عواطف أهل الشيعة
ولئن أمعن المتكلمون من المعتزلة والسنية في الحجج العقلية، والقوانين الدقيقة المنطقية، فقد غلبت على الشيعة العواطف، لقد أحبوا آل البيت حبًّا عاطفيًّا، وكرهوا جدًّا من عاداهم، وتأثروا تأثرًا شديدًا ممن عذبهم، أو قتلهم، أو حبسهم، ولم يكتفوا بالعواطف المجردة، بل أرادوا الانتقام ممن عذبهم، وحاولوا مرارًا قلب حكمهم، وهذه كلها شأن العواطف، أما مقدمة صغرى وكبرى، وقياس، وأشكال قياس، فهذه صبغة المعتزلة والسنية، ولكل طابعه.
دعت هذه العواطف عند الشيعة، وتعظيم الأولياء، وفكرة الاستشفاع بهم إلى مظهر واضح ربما تأثر به المسلمون جميعًا، وهو إقامة الأضرحة، والعناية بها وتزيينها، وزيارتها، والاستشفاع بها، وكثرة الدعوات عندها، وتمني الدفن بجوارها، وإن كانت هذه العادات عند السنيين والمسلمين فهي عند الشيعة أقوى، وربما كانت هي الأساس، من ذلك مثلًا مشهد الإمام علي بالنجف، وهو يبعد عن الكوفة نحو أربعة أميال، قد حشد فيه من قديم الفن الفارسي من خط جميل، وقاشاني، وتحف فنية ذهبية، وغير ذلك، والزائر لهذا المشهد يرى ساحات واسعة ملئت بالقبور كما يرى مئات القباب المختلفة الألوان، وقد سلم هذا المشهد من تخريب هولاكو؛ لأن الشيعة كانت قد ساعدته ليستعينوا به على السنية الذين كانوا قد آذوهم، يقول ابن بطوطة في رحلته: «ثم رحلنا، فنزلنا من مشهد علي بن أبي طالب بالنجف، وهي مدينة حسنة … وأهل هذه المدينة كلهم رافضة … وحيطان هذه الروضة منقوشة بالقاشاني، والقبة مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة … وفي المدينة خزانة كبيرة تجمع بها النذور من الناس في بلاد العراق وغيرها، من يصيبه المرض ينذر للروضة نذرًا إذا برئ … وهذه الروضة ظهرت لها كرامات.»
وعلى الزائر حين يزور أن يتلو دعاء الزيارة وهو: «السلام عليك يا ولي الله، يا حجة الله، يا خليفة الله، يا عمود الدين، يا وارث النبيين، يا قسيم الجنة والنار، يا صاحب العصا والميسم، يا أمير المؤمنين: أشهد أنك كلمة التقى، وباب الهدى، والأصل الثابت، والجبل الراسخ، والطريق الحق؛ أشهد أنك حجة الله على خلقه، وشاهده على عباده، وأمينه على علمه، ومستودع أسراره، ومعدن حكمته، وأخو رسوله، أشهد أنك أول مظلوم، وأول من غصب حقه، فصبر وانتظر، لعن الله من ظلمك، وغصب حقك وعاداك، لعنة عظيمة يلعنه بها كل ملك كريم، ونبي مرسل، ومؤمن صادق، ورحمة الله عليك يا أمير المؤمنين، وعلى روحك وجسدك … إلخ.» وهم يروون دعاءً مخصوصًا دعا به أحد الأئمة، وهذا الحديث يرينا مقدار أثر الإمام جعفر الصادق في تلوين التشيع وأثره.
ومن أشهر المشاهد والمزارات كربلاء على بعد ثلاثة أميال من بغداد، وفيها مشهد الحسين، وهي من أعظم المزارات وأفخمها، وأحفلها بالتحف والمذهبات، يقول فيها ابن بطوطة.. «والعتبة الشريفة، وهي من الفضة، وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة، وعلى الأبواب أستار الحرير، وكم يكرر الزائرون مأساة الحسين … وهم يروون الروايات الغريبة عن فضل هذا المكان المقدس تتلألأ قبته المغشاة بالذهب إذا طلعت عليه الشمس.»
كذلك يرى من دخل بغداد من الشمال أو الغرب المآذن الذهبية الأربعة فوق مشهد الكاظمية، كما يرى الشيعة يقصدون هذه المشاهد، ويستشفعون بها، ويدعون عندها.
والذي يرى المشاهد العديدة في القاهرة كمشهد الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، وغيرها يرى أنها صورة مصغرة جدًّا للمشاهد في النجف، وكربلاء، والكاظمية.