بين الشيعة والمعتزلة
اختلف الشيعة والمعتزلة في الأجل، فقالوا: لو لم يقتل القاتل المقتول، هل كان يجوز أن يبقيه الله تعالى؟ فقال أبو الهذيل العلاف بموته لو لم يقتله القاتل، وليس يجوز أن يكون الله تعالى قد أجّل أجله، ثم يقتل قبل بلوغه، أو يخترم دونه، ولا أن يتأخر عما أجّل له. وحجته في ذلك توبيخ الله المنافقين على قولهم: لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا (آل عمران: ١٥٦)، فقال تعالى: لقُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (آل عمران: ١٦٨)؛ فدلّ على أنهم لو تجنبوا مصارع القتل لم يكونوا ليدرءوا ذلك الموت عنهم. وقالت الأشعرية والجهمية والجبرية: إنها آجال مضروبة محدودة، وإذا أجّل الأجل، وكان في المعلوم أن بعض الناس يقتل، وجب وقوع القتل منه لا محالة، وليس يقدر القاتل على الامتناع عن قتله.
وقال قوم من معتزلة البغداديين بالقطع على حياته لو لم يقتله قاتل، وهذا عكس ما ذهب إليه أبو الهذيل، ومن والاه. قالوا: لو لم يمت المقتول في ذلك الوقت إذا لم يقتله القاتل، لما كان القاتل مسيئًا إليه إذ لم يفوّت عليه حياة، لو لم يبطلها لبقيت، لما كان القاتل مسيئًا إليه إذ لم يفوّت عليه حياة، لو لم يبطلها لبقيت، ولما استحق القود، ولكان ذابح الشاه بغير إذن مالكها قد أحسن إلى مالكها؛ لأنه لو لم يكن قد ذبحها ماتت فلم ينتفع بلحمها. قالوا: فإذا قال لنا: فهل تقولون إنه قطع عليه عمره؟ قلنا: إن الزمان الذي كان يعيش فيه لو لم يقتله القاتل، لا يسمى عمرًا إلا على سبيل المجاز، وإنا نقطع على أنه إن لم يقتل لمات. وقال قدماء الشيعة: الآجال تزيد وتنقص، ومعنى الأجل الوقت الذي علم الله تعالى أن الإنسان يموت فيه إن لم يقتل قبل ذلك، أو لم يفعل فعلًا يستحق به الزيادة أو النقصان في عمره. قالوا: وربما يقتل الإنسان الذي صرف له من الأجل خمسون سنة وهو ابن عشرين، وربما يفعل من الأفعال ما يستحق به الزيادة فيبلغ به مائة سنة، أو يستحق به النقص فيموت وهو ابن ثلاثين سنة. قالوا: فمما يقتضي الزيادة صلة الرحم، ومما يقتضي النقيصة الزنا، وعقوق الوالدين. قالوا: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: ١٧٩)؛ فحكم سبحانه بأن إثبات القصاص مما يمنع القاتل عن القتل؛ فتدوم حياة المقتول، فلو كان المقتول يموت لو لم يقتله القاتل، ما كان في إثبات القصاص حياة، وأما إلزام القاتل القود والغرامة فلأنّا لا نقطع بموت المقتول لو لم يقتل، بل يجوز أن يبقى.
ويرى المعتزلة أيضًا أن لملك الموت أعوانًا تقبض الأرواح بحكم النيابة عنه، ولولا ذلك لتعذر عليه، وهو جسم أن يقبض روحين في وقتٍ واحد، أحدهما في المشرق، والآخر في المغرب؛ لأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد. ولا يبعد أن يكون الحفظة الكاتبون هم القابضون للأرواح عند انقضاء الأجل، وإنما يكون ذلك في الوقت الذي يأذن الله تعالى به، وهو حضور الأجل، فألزموا أن يغوص الملك مع الفريق ليقبض روحه تحت الماء، وقالوا: ليس بمستحيل أن يتخلل الملك الماء في مسامّه، فإن فيه مسامّ ومنافذ.