسية ملوكهما وأعجمية لغاتهما الأصلية قد خدمتا اللغة العربية، والأدب العربي، والعلوم الإسلامية العربية، والفلسفة الإسلامية العربية خدمة لا تقدر.

هوامش

(١) أحسن التقاسيم: ٢٩٤، وما بعدها.
(٢) أي يعظون من غير قراءة في كتاب.
(٣) تهذيب التهذيب لابن حجر.
(٤) معجم الأدباء: ١ / ١٢٥
(٥) طبقات الأطباء: ٢ / ٢.
(٦) التيمية: ٣ / ٢١.
(٧) يتيمة: ٣ / ٣٣.
(٨) اليتيمة: ١٢٧.
(٩) قال ياقوت: إنها بضمَّ الأول وقد يفتح، واعتمدنا في نسب هذا المؤلف وتاريخ وفاته على «الأنساب» للسمعاني، وهو يخالف ما في ترجمته في صدر شرحه للمعلقات.
(١٠) اليتيمة: ٣ / ٩٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤