الفصل الرابع

رجال المعتزلة في دور الضعف

وفي دور ضعف المعتزلة، وذهاب دولتهم ظهر أعلام قلائل كانوا أكفاء لرفع راية الاعتزال.

نذكر منهم: أبا القاسم البلخي، وأحيانًا يلقب بالكعبي، وقد كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية، وله مقالات كثيرة في الاعتزال، ومات سنة ٢١٧ﻫ.

ومنهم التنوخي، وقد تلقب بهذا اللقب أكثر من واحد، وكلهم معتزلة.

ومنهم أبو علي الجبائي، وهو أستاذ أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة، كان رئيس المعتزلة نسبة إلى جبي من أعمال خوزستان، مات سنة ٣٠٣ﻫ، وقد ردّ أيضًا على ابن الراوندي، ولما خرج الأشعري ردّ عليه، ولكن مع الأسف لم يصلنا شيء من ذلك، ولا من تفسيره للقرآن على مذهب الاعتزال، وأظن أن الزمخشري قد استفاد منه بعد في تفسيره، وكثيرًا ما يخلط الناس بينه وبين ابنه أبي هاشم الجبائي، وقد كان أيضًا عالمًا كبيرًا من علماء المعتزلة، وإليه تنسب فرقة معتزلية تسمى «البهشمية» نسبةً إلى أبي هاشم، وقد انتشرت كثيرًا في الريّ، وما حولها بسبب تأييد الصاحب ابن عباد الوزير البويهي له.

ولما ضعفت الدولة العباسية، واختل نظامها، جاءت الدولة البويهية، وذلك أن الخليفة العباسي المستكفي جعل أحمد بن بويه أميرًا للأمراء، وأنعم عليه بلقب معز الدولة، وكان يدّعي الانتساب إلى ملوك ساسان؛ فتسلط هو وإخوته على الخلفاء، يعزلونهم إن شاءوا، ويبقونهم إن شاءوا، ووسعوا سلطانهم فأخذوا أصبهان وشيراز، حتى بلغوا الأهواز، وألّفوا دولة اتخذوا عاصمتها شيراز. والذي يهمنا هنا أن دولة بني بويه كانت دولة شيعية تتظاهر بشعائر الشيعة جهارًا، وتحتفل بالأعياد الشيعية، كإقامة المناحة في عاشوراء حدادًا على الحسين، وتحتفل بعيد الغدير، إلى غير ذلك …

وكان أهم أمرائهم وألمعهم عضد الدولة، وقد كان يقيم في شيراز، ولكن لم يمنعه ذلك من إصلاح بغداد، وإنشاء عدد كبير فيها من المساجد والمستشفيات. ومما خدم به التشيع إنشاؤه مشهد عليّ، وقد كان يرعى العلم والأدب، وينفق فيهما الأموال الكثيرة، وإذ كانت دولة بني بويه شيعية كما ذكرنا، وكان قسم كبير من المعتزلة شيعيًّا أيضًا، أفسحت الدولة البويهية صدرها للمعتزلة، فوجدنا الاعتزال يترعرع فيها، فابن العميد الذي كان واليًا للبويهيين على إقليم الريّ كان معتزليًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤